منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 12، ص: 318
و من كلام له عليه السّلام و هو المأة و الثامن و التسعون من المختار فى باب الخطب و هو مروىّ في الكافي ببسط و اختلاف كثير تطلع عليه بعد الفراغ من شرح ما أورده السيّد (ره) هنا:
تعاهدوا أمر الصّلاة و حافظوا عليها، و استكثروا منها، و تقرّبوا بها، فانّها كانت على المؤمنين كتابا موقوتا، أ لا تسمعون إلى جواب أهل النّار حيث سئلوا ما سلككم في سقر، قالوا لم نك من المصلّين و انّها لتحتّ الذّنوب حتّ الورق، و تطلقها إطلاق الرّبق، و شبّهها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالحمّة تكون على باب الرّجل، فهو يغتسل منها في اليوم و اللّيلة خمس مرّات، فما عسى أن يبقى عليه من الدّرن، و قد عرف حقّها رجال من المؤمنين الّذين لا تشغلهم عنها زينة متاع، و لا قرّة عين من ولد و لا مال، يقول اللّه سبحانه: «رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَ إِقامِ الصَّلاةِ وَ إِيتاءِ الزَّكاةِ» و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نصبا بالصّلاة بعد التّبشير له بالجنّة، لقول اللّه سبحانه «وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَ اصْطَبِرْ عَلَيْها» فكان يأمر أهله و يصبّر عليها نفسه.
اللغة:
(تعاهدوا أمر الصّلاة) و روى تعهّدوا بدله يقال تعهّدت الشيء و تعاهدته تردّدت إليه و تفقّدته و أصلحته، و حقيقته تجديد العهد به، و فى الدّعاء عند الحجر الأسود:
ميثاقي تعهّدته لتشهد لي بالموافاة يوم القيامة، و في رواية العلل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام تعاهدته بدله، أى جدّدت العهد به، قال الفيومي: قال الفارابى: تعهّدته أفصح من تعاهدته، و قال ابن فارس و لا يقال تعاهدته، لأنّ التعاهد لا يكون إلّا من اثنين و يردّه كلام أمير المؤمنين عليه السّلام على رواية السيّد، و دعاء الحجر على رواية العلل و ما في الحديث من قوله: تعاهدوا نعالكم عند أبواب مساجدكم.
و (حتّ) الرّجل الورق من الشجر حتا من باب مدّ أسقطه و أزاله، و تحاتت
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 12، ص: 320
الشّجرة تساقط ورقها و (الرّبق) وزان عنب جمع ربق بالكسر وزان حمل حبل فيه عدّة عرى يشدّ به البهم، و كلّ عروة ربقة و (الحمة) بفتح الحاء المهملة كلّ عين فيها ماء حارّ ينبع يستشفى بها الأعلاء، و في بعض النّسخ بالجيم و هى البئر الكثيرة الماء و (الدّرن) محرّكة الوسخ.
و (اقام الصّلاة) أصله إقوام مصدر أقوم مثل أكثر أكرم إكراما، و التّاء في إقامة عوض من العين السّاقط بالاعلال، فلما اضيفت اقيمت الاضافة مقام حرف التّعويض و (نصب) نصبا كتعب وزنا و معنى فهو نصب.
و (يصبّر عليها نفسه) بالتثقيل أى يأمرها بالصّبر من صبّرته أى حملته على الصّبر بوعد الأجر، و قلت له: اصبر و يروى بالتّخفيف أى يحبس عليها نفسه.
الاعراب:
قوله: على المؤمنين، متعلّق بقوله: موقوتا قوله: فما عسى أن يبقى عليه من الدّرن، كلمة ما نافية و عسى تامّة بمعنى كاد، و أن يبقى عليه، في موضع رفع بأنّه فاعل عسى كما في قوله تعالى «عَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً» و فاعل يبقى محذوف و من الدّرن بيان للفاعل المحذوف أى يبقى عليه شيء من الدّرن.
و قوله تعالى: رجال، فاعل يسبّح المذكور قبل ذلك، قال سبحانه «يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ» و على قراءة يسبّح مبنيّا للمفعول فالجار و المجرور أعني له نايب عن الفاعل و رجال مرفوع بفعل محذوف يدل عليه الفعل المذكور كأنّه بعد ما قيل يسبّح له سئل عن المسبّح فقيل: رجال، أى يسبّح له
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 12، ص: 321
رجال على حدّ قول الشّاعر:
ليبك يزيد ضارع لخصومة و مختبط ممّا تطيح الطوايح
أى يبكيه ضارع.
المعنى:
اعلم أنّ مدار هذا الكلام الشّريف على فصول ثلاثة الفصل الاول في الأمر بالصّلاة و الحثّ عليها و الفصل الثاني في الترغيب في الزّكاة و الالزام بها و الفصل الثالث في التحضيض على أداء الأمانة و التّحذير من المعاصي.
اما الفصل الاول:
فهو قوله (تعاهدوا أمر الصلاة) أى جدّدوا العهد بها و راقبوا عليها في أوقاتها المخصوصة و لا تضيّعوها و لا تغفلوا عنها، لأنها عماد الدّين، و معراج المؤمنين، و قربان كلّ تقىّ و مؤمن نقيّ، و أوّل ما يحاسب به العبد إن قبلت قبل ما سواها و إن ردّت ردّ ما سواها.
و قد ذمّ اللّه أقواما توانوا عنها و استهانوا بأوقاتها فقال: «فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ» قال أمير المؤمنين عليه السّلام في رواية الخصال: يعني أنهم غافلون استهانوا بأوقاتها.
(و حافظوا عليها) أى على أوقاتها و رعاية آدابها و سننها و حدودها و مراسمها و شروطها و أركانها.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 12، ص: 322
فلقد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من ترك صلاته متعمّدا فقد هدم دينه.
و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لا تضيعوا صلاتكم فانّ من ضيع صلاته حشره اللّه تعالى مع قارون و فرعون و هامان لعنهم اللّه و أخزاهم و كان حقا على اللّه أن يدخله النار مع المنافقين فالويل لمن لم يحافظ على صلاته.
و قال أبو جعفر عليه السّلام إنّ الصلاة إذا ارتفعت في أوّل وقتها رجعت إلى صاحبها و هي بيضاء مشرقة، تقول: حفظتني حفظك اللّه و إذا ارتفعت في غير وقتها بغير حدودها رجعت إلى صاحبها و هى سوداء مظلمة، تقول: ضيّعتنى ضيّعك اللّه.
و قد أمر اللّه عزّ و جل بمحافظتها في الكتاب العزيز بقوله: «حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَ الصَّلاةِ الْوُسْطى وَ قُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ» .
قال أمين الاسلام الطبرسى: أى داوموا على الصلوات المكتوبات في مواقيتها بتمام أركانها، ثمّ خص الوسطى تفخيما لشأنها فقال: و الصّلوة الوسطى و قال المحدّث العلّامة المجلسى: و يدلّ بناء على كون الأمر مطلقا أو خصوص أمر القرآن للوجوب على وجوب المحافظة على جميع الصّلوات إلّا ما أخرجها الدليل، و ربما يستدلّ بها على وجوب صلاة الجمعة و العيدين و الايات، و لكن في بعض الرّوايات أنّ المراد بها الصّلوات الخمس، و على تقدير العموم يمكن تعميمها بحيث يشمل النّوافل و التّطوّعات أيضا، فلا يكون الأمر على الوجوب، و يشمل رعاية السّنن في الصلاة الواجبة أيضا كما يفهم من بعض الأخبار.
و خصّ الصلاة الوسطى بذلك بعد التعميم لشدّة الاهتمام بها لمزيد فضلها أو لكونها معرضة للضّياع من بينها فهى الوسطى بين الصلاة وقتا أو عددا او الفضلى من قولهم للأفضل الأوسط.
و قد قال بتعيين كلّ من الصلوات الخمس قوم إلّا أنّ أصحابنا لم يقولوا بغير الظهر و العصر كما يظهر من المنتهى و غيره.
فقال الشيخ في الخلاف: إنّها الظهر و تبعه جماعة من أصحابنا و به قال زيد بن ثابت عايشة و عبد اللّه بن شداد، لأنّها بين صلاتين بالنّهار، و لأنّها فى وسط النّهار، و لأنّها تقع
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 12، ص: 323
فى شدّة الحرّ و الهاجرة وقت شدّة تنازع الانسان إلى النّوم و الرّاحة فكانت أشقّ، و أفضل العبادات أحمزها، و أيضا الأمر بمحافظة ما كان أشقّ أنسب و أهمّ و لأنّها أوّل صلاة فرضت و لأنها في الساعة الّتي يفتح فيها أبواب السماء فلا تغلق حتّى تصلّى الظهر و يستجاب فيها الدّعاء.
و روى الجمهور عن زيد بن ثابت قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصلّى الظهر بالهاجرة و لم يكن يصلّى صلاة أشدّ على أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم منها فنزلت الاية.
و روى التّرمدى و أبو داود عن عايشة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قرء حافظوا على الصلوات و الصلاة الوسطى و صلاة العصر.
قال في المنتهى: و العطف يقتضى المغايرة لا يقال: الواو زايدة كما في قوله تعالى «وَ لكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَ خاتَمَ النَّبِيِّينَ» لأنّا نقول: الزّيادة منافية للأصل فلا يصار إليه إلّا لموجب و المثال الذى ذكروه نمنع زيادة الواو فيه بل هى للعطف على بابها و قال في مجمع البيان: كونها الظهر هو المرويّ عن الباقر و الصادق عليهما السّلام و روى فيه عن عليّ عليه السّلام أنّها الجمعة يوم الجمعة و الظهر فى ساير الأيام.
و قال السيد المرتضى هى صلاة العصر و تبعه جماعة من أصحابنا، و به قال أبو هريرة و أبو أيّوب و أبو سعيد عبيدة السلمانى و الحسن و الضّحاك و أبو حنيفة و أصحابه و أحمد و نقله الجمهور عن عليّ عليه السّلام قالوا لأنّها بين صلاتي ليل و صلاتي نهار.
و احتجّ السيد ره باجماع الشيعة. و المخالفون بما رووا عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال يوم الأحزاب: شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ اللّه بيوتهم و قبورهم نارا.
و في الوسائل بعد رواية الأخبار الدّالّة على أنّها الظهر قال: و تقدّم ما يشعر بأنها العصر، و هو محمول على التّقية في الرّواية.
و قيل: إنّها إحدى الصلوات الخمس لم يعيّنها اللّه و أخفاها في جملة الصلوات
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 12، ص: 324
المكتوبة ليحافظوا على جميعها كما أخفى ليلة القدر في ليالى شهر رمضان، و اسمه الأعظم في جميع الأسماء، و ساعة الاجابة في ساعات الجمعة لئلا يتطرّق التّشاغل بغيرها بل يهتمّ غاية الاهتمام بالكلّ فيدرك كمال الفضل.
(و استكثروا منها) فانّها خير موضوع فمن شاء أقلّ و من شاء أكثر.
روى في البحار من البصاير عن محمّد بن الحسين عن عبد الرّحمن بن أبي هاشم ابن العتبة العابدة قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام و ذكر عنده الصلاة فقال: إنّ فى كتاب عليّ عليه السّلام الذى إملا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إنّ اللّه لا يعذّب على كثرة الصلاة و الصيام و لكن يزيده جزاء «خيرا خ» و فى الوسايل عن الشيخ باسناده عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال:
أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم رجل فقال: ادع اللّه أن يدخلني الجنّة فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أعنّى بكثرة السّجود.
و فيه عن الصدوق باسناده عن أبي جعفر العطار قال: سمعت الصادق جعفر ابن محمّد عليهما السّلام يقول: جاء رجل إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال: يا رسول اللّه كثرت ذنوبى و ضعف عملى، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: أكثر السّجود فانّه يحطّ الذنوب كما تحتّ الرّيح ورق الشجر.
(و تقرّبوا بها) إلى اللّه سبحانه فانّها قربان كلّ تقىّ.
كما رواه في البحار من العيون باسناده عن محمّد بن الفضيل عن الرّضا عليه السّلام قال: الصلاة قربان كلّ تقىّ.
و فيه من ثواب الأعمال باسناده عن موسى بن بكر عن أبي الحسن عليه السّلام قال: صلاة النّوافل قربان كلّ مؤمن.
بل هى أفضل ما يتقرّب به إليه تعالى.
كما يدلّ عليه ما رواه في الكافى باسناده عن معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن أفضل ما يتقرّب به العباد إلى ربّهم فقال: ما أعلم شيئا بعد المعرفة أفضل من هذه الصلاة، ألا ترى أنّ العبد الصالح عيسى بن مريم عليهما السّلام قال: و أوصانى
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 12، ص: 325
بالصلاة و الزّكوة ما دمت حيّا، هذا.
و لمّا أمر بتعاهدها و محافظتها و التّقرّب بها عقّب عليه السّلام ذلك و علّله بوجوه مرغبة.
أحدها قوله اقتباس (فانّها كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) اقتباس من الاية الشريفة فى سورة النساء.
قال في مجمع البيان: اختلف في تأويله فقيل: إنّ الصلاة كانت على المؤمنين واجبة مفروضة و هو المرويّ عن الباقر و الصادق عليهما السّلام، و قيل: معناه فرضا موقوتا أى منجما تؤدّونها في أنجمها.
و في الكافى باسناده عن داود بن فرقد قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: قوله تعالى «إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً» قال: كتابا ثابتا و ليس إن عجّلت قليلا أو أخّرت قليلا بالذى يضرّك ما لم تضيّع تلك الاضاعة فانّ اللّه عزّ و جلّ يقول لقوم «فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَ اتَّبَعُوا».
و فيه عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام في هذه الاية أى كتابا موجوبا «موجبا خ ل» هذا و تخصيص المؤمنين بالذكر في الاية الشريفة لتحريصهم و ترغيبهم على حفظها و حفظ أوقاتها حالتى الأمن و الخوف و مراعاة جميع حدودها في حال الأمن و ايماء بأنّ ذلك من مقتضى الايمان و شعار أهله فلا يجوز أن تفوتهم و إنّ التّساهل فيها يخلّ بالايمان و انّهم هم المنتفعون بها لعدم صحّتها من غيرهم.
الثاني قوله -استفهام تقريرى- استفهام توبيخى (ألا تسمعون إلى جواب أهل النار) و الاستفهام للتقرير بما بعد النّفى أو للتوبيخ و التقريع، و الغرض منه تنبيه المخاطبين على أنّ ترك الصلاة يوجب دخول النار و سخط الجبار ليتحرزوا من تركها و يحافظوا عليها.
و ذلك انّ أهل النار (حين سئلوا) أى سألهم أهل الجنّة على ما حكى اللّه عنهم في سورة المدّثر بقوله: «كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ. إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ. فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ. ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ. قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَ لَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ. وَ كُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ. وَ كُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ. حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ» .
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 12، ص: 326
قال أمين الاسلام الطبرسى في تفسير الاية: كلّ نفس بما كسبت رهينة أى محبوسة بعملها مطالبة بما كسبته من طاعة أو معصية، ثمّ استثنى سبحانه أصحاب اليمين وهم الذين يعطون كتبهم بأيمانهم و قال الباقر عليه السّلام نحن و شيعتنا أصحاب اليمين.
في جنّات يتساءلون، أى يسأل بعضهم بعضا و قيل: يسألون عن المجرمين أى عن حالهم و عن ذنوبهم الّتي استحقوا بها النار.
ما سلككم في سقر، هذا سؤال توبيخ أى تطلع أهل الجنّة على أهل النار فيقولون: ما أوقعكم في النار.
قالوا لم نك من المصلّين، أى كنا لا نصلّى الصلاة المكتوبة على ما قرّرها الشرع، و في هذا دلالة على أنّ الاخلال بالواجب يستحقّ به الذّم و العقاب، لأنهم علّقوا استحقاقهم العقاب بالاخلال بالصلاة، و فيه دلالة أيضا على أنّ الكفار مخاطبون بالعبادات الشرعيّة، لأنه حكاية عن الكفار بدليل قوله: و كنا نكذّب بيوم الدّين.
و قوله: و لم نك نطعم المسكين، معناه لم نك نخرج الزّكوات الّتى كانت واجبة علينا، و الكفارات التي وجب دفعها إلى المساكين، و هم الفقراء.
و كنّا نخوض مع الخائضين أى كلّما غوى غاو بالدّخول في الباطل غوينا معه و المعنى كنا نلوث أنفسنا في المرور بالباطل كتلويث الرّجل بالخوض، فهؤلاء لما كانوا يجرون مع من يكذّب بالحقّ مشيعين لهم فى القول كانوا خائضين معهم.
و كنا نكذّب بيوم الدّين، مع ذلك أى نجحد يوم الجزاء و هو يوم القيامة.
حتّى أتينا اليقين، أى أتانا الموت على هذه الحالة، و قيل: حتّى جاءنا علم اليقين من ذلك بأن عاينّاه، هذا.
و فى الصافى عن الكافى عن الصادق عليه السّلام في قوله: لم نك من المصلّين،
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 12، ص: 327
قال عليه السّلام: لم نك من أتباع الأئمة الذين قال اللّه فيهم: و السابقون السابقون اولئك المقرّبون، أما ترى الناس يسمّون الذى يلي السابق في الحلبة مصلّيا، فذلك الذى عنى حيث قال: لم نك من المصلّين أى لم نك من أتباع السابقين.
و عن الكاظم عليه السّلام يعنى أنا لم نتولّ وصيّ محمّد و الأوصياء من بعده و لم نصلّ عليهم، و هذان لا ينافيان التفسير المتقدّم لأنّ المتقدّم تنزيلها و هذا تأويلها.
(و) الثالث تشبيه المعقول بالمحسوس (انها لتحتّ الذّنوب حتّ الورق) أى تسقطها من الرّقاب سقوط الأوراق من الأشجار.
كما وقع التّصريح به في رواية الوسايل من مجالس ابن الشّيخ باسناده عن سلمان الفارسى قال: كنّا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فى ظلّ شجرة فأخذ غصنا منها فنفضه فتساقط ورقه فقال: ألا تسألونى عمّا صنعت؟ فقالوا: أخبرنا يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال: إنّ العبد المسلم إذا قام إلى الصلاة تحاطت خطاياه كما تحاطت ورق هذه الشجرة، هذا.
و التشبيه في كلامه عليه السّلام من قبيل تشبيه المعقول بالمحسوس، و كذلك في قوله: (و تطلقها إطلاق الرّبق) و الكلام على القلب و المراد أنّها تطلق أعناق النفوس أى تفكّها من أغلال الذّنوب إطلاق أعناق البهايم من الأرباق.
و لمّا ذكر إسقاطها للذّنوب أيّده بقوله (و شبّهها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالحمة تكون على باب الرّجل) و أشار إلى وجه الشّبه بقوله (فهو يغتسل منها) و يطهر جسده من الأوساخ (في اليوم و اللّيلة خمس مرّات فما عسى أن يبقى عليه) شيء (من الدّرن) و كذلك من صلّى الصلوات الخمس لا يبقى عليه شيء من الذّنوب.
و قد تقدّم في شرح الخطبة المأة و التاسعة رواية متن الحديث النّبوى من الفقيه عن الصادق عليه السّلام قال: قال النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إنّما مثل الصلاة فيكم كمثل السرى و هو النهر على باب أحدكم يخرج إليه في اليوم و اللّيلة يغتسل منه خمس مرّات فلم يبق الدرن على الغسل خمس مرّات، و لم يبق الذنوب على الصلاة خمس مرّات.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 12، ص: 328
و الرابع ما أشار إليه بقوله (و قد عرف حقّها) و قدرها (رجال من المؤمنين) و هو عليه السّلام رئيسهم و سيّدهم و أفضلهم حسبما تطلع عليه في الأخبار الاتية و هم (الذين لا تشغلهم عنها زينة متاع و لا قرّة عين من ولد و لا مال) لعلمهم بأنّ المال و البنين زينة الحياة الدنيا و الباقيات الصالحات خير عند ربهم ثوابا و خير أملا.
(يقول اللّه سبحانه) في وصفهم في سورة النّور: «فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ (رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ)» من عطف الخاص على العام لشمول التجارة ساير أنواع المكاسب (عن ذكر اللّه و إقام الصّلوة و ايتاء الزكاة) يخافون يوما تتقلّب فيه القلوب و الأبصار.
قال فى مجمع البيان: روى مرفوعا أنّه سئل النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لما قرء الاية أىّ بيوت هذه؟ فقال: بيوتات الأنبياء، فقام أبو بكر فقال: يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله هذا البيت منها لبيت عليّ و فاطمة، قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: نعم من أفاضلها.
و المراد بالرّفع التعظيم و رفع القدر من الأرجاس و التطهير من المعاصى، و يذكر فيها اسمه أى يتلى فيها كتابه يسبّح له فيها بالغدوّ و الاصال أى يصلّى فيها بالبكر و العشايا، رجال لا تلهيهم، أى لا تشغلهم و لا تصرفهم، تجارة و لا بيع عن ذكر اللّه و إقام الصلاة، أى إقامة الصّلاة و ايتاء الزكاة أى إخلاص الطاعة للّه و قيل يريد الزكاة المفروضة.
و روى في كتاب غاية المرام من تفسير مجاهد و الى يوسف يعقوب بن سفين «كذا» قال ابن عبّاس في قوله تعالى: «وَ إِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَ تَرَكُوكَ قائِماً» إنّ دحية الكلبي جاء يوم الجمعة من الشّام بالمسيرة فنزل عند أحجار الزّيت ثمّ ضرب بالطبول ليأذن بقدومه و مضوا النّاس اليه إلّا علىّ و الحسن و الحسين و فاطمة و سلمان و أبو ذر و المقداد و صهيب و تركوا النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قائما يخطب على المنبر، فقال النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لقد نظر اللّه يوم الجمعة إلى مسجدى فلو لا هؤلاء الثمّانية الّذين جلسوا في مسجدى لاضطرمت المدينة على أهلها نارا و حصبوا بالحجارة كقوم لوط، فنزل فيهم: رجال لا تلهيهم تجارة و لا بيع.
و فيه عن محمّد بن العباس عن محمّد بن همّام عن محمّد بن إسماعيل عن عيسى بن
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 12، ص: 329
داود قال: حدّثنا الامام موسى بن جعفر عن أبيه عليهما السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ «فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ» الاية قال: بيوت آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بيت عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين و حمزة و جعفر عليهم السّلام، قلت: بالغدوّ و الاصال، قال: الصّلاة في أوقاتها، قال: ثمّ وصفهم اللّه عزّ و جل: «رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَ إِقامِ الصَّلاةِ وَ إِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَ الْأَبْصارُ»، قال: هم الرّجال لم يخلط اللّه معهم غيرهم، ثمّ قال: «لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَ يَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ» ، قال: ما اختصّهم به من المودّة و الطّاعة المفروضة و صيّر مأواهم الجنّة و اللّه يرزق من يشاء بغير حساب.
(و) الخامس انّ في المحافظة على الصلاة أسوة بالنّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فلقد (كان رسول اللّه نصبا بالصلاة) أى تعبا بها كلّ التعب.
حتى روى انّه كان يصلّى اللّيل كلّه و يعلّق صدره بحبل حتّى لا يغلبه النّوم فعاتبه اللّه على ذلك و أنزل عليه «طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى » و أمره بأن يخفّف على نفسه و ذكر أنّه ما أنزل عليه الوحى ليتعب كلّ هذا التّعب.
روى فى الصافى من الاحتجاج عن الكاظم عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السّلام قال: لقد قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عشر سنين على أطراف أصابعه حتّى تورّمت قدماه و اصفرّ وجهه يقوم اللّيل أجمع حتّى عوتب في ذلك فقال اللّه عزّ و جلّ «طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى» بل لتسعد.
قيل: الشقاء شايع بمعنى التّعب و منه أشقى من رايض المهر و سيّد القوم أشقاهم، و لعلّه عدل اليه للاشعار بأنّه انزل إليه ليسعد.
و قوله (بعد التبشير له بالجنّة) إشارة إلى أنّه لم يكن مواظبته على الصّلاة شوقا إلى الجنّة و لا خوفا من النّار بل قد كان نصبا بها مع وجود تلك البشارة متحملا كلّ التعب امتثالا (لقول اللّه سبحانه) و أمره له بالصبر عليها في سورة طه حيث قال: «1»
______________________________
(1) رضت الدابة رياضا ذللتها فالفاعل رائض، مصباح اللغة.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 12، ص: 330
«(وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَ اصْطَبِرْ عَلَيْها) لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً. نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَ الْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى» .
قال في مجمع البيان: معناه و أمر يا محمّد أهل بيتك و أهل دينك بالصلاة و اصبر على فعلها، و فى الصافى و داوم عليها، لا نسألك أن ترزق نفسك و لا أهلك، بل كلّفناك العبادة و أداء الرّسالة و ضمنا رزق الجميع، نحن نرزقك و إيّاهم ففرّغ بالك للاخرة، و العاقبة المحمودة لذوى التقوى.
قال فى مجمع البيان روى أبو سعيد الخدرى قال: لمّا نزلت هذه الاية كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يأتي باب فاطمة و عليّ تسعة أشهر عند كلّ صلاة فيقول: الصلاة رحمكم اللّه «إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً».
قال و قال أبو جعفر عليه السّلام أمره اللّه أن يخصّ أهله دون النّاس ليعلم النّاس أنّ لأهله عند اللّه منزلة ليست للنّاس، فأمرهم مع النّاس عامّة ثمّ أمرهم خاصّة.
و فى الصافى من العيون عن الرّضا عليه السّلام في هذه الاية قال: خصّنا اللّه هذه الخصوصيّة إذ أمرنا مع الامّة باقامة الصّلاة ثمّ خصّنا من دون الامّة فكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يجيء إلى باب علىّ و فاطمة بعد نزول هذه الاية تسعة أشهر كلّ يوم عند حضور كلّ صلاة خمس مرّات فيقول: الصّلاة رحمكم اللّه و ما أكرم اللّه أحدا من ذرارى الأنبياء بمثل هذه الكرامة الّتي أكرمنا بها و خصّنا من دون جميع أهل بيتهم.
(فكان) صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (يأمر) بها (أهله و يصبّر عليها نفسه) أى يأمر نفسه بالصبر و التحمّل على تعبها، هذا.
و قد تقدّم في شرح الخطبة المأة و التاسعة تفصيل الكلام في فضل الصّلاة و آدابها و أسرارها و عقاب تاركها. فليراجع هناك.
الترجمة:
از جمله كلام بلاغت نظام آن امام است وصيّت ميكرد با آن أصحاب خود را مى فرمود:
مواظبت نمائيد بأمر نماز و محافظت نمائيد بر آن و بسيار كنيد از گذاردن آن و تقرّب جوئيد بدرگاه پروردگار با آن، پس بدرستى كه بوده است آن نماز بر مؤمنين فرض واجب، آيا گوش نمى كنيد بسوى جواب اهل آتش وقتى كه سؤال كرده شدند كه چه باعث شد بامدن شما در دوزخ، گفتند نبوديم ما در دنيا از نماز گذارندگان، و بدرستى كه آن نماز مى ريزد گناهان را مثل ريختن برك از درختان و بر مى دارد قيد گناهان را از گردن گناه كاران مثل برداشتن بند ريسمان از گردن حيوان.
و تشبيه فرموده است نمازهاى پنج گانه را حضرت رسالتماب صلوات اللّه و سلامه عليه و آله بچشمه آب گرمى كه باشد در خانه مرد پس بشويد آن مرد بدن خود را در آن چشمه در روز و شب پنج دفعه، پس نزديك نيست كه باقى ماند بر بدن او چركى و كثافتى، و بتحقيق كه شناخت قدر نماز را مردانى از مؤمنين كه مشغول نمى كند ايشان را از آن نماز زينت متاع دنيا و نه چشم روشنى از اولاد و نه مال آن مى فرمايد حق تعالى در شان ايشان: «رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ» الاية، يعنى تسبيح كند خداوند را مردانى كه مشغول نمى نمايد ايشان را تجارت و خريد و فروش از ذكر پروردگار و از اقامه نماز و از دادن زكاة و بود حضرت رسول خدا بغايت متحمل بمشقّت و زحمت نماز با وجود اين كه بشارت بهشت داده بود او را بجهت فرمايش خدا كه خطاب فرمود او را كه: امر كن اهل خود را بنماز و صبر كن برحمت آن، پس بود آن بزرگوار امر مى فرمود اهل خود را و وادار مى نمود نفس خود را بر آن.