منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 12، ص: 383
و من كلام له عليه السّلام و هو المأتان من المختار فى باب الخطب:
أيّها النّاس لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلّة أهله، فانّ النّاس قد اجتمعوا على مائدة شبعها قصير، و جوعها طويل، أيّها النّاس إنّما يجمع النّاس الرّضا و السّخط، و إنّما عقر ناقة ثمود رجل واحد فعمّهم اللّه بالعذاب لمّا عمّوه بالرّضا، فقال سبحانه «فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ» فما كان إلّا أن خارت أرضهم بالخسفة خوار السّكّة المحماة في الارض الخوّارة أيّها النّاس من سلك الطّريق الواضح ورد الماء، و من خالف وقع في التّيه. (48966- 48894)
اللغة:
قال الأزهرى (العقر) عند العرب قطع عرقوب النّاقة ثمّ جعل النّحر عقرا لأنّ ناحر البعير يعقره ثمّ ينحره و (الخوار) بالضمّ صوت البقر و الغنم و السّهم و الحور المنخفض من الأرض، و الأرض الخوّارة الكثيرة الخوار و (خسف) المكان غار في الأرض و خسفه اللّه يتعدّى و لا يتعدّى و (السّكة) بالكسر حديدة الفدّان الّتي تثير بها الأرض و (حميت) الحديدة تحمى من باب تعب فهى حامية إذا اشتدّ حرّها بالنّار و يعدّى بالهمزة فيقال أحميتها فهي محماة و (التّيه) بكسر التّاء المفازة الّتي لا علامة فيها يهتدى بها، و تاه الانسان في المفازة يتيه ضلّ عن الطريق.
الاعراب:
ثمود بالفتحة قبيلة من العرب الاولى و هم قوم صالح و صالح من ولد ثمود سمّوا باسم أبيهم الأكبر ثمود بن عائر بن ارم بن سام بن نوح يصرف و لا يصرف، فمن جعله اسم حىّ أو واد صرفه لأنّه حينئذ مذكّر، و من جعله اسم قبيلة أو أرض لم يصرفه للتّأنيث و العلميّة، و أرض ثمود قريبة من تبوك، و لمّا عمّوه في بعض النسخ بتشديد الميم فتكون ظرفيّة بمعني إذ، و في بعضها بكسر اللّام و تخفيف الميم فتكون ما مصدريّة، و قوله: فأصبحوا نادمين إن كان أصبح ناقصة بمعني صار فنادمين خبرها، و إن كانت تامّة بمعني الدّخول في وقت الصّباح فهو حال من فاعلها، و يؤيّد الثاني قوله تعالى في سورة الحجر «فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ» و كذا قوله: فما كان، يحتمل أن تكون كان ناقصة و اسمها مضمر فيها أى ما كان الانتقام منهم، و تامّة بمعنى وقع.
المعنى:
اعلم أنّ الغرض من هذا الكلام ترغيب أصحابه على الثّبات على ما كانوا عليه من سلوك سبيل الحقّ، و لمّا كانت العادة جارية بأن يستوحش النّاس من الوحدة و قلّة الرّفيق في الطريق لا سيّما إذا كان طويلا صعبا غير مأنوس فنهى عن الاستيحاش في تلك الطريق و قال:
كنايه (أيّها النّاس لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلّة أهله) و كنّى به عمّا عساه
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 12، ص: 384
يعرض لبعضهم من الوسوسة بأنّهم ليسوا على الحقّ لقلّتهم و كثرة مخالفيهم، و أيضا قلّة العدد في الطّرق الحسيّة مظنّة الهلاك و السّلامة مع الكثرة فنبّههم عليه السّلام على أنهم فى طريق الهدى و السلامة و إن كانوا قليلين و أنّ طرق الاخرة لا تقاس بطرق الدّنيا.
ثمّ نبّه على قلّة أهل الهدى بأنّ أغلب الناس مفتونون بحبّها الصارف لهم عن طريق الهدى إلى طريق الرّدى فقال:
استعاره بالكنايه- استعاره (فانّ الناس اجتمعوا على مائدة) استعارها للدّنيا و الجامع كونهما مجتمع اللّذات و تفرعها بأنّ (شبعها قصير وجوعها طويل) و كنّى بقصر شبعها عن قصر مدّتها و بطول جوعها عن استعقاب الانهماك فيها للعذاب الطويل في الاخرة.
قال الشارح البحرانى: لفظ الجوع مستعار للحاجة الطويلة بعد الموت إلى المطاعم الحقيقية الباقية من الكمالات النفسانية الفانية بسبب الغفلة فى الدّنيا، فلذلك نسب الجوع إليها.
و كيف كان ففيه تنفير للمخاطبين من الاجتماع على تلك المائدة مع المجتمعين عليها من أهل الدّنيا و حثّ لهم على الاجتماع على مائدة شبعها طويل وجوعها قصير مع المجتمعين عليها من أهل الاخرة.
و انما يحصل ذلك بسلوك صراطهم المستقيم المؤدّى إلى جنّة النعيم عرضها السماوات و الأرض اعدّت للمتقين، اولئك لهم رزق معلوم، فواكه و هم مكرمون، على سرر متقابلين، يطاف عليهم بكأس من معين، بيضاء لذّة للشاربين، و فاكهة مما يتخيّرون، و لحم طير مما يشتهون، يسقون من رحيق مختوم، ختامه مسك و فى ذلك فليتنافس المتنافسون، هذا.
و أما قلّة أهل الهدى فقد اشير إليها فى كثير من آيات الكتاب العزيز و فى أخبار أهل البيت عليهم السّلام، و قد مدح اللّه القليل و ذمّ الكثير فى كثير من آى التنزيل قال تعالى «يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ ...» و قال «وَ قَلِيلٌ ما هُمْ» و قال «حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَ فارَ التنور» و قال «بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ» و قال اكثرهم لا يشعرون.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 12، ص: 385
و الغرض منها رفع ما يسبق الى الأوهام العامية من أنّ الكثرة دليل الحقيّة و القلّة دليل البطلان، و لذا يميل أكثر الناس إلى السواد الأعظم مع أنّ فى أعصار جميع الأنبياء كان أعداؤهم أضعاف أتباعهم و أوليائهم.
روى فى البحار من الكافى باسناده عن سماعة بن مهران قال: قال لي عبد صالح عليه السّلام يا سماعة امنوا على فرشهم و أخافونى أما و اللّه لقد كانت الدّنيا و ما فيها إلّا واحد يعبد اللّه و لو كان معه غيره لأضافه اللّه عزّ و جلّ إليه حيث يقول: «إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَ لَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ» فصبر بذلك ما شاء اللّه، ثمّ إن اللّه آنسه باسماعيل و إسحاق فصاروا ثلاثة أما و اللّه إنّ المؤمن لقليل و إنّ أهل الكفر كثير أ تدرى لم ذلك؟ فقلت: لا أدرى جعلت فداك، فقال: صيروا انسا للمؤمنين يبثّون إليهم ما فى صدورهم فيستريحون إلى ذلك و يسكنون إليه.
قال المحدّث العلامة المجلسيّ بعد نقله: قوله: و أخافوني، أى بالاذاعة و ترك التقيّة، و الضمير في أمنوا راجع إلى المدّعين للتشيّع الّذين لم يطيعوا أئمتهم في التقيّة و ترك الاذاعة و أشار بذلك إلى أنّهم ليسوا بشيعة لنا، و قوله و إنّ أهل الكفر كثير المراد بالكفر هنا المقابل للايمان الكامل كما قال تعالى «وَ ما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَ هُمْ مُشْرِكُونَ» و قوله: أ تدرى لم ذاك؟ أى قلّة عدد المؤمنين مع أنّهم بحسب الظاهر كثيرون أو لأنّ اللّه لم جعل هؤلاء في صورة المؤمنين، و المعني أنّ اللّه جعل هؤلاء المتشيّعة انسا للمؤمنين لئلّا يستوحشوا لقلّتهم أو يكون علّة لخروج هؤلاء عن الايمان، فالمعني أنّه جعل المخالفين انسا للمؤمنين فيبثّون أى المؤمنون إلى المخالفين أسرار أئمّتهم فبذلك خرجوا عن الايمان.
و يؤيد الاحتمالات المتقدّمة ما رواه علىّ بن جعفر قال: سمعت أبا الحسن عليه السّلام يقول: ليس كلّ من يقول بولايتنا مؤمنا و لكن جعلوا انسا للمؤمنين.
و فى البحار من الكافى عن حمران بن أعين قال: قلت لأبى جعفر عليه السّلام: جعلت فداك ما أقلّنا لو اجتمعنا على شاة ما أفنيناها فقال عليه السّلام: ألا احدّثك بأعجب
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 12، ص: 386
من ذلك المهاجرون و الأنصار إلّا و أشار بيده «1» ثلاثة، فقلت: جعلت فداك ما حال عمّار؟ قال: رحم اللّه عمّارا أبا اليقظان بايع و مات شهيدا، فقلت فى نفسى: ما شيء أفضل من الشهادة، فنظر الىّ فقال: لعلّك ترى أنّه مثل الثلاثة ايهات ايهات.
و فيه من الكافى عن قتيبة الأعشى قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: المؤمنة أعزّ من المؤمن و المؤمن أعزّ من الكبريت الأحمر فمن رأى منكم الكبريت الأحمر؟
و الأخبار في هذا المعنى كثيرة و فيما رويناه كفاية.
و قوله (أيّها النّاس إنّما يجمع النّاس الرّضا و السّخط) أى يجمعهم في العذاب رضاهم بالمنكرات و في الخلاص منه سخطهم لها كما أنّه يجمعهم في الثّواب رضاهم بالصّالحات و في الحرمان منه سخطهم لها، لأنّ الرّاضى بفعل قوم كالداخل معهم فيه، و يدلّ على ذلك أخبار كثيرة.
مثل ما في الوسايل عن البرقي في المحاسن عن محمّد بن مسلم قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام إنّما يجمع النّاس الرّضا و السّخط فمن رضى أمرا فقد دخل فيه و من سخطه فقد خرج منه.
و فيه من العيون و العلل باسناده عن عبد السّلام بن صالح الهروى قال قلت لأبي الحسن عليّ بن موسى الرّضا عليهما السّلام يا ابن رسول اللّه ما تقول في حديث روى عن الصّادق عليه السّلام قال: إذا خرج القائم عليه السّلام قتل ذرارى قتلة الحسين عليه السّلام بفعال آبائها فقال: هو كذلك، فقلت: قول اللّه عزّ و جلّ «قُلْ أَ غَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا» ما معناه؟
قال: صدق اللّه في جميع أقواله، و لكن ذرارى قتلة الحسين يرضون بفعال آبائهم و يفتخرون بها، و من رضي شيئا كان كمن أتاه، و لو أنّ رجلا قتل بالمشرق فرضي بقتله رجل بالمغرب لكان الرّاضي عند اللّه شريك القاتل، و إنما يقتلهم القائم عليه السّلام إذا خرج لرضاهم بفعل آبائهم.
و فيه من العيون و العلل بهذا الاسناد عن الرّضا عليه السّلام قال: قلت له: لأىّ
______________________________
(1)- قوله و أشار بيده من كلام الراوى، و المراد به الاشارة بثلاثة أصابع من يده و ثلاثة من كلام الامام «ع» و المراد بالثلاثة: سلمان، و أبو ذر، و المقداد «بحار»
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 12، ص: 387
علّة أغرق اللّه عزّ و جلّ الدّنيا كلّها في زمن نوح عليه السّلام و فيهم الأطفال و من لا ذنب له؟ فقال: ما كان فيهم الأطفال لأنّ اللّه عزّ و جلّ أعقم أصلاب قوم نوح و أرحام نسائهم أربعين عاما فانقطع نسلهم فغرقوا و لا طفل فيهم، ما كان اللّه ليهلك بعذابه من لا ذنب له، و أمّا الباقون من قوم نوح فاغرقوا بتكذيبهم لنبيّ اللّه نوح عليه السّلام و سائرهم اغرقوا برضاهم بتكذيب المكذّبين، و من غاب عن أمر فرضي به كان كمن شهده و أتاه.
و فيه عن العيّاشي في تفسيره عن محمّد بن هاشم عمّن حدّثه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لمّا نزلت هذه الاية «الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ ..» و قد علم أن قد قالوا و اللّه ما قتلنا و لا شهدنا، و إنّما قيل لهم: ابرءوا من قتلتهم، فأبوا.
و عن محمّد بن الأرقط عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: تنزل الكوفة؟ قلت: نعم قال: ترون قتلة الحسين بين أظهركم؟ قال: قلت: جعلت فداك ما بقى منهم أحد، قال:
فأنت إذا لا ترى القاتل إلّا من قتل أو من ولي القتل أ لم تسمع إلى قول اللّه «الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ ..» فأىّ رسول قتل الذين كان محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بين أظهرهم و لم يكن بينه و بين عيسى رسول، و إنّما رضوا قتل اولئك فسمّوا قاتلين، هذا.
و لمّا ذكر عليه السّلام إنّ النّاس يجمعهم الرّضا و السخط استشهد عليه بقصّة ثمود فقال: (و إنّما عقر ناقة) الصالح الّتي جعلها اللّه آية قومه (ثمود رجل واحد) منهم أزرق أشقر أحمر يقال له: قدار بن سالف، و كان ولد زنا و لم يكن ابن سالف و إنّما ولد في بيته فانتسب إليه (فغمّهم اللّه بالعذاب) و هى الصّيحة و الرّجفة و الصاعقة و الزلزلة الشّديدة (لما عموه بالرّضا) أى أنزل العذاب على جميعهم لما كان الجميع راضين بذلك الفعل أعنى عقر النّاقة (فقال تعالى) فى سورة الشعراء
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 12، ص: 388
(فعقروها) نسب العقر إلى جميعهم لما ذكر (فأصبحوا نادمين) على عقرها عند معاينة العذاب.
و في سورة هود «وَ أَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ» «1» و في سورة الأعراف «فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ».
قال الطبرسي في تفسير هذه الاية الأخيرة: أى الصّيحة، و قيل: الزّلزلة هلكوا بها، و قيل: الصّاعقة، و قيل: كانت صيحة زلزلت به الأرض و أصل الرّجفة الحركة المزعجة الشّديدة و إنّما قال فأصبحوا جاثمين لأنّ العذاب أخذهم عند الصّباح، و قيل: أتتهم الصّيحة ليلا فأصبحوا على هذه الصّفة، و العرب تقول عند الأمر العظيم: و اسوء صباحاه.
أقول: و يؤيّد الأوّل قوله تعالى في سورة الحجر «فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ» و ستعرف تفصيل قصّتهم و تمام الاية المذكورة في المتن في التّذنيب الاتى إنشاء اللّه.
(فما كان) عقوبتهم بعد العقر (إلّا أن) أخذتهم الرّجفة و (خارت أرضهم بالخسفة) أى صوتت بسبب الخسف في الأرض (خوار السّكة المحماة في الأرض الخوارة) أى مثل تصويت السكة المحدّدة التي هى أقوى صوتا و أشدّ غوصا في الأرض الصّلبة الكثيرة الصّوت فاريه بالمحماة المحدّدة مجازا بعلاقة ما كان لأنّها تحمى في النار أوّلا ثمّ تحدّد أو بعلاقة الملازمة.
و أبقاه الشارح المعتزلي على معناه الحقيقى و قال: إنّما جعلها محماة لأنه يكون أبلغ في ذهابها في الأرض، لأنّ السّكة المحماة تخرق الأرض بشيئين:
أحدهما تحدّد رأسها، و الثاني حرارته، فانّ الجسم المحدّد إذا اعتمد عليه في الأرض اقتضت الحرارة إعانة ذلك الطرف المحدّد على النّفوذ بتحليلها ما يلاقى من صلابته الأرض، لأنّ شأن الحرارة التحليل، فيكون غوص ذلك الجسم المحدّد في
______________________________
(1)- أى صرعى ميّتين لا حركة بهم و أصل الجثوم اللزوم بالمكان، منه.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 12، ص: 389
الأرض أسهل، انتهى و فيه أنّ الحديد عند التسخين مليّن و اللّين يوجب ضعف النفوذ لا قوّته كما هو ظاهر فكيف تكون الحرارة معينة على نفوذها.
ثمّ إنّه فسّر الخوارة باللّينة و فسّرها الشارح البحراني بالضعيفة، فيتوجّه عليه أنّ الأرض اللّينة الضعيفة و إن كان نفوذ السكة فيها أبلغ إلّا أنّها لا يكون لها صوت و إنّما يخرج الصّوت من اصطدام الحديد بالصّلب من الأرض، و لذلك اشترطوا في خروج الصوت مقاومة المقروع للقارع و المقلوع للقالع، هذا.
و لمّا افتتح كلامه بالنّهى عن الاستيحاش في سلوك طريق الهدى، ختمه بالترغيب في سلوكه بالتنبيه على ما فيه من المنافع فقال: (أيّها الناس من سلك الطريق الواضح ورد الماء و من خالف وقع في التّيه) و هو من قبيل إسارل المثل فانّ سالك الجادّة الوسطى يصل المنزل و يرد الماء، و الاخذ باليمين و الشّمال يضلّ عنها و يقع في المفازة الخالية من الماء و الكلاء و يهلك من العطش.
و المراد به أنّ ناهج المنهج القويم و الصّراط المستقيم يصل إلى جنات النعيم و يشرب من كوثر و تسنيم، و التارك له صار إلى الجحيم، و وقع في العذاب الأليم و الخزى العظيم، نعوذ باللّه من اتّباع الهوى و من الضلال بعد الهدى.
تنبيه:
ما أوردته في شرح هذا الكلام له عليه السّلام جريا على مقتضى ظاهره المسوق سوق العموم، و الذى يقتضيه النظر الدّقيق أنّ نظره عليه السّلام فيه إلى أمر الخلافة و الحثّ على متابعته و التحذير و التنفير من متابعة أئمّة الضّلال.
فيكون محصل المعنى على ذلك أمر المخاطبين بعدم الاستيحاش من متابعته و من تخليص الايمان بولايته لقلّة المؤمنين و كثرة المنافقين، لأنّ الناس المجتمعين على عوائد أئمة الضلال و موائدهم و المنتفعون من عطيّاتهم و جوائزهم
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 12، ص: 390
لا سيّما ما كان في زمن عثمان و معاوية من خضم مال اللّه خضم الابل نبتة الرّبيع قد اجتمعوا على مائدة فيها اللّذة العاجلة القليلة و النّقمة الاجلة الكثيرة و الشّبع القصير و الجوع الطويل، و حذّرهم عن الرّضا بفعل أئمّة الضّلال من الظلم في حقّه مضافا إلى البدع و المنكرات الّتي أحدثوها أن يعمّهم العذاب و يحيط بهم كما أحاط بقوم ثمود من أجل رضاهم بما فعله واحد منهم من عقر ناقة اللّه و الظلم في حقّها ثمّ أكّد عليه السّلام ذلك أى وجوب متابعته و حرمة مخالفته و العدول عنه إلى غيره بالتّنبيه على أنّ سالك سبيل ولايته يشرب من الرّحيق المختوم، و العادل عنه إلى غيره تاه في أودية الضّلال و يسقى من الضريع و الزّقوم.
و من ذلك علم حسن أقحام قصّة ثمود في البين و ارتباط أجزاء الكلام بعضها ببعض و يزيد ذلك وضوحا:
ما رواه في البحار من الثعلبي باسناد معروف عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يا على أ تدري من أشقى الأوّلين؟ قال: قلت: اللّه و رسوله أعلم قال: عاقر النّاقة، قال: أ تدري من أشقى الاخرين؟ قال: قلت: اللّه و رسوله أعلم قال: قاتلك، و في رواية اخرى قال: أشقى الاخرين من يخضب هذه من هذه و أشار إلى لحيته و رأسه.
و فى البحار أيضا من قصص الأنبياء عن الشحام عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث طويل قال: و إنّما مثل علىّ عليه السّلام و القائم صلوات اللّه عليهما في هذه الامّة مثل صالح عليه السّلام.
تذنيب:
في تفصيل قصّة صالح و ثمود و كيفية عقر الناقة فأقول: قد ذكر اللّه سبحانه هذه القصة في عدّة سور من كتابه العزيز في بعضها إجمالا و بعضها تفصيلا و هي سورة الأعراف و هو و الحجر و الشعراء و النمل و السجدة و الذاريات و القمر و الحاقّة و الفجر و الشّمس، و نحن نورد الايات المتضمنّة لها في
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 12، ص: 391
سورة الشّعراء تبعا للمتن، و نعقبها بالاخبار الواردة في تلك القصة قال تعالى: «كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ. إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ أَ لا تَتَّقُونَ. إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ» . الى أن قال «فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُونِ. وَ لا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ. الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَ لا يُصْلِحُونَ. قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ. ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا فَأْتِ بِآيَةٍ. إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ. قالَ هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ وَ لَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ. وَ لا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ. فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ. فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَ ما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ. وَ إِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ» روى الكليني في كتاب الرّوضة من الكافي عن علىّ بن إبراهيم عن أبيه عن الحسن بن محبوب عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سأل جبرئيل كيف كان مهلك قوم صالح؟ فقال: يا محمّد إنّ صالحا بعث إلى قومه و هو ابن ستّ عشرة سنة، فلبث فيهم حتّى بلغ عشرين و مأئة سنة لا يجيبونه إلى خير.
قال: و كان لهم سبعون صنما يعبدونها من دون اللّه عزّ ذكره فلما رأى ذلك منهم قال يا قوم بعث اليكم و انا ابن ستّ عشرة سنة و قد بلغت عشرين و مأئة سنة و انا أعرض عليكم أمرين إن شئتم فاسألونى حتّى أسأل إلهي فيجيبكم فيما سألتموني السّاعة و إن شئتم سألت آلهتكم فان أجابتني بالذى أسألها خرجت عنكم فقد سئمتكم و سئمتمونى «1» قالوا: قد أنصفت يا صالح فاتعدو اليوم يخرجون فيه.
قال: فخرجوا بأصنامهم إلى ظهرهم «2» ثمّ قرّبوا طعامهم و شرابهم فأكلوا و شربوا فلما أن فرغوا دعوه فقالوا يا صالح سل، فدعا صالح كبير أصنامهم فقال:
ما اسم هذا؟ فأخبروه باسمه، فناداه باسمه فلم يجب، فقال صالح: ما له لا يجيب، فقالوا له: ادع غيره.
______________________________
(1)- اى مللت منكم و مللتم منى، منه.
(2)- اى خارج بلدهم، منه.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 12، ص: 392
قال: فدعاها كلّها فلم يجبه منها شيء «1» فقال: يا قوم قد ترون قد دعوت أصنامكم فلم يجبنى واحد منهم فاسألونى حتّى أدعو إلهى فيجيبكم السّاعة فأقبلوا على أصنامهم فقالوا لها: ما بالكنّ لا تجبن صالحا فلم تجب، فقالوا: يا صالح تنحّ عنّا و دعنا و أصنامنا قليلا.
قال: فرموا بتلك البسط الّتي بسطوها و بتلك الانية و نحو الثّياب و تمرّغوا في التّراب و طرحوا التّراب على رؤوسهم و قالوا لها: لئن لم تجبن صالحا لنفضحنّ ثمّ دعوه فقالوا: يا صالح تعالى فاسألها، فعاد فسألها فلم تجبه، فقال لهم: يا قوم قد ذهب صدر النهار و لا أرى آلهتكم تجيبنى فاسألونى حتّى ادعوا إلهى فيجيبكم الساعة.
فانتدب له منهم سبعون رجلا من كبرائهم و عظمائهم و المنظور اليهم منهم، فقالوا يا صالح نحن نسألك فان أجابنا ربّك تبعناك و أجبناك و بايعك جميع أهل قريتنا، فقال لهم: سلونى ما شئتم، فقالوا: تقدّم بنا إلى هذا الجبل، و كان الجبل قريبا، فانطلق معهم صالح فلمّا انتهوا إلى الجبل قالوا: يا صالح ادع لنا ربّك يخرج لنا من هذا الجبل السّاعة ناقة حمراء شقراء و براء عشراء «2» بين جنبيها ميل، فقال لهم صالح قد سألتمونى شيئا يعظم عليّ و يهون على ربّي جلّ و عزّ و تعالى.
قال: فسأل اللّه تبارك و تعالى صالح ذلك فانصدع الجبل صدعا كادت تطير منه عقولهم لمّا سمعوا ذلك، ثمّ اضطرب الجبل اضطرابا شديدا كالمرأة إذا أخذها المخاض، ثمّ لم يفجاهم «3» إلّا و رأسها قد طلع عليهم من ذلك الصّدع، فما استتمّت رقبتها حتّى اجترت ثمّ خرج ساير جسدها ثمّ استوت قائمة على الأرض.
فلمّا رأوا ذلك قالوا: يا صالح ما أسرع ما أجابك ربّك ادع لنا يخرج لنا فصيلها.
______________________________
(1)- «فلم يجبه واحد منهم خ ل»
(2)- الشقراء الشديدة الحمرة الوبراء الكثيرة الوبر العشراء التي أتى على حملها عشرة أشهر، منه
(3) أى لم يظهر عليهم شيء من أعضائها إلّا رأسها. م
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 12، ص: 393
فسأل اللّه عزّ و جلّ ذلك، فرمت به فدبّ حولها فقال لهم: يا قوم أبقي شيء؟
قالوا: لا انطلق بنا إلى قومنا نخبرهم بما رأينا و يؤمنون «يؤمنوا» بك.
قال: فرجعوا فلم يبلغ السبعون إليهم حتّى ارتدّ منهم أربعة و ستّون رجلا و قالوا: سحر و كذب.
قال: فانتهوا إلى الجميع فقال الستّة حقّ و قال الجميع كذب و سحر، قال: فانصرفوا على ذلك ثمّ ارتابت من الستّة واحد و كان فيمن عقرها.
قال ابن محبوب: فحدّثت بهذا الحديث رجلا من أصحابنا يقال له سعد بن يزيد فأخبرني أنّه رأى الجبل الّذى خرجت منه بالشام فرأى جنبها قد حكّ الجبل فأثّر جنبها فيه و جبل آخر بينه و بين هذا ميل.
و فى الروضة عن عليّ بن العبّاس عن الحسن بن عبد الرّحمن عن عليّ بن حجرة عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له «كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ. فَقالُوا أَ بَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَ سُعُرٍ. أَ أُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ».
قال عليه السّلام: هذا بما كذّبوا صالحا و ما أهلك اللّه قوما قط حتّى يبعث إليهم قبل ذلك الرّسل فيحتجّوا عليهم فبعث اللّه عزّ و جلّ إليهم صالحا فدعاهم إلى اللّه فلم يجيبوه و عتوا عليه عتوّا و قالوا: لن نؤمن لك حتّى تخرج إلينا من هذه الصّخرة ناقة عشراء، و كانت الصّخرة يعظّمونها و يعبدونها و يذبحون عندها في رأس كلّ سنة و يجتمعون عندها فقالوا له: إن كنت كما تزعم نبيّا رسولا فادع لنا إلهك حتّى يخرج لنا من هذه الصّخرة الصّماء ناقة عشراء، فأخرجها اللّه كما طلبوا منه.
ثمّ أوحى اللّه تبارك و تعالى اليه أن يا صالح قل لهم: إنّ اللّه قد جعل لهذه الناقة من الماء شرب يوم و لكم شرب يوم، فكانت الناقة إذا كان يوم شربها شربت ذلك اليوم الماء فيحلبونها فلا يبقى صغير و لا كبير إلّا شرب من لبنها يومهم ذلك، فاذا كان الليل و أصبحوا غدوا إلى مائهم فشربوا منه ذلك اليوم و لم تشرب النّاقة ذلك اليوم.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 12، ص: 394
فمكثوا بذلك ما شاء اللّه ثمّ إنّهم عتوا على اللّه و مشى بعضهم إلى بعض و قالوا: اعقروا هذه الناقة و استربحوا منها لا نرضى أن يكون لنا شرب يوم و لها شرب يوم، ثمّ قالوا من الّذى يلي قتلها و نجعل له جعلا ما أحبّ، فجاءهم رجل أحمر أشقر أزرق ولد زنا لا يعرف له أب يقال له قدار شقيّ من الأشقياء مشئوم عليهم، فجعلوا له جعلا، فلمّا توجّهت الناقة إلى الماء الّذى كانت ترده تركها حتّى شربت الماء و أقبلت راجعة فقعد لها في طريقها فضربها بالسيف ضربة فلم تعمل شيئا فضربها ضربة اخرى فقتلها و خرّت إلى الأرض على جنبها و هرب فصيلها حتى صعد إلى الجبل فرغا ثلاث مرات إلى السماء و أقبل قوم صالح فلم يبق أحد إلّا شركه في ضربته و اقتسموا لحمها فيما بينهم فلم يبق منهم صغير و لا كبير إلّا أكل منها.
فلما رأى ذلك صالح أقبل عليهم فقال: يا قوم ما دعاكم إلى ما صنعتم أعصيتم ربّكم؟
فأوحى اللّه تعالى إلى صالح إنّ قومك قد طغوا و بغوا و قتلوا ناقة بعثها اللّه إليهم حجّة عليهم و لم يكن عليهم منها ضرر و كان لهم فيها أعظم المنفعة فقل لهم: إني مرسل عليكم عذابى إلى ثلاثة أيام فان هم تابوا و رجعوا قبلت توبتهم و صددت عنهم و إن هم لم يتوبوا و لم يرجعوا بعثت عليهم عذابى فى اليوم الثالث.
فأتاهم صالح فقال لهم يا قوم إنّي رسول ربكم اليكم و هو يقول لكم إن أنتم تبتم و رجعتم و استغفرتم غفرت لكم و تبت لكم.
فلما قال لهم ذلك كانوا أعتى ما كانوا و أخبث و قالوا: يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين قال: يا قوم إنكم تصبحون غدا و وجوهكم مصفرّة، و اليوم الثاني وجوهكم محمرّة، و اليوم الثالث وجوهكم مسوّدة.
فلما أن كان أوّل يوم أصبحوا و وجوههم مصفرّة فمشى بعضهم إلى بعض و قالوا: قد جاءكم ما قال لكم صالح فقال العتاة منهم: لا نسمع قول صالح و لا نقبل قوله و إن كان عظيما.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 12، ص: 395
فلمّا كان اليوم الثاني أصبحت وجوههم محمرّة فمشى بعضهم إلى بعض فقالوا: يا قوم قد جاءكم ما قال لكم صالح فقال العتاة منهم: لو أهلكنا جميعا ما سمعنا قول صالح و ما تركنا آلهتنا الّتي كان آباؤنا يعبدونها و لم يتوبوا و لم يرجعوا فلمّا كان اليوم الثالث أصبحوا و وجوههم مسودّة فمشى بعضهم إلى بعض فقال: يا قوم أتاكم ما قال لكم صالح فقال العتاة منهم: قد أتانا ما قال لنا صالح.
فلمّا كان نصف اللّيل أتاهم جبرئيل عليه السّلام فصرخ بهم صرخة خرقت تلك الصّرخة أسماعهم و فلقت قلوبهم و صدعت أكبادهم و قد كانوا في تلك الثلاثة أيام قد تحنّطوا و تكفّنوا و علموا أنّ العذاب نازل بهم فماتوا أجمعين في طرفة عين صغيرهم و كبيرهم فلم يبق منهم ناعقة و لا راعية و لا شيء إلّا أهلكه اللّه فأصبحوا في ديارهم و مضاجعهم موتى أجمعين، ثمّ أرسل اللّه عليهم مع الصّيحة النّار من السماء فأحرقتهم أجمعين، و كانت هذه قصّتهم.
و رواه المحدّث العلّامة المجلسيّ في البحار من الرّوضة كما نقلناه. و قال بعد روايته: «ايضاح» قوله: كذّبث ثمود بالنذر، بالانذارات أو المواعظ أو الرّسل، فقالوا أبشرا منّا من جنسنا و جملتنا لا فضل له علينا، انتصابه بفعل يفسّره ما بعده، واحدا، منفردا لا تابع له أو من آحادهم دون أشرافهم، نتّبعه إذا لفي ضلال و سعر، كأنّهم عكسوا عليه فرتّبوا على اتّباعهم إيّاه ما رتّب على ترك اتّباعهم له،ء القي الذّكر، الكتاب و الوحى، عليه من بيننا، و فينا من هو أحقّ منه بذلك، بل هو كذّاب أشر، حمله بطره على الرّفع علينا بادّعائه.
و الشرب بالكسر النصيب من الماء، و الأشقر من النّاس، من تعلو بياضه حمرة، لا يعرف له أب أى كان ولد زنا، و انّما كان ينسب «الى سالف ظ» لأنّه كان ولد على فراشه، قال الجوهرى: قدار بضمّ القاف و تخفيف الدّال يقال له أحمر ثمود و عاقر ناقة صالح انتهى.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 12، ص: 396
و رغا البعير صوّت و ضجّ، لم يبق منهم ناعقة و لا راعية أى لم يبق جماعة يتأتى منهم النّعيق و الرّعى، و النعيق صوت الرّاعى بغنمه، و في بعض النسخ ثاغية و لا راغية أى شاة و لا ناقة.
و في مجمع البيان فاذا كان يوم النّاقة وضعت رأسها في مائهم فما ترفعه حتّى تشرب كلّ ما فيه ثمّ ترفع رأسها فتفجج لهم فيحتلبون ما شاءوا من لبن فيشربون و يدّخرون حتّى يملاؤا أوانيهم كلّها.
قال الحسن بن محبوب: حدّثني رجل من أصحابنا يقال له سعيد بن يزيد قال: أتيت أرض ثمود فذرعت مصدر الناقة بين الجبلين و رأيت أثر جنبيها فوجدته ثمانين ذراعا و كانت تصدر من غير الفجّ الّذى منه وردت، و لا تقدر على أن تصدر من حيث ترد لأنّه يضيق عنها و كانوا في سعة و دعة منها، و كانوا يشربون الماء يوم الناقة من الجبال و المغارات، فشقّ ذلك عليهم و كانت مواشيهم تنفر عنها لعظمها فهمّوا بقتلها.
قالوا: و كانت امرأة جميلة يقال لها: صدوف، ذات مال من إبل و بقر و غنم و كانت أشدّ النّاس عداوة لصالح عليه السّلام فدعت رجلا يقال له: مصدع بن مهرج، و جعلت له نفسها على أن يعقر الناقة، و امرأة اخرى يقال لها: عنيزة، دعت قدار بن سالف و كان أحمر أزرق قصيرا و كان ولد زنا و لم يكن لسالف الّذى يدّعى اليه و لكنه ولد على فراشه، و قالت له: اعطيك أىّ بناتي شئت على أن تعقر الناقة و كان قدار عزيزا منيعا في قومه، فانطلق قدار بن سالف و مصدع فاستغويا غواة ثمود فاتبعهما سبعة نفر و أجمعوا على عقر الناقة.
قال السدى: و لما ولد قدار و كبر جلس مع اناس يشربون الشراب، فأرادوا ماء يمزجون به شرابهم و كان ذلك اليوم شرب الناقة فوجدوا الماء قد شربته الناقة، فاشتدّ ذلك عليهم فقال قدار: هل لكم في أن أعقرها لكم؟ قالوا: نعم.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 12، ص: 397
و قال كعب: كان سبب عقرهم الناقة أنّ امرأة يقال لها: ملكاء كانت قد ملكت ثمود، فلما أقبل الناس على صالح و صارت الرياسة إليه حسدته، فقالت لامرأة يقال لها قطام و كانت معشوقة قدار بن سالف، و لامرأة اخرى يقال لها اقبال و كانت معشوقة مصدع، و كان قدار و مصدع يجتمعان معهما كلّ ليلة و يشربون الخمر فقالت لهما ملكاء: إذا أتاكما الليلة القدار و مصدع فلا تطيعاهما و قولا لهما إنّ الملكاء حزينة لأجل الناقة و لأجل صالح، فنحن لا نطيعكما حتى تعقرا الناقة، فلما أتياهما قالتا هذه المقالة لهما، فقالا: نحن نكون من وراء عقرها.
قالوا: فانطلق قدار و مصدع و أصحابهما السبعة فرصدوا الناقة حين صدرت عن الماء، و قد كمن لها قدار في أصل صخرة على طريقها، و كمن مصدع في أصل اخرى، فمرّت على مصدع فرمى بسهم فانتظم به عضلة و خرجت عنيزة و أمرت ابنتها و كانت من أحسن الناس فأسفرت لقد ارثمّ زمّرته «1» فشدّ على الناقة بالسّيف فكشف عرقوبها فخرّت و رغت رغاة واحدة تحذر سقبها «سقيتها خ»، ثمّ طعن فى لبّتها فنحرها و خرج أهل البلدة و اقتسموا لحمها و طبخوه.
فلمّا رأى الفصيل ما فعل بامّه ولّى هاربا حتّى صعد جبلا ثمّ رغا رغاء تقطّع منه قلوب القوم، و أقبل صالح فخرجوا يعتذرون إليه إنّما عقرها فلان و لا ذنب لنا.
فقال صالح: انظروا هل تدركون فصيلها فان أدركتموه فعسى أن يرفع عنكم العذاب، فخرجوا يطلبونه في الجبل فلم يجدوه، و كانوا عقروا النّاقة ليلة الأربعاء فقال لهم صالح: تمتّعوا في داركم يعني في محلّتكم في الدّنيا ثلاثة أيّام، فانّ العذاب نازل بكم.
ثمّ قال يا قوم إنكم تصبحون غدا و وجوهكم مصفرّة، و اليوم الثاني تصبحون و وجوهكم محمرّة، و اليوم الثالث وجوهكم مسودّة.
______________________________
(1)- زمرته أى شجّعته و حضّته م
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 12، ص: 398
فلمّا كان أوّل يوم أصبحت وجوهم مصفرّة فقالوا جاءكم ما قال لكم صالح، و لمّا كان اليوم الثاني احمرّت وجوههم، و اليوم الثّالث اسودّت وجوههم.
و لمّا كان نصف الليل أتاهم جبرئيل عليه السّلام فصرخت بهم صرخة خرقت أسماعهم و صدعت أكبادهم و فلقت قلوبهم، و كانوا قد تحنطوا و تكفّنوا و علموا أنّ العذاب نازل بهم فماتوا أجمعين في طرفة عين صغيرهم و كبيرهم، فلم يبق اللّه منهم ثاغية و لا راغية و لا شيئا يتنفّس إلّا أهلكها فأصبحوا في ديارهم موتى جاثمين، ثمّ أرسل اللّه إليهم مع الصّيحة النار من السماء فأحرقتهم أجمعين.
و في كتاب عليّ بن إبراهيم فبعث اللّه عليهم صيحة و زلزلة فهلكوا.
نعوذ باللّه من غضب اللّه و سخطه، و نتوسّل إليه بمحمّد و آله أن لا يؤاخذنا بأعمالنا، و أن يغفر لنا و يصفح عنّا فانّه كريم الصّفح، و عظيم المنّ، و حسن التجاوز، و وليّ الاحسان، و الكرم و الامتنان، و على كلّ شيء قدير، و بالاجابة جدير.
الترجمة:
از جمله كلام بلاغت نظام آن امام أنام عليه السّلام است در تحريص مردمان براه هدايت و تحذير ايشان از طريق ضلالت مى فرمايد.
أى مردمان مستوحش نباشيد در راه هدايت بجهت كمى اهل آن پس بدرستى كه خلق جمع شده اند بر طعامى كه سير بودن از آن زمانش كوتاه و گرسنگى آن مدّتش طولانيست، اى مردمان بدرستي كه جمع ميكند خلق را در عذاب الهي رضا شدن ايشان بمناهي و خشمناك بودن ايشان بطاعات، و جز اين نيست كه پى نمود ناقه قوم صالح پيغمبر عليه السّلام را يك نفر از ايشان، پس شامل كرد خداى تعالى بجميع ايشان عذاب را وقتى كه همه ايشان راضى شدند بفعل قبيح آن يك نفر، پس فرمود خداوند در كتاب مجيد خود «فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ» يعني پى كردند و كشتند آن قوم ناقه را پس صباح نمودند در حالتى كه پشيمان بودند، پس نشد مؤاخذه و انتقام ايشان مگر اين كه صدا كرد زمين ايشان بجهت زلزله شديده و فرو رفتن در زمين مثل صداى آهن تيز شده كه زمين را با آن شخم ميكنند در زمينى كه بسيار صدا كننده باشد هنگام شخم، أى مردمان هر كه راه برود در راه آشكار و راست وارد مى شود باب، و هر كه تخلّف نمايد مى افتد به بيابان گمراهى و هلاكت.