منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 3
و من كلام له عليه السّلام عند دفن الزهراء سلام اللّه عليها و هو المأتان و الواحد من المختار فى باب الخطب و هو مروى في الكافي و في كشف الغمة و في البحار من أمالي الشيخ و مجالس المفيد باختلاف و زيادة تطلع عليه انشاء اللّه:
ألسّلام عليك يا رسول اللّه عنّي و عن ابنتك النّازلة في جوارك، و السّريعة اللّحاق بك، قلّ يا رسول اللّه عن صفيّتك صبري، و رقّ عنها تجلّدي، إلّا أنّ لي في التّأسّي بعظيم فرقتك، و فادح مصيبتك، موضع تعزّ، فلقد وسّدتك في ملحودة قبرك، و فاضت بين نحري و صدري نفسك. إنّا للّه و إنّا إليه راجعون، فلقد استرجعت الوديعة، و أخذت الرّهينة، أمّا حزني فسرمد، و أمّا ليلي فمسّهد، إلى أن يختار اللّه لي دارك الّتي أنت بها مقيم، و ستنبّئك ابنتك بتظافر أمّتك على هضمها، فأحفها السّؤال، و استخبرها الحال، هذا و لم يطل العهد، و لم يخل منك الذّكر، و السّلام عليكما سلام مودّع، لا قال و لا سئم، فإن أنصرف فلا عن ملالة، و إن أقم فلا عن سوء ظنّ بما وعد اللّه الصّابرين. (49117- 48989)
اللغة:
مجاز لعلاقة السببية (التجلّد) تكلّف الجلادة، و هي القوّة و الشدّة كما في القاموس و الكنز قال الشاعر:
بتجلّدي للشامتين اريهم إنّي لريب الدّهر لا أتضعضع
أو تكلّف الجلد، و هو الصبر قال الشاعر:
ما الاصطبار لسلمى أم لها جلد إذا الاقي الّذى لاقاه أمثالي
و أصل الجلد كما في القاموس جلد البوء تحشى تماما و يخيّل للنّاقة فتعطف بذلك على ولد غيرها أو جلد حوار يلبس حوارا آخر لترامه امّ المسلوخة، و على ذلك فاطلاقه على الصّبر مجاز لعلاقة السّببيّة.
و (الفرقة) بالضّم اسم من الافتراق و (عزّيته) تعزية قلت له: أحسن اللّه عزاك أي رزقك الصّبر الحسن، و العزاء اسم من ذلك مثل سلّم سلاما و كلّم كلاما، و تعزّى هو تصبّر و شعاره أن يقول: إنا للّه و إنّا إليه راجعون.
و (استرجعت) و (اخذت) بالبناء على المجهول و (السهد) بالضّم الأرق و قد سهد سهدا من باب فرح، و السّهد بضمّتين القليل النّوم، و سهّدته فهو مسهّد أى مورق و هو ذو سهدة يقظة و (هضمه) هضما من باب ضرب دفعه عن موضعه فانهضم، و قيل: هضمه كسره و هضمه حقّه نقصه هكذا في المصباح، و قال في القاموس: هضم فلانا ظلمه و غصبه كاهتضمه و تهضّمه فهو هضيم.
و (الاحفاء) في السؤال المبالغة فيه و الاستقصاء و (قليت) الرّجل أقليه من باب
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 4
رمى قلّي بالكسر و القصر و مقلية ابغضه فأنا قال و (سئم) الشيء ساما و سأما و سامة ملّ منه فهو سؤم و سئم و (أقام) بالبلد إقامة اتّخذه وطنا فهو مقيم.
الاعراب:
قوله: إلّا أنّ لي استثناء منقطع، و موضع تعزّ بالنصب اسم أنّ و قدّم خبرها للتوسّع، و قوله، في ملحودة قبرك، إضافة الملحودة إلى القبر من إضافة الصّفة إلى الموصوف لا بيانيّة كما توهّم، و التّأنيث باعتبار الخطّة و الحفرة، مجاز عقلي و قوله: و أمّا ليلى فمسهّد، من المجاز العقلي من باب الاسناد إلى الزّمان كما في قول الشاعر رحمه اللّه:
و بات و باتت له ليلة كليلة ذى العائر الأرمد
و قوله: إلى أن يختار، ظرف لغو متعلّق بقوله مسهّد، و قوله: استخبرها الحال، قال الشّارح المعتزلي: أي عن الحال فحذف الجار، اه، و الأظهر أن يجعل الحال مفعولا به و الجار مخذوفا قبل الضّمير أي استخبر عنها الحال، و قوله: هذا و لم يطل العهد، خبر هذا محذوف على أنّه مبتدأ أو فاعل لفعل محذوف، و جملة و لم يطل في محلّ النّصب على الحال، و قوله: لا قال و لا سئم، صفة لمودّع.
المعنى:
اعلم أنّ هذا الكلام كما قال السيّد «ره» قد روى عنه عليه السّلام أنّه قاله عند دفن سيّدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام إظهارا للتّفجّع بمصابها و التّوجع من ألم فراقها كالمناجي به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عند قبره، و ينبغي قبل الشروع في شرح كلامه أن نذكر طرفا من الأخبار الواردة في تسميتها سلام اللّه عليها بفاطمة و في تلقّبها بسيّدة النساء و بالزّهراء.
أما تسميتها بفاطمة:
ففى البحار من العيون بالاسناد إلى دارم قال: حدّثنا عليّ بن موسى الرّضا و محمّد بن عليّ عليهما السّلام قالا: سمعنا المأمون يحدّث عن الرّشيد عن المهدى عن المنصور عن أبيه عن جدّه قال: قال ابن عبّاس لمعاوية: أ تدرى لم سمّيت فاطمة فاطمة؟ قال: لا، قال: لأنّها فطمت هى و شيعتها من النّار، سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقوله.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 5
و من العيون بالأسانيد الثلاثة عن الرّضا عن آبائه عليهم السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إنّي سمّيت ابنتي فاطمة لأنّ اللّه عزّ و جلّ فطمها و فطم من أحبّها من النّار.
و من علل الشرائع بسنده عن يزيد بن عبد الملك عن أبي جعفر عليه السّلام قال: لمّا ولدت فاطمة سلام اللّه عليها أوحى اللّه عزّ و جلّ إلى ملك فانطق به لسان محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فسمّاها فاطمة ثمّ قال: إنّي فطمتك بالعلم و فطمتك عن الطمث، ثمّ قال أبو جعفر عليه السّلام: و اللّه لقد فطمها اللّه تبارك و تعالى بالعلم و عن الطّمث في الميثاق.
قال المحدّث العلامة المجلسي «قد» بعد نقله: فطمتك بالعلم أى أرضعتك بالعلم حتّى استغنيت و فطمت، أو قطعتك عن الجهل بسبب العلم، أو جعلت فطامك من اللبن مقرونا بالعلم كناية عن كونها فى بدء فطرتها عالمة بالعلوم الرّبانيّة، و على التقادير كان الفاعل بمعنى المفعول كالدّافق بمعنى المدفوق، و يقرأ على بناء التفعيل أى جعلتك قاطعة النّاس من الجهل، أو المعنى لما فطمها من الجهل فهى تفطم النّاس منه، و الوجهان الأخيران يشكل إجراؤهما فى قوله فطمتك عن الطمث إلّا بتكلف بأن يجعل الطمث كناية عن الاخلاق و الأفعال الذّميمة.
و فى البحار من المناقب عن الصادق عليه السّلام قال: تدري أيّ شيء تفسير فاطمة؟ قال: فطمت من الشرّ، و يقال إنّما سمّيت فاطمة لأنّها فطمت عن الطّمث.
و أما تلقّبها بسيّدة النساء.
فقد روى في البحار من مناقب ابن شهر آشوب عن حذيفة أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: أتاني ملك فبشّرني أنّ فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة أو نساء امّتي.
و عن جابر بن سمرة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فى خبر أما أنها سيدة النساء يوم القيامة.
و من الامالى بسنده عن الحسن بن زيد العطار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: فاطمة سيدة نساء أهل الجنة أسيّدة نساء عالمها، قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: تاك مريم و فاطمة سيّدة نساء الجنّة من الأوّلين و الاخرين فقلت: فقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة؟ قال: و اللّه هما سيدا شباب أهل الجنة من الأولين و الاخرين.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 6
و من معاني الأخبار باسناده عن المفضل قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أخبرني عن قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فى فاطمة: انها سيّدة نساء العالمين أهى سيّدة نساء عالمها؟
فقال: ذاك لمريم كانت سيّدة نساء عالمها و فاطمة سيّدة نساء العالمين من الأوّلين و الاخرين.
و من الأمالى بسنده عن سعيد بن المسيّب عن ابن عبّاس قال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان جالسا ذات يوم و عنده علىّ و فاطمة و الحسن و الحسين فقال: اللّهم إنك تعلم أنّ هؤلاء أهل بيتى و أكرم النّاس عليّ فاحبب من أحبّهم، و ابغض من أبغضهم، و وال من والاهم، و عاد من عاداهم، و أعن من أعانهم، و اجعلهم مطهّرين من كلّ دنس، معصومين من كلّ ذنب، و أيّدهم بروح القدس منك.
ثمّ قال: يا على أنت امام امّتى و خليفتى عليها بعدى، و أنت قائد المؤمنين إلى الجنّة، و كأنّى أنظر إلى ابنتى فاطمة قد أقبلت يوم القيامة على نجيب من نور عن يمينها سبعون ألف ملك، و بين يديها سبعون ألف ملك، و عن يسارها سبعون ألف ملك، و خلفها سبعون ألف ملك، تقود مؤمنات امّتى إلى الجنّة فأيما امرأة صلّت في اليوم و اللّيلة خمس صلاة، و صامت شهر رمضان، و حجّت بيت اللّه الحرام، و زكت مالها، و أطاعت زوجها، و والت عليّا بعدى دخلت الجنّة بشفاعة ابنتى فاطمة، و انّها لسيّدة نساء العالمين من الأوّلين و الاخرين، و أنّها لتقوم في محرابها فيسلّم عليها سبعون ألف ملك من الملائكة المقرّبين، و ينادونها بما نادت به الملائكة مريم فيقولون: يا فاطمة إنّ اللّه اصطفيك و طهّرك و اصطفيك على نساء العالمين.
ثمّ التفت إلى علىّ عليه السّلام و قال: يا علي إنّ فاطمة بضعة منّى و هى نور عينى و ثمرة فؤادى يسوؤني من «ما» ساءها و يسرّني من «ما» يسرّها، و أنّها أوّل من يلحقني من أهل بيتى فأحسن إليها بعدى، و أما الحسن و الحسين فهما ابناى و ريحانتاى و هما سيّدا شباب أهل الجنّة فليكونا عليك كسمعك و بصرك.
ثمّ رفع يده إلى السّماء فقال: اللّهمّ إنّى اشهدك أنّي محبّ لمن أحبّهم،
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 7
و مبغض لمن أبغضهم، و سلم لمن سالمهم، و حرب لمن حاربهم، و عدوّ لمن عاداهم و ولىّ لمن والاهم.
و أما تلقّبها بالزّهراء:
فقد روى في البحار من معاني الأخبار، و علل الشرائع عن الطالقاني عن الجلودى عن الجوهرى عن ابن عمارة عن أبيه قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن فاطمة لم سمّيت زهراء؟ قال: لأنها كانت إذا قامت في محرابها ظهر نورها لأهل السّماء كما يظهر نور الكواكب لأهل الأرض.
و من العلل بسنده عن جابر عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت: لم سمّيت فاطمة الزهراء زهراء؟ فقال: لأنّ اللّه عزّ و جلّ خلقها من نور عظمته، فلّما أشرقت أضاءت السّماوات و الأرض بنورها، و غشيت أبصار الملائكة و خرّت الملائكة ساجدين للّه و قالوا: إلهنا و سيّدنا ما هذا النّور؟ فأوحى اللّه إليهم: هذا نور من نورى أسكنته في سمائي خلقته من عظمتى اخرجه من صلب نبيّ من أنبيائي أفضّله على جميع الأنبياء و اخرج من ذلك النّور أئمّة يقومون بأمرى يهدون إلى حقّي «خلقى» و أجعلهم خلفائي في أرضى بعد انقضاء وحيي.
و من المناقب عن أبي هاشم العسكر قال: سألت صاحب العسكر لم سمّيت فاطمة الزّهراء؟ فقال: كان وجهها يزهر لأمير المؤمنين عليه السّلام من أوّل النّهار كالشمس الضّاحية، و عند الزّوال كالقمر المنير، و عند غروب الشّمس كالكوكب الدّرّي.
و من العلل بسنده عن أبان بن تغلب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: يا ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لم سمّيت الزّهراء زهراء؟ قال: لأنّها تزهر لأمير المؤمنين فى النهار ثلاث مرّات بالنّور:
كان يزهر نور وجهها صلاة الغداة و النّاس فى فراشهم فيدخل بياض ذلك النور إلى حجراتهم بالمدينة فتبيض حيطانهم فيعجبون من ذلك فيأتون النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيسألونه عمّار أوا، فيرسلهم إلى منزل فاطمة فيأتون منزلها فيرونها قاعدة فى محرابها تصلّى
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 8
و النّور يسطع من محرابها و من وجهها فيعلمون أن الّذى رأوه كان من نور فاطمة فاذا انتصف النّهار و ترتّبت «1» للصلاة زهر نور وجها بالصّفرة فتدخل الصّفرة فى حجرات الناس فتصفر ثيابهم و ألوانهم فيأتون النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيسألونه عمّار أوا، فيرسلهم إلى منزل فاطمة عليها السلام فيرونها قائمة في محرابها و ظهر نور وجهها صلوات اللّه عليها و على أبيها و بعلها و بنيها بالصّفرة، فيعلمون أنّ الّذى رأوا كان من نور وجهها.
فاذا كان آخر النّهار و غربت الشمس احمرّ وجه فاطمة عليها السّلام و أشرق وجهها بالحمرة فرحا و شكرا للّه عزّ و جلّ فكان تدخل حمرة وجهها حجرات القوم و تحمرّ حيطانهم فيعجبون ذلك و يأتون النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يسألونه عن ذلك فيرسلهم إلى منزل فاطمة فيرونها جالسة تسبّح اللّه و تمجّده و تحمده و نور وجهها يزهر بالحمرة فيعلمون أنّ الّذى رأوا كان من نور وجه فاطمة.
فلم يزل ذلك النّور في وجهها حتّى ولد الحسين فهو يتقلّب في وجوهنا إلى يوم القيامة في الأئمّة منّا أهل البيت إمام بعد إمام.
إذا عرفت ذلك فلنشرع في شرح كلامه عليه السّلام فأقول:
بدء عليه السّلام بالسلام قبل الكلام رعاية لرسم الأدب و مواظبة على النّدب فقال: (السلام عليك يا رسول اللّه عنّى و عن ابنتك النازلة في جوارك) أى في البقيع كما روى عن ابن عباس في حديث وفاتها قال: فلما أرادوا أن يدفنوها نودوا من بقعة من البقيع إليّ إليّ فقد رفع تربتها منّى، فنظر فاذا هي بقبر محفور، فحملوا السرير إليها فدفنوها، أو في بيتها و هو المشهور.
روى في البحار من المناقب قال: قال أبو جعفر الطوسي: الأصوب أنّها مدفونة في دارها أو في الرّوضة يؤيّد قوله قول النبّي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّ بين قبرى و منبرى روضة من رياض الجنّة، و في البخارى بين بيتى و منبرى، قالوا: حدّ الروضة
______________________________
(1)- اى ثبتت فى محرابها كما فى اللغة أو تهيأت من الترتيب العرفى بمعنى جعل كلّ شيء فى مرتبته، و يحتمل أن يكون تصحيف تزينت، بحار.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 9
ما بين القبر إلى المنبر إلى الاساطين الّتي تلى صحن المسجد.
و عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: سألت أبا الحسن الرّضا عليه السّلام عن قبر فاطمة، فقال: دفنت في بيتها فلمّا زادت بنو اميّة في المسجد صارت في المسجد و رواه أيضا في الكافي عن عليّ بن محمّد و غيره عن سرى بن زياد عن أحمد بن محمّد بن أبى نصر عن الرّضا عليه السّلام مثله.
(و السريعة اللحاق بك) واردة في مقام التفجّع و التشكيّ من تواتر المحن و المصائب الموجبة لقصر عمرها و المعدّة لسرعة لحاقها به سلام اللّه عليها و على أبيها.
و روى في البحار من المناقب عن البخارى و مسلم و الحلية و مسند أحمد بن حنبل عن عايشة أنّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم دعا فاطمة في شكواه الّذى قبض فيه فسارّها بشيء فبكت، ثم دعاها «سارّها ظ» فضحكت، فسألت عن ذلك فقالت: أخبرنى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله سلّم أنّه مقبوض فبكيت، ثمّ أخبرني أنّى أول أهله لحوقا به فضحكت.
و من المناقب من كتاب ابن شاهين قالت امّ سلمة و عايشة: إنّها لمّا سئلت عن بكائها و ضحكها فقالت أخبرنى النّبي صلّى اللّه عليه و آله سلّم أنّه مقبوض فبكيت، ثمّ أخبر أنّ بنيه سيصيبهم بعدى شدّة فبكيت، ثمّ أخبرنى أنّي أوّل أهله لحوقا به.
و قد اختلف الأخبار جدّا في مدّة بقائها بعد أبيها.
قال أبو الفرج في مقاتل الطالبيّين: كانت وفاة فاطمة بعد وفاة النبىّ صلّى اللّه عليه و آله سلّم بمدّة يختلف في مبلغها، فالمكثر يقول: ثمانية أشهر، و المقلّل يقول: أربعين يوما إلّا أنّ الثبت في ذلك ما روى عن أبي جعفر محمّد بن عليّ عليهما السّلام أنّها توفّيت بعده بثلاثة أشهر، حدّثنى بذلك الحسن بن عليّ عن الحرث عن ابن سعد عن الواقدى عن عمرو بن دينار عن أبي جعفر محمّد بن عليّ.
و فى كشف الغمّة و نقلت من كتاب الذّريّة الطاهرة للدّولابي في وفاتها ما نقله عن رجاله قال: لبثت فاطمة عليها السلام بعد النّبي صلّى اللّه عليه و آله سلّم ثلاثة أشهر.
و قال ابن شهاب ستّة أشهر و قال الزّهرى ستّة أشهر و مثله عن عايشة و مثله عن عروة بن الزّبير.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 10
و عن أبى جعفر محمّد بن عليّ عليهما السّلام خمسا و تسعين ليلة فى سنة إحدى عشرة و قال ابن قتيبة في معارفه مأئة يوم و قيل ماتت في سنة إحدى عشرة ليلة الثلثا لثلاث ليال من شهر رمضان المبارك و هي بنت تسع و عشرين سنة أو نحوها.
و فى البحار عن الكفعمي في الثالث من جمادي الاخرة.
و فى الكافي بسنده عن أبي عبيدة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ فاطمة مكثت بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سلّم خمسة و سبعين يوما و كان دخلها حزن شديد على أبيها و كان يأتيها جبرئيل فيحسن عزاها على أبيها و يطيب نفسها و يخبرها عن أبيها و مكانه و يخبرها بما يكون بعدها في ذرّيتها، و كان عليّ عليه السّلام يكتب ذلك.
كانت وفاة الصّديقة سنة إحدى عشرة.
قال في البحار بعد نقله الأخبار على كثرة اختلافها:
أقول: لا يمكن التطبيق بين أكثر تواريخ الولادة و الوفاة و مدّة عمرها الشّريف، و لا بين تواريخ الوفاة و بين ما مرّ في الخبر الصحيح أنّها عاشت بعد أبيها خمسة و سبعين يوما، إذ لو كان وفاة الرّسول صلّى اللّه عليه و آله سلّم في الثامن و العشرين من صفر كان على هذا وفاتها في أواسط جمادى الاولى، و لو كان في ثانى عشر ربيع الأوّل كما ترويه العامة كان وفاتها في أواخر جمادى الاولى، و ما رواه أبو الفرج عن الباقر عليه السّلام من كون مكثها بعده ثلاثة أشهر يمكن تطبيقه على ما هو المشهور من كون وفاتها في ثالث جمادي الاخرة هذا.
و أما مدّة عمرها فالأخبار فيه أيضا مختلفة.
ففي الكافى ولدت فاطمة بعد مبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بخمس سنين، و توفّيت و لها ثمان عشرة سنة و خمسة و سبعون يوما، و بقيت بعد أبيها خمسة و سبعين يوما.
و نحوه في البحار من عيون المعجزات للسيد المرتضى قال: روى أنّ فاطمة عليها السّلام توفّت و لها ثمان عشرة سنة و شهران و أقامت بعد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم خمسة و سبعين يوما و روى أربعين يوما.
و فى البحار من بعض كتب المناقب القديمة عن سيّد الحفاظ أبي منصور الديلمى
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 11
باسناده انّ عبد اللّه بن الحسن دخل على هشام بن عبد الملك و عنده الكلبى فقال هشام لعبد اللّه بن الحسن: يا أبا محمّد كم بلغت فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من السّن؟
فقال: بلغت ثلاثين، فقال للكلبى: ما تقول؟ قال: بلغت خمسا و ثلاثين، فقال هشام لعبد اللّه: ألا تسمع ما يقول الكلبى؟ فقال عبد اللّه: يا أمير المؤمنين سلنى عن امّي فأنا أعلم بها و سل الكلبي عن امّها فهو أعلم بها.
و عن العاصمي باسناده عن محمّد بن عمر قال: توفّيت فاطمة بنت محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لثلاث ليال خلون من شهر رمضان و هي بنت تسع و عشرين أو نحوها و قال محمّد بن اسحاق توفّيت و لها ثمان و عشرون سنة و قيل: سبع و عشرون سنة.
و فى رواية أنّها ولدت على رأس سنة إحدى و أربعين من مولد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيكون سنّها على هذا ثلاثا و عشرين، و الأكثر على أنّها كانت بنت تسع و عشرين أو ثلاثين، و اللّه العالم بحقايق الوقايع.
ثمّ إنّه عليه السّلام بعد السلام على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم شرع في اظهار التفجّع و الأسف فقال: كنايه (قلّ يا رسول اللّه عن صفيّتك صبري) قال الشّارح المعتزلي اجلّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن أن يقول عن ابنتك فقال عن صفيّتك و هذا من لطايف عبارته و محاسن كنايته عليه السّلام أقول: و فيه مضافا إلى ذلك الاشارة إلى كونها صفيّة له مختارة عنده كما أنّها كانت صفيّة للّه حسبما عرفت في رواية الامالي المتقدّمة في وجه تسميتها بسيّدة النّساء من أنّ الملائكة يسلّمون عليها و ينادونها بما نادت به الملائكة مريم فيقولون: يا فاطمة إنّ اللّه اصطفيك و طهّرك و اصطفيك على نساء العالمين.
و فى البحار من الخصال فيما أوصى به النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى عليّ عليه السّلام يا عليّ إنّ اللّه عزّ و جلّ أشرف على الدّنيا فاختارني منها على رجال العالمين، ثمّ اطلع الثانية فاختارك على رجال العالمين بعدي، ثمّ اطلع الثالثة فاختار الأئمة من ولدك على رجال العالمين بعدك، ثمّ اطلع الرّابعة فاختار فاطمة على نساء العالمين و فيه الاشارة أيضا إلى ما كان له صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في حقّها من التبجيل و المحبّة
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 12
و الاعظام ما لم يكن في حقّ غيره حتّى روي عن القرطبي في كتاب إكمال الاكمال أنّ فاطمة «رض» أحبّ بناته صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أكرمهنّ عنده و سيّدة نساء الجنّة و كان إذا قدم من سفره بدء بالمسجد فيصلّي ركعتين ثمّ ببيت فاطمة «رض» فيسأل عنها ثمّ يدور على نسائه إكراما لفاطمة و اعتناء بها.
و فى البحار من الامالي بسنده عن عايشة بنت طلحة عن عايشة قالت:
ما رأيت أحدا من النّاس أشبه كلاما و حديثا برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من فاطمة كانت إذا دخلت عليه رحّب بها و قبّل يديها و أجلسها في مجلسه، فاذا دخل عليها قامت إليه فرحّبت به و قبّلت يديه، الخبر.
و من المناقب من جامع الترمدي و ابانة العكبري و اخبار فاطمة عن أبى علىّ الصّولي و تاريخ خراسان عن السّلامى مسندا أنّ جميعا التميمي قال: دخلت مع عمّتي على عايشة فقالت لها عمّتي: ما حملك على الخروج على عليّ؟ فقالت عايشة:
دعينا فو اللّه ما كان أحد من الرّجال أحبّ إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من عليّ، و لا من النساء أحبّ إليه من فاطمة و قوله (و رقّ عنها تجلّدى) أى ضعف عن فراقها تحملي للجلد و الصبر من عظم الرّزية و شدّة المصيبة.
(إلّا أنّ لي في التأسّي) و الاقتداء (بعظيم فرقتك و فادح مصيبتك موضع تعزّ) و هو وارد مورد التسلية لنفسه القدسيّة، فانّه لمّا ذكر عظم وجده في افتقاد الصديقة سلام اللّه عليها و شدّة تأثيره فيه استدرك ذلك بأنّي قد اصبت قبل ذلك بعظيم فراقك و ثقيل مصابك فصبرت عليه مع كونه أعظم رزء و أشدّ تأثيرا فينبغي لي أن أقتدى في الصّبر على تلك المصيبة الحادثة بالصبر على هذه المصيبة الماضية لكونها سهلا عندها.
و بعبارة أوضح فكأنّه يقول: إنّ صفيّتك و ان عظم بفراقها المصاب و قلّ عنها الصبر و التحمل إلّا أنّ فراقك قد كان أعظم و أجلّ، و مصابك أشدّ و أثقل فكما صبرت فى تلك الرّزيّة العظمى فلئن أصبر فى هذه المصيبة كان أولى و أحرى
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 13
ثمّ أكّد شدّة تأثّره بفراقه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بشرح بعض حالاته معه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حين موته المفيدة لمزيد اختصاصه به فانّ الاختصاص كلّما كان أزيد كان تأثير الفراق أشدّ فقال كنايه (فلقد وسّدتك في ملحودة قبرك) أى اتّخذت لك وسادة في قبرك المعمولة فيها اللّحد و هو كناية عن دفنه له فيها بيده.
(و فاضت بين نحرى و صدري نفسك) و قد مضى تحقيق معنى هذه الفقرة و تفصيل الكلام فيها و في سابقتها في شرح الخطبة المأة و السادسة و التّسعين فليراجع هناك.
و المراد بهاتين الفقرتين حسبما أشرنا إليه إظهار مزيد تفجّعه بمصيبته به صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و تجرّعه بغصص الفراق، فانّ أعظم المصائب و أشدّ الالام أن يخرج روح أحبّ الخلق إلى الرّجل و رأسه في صدره و أن يدفنه بيده في قبره.
ثمّ لمّا كان الاسترجاع موجبا للسّلوة و لجبران المصيبة مضافا إلى ما فيه من عظيم الأجر و الاستبشار بالنعمة الدّائمة استرجع و قال:
(إنّا للّه و إنّا إليه راجعون) أمّا الاستبشار فلقوله تعالى «وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَ الْأَنْفُسِ وَ الثَّمَراتِ وَ بَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ ...» و أمّا السّلوة و الأجر العظيم:
فلما رواه في الصّافي من مجمع البيان عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من استرجع عند المصيبة جبر اللّه مصيبته و أحسن عقباه، و جعل له خلفا صالحا يرضيه قال: و قال:
من اصيب بمصيبة فأحدث استرجاعا و إن تقادم عهدها كتب اللّه له من الأجر مثله يوم أصيب.
و فيه من الكافي عن الباقر عليه السّلام ما من عبد يصاب بمصيبة فيسترجع عند ذكر المصيبة إلّا غفر اللّه له كلّ ذنب فيما بينهما.
و عن الصّادق عليه السّلام من ذكر مصيبة و لو بعد حين فقال: إنّا للّه و إنّا إليه راجعون و الحمد للّه ربّ العالمين اللّهمّ أجرني على مصيبتي و اخلف علىّ أفضل منها، كان له من الأجر مثل ما كان له عند أوّل صدمته.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 14
استعاره و قوله عليه السّلام (فلقد استرجعت الوديعة و أخذت الرّهينة) استعار عليه السّلام لفظ الوديعة و الرّهينة لتلك النفس الكريمة لأنّ الأرواح كالوديعة و الرّهن في الأبدان أو لأنّ النّساء كالودايع و الرّهاين عند الأزواج يجب عليهم مراقبتهنّ و محافظتهنّ كما يجب على المستودع و المرتهن حفظ الودايع و الرّهاين.
ثمّ ذكر ما ناله من تلك المصيبة فقال: مبالغة (أمّا حزنى فسرمد و أمّا ليلي فمسهّد إلى أن يختار اللّه لي دارك الّتي أنت بها مقيم) يريد أنّ حزنه دائم و أنّه يسهر ليله إلى انتقاله إلى الدّار الاخرة و التحاقه برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في مجلس القدس و محفل الانس.
و هذا كما قال الشّارح المعتزلي من باب المبالغة الّتي يستعملها الفصحاء و الشّعراء في كلامهم و هو من محاسن البلاغة قال الشاعر:
قال لي كيف أنت قلت عليل سهر دائم و حزن طويل
و إنما قلنا: إنه من باب المبالغة لأنه ما سهر منذ ماتت فاطمة عليها السّلام إلى أن قتل و انما أسهر ليلة أو شهرا أو سنة نعم دوام الحزن فهو على حقيقته فانه لم يزل حزينا اذا ذكرت فاطمة عليها السلام عنده.
ثمّ ساق الكلام مساق التشكّى إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من سوء فعل الامة بعده فقال ايجاز (و ستنبئك ابنتك بتظافر امّتك على هضمها) لا يخفى ما في هذه العبارة من حسن البيان مع بديع الايجاز فانّ التظافر بمادّته التي هى الظفر و هو الفوز على المطلوب يدلّ على أنّ هضمها كان مطلوبا لهم لكنهم لم يكونوا متمكّنين من الفوز به ما دام كونه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حيا بين أظهرهم، فلما وجدوا العرصة خالية من وجوده الشريف فازوا به.
و ان كان مأخوذا من أظفر الصقر الطائر من باب افتعل و تظافر أى أعلق عليه ظفره و أخذه برأسه فيدلّ على أنهم علقوا أظفارهم على هضمها قاصدين بذلك قتلها و إهلاكها.
ثمّ إنّ المعاني الخمسة المذكورة للهضم كلّها مناسبة للمقام.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 15
أما المعنى الأوّل فلأنهم قد تظافروا على رفعها عن محلّها و مقامها الذي كان لها و حطّوها عن مرتبتها المقرّرة و لم يراعوا فى حقّها ما كان لازما عليهم من التبجيل و الاعظام و التعظيم و الاكرام، بل عاملوا معها معاملة الرّعية و السوقة حتى ألجئوها إلى الخروج إلى مجامع الرّجال فى أمر فدك و غيره مثل ساير النسوة البرزة.
و على المعنى الثاني فيكون إشارة إلى ما صدر عنهم من كسر ضلعها و اسقاط جنينها يوم اخراجه عليه السّلام من البيت ملببا للبيعة.
و على الثالث فيكون إشارة إلى اجتماعهم على نقص حقّها المقرّر لها بقوله تعالى: «وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ» .
و مثله المعنى الخامس فيكون إشارة إلى غصب فدك.
و أما المعنى الرّابع فهو أولى بالارادة لشموله جميع مظالمها و ما وقع فى حقّها من الظلم و الجور، فالى اللّه المشتكى من سوء عمل الامة و شنيع فعلهم بالعترة و ما أدرى
ما ذا يقولون إذ قال النبيّ لهم ما ذا فعلتم و أنتم آخر الامم
بعترتى و بأهلى بعد مفتقدي منهم اسارى و منهم ضرّجوا بدم
ما كان هذا جزائى اذ نصحت لكم أن تخلفونى بسوء فى ذوى رحم
(فاحفها السّؤال) أى بالغ في سؤالها و استقص في مسألتها (و استخبرها الحال) أى حالها و حالى بعد ارتحالك و افتقادك.
(هذا) أى تظافر الامّة على الهضم كائن (و) الحال انّه (لم يطل العهد) أى عهدهم بك أو ما عاهدتهم عليه من المودّة في القربى و المواظبة بالثّقلين (و لم يخل منك الذّكر) أى لم يرتفع ذكرك الجميل عن أفواههم.
و محصّله انه لم يطل المدّة من موتك حتى ينسوا وصاياك المتأكدة في حقّ العترة أو يغفلوا من صنايعك العظيمة في حقّهم فيقابلوها بهذا الكفران العظيم.
و لما أراد الوداع ختم كلامه بالسلام كما بدء به جريا على مجارى عادة
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 16
الأحباب عند وداع بعضهم لبعض فقال (و السلام عليكما سلام مودّع) محبّ مشتاق مشفق (لا قال و لا سئم) أى لا مبغض لكما و لا ملول من طول صحبتكما و أوضح ذلك بقوله (فان أنصرف) عن زيارتكما (فلا عن ملالة و ان اقم) أى أقمت عند ضريحكما (فلا عن سوء ظنّ بما وعد اللّه الصابرين) بقوله: «أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ» .
تذنيب:
ينبغي لنا أن نذكر شطرا من الأخبار فيما وقع عليها من الظلم و بكائها و حزنها و شكايتها في مرضها و كيفيّة وفاتها و دفنها صلوات اللّه عليها و لعنة اللّه على غاصبى حقّها و ظالميها فأقول:
روى في كشف الغمة عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: البكّاؤون خمسة: آدم، و يعقوب و يوسف، و فاطمة بنت محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و علىّ بن الحسين عليهم السّلام.
فأما آدم فبكى على الجنة حتى صار في خدّيه مثل الأودية.
و أما يعقوب فبكى على يوسف حتى ذهب بصره و حتى قيل له: تاللّه تفتؤ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين.
و أما يوسف فبكى على يعقوب حتّى تأذّى به أهل السّجن فقالوا: إمّا أن تبكي بالنهار و تسكت باللّيل، و إمّا أن تبكي اللّيل و تسكت النّهار فصالحهم على واحد منهما.
و أمّا فاطمة فبكت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حتّى تأذي بها أهل المدينة فقالوا لها قد آذيتنا بكثرة بكائك فكانت تخرج إلى مقابر الشهداء فتبكى حتّى تقضى حاجتها و تنصرف.
و أمّا عليّ بن الحسين فبكى على الحسين عليه السّلام عشرين سنة أو أربعين و ما وضع بين يديه طعام قطّ إلّا بكى حتّى قال له عليه السّلام مولى له: جعلت فداك يا ابن رسول اللّه إنّي أخاف عليك أن تكون من الهالكين قال: انّما أشكو بثّى و حزني إلى اللّه و أعلم من اللّه ما لا تعلمون، إنّى لم أذكر مصرع بني فاطمة إلّا خنقتني لذلك العبرة.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 17
و فى البحار من الأمالي عن الدّقاق عن الأسدى عن النخعي عن النوفلي عن البطائي عن أبيه عن ابن جبير عن ابن عباس فى خبر طويل أخبر فيه النبىّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بظلم أهل البيت قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:
و أما ابنتى فاطمة فانها سيّدة نساء العالمين من الأوّلين و الاخرين، و هى بضعة منى، و هى نور عينى، و هى ثمرة فؤادى، و هى روحي التي بين جنبى، و هى الحوراء الانسية متى ما قامت فى محرابها بين يدي ربّها جلّ جلاله زهر نورها لملائكة السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض و يقول اللّه عزّ و جلّ لملائكته: يا ملائكتى انظروا إلى أمتى فاطمة سيدة إمائى قائمة بين يدي ترتعد فرائصها من خيفتى و قد أقبلت بقلبها على عبادتى اشهدكم أنى قد امنت شيعتها من النار.
و اني لما رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي كأنّى بها و قد دخل الذّلّ بيتها و انتهكت حرمتها و غصبت حقها و منعت ارثها و كسر جنبها و اسقطت جنينها و هى تنادى يا محمّداه فلا تجاب و تستغيث فلا تغاث، فلا تزال بعدى محزونة مكروبة باكية تتذكّر انقطاع الوحي عن بيتها مرّة و تتذكّر فراقى اخرى و تستوحش إذا جنّها اللّيل لفقد صوتى الذى كانت تستمع إليه إذا تهجّدت بالقرآن، ثمّ ترى نفسها ذليلة بعد أن كانت أيام أبيها عزيزة، فعند ذلك يونسها اللّه تعالى ذكره بالملائكة فنادتها بما نادت به مريم بنت عمران فتقول يا فاطمة إنّ اللّه اصطفيك و طهّرك و اصطفيك على نساء العالمين يا فاطمة اقنتى لربك و اسجدى و اركعى مع الراكعين.
ثمّ يبتدء بها الوجع فتمرض فيبعث اللّه عزّ و جلّ إليها مريم بنت عمران تمرّضها و تونسها فى علّتها فتقول عند ذلك: يا ربّ إنّي قد سئمت الحياة و تبرّمت بأهل الدّنيا فألحقنى بأبى فتكون أوّل من يلحقني من أهل بيتى، فتقدم عليّ محزونة مكروبة مغمومة مغصوبة مقتولة فأقول عند ذلك: اللهمّ العن من ظلمها و عاقب من غصبها و ذلّل من أذلّها، و خلّد فى نارك من ضرب جنبيها حتّى ألقت ولدها فتقول الملائكة عند ذلك: آمين.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 18
و من كتاب دلائل الامامة للطبري بالاسناد عن أبى بصير عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: قبضت فاطمة فى جمادى الاخرة يوم الثلثاء لثلاث خلون منه سنة إحدى عشر من الهجرة، و كان سبب وفاتها أنّ قنفذ مولى عمر لكزها بنعل السيف بأمره فأسقطت محسنا و مرضت من ذلك مرضا شديدا و لم تدع أحدا ممّن أذاها يدخل عليها.
و كان الرّجلان من أصحاب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سألا أمير المؤمنين أن يشفع لهما إليها فسألها أمير المؤمنين عليه السّلام فلما دخلا عليها قالا لها: كيف أنت يا بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟
قالت: بخير بحمد اللّه، ثمّ قالت لهما: ما سمعتما النبىّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: فاطمة بضعة منّى من آذاها فقد آذانى و من آذانى فقد آذى اللّه، قالا: بلى، قالت: فو اللّه لقد آذيتمانى، قال: فخرجا من عندها و هى ساخطة عليهما أقول: و قد تقدّم فى المقدّمة الثالثة من مقدّمات الخطبة الثالثة المعروفة بالشقشقية برواية سليم بن قيس الهلالى تفصيل كيفية دخول قنفذ اللعين بيت فاطمة و إحراق بابها و بعض مظالمها، و اورد هنا بعض ما تقدّم من رواية سليم ملخصا و نضيف إليه ما لم يتقدّم هناك بحسب اقتضاء المقام و ما اورده هنا أنقله من المجلد العاشر من البحار على ما لخصّه أيضا فأقول:
قال المحدّث العلامة المجلسيّ: وجدت في كتاب سليم بن قيس الهلالي برواية أبان بن أبي عياش عنه عن سلمان و عبد اللّه بن العبّاس قالا: توفّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يوم توفّى فلم يوضع في حفرته حتّى نكث النّاس و ارتدّوا و أجمعوا على الخلاف و اشتغل علىّ عليه السّلام برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حتّى فرغ من غسله و تكفينه و تحنيطه و وضعه في حفرته، ثمّ أقبل على تأليف القرآن و شغل عنهم بوصيّة رسول اللّه فقال عمر لأبي بكر: يا هذا إنّ النّاس أجمعين قد بايعوك ما خلا هذا الرّجل و أهل بيته فابعث إليه، فبعث إليه ابن عمّ لعمر يقال له: قنفذ، فقال: يا قنفذ انطلق إلى عليّ فقل له أجب خليفة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فبعثا مرارا و أبى عليّ عليه السّلام أن يأتيهم فوثب عمر غضبانا و نادى خالد بن الوليد و قنفذا فأمرهم أن يحملا حطبا و نارا
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 19
ثم أقبل حتّى انتهى إلى باب عليّ عليه السّلام و فاطمة عليها السلام قاعدة خلف الباب قد عصبت رأسها و نحل جسمها في وفاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فأقبل عمر حتّى ضرب الباب ثمّ نادى يا ابن أبي طالب افتح الباب. فقالت فاطمة عليها السلام خلف الباب: يا عمر ما لنا و لك لا تدعنا و ما نحن فيه، قال: افتحى الباب و إلّا أحرقنا عليكم، فقالت يا عمر، أما تتّقي اللّه تدخل على بيتى و تهجم على دارى بغير اذني فأبي أن ينصرف.
ثمّ دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب فأحرق الباب ثمّ دفعه عمر فدخل فاستقبلته فاطمة و صاحت يا أبتاه يا رسول اللّه، فرفع عمر السّيف و هو في غمده فوجى به جنبها فصرخت يا أبتاه، فرفع السّوط فضرب به ذراعها و نادت يا رسول اللّه بئس ما خلفك أبو بكر و عمر.
فوثب علىّ بن أبي طالب عليه السّلام فأخذ بتلابيب عمر فصرعه و وجى أنفه و رقبته و همّ بقتله فذكر قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ما أوصاه به من الصبر و الطّاعة فقال: و الذي أكرم محمّدا بالنّبوة يا ابن صحاك لو لا كتاب من اللّه سبق لعلمت أنّك لا تدخل بيتي فأرسل عمر يستغيث فأقبل النّاس حتّى دخلوا الدّار فكاثروه و ألقوا في عنقه حبلا فحالت بينهم و بينه فاطمة عند باب البيت فضربها قنفذ الملعون بالسوط فماتت حين ماتت و أن في عضدها كمثل الدّملج من ضربته لعنه اللّه، فألجأها إلى عضادة بيتها و دفعها فكسر ضلعها من جنبها فألقت جنينا من بطنها، فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت صلّى اللّه عليها من ذلك شهيدة- و ساق الحديث إلى أن قال- قال ابن عباس: ثمّ إنّ فاطمة بلغها أنّ أبا بكر قبض فدكا فخرجت في نساء بني هاشم حتى دخلت على أبي بكر فقال: يا أبا بكر أ تريد أن تأخذ منى أرضا جعلها لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فدعا أبو بكر بدواة ليكتب به لها فدخل عمر لعنه اللّه فقال:
يا خليفة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لا تكتب لها حتى تقيم البينة بما تدّعى، فقالت فاطمة:
عليّ و امّ أيمن يشهدان بذلك فقال عمر: لا نقبل شهادة امرأة أعجميّة لا تفصح و أما عليّ فيجرّ النار إلى قرصته، فرجعت فاطمة عليها السّلام مغتاظة فمرضت و كان عليّ عليه السّلام يصلّى في المسجد الصلوات الخمس، فلمّا صلّى قال له أبو بكر و عمر
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 20
كيف بنت رسول اللّه إلى أن ثقلت فسألا عنها و قالا و قد كان بيننا و بينها ما قد علمت فان رأيت أن تأذن لنا لنعتذر إليها من ذنبنا، قال: ذاك إليكما، فقام فجلسا في الباب.
فدخل عليّ على فاطمة فقال: أيّتها الحرّة فلان و فلان في الباب يريدان أن يسلّما عليك فما تريدين؟ قالت: البيت بيتك و الحرّة زوجتك و افعل ما تشاء، فقال: سدّى قناعك فسدّت قنّاعها و حوّلت وجهها إلى الحائط، فدخلا و سلّما و قالا ارضي عنا رضي اللّه عنك، فقالت: ما دعا إلى هذا فقالا اعترفنا بالاساءة و رجونا أن تعفى عنا، فقالت إن كنتما صادقين فأخبرانى عما أسألكما عنه فانى لا أسألكما عن أمر إلّا و أنا عارفة بأنكما تعلمانه، فان صدقتما علمت أنكما صادقان فى مجيئكما قالا: سل عما بدا لك، قالت: نشدتكما باللّه هل سمعتما رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول:
فاطمة بضعة منى فمن آذاها فقد آذانى؟ قالا: نعم، قال: فرفعت يدها إلى السماء فقالت: اللهم إنهما قد اذيانى فأنا أشكوهما إليك و إلى رسولك لا و اللّه لا أرضى عنكما أبدا حتى ألقى أبي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و اخبره بما صنعتما فيكون هو الحاكم فيكما قال: فعند ذلك دعى أبو بكر بالويل و الثبور و جزع جزعا شديدا فقال عمر له: تجزع يا خليفة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من قول امرأة؟!.
قال: فبقيت فاطمة بعد وفاة أبيها أربعين ليلة فلما اشتدّ بها الأمر دعت عليها السّلام عليا و قالت: يا ابن عمّ ما أرانى إلّا لما بى و إنى اوصيك أن تتزوّج بامامة بنت اختى زينب يكون لولدي مثلى، و اتّخذ لى نعشا فانّى رأيت الملائكة يصفونه لى، و أن لا يشهد أحد من أعداء اللّه جنازتى و لا دفنى و لا الصلاة عليّ.
قال ابن عباس: فقبضت فاطمة عليها السلام من يومها، فارتجّت المدينة بالبكاء من الرّجال و النساء، و دهش الناس كيوم قبض فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فأقبل أبو بكر و عمر يعزّيان عليا عليه السّلام و يقولان له: يا أبا الحسن لا تسبقنا بالصلاة على ابنة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
فلما كان الليل دعا علىّ عليه السّلام العباس و الفضل و المقداد و سلمان و أبا ذر و عمارا
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 21
فقدّم العباس و صلّى عليها و دفنوها ليلا.
فلما أصبح الناس أقبل أبو بكر و عمر و الناس يريدون الصلاة على فاطمة عليها السّلام فقال المقداد: قد دفنّا فاطمة البارحة، فالتفت عمر إلى أبى بكر فقال: ألم أقل لك إنهم سيفعلون فقال العباس: إنها أوصت أن لا تصلّيا عليها، فقال عمر: لا تتركون يا بنى هاشم حسدكم القديم لنا أبدا إن هذه الضغائن الذي في صدوركم لن تذهب و اللّه لقد هممت أن انبشها فأصلّي عليها، فقال عليّ عليه السّلام: و اللّه لو رمت ذلك يا ابن صهاك لا رجعت إليك يمينك، لئن سللت سيفى لاغمدته دون إزهاق نفسك، فانكسر عمر و سكت و علم أنّ عليا عليه السّلام إذا حلف صدق.
ثمّ قال عليّ عليه السّلام يا عمر أ لست الذى همّ بك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أرسل إلىّ فجئت متقلّدا سيفى ثمّ أقبلت نحوك لأقتلك فأنزل اللّه عزّ و جلّ «فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا».
و فى كشف الغمة روى أنها عليها السلام أوصت عليا و أسماء بنت عميس أن يغسلاها.
و عن ابن عباس قال: مرضت فاطمة مرضا شديدا فقالت لأسماء بنت عميس ألا ترين إلى ما بلغت «1» فلا تحملينى على سرير ظاهر فقالت: لا لعمرى و لكن أصنع نعشا كما رأيت يصنع بالحبشة قالت: فأرنيها، فأرسلت إلى جرايد رطبة فقطعت من الأسواق ثمّ جعلت على السرير نعشا و هو أوّل ما كان النعش، فتبسّمت و ما رأيت متبسّمة إلّا يومئذ ثمّ حملناها و دفناها ليلا و صلّى عليها العباس بن عبد المطلب و نزل في حفرتها هو و علىّ و الفضل بن العباس.
و عن أسماء بنت عميس أنّ فاطمة عليها السلام بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قالت انى قد استقبحت ما يصنع بالنساء إنه يطرح على المرأة الثوب فيصفها لمن رأى فقالت أسماء: يا بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إني أريك شيئا رأيته بأرض الحبشة قال:
فدعت بجريدة رطبة فحسنتها ثمّ طرحت عليها ثوبا فقالت فاطمة: ما أحسن هذا و أجمله لا تعرف به المرأة من الرجل، قال: قالت فاطمة: فاذا متّ فاغسلينى أنت و لا يدخلنّ
______________________________
(1)- اى من نحول الجسم و الضعف كما صرّح به فى رواية اخرى، منه.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 22
علىّ أحد، فلما توفيت فاطمة جاءت عايشة تدخل عليها فقالت أسماء: لا تدخل فكلّمت عايشة أبا بكر فقالت: إن هذه الخثعميّة تحول بيننا و بين ابنة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قد جعلت لها مثل هودج العروس، فقالت أسماء: أمرتنى أن لا يدخل عليها أحد و أريتها هذا الذى صنعت و هى حيّة فأمرتنى أن أصنع لها ذلك فقال أبو بكر: اصنعى ما أمرتك، فانصرف و غسلها علىّ و أسماء.
و قيل: قالت فاطمة لأسماء حين توضأت وضوءها للصلاة: هاتى طيبى الذي أ تطيّب به، و هاتي ثيابي الّتي اصلّي فيها، فتوضأت ثمّ وضعت رأسها فقالت لها:
اجلسى عند رأسى فاذا جاء وقت الصلاة فأقيمينى فان قمت و إلّا فأرسلى إلى عليّ فلما جاء وقت الصلاة قالت: الصلاة يا بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فاذا هى قد قبضت فجاء عليّ عليه السّلام فقالت له: قد قبضت ابنة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال عليّ: متى؟ قالت: حين أرسلت إليك، قال: فأمر أسماء فغسلتها و أمر الحسن و الحسين يدخلان الماء، و دفنها ليلا و سوّى قبرها فعوتب على ذلك فقال: بذلك أمرتنى.
و في البحار من مناقب ابن شهر آشوب عن ابن جبير عن ابن عباس قال:
أوصت فاطمة عليها السلام أن لا يعلم إذا ماتت أبو بكر و لا عمر، و لا يصلّيا عليها قال: فدفنها عليّ ليلا و لم يعلمهما بذلك.
و عن الأصبغ بن نباتة أنّه سأل أمير المؤمنين عليه السّلام عن دفنها ليلا، فقال:
إنّها كانت ساخطة على قوم كرهت حضورهم جنازتها و حرام على من يتولّاهم أن يصلّي على أحد من ولدها.
و روى أنّه عليه السّلام سوّى قبرها مع الأرض مستويا و قالوا سوّى حواليها قبورا مزورة مقدار سبعة حتّى لا يعرف قبر لها.
و روى انّه رشّ أربعين قبرا حتى لا يبين قبرها من غيره من القبور، فيصلّوا عليها.
و فى البحار وجدت في بعض الكتب خبرا في وفاتها عليها السلام فأحببت ايراده و إن لم آخذه من أصل يعوّل عليه.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 23
روى ورقة بن عبد اللّه الازدى قال: خرجت حاجّا إلى بيت اللّه الحرام راجيا لثواب اللّه ربّ العالمين فبينما أنا أطوف و إذا أنا بجارية سمراء مليحة الوجه عذبة الكلام و هى تنادى بفصاحة منطقها و تقول:
اللهمّ ربّ الكعبة الحرام و الحفظة الكرام و زمزم و المقام و المشاعر العظام و ربّ محمّد خير الأنام البررة الكرام أن تحشرني مع ساداتى الطّاهرين و أبنائهم الغرّ المحجلين الميامين، ألا فاشهدوا يا جماعة الحجّاج و المعتمرين إنّ مواليّ خيرة الأخيار و صفوة الأبرار الذين علا قدرهم على الأقدار و ارتفع ذكرهم في ساير الأمصار المرتدين بالفخار.
قال ورقة بن عبد اللّه فقلت: يا جارية إني لأظنك من موالي أهل البيت، فقالت أجل قلت: و من أنت من مواليهم؟ قالت: أنا فضّة أمة فاطمة الزّهراء ابنة محمّد المصطفى صلّى اللّه عليها و على أبيها و بعلها و بنيها، فقلت لها: مرحبا بك و أهلا و سهلا فلقد كنت مشتاقا إلى كلامك و منطقك فاريد منك الساعة أن تجيبني من مسألة أسألك فاذا أنت فرغت من الطواف قفى لى عند سوق الطعام حتى آتيك و أنت مثابة مأجورة فافترقنا في الطواف.
فلما فرغت من الطواف و أردت الرجوع إلى منزلي جعلت طريقي على سوق الطعام و إذا بها جالسة في معزل عن الناس، فأقبلت إليها و اعتزلت بها و أهديت إليها هدية و لم أعتقد أنها صدقة ثمّ قلت لها: يا فضّة أخبريني عن مولاتك فاطمة الزّهراء عليها السلام و ما الذي رأيت منها عند وفاتها بعد موت أبيها محمّد صلّى اللّه عليه و آله سلّم.
قال ورقة: فلما سمعت كلامي تغرغرت عيناه بالدّموع ثمّ انتحبت نادبة و قالت: يا ورقة بن عبد اللّه هيّجت عليّ حزنا ساكنا و أشجانا في فؤادى كانت كامنة فاسمع الان ما شاهدت منها.
اعلم أنه لما قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم افتجع له الصغير و الكبير و كثر عليه البكاء و قلّ العزاء و عظم رزؤه على الأقرباء و الأصحاب و الأولياء و الأحباب و الغرباء و الأنساب، و لم تلق إلّا كلّ باك و باكية و نادب و نادبة، و لم يكن في أهل الأرض
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 24
و الأصحاب و الأقرباء أشدّ حزنا و أعظم بكاء و انتحابا من مولاتي فاطمة الزهراء، و كان حزنها يتجدّد و يزيد، و بكاؤها يشتدّ فجلست سبعة أيام لا يهدى لها أنين و لا يسكن منها حنين، و كلّ يوم جاء كان بكاؤها أكثر من اليوم الأول.
فلما كان في اليوم الثامن أبدت ما كتمت من الحزن فلم تطق صبرا إذ خرجت و صرخت فكأنها من فم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تنطق، فتبادرت النسوان و خرجت الولايد و الولدان، و ضجّ الناس بالبكاء و النحيب، و جاء الناس من كلّ مكان، و اطفيت المصابيح لكيلا تتبيّن صفحات النساء، و خيّل إلى النسوان أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قد قام من قبره، و صار الناس في دهشة و حيرة لما قد رهقهم، و هى تنادى و تندب أباه وا أبتاه وا صفيّاه وا محمّداه وا أبا القاسماه و اربيع الأرامل و اليتامى اه من للقبلة و المصلّى، و من لابنتك الوالهة الثكلى.
ثمّ أقبلت تعثر في أذيالها و هى لا تبصر شيئا من عبرتها و من تواتر دمعتها حتى دنت من قبر أبيها محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فلمّا نظرت إلى الحجرة وقع طرفها على المأذنة فقصر خطاها و دام نحيبها و بكاها إلى أن اغمى عليها، فتبادرت النسوان إليها فنضحن الماء عليها و على صدرها و جبينها حتّى أفاقت و هى تقول:
رفعت قوّتي، و خانني جلدى، و شمت بي عدوّي، و الكمد قاتلي، يا أبتاه بقيت و الهة وحيدة و حيرانة فريدة فقد انخمد صوتى، و انقطع ظهرى، و تنغّص عيشي، و تكدّر دهري، فما أجد يا أبتاه بعدك أنيسا لوحشتي، و لا رادا لدمعتي و لا معينا لضعفي، فقد فنى بعدك محكم التنزيل، و مهبط جبرئيل، و محلّ ميكائيل انقلبت بعدك يا أبتاه الأسباب، و تغلّقت دوني الأبواب، فأنا للدّنيا بعدك قالية، و عليك ما ترددت أنفاسي باكية، لا ينفد شوقي إليك، و لا حزني عليك.
ثمّ نادت: يا أبتاه و البّاه ثمّ قالت:
إنّ حزني عليك حزن جديد و فؤادى و اللّه صبّ عنيد
كلّ يوم يزيد فيه شجوني وا كتئا بي عليك ليس يبيد
جلّ خطبى فبان عنّي عزائي فبكائي كلّ وقت جديد
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 25
إنّ قلبا عليك يألف صبرا أو عزاء فانّه لجليد
ثمّ نادت: يا أبتاه انقطعت بك الدّنيا بأنوارها، و زوت زهرتها و كانت ببهجتك زاهرة فقد اسودّ نهارها، فكان يحكي حنادسها رطبها و يابسها، يا أبتاه لا زالت آسفة عليك إلى التّلاق، يا أبتاه زال غمصى منذ حقّ الفراق، يا أبتاه من للأرامل و المساكين، و من للأمّة إلى يوم الدّين، يا أبتاه أمسينا بعدك من المستضعفين، يا أبتاه أصبحت النّاس عنّا معرضين، و لقد كنّا بك معظّمين في النّاس غير مستضعفين فأىّ دمعة لفراقك لا تنهمل، و أيّ حزن بعدك عليك لا يتّصل، و أىّ جفن بعدك بالنّوم يكتحل، و أنت ربيع الدين، و نور النبيين، فكيف للجبال لا تمور، و للبحار بعدك لا تغور، و الأرض كيف لم تتزلزل، رميت يا أبتاه بالخطب الجليل، و لم يكن الرزيّة بالقليل، و طرقت يا أبتاه بالمصاب العظيم، و بالفادح المهول، بكتك يا أبتاه الأملاك، و وقفت الأفلاك فمنبرك بعدك مستوحش، و محرابك خال من مناجاتك، و قبرك فرح بمواراتك، و الجنّة مشتاقة إليك و إلى دعائك و صلاتك، يا أبتاه ما أعظم ظلمة مجالسك، فوا أسفا عليك إلى أن أقدم عاجلا عليك و اثكل أبو الحسن المؤتمن أبو ولديك الحسن و الحسين و أخوك و وليك و حبيبك و من ربّيته صغيرا و آخيته كبيرا و أحلي أحبابك و أصحابك من كان منهم سابقا و مهاجرا و ناصرا، و الثكل شاملنا، و البكاء قاتلنا، و الأسى لازمنا.
ثمّ زفرت زفرة و أنّت أنّة كادت روحها أن تخرج ثمّ قالت:
قلّ صبرى و بان عنّي عزائى بعد فقدى لخاتم الأنبياء
عين يا عين اسكبى الدّمع سحّا ويك لا تبخلي بفيض الدّماء
يا رسول الا له يا خيرة اللّه و كهف الأيتام و الضّعفاء
قد بكتك الجبال و الوحش جمعا و الطير و الأرض بعد بكى السماء
و بكاك الحجون و الركن و المشعر يا سيدى مع البطحاء
و بكاك المحراب و الدّرس للقرآن في الصّبح معلنا و المساء
و بكاك الاسلام اذ صار في النّاس غريبا من ساير الغرباء
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 26
لو ترى المنبر الذي كنت تعلوه علاه الظلام بعد الضّياء
يا إلهى عجّل وفاتي سريعا قد نغصت الحياة يا مولائي
قالت: ثمّ رجعت إلى منزلها و أخذت بالبكاء و العويل ليلها و نهارها و هي لا ترقى دمعتها، و لا تهدى زفرتها.
و اجتمع شيوخ أهل المدينة و اقبلوا إلى أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام فقالوا له يا أبا الحسن إنّ فاطمة تبكى اللّيل و النّهار فلا أحد منّا يتهنأ بالنّوم في اللّيل على فراشنا و لا بالنّهار قرار على أشغالنا و طلب معايشنا، و إنّا نخيّرك أن تسألها إمّا أن تبكى ليلا أو نهارا، فقال حبّا و كرامة.
فأقبل أمير المؤمنين حتّى دخل على فاطمة عليها السّلام و هي لا تفيق من البكاء، و لا ينفع فيها العزاء، فلمّا رأته سكتت هيمنة له فقال لها: يا بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إنّ شيوخ المدينة يسألوني أن أسألك إمّا أن تبكين أباك ليلا و إمّا نهارا فقالت يا أبا الحسن ما أقلّ مكثي بينهم و ما أقرب مغيبتي من بين أظهرهم، فو اللّه لا أسكت ليلا و لا نهارا أو ألحق بأبي رسول اللّه، فقال لها عليّ: افعلي يا بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما بدا لك ثمّ إنّه عليه السّلام بنى لها بيتا في البقيع نازحا من المدينة يسمّى بيت الأحزان و كانت إذا أصبحت قدّمت الحسن و الحسين أمامها و خرجت إلى البقيع باكية فلا تزال بين القبور باكية، فاذا جاء اللّيل أقبل أمير المؤمنين إليها و ساقها بين يديه إلى منزلها.
و لم تزل على ذلك إلى أن مضى لها بعد أبيها سبعة و عشرون يوما و اعتلّت العلّة الّتي توفّيت فيها فبقيت إلى يوم الأربعين و قد صلّى أمير المؤمنين صلاة الظهر و أقبل يريد المنزل إذ استقبلته الجواري باكيات حزينات فقال لهنّ: ما الخبر و ما لى أراكنّ متغيّرات الوجوه و الصّور، فقلن: يا أمير المؤمنين أدرك ابنة عمك الزّهراء و ما نظنّك تدركها.
فأقبل أمير المؤمنين مسرعا حتّى دخل عليها و إذا بها ملقاة على فراشها و هو
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 27
من قباطى مصر و هى تقبض يمينا و تمدّ شمالا، فألقى الرّداء عن عاتقه و العمامة عن رأسه و حل أزراره.
و أقبل حتّى أخذ رأسها و تركه في حجره و ناداها: يا زهراء، فلم تكلّمه، فنادها: يا بنت محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فلم تكلّمه، فناداها: يا بنت من حمل الزّكاة في أطراف ردائه و بذلها على الفقراء، فلم تكلّمه، فناداها: يا ابنة من صلّى بالملائكة في السّماء مثنى مثنى، فلم تكلّمه فناداها: يا فاطمة كلّميني فأنا ابن عمّك عليّ ابن أبي طالب.
قالت: ففتحت عينيها في وجهه و نظرت إليه و بكت و بكى، و قال: ما الّذي تجدينه فأنا ابن عمّك عليّ بن أبي طالب، فقالت: يا ابن العمّ إنّي أجد الموت الذي لا بدّ منه و لا محيص عنه و أنا أعلم أنّك بعدى لا تصبر على قلّة التزويج، فان أنت تزوّجت امرأة اجعل لها يوما و ليلة و اجعل لأولادي يوما و ليلة، و لا تصح في وجوههما فيصبحان يتيمين غريبين منكسرين فانّهما بالأمس فقد اجدّهما: و اليوم يفقدان امّهما، فالويل لامة تقتلهما و تبغضهما ثمّ أنشأت تقول:
ابكنى إن بكيت يا خير هادى و اسبل الدّمع فهو يوم الفراق
يا قرين البتول اوصيك بالنّسل فقد أصبحا حليف الاشتياق
ابكنى و ابك لليتامى و لا تنس قتيل العدى بطفّ العراق
فارقوا فاصبحوا يتامى حيارى يخلف اللّه فهو يوم الفراق
قالت فقال عليّ: من أين لك يا بنت رسول اللّه هذا الخبر و الوحى قد انقطع عنّا؟ فقالت: يا أبا الحسن رقدت السّاعة فرأيت حبيبي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في قصر من الدّرّ الأبيض فلمّا رآني قال: هلمّي إليّ يا بنيّة فانّي إليك مشتاق، فقلت:
و اللّه إنّى لأشدّ شوقا منك إلى لقائك، فقال: أنت اللّيلة عندى و هو الصّادق لما وعد و الموفي لما عاهد فاذا أنت قرأت يس فاعلم أنّي قد قضيت نحبى، فغسّلني و لا تكشف عنّي فانّى طاهرة مطهّرة، و ليصلّ عليّ معك من أهلي الأدنى فالأدنى و من رزق اجرى و ادفنّي ليلا في قبري، بهذا أخبرني حبيبي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 28
فقال عليّ عليه السّلام و اللّه لقد أخذت في أمرها و غسلتها في قميصها و لم اكشفه عنها فو اللّه لقد كانت ميمونة طاهرة مطهّرة، ثمّ حنّطتها من فضلة حنوط رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و كفنتها و أدرجتها في أكفانها.
فلمّا هممت أن أعقد الرّداء ناديت يا امّ كلثوم يا زينب يا سكينة يا فضّة يا حسن يا حسين هلمّوا تزوّدوا من امّكم فهذا الفراق و اللّقاء في الجنّة، فأقبل الحسن و الحسين و هما يناديان وا حسرتاه لا ننطفي أبدا من فقد جدّنا محمّد المصطفى صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و امّنا فاطمة الزّهراء، يا امّ الحسن يا امّ الحسين إذا لقيت جدّنا محمّد المصطفى صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فاقرئيه منّا السّلام و قولى له: إنّا قد بقينا بعدك يتيمين في دار الدّنيا.
فقال أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام: إنى اشهد اللّه أنّها قد حنّت و أنّت و مدّت يديها و ضمّتهما إلى صدرها مليا و إذا بهاتف من السماء ينادى يا أبا الحسن ارفعهما عنها فلقد أبكيا و اللّه ملائكة السماوات، فقد اشتاق الحبيب إلى المحبوب.
قال: فرفعتهما من صدرها و جعلت أعقد الرداء و أنا انشد بهذه الأبيات:
فراقك أعظم الأشياء عندى و فقدك فاطم أدهى الثكول
سأبكى حسرة و أنوح شجوا على خلّ مضى أسنا سبيل
ثمّ حملها على يده و أقبل بها إلى قبر أبيها و نادى:
السلام عليك يا رسول اللّه، السلام عليك يا حبيب اللّه، السلام عليك يا نور اللّه السلام عليك يا صفوة اللّه منّي السلام عليك و التحية منّي واصلة إليك و لديك، و من ابنتك النازلة عليك بفنائك، و إنّ الوديعة قد استردّت، و الرهينة قد اخذت، فوا حزناه على الرّسول، ثمّ من بعده على البتول، و لقد اسودّت عليّ الغبراء، و بعدت عنّي الخضراء، فوا حزناه ثمّ وا أسفاه.
ثمّ عدل بها على الرّوضة فصلّى عليها في أهله و أصحابه و مواليه و أحبّائه و طائفة من المهاجرين و الأنصار، فلما واراها و ألحدها في لحدها أنشأ بهذه الأبيات يقوله:
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 29
أرى علل الدّنيا عليّ كثيرة و صاحبها حتى الممات عليل
لكل اجتماع من خليلين فرقة و إنّ بقائي عندكم لقليل
و انّ افتقادى فاطما بعد أحمد دليل على أن لا يدوم خليل
أقول: و في الدّيوان المنسوب إليه عليه الصلاة و السلام أنه أنشد عند وفاة فاطمة صلوات اللّه و سلامه عليها بهذه الأبيات:
ألا هل إلى طول الحيات سبيل و أنّى و هذا الموت ليس يحول
و إنّي و إن أصبحت بالموت موقنا فلا أمل من دون ذاك طويل
و للدّهر ألوان تروح و تغتدي و إنّ نفوسا بينهنّ تسيل
و منزل حقّ لا معرّج دونه لكلّ امرء منها إليه سبيل
قطعت بأيّام التعزّز ذكره و كلّ عزيز ما هناك ذليل
أرى علل الدّنيا علىّ كثيرة و صاحبها حتّى الممات عليل
و انّى لمشتاق إلى من أحبّه فهل لي إلى من قد هويت سبيل
و انّى و إن شطت بي الدّهر نازحا و قد مات قبلي بالفراق جميل
فقد قال في الأمثال في البين قائل أضرّ به يوم الفراق رحيل
لكلّ اجتماع من خليلين فرقة و كلّ الذي دون الفراق قليل
و انّ افتقادي فاطما بعد أحمد دليل على أن لا يدوم خليل
و كيف هناك العيش من بعد فقدهم لعمرك شيء ما إليه سبيل
سيعرض عن ذكرى و تنسى مودّتي و يظهر بعدى للخليل عديل
و ليس خليلي بالملول و لا الذى إذا غبت يرضاه سواى بديل
و لكن خليلي من يدوم وصاله و يحفظ سرّى قلبه و دخيل
إذا انقطعت يوما من العيش مدّتي فانّ بكاء الباكيات قليل
يريد الفتى أن لا يموت حبيبه و ليس إلى ما يبتغيه سبيل
و ليس جليلا رزء مال و فقده و لكنّ رزء الأكرمين جليل
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 30
لذلك جنبي لا يواتيه مضجع و في القلب من حرّ الفراق غليل «1»
خاتمة:
نذكر فيها بعض الأخبار الواردة في كيفيّة مجيئها سلام اللّه عليها إلى المحشر و تظلّمها يوم القيامة و عقاب ظالميها.
و إنّما أوردت هذه الأخبار لأنّ الأخبار السّالفة المتضمّنة لما جرى عليها بعد وفاة أبيها سلام اللّه عليه و عليها من البغي و العدوان و الظلم و الطغيان لا سيّما ما تضمّنت أنينها و حنينها و بكائها و مظلوميّتها و وحدتها و غربتها حالة وفاتها، قد ملأت قلبي قيحا و شحنت صدرى قرحة، و جرّعتني نعب التّهمام أنفاسا، فسرت عند روايتها لا أضبط دمعتى، و لا أملك كمدى و لوعتي، و كانت الدّمعات من عظم مصيبتها جارية، و حرقات القلب مشتعلة.
فأحببت ايراد هذه الأخبار تسلية لبعض همومي و هموم ساير الموالين، لعن اللّه ظالميها و ظالمي بعلها و بنيها فلقد أوغلوا في العداوة و الطغيان، و بالغوا في التعدية و العدوان، و شمّروا في استيصال أهل البيت الشّريف بالفعل و اللّسان، و أبانوا عن دناءة أصلهم بقبح فعلهم و فعل الأعوان، و ركبوا مركبا وعرا أجابوا فيه دعوة وليّهم الشّيطان.
فليتهم أخزاهم اللّه إذ لم يكفّوا عن غصب فدك و الخلافة، كفّوا عن إحراق باب بيت العصمة و الطهارة، و ليتهم قنعوا بتلبيب سيّد الأولياء، و أمسكوا عن ضرب السّوط و اسقاط جنين سيّدة النساء.
نعم نسبهم الخبيث و أصلهم الدنىّ قد نفى عنهم الغيرة و المروّة و أقامهم على
______________________________
(1)- قوله (ع): و أنى، اسم استفهام خبره محذوف أى كيف سبيل إلى طول الحياة و منزل عطف على ألوان، و المعرج محل الاقامة، و شطت الدار و نزحت بعدت و الباء للتعدية و التضريب مبالغة فى الضرب، و البين الفراق أى أضرب المثل الذى قاله القائل فى يوم الفراق الذى هو رحيل، و المثل قوله: لكلّ اجتماع، و فاطم مرخم فاطمة، و البديل البدل، و دخيل الرجل الذى يداخل فى اموره و يختصّ به، لا يواتيه اى لا يوافقه و الغليل العطش «منه».
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 31
دعوى الجاهليّة لأنّ الاناء ينضح بما فيه، و الولد سرّ أبيه.
روى في البحار من تفسير العيّاشي عن أبي بصير قال: يؤتي بجهنم لها سبعة أبواب: الأوّل للظالم و هو زريق، و بابها الثّاني لحبتر، و الباب الثالث للثالث و الباب الرّابع لمعاوية، و الباب الخامس لعبد الملك، و الباب السّادس لعسكر بن هوسر، و الباب السابع لأبي سلامة، فهم أبواب لمن اتّبعهم.
قال المحدّث العلامة المجلسى: عسكر اسم جمل عايشة فيكون كناية عن عايشة و صاحبيها، و يحتمل كناية عن بعض ولاة بني اميّة كأبي سلامة، و يحتمل أن يكون أبو سلامة كناية عن أبي مسلم إشارة إلى من سلّطهم من بني العبّاس.
و من العيّاشي عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه إذا كان يوم القيامة يؤتي بابليس في سبعين غلا و سبعين كبلا «1»، فينظر الأوّل إلى زفر في عشرين و مأئة كبل و عشرين و مأئة غلّ فينظر إبليس فيقول: من هذا الذى أضعفه اللّه العذاب و أنا أغويت هذا و الخلق جميعا؟ فيقال: هذا زفر، فيقول: بما جدّد له هذا العذب؟ فيقال: ببغيه على عليّ عليه السّلام فيقول له إبليس: ويل لك و ثبور لك أما علمت أنّ اللّه أمرني بالسجود لادم فعصيته و سألته أن يجعل لي سلطانا على محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أهل بيته عليهم السّلام و شيعته فلم يجبني إلى ذلك، و قال «إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ» و ما عرفتهم حين استثناهم إذ قلت وَ لا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ فمنيت به نفسك غرورا.
فيوقف بين يدي الخلايق فيقال له: ما الذى كان منك إلى عليّ و إلى الخلق الذين اتّبعوك على الخلاف؟ فيقول الشّيطان و هو زفر لابليس: أنت أمرتني بذلك فيقول له إبليس: فلم عصيت ربّك و أطعتني؟ فيردّ عليه زفر ما قال اللّه «وَ قالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَ وَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ...» إلى آخر الاية.
قال العلّامة المجلسيّ «قد»: قوله عليه السّلام: فيردّ زفر عليه ظاهر السياق أن يكون قوله: انّ اللّه وعدكم، كلام إبليس فيكون كلام زفر ما ذكر
______________________________
(1)- الكبل القيد الضخم يقال كبلت الاسير و كبلته اذا قيدته فهو مكبول و مكبل، الصحاح
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 32
قبل تلك الاية من قوله «وَ بَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً» و ترك اختصارا.
و من كتاب سليم بن قيس الهلالي عن أبان بن أبي عيّاش عن سليم قال:
سمعت سلمان الفارسي يقول: إذا كان يوم القيامة يؤتي إبليس مزموما بزمام من نار و يؤتي بزفر مزموما بزمامين من نار، فينطلق إليه إبليس فيصرخ و يقول: ثكلتك امّك من أنت أنا الذى فتنت الأوّلين و الاخرين و أنا مزموم بزمام واحد و أنت مزموم بزمامين، فيقول: أنا الذى امرت فاطعت و أمر اللّه فعصى.
و فى عقاب الأعمال عن حنان بن سدير قال: حدثني رجل من أصحاب أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول: إنّ أشدّ النّاس عذابا يوم القيامة لسبعة نفر:
أوّلهم ابن آدم الذى قتل أخاه، و نمرود الذى حاجّ إبراهيم في ربّه، و اثنان في بني إسرائيل هوّدا قومهما و نصّراهما، و فرعون الذى قال: أنا ربّكم الأعلى، و اثنان من هذه الامّة أحدهما شرّهما في تابوت من قوارير تحت الفلق في بحار من نار.
و فيه عن أبي الجارود قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام «أخبرنى ظ» بأوّل من يدخل النّار قال: إبليس، و رجل عن يمينه، و رجل عن يساره.
و فيه عن إسحاق بن عمّار الصّيرفي عن أبي الحسن الماضي عليه السّلام قال: قلت جعلت فداك حدّثني فيهما بحديث فقد سمعت عن أبيك فيهما أحاديث عدّة، قال فقال لي: يا إسحاق الأوّل بمنزلة العجل، و الثّاني بمنزلة السّامري.
قال: قلت: جعلت فداك زدني فيهما، قال: هما و اللّه هوّدا و نصّرا و مجّسا فلا غفر اللّه ذلك لهما.
قال: قلت: جعلت فداك زدني فيهما، قال، ثلاثة لا ينظر اللّه إليهم و لا يزكّيهم و لهم عذاب أليم، قال: قلت: جعلت فداك فمن هم؟ قال رجل ادّعى إماما من غير اللّه، و آخر طغى في إمام من اللّه، و آخر زعم أنّ لهما نصيبا في الاسلام.
قال: قلت: جعلت فداك زدني فيهما، قال: ما ابالي يا إسحاق محوت المحكم من كتاب، أو جحدت محمّدا النّبوة، أو زعمت أن ليس في السّماء إلها، أو
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 33
تقدّمت على عليّ بن أبي طالب عليه السّلام.
قال: قلت: جعلت فداك زدني، قال عليه السّلام: إنّ في النّار لواديا يقال له:
محيط لو طلع منها شرارة لأحرق من على وجه الأرض و إنّ أهل النّار يتعوّذون أهل ذلك الوادي من حرّ ذلك الجبل و نتنه و قذره و ما أعدّ اللّه فيه لأهله، و انّ في ذلك الجبل لشعبا يتعوّذ جميع أهل ذلك الجبل من حرّ ذلك الشّعب و نتنه و قذره و ما أعدّ اللّه فيه لأهله، و إنّ في ذلك الشّعب لقليبا يتعوّذ «أهل ظ» ذلك الشّعب من حرّ ذلك القليب و نتنه و قذره و ما أعدّ اللّه فيه لأهله، و إنّ في ذلك القليب لحيّة يتعوّذ جميع أهل ذلك القليب من خبث تلك الحيّة و نتنها و قذرها و ما أعدّ اللّه عزّ و جلّ في أنيابها من السمّ لأهلها، و إنّ في جوف تلك الحيّة لسبع صناديق فيها خمسة من الامم السّالفة و اثنان من هذه الامّة.
قال: قلت: جعلت فداك و من الخمسة؟ و من الاثنان؟ قال: أمّا الخمسة فقابيل الّذي قتل هابيل، و نمرود الّذى حاجّ إبراهيم في ربّه قال أنا احيى و اميت و فرعون الذى قال أنا ربّكم الأعلى، و يهود الذى هوّد اليهود، و يولس الّذى نصّر النّصارى، و من هذه الامة الأعرابيان.
أقول: الأعرابيان أبو بكر و عمر عبّر عنهما بذلك إشارة إلى كفرهما كما قال تعالى: «الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَ نِفاقاً».
و فيه عن أبي خديجة عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: يؤتي يوم القيامة بابليس مع مضلّ هذه الامّة في زمامين غلظهما مثل جبل أحد، فيسحبان على وجوههما فيسدّ بهما باب من أبواب النّار.
و فيه عن شريك يرفعه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إذا كان يوم القيامة جاءت فاطمة في لمة «1» من نسائها فيقال لها: ادخلى الجنّة، فتقول: لا أدخل حتّى أعلم ما صنع بولدى من بعدى، فيقال لها: انظرى في قلب القيامة، فتنظر إلى الحسين عليه السّلام قائما و ليس عليه رأس فتصرخ صرخة و أصرخ لصراخها و تصرخ الملائكة
______________________________
(1)- لمة بضم اللام و فتح الميم المخففة الجماعة (منه)
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 34
لصراخنا، فيغضب اللّه لنا عند ذلك فيأمر نارا يقال لها هبهب قد أوقد عليها ألف عام حتّى اسودّت لا يدخلها روح أبدا و لا يخرج منها غمّ أبدا، فيقال لها: التقطى قتلة الحسين و حملة القرآن «1»، فتلقطهم فاذا صاروا في حوصلتها صهلت و صهلوا بها و شهقت و شهقوا بها و زفرت و زفروا بها، فينطقون بألسنة زلقة طلقة: يا ربّنا بما أوجبت النّار لنا قبل عبدة الأوثان؟ فيأتيهم الجواب عن اللّه عزّ و جلّ إنّ من علم ليس كمن لا يعلم.
و فيه عن محمّد بن سنان عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذا كان يوم القيامة نصب لفاطمة قبّة من نور و أقبل الحسين عليه السّلام رأسه على يده، فاذا رأته شهقت شهقة لا يبقى فى الجمع ملك مقرّب و لا نبىّ مرسل و لا عبد مؤمن إلّا بكى لها، فيمثل اللّه عزّ و جلّ رجلا لها في أحسن صورة و هو يخاصم قتلته بلا رأس، فيجمع اللّه قتلته و المجهّزين عليه و من شرك في قتله فيقتلهم حتّى اتى على آخرهم، ثمّ ينشرون فيقتلهم أمير المؤمنين عليه السّلام، ثمّ ينشرون فيقتلهم الحسن عليه السّلام، ثمّ ينشرون فيقتلهم الحسين عليه السّلام، ثمّ ينشرون فلا يبقى من ذرّيتنا أحد إلّا فيقتلهم قتلة، فعند ذلك يكشف اللّه الغيظ و ينسى الحزن، ثمّ قال أبو عبد اللّه عليه السّلام رحم اللّه شيعتنا، شيعتنا و اللّه هم المؤمنون فقد و اللّه شركونا في المصيبة بطول الحزن و الحسرة.
و فى البحار من مجالس الشيخ عن أبان بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا كان يوم القيامة جمع اللّه الأوّلين و الاخرين في صعيد واحد فينادى مناد:
غضّوا أبصاركم و نكسّوا رؤوسكم حتّى تجوز فاطمة بنت محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الصّراط.
قال: فتغضّ الخلايق أبصارهم فتأتي فاطمة سلام اللّه عليها على نجيب من نجب الجنّة يشيّعها سبعون ألف ملك، فتقف موقفا شريفا من مواقف القيامة، ثمّ تنزل من نجيبها فتأخذ قميص الحسين بن عليّ عليهما الصّلاة و السّلام بيدها مضمخا بدمه، و تقول: يا ربّ هذا قميص ولدي الحسين و قد علمت ما صنع به، فيأتيها النّداء من قبل اللّه عزّ و جلّ: يا فاطمة لك عندي الرّضا، فتقول: يا ربّ انتصر لي
______________________________
(1)- المراد بحملة القرآن الذين ضيّعوه و حرقوه (منه) أقول تفسير حملة القرآن على الذين ضيوه و حرقوه عجيب بل الظاهر أن المراد: التقطى قتله الحسين و قتله حملة القرآن. المصحح.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 35
عن قاتله، فيأمر اللّه تعالى عنقا من النار فتخرج من جهنّم، فتلتقط قتلة الحسين بن عليّ صلوات اللّه و سلامه عليهما كما يلتقط الطّير الحبّ، ثمّ يعود العنق بهم إلى النّار، فيعذّبون فيها بأنواع العذاب.
ثمّ تركب فاطمة سلام اللّه عليها نجيبها حتّى تدخل الجنّة و معها الملائكة المشيّعون لها و ذرّيتها بين يديها و أولياؤهم من النّاس عن يمينها و شمالها.
أقول: و لقد أجاد من قال مضمنا لمضمون هذه الأخبار:
كأنّني بالبتول الطّهر واقفة في الحشر تشكو إلى الرّحمن باريها
تأتي و قد ضمخت ثوب الحسين دما فيض النحور البحارى ويل مجريها
تدعو ألا أين مسمومي و يا أسفا على ذبيحى و اسرى من ذراريها
تقول و احزني بل آه وا حسني هذا حسيني قتيل في فيا فيها
هذا حسيني رضيض الجسم منجدلا تسفى على جسمه العارى سوا فيها
آه على جثث بالطف قد قطعت رؤوسها و هجير السّيف يصليها
آه على جثث فيها القنى لعبت و اركضت ماضيات في تراقيها
يا فتية ذبحت في كربلا و ثوت على الوجوه عرايا فى صحاريها
بنتم فبان لكم سلوان فاطمة و لا عج الوجد بالوجدان يشجيها
ألا لعنة اللّه على القوم الظالمين، و سيعلم الذين ظلموا آل محمّد صلى اللّه عليه و عليهم حقّهم أىّ منقلب ينقلبون.
تكملة:
قد أشرنا إلى أنّ هذا الكلام مروىّ في عدّة من اصول معتمدة على اختلاف و زيادة أحببت رواية ما فيها على مجرى عادتنا فأقول:
روى ثقة الاسلام محمّد بن يعقوب الكليني عن أحمد بن مهران و عن أحمد بن إدريس عن محمّد بن عبد الجبّار الشّيباني قال: حدّثني القاسم بن محمّد الرّازى قال:
حدّثني عليّ بن محمّد الهرمزاني عن أبي عبد اللّه الحسين بن عليّ عليهما السّلام قال:
لمّا قبضت فاطمة سلام اللّه عليها دفنها أمير المؤمنين عليه السّلام سرّا و عفى على موضع
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 36
قبر ها ثمّ قام فحوّل وجهه إلى قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال:
السّلام عليك يا رسول اللّه عنّي و السلام عليك عن ابنتك و زائرتك و البائتة في الثّرى ببقعتك، و المختار اللّه لها سرعة اللّحاق بك، قلّ يا رسول اللّه عن صفيّتك صبرى، و عفي عن سيّدة نساء العالمين تجلّدى، إلّا أنّ في التّأسّي لي بسنّتك في فرقتك موضع تعزّ فلقد وسّدتك في ملحودة قبرك، و فاضت نفسك بين نحرى و صدرى، بلى و في كتاب اللّه لي انعم القبول إنّا للّه و إنّا اليه راجعون، قد استرجعت الوديعة و اخذت الرّهينة، و اخلست «اختلست» الزّهراء، فما أقبح الخضراء و الغبراء يا رسول اللّه أمّا حزنى فسرمد و أمّا ليلى فمسهّد، و همّ لا يبرح من قلبى أو يختار اللّه لى دارك الّتى أنت فيها مقيم، كمد مقيّح، و همّ مهيّج، سرعان ما فرق بيننا، و الى اللّه أشكو، و ستنبئك ابنتك بتظافر امّتك على هضمها، فأحفها السؤال، و استخبرها الحال، فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثّه سبيلا و ستقول و يحكم اللّه و هو خير الحاكمين سلام مودّع لا قال و لا سئم فان أنصرف فلا عن ملالة، و ان اقم فلا عن سوء ظنّ بما وعد اللّه الصابرين واه واها و الصبر أيمن و أجمل، و لو لا غلبة المستولين لجعلت المقام و اللّبث لزاما معكوفا، و لأعولت إعوال الثكلى على جليل الرّزية، فبعين اللّه تدفن ابنتك سرّا و تهضم حقّها و تمنع إرثها، و لم يتباعد العهد و لم يخلق منك الذكر، و إلى اللّه يا رسول اللّه المشتكى، و فيك يا رسول اللّه أحسن العزاء، صلّى اللّه عليك، و عليها السلام و الرّضوان.
بيان:
«العفو» المحو و الانمحاء و «المختار اللّه» من إضافة الصفة إلى فاعلها و «سرعة اللّحاق» مفعوله أى التي اختار اللّه لها سرعة لحاقها بك.
قوله «و فى كتاب اللّه لى أنعم القبول» أى فيه ما يصير سببا لقبول المصائب أحسن القبول و أطيبه و «أخلسته» و اختلسته استلبته، و الخلسة ما يؤخذ سلبا و مكابرة.
قوله «و كمد مقيّح» الكمد محرّكة و بالفتح الحزن الشّديد و مرض القلب
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 37
و المقيّح بتشديد الياء من القيح أى حزني حزن شديد يورث في القلب قيحا و «سرعان» اسم فعل مبنيّ على الفتح بمعنى سرع و قرب مع تعجّب أى ما أسرع ما فرق و «ما» كناية عن الموت و «ستنبئك» من باب الافعال و التّفعيل من النبأ و هو الخبر و «الغليل» حرارة الجوف و «اعتلجت» الأمواج التطمت.
و قوله «سلام مودّع» منصوب على المصدر محذوف العامل مطردا و قوله «واه واها» و في بعض النّسخ واها واها يقال: واها لك و يترك تنوينه كلمة تعجّب من طيب شيء و كلمة ملهف و التكرير للتّأكيد كما قال الشّاعر:
واها لريّا ثمّ واها واها هى المنا لو أنّنا نلناها
و «معكوفا» أى محبوسا و «العويل» رفع الصّوت بالبكاء و الصّياح و قوله «فبعين اللّه» آه أى تدفن ابنتك سرّا بحفظ اللّه أو بحضوره و شهوده «و لم يخلق» من الخلق و هو البالي أى لم يبل و لم يندرس ذكرك و قوله «و فيك» أى في اطاعة أمرك «أحسن العزاء» و فى البحار من المجالس و أمالي المفيد عن الصّدوق عن أبيه عن أحمد ابن إدريس عن محمّد بن عبد الجبّار عن القاسم بن محمّد الرّازي عن عليّ بن محمّد الهروي عن عليّ بن الحسين عن أبيه الحسين عليه السّلام قال:
لمّا مرضت فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم وصّت إلى عليّ بن أبي طالب أن يكتم أمرها و يخفى خبرها و لا يؤذن أحدا بمرضها، ففعل ذلك و كان يمرّضها بنفسه و تعينه على ذلك أسماء بنت عميس على استسرار بذلك كما وصّت به.
فلمّا حضرتها الوفاة وصّت أمير المؤمنين عليه السّلام أن يتولّي أمرها و يدفنها ليلا و يعفى قبرها. فتولّى ذلك أمير المؤمنين عليه السّلام و دفنها و عفى موضع قبرها، فلما نفض يده من تراب القبر هاج به الحزن فأرسل دموعه على خدّيه و حوّل وجهه إلى قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال:
السلام عليك يا رسول اللّه، السلام عليك من ابنتك و حبيبتك و قرّة عينك و زائرتك و البائتة في الثرى ببقيعك، المختار اللّه لها سرعة اللحاق بك، قلّ يا
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 38
رسول اللّه عن صفيّتك صبرى، و ضعف عن سيدة النساء تجلّدي، إلّا أنّ في التأسّي لي بسنتك و الحزن الذي حلّ بي لفراقك موضع التعزّى، و لقد وسّدتك في ملحود قبرك بعد أن فاضت نفسك على صدرى، و غمضتك بيدي، و تولّيت أمرك بنفسي نعم و في كتاب اللّه أنعم القبول إنّا للّه و إنّا إليه راجعون، قد استرجعت الوديعة، و أخذت الرّهينة، و اختلست الزّهراء، فما أقبح الخضراء و الغبراء يا رسول اللّه أما حزني فسرمد، و أما ليلي فمسهّد، لا يبرح الحزن من قلبي أو يختار اللّه لي دارك التي فيها أنت مقيم، كمد مقيّح، و حزن مهيّج، سرعان ما فرّق اللّه بيننا، و إلى اللّه أشكو، و ستنبئك ابنتك بتظاهر امتك عليّ و على هضمها حقّها فاستخبرها الحال فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثّه سبيلا، و ستقول و يحكم اللّه و هو خير الحاكمين، سلام عليك يا رسول اللّه سلام مودّع، لا سام و لا قال، فان أنصرف فلا عن ملالة و إن اقم فلا عن سوء ظني بما وعد اللّه الصابرين، الصبر أيمن و أجمل و لو لا غلبة المستولين علينا لجعلت المقام عند قبرك لزاما، و التلبّث عنده معكوفا و لأعولت إعوال الثكلى على جليل الرّزية، فبعين اللّه تدفن بنتك سرّا، و يهتضم حقها قهرا و يمنع إرثها جهرا و لم يطل العهد و لم يخلق منك الذكر، فالى اللّه يا رسول اللّه المشتكى، و فيك أجمل العزاء فصلوات اللّه عليها و عليك و رحمة اللّه و بركاته.
و رواه فى كشف الغمة مثل ما رواه السيّد فى المتن إلى قوله: بما وعد اللّه الصابرين، ثمّ قال: و فى رواية اخرى زيادة على قول عليّ عليه السّلام عند موتها:
أمّا حزنى فسرمد، و أمّا ليلى فمسهّد، و لا نبرح أو يختار اللّه لى دارك التي أنت فيها مقيم، سرعان ما فرّق بيننا، و إلى اللّه أشكو، و ستنبئك ابنتك بتظافر امتك على هضمها حقّها، فأحفها السؤال، و استخبرها الحال، فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثّه سبيلا، فستقول و يحكم اللّه و هو خير الحاكمين، و السلام عليكما سلام مودّع، لا قال و لا سئم، فان أنصرف فلا عن ملالة، و إن اقم فلا عن سوء ظنّ بما وعد اللّه الصابرين، فالصبر أيمن و أجمل، فبعين اللّه تدفن ابنتك صبرا، و تهتضم
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 39
حقّها، و تمنع إرثها، و لم يبعد العهد، فالى اللّه المشتكى يا رسول اللّه و فيك يا رسول اللّه أحسن العزاء صلوات اللّه عليك و عليها معك.
الترجمة:
از جمله كلام آن امام است كه روايت كرده اند از او كه گفته اين كلام را در وقت دفن كردن حضرت سيّده زنان فاطمه زهرا سلام اللّه عليها گويا مناجات مى نمود با اين كلام با حضرت رسالتماب صلوات اللّه عليه و آله و عرض مى نمود:
السّلام عليك يا رسول اللّه سلام باد بر تو أى پيغمبر خدا أز طرف من و از طرف دخترت كه نازل شد در همسايگى تو، و زود لاحق شد بتو، كم شد يا رسول اللّه از دختر پسنديده تو صبر من، و ضعيف شد از فراق او تحمّل و قوّت من، لكن مراست در پيروى نمودن جدائى بزرگ تو و مصيبت سنگين تو محلّ تسلي، پس بتحقيق خواباندم ترا در قبر لحد دار تو، و سيلان نمود ميان گلو و سينه من روح تو. «و إنّا للّه و إنّا إليه راجعون»، پس بتحقيق كه باز يافت شد أمانت، و پس گرفته شد گرو- كنايه است از حضرت فاطمه كه بمنزله أمانت و رهن بود در نزد شوهرش-.
أمّا حزن و اندوه من پس هميشگى است، و أمّا شب من پس بي خوابيست تا آنكه اختيار نمايد خداى تعالى از براى من خانه را كه تو در آنجا اقامت كرده و بزودى خبر مى دهد ترا دختر تو باجتماع امّت ستمكار تو بر ظلم و ستم آن مظلومه پس درست سؤال كن از آن، و بپرس از آن حال من و او را.
بود اين ظلم ظالمان در حالتى كه عهد ايشان با تو طول نيافته بود، و ذكر خير تو از زبان خلق نرفته بود، و سلام باد بر تو يا رسول اللّه و بر دختر تو، مانند سلام وداع كننده مهربان كه صاحب خشم و ملال نباشد أز صحبت شما، پس اگر مراجعت نمايم از نزد شما نه از جهت ملالست، و اگر اقامت كنم در نزد قبر شمانه از جهت سوء ظنّ و بدگمانيست به آن چه كه وعده فرموده است خداوند تبارك و تعالى در حق صبر كنندگان.