و آخر رابع لم يكذب على اللّه و لا على رسوله، مبغض للكذب خوفا من اللّه و تعظيما لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و لم يهم بل حفظ ما سمع على وجهه، فجاء به على سمعه لم يزد فيه و لم ينقص منه، فحفظ النّاسخ فعمل به، و حفظ المنسوخ فجنّب عنه، و عرف الخاصّ و العامّ، فوضع كلّ شيء موضعه و عرف المتشابه و محكمه. و قد كان يكون من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الكلام له وجهان: فكلام خاصّ، و كلام عامّ، فيسمعه من لا يعرف ما عنى اللّه به، و لا ما عنى به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فيحمله السّامع و يوجّهه على غير معرفة بمعناه و ما قصد به و ما خرج من أجله، و ليس كلّ أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من كان يسئله و يستفهمه، حتّى أن كانوا ليحبّون أن يجيء الأعرابيّ أو الطّارئ فيسئله عليه السّلام حتّى يسمعوا، و كان لا يمرّ بي عن ذلك شيء إلّا سئلت عنه و حفظته، فهذا وجوه ما عليه النّاس في اختلافهم و عللهم في رواياتهم. (50305- 49880)
اللغة:
و (جنبه) و اجتنبه و تجنبه و جانبه و تجانبه بعد عنه، و جنبه إياه أبعده عنه و (طرء) فلان علينا بالهمز يطرأ أى جاء بغتة من بلد آخر فهو طارئ بالهمز.
الاعراب:
و قوله و قد كان يكون من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الكلام له وجهان: اسم كان ضمير الشأن المستتر و يكون تامة مستغنية عن الخبر، و هى مع اسمها أعنى الكلام خبر كان و له وجهان نعت للكلام، لأنه فى حكم النكرة و يجوز أن يكون حالا منه لأنّه في معنى الفاعل، و يحتمل أن يجعل يكون ناقصة فهو حينئذ خبر له و ليس بنعت، و قوله: فكلام خاصّ آه، الفاء عاطفة للتفريع على قوله: له وجهان.
المعنى:
(و آخر رابع) له عناية بأمر الدّين و اهتمام بمدارك الشرع المبين (لم يكذب على اللّه و لا على رسوله) صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كالرّجل الأوّل المنافق المتصنّع بالاسلام تحرّجا
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 34
من الكذب و الزّور (مبغض للكذب خوفا من اللّه و تعظيما لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و لم يهم) أى لم يغلط و لم يسه كالرّجل الثاني الغير الضابط (بل حفظ) و وعى (ما سمع على وجهه) كما اشير إليه فى قوله عزّ و جلّ «و تعيها اذن واعية» (فجاء به على سمعه) أى نقله على الوجه المسموع، و فى بعض النسخ على ما سمعه بزيادة ما و هو أقرب (لم يزد فيه و لم ينقص منه) أى رواه من غير زيادة و لا نقصان فاستحقّ بذلك البشارة العظيمة من اللّه تعالى فى قوله «فبشّر عبادى الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه».
فقد روى فى البحار من الاختصاص باسناده عن أبى بصير عن أحدهما عليهما السّلام فى هذه الاية قال عليه السّلام: هم المسلمون لال محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذا سمعوا الحديث أدّوه كما سمعوه لا يزيدون و لا ينقصون.
و فيه عن الكليني بسنده عن أبى بصير قال: قلت لأبى عبد اللّه عليه السّلام قول اللّه جلّ ثناؤه «الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه» قال عليه السّلام: هو الرّجل يستمع الحديث فيحدّث به كما سمعه لا يزيد فيه و لا ينقص.
(فحفظ النّاسخ فعمل به و حفظ المنسوخ فجنّب عنه) لا كالرّجل الثالث يحفظ المنسوخ و يرويه و لم يحفظ النّاسخ و يغيب عنه (و عرف الخاصّ و العامّ فوضع كلّ شيء موضعه) أى أبقي العمومات الغير المخصّصة على عمومها و حمل المخصّصات على الخصوص و كذا المطلق و المقيّد و ساير أدلّة الأحكام (و عرف المتشابه) فوكل علمه إلى اللّه تعالى و رسوله و الراسخين فى العلم عليهم السّلام (و محكمه) فأخذ به و اتّبعه ثمّ أكّد كون كلام الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ذا وجوه مختلفة بقوله (و قد كان يكون من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الكلام له وجهان) ككتاب اللّه العزيز و كلامه عزّ شأنه (ف) بعضه (كلام خاصّ و) بعضه (كلام عامّ فيسمعه من لا يعرف ما عني اللّه سبحانه به و لا ما عني به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) من العموم و الخصوص (فيحمله السّامع) على غير معناه المراد من أجل اشتباهه و عدم معرفته (و يوجّهه) أى يؤوّله (على غير معرفة بمعناه و ما قصد به و ما خرج من أجله) أي العلّة المقتضية لصدور الكلام منه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و كذا الحال و المقام الّذي صدر فيه.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 35
(و ليس كلّ أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يسأله و يستفهمه) لمهابته أو اعظاما له (حتّى أن كانوا ليحبّون أن يجيء الاعرابي) من سكّان البادية (أو الطّارئ) أى الغريب الّذى أتاه عن قريب من غير انس به صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و بكلامه (فيسأله عليه السّلام حتّى يسمعوا) و إنّما كانوا يحبّون قدومهما إمّا لاستفهامهم و عدم استعظامهم إياه، أو لأنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يتكلّم على وفق عقولهم فيوضحه حتى يفهم غيرهم.
ثمّ أشار عليه الصلاة و السلام إلى علوّ مقامه و رفعة شأنه و بلوغه ما لم يبلغه غيره بقوله (و كان لا يمرّ بي عن ذلك) أي من كلام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (شيء إلّا سألت عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و حفظته) لمزيد اختصاصه عليه الصلاة و السلام به و كونه عيبة علمه و قد كان يجب عليه عليه الصلاة و السلام و السؤال و الحفظ كما كمان يجب عليه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم التعليم و التفهيم لاقتضاء تكليف الاستخلاف و وظيفة الخلافة ذلك (فهذا وجوه ما عليه الناس في اختلافهم) في الرّوايات (و) ضروب (عللهم) و أمراضهم (في رواياتهم) المختلفة.
و ينبغي تذييل المقام بامور مهمة:
الاول:
قال الشيخ الشهيد الثاني في كتاب دراية الحديث عند تعداد أصناف الحديث الضعيف:
الثامن الموضوع و هو المكذوب المختلق الموضوع بمعني أنّ واضعه اختلق وضعه لا مطلق حديث الكذوب، فانّ الكذوب قد يصدق، و هو أى الموضوع شرّ أقسام الضعيف، و لا تحلّ روايته للعالم به إلّا مبينا لحاله من كونه موضوعا بخلاف غيره من الضعيف المحتمل للصدق حيث جوّزوا روايته فى الترغيب و الترهيب و يعرف الموضوع باقرار واضعه بوضعه فيحكم حينئذ عليه بما يحكم على الموضوع في نفس الأمر لا بمعني القطع بكونه موضوعا، لجواز كذبه في إقراره، و إنما يقطع بحكمه لأنّ الحكم يتبع الظنّ الغالب، و هو هنا كذلك و لولاه لما ساغ
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 36
قتل المقرّ بالقتل و لا رجم المعترف بالزّنا، لاحتمال أن يكونا كاذبين فيما اعترفا به.
و قد يعرف أيضا بركاكة ألفاظه و نحوها، و لأهل العلم بالحديث ملكة قوية يميّزون بها ذلك، و إنما يقوم به منهم من يكون اطلاعه تاما، و ذهنه ثاقبا، و فهمه قويا، و معرفته بالقراين الدّالة على ذلك ممكنة، و بالوقوف على غلطه و وضعه من غير تعمّد، كما وقع لثابت بن موسى الزّاهد فى حديث من كثرت صلاته باللّيل حسن وجهه بالنّهار، فقيل كان شيخ يحدّث في جماعة فدخل رجل حسن الوجه فقال الشيخ في أثناء حديثه: من كثرت صلاته باللّيل «إلخ» فوقع لثابت ابن موسى أنّه من الحديث فرواه.
و الواضعون أصناف:
منهم من قصد التقرّب به إلى الملوك و أبناء الدّنيا، مثل غياث بن إبراهيم دخل على المهدى بن المنصور و كان تعجبه الحمام الطيارة الواردة من الأماكن البعيدة، روى حديثا عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال: لا سبق إلّا في خفّ أو حافر أو نصل أو جناح، فأمر له بعشرة آلاف درهم، فلما خرج قال المهدى: اشهد أنّ قفاه قفا كذّاب على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جناح و لكن هذا أراد أن يتقرّب إلينا، فأمر بذبحها و قال: أنا حملته على ذلك و منهم قوم من السّؤال يضعون على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أحاديث يرتزقون بها كما اتّفق لأحمد بن حنبل و يحيى بن معين في مسجد الرّصافة.
و أعظم ضررا من انتسب منهم إلى الزّهد و الصّلاح بغير علم فاحتسب بوضعه أى زعم أنّه وضعه حسبة للّه تعالى و تقرّبا إليه ليجذب بها قلوب النّاس إلى اللّه تعالى بالتّرهيب و التّرغيب، فقبل النّاس موضوعاتهم فنقلوا منهم و ركنوا إليهم بظهور حالهم بالصّلاح و الزّهد.
و يظهر ذلك من أحوال الأخبار الّتي وضعها هؤلاء في الوعظ و الزّهد و ضمّنوها أخبارا عنهم و نسبوا إليهم أفعالا و أحوالا خارقة للعادة و كرامات لم يتّفق مثلها لأولى العزم من الرّسل بحيث يقطع العقل بكونها موضوعة و إن كانت كرامات الأولياء
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 37
ممكنة في نفسها و من ذلك ما روى عن أبي عصمة نوح بن أبي مريم المروزى أنّه قيل له:
من أين لك عن عكرمة عن ابن عباس في فضايل القرآن سورة سورة و ليس عند أصحاب عكرمة هذا؟ فقال: إنّ النّاس قد أعرضوا عن القرآن و اشتغلوا بفقه أبي حنيفة و مغازى محمّد بن إسحاق فوضعت هذا الحديث حسبة و كان يقال لأبي عصمة هذا:
الجامع فقال: أبو حاتم بن الحيّان: جمع كلّ شيء إلّا الصّدق و روى ابن حيّان عن أبي مهدى قال: قلنا لميسرة بن عبد ربّه: من أين جئت بهذه الأحاديث من قرء بكذا فله كذا، فقال: وضعتها أرغّب النّاس فيها و هكذا قيل في حديث أبي الطّويل في فضايل سور القرآن سورة سورة، فروى عن المؤمّل بن إسماعيل قال: حدّثنى شيخ به فقلت للشيخ من حدّثك؟ فقال حدّثنى رجل بالمدائن و هو حىّ، فصرت إليه و قلت: من حدّثك؟ فقال: حدّثني شيخ بواسط و هو حيّ، فصرت إليه و قلت: من حدّثك؟ فقال: حدّثني شيخ بالبصرة، فصرت إليه فقال: حدّثني شيخ بعبّادان، فصرت إليه فأخذ بيدى و أدخلني بيتا فاذا فيه قوم من الصّوفيّة و معهم شيخ فقال: هذا الشيخ حدّثني، فقلت: يا شيخ من حدّثك؟ فقال: لم يحدّثني أحد و لكن رأينا النّاس قد رغبوا عن القرآن فوضعنا لهم هذه الأحاديث ليصرفوا قلوبهم إلى القرآن.
و كلّ من أودع هذه الأحاديث فى تفسيره كالواحدى و الثعلبي و الزّمخشرى فقد أخطأ في ذلك و لعلّهم لم يطلعوا على وضعه مع أنّ جماعة من العلماء قد نبّهوا عليه، و خطب من ذكره مستندا كالواحدى أسهل.
و وضعت الزّنادقة كعبد الكريم بن أبي العوجاء الّذى أمر بضرب عنقه محمّد بن سليمان بن عليّ العبّاسي، و بيان الّذى قتله خالد القشيرى «القسرى» و أحرقه بالنّار، و الغلاة من فرق الشّيعة كأبي الخطاب و يونس بن ظبيان و يزيد الصّايغ و أضرابهم جملة من الحديث ليفسدوا بها الاسلام و يبصروا به مذهبهم.
روى العقيلي عن حمّاد بن يزيد قال: وضعت الزّنادقة على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أربعة عشر ألف حديث.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 38
و روى عن أبي عبد اللّه «عبد اللّه خ ل» بن يزيد المقرى أنّ رجلا من الخوارج رجع عن مذهبه فجعل يقول: انظروا هذا الحديث عمّن تأخذونه كنّا إذا رأينا رأيا جعلنا له حديثا.
ثمّ نهض جهابذة النقّاد- جمع جهبذ و هو النّاقد البصير- يكشف عوارها- بفتح العين و ضمّها و الفتح أشهر و هو العيب- و محوا عارها، فللّه الحمد حتّى قال بعض العلماء: ما ستر اللّه أحدا يكذب في الحديث.
و قد ذهب الكراميّة- بكسر الكاف و تخفيف الرّاء و بفتح الكاف و تشديد الرّاء على اختلاف نقل الضّابطين لذلك- و هم الطايفة المنتسبون بمذهبهم إلى محمّد ابن كرام و بعض المبتدعة من المتصوّفة إلى جواز وضع الحديث للترغيب و الترهيب للنّاس و ترغيبا في الطاعة و زجرا لهم عن المعصية.
و استذلّوا بما روى في بعض طرق الحديث من كذب عليّ متعمّدا ليضلّ به النّاس فليتبوّء مقعده من النّار، و هذه الزّيادة قد أبطلها نقلة الحديث و حمل بعضهم من كذب عليّ متعمّدا، على من قال: إنّه ساحر أو مجنون، حتّي قال بعض المخذولين إنّما قال من كذب عليّ، و نحن نكذّب له و نقوّى شرعه نسأل اللّه السّلامة من الخذلان.
و حكى القرطبي في المفهّم عن بعض أهل الرّأى: إنّ ما وافق القياس الجلي جاز أن يعزى إلى النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
ثمّ المروىّ تارة يخترعه الواضع، و تارة يأخذ كلام غيره كبعض السلف الصّالح و قدماء الحكماء و الاسرائيليّات، أو يأخذ حديثا ضعيف الاسناد فيركّب له اسنادا صحيحا ليروّج.
و قد صنّف جماعة من العلماء كتبا في بيان الموضوعات.
و للصّغاني الفاضل الحسين بن محمّد في ذلك كتاب الدّر الملتقط في تبيّن الغلط جيّد في هذا الباب و لغيره كأبي الفرج ابن الجوزى دونه في الجودة، لأنّ كتاب
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 39
ابن الجوزى ذكر فيه كثير من الأحاديث الّتي ادّعي وضعها لا دليل على كونها موضوعة و الحاقها بالضعيف أولى و بعضها قد يلتحق بالصحيح و الحسن عند أهل النّقد، بخلاف كتاب الصّغاني فانّه تامّ في هذا المعنى يشتمل على انصاف كثير
الثاني:
اعلم أنّ اكثر أخبار الموضوعة قد وضعت في زمن بني اميّة لعنهم اللّه قاطبة كما ظهر لك تفصيل ذلك في شرح الكلام السّابع و التّسعين ممّا رويناه من البحار من كتاب سليم بن قيس الهلالي و نضيف إليه ما ذكره و نقله الشّارح المعتزلي هنا لاشتماله على زيادة لم يتقدّم ذكرها مع كونه مؤيّدا لما قدّمنا فأقول:
قال الشّارح بعد ما ذكر أنّه خالط الحديث كذب كثير صدر عن قوم غير صحيحي العقيدة قصدوا به الاضلال و تخليط القلوب و العقائد، و قصد به بعضهم التنويه بذكر قوم كان لهم فى التنويه بذكرهم غرض دنيوىّ ما صريح عبارته:
و قد قيل إنّه افتعل في أيّام معاوية خاصّة حديث كثير على هذا الوجه، و لم يسكت المحدّثون الرّاسخون في علم الحديث عن هذا بل ذكروا كثيرا من هذه الأحاديث الموضوعة و بيّنوا وضعها و أنّ رواتها غير موثق بهم إلّا أنّ المحدّثين إنّما يطعنون فيما دون طبقة الصّحابة و لا يتجاسرون على الطّعن في أحد من الصّحابة لأنّ عليه لفظ الصحبة على أنهم قد طعنوا في قوم لهم الصحبة كثير «كبسر ظ» بن ارطاة و غيره.
فان قلت: من أئمة الضلال «1» الذين تقرّب إليهم المنافقون الذين رأوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و صحبوه بالزّور و البهتان، و هل هذا إلّا تصريح بما تذكره الامامية و تعتقده؟
قلت: ليس الأمر كما ظننت و ظنّوا، و إنما يعني معاوية و عمرو بن العاص و من شايعهما على الضلال.
كالخبر رواه من رواه في حقّ معاوية: اللّهمّ قه العذاب و الحساب و علّمه الكتاب
______________________________
(1)- أراد بهم ما تقدم ذكرهم فى المتن، منه.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 40
و كرواية عمر و بن العاص تقرّبا إلى قلب معاوية: إنّ آل أبي طالب ليسوا لي بأولياء و إنّما وليّي اللّه و صالح المؤمنين و كرواية قوم في أيام معاوية أخبارا كثيرة من فضايل عثمان تقرّبا إلى معاوية بها و لسنا نجحد فضل عثمان و سابقته، و لكنا نعلم أنّ بعض الأخبار الواردة فيه موضوع كخبر عمرو بن مرّة فيه و هو مشهور و عمرو بن مرّة ممنّ له صحبة و هو شاميّ.
و ليس يجب من قولنا إنّ بعض الأخبار الواردة في حقّ شخص فاضل مفتعلة أن تكون قادحة في فضل ذلك الفاضل، فانّا مع اعتقادنا أنّ عليّا عليه السّلام أفضل النّاس نعتقد أنّ بعض الأخبار الواردة في فضايله مفتعل و مختلق.
و قد روى أنّ أبا جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليهما السّلام قال لبعض أصحابه:
يا فلان ما لقينا من ظلم قريش ايّانا و تظاهرهم علينا و ما لقي شيعتنا و محبّونا من الناس، إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قبض و قد أخبر أنّا أولى الناس بالناس، فتمالئت علينا قريش حتى اخرجت الأمر عن معدنه، و احتجّت على الأنصار بحقّنا و حجّتنا، ثمّ تداولتها قريش واحد بعد واحد حتى رجعت إلينا فنكثت بيعتنا و نصبت الحرب لنا و لم يزل صاحب الأمر فى صعود كئود حتّى قتل.
فبويع الحسن عليه السّلام ابنه عوهد ثمّ غدر به و اسلم و وثب عليه أهل العراق حتى طعن بخنجر في جنبه، و انتهب عسكره و عولجت خلاخيل امهات أولاده فوادع معاوية و حقن دمه و دماء أهل بيته و هم قليل حق قليل.
ثمّ بايع الحسين عليه السّلام من أهل العراق عشرون ألفا ثمّ غدر به و خرجوا عليه و بيعته في أعناقهم.
ثمّ لم تزل أهل البيت تستذلّ و تستضام و نقصي و نمتحن و نحرم و نقتل و نخاف و لا نأمن على دمائنا و دماء أوليائنا و وجد الكاذبون الجاحدون لكذبهم و جحودهم موضعا
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 41
يتقرّبون به إلى أوليائهم، و قضاة السوء و عمال السوء فى كلّ بلدة، فحدّثوهم بالأحاديث الموضوعة المكذوبة، و رو واعنا ما لم نقله ليبغضونا إلى الناس.
و كان عظم ذلك و كبره زمن معاوية بعد موت الحسن عليه السّلام فقتلت شيعتنا بكلّ بلدة، و قطعت الأيدى و الأرجل على الظنة و كان من يذكر بحبّنا و الانقطاع إلينا سجن أو نهب ماله أو هدمت داره.
ثمّ لم يزل البلاء يشتدّ و يزداد إلى زمان عبيد اللّه بن زياد لعنه اللّه قاتل الحسين عليه السّلام.
ثمّ جاء الحجّاج فقتلهم كلّ قتلة و أخذهم بكلّ ظنّة و تهمة حتّى أنّ الرّجل ليقال له زنديق أو كافر أحبّ إليه من أن يقال شيعة علىّ عليه السّلام، و حتّى صار الرّجل الّذى يذكر بالخير و لعلّه ورعا صدوقا يحدّث بأحاديث عظيمة عجيبة من تفضيل بعض من قد سلف من الولاة و لم يخلق اللّه تعالى شيئا منها و لا كانت و لا وقعت و هو يحسب أنّها حقّ لكثرة من قد رواها ممّن لم يعرف بكذب و لا بقلّة ورع و روى أبو الحسن علىّ بن محمّد بن أبي سيف المدايني في كتاب الأحداث قال كتب معاوية نسخة واحدة إلى عمّاله بعد عام الجماعة أن برئت الذّمة ممّن روى شيئا في فضل أبي تراب و أهل بيته.
فقامت الخطباء في كلّ كورة و على كلّ منبر يلعنون عليّا عليه السّلام و يبرءون منه و يقعون فيه و في أهل بيته، و كان أشدّ الناس بلاء حينئذ أهل الكوفة لكثرة من بها من شيعة علىّ عليه السّلام، فاستعمل عليهم زياد بن سميّة و ضمّ إليه البصرة فكان يتّبع الشيعة و هو بهم عارف لأنّه كان منهم أيّام علىّ عليه السّلام فقتلهم تحت كلّ حجر و مدر، و أخافهم و قطع الأيدى و الأرجل و سمل العيون و صلبهم على جذوع النخل و طردهم و شردهم عن العراق فلم يبق بها معروف منهم.
و كتب معاوية لعنه اللّه إلى عمّا له فى جميع الافاق: لا يجيزوا لأحد من شيعة علىّ و أهل بيته شهادة.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 42
و كتب إليهم أن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان و محبّيه و أهل ولايته و الّذين يروون فضايله و مناقبه فادنوا مجالسهم و قرّبوهم و أكرموهم و اكتبوا إلىّ بكلّ ما يروى كلّ رجل منهم و اسمه و اسم أبيه و عشيرته.
ففعلوا حتّى أكثروا في فضايل عثمان و مناقبه لما كان يبعثه إليهم معاوية من الصلاة و الكساء و الحباء و القطايع و يفيضه في العرب منهم و الموالى و كثر ذلك في كلّ مصر و تنافسوا في المنازل و الدّنيا، فليس يجزى مردود من الناس عاملا من عمّال معاوية فيروى في عثمان فضيلة أو منقبة إلّا كتب اسمه و قرّبه و شفّعه فلبثوا بذلك حينا.
ثمّ كتب إلى عمّا له: أنّ الحديث في عثمان قد كثر و فشا في كلّ مصر و في كلّ وجه و ناحية، فاذا جائكم كتابى هذا فادعوا الناس إلى الرّواية في فضايل الصحابة و الخلفاء الأوّلين و لا تتركوا خبرا يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلّا و أتونى بمناقض له في الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها و جدّ الناس في رواية ما يجرى هذا المجرى حتّى أشاروا يذكروا ذلك على المنابر، و ألقى إلى معلّمى الكتّاب فعلّموا صبيانهم و غلمانهم من ذلك الكثير الواسع حتّى رووه و تعلّموه كما يتعلّمون القرآن و حتّى علّموه بناتهم و خدمهم و حشمهم فلبثوا بذلك ما شاء اللّه.
ثمّ كتب نسخة واحدة إلى جميع البلدان: انظروا من أقامت عليه البيّنة أنّه يحبّ عليا و أهل بيته فامحوه من الدّيوان، و اسقطوا عطاءه و رزقه.
و شفّع ذلك بنسخة اخرى: من اتّهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنكّلوا به و اهدموا داره.
فلم يكن البلاء أشدّ و لا أكثر منه بالعراق و لا سيّما بالكوفة حتّى أنّ الرجل من شيعة علىّ عليه السّلام ليأتيه من يثق به فيدخل بيته فيلقى إليه سرّه و يخاف من خادمه و مملوكه و لا يحدّثه حتّى يأخذ عليه الايمان الغليظة ليكتمنّ عليه.
فظهر حديث كثير موضوع و بهتان منتشر، و مضى على ذلك الفقهاء و القضاة
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 43
و الولاة، و كان أعظم الناس في ذلك بليّة القرّاء المراءون، و المتصنّعون الّذين يظهرون الخشوع و النّسك، فيفتعلون ذلك ليحظوا بذلك عند ولاتهم و يقرّبوا مجالسهم و يصيبوا به الأموال و الضياع و المنازل.
حتّى انتقلت تلك الأخبار و الأحاديث إلى أيدى الديانين الذين لا يستحلّون الكذب و البهتان، فقبلوها و رووها و هم يظنّون أنّها حقّ، و لو علموا أنها باطلة لما رووها و لا تديّنوا.
فلم يزل الأمر كذلك حتّى مات الحسن بن علىّ عليه السّلام، فازداد البلاء و الفتنة فلم يبق أحد من هذا القبيل إلّا و هو خائف على دمه أو طريد في الأرض.
ثمّ تفاقم الأمر بعد قتل الحسين عليه الصلاة و السلام و ولى عبد الملك بن مروان فاشتدّ على الشيعة.
و ولّى عليهم الحجاج بن يوسف فتقرّب إليه أهل النّسك و الصلاح و الدّين ببغض علىّ عليه السّلام و موالاة أعدائه و موالاة من يدعى قوم من الناس أنّهم أيضا أعداؤه فاكثروا في الرّواية في فضلهم و سوابقهم و مناقبهم، و أكثروا من الغضّ من علىّ عليه السّلام و عيبه و الطعن فيه و الشنان له.
حتّى أنّ إنسانا وقف للحجاج و يقال جدّ الأصمعي عبد الملك بن قريب فصاح به أيّها الأمير إنّ أهلى عقّوني فسمّوني عليا، و إنّي فقير بائس و أنا إلى صلة الأمير محتاج، فتضاحك له الحجاج و قال: للطف ما توسّلت به قد وليتك موضع كذا.
و قد روى ابن عرفة المعروف بنفطويه و هو من أكابر المحدّثين و أعلامهم فى تاريخه ما يناسب هذا الخبر، و قال: إنّ أكثر الأحاديث الموضوعة فى فضائل الصحابة افتعلت في أيّام بنى اميّة تقرّبا إليهم بما يظنّون أنّهم يرغمون به أنف بنى هاشم.
ثمّ قال الشارح بعد جملة من الكلام: و اعلم أنّ أصل الأكاذيب في أحاديث الفضايل كان من جهة الشيعة: فانّهم
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 44
وضعوا فى مبدء الأمر أحاديث كذا مختلقة في صاحبهم حملهم على وضعها عداوة خصومهم.
نحو حديث السطل، و حديث الرّمانة، و حديث غزوة البئر التي كان فيها الشياطين و يعرف كما زعموا بذات العلم، و حديث غسل سلمان الفارسي و طىّ الأرض، و حديث الجمجمة و نحو ذلك.
فلمّا رأت البكريّة ما صنعت الشيعة وضعت لصاحبها أحاديث في مقابلة هذه الأحاديث.
نحو لو كنت متّخذا خليلا، فانّهم وضعوه في مقابلة حديث الاخاء.
و نحو سدّ الأبواب فانّه كان لعلىّ عليه السّلام فقلّبته البكريّة إلى أبي بكر.
و نحو ايتونى بدواة و بياض اكتب فيه لأبي بكر كتابا لا يختلف عليه اثنان ثمّ قال: يأبى اللّه و المسلمون إلّا أبا بكر.
فانّهم وضعوه في مقابلة الحديث المروىّ عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في مرضه: ايتونى بدواة و بياض أكتب لكم ما لا تضلّون بعده أبدا، فاختلفوا عنده و قال قوم منهم: لقد غلبه الوجع حسبنا كتاب اللّه.
و نحو حديث أنا راض عنك فهل أنت عنّى راض و نحو ذلك.
فلمّا رأت الشيعة ما و قد وضعت البكريّة أوسعوا في وضع الأحاديث.
فوضعوا حديث الطوق الحديد الّذي زعموا أنه قتله في عنق خالد.
و حديث اللّوح الذى زعموا أنّه كان في غدائر الحنفية أمّ محمّد و حديث: لا يفعل خالد ما امر به.
و حديث الصحيفة علّقت عام الفتح بالكعبة.
و حديث الشيخ الّذي صعد المنبر يوم بويع أبو بكر فسبق الناس إلى بيعته و أحاديث مكذوبة كثيرة تقتضى نفاق قوم من أكابر الصحابة و التابعين الأوّلين و كفرهم و على أدون الطبقات فسقهم.
فقابلتهم البكريّة بمطاعن كثيرة في علىّ و في ولديه، و نسبوه تارة إلى ضعف
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 45
العقل، و تارة إلى ضعف السياسة، و تارة إلى حب الدّنيا و الحرص عليها، و لقد كان الفريقان في غنية عمّا اكتسباه و اجترحاه.
أقول: و لقد أجاد الشارح فيما نقل و أفاد إلّا أنّ ما قاله أخيرا في ذيل قوله:
و اعلم أنّ أصل الأكاذيب في أحاديث الفضائل إلى آخر كلامه غير خال من الوهم و الخبط.
و ذلك أنّا لا ننكر صدور بعض المفتريات و الأحاديث الموضوعة من غلاة الشيعة و جهّالهم و ممّا لا مبالاة له في الدّين كما صدر أكثر كثير من هذه من علماء العامّة و جهّالهم و أكابرهم و أصاغرهم حسبما تعرفه في التّنبيه الاتى إنشاء اللّه تعالى.
لكن الأحاديث الخاصيّة التي أشار إليها بخصوصها من حديث السطل و الرمانة و غزوة الجنّ و غسل سلمان و الجمجمة و حديث الطوق و اللوح و الصحيفة الملعونة و الشيخ الّذى سبق إلى بيعة أبي بكر لا دليل على وضع شيء منها، بل قد روى بعضها المخالف و الموافق جميعا كحديث السطل.
فقد رواه السيد المحدّث الناقد البصير السيّد هاشم البحراني في كتاب غاية المرام في الباب السابع و التسعين منه بأربعة طرق من طرق العامّة، و في الباب الثامن و التسعين منه بأربعة طرق من طرق الخاصّة.
و قد روى حديث الرّمانة أيضا في الباب السابع عشر و مأئة منه بطريق واحد من طرق العامة، و في الباب الذى يتلوه بطريق واحد أيضا من طرق الخاصة.
و أمّا حديث غزوة الجنّ فقد مضى روايته في شرح الفصل الثامن من الخطبة المأة و الاحدى و التسعين، و قد رواه الشيخ المفيد «قد» في الارشاد بنحو آخر.
و لعلّ زعم الشارح وضعه مبنىّ على اصول المعتزلة و لقد أبطله المفيد في الارشاد فانّه بعد ما قال في عداد ذكر مناقب أمير المؤمنين عليه السّلام و من ذلك ما تظاهر به الخبر من بعثه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى وادى
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 46
الجنّ و قد أخبره جبرئيل عليه السّلام أنّ طوايف منهم قد اجتمعوا لكيده فاغنى عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و كفى اللّه المؤمنين به كيدهم و دفعهم عن المسلمين بقوّته الّتي بان بها عن جماعتهم ثمّ روى الحديث عن محمّد بن أبى السرى التميمى عن أحمد بن الفرج عن الحسن بن موسى النّهدى عن أبيه عن وبرة بن الحرث عن ابن عباس و ساق الحديث إلى آخره قال بعد روايته ما هذا لفظه:
و هذا الحديث قد روته العامّة كما روته الخاصة، و لم يتناكروا شيئا منه و المعتزلة لميلها إلى مذهب البراهمة تدفعه و لبعدها عن معرفة الأخبار تنكره و هي سالكة في ذلك طريق الزّنادقة فيما طعنت به في القرآن و ما تضمنه من أخبار الجنّ و ايمانهم باللّه و رسوله و ما قصّ اللّه من نبائهم في القرآن في سورة الجنّ و قولهم قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إلى آخر ما تضمّنه الخبر عنهم في هذه السّورة و إذا بطل اعتراض الزّنادقة في ذلك بتجويز العقول وجود الجنّ و إمكان تكليفهم و ثبوت ذلك مع إعجاز القرآن و الاعجوبة الباهرة فيه كان مثل ذلك ظهور بطلان طعون المعتزلة فى الخبر الّذى رويناه، لعدم استحالة مضمونه في العقول و في مجيئه من طريقين مختلفين و برواية فريقين في دلالته متباينين برهان صحّته و ليس إنكار من عدل عن الانصاف في النّظر من المعتزلة و المجبّرة قدح فيما ذكرناه من وجوب العمل عليه.
كما أنّه ليس في جحد الملاحدة و أصناف الزنادقة و اليهود و النّصارى و المجوس و الصابئين ما جاء صحّته من الأخبار بمعجزات النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كانشقاق القمر و حنين الجذع و تسبيح الحصى في كفّه و شكوى البعير و كلام الذّراع و مجيئ الشّجرة و خروج الماء من بين أصابعه فى الميضاة و إطعام الخلق الكثير من الطعام القليل قدح فى صحّتها و صدق رواتها و ثبوت الحجّة بها.
بل الشّبهة لهم فى دفع ذلك و إن ضعفت أقوى من شبهة منكرى معجزات
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 47
أمير المؤمنين عليه السّلام و براهينه لما لا خفاء عليها و على أهل الاعتبار به مما لا حاجة إلى شرح وجوهه فى هذا المكان.
ثمّ قال قدّس اللّه روحه بعد جملة من الكلام: و لا زال أجد الجاهل من الناصبة و المعاند يظهر التعجّب من الخبر بملاقات أمير المؤمنين عليه السّلام الجنّ و كفّه شرّهم عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أصحابه و يتضاحك لذلك و ينسب الرّواية له إلى الخرافات الباطلة، و يضع مثل ذلك فى الأخبار الواردة بسوى ذلك من معجزاته عليه السّلام و يقول: إنه من موضوعات الشيعة و تخرّص من افتراه منهم للتكسب بذلك أو التعصّب.
و هذا بعينه مقال الزّنادقة كافّة و أعداء الاسلام فيما نطق به القرآن من خبر الجنّ و إسلامهم فى قوله تعالى «قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الجن» و فيما ثبت به الخبر عن ابن مسعود في قصّة ليلة الجنّ و مشاهدته لهم كالزّط، و في غير ذلك من معجزات الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و أنّهم يظهرون التعجّب من جميع ذلك و يتضاحكون عند سماع الخبر به و الاحتجاج بصحّته و يستهزؤن و يلغطون «1» فيما يسرفون به من سبّ الاسلام و أهله و استحماق معتقديه و الناصرين له و نسبتهم إيّاهم إلى العجز و الجهل، و وضع الأباطيل.
فلينظر القوم ما جنوه على الاسلام بعداوتهم لأمير المؤمنين عليه السّلام و اعتمادهم في دفع فضايله و مناقبه و آياته على ما ضاهوا به أصناف الزّنادقة و الكفّار ممّا يخرج عن طريق الحجاج إلى أبواب الشغب و المسافهات، انتهى كلامه رفع مقامه.
و بذلك كلّه ظهر أيضا فساد زعم وضع حديث بيعة الشيّطان لأبي بكر و ظهوره بصورة شيخ و صعوده المنبر و سبقته إلى البيعة حسبما عرفت روايته تفصيلا في المقدّمة الثانية من مقدّمات الخطبة الثّالثة المعروفة بالشّقشقيّة.
إذ الظاهر أنّ زعم وضعه أيضا مبنيّ على استبعاد ظهوره بصورة إنسان، و يدفع ذلك ما اجتمع عليه أهل القبلة من ظهوره لأهل دار النّدوة بصورة شيخ
______________________________
(1)- لغط فى الكلام قال ما لا يفهم معناه، منه.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 48
من أهل نجد و اجتماعه معهم في الرّأى على المكر برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ظهوره يوم بدر للمشركين في صورة سراقة بن جعثم «جعشم» المدلجى و قوله «لا غالب لكم اليوم من النّاس و إنّى جار لكم» قال اللّه عزّ و جلّ «فلمّا تراءت الفئتان نكص على عقبيه و قال إنّى برىء منكم إنى أرى ما لا ترون إنّى أخاف اللّه و اللّه شديد العقاب» و أما ساير الأحاديث فلا استبعاد بشىء منها حتى يزعم وضعها، و قد أتى آصف ابن برخيا الذى عنده علم من الكتاب بعرش بلقيس بطىّ الأرض من مكان بعيد فى طرفة عين فكيف يستبعد في حقّ أمير المؤمنين عليه السّلام الذى عنده علم الكتاب كلّه حسبما عرفت فى غير موضع من تضاعيف الشرح حضوره عليه السّلام بطىّ الأرض عند جنازة سلمان مع اختصاصه الخاصّ به عليه السّلام و فوزه درجة السلمان منّا أهل البيت.
و قد قال عليه السّلام و هو أصدق القائلين فى حال حياته ما رواه عنه المخالف و المؤالف:
يا حار همدان من يمت يرني من مؤمن أو منافق قبلا
و بالجملة فالأخبار المذكورة ليس على وضعها دليل من جهة العقل، و لا من جهة النقل فدعواه مكابرة محضة، فباللّه التوفيق و عليه التكلان «1».
المجلد السابع من منهاج البراعة فى شرح نهج البلاغة.
الثالث:
في جملة من الأخبار الموضوعة فأقول:
أما الأخبار الخاصية:
فقد دسّ فيها بعض الأخبار الموضوعة وضعها الغلاة و المغيريّة و الخطابيّة و الصّوفية و أمثالهم من أهل الفساد في العمل و الاعتقاد، و من ذلك اهتمّ علماؤنا الأخيار غاية الاهتمام بحفظ الأخبار و ضبطها و نقدها و تميز غثّها من سمينها و صحيحها
______________________________
(1)- هنا آخر المجلّد السادس على ما فى الطبعة الأولى.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 49
من سقيمها، و قسّموها إلى الصحيح و الموثّق و الحسن و الضّعيف، و صنّفوا كتبا في علم الدّراية و علم الرّجال، و قد أشير إلى ما ذكرنا في مؤلفات أصحابنا و أخبار أئمّتنا سلام اللّه عليهم.
و ارشدك إلى بعض ما رواه في البحار من رجال الكشي عن محمّد بن قولويه و الحسين بن الحسن بن بندار معا عن سعد عن اليقطيني عن يونس بن عبد الرّحمن انّ بعض أصحابنا سأله و أنا حاضر فقال له: يا با محمّد ما أشدّك في الحديث و أكثر إنكارك لما يرويه أصحابنا، فما الّذى يحملك على ردّ الأحاديث؟ فقال: حدّثني هشام بن الحكم أنّه سمع أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: لا تقبلوا علينا حديثا إلّا ما وافق القرآن و السنّة أو تجدون معه شاهدا من أحاديثنا المتقدّمة، فانّ المغيرة بن سعيد لعنه اللّه دسّ في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدّث بها أبي فاتّقوا اللّه و لا تقبلوا علينا ما خالف قول ربّنا تعالى و سنّة نبيّنا محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فانا إذا حدّثنا قلنا: قال اللّه عزّ و جلّ، و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، قال يونس: وافيت العراق فوجدت بها قطعة من أصحاب أبي جعفر عليه السّلام و وجدت أصحاب أبي عبد اللّه عليه السّلام متوافرين، فسمعت منهم و أخذت كتبهم فعرضتها بعد على أبى الحسن الرّضا عليه السّلام فأنكر منها أحاديث كثيرة أن يكون من أحاديث أبي عبد اللّه عليه السّلام، و قال لي: إنّ أبا الخطاب كذب على أبي عبد اللّه عليه السّلام فلا تقبلوا علينا خلاف القرآن، فانّا إن حدّثنا حدّثنا بموافقة القرآن و موافقة السنّة إنّا عن اللّه تعالى و عن رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نحدّث، و لا نقول قال فلان و فلان فيتناقض كلامنا إنّ كلام آخرنا مثل كلام أوّلنا و كلام أوّلنا مصداق لكلام آخرنا، و إذا أتاكم من يحدّثكم بخلاف ذلك فردّوه عليه و قولوا أنت أعلم و ما جئت به، فانّ مع كلّ قول منّا حقيقة و عليه نور، فما لا حقيقة معه و لا نور عليه فذلك قول الشيّطان.
و فى البحار أيضا عن الكشي بهذا الاسناد عن يونس عن هشام بن الحكم أنّه سمع أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: كان المغيرة بن سعيد يتعمّد الكذب على أبي و يأخذ كتب أصحابه، و كان أصحابه المستترون بأصحاب أبي يأخذون الكتب من أصحاب أبي فيدفعونها إلى المغيرة، فكان يدسّ فيها الكفر و الزّندقة و يسندها إلى أبي
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 50
ثمّ يدفعها إلى أصحابه فيأمرهم أن يبثّوها في الشّيعة، فكلّما كان في كتب أصحاب أبى من الغلوّ فذاك مما دسّه المغيرة بن سعيد في كتبهم.
و فيه أيضا عن الكشّي باسناده عن زرارة قال: قال يعني أبا عبد اللّه عليه السّلام:
إنّ أهل الكوفة نزل فيهم كذّاب، أمّا المغيرة فانّه يكذب على أبي يعنى أبا جعفر قال: حدّثه أنّ نساء آل محمّد إذا حضن قضين الصّلاة، و ان و اللّه عليه لعنة اللّه ما كان من ذلك شيء و لا حدّثه، و أمّا أبو الخطاب فكذب عليّ و قال: إنّي أمرته أن لا يصلّي هو و أصحابه المغرب حتّى يروا كواكب كذا، فقال القنداني: و اللّه إن ذلك لكوكب لا نعرفه.
و أما الاخبار العامية:
فالموضوعة فيها أكثر من أن تحصى، و قد تقدّم الاشارة إلى بعضها في التنبيهات السابقة من الشهيد و الشّارح المعتزلي و سبق بعضها في شرح الكلام السّابق، و وقعت الاشارة إلى جملة منها فيما رواه في الاحتجاج.
قال: و روى أنّ المأمون بعد ما زوّج ابنته أمّ الفضل أبا جعفر عليه السّلام كان في مجلس و عنده أبو جعفر عليه السّلام و يحيى بن اكثم و جماعة كثيرة.
فقال له يحيى بن اكثم: ما تقول يا ابن رسول اللّه في الخبر الّذي روي أنّه نزل جبرئيل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال: يا محمّد إنّ اللّه يقرؤك السلام و يقول لك: سل أبا بكر هل هو عنّى راض فانّي راض عنه.
فقال أبو جعفر عليه السّلام: إنّى لست بمنكر فضل أبي بكر و لكن يجب على صاحب هذا الخبر أن يأخذه مثل الخبر الّذي قاله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في حجّة الوداع: قد كثرت علىّ الكذّابة و استكثر فمن كذب علىّ متعمّدا فليتبوّء مقعده من النار، فاذا أتاكم الحديث فاعرضوه على كتاب اللّه و سنّتى فما وافق كتاب اللّه و سنّتى فخذوا به، و ما خالف كتاب اللّه و سنّتى فلا تأخذوا به، و ليس يوافق هذا الحديث كتاب اللّه قال اللّه تعالى: «وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَ نَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ» فاللّه تعالى خفى عليه رضا أبي بكر من سخطه حتّى سأل عن مكنون سره هذا مستحيل في العقول.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 51
ثمّ قال يحيى بن اكثم: و قد روى أنّ مثل أبي بكر و عمر في الأرض كمثل جبرئيل و ميكائيل في السماء.
فقال عليه السّلام: و هذا أيضا يجب أن ينظر فيه، لأنّ جبرئيل و ميكائيل ملكان مقرّبان لم يعصيا اللّه قطّ و لم يفارقا طاعته لحظة واحدة، و هما قد أشركا باللّه عزّ و جلّ و إن أسلما بعد الشرك، فكان أكثر أيامهما الشرك باللّه فمحال أن يشبها بهما.
قال يحيى: و روى أيضا إنّهما سيّدا كهول أهل الجنة فما تقول فيه؟
فقال عليه السّلام: و هذا الخبر محال أيضا، لأنّ أهل الجنة كلّهم يكونون شابا و لا يكون فيهم كهل، و هذا الخبر وضعه بنو امية لمضادّة الخبر الّذى قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في الحسن و الحسين عليهما السّلام: بأنّهما سيّدا شباب أهل الجنة فقال يحيى بن اكثم: و روى أنّ عمر سراج أهل الجنة.
فقال عليه السّلام: و هذا أيضا محال لأنّ في الجنة ملائكة اللّه المقرّبين و آدم و محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و جميع الأنبياء و المرسلين لا تضىء بأنوار حتى تضىء بنور عمر.
فقال يحيى: و قد روى أنّ السكينة تنطق على لسان عمر.
فقال عليه السّلام: لست بمنكر فضله و لكن أبا بكر أفضل من عمر و قد قال على رأس المنبر إنّ لى شيطانا يعتريني فاذا ملت فسدّدونى.
فقال يحيى: قد روى أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: لو لم ابعث لبعث عمر.
فقال عليه السّلام: كتاب اللّه أصدق من هذا يقول اللّه في كتابه «وَ إِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَ مِنْكَ وَ مِنْ نُوحٍ...» فقد أخذ اللّه ميثاق النّبيّين، فكيف يمكن أن يبدّل ميثاقه، و كلّ الأنبياء لم يشركوا باللّه طرفة عين فكيف يبعث بالنبوّة من أشرك و كان أكثر أيّامه مع الشرك باللّه، و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: نبئت و آدم بين الرّوح و الجسد.
فقال يحيى بن اكثم: و قد روى أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: ما احتبس الوحي عنّي
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 52
قطّ إلّا ظننته قد نزل على آل الخطاب فقال عليه السّلام: و هذا أيضا محال لأنّه لا يجوز أن يشكّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في نبوّته قال اللّه تعالى «اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَ مِنَ النَّاسِ» فكيف يمكن أن تنتقل النبوّة ممّن اصطفاه اللّه إلى من أشرك به قال يحيى: و قد روى انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: لو نزل العذاب لما نجى منه إلّا عمر بن الخطاب.
فقال عليه السّلام: و هذا أيضا محال، لأنّ اللّه يقول «وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ وَ ما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ» فأخبر اللّه تعالى أنه لا يعذّب أحدا ما دام فيهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ما داموا يستغفرون اللّه تعالى.
و اشير إلى جملة اخرى أيضا فيما رواه في البحار من عيون الأخبار عن أبيه و ابن الوليد عن محمّد العطار و احمد بن ادريس معا عن الأشعري عن صالح بن أبي حماد الرّازي عن إسحاق بن حاتم عن إسحاق بن حماد بن زيد قال سمعنا يحيى بن اكثم القاضى قال:
أمرني المأمون باحضار جماعة من أهل الحديث و جماعة من أهل الكلام و النظر، فجمعت له من الصنفين زهاء أربعين رجلا، ثمّ مضيت بهم فأمرتهم بالكينونة في مجلس الحاجب لا علمه بمكانهم، ففعلوا فأعلمته فأمرنى بادخالهم ففعلت فدخلوا و سلّموا فحدّثهم ساعة و آنسهم ثمّ قال: إنّى أريد أن أجعلكم بينى و بين اللّه في هذا اليوم حجّة فما أحد تقرّب إلى مخلوق بمعصية الخالق إلّا سلّطه اللّه عليه فناظرونى بجميع عقولكم انّى رجل أزعم أنّ عليّا خير البشر بعد النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فان كنت مصيبا فصوّبوا قولى، و إن كنت مخطئا فردّوا علىّ و هلمّوا فإن شئتم سألتكم و ان شئتم سألتمونى فقال له الذين يقولون بالحديث: بل نسأل فقال: هاتوا و قلّدوا كلامكم رجلا منكم فاذا تكلّم فان كان عند أحدكم زيادة فليزد و إن أتى بخلل فسدّدوه.
فقال قائل منهم: أمّا نحن فنزعم أنّ خير الناس بعد النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أبو بكر
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 53
من قبل أنّ الرّواية المجمع عليها جاءت عن الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: اقتدوا باللّذين من بعدى أبي بكر و عمر، فلمّا أمر نبىّ الرّحمة بالاقتداء بهما علمنا أنّه لم يأمر إلّا بالاقتداء بخير الناس.
فقال المأمون: الرّوايات كثيرة و لا بدّ من أن يكون كلّها حقا أو كلّها باطلا أو بعضها حقّا و بعضها باطلا، فلو كانت كلّها حقّا كانت كلّها باطلا من قبل أن بعضها ينقض بعضا، و لو كانت كلّها باطلا كان في بطلانها بطلان الدّين و دروس الشريعة، فلمّا بطل الوجهان ثبت الثالث بالاضطرار و هو أنّ بعضها حقّ و بعضها باطل فاذا كان كذلك فلابدّ من دليل على ما يحقّ منها ليعتقد و ينفى خلافه، فاذا كان دليل الخبر في نفسه حقّا كان أولى ما أعتقد و آخذ به و روايتك هذه من الأخبار الّتي أدلّتها باطلة في نفسها، و ذلك إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أحكم الحكما و أولى الخلق بالصّدق و أبعد الناس من الأمر بالمحال و حمل النّاس على التّدين بالخلاف و ذلك إنّ هذين الرّجلين لا يخلو من أن يكونا متّفقين من كلّ جهة أو مختلفين، فان كانا متّفقين من كلّ جهة كانا واحدا في العدد و الصفة و الصّورة و الجسم، و هذا معدوم أن يكون اثنان بمعنى واحد من كلّ جهة، و إن كانا مختلفين فكيف يجوز الاقتداء بهما، و هذا تكليف ما لا يطاق لأنّك إذا اقتديت بواحد خالفت الاخر، و الدّليل على اختلافهما إنّ ابا بكر سبى أهل الرّدة و ردّهم عمر أحرارا، و أشار عمر إلى أبي بكر بعزل خالد و بقتله بمالك بن نويرة فأبى أبو بكر عليه، و حرّم عمر المتعة و لم يفعل ذلك أبو بكر، و وضع عمر ديوان العطية و لم يفعله عمر، و استخلف أبو بكر و لم يفعل ذلك عمر، و لهذا نظاير كثيرة.
«قال الصدوق رضى اللّه عنه في هذا فصل لم يذكره المأمون لخصمه و هو أنّهم لا يرووا أنّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: اقتدوا بالّذين من بعدى أبي بكر و عمر، و إنّما رووا أبو بكر و عمر و روى أبا بكر و عمر، فلو كانت الرّواية صحيحة لكان معنى قوله بالنّصب اقتدوا باللّذين من بعدى كتاب اللّه و العترة يا ابا بكر و عمر، و معنى قوله بالرّفع اقتدوا أيّها الناس و أبو بكر و عمر باللّذين من بعدى كتاب اللّه و العترة» رجعنا إلى حديث المأمون
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 54
فقال آخر من أصحاب الحديث: فانّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: لو كنت متّخذا خليلا لاتّخذت أبا بكر خليلا.
فقال المأمون: هذا مستحيل من قبل أنّ رواياتكم أنّه عليه السّلام آخا بين أصحابه و أخّر عليّا عليه السّلام فقال له في ذلك فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ما أخّرتك إلّا لنفسى، فأىّ الرّوايتين تثبت بطلت الأخرى.
قال آخر: إنّ عليّا عليه السّلام قال على المنبر: خير هذه الأمّة بعد نبيّها أبو بكر و عمر.
قال المأمون: هذا مستحيل من قبل أنّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لو علم أنّهما أفضل ما ولى عليهما مرّة عمرو بن العاص، و مرّة اسامة بن زيد، و مما يكذب هذه الرّواية قول عليّ عليه السّلام: قبض النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أنا أولى بمجلسه منّى بقميصى و لكنّى أشفقت أن يرجع الناس كفارا. و قوله عليه السّلام أنّى يكونان خيرا منّى و قد عبدت اللّه عزّ و جلّ قبلهما و عبدته بعدهما.
قال آخر: فانّ أبا بكر أغلق بابه فقال هل من مستقيل فاقيله فقال عليّ عليه السّلام:
قدّمك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فمن ذا يؤخّرك.
فقال المأمون: هذا باطل من قبل أنّ عليّا عليه السّلام قعد عن بيعة أبي بكر و رويتم أنّه عليه السّلام قعد عنها حتّى قبضت فاطمة عليها السّلام و أنّها أوصت أن تدفن ليلا لئلا يشهدا جنازتها، و وجه آخر و هو أنّه إن كان النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم استخلفه فكيف كان له أن يستقيل و هو يقول للأنصارى: قد رضيت لكم أحد هذين الرّجلين أبا عبيدة و عمر.
قال آخر: إنّ عمرو بن العاص قال: يا رسول اللّه من أحبّ الناس إليك من النساء؟ فقال: عايشة، فقال: من الرّجال؟ فقال: أبوها.
فقال المأمون: هذا باطل من قبل أنكم رويتم أنّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم وضع بين يديه طائر مشوىّ فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم اللّهم ائتنى بأحبّ خلقك إليك، فكان عليّ عليه السّلام فأىّ روايتكم تقبل؟! فقال آخر: فانّ عليّا عليه السّلام قال: من فضّلني على أبي بكر جلّدته حدّ المفتري.
قال المأمون: كيف يجوز أن يقول عليّ عليه السّلام اجلد الحدّ من لا يجب عليه
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 55
الحدّ، فيكون متعدّيا لحدود اللّه عزّ و جلّ، عاملا بخلاف أمره، و ليس تفضيل من فضّله عليه السّلام عليهما فرية، و قد رويتم عن إمامكم أنّه قال: وليتكم و لست بخيركم فأىّ الرّجلين أصدق عندكم أبو بكر على نفسه أو عليّ عليه السّلام على أبي بكر مع تناقض الحديث في نفسه، و لا بدّ له من قوله من أن يكون صادقا أو كاذبا، فان كان صادقا فانّى عرف ذلك بالوحي فالوحي منقطع أو بالنّظر فالنّظر متحيّر منحّت، و إن كان غير صادق فمن المحال أن يلي أمر المسلمين و يقوم بأحكامهم و يقيم حدودهم و هو كذّاب.
قال آخر: فقد جاء أنّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: إنّ أبا بكر و عمر سيّدا كهول أهل الجنّة.
قال المأمون: هذا الحديث محال لأنّه لا يكون في الجنّة كهل، و يروى أنّ أشجعيّة كانت عند النّبي فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لا يدخل الجنّة عجوز فبكت، فقال النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:
إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول «إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً. فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً. عُرُباً أَتْراباً» فان زعمتم أنّ أبا بكر ينشأ شابّا إذا دخل الجنّة فقد رويتم أنّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال للحسن و الحسين: إنّهما سيّدا شباب أهل الجنّة من الأوّلين و الاخرين و أبوهما خير منهما.
قال آخر: قد جاء أنّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: لو لم أبعث فيكم لبعث عمر.
قال المأمون: هذا محال لأنّ اللّه عزّ و جلّ يقول «إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَ النَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ» و قال عزّ و جلّ «وَ إِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَ مِنْكَ وَ مِنْ نُوحٍ وَ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى وَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ» فهل يجوز أن يكون من لم يؤخذ «منه خ» ميثاقه على النّبوّة مبعوثا و من أخذ ميثاقه على النّبوّة مؤخّرا.
قال آخر: إنّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نظر إلى عمر يوم عرفة فتبسّم و قال: إنّ اللّه تعالى باهى بعباده عامّة و بعمر خاصّة.
فقال المأمون: فهذا مستحيل من قبل أنّ اللّه تعالى لم يكن ليباهي بعمر و يدع نبيّه عليه السّلام فيكون عمر فى الخاصّة و النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في العامّة، و ليست هذه الرّواية
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 56
بأعجب من روايتكم أنّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: دخلت الجنّة فسمعت خفق نعلين فاذا بلال مولى أبي بكر قد سبقني إلى الجنّة، و إنّما قالت الشّيعة عليّ عليه السّلام خير من أبي بكر فقلتم عبد أبي بكر خير من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لأنّ السابق أفضل من المسبوق، و كما رويتم أنّ الشّيطان يفرّ من حسّ عمر، و ألقي على لسان النّبى صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إنّهنّ الغرانيق العلي ففرّ من عمر، و ألقي على لسان النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بزعمكم الكفر.
قال آخر: قال النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لو نزل العذاب ما نجي إلّا عمر بن الخطّاب.
قال المأمون: هذا خلاف الكتاب أيضا، لأنّ اللّه عزّ و جلّ يقول «وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ» فجعلتم عمر مثل الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
قال آخر: فقد شهد النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعمر بالجنّة في عشرة من الصحابة.
فقال: لو كان هذا كما زعمت كان عمر لا يقول لحذيفة: نشدتك باللّه امن المنافقين أنا، فان كان قال له: أنت من أهل الجنّة و لم يصدّقه حتّى زكاه حذيفة و صدّق حذيفة و لم يصدّق النّبي فهذا على غير الاسلام، و إن كان قد صدّق النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فلم سأل حذيفة؟ و هذان الخبران متناقضان في أنفسهما.
فقال آخر: فقد قال النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: وضعت امّتي في كفّة الميزان و وضعت في اخرى فرجّحت بهم، ثمّ مكاني ابو بكر فرجح بهم، ثمّ عمر فرجح، ثمّ رفع الميزان.
فقال المأمون: هذا محال من قبل أنّه لا يخلو من أن يكون أجسامهما أو أعمالهما، فان كانت الأجسام فلا يخفى على ذى روح أنه محال، لأنّه لا يرجح أجسامها بأجسام الأمة، و إن كانت أفعالهما فلم يكن بعد فكيف يرجّح بما ليس، و خبّروني بما يتفاضل النّاس؟
فقال بعضهم: بالأعمال الصّالحة قال: فأخبروني فمن فضل صاحبه على عهد النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ثمّ إنّ المفضول عمل بعد وفاة النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بأكثر من عمل الفاضل على عهد النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أ يلحق به؟ فان قلتم: نعم أوجدتكم في عصرنا هذا من هو أكثر جهادا و حجّا و صوما و صلاة و صدقة من أحدهم.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 57
قالوا: صدقت لا يلحق فاضل دهرنا فاضل عصر النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
قال المأمون: فانظروا فيما رويت عن أئمّتكم الّذين أخذتم عنهم أديانكم فى فضايل عليّ عليه السّلام و قائسوا إليها ما رووا في فضايل تمام العشرة الّذين شهدوا لهم بالجنّة فان كانت جزء من أجزاء كثيرة فالقول قولكم، و ان كانوا قد رووا في فضايل عليّ عليه السّلام أكثر فخذوا عن أئمّتكم ما رووا و لا تعدوه.
قال: فأطرق القوم جميعا.
فقال المأمون: ما لكم سكتّم؟
قالوا: استقصينا.
أقول: هذا أنموذج من أحاديثهم الموضوعة الّتي هي خارجة عن حدّ الاحصاء.
الرابع:
لا ريب في جواز نقل الحديث بالمعني، و يدلّ عليه أخبار كثيرة.
و تفصيل القول في ذلك على ما حقّقه المحدّث العلامة المجلسي ره أنّه إذا لم يكن المحدّث عالما بحقايق الألفاظ و مجازاتها و منطوقها و مفهومها و مقاصدها لم تجز له الرّواية بالمعنى بغير خلاف، بل يتعيّن اللّفظ الّذى سمعه إذا تحقّقه و إلّا لم تجز له الرّواية.
و أمّا إذا كان عالما بذلك.
فقد قال طايفة من العلماء لا يجوز هي، لأنّ لكلّ تركيب معني بحسب الوصل و الفصل و التقديم و التأخير و غير ذلك لو لم يراع ذلك لذهبت مقاصدها، بل لكلّ كلمة مع صاحبتها خاصيّة مستقلّة كالتخصيص و الاهتمام و غيرهما، و كذا الألفاظ المشتركة و المترادفة، و لو وضع كلّ موضع الاخر لفات المعني المقصود، و من ثمّ قال النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: نصر اللّه عبدا سمع مقالتي و حفظها و وعاها و أدّاها فرّب حامل فقه غير فقيه و ربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه. و كفى هذا الحديث شاهدا بصدق ذلك.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 58
و اكثر الأصحاب جوّزوا ذلك مطلقا مع حصول الشرائط المذكورة، و قالوا كلّما ذكرتم خارج عن موضوع البحث لأنّها إنّما جوّزنا لمن يفهم الألفاظ و يعرف خواصّها و مقاصدها و يعلم عدم اختلال المراد بها فيما أدّاه.
و قد ذهب جمهور السّلف و الخلف من الطوايف كلّها إلى جواز الرّواية بالمعني إذا قطع بأداء المعني بعينه، لأنّه من المعلوم أنّ الصّحابة و أصحاب الأئمّة عليهم السّلام لم يكونوا يكتبون الأحاديث عند سماعها، و يبعد بل يستحيل عادة حفظهم جميع الألفاظ على ما هي عليه، و قد سمعوها مرّة واحدة خصوصا في الأحاديث الطويلة مع تطاول الأزمنة و لهذا كثيرا ما يروى عنهم المعني الواحد بألفاظ مختلفة و لم ينكر ذلك عليهم و لا يبقي لمن تتبّع الأخبار في هذا شبهة و يدل عليه أيضا ما رواه الكليني عن محمّد بن يحيى عن محمّد بن الحسين عن ابن أبي عمير عن ابن اذينة عن محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أسمع الحديث منك فازيد و أنقص؟ فقال عليه السّلام: إن كنت تريد معانيه فلا بأس.
نعم لا مرية في أنّ روايته بلفظه أولى على كلّ حال لا سيّما في هذه الأزمان لبعد العهد و فوت القراين و تغيّر المصطلحات.
و قد روى الكليني عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن منصور بن يونس عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: قول اللّه جلّ ثناؤه «الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ» قال: هو الرّجل يسمع الحديث فيحدّث به كما سمعه لا يزيد فيه و لا ينقص.
تذنيب:
قال بعض الأفاضل: نقل المعني إنّما جوّزوه في غير المصنّفات، أمّا المصنّفات فقد قال أكثر الأصحاب: لا يجوز حكايتها و لا نقلها بالمعني و لا تغيير شيء منها على ما هو المتعارف.
تكملة:
هذا الكلام لأمير المؤمنين عليه السّلام مروىّ في البحار من خصال الصّدوق «قد» عن
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 59
أبيه عن علىّ عن أبيه عن حماد بن عيسى عن إبراهيم بن عمر اليمانى و عمر بن اذينة عن أبان بن أبي عيّاش عن سليم بن قيس الهلالي قال:
قلت لأمير المؤمنين عليه السّلام: يا أمير المؤمنين إنّى سمعت من سلمان و المقداد و أبى ذر شيئا من تفسير القرآن و أحاديث عن نبىّ اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم غير ما فى أيدى الناس ثمّ سمعت منك تصديق ما سمعت منهم و رأيت فى أيدى الناس شيئا كثيرا من تفسير القرآن و أحاديث عن نبىّ اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنتم تخالفونهم فيها و تزعمون أنّ ذلك كلّه باطل أفترى النّاس يكذبون على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم معتمدين و يفسّرون القرآن بارائهم؟
قال: فأقبل عليّ عليه السّلام علىّ فقال: قد سألت فافهم الجواب: إنّ في أيدى النّاس حقا و باطلا و صدقا و كذبا و ناسخا و منسوخا و عامّا و خاصّا و محكما و متشابها و حفظا و وهما، و قد كذب على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على عهده حتّى قام خطيبا فقال: أيّها النّاس قد كثرت علىّ الكذّابة فمن كذب علىّ متعمّدا فليتبوّء مقعده من النّار، ثمّ كذب عليه من بعده.
إنّما أتاكم الحديث من أربعة ليس لهم خامس:
رجل منافق يظهر الإيمان متصنّع بالاسلام لا يتأثّم و لا يتحرّج أن يكذب على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم متعمّدا، فلو علم النّاس أنّه منافق كذّاب لم يقبلوا منه و لم يصدّقوه، و لكنّهم قالوا هذا قد صحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و رآه و سمع منه، فأخذوا منه و هم لا يعرفون حاله، و قد أخبر اللّه عزّ و جلّ عن المنافقين بما أخبره و وصفهم بما وصفهم فقال عزّ و جلّ «وَ إِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَ إِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ» ثمّ بقوا بعده فتقرّبوا إلى أئمّة الضلالة و الدّعاة إلى النّار بالزور و الكذب و البهتان، فولّوهم الأعمال و ولّوهم على رقاب النّاس و أكلوا بهم الدّنيا و إنّما النّاس مع الملوك و الدّنيا إلّا من عصم اللّه، فهذا أحد الأربعة.
و رجل سمع من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم شيئا لم يحفظه على وجهه و وهم فيه و لم يتعمّد كذبا، فهو في يده يقول به و يعمل به و يرويه و يقول: أنا سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فلو علم المسلمون أنّه و هم لم يقبلوه، و لو علم هو أنّه و هم لرفضه.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 60
و رجل ثالث سمع من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم شيئا أمر به ثمّ نهى عنه و هو لا يعلم أو سمعه ينهى عن شيء ثم أمر به و هو لا يعلم، فحفظ منسوخه و لم يحفظ النّاسخ، فلو علم أنّه منسوخ لرفضه، و لو علم المسلمون أنّه منسوخ لرفضوه.
و آخر رابع لم يكذب على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مبغض للكذب خوفا من اللّه عزّ و جلّ و تعظيما لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، لم يسه بل حفظ ما سمع على وجهه فجاء به كما سمع لم يزد فيه و لم ينقص منه، و علم النّاسخ من المنسوخ فعمل بالنّاسخ و رفض المنسوخ.
و إنّ أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مثل القرآن ناسخ و منسوخ و خاصّ و عامّ و محكم و متشابه، و قد كان يكون من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الكلام له وجهان: كلام عامّ و كلام خاصّ، و قال اللّه عزّ و جلّ في كتابه «ما آتيكم الرّسول فخذوه و ما نهيكم عنه فانتهوا» فيشتبه على من لم يعرف و لم يدر ما عنى اللّه به و رسوله، و ليس كلّ أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يسأله عن الشيء فيفهم كان منهم من يسأله و لا يستفهم، حتّى كانوا ليحبّون أن يجيء الاعرابي الطّارئ، فيسأل رسوله اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حتّى يسمعوا و كنت أدخل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كلّ يوم دخلة فيخليني فيها أدور معه حيثما دار، و قد علم أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه لم يصنع ذلك بأحد من النّاس غيرى، و ربّما كان ذلك في شيء يأتيني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أكثر ذلك في بيتي و كنت إذا دخلت عليه بعض منازله أخلاني و أقام عنّى نساءه فلا يبقى عنده غيرى، و إذا أتاني للخلوة معى في بيتي لم تقم عنه فاطمة و لا أحد من بنىّ و كنت إذا سألته أجابنى، و إذا سكتّ عنه و فنيت مسائلى ابتدأني.
فما نزلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم آية من القرآن إلّا أقرأنيها و أملاها علىّ فكتبتها بخطّي و علّمني تأويلها و تفسيرها و ناسخها و منسوخها و محكمها و متشابهها و خاصّها و عامّها، و دعا اللّه لي أن يعطيني فهمها و حفظها، فما نسيت آية من كتاب اللّه و لا علما أملاه علىّ و كتبته منذ دعا اللّه لي بما دعاه.
و ما ترك شيئا علمه اللّه من حلال و لا حرام أمر و لا نهى كان أو يكون و لا كتاب
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 61
منزل على أحد قبله في أمر بطاعة أو نهى عن معصية إلّا علّمنيه و حفظنيه «حفظته» فلم أنس حرفا واحدا، ثمّ وضع يده على صدرى و دعا اللّه لي أن يملاء قلبي علما و فهما و حكما و نورا، فقلت: يا نبيّ اللّه بأبي أنت و أمّي إنّي منذ دعوت اللّه عزّ و جلّ لي بما دعوت لم أنس شيئا و لم يفتني شيء لم أكتبه أفتتخوّف علىّ النّسيان فيما بعد؟ فقال: لا لست أخاف عليك النّسيان و لا الجهل.
و رواه في الكافي أيضا عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن حمّاد بن عيسى عن إبراهيم بن عمر اليماني عن أبان بن أبي عيّاش عن سليم بن قيس مثله.
و رواه في البحار أيضا من كتاب الغيبة للنعماني عن ابن عقدة و محمّد بن همام و عبد العزيز و عبد الواحد ابنا عبد اللّه بن يونس عن رجالهم عن عبد الرّزاق و همام عن معمّر بن راشد عن أبان بن أبي عيّاش عن سليم مثله.
و رواه في الاحتجاج عن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمّد عليهما السّلام قال:
خطب أمير المؤمنين عليه السّلام فقال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: كيف أنتم إذا البستم الفتنة ينشؤ فيها الوليد، و يهرم فيها الكبير، و يجرى الناس عليها حتّى يتّخذوها سنّة، فاذا غيّر منها شيء قيل أتى النّاس بمنكر غيّرت السنة، ثمّ تشتدّ البليّة و تنشؤ فيها الذّريّة و تدقّهم الفتن كما تدقّ النّار الحطب و كما تدقّ الرّحى بثفالها، فيومئذ يتفقّه النّاس لغير الدّين و يتعلّمون لغير العمل و يطلبون الدّنيا بعمل الاخرة ثمّ أقبل أمير المؤمنين عليه السّلام و معه ناس من أهل بيته و خاصّ من شيعته فصعد المنبر و حمد اللّه و أثنى عليه و صلّى على محمّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ثمّ قال:
لقد عملت الولاة قبلي بأمور عظيمة خالفوا فيها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم متعمّدين لذلك و لو حملت النّاس على تركها و حوّلتها إلى مواضعها الّتى كانت عليها على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لتفرّق عنّى جندى حتّى أبقى وحدى إلّا قليلا من شيعتى الّذين عرفوا فضلى و امامتى من كتاب اللّه و سنّة نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أرأيتم لو أمرت بمقام إبراهيم عليه السّلام فرددته إلى المكان الّذى وضعه فيه
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 62
رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و رددت فدك إلى ورثة فاطمة عليهما السّلام و رددت صاع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و مدّه إلى ما كان، و أمضيت قطايع كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أقطعها للنّاس مسمّين ورددت دار جعفر بن أبي طالب إلى ورثته و هدمتها من المسجد، و رددت الخمس إلى أهله، و رددت قضاء كلّ من قضى بجور، و رددت سبى ذرارى بنى تغلب، و رددت ما قسم من أرض خيبر، و محوت ديوان العطاء و أعطيت كما كان يعطى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و لم أجعلها دولة بين الأغنياء.
و اللّه لقد أمرت الناس أن لا يجتمعوا «يجمعوا خ» فى شهر رمضان إلّا في فريضة فنادى بعض أهل عسكرى ممّن يقاتل سيفه معى انعى به الاسلام و أهله: غيّرت سنّة عمر و نهى أن يصلّى فى شهر رمضان فى جماعة حتّى خفت أن يثور فى ناحية عسكرى ما لقيت و لقيت هذه الامّة من أئمة الضلالة و الدّعاة إلى النار.
و أعظم من ذلك سهم ذوى القربى قال اللّه «و اعلموا أنّما غنمتم من شيء فأنّ للّه خمسه و للرّسول و لذى القربى و اليتامى و المساكين و ابن السبيل- منّا خاصة- إن كنتم آمنتم باللّه و ما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان» نحن و اللّه عنى بذوى القربى الّذين قرنهم اللّه بنفسه و نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و لم يجعل لنا فى الصدقة نصيبا أكرم اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أكرمنا أن يطعمنا أوساخ أيدى الناس.
فقال له عليه السّلام رجل: إنى سمعت من سلمان و أبى ذرّ و المقداد شيئا من تفسير القرآن و الرّواية عن النبىّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و سمعت منك تصديق ما سمعت منهم- ثمّ ساق الحديث نحوا مما مرّ إلى قوله- حتى أن كانوا ليحبّون أن يجيء الاعرابى أو الطارئ فيسأله حتى يسمعوا، و كان لا يمرّ بى من ذلك شيء إلّا سألته و حفظته، فهذه وجوه ما عليه النّاس في اختلافهم و عللهم في رواياتهم.
الترجمة:
و شخص ديگر چهارمى است كه دروغ نگفته بر خداى تعالى و نه بر رسول خدا، دشمن دارنده دروغست از جهت ترس خدا و تعظيم رسول خدا، و توهّم و غلط نكرده است بلكه حفظ نموده آنچه كه شنيده است بر وجهى كه شنيده است پس آورد آنرا يعنى روايت نمود بهمان قرار شنيده شده بدون زياده و نقصان، پس حفظ كرده ناسخ را و عمل كرده بان، و حفظ كرده منسوخ را و اجتناب نموده از آن، و شناخته است خاص و عام را پس گذاشته هر خبر را در مكان خود، و شناخته متشابه و محكم را و گاهى بود كه صادر مى شد از رسول خدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كلاميكه از براى او دو وجه بود پس كلامى كه مخصوص بود و كلامى كه عموم داشت پس مى شنيد آنرا كسى كه نمى شناخت آنچه را كه قصد كرده بود خدا بان و نه آنچه را قصد كرده بود بان رسول خدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم پس حمل مى نمود سامع آن كلام را و توجيه مى نمود آنرا بدون معرفت بمعناى آن و به آن چه كه قصد شده بان و به آن چه كه صادر شده آن كلام از براى آن.
و نبودند جميع صحابه رسول خدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كه سؤال كنند از او و طلب فهم نمايند از آن تا اين كه دوست مى داشتند اين كه بيايد عرب باديه نشينى يا غريب تازه واردى پس سؤال كند از او عليه السّلام تا اين كه بشنوند جواب را، و بود كه نمى گذشت بمن در كلام حضرت رسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم خبرى مگر اين كه مى پرسيدم رسول خدا را از آن و حفظ مى نمودم آنرا. پس اين است وجههاى آن چيزى كه بودند مردمان بر آن در مختلف شدن ايشان و علّتهاى ايشان در اختلاف روايات ايشان.