منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 32
و اعلموا رحمكم اللّه أنّكم في زمان القائل فيه بالحقّ قليل، و اللّسان عن الصّدق كليل، و اللّازم للحقّ ذليل، أهله معتكفون على العصيان، مصطلحون على الإدهان، فتاهم عارم، و شائبهم آثم، و عالمهم منافق، و قارئهم مماذق، لا يعظّم صغيرهم كبيرهم، و لا يعول غنيّهم فقيرهم (54633- 54555).
اللغة:
(عكفت) بالمكان أى أقمت به ملازما له و اعتكف أي احتبس و توقّف و لبث و المعتكف علي العصيان أي الملازم المداوم عليه و الاعتكاف في الشّرع اللّبث في مكان مخصوص للعبادة على ما بيّن في محلّه من الشروط يقال (اصطلحوا) على ذلك أي اتفقوا عليه.
(الادهان): الغش و النفاق و المداراة و الكفر و الرّكون و اظهار خلاف ما تضمر كالمداهنة و المصانعة قال اللّه تعالى في القلم «وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ» و معنى الأخير هنا أشبه و انسب. (و الفتى) الشابّ الحدث.
و (العارم) الشرس الاشر سيئ الأخلاق الموذي البطر و جمعه عرمة كطالب و طلبة و الفعل من كرم و الاصول الثلاثة و (الشائب) من الشيب و هو بياض الشّعر مقابل الفتى. (القاري): الناسك المتعبد و قارئ القرآن الكريم و غيره من الصحف و لكن المراد ههنا هو الأوّل أعني الزاهد المتعبد لانّه في قبال العالم في قوله عليه السّلام: عالمهم منافق.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 33
(مذق) الودّ لم يخلصه و هو مذّاق، و ماذقه مذاقا و مماذقة في الودّ لم يخلص له فهو مماذق أي غير مخلص، و الضمير في يسعده و يمهله يعود إلى اللّسان و في امتنع و اتّسع يؤل إلى الانسان.
الاعراب:
جملة رحمكم اللّه معترضة وقع في البين، و جملة انكم اه في محلّ النصب مفعول اعلموا، و جملة القائل فيه بالحقّ قليل في محلّ الجرّ تكون صفة لزمان و الظرفان أعني فيه و بالحقّ متعلّقان بالقائل و الجملات العشر الاتية معطوفة على القائل فيه بالحق قليل فكلّها وقعت صفة لزمان. مصطلحون خبر بعد الخبر لأهله.
المعنى:
قوله عليه السّلام: (و اعلموا -رحمكم اللّه- أنكم في زمان القائل فيه بالحقّ قليل) الشيطان إذا استحوذ على أهل زمان يكون القائل فيه بالحقّ قليل قال عزّ من قائل- الانعام 155-: «وَ إِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَ لَوْ كانَ ذا قُرْبى» و قال تعالى
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 40
- الحج 33- «وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ» و لا يخفى انّه إذا اتصف أهل زمان بالصفات الالهيّة و تأدبوا بالاداب الملكوتيّة لا يعد واحد عن مسيره الاوسط و لا يميل إلى اليمين و الشمال لأن اليمين و الشمال مضلّة و الطريق الوسطى هي الجادّة و من كان قائده العقل يكون قوله صوابا و منطقه حقا و لا يبيع الحق بالباطل فإذا استحوذ الشيطان على أهل زمان لا بدّ أن يكون القائل فيه بالحقّ الا قليل من عباد اللّه المخلصين لا تلهيهم الدّنيا عن اللّه قليلا لانهم عبدة الشّيطان و الدّنيا و خدمة النّفس و الهوى فإذا اقبلت الدّنيا باى نحو من الانحاء يصرفون عن الحق و يعرضون عن الصّواب.
قوله عليه السّلام: (و اللّسان عن الصدق كليل) يمكن ان يفسر بوجهين:
الأوّل على ما بينا من ان الأعمال و الأقوال حاكيات عن الضمائر و السّرائر فإذا صار الإنسان تابع النّفس و الهوى فلا جرم انارة العقل مكسوف بطوع الهوى فما يصدر عن الإنسان حينئذ يكون من جنس ما هو مستكن فيه و العقل يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر و هو ما عبد به الرّحمن و اكتسب به الجنان فمتى صارت شمس العقل مكسوفة بظلّ الهوى فما ذا بعد الحقّ إلّا الضّلال فما يصدر عن ذلك الإنسان إلّا الضّلال.
الوجه الثّاني أن يقال إذا كان الأكثر من النّاس في زمان بمعزل من الحقّ لا سيما عند استيلاء الجهل و الظلم على المترفين و الزّعماء و الاكابر فحينئذ لا يقدر الرجل العابد الورع العاقل أن يكون صادقا في اموره و شئونه خوفا من شرار النّاس لكثرتهم و إيذائهم أهل الحقّ و الرّشاد فلسان أهل الحقّ في زمان كذا عن الصّدق كليل.
قوله عليه السّلام: (و اللازم للحقّ ذليل) لقلّتهم و ضعفهم بالنسبة إلى الباقين.
قوله عليه السّلام (أهله معتكفون على العصيان) أي لا زال انّهم ملازمون عليه لبعدهم عن الحق و ما ذا بعد الحق إلّا الضّلال.
قوله عليه السّلام (مصطلحون على الإدهان) أي متفقون على الغش و النّفاق و المصانعة و المداهنة لا يصدق قولهم فعلهم و ظاهرهم باطنهم.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 41
قوله عليه السّلام (فتاهم عارم) لأنّ أهل الزّمان إذا كانوا بغير قسط و عدل و كانت ظلمات الجهل غالبة و الفواحش و المناكر شائعة فالحياء يخفق من أرض اجتماعهم فحينئذ يصير فتيانهم شرسى الأخلاق عارين عن الحياء لأنّ رسوخ الفواحش فيهم أمكن و أسرع لأنّ القوى الحيوانيّة و الشّهوانيّة فيهم أشدّ و أقوى فإذا ذهب الحياء عن النّاس لا يبالون أي ما فعلوا لأنّ الحياء ملكة للنفس توجب انقباضها عن القبيح و انزجارها عن خلاف الاداب خوفا من اللّوم، و روى عن الرّضا عن آبائه عليهم السّلام انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال لم يبق من أمثال الأنبياء الّا قول النّاس: إذا لم تستحى فاصنع ما شئت.
قوله (و شائبهم آثم) لكونه متوغلا في الجهل و الغفلة بحيث لا يرى ان أجله انصرم و مهله انقطع حتّى يتنبّه من نوم الغفلة و يتدارك ما فات منه، نعوذ باللّه من سبات العقل، قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أبناء الأربعين زرع قد دنا حصاده، أبناء الخمسين ما ذا قدمتم و ما ذا أخرتم، أبناء الستّين هلمّوا إلى الحساب لا عذر لكم، أبناء السبعين عدوا أنفسكم من الموتى، و روى إذا بلغ الرّجل أربعين سنة و لم يتب مسح إبليس وجهه و قال: بأبي وجه لا يفلح.
و في «شيب» من سفينة البحار: عن إبراهيم بن محمّد الحسني قال بعث المأمون إلى أبي الحسن الرّضا عليه السّلام جارية فلمّا ادخلت إليه اشمأزت من الشيب فلما رأى كراهتها ردّها إلى المأمون و كتب إليه بهذه الأبيات:
نعى نفسي إلى نفسى المشيب و عند الشيب يتّعظ اللّبيب
فقد وليّ الشباب إلى مداه فلست أرى مواضعه تؤب
سأبكيه و أندبه طويلا و ادعوه إلىّ عسى يجيب
و هيهات الّذي قد فات منه تمنّيني به النّفس الكذوب
أرى البيض الحسان يحدن عنى و في هجرانهن لنا نصيب
فان يكن الشباب مضى حبيبا فان الشيب أيضا لي حبيب
سأصحبه بتقوى اللّه حتّى يفرّق بيننا الأجل القريب
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 42
و قال الشّيخ العارف السّعدى بالفارسيّة:
چون دوران عمر از چهل درگذشت مزن دست و پا كابت از سر گذشت
چو شيبت در آمد بروى شباب شبت روز شد ديده بر كن ز خواب
چو باد صبا بر گلستان وزد چميدن درخت جوان را سزد
نزيبد تو را با جوانان چميد كه بر عارضت صبح پيرى دميد
دريغا كه فصل جوانى گذشت بلهو و لعب زندگانى گذشت
دريغا چنان روح پرور زمان كه بگذشت بر ما چون برق يمان
دريغا كه مشغول باطل شديم ز حق دور مانديم و عاطل شديم
چه خوش گفت با كودك آموزگار كه كارى نكردى و شد روزگار
قوله عليه السّلام (و عالمهم منافق) أى يتّخذ علمه وسيلة لدنياه و فطنته ذريعة لهواه لا لإرجاع النّاس من الطرق المعوجة إلى الجادّة الوسطى و الصّراط المستقيم و ارشادهم من النقوش الباطلة إلى كتاب اللّه، وصفه دواء و قوله شفاء و فعله الداء العياء و يقول ما لا يفعل و ما يظهر يضاد ما يضمر و نعم ما قاله الشاعر:
يا أيّها الرّجل المعلّم غيره إلّا لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدّواء لذي السقام و الطّنى كيما يصحّ و أنت به سقيم
قال اللّه عزّ من قائل: «أَ تَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ» .
قوله عليه السّلام: (و قارئهم مماذق) أى عابدهم النّاسك المتعبد غير مخلص في عبادته لوجه اللّه بل هو مشوب بالرياء و هو بظاهره وجهه إلى اللّه و لكن قلبه إلى الناس و نعم ما نظمه العارف السّعدي:
آنكه چون پسته ديديش همه مغز پوست بر پوست بود همچو پياز
پارسايان روى بر مخلوق پشت بر قبله ميكنند نماز
قال اللّه عزّ و جلّ «فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً».
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 43
و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله انّ المرائى ينادي عليه يوم القيامة يا فاجر يا غادر يا مرائى ضلّ عملك و حبط أجرك اذهب فخذ أجرك ممّن كنت تعمل له.
و قال صلّى اللّه عليه و آله سيأتي على النّاس زمان تخبث فيه سرائرهم و تحسن فيه علانيتهم طمعا في الدّنيا لا يريدون به ما عند ربّهم يكون دينهم رياء لا يخالطهم خوف يعمهم اللّه بعقاب فيدعونه دعاء الغريق فلا يستجيب لهم.
و في ذمّ الرّياء آيات و روايات كثيرة يستفاد منها مطالب دقيقة أنيقة لعلّنا نبحث فيها في مباحثنا الاتية.
قوله عليه السّلام (لا يعظم صغيرهم كبيرهم) لقلة اعتداد صغيرهم بالاداب الشرعيّة و عدم التفاتهم إليها و لو كانوا متأدبين بها ليعظمونهم و يوقرونهم و يخفضون لهم جناح الذّل، لقد مضى منه عليه السّلام فى الخطب السالفة: ليتأس صغيركم بكبيركم و ليرؤف كبيركم بصغيركم و لا تكونوا كجفاة الجاهليّة لا في الدّين يتفقّهون و لا عن اللّه يعقلون كقيض بيض في اداح يكون كسرها وزرا و يخرج حضانها شرّا قوله عليه السّلام: (و لا يعول غنيهم فقيرهم) لبخلهم بمعروفهم و سيأتي عنه عليه السّلام ان قوام الدّنيا بأربعة: عالم مستعمل علمه و جاهل لا يستنكف أن يتعلّم و غنى لا يبخل بمعروفه و فقير لا يبيع آخرته بدنياه «إلى أن قال عليه السّلام»: و إذا بخل الغنى بمعروفه يبيع الفقير آخرته بدنياه، و سيأتي بياننا في سرّ الأخبار و الايات في ذلك و ما يستفاد منها من النكات الأخلاقية و المصالح الاجتماعيّة في تشريع الحقوق المالية في الأموال، و ليعلم الغنى البخيل القسىّ أنّ ماله يكون وبالا عليه لو لم يؤدّ حقّ الفقير من ماله كما يأتي بيانه و انّ المال اذا ادّى حقوقه ينمو و يكثر، قال عزّ من قائل «مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَ اللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ» (البقرة الاية 265) و فى الكافى عن أبى الحسن عليه السّلام) -و هو الكاظم- إنّ اللّه تعالى وضع الزكاة قوتا للفقراء و توفيرا لأموالكم، و قال العارف السعدي بالفارسيّة:
زكاة مال بدر كن كه فضله رز را چون باغبان ببرد بيشتر دهد انگور
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 44
ثمّ إنّه عليه السّلام كانّما ينظر بنا و يحكى عن زماننا حيث أصبحنا و الحقّ مهتضم و الدين مخترم، و كاد معالم الدين يؤذن بالمحو و الطمس، و لا يتكلّم فيه إلّا بالرمز و الهمس. و احاطت الظلمات بعضها فوق بعض و ما يرى سبيل الخروج، و كيف لا و أزمّة الامور بأيدي ذوات الفروج، و حماة الدّين بعضهم معتكف فى قعر السجون و بعضهم يفيض منه ماء الشجون، و اشباح الرّجال فى زىّ الرّجال، و النفوس الكرام فى صف النّعال، و النّاس عن الطريق القويم و الصّراط المستقيم لناكبون و فى إعلاء راية العدل لناكسون كانما على رؤوسهم الطير، و فى إحياء كلمة الحقّ لناكثون كأنّما جبلوا على اماتة الخير، و لعمرى لو لا انّهم قلقوا الوضين لما جعل كتاب اللّه عضين، و لو كانوا يقاتلون فى سبيل اللّه صفا كانّهم بنيان مرصوص، لما تسلّط عليهم اللّصوص، و لو قتلوا فى سبيل اللّه فالفوز بالشهادة، و لو سجنوا فالشغل بالعبادة، و لو نفوا فالنيل بالسياحة.
و نعم ما قال المتنبى:
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتّى يراق على جوانبه الدم
و يا سوء ما فعلوا فجعلوا القرآن عدل ما نسجت بالبطلان، و حسبوا و حى الرّحمن عكم ما اختلقه الشيطان. و ارتكبوا الفواحش ما ظهر منها و ما بطن فأين الفلاح و هو أبعد من بيض الأنوق، و رجعوا إلى الجاهليّة الاولى بالجدّ و لعلن فأين النجاح و هو أبعد من مناط العيّوق، و كم غدرة واضحة في الدّين و كم، و فظّت الاخلاق و الرسوم و الشيم، كلّا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون، فاتخذوا كتاب اللّه وراء ظهورهم سخريا و بدين اللّه يلعبون و يستهزؤن، اللّه يستهزىء بهم و يمدّهم في طغيانهم يعمهون، فإذا رأيت أن الزّمان دار بنا و الحال كما ترى تذكرت ما أجاد أبو العلاء و تمنى.
إذا عيّر الطائىّ بالبخل مادر و قرّع قسّا بالفهاهة باقل
و قال السّها للشّمس أنت خفيّة و قال الدّجى يا صبح لونك خامل
و فاخرت الارض السّماء سفاهة و كاثرت الشهب الحصا و الجنادل
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 45
فيا موت زر إن الحياة ذميمة و يا نفس جدّي إنّ دهرك هازل
و لا تحسبنّ اللّه غافلا عمّا يعمل الظّالمون و سيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون، و قال عزّ من قائل تبشيرا للمؤمنين و تبكيتا للمعاندين «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ» و لا أدرى ألا سمع الخصم الألدّ قول قاصم الجبارين: «يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ اللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ» و قوله قهر و علا: «كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَ رُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ».
الترجمة:
بدانيد -خدا شما را رحمت كناد- كه در زمانى بسر مى بريد گوينده حق در آن كم است و زبان از راستى كند است، و ملازم حق خوار است، أهل آن زمان بر معصيت مقيمند و بر مداهنت و مصانعت متفق، جوان ايشان بد خو و بى شرم و پير ايشان گناهكار، عالم ايشان منافق و عابد ايشان در دوستى بحق مرائى و غير خالص، كوچك ايشان بزرگ را تعظيم نمى كند، و توانگر تهى دست را نفقه نمى دهد.