منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 124
و من وصيته عليه السّلام لعسكره بصفين و كلامه هذا هو المختار الرابع عشر من باب كتبه و رسائله عليه السّلام لا تقاتلوهم حتّى يبدءوكم فإنّكم بحمد اللّه على حجّة، و ترككم إيّاهم حتّى يبدءوكم حجّة أخرى لكم عليهم. فإذا كانت الهزيمة بإذن اللّه فلا تقتلوا مدبرا؛ و لا تصيبوا معورا؛ و لا تجهزوا على جريح؛ و لا تهيجوا النّساء بأذى و إن شتمن أعراضكم، و سببن أمرائكم فإنّهنّ ضعيفات القوى و الأنفس و العقول. إن كنّا لنؤمر بالكفّ عنهنّ و إنّهنّ لمشركات. و إن كان الرّجل ليتناول المرأة في الجاهليّة بالفهر أو الهراوة فيعيّر بها و عقبه من بعده. (57043- 56965)
بيان مصادر الوصية و اسنادها بطرق كثيرة من الفريقين و نقل نسخها:
قد رواها الفريقان في الجوامع الروائية بأسناد عديدة و صور كثيرة متفاوتة و في بعضها زيادة لم يذكرها الرضيّ رحمه اللّه.
فقد رواها نصر بن مزاحم المنقري الكوفي المتوفّى سنة 212 ه في كتاب صفين (ص 106 من الطبع الناصري) حيث قال: نصر عمر بن سعد و حدّثني رجل عن عبد اللّه بن جندب، عن أبيه أنّ عليّا عليه السّلام كان يأمرنا في كلّ موطن لقينا معه عدوّه يقول: لا تقاتلوا القوم حتّى يبدءوكم فانّكم بحمد اللّه على حجّة و ترككم إيّاهم
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 125
حتّى يبدءوكم حجّة اخرى لكم عليهم، فإذا قاتلتموهم فهزمتموهم فلا تقتلوا مدبرا و لا تجهزوا على جريح، و لا تكشفوا عورة، و لا تمثلوا بقتيل، فإذا وصلتم إلى رحال القوم فلا تهتكوا سترا، و لا تدخلوا دارا إلّا بإذني، و لا تأخذوا شيئا من أموالهم إلّا ما وجدتم في عسكرهم، و لا تهيجوا امرأة إلّا باذني، و إن شتمن أعراضكم و تناولن امراءكم و صلحاءكم فانّهنّ ضعاف القوى و الأنفس و العقول و لقد كنّا و إنّا لنؤمر بالكفّ عنّهنّ و انّهنّ لمشركات و إن كان الرجل ليتناول المرأة في الجاهليّة بالهراوة و الحديد فيعيّر بها عقبه من بعده.
و في الجامع الكافي لثقة الاسلام الكلينيّ قدّس سرّه المتوفّى سنة 329 ه كتاب الجهاد (ص 338 طبع 1315 ه): و في حديث عبد اللّه بن جندب، عن أبيه أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام كان يأمر في كلّ موطن لقينا فيه عدوّنا فيقول: لا تقاتلوا القوم حتّى يبدءوكم فانّكم بحمد اللّه على حجّة، و ترككم إيّاهم حتّى يبدءوكم حجّة لكم اخرى فإذا هزمتموهم فلا تقتلوا مدبرا، و لا تجيزوا على جريح و لا تكشفوا عورة و لا تمثلوا بقتيل. (الوافي ص 19 ج 9).
و في مروج الذهب للمسعوديّ المتوفى 346 ه (ص 9 ج 2 طبع مصر 1346 ه) قام عليّ عليه السّلام (يعني في حرب الجمل) فقال: أيّها النّاس إذا هزمتموهم فلا تجهزوا على جريح، و لا تقتلوا أسيرا، و لا تتبعوا موليا، و لا تطلبوا مدبرا، و لا تكشفوا عورة، و لا تمثلوا بقتيل، و لا تهتكوا سترا، و لا تقربوا من أموالهم إلّا ما تجدونه في عسكرهم من سلاح أو كراع أو عبد أو أمة و ما سوى ذلك فهو ميراث لورثتهم على كتاب اللّه.
و قد روى أبو جعفر محمّد بن جرير بن يزيد الطبريّ المتوفّى 310 ه في تاريخه (ص 6 ج 4 طبع مصر) بإسناده عن عبد الرّحمن بن جندب الأزديّ، عن أبيه أنّ عليّا عليه السّلام كان يأمرنا في كلّ موطن لقينا معه عدوّه يقول: لا تقاتلوا القوم- إلى آخر ما نقلنا عن نصر- فإنّ الروايتين متّحدتان تقريبا، على أنّ رواية الطبري قد نقلناها في شرح المختار 236 (ص 222 ج 15) و في البحار نقلا عن الكافي: و في
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 126
حديث عبد الرّحمن بن جندب، عن أبيه أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام كان يأمر- إلخ (ص 624 ج 8 من الطبع الكمباني).
و أقول: يشبه أن يكون عبد اللّه بن جندب حرّف في تاريخ الطبريّ بعبد الرّحمن بن جندب، لأنّ نصرا و الكلينيّ رويا هذه الرواية عن عبد اللّه بن جندب، عن أبيه بلا اختلاف و رواها الطبريّ عن ابن جندب، عن أبيه أيضا و صورة الرواية في الجميع واحدة و لو لا عبد الرّحمن مكان عبد اللّه في التاريخ لكانت صورة السند أيضا واحدة.
و في الجامع الكافي ايضا (ص 338 من كتاب الجهاد طبع 1315 ه): و في حديث مالك بن أعين قال: حرّض أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه الناس بصفّين فقال:
إنّ اللّه عزّ و جلّ قد دلّكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم و تشفى بكم على الخير:
الايمان باللّه، و الجهاد في سبيل اللّه؛ و جعل ثوابه مغفرة للذّنب، و مساكن طيّبة في جنّات عدن. و قال جلّ و عزّ: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ» (الصف- 5) فسوّوا صفوفكم كالبنيان المرصوص فقدّموا الدّارع، و أخّروا الحاسر، و عضّوا على النواجد فانه أنبأ للسيوف عن الهام. و التووا أطراف الرماح فانّه أمور للأسنّة. و غضّوا الأبصار فانه أربط للجاش و أسكن للقلوب. و أميتوا الأصوات فانه أطرد للفشل و أولى بالوقار. و لا تميلوا براياتكم و لا تزيلوها و لا تجعلوها إلّا مع شجعانكم فانّ المانع للذّمار و الصابر عند نزول الحقائق أهل الحفاظ. و لا تمثلوا بقتيل. و إذا وصلتم إلى رحال القوم فلا تهتكوا سترا. و لا تدخلوا دارا. و لا تأخذوا شيئا من أموالهم إلّا ما وجدتم في عسكرهم.
و لا تهيجوا امرأة بأذىّ و إن شتمن أعراضكم و سببن أمراءكم و صلحاءكم فانّهنّ ضعاف القوى و الأنفس و العقول و قد كنّا نؤمر بالكفّ عنهنّ و هنّ مشركات و ان كان الرجل ليتناول المرأة فيعيّربها و عقبه من بعده. و اعلموا أنّ أهل الحفاظ هم الذين يحفّون براياتهم و يكتنفونها و يصيرون حفافيها و وراءها و أمامها و لا يضيعونها.
لا يتأخّرون عنها فيسلّموها. و لا يتقدّمون عليها فيفردوها. رحم اللّه امرأ واسى
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 127
أخاه بنفسه و لم يكل قرنه إلى أخيه فيجتمع عليه قرنه و قرن أخيه فيكتسب بذلك الّائمة و يأتي بدناءة و كيف لا يكون كذلك و هو يقاتل اثنين و هذا ممسك يده قد خلّى قرنه على أخيه هاربا منه ينظر إليه و هذا فمن يفعله يمقته اللّه فلا تعرّضوا لمقت اللّه عزّ و جلّ فانما ممرّكم إلى اللّه و قد قال اللّه عزّ و جلّ: «لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَ إِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا» (الأحزاب- 17) و أيم اللّه لئن فررتم من سيوف العاجلة لا تسلمون من سيوف الاجلة فاستعينوا بالصبر و الصدق فانما ينزل النصر بعد الصبر فجاهدوا في اللّه حقّ جهاده و لا قوّة إلّا باللّه (الوافي ص 19 ج 9).
أقول: قد أتى الرضيّ رحمه اللّه ببعض هذا الحديث المنقول من الكافي في المختار 122 من باب الخطب أوّله: فقدّموا الدارع و أخّروا الحاسر- إلخ. و سيأتي نقل روايات اخرى في ذلك في المختار 16 من هذا الباب إنشاء اللّه تعالى.
ثمّ على روايتي الكافي كانت الوصيّة ملفّقة منهما صدرها من حديث عبد اللّه بن جندب و ذيلها من حديث مالك بن أعين.
اللغة:
«يبدءوكم» مهموز اللّام من البدأ يقال: بدأ الشى و به يبدأ بدءا من باب منع أى افتتحه و قدّمه و البدأ و البدىء: الأوّل. و منه قولهم افعله بادىء بدء على وزن فعل، و بادىء بديء على وزن فعيل أي أوّل شيء.
«الحجّة» بالضمّ: الدّليل و البرهان. و الجمع حجج و حجاج. قال تعالى: «قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ» (الأنعام- 149) تقول: حاجّة فحجّه أي غلبه بالحجّة. و احتجّ على خصمه أي ادّعى و أتى بالحجّة. و احتجّ بالشيء جعله حجّة و عذرا له. و قال الراغب في المفردات: الحجة الدلالة المبيّنة للحجّة أي المقصد المستقيم، و الّذي يقتضي صحّة أحد النقيضين.
«الهزيمة» هزم العدوّ هزما من باب ضرب أي كسرهم و فلّهم. و هزمت
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 128
الجيش هزما و هزيمة فانهزموا أي وقعت عليهم الهزيمة. قال الراغب في المفردات:
اصل الهزم غمز الشيء اليابس حتى ينحطم كهزم الشّنّ، و هزم القثّاء و البطيخ و منه الهزيمة لأنه كما يعبّر عنه بذلك يعبّر عنه بالحطم و الكسر، قال تعالى: «فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ - جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ». و أصابته هازمة الدهر أي كاسرة كفاقرة. و هزم الرعد تكسّر صوته.
«معور» من العورة. قال الجوهريّ في الصحاح: العورة كلّ خلل يتخوّف منه في ثغر أو حرب، و عورات الجبال شقوقها. و هذا مكان معور أي يخاف فيه القطع.
و قال ابن الأثير في النهاية: كلّ عيب و خلل في شيء فهو عورة و منه حديث عليّ عليه السّلام و لا تجهزوا على جريح و لا تصيبوا معورا. اعور الفارس إذا بدا فيه موضع خلل للضّرب فيه. انتهى.
و قد أعور لك الصيد و أعورك: أمكنك: قال تأبّط شرا (الحماسة 77).
أقول للحيان و قد صفرت لهم و طابي و يومي ضيّق الحجر معور
و قال المرزوقيّ في شرحه: و معور من أعور لك الشيء اذا بدت لك عورته و هي موضع المخافة. قال اللّه تعالى في الحكاية عن المنافقين لما قعدوا عن نصرة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: إنّ بيوتنا عورة، أي واهية يجب سترها و تحصينها بالرجال و كما قيل: يوم معور قيل: مكان معور أي مخوف. و يقال: عور المكان إذا صار كذلك. و قال بعضهم: كلّ ما طلبته فأمكنك فقد أعورك و أعور لك.
كنايه [معور] العورة: سوأة الإنسان، و ذلك كناية و أصلها من العار و ذلك لما يلحق في ظهوره من العار أي المذمّة و لذلك سمّي النساء عورة و من ذلك العوراء للكلمة القبيحة. قاله الراغب في المفردات في غريب القرآن.
«و لا تجهزوا على جريح» الجريح فعيل بمعنى المفعول أي المجروح و هو المصاب بجرح، جمعه جرحى كقتيل و قتلى. يستوي فيه المذكّر و المؤنث يقال: رجل جريح و امرأة جريح.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 129
أجهز على الجريح اجهازا أي شدّ عليه و أسرع و أتمّ قتله.
و في الصحاح أجهزت على الجريح إذا أسرعت قتله و قد تمّمت عليه، و لا تقل أجزت على الجريح. انتهى.
أقول: و تردّه رواية الجامع الكافي المتقدّمة «و لا تجيزوا على جريح».
و روايته الاخرى باسناده، عن عبد اللّه بن شريك، عن أبيه قال: لما هزم الناس يوم الجمل قال أمير المؤمنين عليه السّلام: لا تتبعوا مولّيا و لا تجهزوا على جريح و من أغلق بابه فهو آمن، فلما كان يوم صفين قتل المقبل و المدبر و أجاز على الجريح الحديث. و روايته الاخرى عن الصادق عليه السّلام: و جريحهم يجاز عليه (ص 18 ج 9 من الوافي) و الاجازة على الجريح كالاجهاز عليه معنى.
قال ابن الأثير في النهاية: و فيه- يعنى في الحديث- هل تنتظرون إلّا مرضا مفسدا أو موتا مجهزا أي سريعا يقال: أجهز على الجريح يجهز إذا أسرع قتله و منه حديث عليّ عليه السّلام لا يجهز على جريحهم أى من صرع منهم و كفى قتاله لا يقتل لأنّهم مسلمون و القصد من قتالهم دفع شرّهم فاذا لم يمكن ذلك إلّا بقتلهم قتلوا و منه حديث ابن مسعود انه أتى على أبي جهل و هو صريع فأجهز عليه. انتهى.
ثمّ إنّ ما عليه أهل اللغة و ما ذهب اليه فقهاء الفريقين في الكتب الفقهية و شرّاح الأحاديث أنّ كلمة تجهزوا و يجهز و امثالهما في المقام مشتقة من الإجهاز إلا أن كلمة تجهزوا مشكولة في نسخة مخطوطة من النهج قوبلت بنسخة السيد الرضيّ رضي اللّه عنه بفتح الجيم و كسر الهاء المشدّدة أعنى أنها مأخوذة من التجهيز و لكنّ الوجه الأوّل أنسب و أصوب و لذا اخترناه في المتن:
«لا تهيجوا» في بعض النسخ مشكولة بضم التاء و فتح الهاء و كسر الياء المشدّدة من التّهييج، و في بعضها بضمّ التاء و كسر الهاء من الإهاجة، و نسخة الرضيّ رضوان اللّه عليه مشكولة بفتح التاء و كسر الهاء يقال: هاج الشيء يهيج هيجا و هياجة و هياجا و هيجانا أي ثار و انبعث، و هاج الشيء و بالشيء أثاره و بعثه يتعدّى و لا يتعدّى. و كذا يقال: هيّج الشيء تهييجا إذا أثاره و بعثه إلّا أنّ كثرة
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 130
المباني تدلّ على كثرة المعاني فلا بدّ في التهييج من زيادة الهيجان و مبالغته و تكثيره و الظاهر أنّه لا حاجة في المقام إلى المبالغة و التكثير. و أمّا القراءة الثانية فما وجدت لها معنى يناسب المقام و أظنّها مصحّفة فقراءة الرضيّ متعيّنة.
«أعراضكم» الأعراض جمع العرض بكسر العين المهملة و سكون الراء أحد معانيه النفس يقال: أكرمت عنه عرضي أي صنت عنه نفسي.
قال عتبة بن بجير الحارثي (باب الاضياف من الحماسة، الحماسة 674):
فقام أبو ضيف كريم كأنّه و قد جدّ من فرط الفكاهة مازح
إلى جذم مال قد نهكنا سوامه و أعراضنا فيه بواق صحائح
قال المرزوقيّ في الشرح: يعني بأبى الضيف نفسه، و جعله كالمازح المفاكه لما أظهره من التطلق و البشاشة و اظهار السرور بما يأتي من توفير الضيافة و الاحتفال فيه و ايناس الضيف و البسط منه محتفّا بالضيافة، و يريد بالقيام غير الّذي هو ضدّ القعود و إنّما يريد به الاشتغال له بما يؤنّسه و يرحّب منزله و يطيّب قلبه، على ذلك قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا...»، لأنّه لم يرد القيام المضادّ للعقود بل أراد التهيّوء و التشمّر له، و الجذم: الأصل، و معنى نهكنا سوامه أثرنا في السائمة من المال بما عوّدناها من النحر و التفريق و يقال: نهكه المرض إذا أضرّ به، و قوله: و أعراضنا فيه بواق صحائح أي نفوسنا باقية على حدّها من الظّلف و الصّيانة، لم تشنها الأفعال الذميمة، و لا كسرتها التكاليف المبخّلة فهي سليمة لا آفة بها و لا عار يكتنفها، و إن كانت أموالنا مشفوهة مفرّقة، انتهى ملخّصا.
و في الصحاح: يقال فلان نقيّ العرض أي بريء من أن يشتم أو يعاب، و قد قيل: عرض الرجل حسبه، انتهى.
أقول: كثيرا مّا يستعمل العرض في الحسب و منه قول بشامة بن الغدير:
دافعت عن أعراضها فمنعتها و لديّ في أمثالها أمثالها
ذوو العرض من القوم أي أشرافهم، و فلان عرب العرض أي لئيم الأسلاف و العرض ما يفتخر الانسان به من حسب أو شرف و ما يصونه الانسان من نفسه أو سلفه
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 131
أو من يلزمه أمره أو موضع المدح و الذّم منه.
«الفهر» بالكسر الحجر ملء الكفّ يذكّر و يؤنّث و الجمع أفهار و قيل هو الحجر مطلقا، و في الحديث: لمّا نزلت تبّت يدا أبي لهب، جاءت امرأته و في يدها فهر، نقله ابن الأثير في النهاية، قال مزرّد بن ضرار (البيان و التبيين ج 3 ص 77):
فجاء على بكر ثفال يكدّه عصاه استه و جء العجاية بالفهر
البكر الفتى من الابل، و الثفال: البطىء، الوجء: الضرب، العجاية:
العصب يضرب حتّى يلين، أي جاء على بكر ثقيل في مشيه و لم يكن له عصا يضربه بها حتّى يسير بل يحرّك و يضرب استه عليه بشدّة نحو ضرب العجاية بالفهر.
«الهراوة» بالكسر: العصاء الضخمة جمعها الهراوى بالفتح كالمطايا: تقول:
هروته و تهريّته إذا ضربته بها، قال فضالة بن شريك الأسدي (ص 15 ج 3 من البيان و التبيين):
دعا ابن مطيع للبياع فجئته إلى بيعة قلبي لها غير آلف
فناولني خشناء لمّا لمستها بكفّي ليست من أكفّ الخلائف
من الشّثنات الكزم أنكرت مسّها و ليست من البيض الرّقاق اللّطائف
معاودة حمل الهراوى لقومها فرورا إذا ما كان يوم التّسايف
و في هامشه: و كان من خبر الشعر أنّ عبد اللّه بن الزبير كان قد ولّى عبد اللّه ابن مطيع الكوفة فكان ينشر الدّعوة و يتقبّل البيعة لابن الزبير، حتّى إذا نهض المختار بن أبي عبيد و دعا لنفسه، طرد عن الكوفة فيمن طرد عبد اللّه بن مطيع فقال فضالة الشعر، و قد رواه أبو الفرج في الأغاني (10: 164) برواية أبسط.
و اعلم أنّ جمع الهراوة و الاداوة و أمثالهما كان قياسه هراوي و اداوي على وزن فعائل نحو رسالة و رسائل لكنّهم تجنّبوه و فعلوا به ما فعلوا بالمطايا و الخطايا و جعلوا فعائل فعالى و أبدلوا هنا الواو لتدلّ على انّه قد كانت في الواحدة و او ظاهرة قالوا أداوى و هراوى فهذه الواو بدل من الألف الزائدة في أداوة و هراوة و الألف
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 132
الّذي في آخر الأداوى و الهراوى بدل من الواو الّتي في أداوة و هراوة و الزموا الواو هاهنا كما الزموا الياء في المطاياء قاله الجوهريّ في أدو من الصحاح.
«عقبه» عقب الرجل ولده و ولد ولده و فيها لغتان عقب و عقب بالتسكين و هي مؤنثة عن الأخفش كما في صحاح الجوهريّ جمعها أعقاب.
الاعراب:
الفاء في فانّكم لتعليل النهي عن القتال بدوا، على حجة خبر لانّ بحمد اللّه معترضة، حجة خبر للترك و اخرى صفة للحجة، لكم و عليكم متعلّقان بها، الفاء في فلا تقتلوا جواب إذا، بأذى متعلّق بلا تهيجوا، الواو في و إن شتمن للوصل و سببن عطف على شتمن، و الفاء في فانّهنّ لتعليل النهي عن هيجانهنّ بأذى إن في إن كنّا مخفّفة عن المثقّلة و فيه ضمير الشأن و تلزم اللّام خبرها فرقا بينها و بين إن النافية، الواو في و انهن للحال، الواو في و إن كان عطف على إن كنّا، و إن هذه مخفّفة من المثقّلة أيضا و قيل للشرط و هو وهم، و اللّام في خبرها كالأولى و يعيّر فعل مجهول ضميره يرجع إلى الرجل، و عقبه مرفوعة بيعيّر بالعطف أعني أنّها معطوفة على الضمير المستكن المرفوع في فيعيّر.
و لما كان الضمير المرفوع المتّصل بارزا كان أو مستترا ينزل من عامله منزلة الجزء فالعطف عليه لا يحسن في فصيح الكلام إلّا بعد توكيده بتوكيد لفظي مرادف له بأن يكون بضمير منفصل نحو قوله تعالى: «لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَ آباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ» (الأنبياء 54) و «اسْكُنْ أَنْتَ وَ زَوْجُكَ الْجَنَّةَ» (البقرة- 35) أو بتوكيد معنوي كقول الشاعر:
دعوتم أجمعون و من يليكم برؤيتنا و كنّا الظافرينا
أو بعد فاصل أيّ فاصل كان بين المعطوف عليه و المعطوف نحو قوله تعالى: «جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَ مَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ». (الرعد 23) و كقول الأمير عليه السّلام.
فيعيّر بها و عقبه من بعده. أو بعد فصل بلا النافية بين حرف العطف و المعطوف نحو قوله تعالى: «لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا وَ لا آباؤُنا» (الأنعام 148).
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 133
المعنى:
قد علم بما قدّمنا من مصادر هذه الوصيّة أنّ رواية نصر و الطبري هي أقرب الروايات إليها متنا من غيرها لكن روايتهما لم تخصّها بصفين بل رويا عن جندب انّه قال: انّ عليّا عليه السّلام كان يأمرنا في كلّ موطن لقينا معه عدوّه يقول تلك الوصيّة و قد نصّ الرضيّ بأنّه عليه السّلام وصّى بها عسكره بصفين، نعم انّ للكلينيّ قدّس سرّه فيها روايتين ذكر في إحداهما انّه عليه السّلام قالها بصفّين كما دريت إلّا أنّ روايته هذه تشمل على ذيل هذه الوصيّة من قوله عليه السّلام: و لا تهيجوا امرأة بأذى- إلى آخرها.
و الّذي يسهّل الخطب أنّ كلام الرضيّ لا يدلّ على الحصر و التخصيص و قد اتّفق الرواة و تظافرت الروايات في أنّه عليه السّلام كان يأمرهم في كلّ موطن لقيهم العدوّ بها.
و العدوّ الخارج على الإمام المعصوم عليه السّلام إن كان من المسلمين يعرف في كتاب الجهاد من الكتب الفقهيّة بالباغي، و من هذه الوصيّة و ممّا نتلوها عليك إن شاء اللّه تعالى يعلم طائفة من أحكام القتال مع البغاة.
و من البغاة الخارجين على أمير المؤمنين عليه السّلام أصحاب الجمل حاربوه في البصرة و أتباع معاوية حاربوه في صفين، و الخوارج حاربوه في نهروان.
و عن عليّ عليه السّلام انّه قال: امرت بقتال الناكثين و القاسطين و المارقين ففعلت ما امرت.
و قد مرّ قوله في أواخر الخطبة القاصعة: و قد أمرني اللّه بقتال أهل البغي و النكث و الفساد في الأرض فأمّا الناكثون فقد قاتلت، و أمّا القاسطون فقد جاهدت و أمّا المارقة فقد دوّخت- إلخ.
و كذا قوله عليه السّلام في الخطبة الشقشقيّة: فلمّا نهضت بالأمر نكثت طائفة، و مرقت اخرى، و فسق آخرون كأنّهم لم يسمعوا كلام اللّه سبحانه حيث يقول: «تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَ لا فَساداً وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ» (القصص- 83)
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 134
بلى و اللّه لقد سمعوها و وعوها و لكنّهم حليت الدّنيا في أعينهم وراقهم زبرجها- إلخ.
و في المجلس الخامس عشر من أمالي الطوسيّ قدّس سرّه في حديث طويل أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال لامّ سلمة: يا امّ سلمة! اسمعي و اشهدي هذا عليّ بن أبي طالب سيّد المسلمين و إمام المتّقين و قائد الغرّ المحجّلين و قاتل الناكثين و القاسطين و المارقين، قلت: يا رسول اللّه من الناكثون؟ قال صلّى اللّه عليه و اله: الّذين يبايعون بالمدينة و ينكثون بالبصرة. قلت: و من القاسطون؟ قال صلّى اللّه عليه و اله: معاوية و أصحابه من أهل الشام. قلت: و من المارقون؟ قال صلّى اللّه عليه و اله: أصحاب نهروان. الحديث.
فالناكثون أصحاب الجمل لأنّهم نكثوا بيعتهم، و القاسطون أهل الشام أتباع معاوية لأنّهم جاروا في حكمهم و بغوا عليه، و المارقون الخوارج لأنّهم مرقوا من الدّين كما يمرق السهم من الرمية.
و قد روى نصر بن مزاحم في صفين (ص 176 من الطبع الناصري) في حديث طويل دار بين أبي اليقظان عمّار بن ياسر رحمهما اللّه تعالى و بين عمرو بن عاص في وقعة صفين أنّ أبا اليقظان قال له: و ساخبرك على ما قاتلتك عليه أنت و أصحابك أمرني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أن اقاتل الناكثين و قد فعلت، و أمرني أن اقاتل القاسطين فأنتم هم، و أمّا المارقين فما أدرى أدركهم أم لا، أيّها الأبتر أ لست تعلم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال لعليّ: من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ و ال من والاه و عاد من عاداه- إلخ.
و قال الشارح المعتزلي في شرح النهج: روى إبراهيم بن ديزيل الهمدانيّ في كتاب صفين عن يحيى بن سليمان، عن يحيى بن عبد الملك بن حميد بن أبي غنيّة «1» عن أبيه، عن إسماعيل بن رجا، عن أبيه، و محمّد بن فضيل، عن الأعمش، عن إسماعيل بن رجا، عن أبي سعيد الخدري رحمه اللّه قال: كنّا مع
______________________________
(1) قد حرفت كلمة غنية في النسخ، و الصواب أنها بفتح الغين المعجمة و كسر النون و تشديد التحتانية كما في تقريب التهذيب لابن حجر. منه.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 135
رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فانقطع شسع نعله فألقاها إلى عليّ عليه السّلام يصلحها، ثمّ قال:
إنّ منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله، فقال أبو بكر: أنا هو يا رسول اللّه؟ قال: لا، فقال عمر بن الخطّاب: أنا هو يا رسول اللّه؟ قال: لا و لكنّه ذاكم خاصف النعل و يد عليّ عليه السّلام يصلحها، قال أبو سعيد: فأتيت عليّا عليه السّلام فبشّرته بذلك فلم يحفل به كأنّه شيء قد كان علمه من قبل. نقله عنه المجلسي رحمه اللّه في ثامن البحار ص 457.
أقول: الخبر المرويّ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بأنّ أمير المؤمنين عليّا عليه السّلام يقاتل بعده الناكثين و القاسطين و المارقين ممّا اتّفقت عليه الامّة و قد روي في جوامع الفريقين بوجوه عديدة و طرق كثيرة و قد أفرد في فتن البحار بابا لذلك (ص 454 ج 8) فهذا الخبر الدالّ على الاخبار الصريح بالغيب من معجزاته و دلائل نبوّته و هذا ممّا لا تخالجه شكوك و لا تمازجه ظنون.
و انّما يعرف الخارج على الإمام العادل بالباغي لقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله عمّار ابن ياسر رحمهما اللّه: انّما تقتلك الفئة الباغية، و هذا الخبر ممّا اتفقت الامّة على نقله و قد مضى الكلام فيه من أنّ هذا الحديث لا تناله يد الانكار، و قد رواه البخاري و المسلم في صحيحهما و قال الحافظ السيوطي انّه من الأخبار المتواترة و نقله أكثر من عشرة من الصحابي. فراجع إلى شرح المختار 236 من الخطب في ترجمة عمّار (ج 15 ص 273- 299).
و لقوله تعالى: «وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيء إِلى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَ أَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ» (الحجرات- 10).
إن قلت: فالاية تدلّ على أنّ الخارجين على الإمام العادل مؤمنون و أنتم قد ذهبتم في المباحث السالفة إلى أنّهم كافرون و ادّعيتم على أنّه مذهب الجلّ من الإماميّة فكيف التوفيق و ما جوابك عن الاية؟
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 136
قلت: أوّلا الاية لا تدلّ على أنّهما إذا اقتتلا بقيا على الإيمان و يطلق عليهما هذا الاسم و لا يمتنع أن يفسق إحدى الطائفتين أو تفسقا جميعا- كما في تفسير المجمع- إلّا أنّ الأدلّة القطعيّة لما كانت ناطقة بعصمة أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام و انه حجّة اللّه على خلقه و خليفة رسوله و أنّ الفسق لا يتطرّق عليه أبدا علمنا أنّه عليه السّلام كان باقيا على الإيمان و ما كان باغيا على أحد بل الباغي غيره.
و ثانيا أنّه تعالى انّما سمّى البغاة مؤمنين في الظاهر كما قال: «وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ. يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَ هُمْ يَنْظُرُونَ» (الأنفال- 7) و هذه صفة المنافقين بلا خلاف فالاية لا تدلّ على أنّ البغاة على الإيمان واقعا.
و ثالثا أنّ خبر الأسياف أعني خبر حفص بن غياث المروي في الكافي و التهذيب و تفسير عليّ بن إبراهيم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام دالّ على أنّ الخارج على الامام العادل باغ بالمعنى الّذي ذهبنا إليه و قد أشهد الإمام عليه السّلام الاية على ذلك المعنى و لا بأس بنقل الخبر و إن كان طويلا لاشتماله على فوائد كثيرة من أحكام الجهاد و وجوهه و غيرها، روى الكلينيّ في كتاب الجهاد من الكافي بإسناده عن المنقري، عن حفص بن غياث، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سأل رجل أبي صلوات اللّه عليه عن حروب أمير المؤمنين عليه السّلام و كان السائل من محبّينا فقال له أبو جعفر عليه السّلام: بعث اللّه محمّدا صلّى اللّه عليه و اله بخمسة أسياف: ثلاثة منها شاهرة فلا تغمد حتّى تضع الحرب أوزارها و لن تضع الحرب أوزارها حتّى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت الشمس من مغربها امن النّاس كلّهم في ذلك اليوم فيومئذ «لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً»، و سيف منها مكفوف، و سيف منها مغمود سلّه إلى غيرنا و حكمه إلينا.
و أمّا السيوف الثلاثة الشاهرة فسيف على مشركي العرب قال اللّه عزّ و جلّ: «فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَ خُذُوهُمْ وَ احْصُرُوهُمْ وَ اقْعُدُوا لَهُمْ» -يعني آمنوا- «فَإِنْ تابُوا وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ» فهؤلاء
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 137
لا يقبل منهم إلّا القتل أو الدخول في الإسلام و أموالهم و ذراريهم سبى على ما سنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فانّه سبى و عفى و قبل الفداء.
و السيف الثاني على أهل الذّمّة قال اللّه تعالى: «وَ قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً» نزلت هذه الاية في أهل الذمّة ثمّ نسخها قوله عزّ و جلّ «قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ لا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَ لا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ لا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ» فمن كان منهم في دار الإسلام فلن يقبل منهم إلّا الجزية أو القتل و مالهم فيء و ذراريهم سبى و إذا قبلوا الجزية على أنفسهم حرم علينا سبيهم، و حرمت أموالهم، و حلّت لنا مناكحتهم، و من كان منهم في دار الحرب حلّ لنا سبيهم و أموالهم، و لم تحل لنا مناكحتهم و لم يقبل منهم إلّا الدّخول في دار الإسلام أو الجزية أو القتل.
و السيف الثالث سيف على مشركي العجم يعني التّرك و الديلم و الخزر قال اللّه عزّ و جلّ في أوّل السورة الّتي يذكر فيها الّذين كفروا فقصّ قصّتهم ثمّ قال:
«فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها» فأمّا قوله: فامّا منّا بعد يعني بعد السبي منهم، و امّا فداء يعني المفاداة بينهم و بين أهل الإسلام فهؤلاء لن يقبل منهم إلّا القتل أو الدخول في الإسلام و لا تحلّ لنا مناكحتهم ما داموا في دار الحرب.
و أمّا السيف المكفوف فسيف على أهل البغي و التأويل قال اللّه عزّ و جلّ: «وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيء إِلى أَمْرِ اللَّهِ» فلمّا نزلت هذه الاية قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: إنّ منكم من يقاتل بعدي على التأويل كما قاتلت على التنزيل فسئل النبيّ صلّى اللّه عليه و اله من هو؟ فقال: هو خاصف النعل يعني أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه، و قال عمّار بن ياسر: قاتلت بهذا الراية مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ثلاثا و هذه الرابعة و اللّه لو ضربونا حتّى يبلغوا بنا السعفات من هجر لعلمنا أنّا على الحقّ و أنّهم على الباطل، و كانت السيرة فيهم من أمير المؤمنين عليه السّلام ما كان من رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله في أهل مكّة يوم
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 138
فتح مكّة فانّه لم يسب لهم ذريّة و قال: من أغلق بابه فهو آمن، و من ألقى سلاحه فهو آمن؛ و كذلك قال أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه يوم البصرة نادى فيهم لا تسبوا لهم ذرّية، و لا تجهزوا على جريح، و لا تتبعوا مدبرا، و من أغلق بابه و ألقى سلاحه فهو آمن.
و أمّا السيف المغمود فالسيف الّذي يقوم به القصاص قال اللّه عزّ و جلّ: «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ» فسلّه إلى أولياء المقتول و حكمه إلينا فهذه السيوف الّتي بعث اللّه محمّدا صلّى اللّه عليه و اله فمن جحدها أو جحد واحدا منها أو شيئا من سيرها و أحكامها فقد كفر بما أنزل اللّه على محمّد صلّى اللّه عليه و اله. انتهى الخبر الشريف و سيأتي بياننا فيه إن شاء اللّه تعالى.
و رابعا بعد الاغماض عن الاستشهاد بالاية على هذا المعنى، و التمسك بهذا الخبر في بيانها علمنا أيضا أنّ من حارب الإمام العادل كافر بالأدلّة الّتي اشرنا إلى طائفة منها في المجلّد الأوّل من هذه التكملة (ص 367- 379) و في المجلّد الثالث منها (ص 76) فراجع. و سيأتي طائفة من الروايات الاخرى المنقولة عن أئمّة الدّين الدالّة علي ذلك في شرح المختار 16 من هذا الباب إن شاء اللّه تعالى.
و نزيدك بصيرة بنقل ما أفاده علم الهدى في الانتصار (ص 127 طبع طهران 1315) قال قدّس سرّه: و ممّا انفردت به الإمامية القول بأنّ من حارب الإمام العادل و بغى عليه و خرج عن التزام طاعته يجري مجرى محارب النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و خالف طاعته في الحكم عليه بالكفر و إن اختلف أحكامهما من وجه آخر في المدافعة (المدافنة- خ) و الموارثة و كيفيّة الغنيمة من أموالهم و خالف باقي الفقهاء في ذلك و ذهب المحصّلون منهم و المحقّقون إلى أن محاربي الإمام العادل فسّاق تجب البراءة منهم و قطع الولاية لهم من غير انتهاء إلى التكفير. و ذهب قوم من حشو أصحاب الحديث إلى أنّ الباغي مجتهد و خطاءه يجري مجرى الخطاء في سائر مسائل الاجتهاد. و الّذي يدلّ على صحّة ما ذهبنا إليه إجماع الطائفة.
و أيضا فإنّ الإمام عندنا يجب معرفته و تلزم طاعته كوجوب (لوجوب- خ)
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 139
المعرفة بالنبيّ صلّى اللّه عليه و اله، و لزوم طاعته كالمعرفة باللّه تعالى و كما أنّ جحد تلك المعارف و التشكيك فيها كفر كذلك هذه المعرفة.
و أيضا فقد دلّ الدّليل على وجوب عصمة الإمام من كلّ القبائح و كلّ من ذهب إلى وجوب عصمته ذهب إلى كفر الباغي عليه و الخالف لطاعته، و التفرقة بين الأمرين خلاف إجماع الامّة.
فإن قيل: لو كان ما ذكرتم بالغا إلى حدّ الكفر لوجب أن يكون مرتدّا أو أن تكون أحكامه أحكام المرتدّين و أجمعت الامّة على أنّ أحكام الباغي تخالف أحكام المرتدّ و كيف يكون مرتدّا و هو يشهد الشهادتين، و يقوم بالعبادات؟
قلنا: ليس يمتنع أن يكون الباغي له حكم المرتدّ في الإنسلاخ عن الإيمان و استحقاق العقاب (العذاب- خ) العظيم و إن كانت الأحكام الشرعية في مدافنه و موارثه و غير ذلك تخالف أحكام المرتدّ، كما كان الكافر الذّمي مشاركا للحربي في الكفر و الخروج عن الإيمان و إن اختلفت أحكامهما الشرعيّة.
فأمّا إظهار الشهادتين فليس بدالّ على كمال الإيمانّ ألا ترى أنّ من أظهرهما و جحد وجوب الفرائض و العبادات لا يكون مؤمنا بل كافرا و كذلك إقامة بعض العبادات من صلاة و غيرها، و من جحد أكثر العبادات و أوجبها من طاعة إمام زمانه و نصرته لم ينفعه أن يقوم بعبادة اخرى و غيرها.
و أمّا ما تذهب إليه قوم من غفلة الحشوية من عذر الباغي و إلحاقه بأهل الاجتهاد فمن الأقوال البعيدة من الصواب، و من المعلوم ضرورة أنّ الامّة اطبقت في الصدر الأوّل على ذمّ البغاة على أمير المؤمنين عليه السّلام و محاربته و البراءة منهم و لم يقم لهم أحد في ذلك عذرا و هذا المعنى قد شرحناه في كتبنا و فرغناه و بلغنا فيه النهاية و هذه الجملة ههنا كافية.
فان اعترض المخالف على ما ذكرناه بالخبر الّذي يرويه معمّر بن سليمان عن عبد الرّحمن بن الحكم الغفاري، عن عديسة بنت أهبان بن صيفي قالت: جاء عليّ عليه السّلام إلى أبي فقال: ألا تخرج معنا؟ قال: ابن عمّك و خليلك أمرني إذا
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 140
اختلف الناس أن أتّخذ شيئا من خشب.
أو بالخبر الّذي يروي عن أبي ذرّ رحمة اللّه عليه أنّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:
كيف بك إذا رأيت أحجار الزيت و قد غرقت بالدّم؟ قال: قلت: ما اختار اللّه لي و رسوله، قال: تلحق، أو قال: عليك بمن أنت منه، قال: قلت: أفلا آخذ بسيفي و أضعه على عاتقي؟ قال: شاركت القوم إذا، قلت فما تأمرني يا رسول اللّه؟ قال:
ألزم بيتك، قلت: فإن دخل على بيتي؟ قال: فإن خفت أن يبهرك شعاع السيف فألق رداءك على وجهك يبوء بإثمه و إثمك.
قلنا: هذان الخبران و أمثالهما لا يرجع بهما عن المعلوم و المقطوع بالأدلّة عليه بلا دليل و هي معارضة بما هو أظهر منها و أقوى و أولى من وجوب قتال الفئة الباغية و نصرة الحقّ و معونة الإمام العادل و لو لم يرو في ذلك إلّا ما رواه الخاص و العام و الوليّ و العدوّ من قوله عليه السّلام: حربك يا عليّ حربي و سلمك يا عليّ سلمي، و قد علمنا أنّه عليه السّلام لم يرد أنّ نفس هذه الحرب تلك بل أراد تساوي تلك الأحكام فيجب أن يكون أحكام محاربيه هي أحكام محاربي النبيّ صلّى اللّه عليه و اله إلّا ما خصّصه الدّليل.
و ما روي أيضا من قوله: اللّهمّ انصر من نصره و اخذل من خذله.
و لأنّه عليه السّلام لما استنصره في قتال أهل الجمل و صفين و نهروان أجابته الامّة بأسرها و وجوه الصحابة و أعيان التابعين و سارعوا إلى نصرته و معونته (معاونته- خ) و لم يحتجّ أحد عليه بشيء ممّا تضمّه هذان الخبران الخبيثان الضعيفان.
على أنّ الخبر الأوّل قد روي على خلاف هذا الوجه لأنّ أهدم بن الحارث (كذا) قال: قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يا أهبان (كذا) أما أنّك إن بقيت بعدي سترى في أصحابي اختلافا فان بقيت إلى ذلك اليوم فاجعل سيفك يا أهبان من عراجين، و قد يجوز أن يريد عليه السّلام بالاختلاف الّذي يرجع إلى القول و المذاهب دون المقاتلة و المحاربة.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 141
على أنّ هذا الخبر ما يمنع من قتال أهل الردّة عند بغيهم و مجاهرتهم فهو أيضا غير مانع من قتال كلّ باغ و خارج عن طاعة الامام.
فأمّا الخبر الثّاني فممّا يضعفه أن أبا ذرّ رحمة اللّه عليه لم يبلغ إلى وقعة أحجار الزيت لأنّ ذلك انّما كان محمّد بن عبد اللّه بن الحسن في أوّل أيّام (يوم- خ) المنصوب و أبو ذرّ مات في أيّام عثمان فكيف يقول له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: كيف بك في وقت لا يبقى إليه.
على أنّ أبا ذرّ رضي اللّه عنه كان معروفا بانكار المنكر بلسانه و بلوغه فيه أبعد الغايات و المجاهدات في إنكاره و كيف يسمع من الرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ما يقتضى خلاف ذلك. انتهى كلامه قدّس سرّه.
ثمّ اعلم أنّ القوم ذهبوا إلى أنّ في الاية خمس فوائد: إحداها أنّ البغاة على الإيمان لأنّ اللّه سمّاهم مؤمنين.
الثانية وجوب قتالهم فقال: فقاتلوا الّتي تبغى.
الثالثة القتال إلى غاية و هو أنّ يفيئوا إلى أمر اللّه بتوبة أو غيرها.
الرابعة أنّ الصلح إذا وقع بينهم فلا تبعة على أهل البغي في دم و لا مال لأنّه ذكر الصلح أخيرا كما ذكره أوّلا و لم يذكر تبعة فلو كانت واجبة ذكرها.
الخامسة أنّ فيها دلالة على أنّ من كان عليه حقّ فمنعه بعد المطالبة به حلّ قتاله فانّ اللّه لما أوجب قتال هؤلاء لمنع حقّ كان كلّ من منع حقّا بمثابتهم و على كلّ أحد قتالهم.
أقول: أمّا الاولى فقد دريت ما فيها، و علمت أنّ تسميتهم البغاة ليس بالمعنى الّذي مال إليه بعضهم من انّه ليس بذمّ و لا نقصان و هم أهل الاجتهاد اجتهدوا فأخطئوا بمنزلة طائفة خالفوا من الفقهاء أو بالمعنى الاخر الّذي مال إليها بعض آخر منهم من أنهم فسّاق تجب البراءة منهم و قطع الولاية لهم من غير انتهاء إلى الكفر، بل الّذي بالمعنى ذهبنا إليه من أنّ تسميتهم بذلك ذمّ و كفر، و قد استدلّ عليه أيضا بقوله تعالى: «وَ إِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَ طَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ» (التوبة آية 12).
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 142
و بقوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ لا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ» (المائدة 60).
و قد مضى وجه الاستدلال بهما في شرح المختار 236 من الخطب (ص 377 ج 1 من التكملة).
و قد روى الفريقان أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله قال يوم خيبر: لأعطينّ الراية غدا رجلا يحبّ اللّه و رسوله و يحبّه اللّه و رسوله كرّارا غير فرّار، فتبصّر.
و بقوله تعالى: «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَ الْمُنافِقِينَ وَ اغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ» (التوبة 74).
و ذلك لأنّ المنافق من ظاهره الإسلام و كذلك الباغي لإظهاره الاسلام و خروجه عنه ببغيه على إمامه فهو حقيق باسم النفاق، و لذلك قال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله لعليّ عليه السّلام لا يحبّك إلّا مؤمن تقيّ و لا يغضك إلّا منافق شقيّ رواه النسائي في صحيحه و رويناه أيضا نحن في أخبارنا، و من يحاربه لا يحبّه قطعا فيكون منافقا و هو المطلوب، و لا يلزم من عدم جهاد النبيّ صلّى اللّه عليه و اله للمنافقين عدم ذلك بعده.
و أمّا الثانية فصحيح، و قد يستدلّ أيضا على قتال البغاة بقوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» (النساء 59) بعموم وجوب طاعة اولى الأمر.
و أمّا الثالثة فكالثانية.
و أمّا الرابعة فليست بصحيحة عندنا الإماميّة فانّ الباغي إذا أتلف مالا أو نفسا ضمنه نعم إن كان المتلف من أهل العدل فلا ضمان عليه لأنّ اللّه تعالى أوجب على أهل العدل قتالهم فكيف يوجب عليه القتال و يوجب عليه الضمان إذا أتلف مالا لهم أو قتل نفسا منهم، كما إذا أتلف الحربيّ مالا أو نفسا من أموال المسلمين
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 143
و نفوسهم ثمّ أسلم فانّه لا يضمن و لا يقاد لقوله تعالى: «قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَ إِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ» (الأنفال 40) و لخبر الجبّ.
و تفصيل هذه الأحكام موكول على الفقه و البحث عنها يوجب التطويل و الخروج عن موضوع الكتاب، على أنّ الجهاد مشروط بحضور الإمام العادل و أمره و هو أعلم بأحكام اللّه من غيره.
و أمّا الخامسة فكاالرّابعة لأنّ العلّة الّتي ذكروها لجواز القتال مستنبطة ليست بحجّة، و لأنّ الحقوق متفاوتة فلا يوجب قتال البغاة لمنع حقّ خاص، قتال كلّ من منع حقّا من الحقوق.
على أنّ الاية كما أفاد شيخ الطائفة قدّس سرّه في المبسوط خطاب للامّة دون آحاد الامّة و ليس من حيث قال: فقاتلوا الّتي تبغى فأتى بلفظ الجمع ينبغي أن يتناول الجميع لأنّ ذلك يجري مجرى قوله: «و السارق و السارقة فاقطعوا أيديهما» و لا خلاف أنّ هذا خطاب للامّة و نحن و إن وجبت علينا طاعة الإمام في قتال هؤلاء فإنّ قتالنا تبع لقتال الإمام و ليس لنا الانفراد بقتالهم.
و أمّا ما وعدنا من بيان خبر الأسياف فنقول: قوله عليه السّلام: شاهرة أي مجرّدة من الغمد. قوله: حتّى تضع الحرب أوزارها أي حتّى تنقضي لأنّ أهلها يضعون أسلحتهم حينئذ، و سمّي السلاح وزرا لأنّه ثقل على لابسه، أو لأنّ أصل الوزر ما يحمله الانسان فسميّ السلاح أوزارا لأنّه يحمل قال الأعشى:
و أعددت للحرب أوزارها رماحا طوالا و خيلا ذكورا
و من نسج داود يحدوبها على أثر الحيّ عيرا فعيرا
قوله عليه السّلام: حتّى تطلع الشمس من مغربها، قد جاءت روايات في علامات ظهور الإمام القائم عليه السّلام نقلها المحقّق الفيض قدّس سرّه في الوافي (ص 106- 114 من ج 2) و المحدّث الجليل المجلسي في البحار (ج 13 ص 150- 172 من الطبع الكمباني) و أتى بطائفة منها الشيخ الأجل المفيد في الارشاد (ص 336 طبع طهران 1377 ه) منها طلوع الشمس من المغرب.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 144
و كذلك قد جاءت روايات اخرى في أشراط الساعة و قيام القيامة منها طلوع الشمس من المغرب، ففي الخرائج و الجرائح للراونديّ (ص 195 طبع ايران 1301 ه):
قال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله: عشر علامات قبل الساعة لا بدّ منها: السفياني، و الدّجال، و الدخان، و خروج القائم، و طلوع الشمس من مغربها، و نزول عيسى بن مريم. الحديث و في أوّل كتاب الجهاد من المبسوط لشيخ الطائفة قدّس سرّه أنّه روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله أنّه قال: لا تنقطع الهجرة حتّى تنقطع التّوبة و لا تنقطع التّوبة حتّى تطلع الشمس من مغربها.
فإن كانت كلمة امن في قوله عليه السّلام فإذا طلعت الشمس من مغربها امن الناس فعلا ثانيا مجرّدا فالمراد أنّ الحرب لن تضع أوزارها حتّى أن يظهر الإمام القائم عليه السّلام لأنّ اللّه يملا به الأرض عدلا بعد ما ملئت جورا و ظلما، روى عليّ ابن عقبة، عن أبيه قال: إذا قام القائم عليه السّلام حكم بالعدل و ارتفع في أيّامه الجور و أمنت به السبل و أخرجت الأرض بركاتها وردّ كلّ حق إلى أهله و لم يبق أهل دين حتّى يظهروا الاسلام و يعترفوا بالإيمان- إلخ (الإرشاد ص 343).
لكنّ الصواب أنّ الكلمة فعل ماض من الإيمان بقرينة قوله: فيومئذ لا ينفع نفسا إيمانها- إلخ. و هذا اشارة إلى قوله تعالى: «يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً» (الأنعام- 160).
و انّما لم ينفعها إيمانها حينئذ لأنّ باب التوبة ينسدّ بظهور آيات القيامة، و أنّ التكليف يزول عند ظهورها، و قال عزّ من قائل: «قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَ لا هُمْ يُنْظَرُونَ» (السجدة- 30)، و قال تعالى: «فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَ كَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ. فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا» (آخر الغافر).
ثمّ إنّه عليه السّلام جعل السيوف الشاهرة مقابلة جهاد أهل البغي و معلوم أنّ جهاد
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 145
أهل البغي إنّما يكون بإذن الإمام عليه السّلام فهو جار إذا كان الإمام حاضرا باسط اليد، و أمّا جهاد غيرهم من المشركين فالظاهر من قوله عليه السّلام ثلاثة منها شاهرة دالّ على جواز قتالهم في زمان الغيبة أيضا و في الحديث كما في مجمع البيان في تفسير سورة محمّد صلّى اللّه عليه و اله عن النبيّ: و الجهاد ماض مذ بعثني اللّه إلى أن يقاتل آخر امّتي الدّجال، لكنّ جهادهم لمّا كان مشروطا بوجود الإمام أو من نصبه كما حقّق في محلّه فالمراد أنّها شاهرة إلى قيام الساعة إذا خيف على بيضة الإسلام إلّا أنّه لا يكون جهادا بل كان دفاعا و قد تجب المحاربة على وجه الدّفع من دون حضور الإمام أو من نصبه إذا خيف كذلك.
قوله عليه السّلام على أهل الذّمة، أهل الذّمة هم اليهود و النصارى و المجوس و إنّما يجب جهادهم إذا أخلّوا بشرائط الذّمة.
قوله عليه السّلام: و إذا قبلوا الجزية على أنفسهم حرم علينا سبيهم، و حرمت أموالهم، و حلّت لنا مناكحتهم . و اعلم أنّه لا خلاف في عدم جواز نكاح غير الكتابية للمسلم و أمّا في جواز الكتابيّة فقد اختلفت الأقوال فيه و أتى بها العلّامة قدّس سرّه في المختلف قال: قال المفيد رحمه اللّه: نكاح الكافرة محرّم سواء اليهود و النصارى و المجوس و اطلق النكاح مع أنّه قسّمه أوّلا إلى نكاح المتعة و الدائم و ملك اليمين و مقتضى هذا تحريم الجمع.
و قال الصدوق في المقنع: و لا يتزوّج اليهوديّة و النصرانيّة على حرّة متعة و غير متعة. و روى هذا اللّفظ في كتاب من لا يحضره الفقيه عن أبي بصير، عن الصادق عليه السّلام، ثمّ روى عن الحسن التفليسي، عن الرّضا عليه السّلام أنّه سأله يتمتّع الرّجل من اليهوديّة و النصرانيّة؟ قال: يتمتّع.
و سوّغ الشيخ في النهاية التمتّع باليهوديّة و النصرانيّة دون من عداهما من ضروب الكفّار و مقتضاه تحريم المجوسيّة.
و قال سلّار: يجوز نكاح الكتابيّات متعة.
و قال ابن إدريس: لا بأس أن يعقد على اليهوديّة و النصرانيّة هذا النكاح في حال الإختيار فأمّا من عدا هذين الجنسين من سائر أصناف الكفّار سواء كانت
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 146
مجوسيّة أو غيرها، كافرة أصل أو مرتدّة، أو كافرة ملّة فلا يجوز العقد عليها و لا وطيها حتّى تتوب من كفرها.
و قال شيخنا أبو جعفر في نهايته: يكره التمتّع بالمجوسيّة و ليس ذلك بمحظور و هذا خبر أورده إيرادا لا اعتقادا لأنّ اجماع أصحابنا بخلافه.
و شيخنا المفيد في مقنعته يقول: لا يجوز العقد على المجوسيّة و قوله تعالى: «وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ» و قوله تعالى: «وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَ » و هذا عام و خصّصنا اليهوديّة و النصرانيّة بدليل الإجماع و بقى الباقي على عمومه.
انتهى ما أردنا من نقل كلامه من المختلف.
أقول: الأصل في المسألة قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَ لا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَ آتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَ سْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَ لْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ» (الممتحنة- 11).
و قوله تعالى: «وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَ لَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَ لَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَ لا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَ لَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَ لَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَ اللَّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَ الْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَ يُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ» (البقرة 221 و 222).
و قوله تعالى: «وَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ» (النساء- 31) و كذلك قوله تعالى: «لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ» (الحشر- 21) و نحوها من آيات اخرى.
فالاية الاولى دلّت أوّلا على عدم جواز رجوع الزّوجة إذا أسلمت إلى زوجها الكافر، و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يمتحن من جاءه من المؤمنان مهاجرات من دار الكفر إلى دار الإسلام ثمّ يحبسها و يعطى أزواجهنّ مهورهنّ.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 147
و ثانيا على أنّ المؤمنات لسن بحلّ للكفّار و أنّ الكفّار لا يحلّون لهنّ فهي دالّة على منع النكاح مطلقا سواء كانا يهوديين أو نصرانيّين أو مجوسيين أو غيرها من أقسام الكفّار، و سواء كان النكاح دائما أو مؤجلا أو ملك يمين.
و ثالثا على تحريم نكاح المسلم الكوافر بقوله «و لا تمسكوا بعصم الكوافر» و عمومها شامل على جميع أقسام الكفر و على جميع أقسام النكاح.
و في مجمع البيان: قال الزهريّ: و لما نزلت هذه الاية و فيها قوله: «و لا تمسكوا بعصم الكوافر» طلّق عمر بن الخطّاب امرأتين كانتا له بمكّة مشركتين قرينة بنت أبي اميّة بن المغيرة فتزوّجها بعده معاوية بن أبي سفيان و هما على شركهما بمكّة، و الاخرى ام كلثوم بنت عمرو بن جرول الخزاعيّة امّ عبد اللّه بن عمر فتزوّجها أبو جهم بن حذافة بن غانم رجل من قومه و هما على شركهما.
و كانت عند طلحة بن عبيد اللّه أروى بنت ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ففرّق بينهما الاسلام حين نهى القرآن عن التمسّك بعصم الكوافر و كان طلحة قد هاجر و هي بمكة عند قومها كافرة، ثمّ تزوّجها في الاسلام بعد طلحة خالد بن سعيد بن العاص ابن اميّة و كانت ممّن فرّت إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله من نساء الكفّار فحبسها و زوّجها خالدا.
و أميمة بنت بشر كانت عند ثابت بن الدحداحة ففرّت منه و هو يومئذ كافر إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فزوّجها رسول اللّه سهل بن حنيف فولدت عبد اللّه بن سهل.
قال الشعبيّ و كانت زينب بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله امرأة أبي العاص بن الربيع فأسلمت و لحقت بالنبيّ في المدينة و أقام أبو العاص مشركا بمكّة ثمّ أتى المدينة فأمنته زينب ثمّ أسلم فردّها عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله.
و قال الجبائيّ: لم يدخل في شرط صلح الحديبيّة إلّا ردّ الرجال دون النساء و لم يجر للنساء ذكر و إنّ امّ كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط جاءت مسلمة مهاجرة من مكّة فجاء أخواها إلى المدينة فسألا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ردّها عليهما فقال رسول اللّه
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 148
انّ الشرط بيننا في الرجال لا في النساء فلم يردّها عليهما. قال الجبائي: و إنّما لم يجر هذا الشرط في النساء لأنّ المرأة إذا أسلمت لم تحلّ لزوجها الكافر فكيف تردّ عليه و قد وقعت الفرقة بينهما.
و الاية الثانية دالّة صريحة أيضا على عدم جواز نكاح المشركات أي الكافرات و كذا على عدم جواز نكاح المشركين أي الكافرين و اليهود و النصارى من المشركين قال عزّ من قائل: «وَ قالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَ قالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ. اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَ رُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَ ما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ» (التوبة- 32) فسمّاهم مشركين نعم انّ الظاهر من قوله: «خير من مشركة» و كذا «خير من مشرك» يومئ إلى جواز نكاح المشركة للمسلم و نكاح المشرك للمسلمة فتأمّل.
ثمّ انّه تعالى علق النهي على الغاية الّتي هي الإيمان و التعليق يدلّ على اشتراط الايمان في النكاح، ثمّ أكّد ذلك بقوله اولئك يدعون إلى النّار لأنّ الغالب أنّ الزوج يدعو زوجته إلى النّار بل ربّما يدعو أحدهما صاحبه إلى النّار و يأخذ أحد الزوجين من دين الاخر.
قال في المجمع: و هي- يعني هذه الاية- عامّة عندنا في تحريم مناكحة جميع الكفّار من أهل الكتاب و غيرهم و ليست بمنسوخة و لا مخصوصة.
و الاية الثالثة دلّت على المطلوب أيضا حيث وصف الفتيات بالمؤمنات أي لا يجوز نكاح الفتيات الكافرات إن لم يستطع الناكح طولا. كما أنّها دالّة على تحريم نكاح الكافرة الحرّة عليه إن لم يستطع طولا حيث لم يجوّز مع عدم الاستطاعة بالمحصنات أي المؤمنات الحرائر نكاح الحرّة من الكافرات.
و الرابعة تدلّ بظاهرها على نفي التساوي في جميع الأحكام الّتي من جملتها المناكحة.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 149
إن قلت: قد دلّت آية اخرى على جواز نكاح الكتابيات و هي قوله تعالى: «الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَ طَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَ طَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَ لا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ وَ مَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ» (المائدة- 8) فكيف التوفيق؟
قلت: قد نهت الايات المتقدّمة عن نكاح الكوافر كما دريت و قد يجوز حمل هذه الاية على من أسلم منهنّ و من الجائز أن فرّق الشرع قبل ورود الاية بين المؤمنة الّتي لم تكن قطّ كافرة، و بين من كانت كافرة ثمّ آمنت ففي بيان ذلك و الجمع بين الأمرين في الإباحة فائدة، كما في الانتصار، و قد حكى الطبرسيّ في مجمع البيان عن أبي القاسم البلخي أنّ قوما كانوا يتحرّجون من العقد على من أسلمت عن كفر فبيّن سبحانه أنّه لا حرج في ذلك فلهذا أفردهنّ بالذكر.
و ان قيل: إنّ ظاهر الاية و سياقها في مقام الامتنان و التسهيل فتأبى عن ذلك الحمل.
قلنا: إنّ النكاح على ثلاثة أقسام: نكاح المتعة، و الدائم، و ملك اليمين و قد نطق القرآن الكريم بنكاح المتعة في قوله: «وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ» (النساء- 25) و هو المنقول عن غير واحد من الصحابة و التابعين و جماعة معروفة الأقوال منهم أمير المؤمنين عليه السّلام و عبد اللّه بن عبّاس و عبد اللّه بن مسعود و مجاهد و عطا و انّهم يقرءون «فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى فاتوهنّ اجورهنّ» و قد روي عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري و سلمة بن الأكوع و أبي سعيد الخدري و المغيرة بن شعبة و سعيد بن جبير و ابن جريح انّهم كانوا يفتون بها و قد أجاز الأئمّة من أهل البيت عليهم السّلام نكاح الكتابيات متعة لا دائما و أهل البيت أدرى بما فيه فالاية باقية على الامتنان و التسهيل غاية الأمر أنّها تبيّن حكم نكاح واحد من بين الثلاثة و لا ضير فيه فانّ نكاح المتعة نكاح، و على هذا المعنى يحمل ما روى أنّ عمّارا نكح نصرانيّة، و نكح طلحة نصرانيّة، و نكح حذيفة يهوديّة.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 150
على انّه قد ورد روايات على انّها منسوخة بقوله تعالى: «وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ» و قوله تعالى: «وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَ» ففي الكافي بإسناده عن ابن رئاب، عن زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن قول اللّه سبحانه: «الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَ طَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا...»؟ قال: هذه منسوخة بقوله: «وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ».
و فيه بإسناده عن ابن فضّال. عن الحسن بن الجهم قال: قال لي أبو الحسن الرّضا عليه السّلام: يا ابا محمّد! ما تقول في رجل يتزوّج نصرانية على مسلمة؟ قلت: جعلت فداك و ما قولي بين يديك؟ قال: لتقولنّ فانّ ذلك تعلم به قولي، قلت: لا يجوز ترويج نصرانيّة على مسلمة و لا على غير مسلمة، قال: و لم؟ قلت: لقول اللّه عزّ و جلّ: «وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَ» ، قال: فما تقول: في هذه الاية: «وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ» ؟ قلت: فقوله: «وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ» نسخت هذه الاية فتبسّم ثمّ سكت.
إنّ في نسخ الاية بالايتين كلاما و هو أنّ الفريقين رووا عدّة روايات في أنّ المائدة آخر سورة نزلت و آية تحليل نكاح الكتابيات منها و تقديم الناسخ على المنسوخ نزولا ليس بصحيح، ففي الإتقان للسيوطي: أخرج الترمذي و الحاكم عن عائشة قالت: آخر سورة نزلت المائدة فما وجدتم فيها من حلال فاستحلّوه- الحديث.
و في مجمع البيان: روى العياشيّ بإسناده، عن عيسى بن عبد اللّه، عن أبيه عن جدّه، عن عليّ عليه السّلام قال: كان القرآن ينسخ بعضه بعضا و إنّما يؤخذ من أمر رسول اللّه صلّى اللَّه عليه و اله بأخذه و كان من آخر ما نزل عليه سورة المائدة نسخت ما قبلها و لم ينسخها شيء- إلخ.
لكن غير واحدة من الروايات ناطقة بأنّ آخر السورة نزولا ليس المائدة ففي الاتقان: أخرج مسلم عن ابن عبّاس قال: آخر سورة نزلت إذا جاء نصر اللّه و الفتح، و أخرج الترمذي و الحاكم عن عبد اللّه بن عمر قال: آخر سورة نزلت
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 151
سورة المائدة و الفتح- يعني إذا جاء نصر اللّه، و في حديث عثمان المشهور براءة من آخر القرآن نزولا، و في مجمع البيان للطبرسيّ في تفسير سورة هل أتى أنّ التّوبة آخر سورة نزولا و نزلت المائدة قبلها.
أقول: سلمنا أنّ المائدة ليست آخر السورة نزولا أمّا أنّ نزولها كان بعد البقرة فلا كلام فيه بل في المجمع في تفسير السورة المذكورة أنّ البقرة أوّل سورة نزلت بالمدينة فالإشكال في تقديم الناسخ على المنسوخ باق بحاله، اللّهم إلّا أن يقال يجوز أن يكون نزول الايتين الناسختين في البقرة بعد نزول الاية المنسوخة في المائدة إلّا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله جعلها بأمر اللّه تعالى في ذلك الموضع من سورة المائدة كما أنّ آية: «وَ اتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ» آخر آية نزلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فجعلها رأس الثمانين و المائتين من البقرة بأمر الأمين جبرائيل عليه السّلام كما في المجمع و الكشاف و أنوار التنزيل و غيرها. فتأمّل.
و بالجملة لو لم نقل بنسخ الاية لكانت بيانا لنكاح المتعة و تجويزه كما دريت.
و لقائل أن يقول: إنّ قوله تعالى في البقرة: «وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَ» - الاية غير الكتابيّة من عبدة الأوثان و غيرهم من الّذين ليس لهم كتاب بدليل الافتراق بينهما في قوله تعالى: «ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَ لَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ» - الاية (البقرة 100) و قوله تعالى: «لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَ الْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ» (البيّنة- 2).
قلت: قد دلّت الاية المتقدّمة من التوبة على أنّ اليهود و النصارى من المشركين و افتراقهما في آية لعناية خاصّة لا يدلّ على عدم كون أهل الكتاب مشركين.
و بالجملة القول بجواز نكاح الكتابيّة للمسلم بالدوام مشكل جدّا و أمّا نكاحها متعة أعني مؤجّلا، أو ملك يمين فلا بأس به.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 152
و روايات الباب طائفة منها صريحة في أنّ نكاح الكافرة سواء كانت عابدة وثن أو مجوسيّة أو يهوديّة أو نصرانيّة محرّم منها رواية ابن الجهم المتقدّمة المنقولة عن الكافي.
و فيه أيضا بإسناده عن ابن رئاب، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: لا ينبغي نكاح أهل الكتاب، قلت: جعلت فداك و أين تحريمه؟ قال: قوله: «وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ».
و فيه بإسناده، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: لا ينبغي للمسلم أن يتزوّج يهوديّة و لا نصرانيّة و هو يجد مسلمة حرّة أو أمة.
و اخرى منها تجوز النكاح لكنّها يحتمل وجوها من التأويل كما اشار إليها شيخ الطائفة في التهذيب منها أن تكون هذه الأخبار خرجت مخرج التقيّة لأنّ كلّ من خالفنا يذهب إلى إباحة ذلك فيجوز أن تكون هذه الأخبار وردت وفقا لهم.
و منها أن تكون هذه الأخبار تناولت إباحة من لا تكون مستبصرة معتقدة للكفر متديّنة به بل تكون مستضعفة فانّ نكاح من يجري هذا المجرى جائز.
و منها أن يكون ذلك إباحة في حال الضرورة و عند عدم المسلمة و يجري ذلك المجرى إباحة الميتة و الدم عند الخوف على النفس.
و منها أن تكون هذه إباحة في العقد عليهنّ عقد المتعة و إن شئت تفصيلها فعليك بالتهذيب.
ثمّ إنّ في خبر الأسياف تفصيلا آخر في المقام و هو أنّ أهل الذّمة إذا قبلوا الجزية حلّت للمسلم مناكحتهم و أمّا إذا كانوا في دار الحرب فلا.
و مثله مرويّ عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله أيضا ففي تفسير القمّي انّه صلّى اللّه عليه و اله قال: و إنّما يحلّ نكاح أهل الكتاب الّذين يؤدّون الجزية و غيرهم لم تحلّ مناكحتهم.
أقول: الخبران يدلّان على جواز نكاحهم مع انعقاد الذمّة و إنّما لم يجز بدونه لأنّهم حينئذ محاربون فيشملهم الأحكام الواردة على المحاربين.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 153
قوله عليه السّلام: فلن يقبل منهم إلّا الجزية أو القتل- إلخ.
أقول: أهل الكتاب أي اليهود و النصارى يجوز إقرارهم على دينهم ببذل الجزية و كذا حكم من لهم شبهة كتاب أي المجوس فيقرون على دينهم ببذل الجزية و متى امتنع أهل الكتاب من بذل الجزية قوتلوا و سبيت ذراريهم و نساءهم و أموالهم تكون فيئا و أمّا من لا كتاب له و لا شبهة كتاب من عباد الأصنام و الأوثان و الكواكب و غيرهم فلا يقرّون على دينهم ببذل الجزية.
قوله عليه السّلام: و السيف الثالث سيف على مشركي العجم- إلخ.
أقول: لما ذكر الإمام عليه السّلام في هذا الخبر أحكام أهل الذّمة على حدة علم انّ المراد من مشركي العرب و العجم سوى أهل الكتاب منهما و هذا واضح و إنّما الكلام في ذكر كلّ من مشركي العرب و العجم منفردا و ذلك لأنّ أحكام المشركين الّذين ليس لهم كتاب واحدة و لا تختلف أحكامها باختلاف البلاد و الأقاليم و الألسنة و لم نجد في الكتب الفقهيّة من تعرّض بالتفصيل و التفريق بين مشركي العرب و العجم و ما نعلم سبب انفراد مشركي العجم بالذكر إلّا أنّ العلّامة المجلسي قدّس سرّه قال في مرآة العقول: و إنّما أفرده عليه السّلام (يعني السيف الثالث) بالذكر لعلمه بأنّ قوله تعالى: «فَضَرْبَ الرِّقابِ» نزل فيه و المخاطب بالقتال فيه امّة النبيّ صلّى اللّه عليه و اله لأنّه لم يقاتلهم و إنّما قاتلهم اللّه. انتهى فتأمّل.
قوله عليه السّلام: فسيف على أهل البغي و التأويل- و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: إنّ منكم من يقاتل بعدي على التأويل كما قاتلت على التنزيل.
أقول: في حديث عليّ عليه السّلام ما من آية إلّا و علّمني تأويلها أي معناها الخفيّ الّذي هو غير المعنى الظاهري لما تقرّر من أنّ لكلّ آية ظهرا و بطنا و المراد أنّه صلّى اللّه عليه و اله اطلعه على تلك الخفيّات المصونة و الأسرار المكنونة. قاله الطريحي في مجمع البحرين.
و قال المجلسيّ رحمه اللّه في مرآة العقول: لعلّ كون قتال التأويل لكون الاية غير نصّ في خصوص طائفة إذ الباغي يدّعي أنّه على الحقّ و خصمه باغ.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 154
أو المراد به أن آيات قتال المشركين و الكافرين يشملهم في تأويل القرآن. انتهى و أقول: هذا البيان يناسب قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله انّ منكم من يقاتل بعدي على التأويل. و أمّا الظاهر من كلام أبي جعفر عليه السّلام فسيف على أهل البغي و التأويل فإنّما المراد أنّ الخارجين على الإمام العادل هم أهل البغي و التأويل و يؤيد ما ذكرنا قول أمير المؤمنين عليه السّلام في كتابه الاتي (كتاب 55) إلى معاوية خطابا إليه: فعدوت على طلب الدّنيا بتأويل القرآن فطلبتني بما لم تجن يدي و لا لساني إلخ.
حيث طلب معاوية القصاص لعثمان و أوّل قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى» الاية و نحوه من آيات اخرى بما أراد حتّى ألّب الناس على أمير المؤمنين عليه السّلام و سيأتي كلامنا في تحقيق التأويل في تفسير كتابه عليه السّلام إلى ابنه المجتبى عليه السّلام عند قوله: و أن أبتدئك بتعليم كتاب اللّه و تأويله إلخ.
قوله عليه السّلام: و قال عمّار بن ياسر: قاتلت بهذه الراية إلخ.
أقول: الراية إشارة إلى راية معاوية في بدر واحد و حنين. و هذه الرابعة يعني وقعة صفين و قد مرّ كلامنا في تفسير قوله هذا و قوله: و اللّه لو ضربونا حتّى يبلغوا بنا السعفات من هجر في شرح المختار 236 (ج 15 ص 285- 289).
فقد آن أن نشرح جمل الوصيّة فنقول قوله: «لا تقاتلوهم حتّى يبدءوكم» نهى أصحابه عن الابتداء بالحرب و قد دريت من حديث عبد اللّه بن جندب المنقول من الكافي أنّ أمير المؤمنين عليّا عليه السّلام كان يأمر أصحابه في كلّ موطن لقيهم عدوّهم بقوله: لا تقاتلوا القوم حتّى يبدءوكم: إلخ. و إنّما نهاهم عن الابتداء بها لأنّه دعوة إلى المبارزة و الداعي إليها باغ و قد قال عليه السّلام لابنه الامام المجتبى عليه السّلام كما يأتي في باب المختار من حكمه عليه السّلام (الحكمة 233): لا تدعونّ إلى مبارزة و إن دعيت بها فأجب فإن الدّاعي باغ و الباغي مصروع. انتهى و في كتاب الحرب من عيون الأخبار لابن قتيبة (ص 128 ج 1 طبع مصر): العتبى عن أبيه قال: قال عليّ بن أبي طالب عليه السّلام لابنه الحسن: يا بنيّ لا تدعون أحدا إلى البراز و لا يدعونّك أحد إليه إلّا أجبته فانّه بغى.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 155
و قال عزّ من قائل: «يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ» (يونس 24) و من الأمثال القديمة قولهم: لا ظفر مع بغي. أتى به ابن القتيبة في كتاب الحرب من عيون الأخبار (ص 111 ج 1).
و في باب حكم طلب المبارزة من كتاب الجهاد من الوسائل باسناده عن ابن القدّاح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: دعى رجل بعض بني هاشم إلى البراز فأبى أن يبارزه فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام: ما منعك أن تبارزه؟ فقال: كان فارس العرب و خشيت أن يغلبني؛ فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام: فانّه بغى عليك و لو بارزته لغلبته و لو بغى جبل على جبل لهدم الباغي.
و في هذا الباب من الوسائل أيضا: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إنّ الحسين (الحسن خ ل) بن عليّ دعى رجلا إلى المبارزة فعلم به أمير المؤمنين عليه السّلام فقال:
لئن عدت إلى مثل هذا لاعاقبنّك؛ و لئن دعاك أحد إلى مثلها فلم تجبه لا عاقبنّك أما علمت أنّه بغى.
و قد مضى في شرح المختار 236 أنّ معاوية لمّا كف أمير المؤمنين و عسكره في صفين عن الماء ثمّ أخذ أصحاب الأمير عليه السّلام الماء عنهم و صار الماء في أيديهم قال بعضهم: لا نسقي معاوية و أتباعه الماء أرسل أمير المؤمنين عليه السّلام إليهم أن خذوا من الماء حاجتكم و ارجعوا إلى عسكركم و خلّوا عن معاوية و عسكره فانّ اللّه عزّ و جلّ قد نصركم عليهم بظلمهم و بغيهم (ص 227 ج 15).
قوله عليه السّلام: «فانكم بحمد اللّه على حجّة» علّل النّهي عن القتال بدوا بأن أتباعه عليه السّلام على حجّة و بيّنة و يقين من ربّهم و أنّهم على الطريق الواضح من حيث إنّهم شايعوا الإمام الحقّ فهم على الصراط السوّي و الجادّة الوسطى. و أهل الحقّ لا يقاتلون أحدا بغير حقّ و حجج اللّه لم يؤمروا بالقتل و القتال بل امروا باحياء النفوس و تزكيتها من الأرجاس و الأدناس و تعليمهم الكتاب و الحكمة فإنّى لهم أن يبدأوا بالقتال و قد قالوا: إنّ البادي بالحرب باغ.
و إنّما قال: بحمد اللّه، لأنّ الكون على حجّة من أعظم نعم اللّه تعالى
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 156
لا تعادله نعمة فيجب على المنعم عليه حمد المنعم.
قوله عليه السّلام: «و ترككم إياهم حتّى يبدءوكم حجّة اخرى لكم عليهم» قد علمت أنّ البادي بالحرب باغ و الإمام الحقّ مطلقا على حجة فانّه ينظر بنور اللّه فاذا بدأوا بالحرب فقد تحقّق بغيهم عليه فيجب عليه قتالهم لقوله تعالى: «وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى...» .
ثمّ إنّ البادي بالحرب معتد فيجب على الإمام الاعتداء عليه لقوله تعالى: «فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ» (البقرة- 191).
و إنّ محارب الإمام العادل محارب اللّه و رسوله فقد دريت من المباحث السالفة أنّ الفريقين نقلا عنه صلّى اللّه عليه و اله انه قال لأمير المؤمنين عليه السّلام: حربك يا عليّ حربي.
على أنّ الباغي عليه من الّذين يسعون في الأرض فسادا فقد قال اللّه تعالى: «إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ» (المائدة 38).
و بالجملة أنّ وجود الإمام عليه السّلام حجّة عليهم فيجب عليهم اتّباع أمره و اقتفاء أثره و التأسي به فاذا طغوا و أعرضوا عن أمره و حاربوه و جازاهم على فعالهم و طغيانهم تمّت الحجة عليهم و انقطع عذرهم وفاء لحقّ الاعتداء فهم محاربون و الإمام عليه السّلام و عسكره حينئذ مدافعون فهذه حجّة اخرى لهم عليهم.
ثمّ ينبغي للقارئ الكريم الطالب نهج القويم أن يتأمّل في سيرة سفراء اللّه في أهل البغي حقّ التأمّل و التدبّر حتّى يرى بعين العدل و الإنصاف أنّهم لم يكونوا في سدد قتال النّاس و قتلهم بل شأنهم في القتال و القتل شأن من يجثّ نبات السوء من مزرعة، أو كمن يقلع و يطرد أشواكا واقعة على طريق مانعة عن العبور عنها، أو كمثل الّذي يقتل جراثيم مؤذية تؤذي شجرة مثمرة في حديقته. لأنّ اللّه تعالى بعثهم رحمة للناس كافّة يدعوهم إلى ما يحييهم حياة طيّبة، و يسلكهم إلى الفوز و النجاح و السعادة
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 157
الأبديّة إلّا أنّ طائفة من أراذل الناس و أوباشهم و أشرارهم لمّا ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون و اتّخذوا دين اللّه و عباده سخريّا و أرادوا أن يطفؤا نور اللّه بألسنتهم و أسنّتهم و سيوفهم و رماحهم، و كانوا يضلّون الناس و يغوونهم حقّ عليهم العذاب بأيدي أهل الحقّ دفاعا عن حوزة الإسلام السامية، قال تعالى: «وَ لَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَ لكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ» (البقرة 253) و قال عزّ من قائل: «وَ لَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَ بِيَعٌ وَ صَلَواتٌ وَ مَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً» (الحج 42).
و قد روى ثقة الإسلام الكليني قدّس سرّه في الباب الثامن من كتاب الجهاد من الكافي بإسناده عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه: بعثني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله إلى اليمن و قال لي: يا عليّ لا تقاتلنّ أحدا حتّى تدعوه و أيم اللّه لأن يهدى اللّه على يديك رجلا خير لك ممّا طلعت عليه الشمس و غربت و لك ولاؤه يا عليّ.
و قد مضى في شرح المختار الثاني من باب الكتب (ص 57 ج 17) انّه عليه السّلام بينا يوصي أصحابه في الجمل بقوله: لا تبدأوا القوم بالقتال و لا تقتلوا مدبرا- إلخ، إذ ظلّهم نبل القوم الناكثين فقتل رجل من أصحابه فلما رآه قتيلا قال: اللّهمّ اشهد، ثمّ رمى رجل عبد اللّه بن بديل بن ورقاء الخزاعي فقتله فأتى به أخوه عبد الرحمن يحمله فقال عليّ عليه السّلام: اللّهمّ اشهد، و تواتر على عمّار بن ياسر الرّمى فقال: ما ذا تنتظر يا أمير المؤمنين و ليس لك عند القوم إلّا الحرب إلخ.
و في الكافي (الباب الثامن من كتاب الجهاد) باسناده عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله كان إذا بعث أميرا له على سريّة أمره بتقوى اللّه عزّ و جلّ في خاصّة نفسه ثمّ في أصحابه عامّة ثمّ يقول: اغز (اغزوا- ظ) بسم اللّه و في سبيل اللّه، قاتلوا من كفر باللّه، و لا تغدروا، و لا تغلّوا، و لا تمثّلوا، و لا تقتلوا وليدا و لا متبتّلا في شاهق، و لا تحرقوا النخل، و لا تغرقوه بالماء، و لا تقطعوا شجرة مثمرة، و لا تحرقوا زرعا لأنّكم لا تدرون لعلّكم
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 158
تحتاجون إليه، و لا تعقروا من البهائم ممّا يؤكل لحمه إلّا ما لا بدّ لكم من أكله و إذا لقيتم عدوّا للمسلمين فادعوهم إلى إحدى ثلاث فان هم أجابوكم إليها فاقبلوا منهم و كفّوا عنهم، و ادعوهم إلى الإسلام فان دخلوا فيه فاقبلوه منهم و كفّوا عنهم و ادعوهم إلى الهجرة بعد الإسلام فان فعلوا فاقبلوا منهم، و كفّوا عنهم، و إن أبوا أن يهاجروا و اختاروا أديانهم و أبوا أن يدخلوا إلى دار الهجرة كانوا بمنزلة أعراب المؤمنين يجري عليهم ما يجري على أعراب المؤمنين، و لا يجري لهم في الفىء و لا في القسمة شيء إلّا أن يهاجروا في سبيل اللّه. فان أبوا هاتين فادعوهم إلى إعطاء الجزية عن يدوهم صاغرون، فان أعطوا الجزية فاقبل منهم و كفّ عنهم و إن أبوا فاستعن اللّه عزّ و جلّ عليهم و جاهدهم في اللّه حقّ جهاده. و إذا حاصرت أهل الحصن فارادوك على أن ينزلوا على حكم اللّه عزّ و جلّ فلا تنزل لهم و لكن أنزلهم على حكمهم، ثمّ اقض فيهم بعد ما شئتم فانّكم إن تركتموهم على حكم اللّه لم تدروا تصيبوا حكم اللّه بهم أم لا. و إذا حاصرتم أهل حصن فإن أذنوك على أن تنزلهم على ذمّة اللّه و ذمّة رسوله فلا تنزلهم و لكن أنزلهم على ذممكم و ذمم آبائكم و إخوانكم فانّكم إن تخفروا ذممكم و ذمم آبائكم و إخوانكم كان أيسر عليكم يوم القيامة من أن تخفروا ذمّة اللّه و ذمّة رسوله.
فهذا هو رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يوصي سراياه و عساكره بتقوى اللّه، و دعوة الكفّار إلى الإسلام فأين هو صلّى اللّه عليه و اله من أن يخوض في دماء الناس و قد طهّره اللّه من الرجس تطهيرا، و قال له عزّ من قائل: «و لو كنت فظّا غليظ القلب لانفضّوا من حولك».
و هو صلّى اللّه عليه و اله قد تأدّب باداب اللّه و في الجامع الصغير نقلا عن ابن عدي في الكامل عن ابن مسعود انّه صلّى اللّه عليه و اله قال: أدّبني ربّي فأحسن تأديبي. و من أدبه صلّى اللّه عليه و اله أنّه بعد ما لقى في دعوته من قومه ما لقى قال: اللّهمّ اهد قومى فانّهم لا يعلمون، و على رواية اخرى: اللّهمّ اغفر قومى فانّهم لا يعلمون.
و في كتاب الحرب من عيون الأخبار لابن قتيبة (ص 123 ج 1) أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله في بعض أيامه الّتي لقى فيها العدوّ انتظر حتّى مالت الشمس ثمّ قام
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 159
في النّاس فقال: لا تتمنّوا لقاء العدوّ، و اسألوا اللّه العافية- إلخ.
و قال ابن هشام في السيرة: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لما أشرف على خيبر قال لأصحابه: قفوا ثمّ قال: اللّهم ربّ السماوات و ما أظللن- إلى قوله: فإنا نسألك خير هذه القرية و خير أهلها و خير ما فيها- إلخ، و قد نقلناه في شرح المختار الثاني من باب الكتب و الرسائل (ص 50 ج 17).
فإيّاك أن تظنّ أنّ مثل حجج اللّه تعالى كمثل سلاطين الجور، و الّذين يريقون الدماء نيلا إلى أغراض دنيويّة و هواجس نفسانيّة.
و هذا هو أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام يعظّ عسكره أن يدعوا اللّه أن يحقن دماءهم و دماء العدوّ، و يصلح ذات بينهما، و يهدي الأعداء من ضلالتهم.
و كان عليه السّلام ينهى جنوده عن أن يسبّوا و يشتموا الأعداء فأين هو عليه السّلام و الخوض في الدّماء، فقد روى نصر بن مزاحم المنقري في صفين (ص 55 من الطبع الناصري) عن عمر بن سعد، عن عبد الرّحمن، عن الحارث بن حصيرة، عن عبد اللّه ابن شريك قال: خرج حجر بن عديّ و عمرو بن الحمق يظهران البراءة و اللّعن من أهل الشام، فأرسل إليهما عليّ عليه السّلام أن كفّا عمّا يبلغني عنكما. فأتياه، فقالا: يا أمير المؤمنين! ألسنا محقّين؟ قال: بلى، قالا: فلم منعتنا من شتمهم؟ قال:
كرهت لكم أن تكونوا لعّانين، شتّامين، تشتمون، و تتبرّؤون. و لكن لو وصفتم مساوى أعمالهم فقلتم من سيرتهم كذا و كذا، و من عملهم كذا و كذا كان أصوب في القول، و أبلغ في العذر، و قلتم مكان لعنكم إيّاهم و براءتكم منهم: اللّهمّ احقن دماءنا و دماءهم، و أصلح ذات بيننا و بينهم، و اهدهم من ضلالتهم، حتّى يعرف الحقّ منهم من جهله، و يرعوي عن الغيّ و العدوان من لهج به، كان هذا أحبّ إلىّ، و خيرا لكم، فقالا: يا أمير المؤمنين نقبل عظتك و نتأدّب بأدبك.
و قد مضى في شرح المختار الثاني من باب الكتب و الرسائل انّه عليه السّلام لمّا سار مع عسكره من المدينة إلى البصرة لقتال جند المرأة و أتباع البهيمة بلغ الموضع المعروف بالزاوية فنزلوا و صلّى عليه السّلام أربع ركعات و عفّر خدّيه على التربة و قد
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 160
خالط ذلك دموعه ثمّ رفع يديه يدعو: اللّهمّ رب السماوات و ما أظلّت- إلى قوله: اللّهمّ احقن دماء المسلمين. (ص 50 ج 17).
و هذا هو الإمام الحسن بن عليّ عليهما السّلام لم يرض أن يهرق في أمره محجمة دم كما علمنا من وصيته عليه السّلام يوم حضرته الوفاة و قد تظافرت بنقلها الروايات.
و هذا هو الإمام الحسين بن عليّ عليهما السّلام، لمّا رام مسلم بن عوسجة أن يرمى شمر بن ذي الجوشن حين سبّ الحسين عليه السّلام بسهم منعه عن ذلك فقال له: لا ترمه فإنّي أكره أن أبدأهم رواه المفيد في الإرشاد (ص 217 طبع طهران 1377 ه).
و كذا روي في (ص 210) من الإرشاد: إنّ الحرّ بن يزيد الرّياحي لمّا أخذهم بالنزول في مكان على غير ماء و لا قرية- ساق الكلام إلى أن قال: فقال زهير بن القين إنّي و اللّه ما أراه يكون بعد الّذي ترون إلّا أشدّ ممّا ترون يا ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله إنّ قتال هؤلاء القوم الساعة أهون علينا من قتال من يأتينا من بعدهم فلعمري ليأتينا بعدهم ما لا قبل لنا به فقال الحسين عليه السّلام: ما كنت لأبدأهم بالقتال ثمّ نزل.
نعم إنّ الخوض في دماء النّاس إنّما هو من شأن عبيد الدّنيا و أسرة الهوى الّذين اتّخذوا دين اللّه دغلا، و عباد اللّه خولا، و مال اللّه دولا، أتباع الشقيّ الجبار الّذي يعالن الناس قائلا: و اللّه إنّي ما قاتلتكم لتصلّوا و لا لتزكّوا و لا لتصوموا و لا لتحجّوا، و إنّما قاتلتكم لأتأمّر عليكم، و قد أعطاني اللّه ذلك و أنتم كارهون.
و قد قدّمنا نبذة من الكلام في ذلك في شرحنا على المختار 236 من باب الخطب (ص 227 و 252 و 300 ج 15) فراجع.
قوله عليه السّلام: «فإذا كانت الهزيمة باذن اللّه» الهزيمة و إن كانت بحسب الظاهر على أيديهم و لكنّها ليست متحقّقة إلّا باذن اللّه تعالى و أمره و لمّا كان ولى اللّه الأعظم عليه السّلام موحّدا فانيا في اللّه لا يرى من نفسه أثرا في البين، و لا يرى في دار الوجود مؤثّرا إلّا اللّه، لا حول و لا قوّة إلّا باللّه، و لا يرى شيئا إلّا من عنده تعالى
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 161
قال عزّ من قائل في قصّة طالوت و ما جرى بينه و بين جالوت: «فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ قالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَ مَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ. فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قالُوا لا طاقَةَ لَنَا» (البقرة- 252).
و قال تعالى: «وَ الْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ» (الأعراف- 58).
و قال تعالى مخاطبا لعيسى عليه السّلام: «إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَ عَلى والِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَ كَهْلًا وَ...» (المائدة- 112).
و قال حكاية عن عيسى عليه السّلام: «وَ رَسُولًا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ» (آل عمران- 45).
و قال عزّ من قائل مخاطبا لرسوله الخاتم: «أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ» (إبراهيم- 2).
و قال تعالى: «فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَ لكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَ ما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ رَمى» (الأنفال- 19).
و الانسان له وجهة إلهيّة بها فاعليّته و وجهة نفسيّة بها ينسب الأفعال إلى نفسه، و المؤمن الموحّد السالك إلى اللّه قد يرتقى بالرياضات و المجاهدات إلى مرتبة لا يرى لنفسه فيها أثرا، و لا يرى مؤثرا إلّا اللّه، و ما يشاهد من دونه تعالى على ظاهر الأمر «كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَ وَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ» (النور- 40). «قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً» (النساء- 82).
از سبب سازيش من سودائيم و ز سبب سوزيش سوفسطائيم
در سبب سازيش سر گردان شدم در سبب سوزيش هم حيران شدم
اين سببها بر نظرها پرده هاست كه نه هر ديدار صنعش را سزا است
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 162
ديده اى بايد سبب سوراخ كن تا حجب را بر كند از بيخ و بن
تا مسبّب بيند اندر لا مكان هرزه بيند جهد و أسباب دكان
هر چه خواهد آن مسبّب آورد قدرت مطلق سببها بر درد
قوله عليه السّلام: «فلا تقتلوا مدبرا» نهى عليه السّلام أصحابه عن امور:
نهاهم عن أن يقتلوا المدبر عن القتال كما نهاهم عن أن يتبعوا موليا، و أن يطلبوا مدبرا على ما رواه الكلينيّ في الجامع الكافي، و المسعوديّ في مروج الذهب كما مرّ ذكرهما آنفا في بيان المصادر، و ما يستفاد من ظواهر الأخبار و فتاوى العلماء في المقام أنّ هذه الجمل الثلاث تشير إلى معنى فارد و تفيد حكما واحدا و لذا يوجد واحدة منها في نسخة دون الاخرين إلّا أنّ المسعوديّ جمع بين نسختي و لا تتبعوا موليا، و لا تطلبوا مدبرا.
و ما وجدنا في الجوامع الرواية من الكافي و التهذيب و الوسائل و البحار و الوافي مع طول الفحص و كثرة الطّلب رواية جامعة لها أو لاثنتين منها.
اللّهمّ إلّا أن يفسّر قوله موليا بمن عاد من البغي إلى طاعة الامام و ترك المباينة فانّه يحرم قتله قتاله حينئذ فلا تكرار في نسخة المسعوديّ على هذا الوجه و لكنّه كما ترى.
كنايه قوله عليه السّلام: «و لا تصيبوا معورا» قد تفرّد الرّضيّ رضوان اللّه عليه بنقله و ما وجدناه مع كثرة التحرّي في نسخة اخرى عن غيره، إلّا أنّ ابن الأثير أتى به في النهاية كما مرّ آنفا في اللّغة إن لم يكن النهج مأخذه. و لم يتعرّض الفقهاء على هذا الحكم في أحكام أهل البغي الخارجين على الإمام.
و يمكن أن يفسّر على وجوه: أحدها أنّه عليه السّلام نهى أصحابه عن أن يقتلوا أو يجرحوا من أمكنتهم الفرصة في قتله و جرحه بعد هزيمة العدوّ و انكسارهم كما نصّ عليه بقوله فإذا كانت الهزيمة باذن اللّه- إلخ و قد بيّن في اللّغة أنّه يقال أعور لك الصيد و أعورك إذا أمكنك و الإصابة كناية عن القتل أو الجرح و كأنّ المعنى الثاني أعني الجرح أنسب باسلوب الكلام.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 163
ثانيها أنّه عليه السّلام نهاهم أن يقتلوا بعد انهزام العدوّ فارسا منهم اصيب قبل الانهزام بجراحة من قولهم أعور الفارس إذا بدا فيه موضع خلل للضرب فيه و هذا الوجه يقرب من قوله و لا تجهزوا على جريح معنىّ بخلاف الأوّل ففيه تكرار.
أمّا لو فسّرت الاصابة بالطّعن و الجرح فلا تكرار فيه لأنّ معنى العبارة حينئذ أنّه نهاهم عن أن يطعنوا و يجرحوا بعد انهزام العدوّ من كان منهم جريحا أي لا تصيبوا جريحا بجراحة اخرى كما فسّره خواند مير بهذا الوجه في روضة الصفا.
ثالثها أنّه نهاهم عن أن يقتلوا أو يجرحوا بعده العدوّ الّذي صار مضطرّا حتّى أفضاه الاضطرار إلى أن يكشف عورته و يبدي سوءته وقاية لنفسه كما فعله عمرو بن العاص في صفين حين اعترضه أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام و قد أعرض عن قتله و تقدّمت الحكاية في شرح المختار 236 (ص 318 ج 15).
رابعها أن يكون المراد بالمعور المريب أي الّذي يشك فيه هل هو محارب أم لا أي لا تقتلوا إلّا من علمتم أنّه محارب لكم.
لطيفة: في كتاب الحرب من عيون الأخبار لابن قتيبة (ص 169 ج 1 طبع مصر) قال المدائني: رأى عمرو بن العاص معاوية يوما يضحك فقال له: ممّ تضحك يا أمير المؤمنين أضحك اللّه سنّك؟ قال: أضحك من حضور ذهنك عند إبدائك سوءتك يوم ابن أبي طالب، أمّا و اللّه لقد وافقته منّانا كريما و لو شاء أن يقتلك لقتلك.
قال عمرو: يا أمير المؤمنين أما و اللّه إنّي لعن يمينك حين دعاك إلى البراز فاحولّت عيناك و رباك سحرك و بدا منك ما أكره ذكره لك فمن نفسك فاضحك أو دع.
قوله عليه السّلام: «و لا تجهزوا على جريح» نهى عليه السّلام جنوده أن يشدّوا بعد انهزام العدوّ على صريعهم و يسرعون إلى قتله أي نهاهم عن قتل المجروح.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 164
و إنّما نهاهم عليه السّلام عن أن يقتلوا مدبرا، أو يصيبوا معورا، أو يجهزوا على الجرحى بعد أن هزموهم لأنّهم على ظاهر الأمر مسلمون، و كان القصد من قتالهم دفع شرّهم و تفريق كلمتهم فإذا ولّوا منهزمين فقد حصل القصد.
و اعلم أنّ أهل البغي لا يقتل مدبرهم، و لا يصاب معورهم، و لا يجهز على جريحهم إذا لم يكن لهم فئة يرجعون إليها فإذا كان لهم فئة يرجعون و يلتجؤن إليها جاز اتباع مدبرهم و الإجهاز على جريحهم و اصابة معورهم لأنّهم ربّما عادوا إلى الفئة و اجتمعوا و رجعوا إلى قتال الإمام العادل و هو مذهبنا الإمامية و خالفنا فيه بعض العامّة.
دليلنا قوله تعالى: «وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما» الاية و هؤلاء الّذين لهم فئة يرجعون إليها ما فاؤوا إلى أمر اللّه و لذا أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام نادى يوم الجمل أن لا يتبع مدبرهم و لا يقتل، و لا يجهز على جريحهم لأنّ أهل الجمل قتل إمامهم و لم تكن لهم فئة يرجعون إليها و انّما رجع القوم إلى منازلهم غير محاربين و لا مخالفين و لا منابذين، و قتل أهل صفّين مقبلين و مدبرين و أجاز على جريحهم لأنّ إمامهم كان من المنظرين و كان لهم فئة يرجعون إليها و يلجئون إليها و أخبار الإماميّة بذلك عن أئمّتهم وردت متظافرة:
ففي الباب العاشر من كتاب الجهاد من الجامع الكافي بإسناده عن حفص بن غياث قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الطائفتين من المؤمنين إحداهما باغية و الاخرى عادلة فهزمت العادلة الباغية؟ فقال: ليس لأهل العدل أن يتبعوا مدبرا، و لا يقتلوا أسيرا، و لا يجهزوا على جريح، و هذا إذا لم يبق من أهل البغي أحد و لم يكن لهم فئة يرجعون إليها فإذا كان لهم فئة يرجعون إليها فإنّ أسيرهم يقتل، و مدبرهم يتبع، و جريحهم يجهز.
و في ذلك الباب منه: بإسناده عن عقبة بن بشير، عن عبد اللّه بن شريك، عن أبيه قال: لمّا هزم النّاس يوم الجمل قال أمير المؤمنين: لا تتّبعوا مولّيا و لا تجيزوا (لا تجهزوا- خ ل) على جريح و من أغلق بابه فهو آمن؛ فلمّا كان يوم صفّين قتل المقبل و المدبر و أجاز على جريح. فقال أبان بن تغلب لعبد بن شريك:
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 165
هذه سيرتان مختلفتان، فقال: إنّ أهل الجمل قتل طلحة و الزبير، و إنّ معاوية كان قائما بعينه و كان قائدهم.
رواه المجلسيّ في المجلّد الحادي و العشرين من البحار (ص 98 من الطبع الكمباني) بسند آخر عن عقبة بن شريك نقلا عن رجال الكشيّ.
و روى عليّ بن شعبة في تحف العقول عن الإمام العاشر أبي الحسن الثّالث عليّ بن محمّد عليهما السّلام في باب أجوبته عليه السّلام ليحيى بن أكثم عن مسائله (ص 116 من الطبع الحجري 1303 ه): أنّ يحيى بن أكثم قال له عليه السّلام: أخبرني عن عليّ لم قتل أهل صفين و أمر بذلك مقبلين و مدبرين و أجاز على الجرحى، و كان حكمه يوم الجمل أنه لم يقتل مولّيا، و لا يجز على جريح؛ و لم يأمر بذلك و قال: من دخل داره فهو آمن، و من ألقى سلاحه فهو آمن، لم فعل ذلك فإن كان الحكم الأوّل صوابا فالثاني خطاء؟
قال عليه السّلام: و أمّا قولك: إنّ عليّا قتل أهل صفين مقبلين و مدبرين و أجاز على جريحهم، و إنّه يوم الجمل لم يتّبع مولّيا، و لم يجز على جريح، و من ألقى سلاحه آمنه، و من دخل داره آمنه فانّ أهل الجمل قتل إمامهم، و لم تكن لهم فئة يرجعون إليها و إنّما رجع القوم إلى منازلهم غير محاربين و لا مخالفين و لا منابذين رضوا بالكفّ عنهم فكان الحكم فيهم رفع السيف عنهم و الكفّ عن أذاهم إذ لم يطلبوا عليه أعوانا. و أهل صفين كانوا يرجعون إلى فئة مستعدّة و إمام يجمع لهم السلاح الدروع و الرّماح و السيّوف، و يسنى لهم العطاء، و يهنىء لهم الأنزال، و يعود مريضهم، و يجبر كسيرهم، و يداوى جريحهم، و يحمل راجلهم، و يكسو حاسرهم، و يردّهم فيرجعون إلى محاربتهم و قتالهم فلم يساوبين الفريقين في الحكم لما عرف من الحكم في قتال أهل التوحيد لكنّه شرح ذلك لهم فمن رغب عرض على السيف أو يتوب من ذلك.
قوله عليه السّلام: «و لا تهيجوا النساء بأذى و إن شتمن أعراضكم و سببن امراءكم فانّهن ضعيفات القوى و الأنفس و العقول» في نسخة الكافي و ان شتمن أعراضكم
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 166
و سببن امراءكم و صلحاءكم، و في نسخة الطبري: و لا تهيجوا امرأة بأذى و إن شتمن أعراضكم و تناولن امراءكم و صلحاءكم، و في روايتي الكافي و صفين لنصر فانّهنّ ضعاف القوى و الأنفس و العقول، و في رواية الطبريّ: فانهنّ ضعاف القوى و الأنفس و لم يأت بالعقول. نهى عليه السّلام عسكره أن يثيروا غضب نساء البغاة و شرورها و يحرّكوهنّ و يؤذوهنّ مطلقا حتّى إنّهن إن شتمن أعراضهم و سببن امراءهم وجب عليهم الامساك عن ردّ السبّ إليهنّ و الكفّ عنهنّ و عدم الاعتناء بشتمهنّ و سبّهنّ.
و علّل النهي بقوله فانّهنّ ضعيفات القوى و الأنفس و العقول يعني لا يجوز إثارة من بلغن في الضعف هذه الغاية.
قال الشارح البحراني: قوله: لا تهيجوا النساء المراد بذلك أن لا تثيروا شرورهنّ بأذى و إن بلغن الغاية المذكورة من شتم الأعراض و سبّ الأمراء و علّل أولوية الكفّ عنهم «كذا و الصواب الكف عنهنّ» بكونهنّ ضعيفات القوى أي ضعيفات القدر عن مقاومات الرجال و حربهم و سلاح الضعيف و العاجز لسانه، و بكونهنّ ضعيفات الأنفس أي لا صبر لنفوسهنّ على البلاء فيجتهدن في دفعه بما أمكن من سبّ و غيره، و بكونهنّ ضعيفات العقول أي لا قوّة لعقولهنّ أن ترى عدم الفائدة في السبّ و الشتم و أنّه من رذائل الأخلاق و أنّه يستلزم زيادة الشرور و إثارة الطباع الّتي يراد تسكينها و كفّها. انتهى.
أقول: إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام أتى في كلامه هذا بحكمين: الأوّل أن لا يهيج قومه نساء أهل البغي ابتداء، و الثاني أن يكفّوا عنهنّ إذا شتمنهم لمكان كلمة إن الوصلية في قوله: و إن شتمن أعراضكم و سببن امراءكم و اسلوب الكلام يدلّ على أنّ قوله فانّهنّ ضعيفات القوى و الأنفس و العقول دليل للنّهي أعني انّه متعلّق بقوله و لا تهيجوا و ما أتى به الشارح المذكور فانّما هو بيان لسبب شتمهنّ و سبّهنّ و فحوى الكلام يأبى عن ذلك.
قوله عليه السّلام: «ان كنّا لنؤمر بالكفّ عنّهنّ و انّهنّ لمشركات» و في نسخة الطبري: و لقد كنّا و إنّا لنؤمر بالكفّ عنهنّ- إلخ يعني أنّا كنّا في عصر
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 167
رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله مأمورين بالكفّ عنهنّ و الحال انهنّ كنّ مشركات فالكفّ عنهنّ و عدم التعرّض بهنّ و الحال انّهنّ مسلمات على ظاهر الأمر أولى.
فانظر أنّ الشارع كيف أدّب الرجال في رعاية حقوق النساء و عدم التعرّض بهنّ و لو كنّ مشركات و لعمري ما فرّط الشريعة المحمّديّة بيان حقّ اجتماعي أو نوعي غاية الأمر أنّ النّاس لتوغّلهم في الشهوات النفسانيّة ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون حتّى عموا و صموا و أعرضوا عن الصراط السّوى و اتّبعوا الشيطان المردي المغوي و اقتفوا آثار الّذين سلكوا طريقة عمياء و تعوّدوا قبول كلّ ما سمعوا من أفواه أشباه الرجال و عبيد الدّنيا من غير بصيرة و فكرة و دليل و نعم ما قاله الشيخ الرئيس ابن سينا: من تعوّد أن يصدق من غير دليل فقد انسلخ عن الفطرة الإنسانية.
و قد رأينا في عصرنا طائفة من منتحلي الإسلام، المتعصّبين غاية التعصّب، الجاهلين عن أحكام الشريعة الإسلاميّة حقيقة قد تعرّضوا للنساء الكاشفات الرءوس و الوجوه و كانوا يحثون الأسيد عليهنّ و يتركونهنّ في الشوارع و الأسواق عراة حتّى بلغ عملهم المنكر العلماء و منعوهم عنه.
و هؤلاء الجهّال ما تفقهوا في الدّين لكى يعلموا أنّ الشريعة الإسلاميّة لم يجوّز التعرّض على أعراض النّاس و إن كنّ مشركات بل حرّم عليهم أن يقربوا الفواحش ما ظهر منها و ما بطن و تلك الرويّة النكراء و الطويّة العوراء منها.
لست أقول إنّ فعلهنّ هذا صواب و سيرتهنّ السيّئة المشوهة القبيحة حسنة بل أقول إنّ المنكر لا يدفع بالمنكر و للإسلام في كلّ موضوع منطق صواب و حجّة بيضاء و لا حاجة في دفع الفواحش و قمع المنكرات إلى فعل عار عن حلية العقل، بعيد عن الحقّ، يستبشعه العقل السليم و يشمئزّ منه الطّباع.
قوله عليه السّلام: «و إن كان الرجل- إلخ» و في نسخة الطبري: و إن كان الرجل ليتناول المرأة في الجاهلية بالهراوة أو الحديد بعد الأمر بالكفّ عنهنّ عقّبه بقوله هذا تأكيدا للأمر و تشديدا للكفّ، و تنبيها لهم على أنّ هذا العمل يورث أثرين
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 168
قبيحين: أحدهما في حياة مرتكبه حيث يعيّر و يلام به، و الاخر بعد حياته حيث يعيّر عقبه به فمن عرف قدره و أحبّ نفسه و أهله و عقبه لا يعمل ما يوجب شينه و لومه و تعبير عقبه من بعده و بالجملة جعل حال الرجل الّذي كان يضرب المرأة في الجاهليّة بالحجر و العصا يورث له و لعقبه تعيير النّاس و ملامتهم عبرة لهم فنفّرهم عن ذلك العمل أشدّ تنفير.
على انّه عليه السّلام نبّههم بهذا الكلام ضمنا على أنّ المرأة إذا ارتكب في الجاهلية هذا العمل يؤل أمره إلى كذا و اجتنابكم عنه و أنتم المسلمون كان أولى، يعني أنّ شناعة هذا الأمر بيّنة غاية الوضوح حتّى أنّ الناس في الجاهليّة كانوا يلومون فاعله فكيف أنتم لا تكفّون عن أذاهنّ و قد رزقتم الانتحال إلى الشريعة السلمية المحمّديّة.
ثمّ انّ في حقوق المرأة في الإسلام و وظائفها الإجتماعيّة و الانفراديّة و سائر آدابها الّتي بيّنها الشارع تعالى مبحثا نأتي به إن شاء اللّه تعالى في شرح وصيته عليه السّلام الاتية لابنه المجتبى عند قوله: إيّاك و مشاورة النساء فإنّ رأيهنّ إلى أفن- إلخ.
الترجمة:
يكى از وصيّتهاى عليّ أمير المؤمنين عليه السّلام است كه بسپاه خود در سرزمين صفين پيش از برخوردن به لشكر دشمن (معاويه و پيروانش) و در گرفتن جنگ بيان فرمود:
با ايشان كارزار نكنيد تا آنان آغاز بجنگ كنند زيرا بحمد اللّه شما بر حقّيد و حجّت با شما است، و واگذاشتن شما ايشان را تا آغاز جنگ از آنها بشود حجّتى ديگر مر شما را بر ايشان خواهد بود، و چون بخواست خدا بر آنان پيروز شديد و شكستشان داديد آنكه را پشت كرده و رو بفرار گذاشته مكشيد، و آنكه را از در اضطرار بكشف عورت خود پناهنده شد (يا بر آنكه بعد از شكست دست يافته ايد- يا آن كسى كه معلوم نيست كه دوست است يا دشمن- يا بر آنكه جراحت ديده و زخمى شده) مكشيد و زخم مرسانيد، و زخم خورده اى كه در ميان كشتگان مى بينيد بر كشتن او مشتابيد و وى را نكشيد، و زنان را اگر چه عرض شما و بزرگان و پارسايان شما را دشنام دهند و ياوه گويند بر مينگيزانيد و أذيت و آزارشان نكنيد و بدشنامشان اعتناء نكنيد چه نيرو و جان و خردشان ضعيفست، همانا كه ما در زمان پيمبر از پيمبر أمر داشتيم كه از آنها با اين كه مشرك بودند خوددارى كنيم و دست بداريم (اكنون كه بظاهر مسلمانند) و اگر در زمان جاهليت مردى زني را بسنگ و چوبدستى مى زد وى را سرزنش مى كردند و پس از مرگش فرزندانش را نكوهش مى كردند، (زمان جاهليت كه چنين بود پس مسلمان بايد حتما از اين كار ناروا دست بردارد).