منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 79
و من وصية له عليه السّلام لمعقل بن قيس الرياحى حين أنفذه الى الشام في ثلاثة آلاف مقدمة له
و كلامه هذا هو المختار الثاني عشر من باب كتبه و رسائله و عهوده و وصاياه عليه السّلام إتّق اللّه الّذي لا بدّ لك من لقائه، لا منتهى لك دونه. و لا تقاتلنّ إلّا من قاتلك. و سر البردين. و غوّر بالنّاس. و رفّه في السّير. و لا تسر أوّل اللّيل فإنّ اللّه جعله سكنا، و قدّره مقاما لا ظعنا، فأرح فيه بدنك، و روّح ظهرك. فإذا وقفت حين ينبطح السّحر، أو حين ينفجر الفجر فسر على بركة اللّه. فإذا لقيت العدوّ فقف من أصحابك وسطا، و لا تدن من القوم دنوّ من يريد أن ينشب الحرب و لا تباعد منهم تباعد من يهاب البأس حتّى يأتيك أمري. و لا يحملنّكم شنانهم على قتالهم قبل دعائهم و الإعذار إليهم. (56899- 56798)
ذكر سندها و الكلام في تلفيقها:
رواها نصر بن مزاحم المنقريّ التميميّ الكوفيّ الملقب بالعطّار من معاصري محمّد بن عليّ بن الحسين عليهم السّلام باقر علوم الأوّلين و الاخرين في كتاب صفين (ص 78 من الطبع الناصري)
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 80
عن عمر بن سعد، عن أبي مخنف، عن نمير بن وعلة، عن أبي الودّاك أنّ عليّا بعث من المداين معقل بن قيس في ثلاثة آلاف و قال له:
خذ على الموصل ثمّ نصيبين ثمّ القنى بالرقّة فإنّي موافيها و سكّن النّاس و آمنهم، و لا تقاتل إلّا من قاتلك، و سر البردين، و غوّر بالناس، و أقم اللّيل، و رفّه في السير، و لا تسر أوّل اللّيل، فانّ اللّه جعله سكنا، أرح فيه بدنك و جندك و ظهرك فإذا كان السحر و حين ينبطح الفجر فسر.
فخرج- يعني معقل بن قيس- حتّى أتى الحديثة- و هي إذ ذاك منزل الناس إنّما بنى مدينة الموصل بعد ذلك محمّد بن مروان- فإذا هم بكبشين ينتطحان و مع معقل بن قيس رجل من خثعم يقال له شداد بن أبي ربيعة قتل بعد ذلك مع الحروريّة فأخذ يقول: إيه إيه فقال معقل: ما تقول؟ قال: فجاء رجلان نحو الكبشين فأخذ كلّ واحد منهما كبشا ثمّ انصرفا، فقال الخثعميّ لمعقل: لا تغلبون و لا تغلبون.
قال له: من أين علمت ذلك؟ قال: أما أبصرت الكبشين أحدهما مشرق و الاخر مغرب التقيا فاقتتلا و انتطحا فلم يزل كلّ واحد منهما من صاحبه منتصفا حتّى أتى كلّ واحد منهما صاحبه فانطلق به، فقال له معقل: أو يكون خيرا ممّا تقول يا أخا خثعم؟ ثمّ مضوا حتّى أتوا عليّا بالرقة. انتهى كلام نصر.
أقول: وصيّته عليه السّلام لمعقل على نسخة نصر لا تتجاوز عن قوله حين ينبطح الفجر فسر كما نقلناها عنه و ذيلها كان من وصيّته عليه السّلام لمالك الأشتر و قد رواها نصر في صفين أيضا (ص 81) و سيأتي تمام وصيّته لمالك في شرح المختار الثالث عشر من هذا الباب أعني المختار التالي لهذه الوصيّة و قدّمنا صورة وصيّته عليه السّلام لمالك المتضمّنة لما في ذيل هذه الوصيّة لمعقل عن أبي جعفر الطبري في شرح المختار 236 من باب الخطب أيضا فراجع إلى ص 221 من ج 1 من تكملة المنهاج.
فبما روينا عن الطبريّ و ما يأتي عن نصر في صفين المتحدين في صورة تلك الوصيّة لمالك المتضمنّة لذيل هذه الوصيّة، علم أنّ هذه الوصيّة لمعقل ملفّقة
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 81
من وصيّتين صدرها من وصيّته عليه السّلام لمعقل و ذيلها لمالك. و الشريف الرضي قدّس سرّه مال إلى أنّها وصيّة واحدة قالها لمعقل و قد علمت ما فيه. على أنّ إسقاط بعض عباراته عليه السّلام و تلفيق بعض آخر إلى خطبة أو كتاب غير عزيز في النهج و قد دريت أنّه من عادة الرضيّ رحمه اللّه لأنّ ما كان يهمّه التقاط الفصيح من كلامه عليه السّلام اللهمّ إلّا أن يقال انّه ظفر برواية اخرى لا توافق ما في تاريخ أبي جعفر الطبريّ و ما في صفين لنصر و عدّ فيها جميع هذه الوصيّة وصيّة واحدة لمعقل و لم نظفر بها.
و الّذي يسهّل الخطب أن يقال إنّ الأمير عليه السّلام كتب مضمونا واحدا و دستورا فاردا إلى أكثر من واحد من امراء جيشه فإنّ ما يجب أن يراعيها هذا من قوانين الحرب يجب أن يراعيها ذاك أيضا غاية الأمر أنّ نصرا لم ينقل وصيّته عليه السّلام لمعقل كاملة و ذلك لأنّ ظاهر كلام الشريف الرّضي رحمه اللّه يأبى عن أن يقال إنّ هذه الوصيّة ملفّقة من وصيّتين و هو رحمه اللّه أجلّ شأنا من أن يسند وصيّته عليه السّلام لمالك إلى أنّه وصيّته لمعقل، و المواضع الّتي اسقط بعض كلامه عليه السّلام و لفّق بعضه الاخر يغاير المقام فتأمّل.
اللغة:
«دونه» قد مضى ذكر معاني دون في شرح المختار السادس من كتبه عليه السّلام و رسائله، و ههنا بمعنى سوى أي ليس لك سواه منتهى.
«سر» أمر من السير كما أنّ قوله لا تسر نهى عنه و مشتقّ منه.
«البردان»: الغداة و العشيّ، قال الجوهريّ في الصحاح: البردان:
العصران، و كذلك الأبردان و هما الغداة و العشيّ، و يقال: ظلّاهما و قال- يعني الشاعر-:
إذا الأرطى توسّد أبرديه خدود جوازئ بالرّمل عين
أقول: البيت للشمّاخ بن ضرار نقله الجاحظ في البيان و التبيين أيضا (ص 251 ج 2) و الجوازي بقر الوحش، و العين جمع العيناء، و العصران ثنّي على التغليب أي الصبح و العصر كقولك صلاة الظهرين و فسّرهما ثانيا بقوله: و هما الغداة و العشيّ.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 82
قال ابن الأثير في النهاية: فيه- يعني في الحديث-: من صلّى البردين دخل الجنّة، البردان و الأبردان: الغداة و العشيّ و قيل: ظلّاهما، و منه حديث ابن الزبير: كان يسير بنا الأبردين؛ و حديثه الاخر مع فضالة بن أبي شريك: و سربها البردين.
أقول: و سيأتي رواية هشام بن سالم قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: سيروا البردين.
«غوّر» أمر من التغوير مأخوذ من الغائرة أي الظهيرة، و في الصحاح: التغوير: القيلولة، يقال: غوّروا أي انزلوا للقائلة. قال أبو عبيد: يقال للقائلة: الغائرة. و في النهاية الأثيريّة: و في حديث السائب لما ورد على عمر بفتح نهاوند قال: ويحك ما وراءك؟ فواللّه ما بتّ هذه اللّيلة إلّا تغويرا؛ يريد بقدر النومة القليلة الّتي تكون عند القائلة. يقال غوّر القوم إذا قالوا.
«رفّه» أمر من الترفيه أي الإراحة و التخفيف و التّنفيس و التوسيع، أو من رفّه الراعي الإبل إذا أوردها متى شاء، و في الصحاح: رفهت الإبل بالفتح ترفه رفها و رفوها إذا وردت الماء كلّ يوم متى شاءت و الاسم الرّفه بالكسر.
و أرفتها أنا. و رفّه ترفيها و رفاهية على فعالية و رفهنية و هو ملحق بالخماسي بالألف في آخره و إنّما صارت ياء لكسرة ما قبلها، و يقال بيني و بينك ليلة رافهة و ثلاث ليال روافه إذا كان يسار فيهنّ سيرا ليّنا، و رفّه عن غريمك أي نفّس عنه، و الأوّل أوسع و أعم و باسلوب الكلام و سياقه أدلّ و ألصق، و سيأتي تقرير كلّ واحد منهما في المعنى. «سكنا» السكن بالتحريك: ما سكنت إليه.
«ظعنا» الظعن: الارتحال، يقال: ظعن ظعنا و ظعنا من باب منع أى سار و رحل. و في القرآن الكريم: «وَ اللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَ يَوْمَ إِقامَتِكُمْ» (النحل- 28).
«أرح» على وزن أقم أمر من الأراحة. «روّح» أمر من الترويح. و الظهر
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 83
هنا بمعنى الركاب، لا بمعنى خلاف البطن. قال الجوهريّ في الصحاح: الظّهر: الركاب. و بنو فلان مظهرون إذا كان لهم ظهر ينقلون عليه كما يقال منجبون إذا كانوا أصحاب نجائب. انتهى كلامه.
و الركاب: الإبل الّتي يسار عليها؛ الواحدة راحلة و لا واحد لها من لفظها و الجمع الركب مثال الكتب. فيكون معنى الترويح من قولهم روّح فلان إبله ترويحا إذا ردّها إلى المراح. قال الجوهريّ: أراح إبله أي ردّها إلى المراح و كذلك الترويح. و لا يكون ذلك إلّا بعد الزوال انتهى.
كنايه «ينبطح» يقال: انبطح الرجل إذا اسبطرّ على وجهه ممتدا على وجه الأرض و ههنا كناية عن الانبساط و الإتّساع فينبطح أي ينبسط و يتّسع و منه البطحاء و الأبطح أى مسيل واسع فيه دقاق الحصى. و تبطّح السّيل أي اتّسع في البطحاء.
«ينشب الحرب» ينشب مضارع من باب الإفعال. في الصّحاح: نشب الشيء في الشيء بالكسر- من باب علم- نشوبا أي علق. و أنشبته أنا فيه أي أعلقته فانتشب و أنشب الصائد: أعلق، و يقال: نشبت الحرب بينهم.
«يهاب» أجوف يائيّ تقول: هابه يهابه هيبا و هيبة و مهابة إذا خافه و حذره فهو هائب و هيوب، و رجل مهيب أي يها به الناس «البأس»: الحرب. «الشنان»:
البغض و العداوة.
الاعراب:
في بعض النسخ «بالسير» الباء بمعنى في. و مذكور في نسختنا العتيقة في السير مكان بالسير «فانّ اللّه» الفاء للتعليل. و الّتي بعدها فصيحة للتفريع و النتيجة.
«فسر» الفاء جواب إذا كالّتي بعدها. «دنوّ» مفعول مطلق لقوله لا تدن. و كذلك تباعد لقوله و لا تباعد، و في نسخة الطبري كما اشرنا إليها آنفا مذكور: بعد من يهاب، و هو بضمّ الباء مفعول مطلق أيضا إلّا انه ليس من باب عامله أعني لا تباعد على وزان قوله تعالى: «وَ اللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً». «حتّى يأتيك أمري» غاية
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 84
لكلا النهيين المقدّمين و متعلق بكلا الفعلين أعني لا تدن، و لا تباعد «قبل» ظرف لقوله: و لا يحملنّكم .
المعنى:
قد أتى عليه السّلام في هذه الوصيّة بامور يدلّ بعضها على كمال رأفته بالنّاس، و الاخر على نهاية بصارته في البأس. و قد جمع عليه السّلام فيها بين الأضداد و ألّف بين الأشتات.
و إذا ضمّت هذه الوصيّة إلى الّتي قبلها و اللاتي بعدها تزيد المجاهد بصيرة في فنون الحرب، و مع ذلك تذكّره بتقوى اللّه و تحذّره عن اتّباع الهوى و تنشطه و تشجعه في الجهاد في سبيل اللّه تعالى. و لو تأمّل فيها متأمّل و فكر فيها متفكّر علم أنّ عليها مسحة من العلم الإلهي و فيها عبقة من الكلام النبويّ. و أنّ قائلها كان على بيّنة من ربّه و بصيرة في الدّين و لم يكن في قلبه زيغ عن سواء الطريق. و ما كان همّه إلّا إطفاء نار الفتنة و انقاذ الناس ممّا فيه الهلكة و إنفاذهم إلى ما فيه سعادة جمّة. فانظر في فقرات هذه الوصيّة، افتتحها بتقوى اللّه و اختتمها بالكفّ عن القتال قبل الإعذار و الدّعاء، و وسّط فيها قوله: فسر على بركة اللّه، و صدّر فيها بالأوامر، و أردفها بالنواهي و لعمري إنّ محاسنها فوق أن يحوم حولها العبارة و إنّما هي تدرك و لا توصف و ستقف على بعضها في أثناء الشرح فلنتعرّض لشرح فقراتها و جملها على قدر الوسع و الاستطاعة.
قوله عليه السّلام: «اتق اللّه- إلى قوله: دونه» أمره بتقوى اللّه أوّلا لأنّها خير زاد و كان عليه السّلام كثيرا ما يوصي أصحابه بتقوى اللّه ففي الكافي بإسناده عن أبي الحسن موسى عليه السّلام قال: كان أمير المؤمنين عليه السّلام يوصي أصحابه و يقول:
أوصيكم بتقوى اللّه فانها غبطة الطالب الراجي و ثقة الهارب اللاجي و استشعروا التقوى شعارا باطنا و اذكروا اللّه ذكرا خالصا تحبوا به أفضل الحياة و تسلكوا به طريق النجاة- إلخ (ص 62 ج 14 من الوافي).
و في الفقيه عن سليم بن قيس الهلالي قال: شهدت وصيّة أمير المؤمنين عليه السّلام حين أوصى إلى ابنه الحسن- يعني حين ضربه ابن ملجم- و أشهد على وصيّته الحسين
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 85
و محمّدا و جميع ولده و رؤساء شيعته- إلى أن قال: قال عليه السّلام: ثمّ إنّي اوصيك يا حسن و جميع ولدي و أهل بيتي و من بلغه كتابي من المؤمنين بتقوى اللّه ربّكم (ص 79 ج 2 من الوافي).
ثمّ وصف اللّه تعالى بما فيه تخويف و تشجيع و ذلك أنّه عليه السّلام لما أنفذ معقل بن قيس في ثلاثة آلاف مقدّمة له إلى الشّام توجّه إلى معقل أمران: الأوّل إمارة ثلاثة آلاف رجل، الثاني الجهاد في سبيل اللّه. و الإمارة سلطان قد توجب البغي و الطغيان إلّا من عصمه اللّه عن اتّباع الشيطان؛ و الجهاد بذل النفس دونه تعالى و الجود بالنفس أقصى غاية الجود. فعلى الأوّل خوّفه بقوله: اللّه الّذي لا بدّ لك من لقائه و لا منتهى لك دونه؛ أي خف اللّه تعالى و اتّقه فانّك لو عصيته و ظلمت من دونك من الجيش و عدلت عن العدل فيهم فاعلم أنّما لا بدّ لك من لقاء اللّه تعالى و ليس منتهى لك غيره فاذا يجازيك و يعاقبك بما أسلفت من سوء أعمالك فكن على حذر من طوع الهوى.
و على الثاني شجّعه بذلك القول أيضا على الجهاد أي لا تخف من الجهاد فإنّك لو تجود بنفسك فقتلت في سبيل اللّه فاعلم أنّما تلقى اللّه تعالى و ليس لك سواه منتهى فإذا كان منتهى أمرك إليه و لا بدّ لك من لقائه فهو تعالى يجزيك بما قدمت. قال عزّ من قائل: وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَ لكِنْ لا تَشْعُرُونَ (البقرة- 151) و قال تعالى: «وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ. فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ ... يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَ فَضْلٍ وَ أَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ» (آل عمران- 167).
و قال تعالى: «فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ وَ مَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً» (النساء 77).
قوله عليه السّلام: «و لا تقاتلنّ إلّا من قاتلك» في الكافي و في حديث عبد اللّه بن جندب عن أبيه أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام كان يأمر في كلّ موطن لقينا فيه عدوّنا فيقول: لا تقاتلوا القوم حتّى يبدءوكم فإنّكم بحمد اللّه على حجّة و ترككم
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 86
إيّاهم حتّى يبدءوكم حجّة لكم اخرى فإذا هزمتموهم فلا تقتلوا لهم مدبرا و لا تجيزوا على جريح و لا تكشفوا عورة و لا تمثّلوا بقتيل. انتهى.
و أقول: سيأتي تمام الكلام في سيرته عليه السّلام في الحروب في شرح المختار الرابع عشر من هذا الباب.
ثمّ اعلم أنّ أولياء اللّه شأنهم أجلّ و قدرهم أعظم من أن يقاتلوا النّاس لغير رضا اللّه تعالى فإنّهم مأمورون أوّلا لإحياء النفوس و إنارة العقول و الهداية إلى جناب الربّ جلّ و علا إلّا أنّ طائفة من النّاس لمّا استحوذ عليهم الشيطان طغوا و نهضوا إلى هدم بناء الدين، أو صاروا جراثيم مؤذية راسخة في اصول شجرة الفضيلة الّتي غرسها النبيّ بإذن اللّه تعالى فكان واجبا على النبيّ أو الوليّ أن يجتاحوا اصول الجراثيم لئلّا تطرق المفاسد و الفواحش في الاجتماع الإنسانيّ و لذا ترى أنّ الافتتاح في كلّ غزوة إنّما كان من معاندي الأنبياء و الأولياء. و أمّا الأنبياء و الأولياء فكانوا يأمرون جيوشهم قبل الغزوات بدعاء الكفّار إلى ما فيه حياتهم الدائمة و سعادتهم الباقية، و الاعذار إليهم، و إتمام الحجّة عليهم، و بأن لا يقاتلوا إلّا من قاتلهم لأنّ قتال غير المقاتل ظلم و هم مبرّؤون عنه.
و بما ذكرنا يعلم فضيلة المجاهد في سبيل اللّه و درجة سيف به ينتظم امور الناس و يؤمن الخائفون و يعبد اللّه المؤمنون، و سرّ بعض الايات القائلة بأنّه لو لم يكن السيف لفسدت الأرض كقوله تعالى: «وَ لَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ». و قوله تعالى: «وَ لَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَ بِيَعٌ وَ صَلَواتٌ وَ مَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً» و كذا سرّ بعض الأخبار الّذي ينادي بأعلى صوته أنّ الناس لمّا أبوا أن يقبلوا أمر اللّه رسوله بالقتال: ففي الكافي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: خيول الغزاة في الدّنيا خيولهم في الجنّة و أن أردية الغزاة لسيوفهم. و قال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله: أخبرني جبرئيل بأمر قرّت به عيني و فرح به قلبي قال: يا محمّد من غزا من امتك في سبيل اللّه فأصابه قطرة من السماء أو صداع كتب اللّه له شهادة.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 87
و فيه: عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: الخير كلّه في السيف و تحت ظلّ السيف، و لا يقيم الناس إلّا السيف، و السيوف مقاليد الجنّة و النّار.
أقول: يعني أنّ السيف الّذي يشهره المسلم مجاهدا في سبيل اللّه فهو مقلاد الجنّة أي مفتاحها له، و أنّ الّذي يشهره الكافر مفتاح النّار له.
و فيه عن معمّر عن أبي جعفر عليه السّلام قال: الخير كلّه في السيف و تحت السيف و في ظلّ السيف.
و فيه عن عمر بن أبان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ اللّه تعالى بعث رسوله بالإسلام إلى النّاس عشر سنين فأبوا أن يقبلوا حتّى أمره بالقتال فالخير في السيف و تحت السيف و الأمر يعود كما بدا.
أقول: و قوله عليه السّلام: و الأمر يعود كما بدا إشارة إلى دولة القائم عليه السّلام و الروايات في ذلك كثيرة جدّا تشير إلى سرّ فارد و حقيقة واحدة.
قوله عليه السّلام: «و سر البردين» أمره أن يسير في الغداة و العشيّ لأنّ السير في طرفي النّهار يكون أهون، و طيّ الطريق فيهما يكون أكثر، و التعب يكون أقلّ لبرد الهواء و طيبها في هاتين الساعتين. و في الباب التاسع من أبواب آداب السفر من حجّ الوسائل عن هشام بن سالم قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:
سيروا البردين، قلت: إنّا نتخوّف الهوام، قال: إن أصابكم شيء فهو خير لكم ثمّ إنّكم مضمونون.
قوله عليه السّلام: «و غوّر بالناس» أي أنزل بهم للقائلة أي منتصف النهار و ذلك لأنّ السير في الغائرة يستلزم شدّة الحرّ الموجبة للتعب و الكلال. و القائلة هي وقت القيلولة و الاستراحة. قال تعالى: «وَ حِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ» (النور- 58).
قوله عليه السّلام: «و رفّه بالسّير» سياق الكلام يدّل على أنّه عليه السّلام أمره أن يرفّه جيشه في السير أي يوسّعهم فيه و يرفق بسيرهم و لا يوجفهم لكي لا يتعب الركاب و الركبان، و لا يتأخّر بعض الجيش عن بعض فلو لا التأنّي و الرّفق في السير
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 88
لانجرّ الأمر إلى التفرقة و الكلال و غيرهما من المضارّ في الجند و الدواب فكأنّه عليه السّلام قال له: هوّن بالسير و لا تتعب نفسك و لا دابّتك بالوجيف.
و إن أخذناه من قولهم: رفّه الرّاعي الإبل متى شاء فمتعلّق رفّه يكون خاصّا أي رفّه الركاب بالسير. فيكون توصية له في أن يراعي حالها في السير و لا يمنعها من الماء و الكلاء و يوسّع في الانفاق عليها، و من وصيّة لقمان لابنه:
و إذا قربت من المنزل فانزل عن دابّتك و ابدأ بعلفها فإنّها نفسك- إلخ.
رواها الكلينيّ في الكافي و الصدوق في الفقيه و أتى بها الفيض في الوافي (ص 66 ج 8).
و في الباب التاسع من أبواب أحكام الدواب من حجّ الوسائل عن السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: للدّابّة على صاحبها ستّة حقوق: لا يحملها فوق طاقتها، و لا يتّخذ ظهرها مجالس يتحدّث عليها، و يبدأ بعلفها إذا نزل، و لا يسمها، و لا يضربها في وجهها فانها تسبّح، و يعرض عليها الماء إذا مرّ به.
قوله عليه السّلام: «و لا تسر أوّل اللّيل- إلى قوله: ظعنا» نهى عن السير في أوّل اللّيل نهي كراهة لا نهي تحريم و كلامه هذا ممّا يستدلّ به في الفقه على كراهة السير أوّل اللّيل كما استدلّ به العاملي رحمه اللّه عليها في الباب التاسع من أبواب آداب السفر من حجّ الوسائل. ثمّ علّل النهي بقوله: فإنّ اللّه جعله سكنا أي موضعا تسكنون فيه وقت إقامتكم. و هذا إشارة إلى قوله تعالى: «وَ جَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً» (الأنعام- 97). ثمّ أكّده بقوله: مجاز و قدّره مقاما لا ظعنا. أطلق لفظ الظعن على اللّيل مجازا لأنّ اللّيل ليس بزمان الظعن لا أنّه ليس بظعن إطلاق اسم المظروف الّذي هو الظعن على الظرف الّذي هو الليل، بخلاف اطلاق المقام عليه لأنّ المقام بضمّ الميم اسم زمان من الإقامة فأطلق عليه حقيقة.
على أنّ أوّل اللّيل يكون حين تنشر الشياطين كما وردت به روايات عن أئمّتنا المعصومين عليهم السّلام: ففي الكافي بإسناده عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إنّ إبليس عليه لعائن اللّه إنّما يبثّ جنوده من حين تغيب الشمس و حين تطلع فأكثروا
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 89
ذكر اللّه تعالى في هاتين الساعتين و تعوّذوا باللّه من شرّ إبليس و جنوده و عوّذوا صغاركم هاتين الساعتين فانّهما ساعتا غفلة.
و في الفقيه عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إنّ إبليس إنّما يبثّ جنود اللّيل من حين تغيب الشمس إلى مغيب الشفق و يبثّ جنود النهار من حين يطلع الفجر إلى مطلع الشمس. و ذكر أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله كان يقول: أكثروا ذكر اللّه تعالى في هاتين الساعتين- إلى آخر الحديث المروي عن الكافي و رواهما الفيض في الوافي (ص 232 ج 5).
إن قلت: هل يدلّ الخبران على كراهة السير أوّل اللّيل؟
قلت: لا كلام في كراهة السير أوّل اللّيل و قد دلّت عليها أخبار اخر أيضا كما دلّت على استحباب اختيار آخر اللّيل للسّير ففي الباب التاسع من أبواب آداب السفر من حجّ الوسائل عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: عليكم بالسفر باللّيل فإنّ الأرض تطوى باللّيل. و فيه عن حمّاد بن عيسى، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال لقمان لابنه: يا بنيّ إيّاك و السير في أوّل اللّيل و سر في آخره. و على رواية الكلينيّ:
إيّاك و السير في أوّل اللّيل و عليك بالتعريس و الدّلجة و قد أتى بهما الطباطبائي قدّس سرّه في أوّل الحجّ من العروة الوثقى و أفتى بهما كذلك، و سيأتي نقل روايات اخرى دالّة على كراهة السير أوّل اللّيل و استحبابه في آخره و في البردين عن قريب.
و أمّا دلالة الخبرين على ذلك فغير معلومة لأنّهما يأمران بإكثار ذكر اللّه تعالى في هاتين الساعتين و التعوّذ باللّه فيهما من شرّ إبليس و جنوده فلا بأس أن يسير السائر فيهما ذاكرا متعوّذا، اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ دلالة تلك الأخبار على تحذير السير في أوّل اللّيل و كراهته فيه و على أنّه ساعة غفلة انّما تكون من حيث إنّه وقت تنشر الشياطين فإذا كانت هذه الساعة في الحضر ساعة غفلة ففي السفر أولى لأنّ اضطراب البال في السفر أكثر و إنّما كانت الساعة ساعة غفلة لأنّها وقت اختتام الأعمال فالناس يعرضون ساعتئذ عما كانوا فيها من الأشغال و ينسلون في
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 90
الإقبال إلى بيوتهم من كلّ جانب فيشتغلون بالاكتنان فترى الناس فيها أشتاتا فطائفة أسرعت إلى تغليق الدّكاكين، و اخرى إلى التأهّب للّيل، و اخرى كذا و كذا؛ و بعكسها في الساعة الاخرى أعني حين تطلع الشمس فالناس في هاتين الساعتين في امور دنياهم متوغّلون، و إلى كلّ جانب ينسلون فسمّيتا لما ذكرنا ساعتي غفلة.
قوله عليه السّلام: «فأرح فيه بدنك» أي إذا كان اللّه تعالى قدّر اللّيل سكنا و مقاما فأرح فيه بدنك و ليرح الجيش أبدانهم.
قوله عليه السّلام: «و روّح ظهرك» بين الظهر و البدن إيهام التناسب نحو بيت السقط:
و حرف كنون تحت راء و لم يكن بدال يؤمّ الرسم غيّره النقط
ففى الجمع بين الحرف و الراء و الدّال و النقط إيهام أنّ المراد منها معانيها، و ليس كذلك؛ إلّا أنّ النون في البيت كان على معناه المتبادر من حروف المعجم و المراد من الحرف الناقة المهزولة، وراء اسم فاعل من رأيته، و دال اسم فاعل من دلأ الركائب إذا رفق بسوقها. و النقط ما تقاطر على الرسوم من المطر، شبّه الناقة في الدّقة و الانحناء بنون و مدح حبيبته بأنّها تجلّ عن أن تركب من النوق ما هي في الضمر و الانحناء كالنون يركبها الأعرابي لزيارة الأطلال فيضرب ريتها إذ لا حراك بها من شدّة الهزال بل مراكب الحبيبة سمان ذوات أسنمة.
و كذلك في المقام أنّ الجمع بين البدن و الظهر يوهم أنّ المراد من الظهر هو خلاف البطن و ليس كذلك بل المراد منه الركاب أي روّح ركابك في اللّيل بمعنى ردّها إلى المراح. فأراد عليه السّلام بلفظ الظهر معناه البعيد كقول القاضي أبي الفضل بن عياض يصف ربيعا باردا:
أو الغزالة من طول المدى خرفت فما تفرّق بين الجدى و الحمل
يعني كأنّ الشمس من كبرها و طول مدتها صارت خرفة قليلة العقل فنزلت في برج الجدي في أوان الحلول ببرج الحمل، إذ الجدي من البروج الشتوية، و الحمل
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 91
من الربيعيّة، و المراد من الغزالة معناها البعيد أي الشمس، و معناها القريب: الرّشأ و كذلك الكلام في قوله عليه السّلام: ظهرك؛ إلّا أنّ القاضي قد قرن بها ما يلايم المعنى القريب الّذي ليس بمراد كالجدي و الحمل؛ و هو عليه السّلام أتى بما يلايم كلا معنيى القريب و البعيد أعني روّح و إن كان المراد ما يلايم البعيد كما دريت في اللّغة، و ما يلايم القريب إنّما كان من قولهم روّح فلان الرجل إذا أراحه و لكنه ليس بمراد.
قوله عليه السّلام: فإذا وقفت- إلى قوله: بركة اللّه» يمكن أن يفسّر هذه الفقرة على ثلاثة أوجه:
الأوّل أنّ الأمير عليه السّلام أمر معقل بن قيس بأن يكون وقت انبساط السحر أو انفجار الفجر يقظا و ذلك أنّه لما تولّى من قبله عليه السّلام امارة الجيش و صار قائدهم فلا بدّ له من أن يكون قبل ظعن القوم يقظان ليهيّأ أصحابه للسير و يستعدّهم للارتحال و يكون ناظر أعمالهم و قائما عليهم يراقبهم حتّى لا يفوته بعض ما يصلح لهم.
الثاني أن تكون صلة وقف كلمة إلى المحذوفة فمعناه إذا وقفت اللّيل إلى حين ينبطح السحر فسر على بركة اللّه؛ فكأنّه عليه السّلام أمره بأن يريح بدنه و يروّح ظهره في اللّيل و نهاه عن السير فيه إلى أن ينبطح السحر.
الثالث أن تكون صلة الفعل كلمة على أي إذا وقفت على حين ينبطح السحر بمعنى إذا اطلعت على انبطاحه فسر على بركة اللّه لأنّ وقف مع على يفيد معنى الاطلاع يقال: وقفه على ذنبه إذا اطلعه عليه؛ فكأنّه عليه السّلام أمره أن لا ينام هو و لا عسكره على حدّ يفوتهم السحر نظير قوله عليه السّلام في الوصية السابقة: و لا تذوقوا النّوم إلّا غرارا أو مضمضة، فكأنّ الوجه الأوّل أنسب بسياق الكلام من الأخيرين.
ثمّ اعلم أنّ السحر يكون قبيل الصبح و هو على قسمين: السحر الأعلى و هو ما قبل انصداع الفجر، و السحر الاخر و هو عند انصداعه و الظاهر من قوله عليه السّلام: ينبطح السحر أنّ المراد منه السحر الثاني فيئول معنى كلامه إلى أنّه عليه السّلام أمر ابن قيس بأن يسير إمّا في السحر الثّاني أو حين انشقّ الفجر أي
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 92
الفجر الصادق، فعلى هذا كأنّما السحر خارج عن اللّيل حقيقة لأنّ اللّيل يتمّ حين انصداع الفجر و أمّا على نسخة نصر في صفين أعني: فإذا كان السحر أو حين ينبطح الفجر فسر؛ فالسحر خارج عن اللّيل حكما لأنّ الظاهر من قوله عليه السّلام: و لا تسر أوّل اللّيل فإنّ اللّه جعله ساكنا أنّ الدّليل أعني قوله: فإنّ اللّه جعله ساكنا راجع إلى قوله أوّل اللّيل فالكراهة تختصّ بأوّل اللّيل فيستثنى آخر اللّيل عن حكم الكراهة فكلامه عليه السّلام هذا كغيره من روايات أخر مخصّص لقوله تعالى: «وَ جَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً» الاية المتقدّمة، و الأخبار يأمر بعضها بالسير في اللّيل مطلقاً و ينهى الاخر عن السير فيه كذلك فقد تقرّر في اصول الفقه صحّة تخصيص الكتاب بالسنّة، و السنّة بالسنّة أيضا، فعليك بطائفة من أخبار وردت في المقام رواها العاملي قدّس سرّه في الباب التاسع من أبواب آداب السفر من حجّ الوسائل.
بإسناده عن جميل بن درّاج و حمّاد بن عثمان جميعا، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: الأرض تطوى في (عن- خ ل) آخر اللّيل.
و عن هشام بن سالم قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: سيروا البردين، قلت: إنّا نتخوّف الهوام، قال: إن أصابكم شيء فهو خير لكم ثمّ إنّكم مضمونون.
و عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: عليكم بالسفر باللّيل فإنّ الأرض تطوى باللّيل.
و عن حمران بن أعين قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: يقول النّاس: تطوى لنا الأرض باللّيل كيف تطوى؟ قال: هكذا ثمّ عطف ثوبه.
و عن يعقوب بن سالم رفعه إلى عليّ عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: إذا نزلتم فسطاطا أو خبأ فلا تخرجوا فإنّكم على غرة.
قال أمير المؤمنين عليه السّلام: اتّقوا الخروج بعد نومة فان للّه دوارا بينها يفعلون ما يؤمرون.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 93
و عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال: بعثني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله على اليمن فقال لي و هو يوصيني ما حار من استخار و لا ندم من استشار، يا عليّ عليك بالدلجة فإنّ الأرض تطوى باللّيل ما لا تطوى بالنهار، يا عليّ اغد على اسم اللّه فإنّ اللّه تعالى بارك لامّتي في بكورها.
و عن حمّاد بن عيسى، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال لقمان لابنه: يا بنيّ إذا سافرت مع قوم فأكثر استشارتهم في أمرك- إلى أن قال: و إيّاك و السير في أوّل اللّيل و سر في آخره. قال: و رواه الكلينيّ- إلّا أنّه قال: و إيّاك و السير في أوّل اللّيل و عليك بالتعريس و الدلجة من لدن نصف اللّيل إلى آخره.
أقول: قد ذكر طائفة من وصيّة لقمان لابنه و منها هذه النبذة الّتي رواها حماد عن الصادق عليه السّلام ابن قتيبة الدّينوري في كتاب الحرب من عيون الاخبار ص 135 ج 1 طبع مصر 1383 ه.
بيان: قال الجوهريّ في الصحاح: أدلج القوم إذا ساروا من أوّل اللّيل؛ و الاسم الدّلج بالتحريك و الدّلجة و الدّلجة أيضا مثل برهة من الدهر و برهة فإن ساروا من آخر اللّيل فقدادّ لجوا بالتشديد (يعني بتشديد الدال) و الاسم الدّلجة و الدّلجة.
انتهى كلامه. و التعريس: نزول المسافر آخر اللّيل للنوم و الاستراحة من قولهم عرّس القوم إذا نزلوا في السفر في آخر اللّيل للاستراحة كما في مجمع البحرين و أقرب الموارد، و ربّما استعمل الإدلاج بالتخفيف لسير آخر اللّيل كقول الشاعر:
اصبر على السير و الإدلاج في السحر. كما أنّ الإدّلاج بالتشديد قد يستعمل لسير اللّيل كلّه.
و أقول: فبما قدّمنا دريت وجه الجمع بين تلك الأخبار. ثمّ إنّ مقتضى الجمع أن تكون الدّلجة اسما من ادّلج القوم بتشديد الدال لأنّ قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لعليّ: يا عليّ عليك بالدّلجة فإنّ الأرض تطوى باللّيل، ما لا تطوى بالنهار و إن كان لم يفرّق بين أوّل اللّيل و آخره إلّا أنّ رواية الصادق عليه السّلام حكاية عن لقمان
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 94
و إيّاك و السير في أوّل اللّيل و عليك بالتعريس و الدّلجة من لدن نصف اللّيل إلى آخره تبيّن بأنّ. المراد من الدلجة في قول الرسول عليه السّلام هو اسم من الادّلاج المشدّد أي السير في آخر اللّيل.
و بما حقّقنا دريت أنّ ما ذهب إليه الطريحي في مادّة دلج من المجمع حيث قال: «في الحديث عليكم بالدّلجة و هو سير اللّيل يقال أدلج بالتخفيف إذا سار من أوّل اللّيل و بالتشديد إذا سار من آخره و الاسم منهما الدّلجة بالضمّ و الفتح، و منهم من يجعل الإدلاج للّيل كلّه و كأنّه المراد هنا لما في آخر الحديث فإنّ الأرض تطوى و لم يفرّق بين أوّل اللّيل و آخره» ليس بصواب.
الكلام في حدوث الفجر و تعاكس الصبح و الشفق و البحث عن مسائل شتى متنوعة:
و اعلم أنّ الشمس أعظم جرما من الأرض بكثير و هي على الحساب الّذي أورده غياث الدّين جمشيد الكاشي في رسالته المفيدة الأنيقة المترجمة بسلّم السماء ثلاثمائة و ستّ و عشرون مثلا للأرض.
و قد بيّن اسطرخس في الشكل الثّاني من كتابه في جرمي النيّرين أنّ الكرة إذا أقبلت الضوء من كرة اخرى أعظم منها كان المستضيّ منها أعظم من نصفها فلمّا كانت الشمس و الأرض كرّيتين و الشمس أعظم منها بكثير فالأرض تستضيء أكثر من نصفها من الشمس دائما. و تحدث بين المستضيء و المظلم من الأرض دائرة صغيرة إذا الجزء المضيء من الأرض أعظم من النصف كما علمت فهي لا تنصّف كرة الأرض و قد بيّن في محلّه أنّ الدائرة العظيمة هي الّتي تنصّف الكرة الّتي فرضت عليها.
ثمّ اعلم أنّ ما يقبل الضوء يجب أن يكون كثيفا مانعا من نفوذ الضوء فيه فلو لم يكن مانعا كالهواء و الزجاج المشفّين لم يقبلا الضوء فالأرض لكثافتها المانعة من نفوذ الضوء قابلة له و كذا كرة البخار المحيطة بها و أمّا ما فوق كرة البخار
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 95
من الهواء لا يستضيء بضياء الشمس أصلا لكونها مشفّة في الغاية و ينفذ النور فيها و لا ينعكس فاذا وقع ضوء الشمس على الأرض يستضيء وجهها المواجه لها بها و لمّا كانت الأرض كرّية الشكل تقريبا و الشمس أعظم منها يكون ظلّها على شكل مخروط مستدير فانّ الكرة المنيرة لو كانت مساوية للمستنيرة يكون الظلّ على شكل الأستوانة المستديرة لا المخروط المستدير، ثمّ قاعدة المخروط المستدير من ظلّ الأرض هي تلك الدائرة الصغيرة يحيط به هذه القاعدة و سطح مستدير يرتفع منها و يستدقّ شيئا فشيئا إلى أن ينتهي في أفلاك الزهرة و يكون لا محالة قاعدة مخروط الظلّ نحو جرم الشمس و سهمه في مقابلة جرمها أبدا ففي منتصف اللّيل يكون السّهم على دائرة نصف النهار فوق الأرض إمّا قائما على سطح الافق الحسّي إن كانت الشمس على سمت القدم، أو مائلا إلى جهة القطب الظاهر إن كانت عن سمت القدم في جهة القطب الخفيّ، أو إلى جهة القطب الخفيّ إن كانت عن سمت القدم في جهة القطب الظاهر؛ و لكن يتساوى بعده عن الشرق و الغرب في جميع الصّور.
و لا يخفى على ذي دربة في الفنّ أنّ هذا مخصوص بما إذا لم يتّصل الصبح بالشفق إذ حينئذ قبل أن يميل المخروط إلى جانب الغرب يصير الشعاع المحيط به مرئيّا كما سنزيدك فيه بيانا.
ثمّ إنّ كرة البخار هواء متكاثف بسبب مخالطة الأجزاء الأرضيّة و المائيّة المتصاعدتين من كرتيهما بحرارة الشمس أو غيرها على شكل كرة محيطة بالأرض على مركزها و سطح مواز لسطحها و هي مختلفة القوام فما هو أقرب منهما إلى الأرض أكثف ممّا هو أبعد لأنّ تصاعد الألطف أكثر بالطبع من الأكثف و قد بيّن في الأبعاد و الأجرام أنّ بعد سطحها الأعلى عن سطح الأرض اثنان و خمسون ميلا تقريبا.
و مخروط الظلّ يثقب كرة البخار و لا يحيط بها و ذلك لأنّ قاعدة المخروط سطح دائرة محيطها هو الفصل المشترك بين المضيء و المظلم من كرة الأرض و تلك
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 96
الدائرة صغيرة أعني أنّ القاعدة أصغر من عظيمة مفروضة على كرة الأرض كما دريت فتكون أصغر كثيرا من عظيمة كرة البخار لأنّها محيطة بالأرض. فما وقع من كرة البخار داخل هذا المخروط لا يستضيء بضياء الشمس و ما سواه من كرة البخار مستنيرة أبدا لكثافتها و احاطة الشمس بها لكنّها لا ترى في اللّيل لبعدها عن البصر.
فإذا كانت الشمس تحت الأرض قريبة من الافق فما يرى من القطعة المستنيرة من كرة البخار فوق الافق إن كان في الجانب الشرقي يسمّى صبحا، و إن كان في الجانب الغربي يسمّى شفقا و هما متعاكسان أي متشابهان شكلا و متقابلان وضعا فإنّ أوّل الصّبح بياض مستدقّ مستطيل منتصب، ثمّ بياض عريض منبسط في عرض الافق مستدير كنصف دائرة يضيء به العالم، ثمّ حمرة. و أوّل الشفق حمرة، ثمّ بياض عريض منبسط مستدير، ثمّ بياض مستدقّ مستطيل منتصب.
و هما مختلفان لونا أيضا لاختلاف ما يستضيء من الجوّ بضياء الشمس بسبب اختلاف لون البخار فإنّه يكون في أواخر اللّيل مائلا إلى الصّفاء و البياض لرطوبة المكتسبة من برودة اللّيل؛ و إلى الصفرة في أوائله لغلبة الحرّ الدخاني المكتسب من حرارة النهار مع أنّ الكثيف كلّما كان أكثر صفاء و بياضا كان أضوء و الشعاع المنعكس عنه أقوى.
و اعلم أنّ النوع الأوّل من الفجر أعني ذلك البياض المستدقّ المستطيل المنتصب يعرف بالصبح الأوّل. و الصبح الكاذب، و يلقّب بذنب السرحان. أمّا بالأوّل فلسبقه لأنّه أوّل ما يرى فوق الافق من نور الشمس.
و أمّا بالكاذب فلكون ما يقرب من الافق بعد مظلما أي لو كان يصدق أنّه نور الشمس لكان المنير ما يلي الشمس دون ما يبعد منها.
و قيل: سمّي بالكاذب لأنّه تعقّبه ظلمة تكذّبه فإنّه إذا طلع الصبح الثاني انعدم ضوء الصبح الأوّل.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 97
و فيه أنّ ضوء الصبح الأوّل لا يعدم بطلوع الصبح الثاني بل يخفى عن البصر لضعفه و غلبة الضوء الشديد الطاري أعني ضوء الصبح الثاني عليه كما هو حكم النور الضعيف في قبال القويّ منه و لذا يخفى ضياء الكواكب في ضوء الشمس فلا يصحّ أن يقال إنّ ظلمة تعقّبه و تكذّبه أيضا لأنّه لا تعقّبه ظلمة بل يكون وقتئذ ما قرب من الافق مظلما و إنّما يعقّبه ضوء قوى عليه.
و أمّا بذنب السرحان فلدقّته و استطالته تشبيها له به إذا شاله و لاستطالته يسمّى بالفجر المستطيل أيضا.
قال المسعود بن السعد بن السّلمان:
و ليل كأنّ الشمس زلّت ممرّها و ليس لها نحو المشارق مرجع
نظرت إليه و الظّلام كأنّه من الجوّ غربان على الأرض وقّع
فقلت لنفسي طال ليلي و ليس لي من الهمّ منجاة و في الصّبر مفزع
أرى ذنب السّرحان في الجوّ طالعا و هل ممكن قرن الغزالة تطلع؟
و مراده من الغزالة معناها البعيد أعني الشمس، قال الحافظ:
شود غزاله خورشيد صيد لاغر من گر آهويى چو تو اندر كنار من باشى
و قال الخاقاني الشرواني في قصيدة مدح بها منوچهر شروانشاه (ص 379 طبع طهران 1336 ه ش):
صبحدم آب خضر نوش از لب جام گوهرى كز ظلمات بحر جست آينه سكندرى
شاهد طارم فلك رست ز ديو هفت سر ريخت بهر دريچه اى آغچه زرّ شش سرى
غاليه ساى آسمان سود بر آتشين صدف از پى مغز خاكيان لخلخه هاى عنبرى
يوسف روز جلوه كرد از دم گرگ و ميكند يوسف گرگ مست ما دعوى روز پيكرى
و النوع الثاني من الفجر أعني ذلك البياض العريض المنبسط في عرض الافق المستدير كنصف دائرة يضيء به العالم يسمّى بالصّبح الثاني، و الصّبح الصادق، و الفجر المستطير، و الصّديع.
أمّا بالثاني فلكونه في مقابل الأوّل؛ و أمّا بالصّادق لأنّ ضياءه أصدق من
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 98
الضياء الأوّل، و لأنّه في إزاء الكاذب؛ و أمّا بالمستطير فمن قولهم استطار الفجر إذا انتشر و تبيّن، و سيأتي قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: لا يغرنّكم الفجر المستطيل فكلوا و اشربوا حتّى يطلع الفجر المستطيع؛ و أمّا بالصّديع لأنّه انصداع ظلمة عن نور و الصدع: الشقّ و الفرق و الفصل كما مضى تفصيله في شرح المختار 229 من باب الخطب (ص 9 ج 15). و قد وردت في التعبير عن الصّديع رواية عن الصادق عليه السّلام رواها شيخ الطائفة الطوسي قدّس سرّه في التهذيب بإسناده عن الحضرمي قال:
سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام فقلت: متى اصلّي ركعتي الفجر؟ قال: حين يعترض الفجر و هو الّذي تسمّيه العرب الصّديع (ص 53 ج 5 من الوافي).
و لا يتعلّق بالنّوع الأوّل شيء من الأحكام الشرعيّة، و لا من العادات الرّسميّة غالبا، بل يتعلّق بالنوع الثاني منه كما يدلّ عليه بعض الايات القرآنيّة و أخبار مستفيضة إن لم تكن متواترة وردت في هذا المعنى و سيجيء نقل طائفة منها إن شاء اللّه تعالى.
و إنّما قيّدنا الحكم بقولنا غالبا لأنّ نبذة من عبادات نفليّة تتعلّق بطلوع الفجر الأوّل: منها دخول وقت فضيلة الوتر فإنّ أفضل أوقاتها ما بين الفجرين كما رواه شيخ الطائفة قدّس سرّه في التهذيب (و في الوافي ص 53 ج 5) بإسناده عن إسماعيل بن سعد الأشعري قال: سألت أبا الحسن الرّضا عليه السّلام عن ساعات الوتر فقال: أحبّها إلىّ الفجر الأوّل- الحديث.
فإنّ قوله عليه السّلام: أحبّها إلىّ، يدلّ على أنّ وقت فضيلته الفجر الأوّل.
و في الكافي و التهذيب بإسنادهما عن ابن وهب قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن أفضل ساعات الوتر فقال: الفجر الأوّل (ص 53 ج 5 من الوافي).
و في أوائل مفتاح الفلاح للشيخ الأجلّ العلّامة البهائي قدّس سرّه أنّه روي أنّ رجلا سأل أمير المؤمنين عليه السّلام عن الوتر أوّل اللّيل فلم يجبه فلمّا كان بين الصّبحين خرج أمير المؤمنين عليه السّلام إلى المسجد فنادى أين السائل عن الوتر؟
ثلاث مرّات، نعم ساعة الوتر هذه؛ ثمّ قام عليه السّلام فأوتر.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 99
فإنّ المراد من قوله: بين الصّبحين هو بين الفجرين أي الكاذب و الصّادق كما لا يخفى.
و منها وقت نافلتي الصّبح ففي التهذيب بإسناده عن البزنطيّ قال: قلت لأبي الحسن عليه السّلام: ركعتي الفجر أصلّيهما قبل الفجر، و بعد الفجر؟ فقال: قال أبو جعفر عليه السّلام: احش بهما صلاة اللّيل و صلّهما قبل الفجر. (ص 53 ج 5 من الوافي).
و في الكافي و التهذيب بإسنادهما عن زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام:
الركعتان اللّتان قبل الغداة أين موضعهما؟ فقال: قبل طلوع الفجر فإذا طلع الفجر فقد دخل وقت الغداة. (ص 53 ج 5 من الوافي).
و في التهذيب بإسناده عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سألته عن ركعتي الفجر قبل الفجر أو بعد الفجر؟ فقال: قبل الفجر إنّهما من صلاة اللّيل ثلاث عشرة ركعة صلاة اللّيل- الحديث. (ص 53 ج 5 من الوافي).
و فيه بإسناده عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت: ركعتا الفجر من صلاة اللّيل هي؟ قال: نعم. (ص 53 ج 5 من الوافي).
و كذا غيرها من الرّوايات الواردة في ذلك عن أصحاب العصمة عليهم السّلام. و انّما تدلّ على ما أشرنا إليه؟ لأنّ المراد من الفجر إذا اطلق هو الفجر الثاني، على أنّ قوله عليه السّلام: «فإذا طلع الفجر فقد دخل وقت الغداة» قرينة دالّة على ذلك.
و أنّ قوله عليه السّلام: احش بهما صلاة اللّيل ، و إنّهما من صلاة اللّيل و غيرهما ترشدنا إلى أنّ وقت النافلتين بين الفجرين، و قد علمت أنّ الوتر الّذي هي من صلاة اللّيل كان أفضل أوقاتها بين الفجرين فنافلتا الصّبح وقتهما بعد صلاة الوتر و قبل الفجر الثاني أي بين الفجرين فيتمّ المطلوب.
نعم إن طلع الفجر الثاني و لم يكن قد صلّى صلّاهما إلى أن يحمّر الافق فإن احمرّ و لم يكن قد صلّى أخّرهما إلى بعد الفريضة، كما ورد بها روايات عنهم عليهم السّلام.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 100
و بما قدّمنا علمت أن ما جنح إليه العلّامة البيروني في القانون المسعوديّ (949 ج 2) من أنّه لا يتعلّق بالفجر الأوّل شيء من الأحكام الشرعيّة و لا من العادات الرسميّة، ليس باطلاقه صحيحا.
فالأحكام الشرعيّة أكثرها متعلّقة بالثاني فالمرويّ عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله: لا يغرنّكم الفجر المستطيل فكلوا و اشربوا حتّى يطلع الفجر المستطير، فأوّل النهار طلوع الفجر الثاني، و يدلّ عليه القرآن الكريم: «كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ» (البقرة- 186) فالخيط الأبيض بياض الفجر المعترض الممدود المستطيل أي الفجر الثاني لأنّه أوسع ضياء و يناسب قوله تعالى حتّى يتبيّن، و الخيط الأسود سواد اللّيل، قال أبو داود الأياديّ في الخيط الأبيض:
و لما أضاءت لنا غدوة و لاح من الصبح خيط أنارا
«1» و قال آخر في الخيط الأسود:
قد كاد يبدو و بدت تباشره و سدف الخيط البهيم ساتره
ففي الاية استعارة عجيبة و المراد حتّى يتبيّن بياض الصبح من سواد اللّيل و عبّرهما بالخيطين مجازا.
و الظاهر أنّ وجه تشبيههما بالخيط لدقّتهما كالخيط لأنّ بيضا الصبح في أوّل طلوعه يكون مشرقا خافيا فيزداد انتشارا، و سواد اللّيل وقتئذ يكون منقضيا مولّيا فيزداد استتارا فهما جميعا ضعيفان دقيقان كالخيط.
و تحقيقه أنّ الفصل المشترك بين ما انفجر أي انشقّ من الضياء و بين ما هو مظلم بعد يشبه خيطين اتّصلا عرضا فالّذي انتهى إليه الضياء الخيط الأبيض و الّذي ابتدأ منه الظلام الخيط الأسود.
______________________________
(1) المصراع الاول قد يروى هكذا: و لما تبدت لنا سدفة، و قد يروى: و لما أضاءت لنا سدفة، و في بعض النسخ ظلمة مكان غدوة، و السدفة: الضياء المخلوط بالظلام. منه.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 101
و كلمة من بيانيّة أي الخيط الأبيض من الفجر؛ و استغنى به عن بيان الخيط الأسود لأنّه يعلم بالتّبع، و قد مال بعض إلى أنّها للتبعيض و قد علمت بما حقّقنا أنّه و هم.
و روي أنّ عديّ بن حاتم قال: لما نزلت: و كلوا و اشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض الاية قلت للنبيّ صلّى اللّه عليه و اله إنّي وضعت خيطين من شعر أبيض و أسود فكنت أنظر فيهما فلا يتبيّن لي فضحك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله حتّى رؤيت نواجده ثمّ قال: يا ابن حاتم إنّما ذلك بياض النهار و سواد اللّيل، و قد نقله المفسرون بألفاظ مختلفة تؤل إلى ما نقلناه، فالاية تدلّ على أنّ أوّل النهار طلوع الفجر الثاني.
و في الكافي بإسناده عن حمّاد، عن الحلبيّ قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر فقال: بياض النهار من سواد اللّيل- إلخ. (ص 34 ج 7 من الوافي).
و اعلم أنّ البياض المستدقّ المستطيل المنتصب الموازي لذنب السرحان آخر الشفق قلّما أن يتنبّه له الناس و يدركوه و السرّ في ذلك أنّ الهواء حينئذ يكون كدرا جدّا بسبب ما يكون الناس فيه من الأشغال و بغلبة الحرّ الدّخاني المكتسبة من حرارة النهار؛ بخلاف الصّبح فانّ الهواء فيه يكون مائلا إلى الصفاء و البياض لرطوبة المكتسبة من برودة اللّيل و لعدم أشغال معتدّة تكدّره فبتلك العوائق الطارية أنّ ذنب السرحان لا يرى في الشفق، لا كما ذهب إليه العلّامة أبو ريحان البيروني في القانون المسعوديّ (ص 949 ج 2 طبع حيدر آباد الدكن 1374 ه) و تبعه المحقق الشريف و الفاضل الفخرى و غيرهما حيث قال: و إنّما لا ينبّه النّاس له لأنّ وقته عند اختتام الأعمال و اشتغالهم بالاكتنان و أمّا وقت الصبح فالعادة فيه جارية باستكمال الرّاحة و التهيّؤ للتصرّف فهم فيه منتظرون طليعة النهار ليأخذوا في الانتشار فلذلك ظهر لهم هذا و خفى ذلك. انتهى كلامه.
كيف لم يكن هذا الدّليل عليلا و لو ينتظر أحد غروب الشفق لا يدرك
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 102
ذلك الخيط الشبيه بذنب السرحان غالبا كما يدركه أوّل طلوع الصبح.
و جملة الأمر أنّ. هذا الحكم رياضيّ لا يخصّص و لا يعتريه ريب و لا يشوبه عيب إلّا أنّ الطواري تمنعنا عن إدراكه.
فبما حققناه في المقام دريت و هن ما ذهب إليه المولى أحمد النراقي رحمه اللّه في الخزائن حيث قال: إشكال رياضيّ و هو أنّ الرياضيّين علّلوا الفجر الكاذب و نسبوه إلى الشمس وضوئها و لو كان كذلك ينبغي أن يكون في المغرب أيضا كذلك يعني إذا غاب الشمس يظهر بعد قليل بياض مستطيل شبيه بذنب السرحان و ليس كذلك انتهى كلامه. فراجع إلى (ص 165 من كتاب الخزائن الّذي طبع في طهران عاصمة ايران سنة 1380 ه) على تصحيحنا و تعليقنا عليه.
و إن شئنا ثنينا البيان على تحرير أدقّ و برهنّاه ببرهان هندسيّ أتمّ فنقول:
إنّ ظلّ الأرض مخروط مستدير و المخروط المستدير كما عرّفه اقليدس في صدر المقالة الحادية عشر من الاصول ما يحوزه مثلث قائم الزاوية أثبت أحد ضلعي الزاوية القائمة محورا لا يزول و أدير المثلث إلى أن يعود إلى موضعه، و سهمه الضلع الثابت و قاعدته دائرة و سهم المخروط مارّ بمركز القاعدة عمود عليها أبدا، و قد بيّن في محلّه أنّ مركز الشمس و الأرض أبدا على سهم مخروط ظلّ الأرض فليمرّ سطح بمركزي الشمس و الأرض و سهم المخروط و هذا السطح قائم على قاعدة المخروط على زوايا قوائم كما برهن في الشكل الثامن عشر من المقالة الحادية عشر من الاصول. ثمّ ليحدث من ذلك السطح مثلّث حادّ الزوايا قاعدته على الافق و ضلعاه على سطح مخروط الظلّ.
أمّا كون المثلّث حادّ الزوايا فنقول إنّ زاويتي قاعدته حادّتان لأنّ سهم المخروط قائم على القاعدة و مارّ بمركزها و قطر قاعدة المخروط قاعدة المثلّث فمنتصف القطر موقع عمود السهم فينقسم المثلّث بمثلّثين يكون سهم المخروط ضلعهما المشترك، و نصف قطر قاعدة المخروط قاعدة كلّ واحد منهما و الزّاويتان
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 103
اللّتان بين السهم و نصفي القطر قائمتان لأنّ السهم عمود على القطر، فالزاويتان الاخريان أعني زاويتي قاعدة المثلّث الأعظم حادّتان لأنّ المثلّث على البسيط المستوى تعدل زواياه الثلاث قائمتين فإذا كانت إحدى زواياه قائمة فلا بدّ من أن تكون كلّ واحدة من زاويتيه الأخريين أقل من قائمة أعني حادّة، و المثلّثان متساويان زواياهما كلّ لنظيره متساوية كما برهن في الرابع، و في الثّاني و الثلاثين من أولى الاصول.
و إنّما قيّدنا المثلّث على البسيط المستوى لأنّه إذا كان على كرة أمكن أن يبلغ جميع زواياه الثلاث إلى أعظم من قائمتين كما برهن في الشكل الحادي عشر من أولى أكرمانا لاؤوس.
و إنّما كانت زاوية رأسه حادّة لأنّها لو لم تكن حادّة لكانت إمّا قائمة أو منفرجة فكان وتره أعظم من كلّ من ضلعي المخروط لأنّهما و ترا حادّتين و قد بيّن في التاسع عشر من أولى الاصول أنّ الزاوية العظمى من المثلّث يوترها الضلع الأطول و كان وترها قطر قاعدة المخروط الّذي هو أصغر من قطر الأرض و قد تبيّن في الأبعاد و الأجرام أنّ رأس المخروط في أفلاك الزهرة و أنّ بعد مقعر فلك الزهرة أعظم من قطر الأرض بكثير.
و انّما كان قطر قاعدة المخروط أصغر من قطر الأرض لأنّ الأرض أصغر من الشمس بكثير فتقبل منها الضوء و قد علمت أنّ الكرة إذا قبلت الضوء من كرة اخرى أعظم منها كان المستضيء منها أعظم من نصفها و لذا تحدث بين المستضيء و المظلم من الأرض دائرة صغيرة هي قاعدة مخروط الظلّ فيكون قطره أصغر من قطر الأرض.
و أمّا كون قاعدة المثلّث على الافق فلأنّ قطر قاعدة المخروط يكون دائما موازيا لافق موضع مّا قريبا من الحسّي، و في المقام خاصّة إذا كان نصف اللّيل كان قطر قاعدة المخروط موازيا لافق الناظر قريبا من الافق الحسّي.
فإذا دريت ما قدّمنا لك فنقول: و ليفرض هذا المثلّث في سطح ممتدّ فيما بين
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 104
المشرق و المغرب فوق الأرض إن كان المطلوب تميز الصبح، و بينهما تحتها إن كان المقصود تميز الشّفق، بحيث إن أحد الضلعين على القاعدة يلي الشمس، و لا شكّ أنّ الأقرب من الضلع الّذي يلي الشمس إلى الناظر يكون موقع العمود الخارج من البصر الواقع على ذلك الضلع ثمّ الأقرب فالأقرب منه، لا موضع اتّصال الضلع بالافق؛ فإذن أوّل ما يرى نور الشمس يرى فوق الافق كخط مستقيم منطبق على الظلع المذكور، و يكون ما يقرب من الافق بعد مظلما، و لذلك يسمّى ذلك النور المرئيّ في المشرق بالصبح الأوّل و الصبح الكاذب.
و إن شئت قلت إنّ أوّل ما يرى من الشعاع المحيط بالمخروط أعني أقربه إلى موضع النّاظر هو موضع خطّ يخرج من بصره إليه في سطح دائرة سمتيّة أعني دائرة ارتفاع تمرّ بمركز الشمس حال كون ذلك الخطّ عمودا على الخطّ المماسّ للشمس و الأرض جميعا الّذي هو في سطح الفصل المشترك بين الشعاع و الظلّ فيرى الضوء مرتفعا عن الافق مستطيلا و ما بينه و بين الافق مظلما و هو الصبح الكاذب؛ فتبصّر.
ثمّ إذا قربت الشمس من الافق الشرقيّ جدّا ينبسط النور فصار الافق منيرا يصير الصّبح صادقا ثمّ يزداد نوره لحظة فلحظة إلى أن تظهر الحمرة. و قد علمت أنّ الشفق يكون بعكس الصبح.
و الحمرة الّتي ترى فوق الافق في الصبح و الشفق إنّما تتكوّن من اختلاط النور القوى و الظلمة، و ليكن ذلك في ذكرك حين تسير بك قطار في نفق السكّة الحديديّة، أو سيّارة في نفق؛ سيّما إذا كنت مواجها للشمس و كان النّفق ذا طول فإذا ظهر مخرج النّفق من بعيد ترى حمرة كحمرة الصبح و الشفق قد تكوّنت من اختلاط شعاع الشمس من خارج النفق و الظلمة في داخله.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 105
و لنمثّل لك مثالا توضيحا للمراد فليفرض ا ب ح مثلّث المخروط و ا ح الضلع الّذي يلي الشمس و ب ح سطح الافق المرئي و د موضع الناظر و ه موقع عمود البصر و نخرج من موضع الناظر عمود د ه على ا ح و هذا العمود لا يمكن أن يقع على ح لأن زاوية د ح ه الداخلة في المثلّث حادة كما دريت. و زاويتاه قائمتان لأنّ د ه عمود فيلزم إذن تساوي الحادة و القائمة هف.
و كذلك لا يمكن أن يقع خارجا عن جانب ح. مثلا أن يقع على رلأنّه يلزم أن يجتمع في مثلّث د ر ح قائمة و منفرجة و قد بين امتناع اجتماعهما في مثلّث مستو. أمّا الزاوية القائمة فلأنّ در عمود بالفرض على ضلع ا ح.
و أمّا المنفرجة فلأنّ زاوية د ح ه كانت حادّة فد ح ر منفرجة لا محالة لأنّه برهن في الثالث عشر من أولى الاصول إذا قام خط على خط كيف كان حدثت عن جنبتيه زاويتان إما قائمتان أو متساويتان معا لقائمتين فإذا كانت إحداهما حادّة بقيت الاخرى منفرجة.
و أمّا امتناع اجتماعهما في مثلّث مستو فلأنّه إذا كان إحدى زواياه قائمة فلا بدّ من أن تعادل الاخريان قائمة فلو كانت أحدهما منفرجة تعادل زواياه الثلاث أكثر من قائمتين هف.
و بمثل هذا البيان نقول: إنّ هذا العمود لا يمكن أن يقع على ا أعني رأس
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 106
المخروط و لا خارجا من جانبه فيقع موقع العمود فيما بين نقطي ا ح، ثمّ نقول:
إنّ- د ه وتر حادّة و د ح- وتر قائمة فالأوّل أقصر من الثاني بالتاسع عشر من أولى الاصول بل أقصر من كلّ خطّ يخرج من موضع الناظر إلى ا ح لكونه وتر قائمة فيكون نقطة ه موقع العمود أقرب النقاط إلى البصر فيكون خط د ه من بين الخطوط الخارجة من البصر إلى ضلع ا ح أقلّ مسافة منها فيرى أوّلا موقع العمود أعني نقطة ه لقربه من البصر ثمّ بعض ما كان من الضلع المذكور فوق موقع العمود و تحته القريبين منه دون البعض الاخر لبعده عنه فلذلك يرى بعض الأجزاء المرئي من الضلع المذكور كخطّ مستقيم شبيه بذنب السرحان إذا شال ذنبه.
و أمّا ما يقرب من الافق فيكون بعد مظلما و لا يرى نور الشمس الّذي وراء الظل لبعده عن البصر لأنّ لكلّ مبصر غاية من البعد و القرب إذا جاوزهما لم يبصر كما حقّق في محلّه و أشرنا إلى شرايط الرؤية في شرحنا على الكتاب الثامن فراجع.
على أنّ الهواء الّذي عند الافق يكون أكثف و أغلظ بخلاف الهواء الّذي ارتفع عنه و لا يخفى عليك أنّ للطافة الهواء و كثافته دخلا في ظهور الضوء و عدمه.
فان قلت: ما قدمت إنّما يتمّ لو كان خط د ه العمود الواقع على ا ح شعاع البصر فتكون نقطة د بمنزلة عين الناظر مرتفعة عن الافق على حدّ قامته، و الاشكال فيه أن صورة مثلّث د ح ه انّما تتحقّق لو كانت نقطة د على سطح الافق الحسّي لا مرتفعة عنه، و لو اعتبر كونها عليه فأين قامة الناظر؟
قلت: قامة الناظر في أمثال هذه الامور كنقطة لا تخلّ بالمقصود فلا يضرّنا في المقام اعتبار قامته و عدمه.
و أمّا ما وعدنا من زيادة بيان في اتّصال الصبح بالشفق في بعض الافاق فنقول: قد علم بالتجربة أنّ انحطاط الشمس عند أوّل طلوع الصبح الكاذب و آخر الشفق ثمانية عشر درجة ففي الافاق الّتي يكون عروضها ثماني و أربعين درجة
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 107
و ثلاث و ثلاثين دقيقة شماليّة كانت أو جنوبيّة يتصل آخر الشفق و هو عند غاية انحطاط الشمس عن الافق بأوّل الصبح الكاذب إذا كانت الشمس في المنقلب الصيفي أعني أوّل السرطان في الافاق الشماليّة و أوّل الجدي في الافاق الجنوبيّة.
و ذلك لأنّ افقا كان عرضه 3 3 48 يكون تمام عرضه 7 2 41 فإذا نقص منه الميل الكلّي أعني الميل المنقلب الصيفي و هو في سنتنا هذه و هي سنة 1385 ه بلغ 27 23 تقريبا بقى 18 درجة؛ و تكون غاية انحطاط المنقلب الصيفي في هذا الافق 18 درجة لا محالة و لا يخفى عليك أنّ غاية انحطاطه حينئذ قوس من نصف النهار بين المنقلب عند كونه تحت الأرض و بين قطب أوّل السموت من الجانب الأقرب و لمّا كانت الشمس بلا عرض أعني أنّها في سطح دائرة منطقة البروج دائما فإذا بلغت إلى هذا المنقلب تكون غاية انحطاطها عن ذلك الافق 8 1 درجة فيكون آخر الشفق أي غاية انحطاطها مبدء الصبح الأوّل.
و هذا أوّل عرض يتفق فيه اتّصال الصبح بالشفق و في الافاق الّتي جاوزت عروضها ذلك المقدار إلى أن بلغ عرضها مثل تمام الميل الأعظم أعني 33 66 يتناقص انحطاط الشمس عن الافق عند كونها في المنقلب الصيفي عن ذلك المقدار أي يكون انحطاط أقلّ من 18 درجة فلا محالة تكون عن جنبتي المنقلب نقطتان غاية انحطاطهما تكون 18 درجة فما دامت الشمس في القوس الّتي بين النقطتين يتّصل الشفق بالصبح و طلوع الصبح يكون قبل تمام غروب الشفق فيتداخل الصبح و الشفق فيكون زمان ما من ساعاتهما و يكثر هذا الزمان كلّما ازداد العرض لأنّ العرض كلّما كان الأكثر كانت تلك القوس الواقعة بين النقطتين أعظم.
و إذا بلغ العرض مثل تمام الميل الكلّي فما فوقها فلا يكون للشمس في المنقلب الصيفي انحطاط أصلا لأنّ مدار المنقلب على الأوّل يكون أعظم المدارات الأبديّة الظهور و على الثاني يدور فوق الافق.
و بما حرّرنا دريت أنّ قول الفاضل البرجنديّ في شرح التذكرة في المقام حيث فسّر نهاية المقدار في كلام الخواجة: «و فيما جاوزت عروضها ذلك المقدار»
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 108
بقوله: إلى أن بلغ عرض تسعين، ليس بصواب. و الحقّ فيه التفصيل.
ثمّ إنّ في المقام مباحث أنيقة و مطالب دقيقة حرّرناها في رسالتنا المدوّنة في الوقت و القبلة فليرجع الطالب إليها. و لعلّنا نشير إلى طائفة منها في شرح كتابه عليه السّلام إلى امراء البلاد في معنى الصلاة إنشاء اللّه تعالى و اللّه تعالى نحمد و نستزيد.
تذييل:
قد ذكرنا أنّ قوله تعالى: «حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ» يدلّ على أنّ المراد من الفجر هو الثاني و قد رويت أخبار عديدة من أئمّتنا المعصومين عليهم السّلام فيه: ففي الكافي عن عليّ بن مهزيار قال: كتب أبو الحسن بن الحصين إلى أبي جعفر الثاني عليه السّلام معى جعلت فداك قد اختلف موالوك في صلاة الفجر فمنهم من يصلّى إذا طلع الفجر الأوّل المستطيل في السماء، و منهم من يصلّي إذا اعترض في أسفل الافق و استبان؛ و لست أعرف أفضل الوقتين فاصلّي فيه فان رأيت أن تعلمني أفضل الوقتين و تحدّه لي و كيف أصنع مع القمر و الفجر لا يتبيّن معه حتّى يحمرّ و يصبح؟ و كيف أصنع مع الغيم؟ و ما حدّ ذلك في السفر و الحضر؟ فعلت إن شاء اللّه تعالى.
فكتب بخطّه و قراءته: الفجر يرحمك اللّه هو الخيط الأبيض المعترض ليس هو الأبيض صعداء؛ فلا تصلّ في سفر و لا حضر حتّى تبيّنه فإنّ اللّه تعالى لم يجعل خلقه في شبهة من هذا فقال: «و كلوا و اشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر» و الخيط الأبيض هو المعترض الّذي يحرم به الأكل و الشرب في الصوم و كذلك هو الّذي يوجب به الصلاة. أتى به الفيض في الوافي في ص 51 ج 5. و العاملي في باب أنّ أوّل وقت الصبح طلوع الفجر الثاني المعترض في الافق دون الفجر الأوّل المستطيل من صلاة الوسائل، و رواه في التهذيب بأدنى تفاوت في ألفاظه.
و في التهذيب عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يصلّي ركعتي الصبح و هي الفجر إذا اعترض الفجر و أضاء حسنا. و في الفقيه: و روي أنّ وقت الغداة إذا اعترض الفجر فأضاء حسنا. رواه في ذلك الباب من الوسائل أيضا.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 109
و في الكافي و التهذيب و الفقيه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: الصبح هو الّذي إذا رأيته (كان- نسخة الفقيه) معترضا كأنّه نباض سورى.
أقول: النباض بتقديم النون على الباء من نبض الماء إذا سال و ربما قريء بالباء فالياء و المراد منه نهرى سورى على وزن بشرى موضع بالعراق و قد دلّ عليه ما في التهذيب عن هشام بن الهذيل، عن أبي الحسن الماضي عليه السّلام قال: سألت عن وقت صلاة الفجر فقال: حين يعترض الفجر فتراه. مثل نهر سورى. رواه في ذلك الباب من الوسائل أيضا.
و في التهذيب عن أبي بصير المكفوف قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصائم متى يحرم عليه الطعام، فقال: إذا كان الفجر كالقبطيّة البيضاء، الخبر.
أقول: القبطيّة بضم القاف: الثوب من ثياب مصر رقيقة بيضاء منسوب إلى القبط و هم أهل مصر هذا في الثياب و أمّا في النّاس فقبطيّ بالكسر كما فى النهاية الأثيريّة.
و في الباب التالي من ذلك الباب المقدّم من الوسائل: عن زريق، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه كان يصلّي الغداة بغلس عند طلوع الفجر الصادق أوّل ما يبدو قبل أن يستعرض.
أقول: و الأخبار بهذا المضمون المرويّة عن أئمتنا عليهم السّلام كثيرة رويت أكثرها في الكتب الأربعة و كتابي الصلاة و الصوم من الوسائل و غيرها من الجوامع تدلّ على ما قدّمنا من أنّ قوله تعالى «حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ» يدلّ على انّ المراد من الفجر الفجر الصّادق و أنّ الأحكام الشرعيّة و العادات الرسميّة إنّما تتعلّق به لا بالكاذب.
قوله عليه السّلام: «فإذا لقيت العدوّ فقف من أصحابك وسطا» امره عليه السّلام أن يقف عند لقاء العدوّ في وسط الجيش و ذلك لأنّ أمير الجيش إذا كان حينئذ في وسط الجيس يكون نسبته إلى كلّ جوانب على السواء فكان أقدر على ابلاغ أوامره و نواهيه إلى الجميع، و على الإحاطة بهم و التّسلّط عليهم.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 110
على أنّ أمير الجيش بمنزلة القطب فيهم فينبغي لهم أن يكونوا حوله على نسبة سواء، و يقوه بأنفسهم و ينتظروا أمره و لا يبعدوا عنه بعدا ربّما يوجب اختلال نظامهم.
و أنّه بمنزلة القلب من جسد العسكر فيجب عليه و عليهم العناية التامّة في حفظه و حراسته و ذلك لأنّ موت واحد من أفراد الجيش لا يوجب اضمحلالهم بخلاف الأمير لأنّه من الأعضاء الرئيسة الّتي ينتفي الكلّ بانتفائه فهلاك رئيس القوم يوجب انهدامهم و انهزامهم فنعم ما قاله الشاعر:
لك العزّ إن مولاك عزّ فإن يهن فأنت لدى بحبوحة الهون كائن
فإذا كان في وسط القوم فكأنّه في حصن حصين يمنع الخصم عن الظفر عليه.
قوله عليه السّلام: «و لا تدن من القوم دنوّ من يريد أن ينشب الحرب- إلخ» بعد ما أمره عليه السّلام بما دريت أخذ أن ينهيه عن عدّة امور فمنها أن لا يدنو من القوم دنوّ من يريد أن يوقع الفتنة و يقيم الحرب و ذلك لما قدّمنا من أنّ أولياء اللّه ما أمروا بسفك الدماء و قتل النفوس إلّا بعد أن أبى النّاس إلّا نفورا و طغيانا فعند ذلك كان أمر ربّهم حتما مقضيّا في اجتياحهم لئلّا يختلّ بهم انتظام الاجتماع البشري و قد قيل: إنّ ما يزع السلطان أكثر ممّا يزع القرآن و ما يلتئم بالسنان لا ينتظم بالبرهان. و قد تقدّم في ص 39 ج 2 من التكملة، و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله الخير كلّه في السيف و تحت ظلّ السيف و لا يقيم الناس إلّا السيف و السيوف مقاليد الجنّة و النار. رواه الكلينيّ في الكافي و قد تقدّم و بيانه آنفا. و في القرآن الكريم: «وَ لَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَ لكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ» (البقرة- 254). «وَ لَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَ بِيَعٌ وَ صَلَواتٌ وَ مَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً» (الحج- 42) و الايتان مسوقتان إلى الجهاد في سبيل اللّه بالسيف كما يدلّ عليه سياق الايات الّتي قبلهما فراجع.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 111
ثمّ انظر في سيرة قائد الغرّ المحجّلين أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام في حروبه، لا يأذن القوم أن يواجهوا الخصم إلى حدّ يشعر بارادة ايقاع الفتنة فتبصّر أنّ الحجج الإلهيّة و الّذين تولّوا امور الدّين بعدهم بإذنهم شأنهم أجلّ ممّا توهّمه الجاهلون و عزّوهم إلى كثير ممّا ليس إلّا فرية و اختلاق.
و منها أن يتباعد عنهم تباعد من يؤذن بخوفه من البأس أي الحرب لأنّ ذلك يشعر بالوهن و الضعف و الخوف من العدوّ فيوجب أن يطمع العدوّ فيه. ثمّ ضرب له في هذين النهيين غاية فقال: حتّى يأتيك أمري.
و منها أن لا يحملنّ معقل بن قيس و أصحابه بغض القوم و عداوتهم إيّاهم على أن يقاتلوهم قبل أن يعذروا إليهم الدّعاء و يمنحوهم النصح و يتمّوا الحجّة عليهم و يدعوهم إلى الإمام الحق. و في الكافي (الوافي ص 16 ج 9) عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: لمّا وجّهني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله إلى اليمن فقال: يا علىّ لا تقاتل أحدا حتّى تدعوه إلى الإسلام و أيم اللّه لئن يهدي اللّه على يديك رجلا خير لك ممّا طلعت عليه الشمس و غربت و لك ولاؤه.
و يستحبّ أن يكون الدّعوة بما في النصّ كما يأتي تفصيله في شرح المختار الخامس عشر من هذا الباب إن شاء اللّه تعالى.
فلو كان القتال بمجرّد عداوة الخصم يخرج كونه طاعة بل قتال في سبيل هوى النفس و تشفّيها فلا أقلّ من أن يكون مشوبا بغير طاعة اللّه و قد قال تعالى و تقدّس:
«فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً» (آخر الكهف) و الجهاد عبادة فلا بدّ فيه من خلوص النيّة. و تأبى نفسي إلّا نقل جملة ما أجاد العارف الرّومي في المثنوي من أبيات تناسب المقام جدّا:
از على آموز اخلاص عمل شير حق را دان منزّه از دغل
در غزا بر پهلوانى دست يافت زود شمشيري بر آورد و شتافت
او خدو انداخت بر روى على افتخار هر نبيّ و هر وليّ
او خدو انداخت بر رويى كه ماه سجده آرد پيش او در سجده گاه
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 112
در زمان انداخت شمشير آن علي كرد او أندر غزايش كاهلى
گشت حيران آن مبارز زين عمل از نمودن عفو و رحم بى محل
گفت بر من تيغ تيز افراشتى از چه افكندى مرا بگذاشتى
آن چه ديدى بهتر از پيكار من تا شدى تو سست در آشكار من
آن چه ديدى كه چنين خشمت نشست تا چنين برقي نمود و باز جست
آن چه ديدى كه مرا زان عكس ديد در دل و جان شعله اى آمد پديد
آن چه ديدى بهتر از كون و مكان كه به از جان بود و بخشيديم جان
در شجاعت شير ربّانيستى در مروّت خود ندانم كيستى
در مروّت ابر موسايى به تيه كامد از وى خوان و نان بى شبيه
اى علي كه جمله عقل و ديده اى شمّه اى وا گو از آن چه ديده اى
تيغ علمت جان ما را چاك كرد آب علمت خاك ما را پاك كرد
باز گو دانم كه اين اسرار هوست ز ان كه بى شمشير كشتن كار اوست
باز گو اى باز عرش خوش شكار تا چه ديدى اين زمان از كردگار
چشم تو ادراك غيب آموخته چشمهاى حاضران بر دوخته
راز بگشا اى عليّ مرتضى اى پس از سوء القضا حسن القضا
يا تو واگو آنچه عقلت يافته است يا بگويم آنچه بر من تافته است
از تو بر من تافت چون دارى نهان مى فشانى نور چون مه بى زبان
ليك اگر در گفت آيد قرص ماه شب روان را زودتر آرد براه
از غلط ايمن شوند و از ذهول بانگ مه غالب شود بر بانگ غول
ماه بى گفتن چو باشد رهنما چون بگويد شد ضيا اندر ضيا
چون تو بابى آن مدينه علم را چون شعاعى آفتاب حلم را
باز باش اى باب بر جوياى باب تا رسند از تو قشور اندر لباب
باز باش اى باب رحمت تا ابد بارگاه ما له كفوا أحد
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 113
پس بگفت آن نو مسلمان وليّ از سر مستىّ و لذّت با عليّ
كه بفرما يا أمير المؤمنين تا بجنبد جان بتن همچون جنين
باز گو اى باز پر افروخته با شه و با ساعدش آموخته
باز گو اى باز عنقا گير شاه اى سپاه اشكن بخود نى با سپاه
امّت وحدى يكىّ و صد هزار باز گو اى بنده بازت را شكار
در محلّ قهر اين رحمت ز چيست اژدها را دست دادن كار كيست
گفت من تيغ از پى حق مى زنم بنده حقّم نه مأمور تنم
شير حقّم نيستم شير هوا فعل من بر دين من باشد گوا
من چو تيغم و آن زننده آفتاب ما رميت إذ رميت در حراب
رخت خود را من زره برداشتم غير حق را من عدم انگاشتم
گفت أمير المؤمنين با آن جوان كه بهنگام نبرد اى پهلوان
چون خدو انداختى بر روى من نفس جنبيد و تبه شد خوى من
نيم بهر حق شد و نيمى هوا شركت اندر كار حق نبود روا
گفت من تخم جفا مى كاشتم من ترا نوعى دگر پنداشتم
تو ترازوى أحد خود بوده اى بل زبانه هر ترازو بوده اى
من غلام آن چراغ شمع خو كه چراغت روشنى پذيرفت ازو
عرضه كن بر من شهادت را كه من مر تو را ديدم سرافراز ز من
قرب پنجه كس ز خويش و قوم او عاشقانه سوى دين كردند رو
او بتيغ حلم چندين خلق را وا خريد از تيغ چندين حلق را
تيغ حلم از تيغ آهن تيز تر بل ز صد لشكر ظفر انگيزتر
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 114
الترجمة:
اين وصيّتى است كه أمير عليه السّلام بمعقل بن قيس رياحي- هنگامى كه وى را با لشكرى سه هزار نفرى مقدّمه خود كرده بوده، و بسوى شام گسيل داشت- فرمود:
بترس از خدائى كه ناچار بازگشت بدو است، و سرانجامت تنها او است، جنگ مكن مگر با كسى كه با تو سر جنگ دارد، و در دو طرف روز (صبح و عصر كه هوا خنك است) راه ميرو، و در نيم روز لشكر را فرود آر تا بياسايند، و سبك و آسان راه ميرو. و در أول شب سير مكن كه خدا آنرا براى آرميدن قرار داده و براى اقامت تقدير فرموده نه كوچ كردن، پس در آن تنت و ستورانت را آسايش ده تا به پهن شدن آثار سحر، و پيدايش سپيده صبح آگاه شدى، با درخواست بركت از خداى سير ميكن، و چون دشمن را ديدى در ميان لشكر قرار گير، و بدشمن چندان نزديك مشو چون نزديك شدن كسى كه آهنگ در گرفتن آتش جنگ دارد، و چندان از آنان دور مشو چون دور شدن كسى كه از جنگ هراس دارد، تا فرمان من در رسد، و مبادا كه دشمنى آنان، شما را پيش از آنكه با آنان اتمام حجت كنيد، و مر ايشان را براه حق بخوانيد، و عذر خود را بديشان تمام گردانيد بجنگ وا دارد.