منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 183
إنّ اللَّه تعالى قد خصّكم بالإسلام، و استخلصكم له، و ذلك لأنّه اسم سلامة و جماع كرامة، اصطفى اللَّه تعالى منهجه، و بيّن حججه من ظاهر علم، و باطن حكم، لا تفني غرائبه، و لا تنقضي عجائبه، فيه مرابيع النّعم، و مصابيح الظّلم، لا تفتح الخيرات إلّا بمفاتحه، و لا تكشف الظّلمات إلّا بمصابيحه، قد أحمى حماه، و أرعى مرعاه، فيه شفاء المشتفي، و كفاية المكتفي. (30748- 30629)
اللغة:
و (جماع) الشيء بالكسر و التّخفيف جمعه يقال الخمر جماع الاثم و (المرابيع) الأمطار التي تجىء في أوّل الرّبيع و (حمى) المكان من النّاس حميا من باب رمى منعه عنهم، و الحماية اسم منه و أحميته بالألف جعلته حمى لا يقرب و لا يجترء عليه و كلاء حمى محمى قال الشاعر:
و نرعى حمى الأقوام غير محرّم علينا و لا يرعى حمانا الذي نحمى
قال الشّارح المعتزلي: قد حمى حماه، أى عرضه لأن يحمى كما تقول: أقتلت الرّجل أى عرضته لأن يضرب.
الاعراب:
و إضافة المنهج إلى الضمير إما نظير الاضافة في سعيد كرز، أو بمعنى اللّام، و الاضافة في قوله: من ظاهر علم و باطن حكم، من قبيل إضافة الصفة إلى موصوفها، و من في من ظاهر للتبيين و التفسير كما تقول دفعت إليه سلاحا من سيف و رمح و سهم أو للتميز و التقسيم.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 184
المعنى:
ثمّ أشار إلى بغض ما منّ اللَّه تعالى به على المخاطبين، و هو أعظم نعمائه عليهم فقال (إنّ اللَّه قد خصّكم بالاسلام و استخلصكم له) أى استخصّكم له يعني أنّكم لكرامتكم عند اللَّه تعالى و علوّ منزلتكم خصّكم بهذه النّعمة العظمى و العطيّة الكبرى (و ذلك لأنّه اسم سلامة) قال الشّارح المعتزلي و البحراني: يعني أنّه مشتقّ من السّلامة، و تبعهما بعض الشّارحين فقال: ظاهر الكلام يعطى أنّ الاسلام من السّلامة مشتقّ فليس بمعنى الانقياد و الدّخول في السلم.
أقول: لا دلالة في كلامه عليه السّلام على اشتقاقه منه لو لم يكن دالّا على خلافه، بل الظّاهر أنّ معناه أنّ الاسلام اسم لمسمّى فيه سلامة من غضب الجبّار و من النّار، فانّ من فاز بالاسلام سلم من سخط اللَّه و عقوبته.
(و) هو أيضا (جماع كرامة) أى مجمعه إذ به يفاز الجنان، و يتحصل الرّضوان و النّعيم الأبد و اللّذة السّرمد (اصطفى اللَّه منهجه) أى اختار طريق الاسلام و ارتضاه من بين ساير الطرق و المناهج، و المراد بطريق الاسلام إما نفس الاسلام، و تسميته بالطريق باعتبار ايصاله إلى قرب الحقّ سبحانه و كونه محصّلا لرضاه تعالى، و قد عبّر عنه بالصّراط و هو الطّريق في قوله تعالى: «اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ».
على بعض تفاسيره، و يدلّ على اختيار اللَّه سبحانه و اصطفائه له قوله تعالى: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَ ما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ».
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 187
و أمّا الطريق المخصوص به أعنى الطّريق الّذي لا بدّ لمن تديّن بدين الاسلام أن يسلكه و هى طريق الشّريعة أعني الفروع العمليّة، و الدّليل على اصطفائه عزّ و جلّ لها جعلها ناسخة لسائر الشّرايع و إبقائها بقاء الدّهر، شرع محمّد صلّى اللَّه عليه و آله مستمرّ إلى يوم القيامة (و بيّن حججه) أى أوضح الأدلّة الدّالة على حقيّته (من ظاهر علم و باطن حكم) أى تلك الأدلّة على قسمين: أحدهما علم ظاهر و هى الأدلّة النّقلية من الكتاب و السنّة، و ثانيهما حكمة باطنة و هي الأدلّة العقليّة.
أمّا تفسير الحكم بالحكمة فقد دلّ عليه ما في الصافي عن الكافي عن الباقر عليه السّلام قال: مات زكريا فورثه ابنه يحيى الكتاب و الحكمة و هو صبىّ صغير، ثمّ تلا قوله تعالى: «يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا».
و في مجمع البحرين في الحديث ادع اللَّه أن يملاء قلبي علما و حكما، أى حكمة.
و أمّا تفسير الحكمة بالعقل فقد نصّ عليه الكاظم عليه السّلام في رواية الصافي عن الكافي عنه عليه السّلام في تفسير قوله تعالى: «وَ لَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ».
قال: الفهم و العقل، فقد ظهر و اتّضح مما ذكرنا أنّ المراد بالحكم الباطن هو دليل العقل (لا تفنى غرائبه و لا تنقضي عجائبه) يعني أنّ غرائب الاسلام و عجائبه دائمة تجدّد يوما فيوما، ألا ترى كيف أعزّه اللَّه و أهله في بدو الأمر و أذّل الكفر و أهله و نصر اللَّه المسلمين على الكافرين و أظهرهم عليهم على قلّة الأوّلين و كثرة الآخرين و أيّد الاسلام بالملائكة المسوّمين يوم بدر و حنين، و نكص الشيطان اللّعين على عقبيه لما تراءت الفئتان و قال إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رب
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 188
العالمين، مضافة إلى المعجزات و الكرامات الصادرة من قادة المسلمين و نوّابهم الصّالحين في كلّ عصر و زمان، و أعظم تلك العجائب و أكمل تلك الغرايب ما يظهر في آخر الزّمان عند ظهور الدّولة الحقّة القائميّة «عج» و هذه كلّها من عجائب نفس الاسلام و مضافة إليه كما هو غير خفيّ لاولى الأفهام.
استعاره (فيه مرابيع النّعم) استعار لفظ المرابيع للبركات و الخيرات التي يفوز بها المسلمون في الآخرة و الاولى ببركة أخذهم الاسلام دينا أمّا في الدّنيا فكحقن الدّماء و الظفر بالأعداء و غنيمة الأموال و رفاه الحال، و أمّا في العقبى فالنّجاة من النّار و الأمن من غضب الجبّار و الفوز بجنّات تجري من تحتها الأنهار، و برضوان من اللَّه أكبر و هو أعظم النّعماء و أشرف الآلاء.
(و مصابيح الظّلم) لفظ المصابيح أيضا استعارة للمعارف الحقّة و العقائد الالهيّة، إذ تصفية القلب بها يرتفع ظلمات الشّبهات و يندفع رين الشكوكات عنه في الدّنيا بخلاف الّذين كفروا فقد خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ عَلى سَمْعِهِمْ وَ عَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ، و أمّا في الآخرة فبسبب تلك المعارف و بعض الأعمال الصّالحة الّتي هى من فروع الدّين و الاسلام يحصل نور للمؤمن في القبر و البرزخ و القيامة، هذا و يحتمل أن يكون لفظ المصابيح استعارة لأولياء الدّين و أئمّة اليقين قادة المسلمين إذ بهم يهتدي من ظلمات الجهل و الضّلال في الدّين و الدّنيا، و بأنوارهم يسلك سبيل الجنّة في الأخرى كما قال عزّ من قائل: «نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ».
و قد مرّ الكلام في هذا المعنى مشبعا في شرح الفصل الأوّل من الخطبة الرّابعة فليراجع ثمة.
(لا تفتح الخيرات إلّا بمفاتحه) أراد بالخيرات النّعم الأخرويّة و اللّذائذ الدّائمة الباقية و الدّرجات العالية، و مفاتح الاسلام الفاتحة لها عبارة عن فروعات
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 189
الاسلام و الأعمال الحسنة و العبادات الّتي كلّ منها سبب لجزاء مخصوص و موصلة الى درجة مخصوصة من درجات الجنان و مفاتح لأبوابها.
كما ورد في بعض الأخبار: أنّ للجنّة ثمانية أبواب: الباب الأوّل اسمه التّوبة، الثّاني الزّكاة، الثّالث الصّلاة، الرّابع الأمر و النّهى، الخامس الحجّ السّادس الورع، السّابع الجهاد، الثّامن الصّبر، فانّ الظّاهر منه أنّ التّوبة مفتاح للباب الأوّل و الزّكاة للثاني و هكذا.
(و لا تكشف الظلمات إلّا بمصابيحه) قد طهر توضيحه ممّا قدّمناه آنفا في شرح قوله: فيه مصابيح الظلم (قد أحمى حماه) المراد بحمى الاسلام المحرّمات الشّرعيّة و قد أحماها اللَّه سبحانه أى جعلها عرضة لأن تحمى، أى منع و نهى عن الاقتحام فيها.
و يدلّ على ما ذكرناه ما في الوسائل عن الصّدوق قال: إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام خطب النّاس فقال في كلام ذكره: حلال بيّن، و حرام بيّن، و شبهات بين ذلك فمن ترك ما اشتبه عليه من الاثم فهو لما استبان له أترك، و المعاصى حمي اللَّه فمن يرتع حولها يوشك أن يدخلها و فيه عن الفضل بن الحسن الطبرسي في تفسيره الصّغير قال: في الحديث أنّ لكل ملك حمى و حمى اللَّه محارمه فمن رتع حول الحمى أوشك أن يقع فيه.
و فيه عن الكراجكى في كتاب كنز الفوايد بسنده عن سلام بن المستنير عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام قال قال جدّي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله: أيّها النّاس حلالي حلال إلى يوم القيامة، و حرامي حرام إلى يوم القيامة، ألا و قد بينهما اللَّه عزّ و جلّ في الكتاب و بيّنتهما لكم في سنّتي و سيرتي، و بينهما شبهات من الشّيطان و بدع بعدى من تركها صلح له أمر دينه و صلحت له مرّوته و عرضه، و من تلبّس بها وقع فيها و اتبعها كان كمن رعى غنمه قرب الحمى، و من رعى ما شئته قرب الحمى نازعته نفسه إلى أن يرعاها في الحمى، ألا و إنّ لكلّ ملك حمى، ألا و إنّ حمى اللَّه عزّ و جلّ محارمه، فتوّقوا حمى اللَّه و محارمه.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 190
(و أرعى مرعاه) المراد بمرعاه المباحات و المحلّلات الشّرعية، فانّ اللَّه سبحانه قد رخّص المكلّفين في الاقدام عليها و تناولها و التّمتع بها.
(فيه شفاء المشتفى و كفاية المكثفى) إذ به يحصل التّقرب الرّوحاني من الحقّ تعالى، و هو شفاء لكلّ داء و غنى لكلّ فقر، و إليه يؤمى ما في الحديث القدسي يابن آدم كلّكم ضالّ إلّا من هديته، و كلّكم مريض إلّا من شفيته، و كلّكم فقير إلّا من أغنيته.
تنبيه:
ما ذكرته في شرح هذه الفقرات الأخيرة أعني قوله: من ظاهر علم، إلى آخر الفصل هو الّذي ظهر لي في المقام و هو الأنسب بسياق الكلام.
و قال الشّارح المعتزلي و البحراني و تبعهما غيرهما: إنّ المراد بقوله: من ظاهر علم هو القرآن، و ما ذكره إلى آخر الفصل أوصاف له.
قال الشّارح المعتزلي و يعنى بظاهر علم و باطن حكم القرآن ألا تراه كيف أتى بعده بصفات و نعوت لا يكون إلّا للقرآن من قوله: لا تفنى غرايبه، أى آياته المحكمة و براهينه القاطعة، و لا تنقضى عجائبه، لأنّه مهما تأمّله الانسان استخرج منه بفكره غرايب و عجايب لم يكن عنده من قبل، فيه مرابيع النعم المرابيع سبب لظهور الكلاء، و كذلك تدبر القرآن سبب للنعم الدّينية و حصولها، قد أحمى حماه و أرعى مرعاه، أى عرض حمى القرآن و محارمه لأن يجتنب و عرض مرعاه لأن يرعى، أى يمكن من الانتفاع بما فيه من الزّواجر و المواعظ لأنه خاطبنا بلسان عربيّ مبين، و لم تقنع ببيان ما لا يعلم إلّا بالشرع حتى نبّه في أكثره على أدلّة العقل.
و قال الشارح البحراني: ثمّ أخذ عليه السّلام في إظهار منّة اللَّه عليهم بالقرآن الكريم و تخصيصهم به من بين ساير الكتب و اعدادهم لقبوله من ساير الامم.
ثمّ نبّه على بعض أسباب إكرامه تعالى لهم به أمّا من جهة اسمه فلأنّه مشتق من السّلامة بالدّخول في الطّاعة.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 191
و أمّا من جهة معناه فمن وجوه:
أحدها أنّه مجموع كرامة من اللَّه لخلقه لأنّ مدار جميع آياته على هداية الخلق إلى سبيل اللَّه القائدة إلى الجنّة الثّاني أنّ اللَّه اصطفى منهجه و هو طريقته الواضحة المؤدّية للسّالكين بالسير إلى رضوان اللَّه الثّالث أنّه بيّن حججه و هى الأدلّة و الأمارات و قسم الحجج إلى ظاهر علم و أشار به إلى ظواهر الشّريعة و أحكامها الفقهيّة و أدلّة تلك الأحكام، و باطن حكم و أشار به إلى ما يشتمل عليه الكتاب العزيز من الحكمة الالهية و أسرار التوحيد و علم الأخلاق و السياسات و غيرها الرابع أنّه لا تفنى عزائمه «1» و أراد بالعزائم هنا الآيات المحكمة و براهينه العازمة أى القاطعة، و عدم فنائها إشارة إمّا إلى ثباتها و استقرارها على طول المدّة و تغير الأعصار، و إمّا إلى كثرتها عند البحث و التفتيش عنها الخامس و لا تنقضى عجايبه، لأنّه كلّما تأمله الانسان استخرج منه بفكره لطايف معجبة من أنواع العلوم لم يكن عنده من قبل.
السادس فيه مرابيع النعم، استعار لفظ المرابيع لما يحصل عليه الانسان من النعم ببركة القرآن و لزوم أوامره و نواهيه و حكمه و آدابه أمّا في الدّنيا فالنعم التي تحصل ببركته لحامليه من القرّاء و المفسّرين و غيرهم ظاهرة الكثرة، و أمّا بالنسبة إلى الآخرة فما يحصل عليه مقتبسو أنواره من الكمالات المعدّة في الآخرة من العلوم و الاخلاق الفاضلة أعظم نعمة و أتمّ فضل السابع أنّ فيه مصابيح الظلم استعار لفظ المصابيح لقوانيته و قواعده الهادية إلى اللَّه في سبيله.
الثامن استعاره أنه لا يفتح الخيرات إلا بمفاتحه، أراد الخيرات الحقيقية الباقية و استعار لفظ المفاتح لمناهجه و طرقه الموصلة إلى تلك الخيرات.
______________________________
(1) هكذا في شرح البحرانى و يستفاد منه أنّ الموجود في نسخته عزائمه بدل غرائبه
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 192
التاسع و لا ينكشف الظّلمات إلّا بمصابيحه أراد ظلمات الجهل و بالمصابيح قوانينه.
العاشر استعاره كونه قد أحمى حماه، استعار لفظ الحمى لحفظه و تدبّره و العمل بقوانينه، و وجه الاستعارة أنّ بذلك يكون حفظ الشّخص و حراسته أمّا في الدّنيا فمن أيدى كثير من الظّالمين لاحترامهم حملة القرآن و مفسّريه و من يتعلّق به، و أمّا في الآخرة فلحمايته حفظته و متدبّريه و العامل به من عذاب اللَّه كما يحمى الحمى من يلوذ به، و نسبة الأحماء إليه مجاز.
الحادى عشر استعاره و كذلك أرعى مرعاه أى هيّأه لأن رعاه، و استعار لفظ المرعى للعلوم و الحكم و الآداب الّتي يشتمل عليه القرآن، و وجه المشابهة أنّ هذه مراعى النفوس الانسانيّة و غذائها الّذي به يكون نشوها العقلى و نماؤها الفعلى، كما أنّ المراعى المحسوسة من النّبات غذاء للأبدان الحيوانيّة الّتى بها يقوم وجودها.
الثّانيعشر فيه شفاء المشتفى، أى طالب الشّفاء منه أمّا في الأبدان فبالتغوّذ به مع صدق النيّة فيه و سلامة الصّدور، و أمّا في النّفوس فلشفائها به من أمراض الجهل.
الثالث عشر و كفاية المكتفى، أراد بالمكتفى طالب الكفاية أما من الدّنيا فلأنّ حملة القرآن الطالبين به المطالب الدّنيوية هم أقدر و أكثر الناس على الاحتيال به في تحصيل مطالبهم و كفايتهم بها، و أمّا في الآخرة فلأنّ طالب الكفاية منها يكفيه تدبّر القرآن و لزوم مقاصده في تحصيل مطلوبه منها.
تذييل:
قد وعدناك تحقيق الكلام في قوله عليه السّلام: لا يدخل الجنّة إلّا من عرفهم و عرفوه و لا يدخل النار إلّا من أنكرهم و أنكروه، و قد تكلّم فيه الشارحان البحراني
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 193
و المعتزلي على ما يقتضيه سليقتهما و بلغا فيه غاية و سعهما و بذلا منتهى الجهد إلّا أنّهما لقصور يديهما عن أخبار العترة الأطهار الأطياب لم يكشفا عن وجوه خرايده النّقاب، و خفى عليهما وجه التحقيق و مقتضى النّظر الدّقيق، فأحببت أن اشبع الكلام في المقام، لكونه حقيقا بذلك مع الاشارة إلى بعض ما قاله الشّارحان الفاضلان، و ينبغي أن نورد أوّلا جملة من الرّوايات الموافقة معنى لكلامه عليه السّلام ثمّ نتبعها بالمقصود.
فأقول: و باللَّه التّوفيق قال تعالى: «وَ عَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ» و للمفسّرين في تفسير الأعراف قولان:
أحدهما أنّها سور بين الجنّة و النّار أو شرفها و أعاليها، أو الصّراط فيكون مأخوذا من عرف الدّيك و ثانيهما أنّ على معرفة أهل الجنّة و النّار رجال و الأخبار تدلّ على التّفسيرين، و ربّما يظهر من بعضها أنّه جمع عريف كشريف و أشراف، فيكون مرادفا للعرفاء، فلا بدّ على هذا التفسير من التّقدير أى على طريق الأعراف رجال أو على التجريد، هكذا قال العلّامة المجلسى:
و هو انّما يستقيم إذا جعلنا الأعراف مأخوذا من المعرفة، و أمّا إذا كان جمعا لعريف فهذا التقدير لا يرفع الاشكال، إذ يكون محصّل المعنى أنّ على طريق عرفاء أهل الجنة و النّار رجال و الحال أنّ هذه الرّجال نفس الأعراف و العرفاء، فكيف يكونون على طريق العرفاء، و التجريد أيضا غير مستقيم كما لا يخفى فاللّازم حينئذ جعل الأعراف في الآية بمعنى السّور، أو المواضع العالية و نحوها، أو بمعنى المعرفة، و على ذلك فلا ينافي وصف الرّجال بكونهم أعرافا أيضا كما في الأخبار المتقدّمة و الآتية، لكونهم عرفاء العباد أعنى أنّ كلّا منهم عريف أو لكونهم عارفين باللَّه، أو لأنّهم سبيل معرفة اللَّه و نحو ذلك
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 194
قال في الصّافي: و الوجه في إطلاق لفظ الأعراف على الأئمة أنّ الأعراف إن كان اشتقاقها من المعرفة فالأنبياء و الأوصياء هم العارفون و المعروفون و المعرّفون اللَّه و النّاس للنّاس في هذه النشأة، و إن كان من العرف بمعنى المكان العالي المرتفع فهم الّذين من فرط معرفتهم و شدّة بصيرتهم كأنّهم في مكان عال مرتفع ينظرون إلى ساير النّاس في درجاتهم و دركاتهم، و يميزون السّعداء عن الأشقياء على معرفة منهم بهم و هم بعد في هذه النشأة إذا ظهر لك ذلك فلنورد بعض ما ورد من الأخبار المناسبة للمقام فأقول: روى في البحار من بصاير الدّرجات و منتخب البصاير معنعنا عن مقرن قال: سمعت أبا عبد اللَّه عليه السّلام يقول: جاء ابن الكوا إلى أمير المؤمنين عليه السّلام فقال: يا أمير المؤمنين و على الأعراف رجال يعرفون كلّا بسيماهم، فقال عليه السّلام نحن الأعراف نعرف أنصارنا بسيماهم، و نحن الأعراف الّذين لا يعرف اللَّه عزّ و جلّ إلّا بسبيل معرفتنا، و نحن الأعراف يعرفنا «يوقفنا» اللَّه عزّ و جلّ يوم القيامة على الصّراط، فلا يدخل الجنّة إلّا من عرفنا و نحن عرفناه، و لا يدخل النّار إلّا من أنكرنا و أنكرناه، إنّ اللَّه لو شاء لعرف العباد نفسه، و لكن جعلنا أبوابه و صراطه و سبيله و الوجه الذي يؤتى منه، فمن عدل عن ولايتنا أو فضّل علينا غيرنا فانّهم عن الصّراط لناكبون، و لا سواء من اعتصم النّاس به، و لا سواء من ذهب حيث ذهب النّاس، ذهب الناس إلى عيون كدرة «1» يفرغ بعضها في بعض، و ذهب من ذهب إلينا إلى عيون صافية تجرى بامور لانفاد لها و لا انقطاع و فيه من البصاير و منتخب البصاير أيضا مرفوعا إلى الأصبغ بن نباتة عن سلمان الفارسي (ره) قال: اقسم باللَّه لسمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم و هو يقول لعليّ عليه السّلام:
يا عليّ إنك و الأوصياء من بعدي أو قال من بعدك أعراف لا يعرف اللَّه إلّا بسبيل معرفتكم و أعراف لا يدخل الجنّة إلّا من عرفكم و عرفتموه، و لا يدخل النّار إلّا من أنكركم و أنكرتموه.
______________________________
(1) اى مكدرة بالشكوك و الشبهات و الجهالات، يفرغ اى يصب بعضها في بعض كناية عن أنّ كلّا منهم يرجع إلى الآخر فيما يجهله و ليس فيهم من يستغنى عن غيره و يكمل فى علمه.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 195
و فيه من الكتابين المذكورين عن المنبه عن الحسين بن علوان عن سعد بن طريف عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سألته عن هذه الآية «و على الأعراف رجال يعرفون كلّا بسيماهم» قال عليه السّلام: يا سعد آل محمّد صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم لا يدخل الجنّة إلّا من عرفهم و عرفوه، و لا يدخل النّار إلّا من أنكرهم و أنكروه، و أعراف لا يعرف اللَّه إلّا بسبيل معرفتهم و فيه من البصاير عن عبد اللَّه بن عامر و ابن عيسى عن الجمال عن رجل عن نصر العطار قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم لعليّ عليه السّلام: يا عليّ ثلاث اقسم أنّهنّ حقّ: إنّك و الأوصياء عرفاء لا يعرف اللَّه إلّا بسبيل معرفتكم، و عرفاء لا يدخل الجنّة إلّا من عرفكم و عرفتموه، و عرفاء لا يدخل النّار إلّا من أنكركم و أنكرتموه و في الصّافي من المجمع و الجوامع عن أمير المؤمنين عليه السّلام نحن نوقف يوم القيامة بين الجنّة و النّار، فمن ينصرنا عرفناه بسيماه فأدخلناه الجنّة، و من أبغضنا عرفناه بسيماه فأدخلناه النّار و من تفسير عليّ بن إبراهيم القمّي عن الصّادق عليه السّلام كلّ أمّة يحاسبها إمام زمانها و يعرف الأئمّة أوليائهم و أعدائهم بسيماهم، و هو قوله «و على الأعراف رجال يعرفون كلّا بسيماهم» فيعطوا أوليائهم كتابهم بيمينهم فيمرّوا إلى الجنّة بلا حساب و يعطوا اعدائهم كتابهم بشمالهم فيمرّوا على النّار بلا حساب هذا، و الأخبار في هذا المعنى كثيرة و فيما أوردناه كفاية إذا عرفت هذا فلنعد إلى تحقيق معنى قوله عليه السّلام: لا يدخل الجنّة إلّا من عرفهم و عرفوه، و لا يدخل النّار إلّا من أنكرهم و أنكروه فأقول: أما القضية الاولى فالمراد بها معرفة النّاس بالولاية و الامامة، و معرفتهم للنّاس بالتّشيع و المحبّة، لا المعرفة بأعيانهم فقط، و إنّما لا يدخل الجنّة غير هؤلاء، لأنّ الاذعان بالولاية أعني معرفة الأئمة حقّ المعرفة و الاعتقاد بامامتهم و بأنّهم مفترض الطاعة هو الرّكن الأعظم من الايمان، و شرط قبوليّة ساير الأعمال و العبادات، و بدونه لا ينتفع بشيء منها كما مرّ تحقيق ذلك و تفصيله
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 196
و دللنا عليه في التّذنيب الثّالث من شرح الفصل الرّابع من الخطبة الاولى.
و يدلّ عليه أيضا الأخبار المتظافرة بل القريبة من التّواتر لو لم تكن متواترة الدّالة إلى أنّ من مات و لم يعرف إمامه مات ميتة الجاهليّة.
و من جملة تلك الأخبار ما في البحار من كنز الكراجكى مسندا عن الحسن ابن عبد اللَّه الرّازي عن أبيه عن عليّ بن موسى الرّضا عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السّلام قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم من مات و ليس له إمام من ولدى مات ميتة جاهليّة يؤخذ بما عمل في الجاهليّة و الاسلام.
و من طريق العامّة عن عبد اللَّه بن عمر بن الخطاب أنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و قال:
من مات و ليس في عنقه بيعة لامام أو ليس في عنقه عهد لامام مات ميتة جاهليّة و من عيون أخبار الرّضا فيما كتب الرّضا عليه السّلام للمأمون من شرايع الدّين: من مات لا يعرف أئمّته مات ميتة جاهليّة ثمّ المراد بالمعرفة في قوله عليه السّلام: إلّا من عرفهم و عرفوه، هو المعرفة في الدّنيا و في الآخرة، أمّا معرفة النّاس بالأئمة في هذه النشأة فبأن يعرفوا أنّ لكلّ زمان إماما و يعرفوا إمام زمانهم بخصوصه و هو حىّ ناطق يجب طاعته فيما يأمر و ينهى و أمّا معرفتهم بهم في النشأة الآخرة فانّ كلّ امّة تدعى مع امامه قال تعالى: «يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَ لا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا».
روى في البحار من تفسير عليّ بن إبراهيم بسنده عن الفضل عن أبي جعفر عليه السّلام في هذه الآية قال: يجيء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله في قرنه، و عليّ عليه السّلام في قرنه، و الحسن في قرنه، و الحسين في قرنه، و كلّ من مات بين ظهرانيّ قوم جاءوا معه، و قال عليّ ابن إبراهيم في هذه الآية ذلك يوم القيامة ينادى مناد ليقم أبو بكر و شيعته، و عمر و شيعته، و عثمان و شيعته، و عليّ عليه السّلام و شيعته، و قد مرّ في شرح الفصل الثالث من الخطبة السّادسة و الثّمانين الحديث الشّريف النّبوي في ورود الامّة على النّبيّ
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 197
يوم القيامة على خمس رايات، و أنّ الرّاية الخامسة مع أمير المؤمنين عليه السّلام و معه شيعته، فليتذكّر.
و في البحار من أمالي الشّيخ بسنده عن كثير بن طارق قال سألت زيد بن عليّ بن الحسين عليهم السّلام عن قول اللَّه تعالى: «لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَ ادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً».
فقال: يا كثير إنّك رجل صالح و لست بمتّهم و إنّي أخاف عليك أن تهلك أنّ كلّ إمام جائر فان أتباعهم إذا أمر بهم إلى النّار نادوا باسمه فقالوا يا فلان يا من أهلكناهم «كذا» الآن فخلصنا ممّا نحن فيه، ثمّ يدعون بالويل و الثّبور فعندها يقال لهم «لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا و ادعوا ثبورا كثيرا» قال زيد بن عليّ رحمه اللَّه: حدّثني أبي عليّ بن الحسين عن أبيه حسين بن عليّ عليهما السّلام قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم لعليّ عليه السّلام يا عليّ أنت و أصحابك في الجنّة أنت و أتباعك يا عليّ في الجنّة، هذا و بما ذكرناه من أنّ المراد بمعرفة الأئمة عليهم السّلام معرفتهم بالولاية و الامامة لا المعرفة بأعيانهم فقط ظهر لك أنّ هذه المعرفة مخصوصة بالفرقة المحقّة الاماميّة لا توجد في غيرهم.
فما حكاه الشّارح المعتزلي من أصحابه المعتزلة من أنّهم قائلون بصحة هذه القضيّة، و هى أنّه لا يدخل الجنّة إلّا من عرف الأئمة ألا ترى أنّهم يقولون الأئمة بعد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم فلان و فلان و يعدّوهم واحدا واحدا، فلو أنّ انسانا لا يقول بذلك لكان عندهم فاسقا و الفاسق عندهم لا يدخل الجنّة أبدا أعنى من مات على فسقه، فقد ثبت أنّ هذه القضيّة و هى قوله عليه السّلام: لا يدخل الجنّة إلّا من عرفهم قضيّة صحيحة على مذهب المعتزلة انتهى فيه ما لا يخفى إذ مجرّد معرفتهم و تعدادهم واحدا واحدا لا يكفى في دخول الجنّة و لا يترتّب عليها ثمرة أصلا، و إنّما اللّازم معرفتهم بوصف الامامة و الخلافة من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم بلا فصل، و أنّ العصر لا يخلو من إمام إمّا ظاهر مشهور أو
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 198
غائب مستور و إنّ امام زماننا الآن حيّ حاضر موجود و إن كان غايبا عن أعيننا، لاقتضاء الحكمة و هو الثّاني عشر من الأئمة و مهدي الامّة سلام اللَّه عليه و على آبائه الطاهرين، و هو ينافي القول بخلافة الأوّل و الثّاني و الثّالث كما هو مذهب المعتزلة و ساير العامّة، و ينافي إنكار وجود امام الزّمان عليه السّلام الآن كما عليه بنائهم استبعادا لغيبته بطول المدّة و الزّمان، هذا تمام الكلام في معرفة النّاس بالأئمة و أمّا معرفتهم عليهم السّلام بالنّاس فقد قلنا إنّ المراد بها أيضا معرفتهم لهم بالتّشيّع و المحبّة، لا المعرفة بذواتهم و أشخاصهم فقط و إلّا فهم يعرفون المنافقين و الكفّار كما يعرفون شيعتهم و المؤمنين الأبرار فان قلت: نحن نرى كثيرا من شيعتهم و محبّيهم لا تعرفهم الأئمّة و لا يرون أشخاصهم.
قلت: هذا اعتراض سخيف أورده الشّارح البحراني في هذا المقام، و أجاب عنه بقوله: لا يشترط في معرفتهم لمحبّيهم و معرفة محبّيهم لهم المعرفة الشّخصيّة العينيّة، بل الشّرط المعرفة على وجه كلّي و هو أن يعلموا أنّ كلّ من اعتقد حقّ امامتهم و اهتدى بما انتشر من هديهم فهو ولىّ لهم و مقيم لهذا الرّكن من الدّين فيكونون عارفين بمن يتولّاهم على هذا الوجه و يكون من يتولّاهم عارفا بهم لمعرفته بحقّية ولايتهم و اعتقاد ما يقولون و إن لم يشترط المشاهدة و المعرفة الشّخصيّة انتهى.
و لا يكاد ينقضي عجبي من هذا الفاضل كيف ضعف اعتقاده بأئمّة الدّين و شهداء النّاس أجمعين، و هذه العقيدة لا يرتضيها عوام الشّيعة و لا يستحسنها لأنفسهم لو عرضت عليهم، فكيف بالخواص و كيف يجتمع القول بعدم المعرفة الشّخصيّة مع القول بكونهم عليهم السّلام شهداء العباد يوم المعاد على ما دلّت عليه الأخبار الكثيرة المتقدّمة في شرح الخطبة الحادية و السّبعين و الشّهادة فرع المعرفة التّفصيليّة بلى و اللَّه إنّهم عليهم السّلام ليعرفون شيعتهم و محبّيهم و المؤمنين بهم تفصيلا بأشخاصهم و ذواتهم و أعيانهم، و يعرفون حالاتهم و درجاتهم و التفاوت في مقاماتهم و درجاتهم
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 199
بحسب تفاوتهم في الايمان و المحبّة شدّة و ضعفا و نقصا و كمالا كما يعرفونهم بأسمائهم و أسماء آبائهم و عشايرهم و أنسابهم كلّ ذلك قد قامت عليه الأدلّة المعتبرة.
و دلّت عليه الأخبار القريبة من التواتر بل هى متواترة منها ما في البحار من كتاب بصائر الدّرجات للصفار عن أحمد بن محمّد عن ابن محبوب عن صالح بن سهل عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام أنّ رجلا جاء إلى أمير المؤمنين عليه السّلام و هو مع أصحابه فسلّم ثمّ قال: أنا و اللَّه أحبّك و أتولّاك، فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام: ما أنت كما قلت ويلك إنّ اللَّه خلق الأرواح قبل الأبدان بألفي عام، ثمّ عرض علينا المحبّ لنا فو اللَّه ما رأيت روحك فيمن عرض علينا فأين كنت؟ فسكت الرّجل عند ذلك و لم يراجعه و عن محمّد بن حمّاد الكوفي عن أبيه عن نصر بن مزاحم عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إنّ اللَّه أخذ ميثاق شيعتنا من صلب آدم فنعرف بذلك حبّ المحبّ و إن أظهر خلاف ذلك بلسانه، و نعرف بغض المبغض و إن أظهر حبّنا أهل البيت و عن أحمد بن محمّد و محمّد بن الحسين معا عن ابن محبوب عن ابن رئاب عن بكير قال: كان أبو جعفر عليه السّلام يقول: إنّ اللَّه أخذ ميثاق شيعتنا بالولاية لنا و هم ذرّ يوم أخذ الميثاق على الذّر بالاقرار له بالرّبوبيّة و لمحمّد صلّى اللَّه عليه و آله بالنبوّة و عرض اللَّه على محمّد صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم امّته في الطّين و هم أظلّة، و خلقهم من الطّينة الّتي خلق منها آدم، و خلق اللَّه أرواح شيعتنا قبل أبدانهم بألفى عام، و عرضهم عليه و عرّفهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و عرّفهم عليّا و نحن نعرفهم في لحن «1» القول و عن ابن يزيد عن ابن فضال عن ظريف بن ناصح و غيره عمّن رواه عن حبابة الوالبية قالت: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السّلام: إنّ لي ابن أخ و هو يعرف فضلكم و إني احبّ
______________________________
(1) اشارة الى قوله تعالى: فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَ لَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ، قال البيضاوى لحن القول اسلوبه و امالته الى جهة تعريض و تورية، و منه قيل للمخطى لاحن لانه يعدل بالكلام عن الصواب، بحار
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 200
أن تعلّمنى أ من شيعتكم؟ فقال: و ما اسمه؟ قالت: قلت: فلان بن فلان، فقال عليه السّلام يا فلانة هات الناموس فجاءت بصحيفة تحملها كبيرة فنشرها ثمّ نظر فيها فقال: هو ذا اسمه و اسم أبيه ههنا و بسنده أيضا عن أبي بصير عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام إنّ حبابة الوالبية كانت إذا وفد الناس إلى معاوية وفدت هي إلى الحسين عليه السّلام و كانت امرأة شديدة الاجتهاد قد يبس جلدها على بطنها من العبادة و أنّها خرجت مرّة و معها ابن عمّ لها و هو غلام فدخلت به على الحسين عليه السّلام فقالت له: جعلت فداك فانظر هل تجد ابن عمّي هذا فيما عندكم و هل تجده ناجيا؟ قال: فقال: نعم نجده عندنا و نجده ناجيا و بسنده عن أبي محمّد البزّاز قال: حدّثنى حذيفة بن أسيد الغفاري «رض» صاحب النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم قال: دخلت على عليّ بن الحسين بن عليّ عليهم السّلام فرأيته يحمل شيئا قلت: ما هذا؟ قال: هذا ديوان شيعتنا، قلت: أرنى أنظر فيها اسمى، فقلت إنّي لست أقرء و انّ ابن أخى يقرأ، فدعى بكتاب فنظر فيه فقال ابن اخى: اسمى و ربّ الكعبة، قلت: ويلك أين اسمى؟ فنظر فوجد اسمي بعد اسمه بثمانية أسماء و عن أحمد بن محمّد عن عليّ بن الحكم عن ابن عميرة عن الحضرمي عن رجل من بني حنيفة قال: كنت مع عمّي فدخل على عليّ بن الحسين عليهما السّلام فرأى بين يديه صحايف ينظر فيها فقال له: أىّ شيء هذه الصّحف جعلت فداك؟ قال: هذا ديوان شيعتنا قال: أ فتأذن أطلب اسمى فيها؟ قال: نعم، فقال: و انّي لست أقرء و ابن اخى معى على الباب فتأذن له يدخل حتّى يقرأ؟ قال: نعم فأدخلني عمّي فنظرت في الكتاب فأوّل شيء هجمت عليه اسمى فقلت: اسمى و ربّ الكعبة؟ قال:
ويحك فأين أنا؟ فجزت بخمسة أسماء أو ستّة ثمّ وجدت اسم عمّي، فقال عليّ بن الحسين عليهما السّلام: أخذ اللَّه ميثاقهم معنا على ولايتنا لا يزيدون و لا ينقصون إنّ اللَّه خلقنا من أعلى علّيين و خلق شيعتنا من طينتنا أسفل من ذلك، و خلق عدوّنا من سجّين، و خلق أوليائهم منهم من أسفل ذلك و عن عبد اللَّه بن محمّد عمّن رواه عن محمّد بن الحسن عن عمّه عليّ بن السّرى
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 201
الكرخي قال: كنت عند أبي عبد اللَّه عليه السّلام فدخل عليه شيخ و معه ابنه فقال له الشّيخ جعلت فداك أمن شيعتكم أنا؟ فأخرج أبو عبد اللَّه عليه السّلام صحيفة مثل فخذ البعير فناوله طرفها ثمّ قال له: أدرج، فأدرجه حتّى أوقفه على حروف من حروف المعجم فاذا اسم ابنه قبل اسمه، فصاح الابن فرحا اسمي و اللَّه، فرحم الشّيخ ثمّ قال له: أدرج فأدرج فأوقفه أيضا على اسمه كذلك و عن محمّد بن عيسى عن عبد الصّمد بن بشير عن أبي جعفر عليه السّلام قال: انتهى النّبي إلى السّماء السّابعة و انتهى إلى سدرة المنتهى قال: فقالت السّدرة ما جازني مخلوق قبلك، ثمّ دنى فتدلّى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى قال: فدفع إليه كتاب أصحاب اليمين و كتاب أصحاب الشّمال، فأخذ كتاب أصحاب اليمين بيمينه و فتحه و نظر فيه فاذا فيه أسماء أهل الجنّة و أسماء آبائهم و قبائلهم، ثمّ نزل و معه الصحيفتان فدفعهما إلى عليّ بن أبي طالب عليه السّلام و في البحار من كتاب الاختصاص معنعنا عن عبد اللَّه بن الفضل الهاشمي قال قال لي أبو عبد اللَّه عليه السّلام: يا عبد اللَّه بن الفضل إنّ اللَّه تبارك و تعالى خلقنا من نور عظمته، و صنعنا برحمته و خلق أرواحكم منّا، فنحن نحنّ إليكم و أنتم تحنّون إلينا، و اللَّه لو جهد أهل المشرق و المغرب أن يزيدوا في شيعتنا رجلا أو ينقصوا منهم رجلا ما قدروا على ذلك، و إنّهم لمكتوبون عندنا بأسمائهم و عشايرهم و أنسابهم، يا عبد اللَّه بن الفضل و لو شئت لأريتك اسمك في صحيفتنا قال: ثمّ دعى الصحيفة فنشرها فوجدتها بيضاء ليس فيها أثر الكتابة فقلت: يا ابن رسول اللَّه ما أرى فيها أثر الكتابة، قال:
فمسح يده عليها فوجدتها مكتوبة فوجدت في أسفلها اسمى، فسجدت اللَّه شكرا، هذا و الأخبار في هذا الغرض كثيرة و قد عقد في البحار بابا عليها و فيما رويناه كفاية إنشاء اللَّه عزّ و جلّ و أمّا القضية الثانية أعنى قوله عليه السّلام: و لا يدخل النّار إلّا من أنكرهم و أنكروه، فهى لتضمّنها أداة الحصر منحلّة إلى قضيّتين كالقضيّة الاولى إحداهما ايجابيّة و الأخرى سلبيّة
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 202
أمّا الايجابيّة فهى أنّ المنكر لهم و من أنكروه في النّار، و هذه قضيّة صحيحة لا غبار عليها لما قدّمنا من أنّ من مات و لم يعرف إمام زمانه مات ميته الجاهليّة، و ميتة الجاهليّة مستلزمة لدخول النار، و قد مرّ في التذييل الثالث من شرح الفصل الرّابع من الخطبة الأولى رواية جعفر بن محمّد عليهما السّلام عن أبيه قال: نزل جبرئيل على النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم و قال: يا محمّد اللَّه يقرؤك السلام و يقول: خلقت السماوات السبع و ما فيهنّ و خلقت الأرضين السبع و من عليهنّ، و ما خلقت موضعا أعظم من الركن و المقام، و لو أنّ عبدا دعاني منذ خلقت السماوات و الأرض ثمّ لقينى جاحدا لولاية عليّ عليه السّلام لأكببته في سقر، و قد مرّ هناك روايات أخر بهذا المعنى فتذكّر و أمّا السلبيّة فهى أنّ من لا ينكرهم و لا ينكرونه فهو لا يدخل النار، و هى بظاهرها مستلزمة لعدم دخول أحد من غير المنكرين في النار و إن كان من مرتكبي الكبائر.
و قد أخذ الشارح البحراني بظاهرها حيث قال: لا يجوز أن يكون من أنكرهم فأنكروه أخسّ ممن يدخل النّار و إلّا لصدق على بعض من يتولّاهم و يعترف بصدق إمامتهم أنه يدخل النار لكن ذلك باطل لقول الرسول صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم يحشر المرء مع من أحبّ، و لقوله لو أحبّ رجل حجرا لحشر معه، دلّ الخبر على أنّ محبّة الانسان لغيره مستلزم لحشره معه، و قد ثبت أنهم عليهم السّلام إلى الجنّة يحشرون فكذلك من أحبّهم و يعترف بحقيّة إمامتهم، و دخول الجنّة و دخول النار ممّا لا يجتمعان، فثبت أنّه لا واحد ممّن يحبّهم و يعترف بحقّهم يدخل النّار، و قد ظهر إذا صدق هذه الكليّة و وجه الحصر فيها، انتهى أقول: و يصدق هذه الكلّية و يدلّ عليها روايات كثيرة فوق حدّ الاحصاء:
ففى البحار من كتاب فضايل الشّيعة للصّدوق باسناده عن ابن عبّاس قال:
قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم: حبّ عليّ بن أبي طالب عليه السّلام يأكل السيّئات كما تأكل النّار الحطب.
و من كنز جامع الفوايد و تأويل الآيات قال: روى شيخ الطّايفة باسناده
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 203
عن زيد بن يونس الشّحام قال: قلت لأبي الحسن موسى عليه السّلام، الرّجل من مواليكم عاص يشرب الخمر و يرتكب الموبق من الذّنب نتبرّء منه؟ فقال عليه السّلام: تبرّؤا من فعله و لا تبرّؤا من خيره و ابغضوا عمله، فقلت: يسع لنا أن نقول: فاسق فاجر؟
فقال: لا الفاسق الفاجر الكافر الجاحد لنا و لأوليائنا أبي اللَّه أن يكون وليّنا فاسقا فاجرا و إن عمل ما عمل، و لكنّكم قولوا: فاسق العمل فاجر العمل مؤمن النّفس خبيث الفعل طيّب الرّوح و البدن، لا و اللَّه لا يخرج وليّنا من الدّنيا إلّا اللَّه و رسوله و نحن عنه راضون، يحشر اللَّه على ما فيه من الذّنوب مبيضّا وجهه، مستورة عورته، آمنة روعته لا خوف عليه و لا حزن، و ذلك أنّه لا يخرج من الدّنيا حتى يصفى من الذّنوب إمّا بمصيبة في مال أو نفس أو ولد أو مرض و أدنى ما يصنع بوليّنا أن يريه اللَّه رؤيا مهولة فيصبح حزينا لما رآه فيكون ذلك كفّارة له، أو خوفا يرد عليه من أهل دولة الباطل أو يشدّد عليه عند الموت فيلقى اللَّه عزّ و جلّ طاهرا من الذّنوب آمنة روعته بمحمّد و أمير المؤمنين صلّى اللَّه عليهما، ثمّ يكون أمامه أحد الأمرين إمّا رحمة اللَّه الواسعة الّتي هي أوسع من أهل الأرض جميعا، أو شفاعة محمّد و أمير المؤمنين عليهما السّلام فعندها تصيبه رحمة اللَّه الواسعة الّتي كان أحقّ بها و أهلها و له إحسانها و فضلها.
و من كتاب المحتضر للحسن بن سليمان من كتاب سيّد حسن بن كبش عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم: يا عليّ إنّ جبرئيل أخبرني عنك بأمر قرّت به عيني و فرح به قلبي، قال: يا محمّد قال اللَّه عزّ و جلّ: اقرء محمّدا منّي السّلام و أعلمه أنّ عليّا إمام الهدى، و مصباح الدّجى، و الحجّة على أهل الدّنيا، و أنّه الصّديق الأكبر و الفاروق الأعظم، و إنّي آليت و عزّتي و جلالي أن لا أدخل النّار أحدا تولّاه و سلّم له و للأوصياء من بعده، حقّ القول منّي لأملانّ جهنّم و أطباقها من أعدائه، و لأملئنّ الجنّة من أوليائه و شيعته و من كتاب اعلام الدّين للدّيلمي من كتاب الحسين بن سعيد عن صفوان عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام قال: من أحبّنا و لقى اللَّه و عليه مثل زبد البحر ذنوبا كان حقّا على اللَّه أن يغفر له.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 204
و من كتاب المناقب لابن شاذان باسناده عن أبي الصّلت الهروى قال: سمعت الرّضا عليه السّلام يحدّث عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السّلام قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله يقول: سمعت اللَّه عزّ و جلّ يقول: عليّ بن أبي طالب حجّتي على خلقي و نوري في بلادي و أميني على علمي لا أدخل النّار من عرفه و إن عصاني، و لا أدخل الجنّة من أنكره و إن أطاعني.
و من كتاب بشارة المصطفى بسنده عن الحسين بن مصعب قال: سمعت جعفر بن محمّد عليه السّلام يقول: من أحبّنا و أحبّ محبّنا لا لغرض دنيا يصيبها منه، و عادى عدوّنا لا لأحنة كانت بينه و بينه، ثمّ جاء يوم القيامة و عليه من الذّنوب مثل رمل عالج و زبد البحر غفر اللَّه تعالى له.
و من تفسير العياشي عن بريد بن معاوية العجلي في حديث عن أبي جعفر عليه السّلام قال: فقال أبو جعفر عليه السّلام: و اللَّه لو أحبّنا حجر لحشر معنا.
و من عيون الأخبار باسناد التّميمي عن الرّضا عليه السّلام قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم من أحبّنا أهل البيت حشره اللَّه آمنا يوم القيامة.
و بهذا الاسناد قال: قال النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم لعليّ عليه السّلام من أحبّك كان مع النّبيين في درجتهم يوم القيامة و من مات و هو يبغضك فلا يبالي مات يهوديّا أو نصرانيّا.
و من أمالي الشّيخ عن أبي محمّد الفحّام عن عمّه عن أبيه قال: دخل سماعة بن مهران على الصّادق عليه السّلام فقال: يا سماعة من شرّ النّاس عند النّاس؟ قال: نحن يا ابن رسول اللَّه، قال: فغضب حتّى احمرّت و جنتاه ثمّ استوى جالسا و كان متّكئا فقال يا سماعة من شرّ النّاس عند النّاس؟ فقلت: و اللَّه ما كذبتك يا ابن رسول اللَّه نحن شرّ النّاس عند الناس لأنّهم سمّونا كفارا و رفضة، فنظر إلىّ ثمّ قال: كيف بكم إذا سيق بكم إلى الجنّة و سيق بهم إلى النّار فينظرون إليكم فيقولون «ما لَنا لا نَرى رِجالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ» يا سماعة بن مهران إنّه من أساء منكم إسائة مشينا إلى اللَّه تعالى يوم القيامة بأقدامنا فنشفع فيه فنشفّع و اللَّه لا يدخل النّار منكم عشرة رجال، و اللَّه لا
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 205
يدخل النّار منكم ثلاثة رجال، و اللَّه لا يدخل النّار منكم رجل واحد، فتنافسوا في الدّرجات و اكمدوا أعدائكم بالورع.
و من كتاب كنز جامع الفوايد و تأويل الآيات عن محمّد بن عليّ عن عمرو بن عثمان عن عمران عن أبي بصير عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام في قول اللَّه عزّ و جلّ: «قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ».
فقال: إنّ اللَّه يغفر لكم جميعا الذّنوب، قال: فقلت: ليس هكذا نقرأ، فقال: يا أبا محمّد فاذا غفر الذّنوب جميعا فلمن يعذّب و اللَّه ما عني من عباده غيرنا و غير شيعتنا و ما نزلت إلّا هكذا إنّ اللَّه يغفر لكم جميعا الذّنوب.
و من تفسير العياشي بالاسناد عن جابر عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام أنّه قال: أهل النّار يقولون «ما لنا لا نرى رجالا كنّا نعدّهم من الأشرار» يعنونكم لا يرونكم في النّار لا يرون و اللَّه أحدا منكم في النّار.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم في قوله تعالى: «فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ» قال منكم يعني من الشّيعة «إِنْسٌ وَ لا جَانٌّ» قال معناه أنّ من تولّى أمير المؤمنين عليه السّلام و تبرّء من أعدائه عليهم لعائن اللَّه و أحلّ حلاله و حرّم حرامه ثمّ دخل في الذنوب و لم يتب في الدّنيا عذّب لها في البرزخ و يخرج يوم القيامة و ليس له ذنب يسأل عنه يوم القيامة.
و في الصافي من المجمع عن الرّضا عليه السّلام قال في هذه الآية: إنّ من اعتقد الحقّ ثمّ أذنب و لم يتب في الدّنيا عذّب عليه في البرزخ و يخرج يوم القيامة و ليس له ذنب يسأل عنه.
إلى غير هذه مما لا نطيل بذكرها، و هذه الأخبار كما ترى تعارض الأخبار الواردة في كون مرتكبى الكبائر في النار تعارض العموم من وجه، لأنّ هذه
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 206
تدلّ على أنّ العارف بحقّ الأئمة عليهم السّلام و المذعن بولايتهم لا يدخل النار و إن كان مرتكبا للكبائر، و تلك الأخبار مفيدة لكون ارتكابها موجبا لدخول النار و لو كان المرتكب من أهل الولاية و المعرفة، فيتعارضان في مادّة الاجتماع، و هو العارف المرتكب للكبائر، فان رجّحنا أخبار الكبائر و ألقيناها على عمومها لا بدّ من حمل هذه الأخبار الدّالة على أنّ العارف بهم لا يدخل النار على الدّخول بعنوان الخلود لظهور أنّ الخلود إنما هو في حقّ الكفار و المنافقين، و إن رجّحنا تلك الأخبار فلا بدّ من التخصيص في الأخبار الواردة في طرف الكبائر بحملها على غير أهل المحبّة و المعرفة.
و لو لا خوف الاحتياط و ايجاب الترجيح للجسارة في الدّين و لعدم المبالات في شرع سيّد المرسلين لرجّحنا أخبار الولاية و قلنا بما قاله الشارح البحراني بل أقول إنه لا تعارض بين أخبار الطرفين حقيقة إذ أخبار الولاية حاكمة على أخبار الكبائر، بل نسبة بعض الأخبار الأولة إلى الثّانية مثل نسبة الدّليل إلى الأصل، فانّ بعض هذه الأخبار كما عرفت مفيد لكون المعرفة حابطة للسيئات و آكلة لها أكل النار للحطب، و بعضها دالّ على أنّ أهل المعرفة يبتلى بمحن و مصائب يكون تمحيصا لذنوبه و كفارة لها، فعلى ذلك لا يبقى للعاصي معصية حتى توجب دخول النّار، و بعضها يفيد كون الولاية موجبة لمغفرة الذّنوب من اللَّه سبحانه تفضّلا أو كونها محصلة للشفاعة من النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم و الأئمة عليهم السّلام يوم القيامة.
نعم يبقى الاشكال بين هذه الأخبار و بين الأخبار الدّالّة على حصول الشفاعة لبعض مرتكبي السيّئات بعد دخول النّار و المكث فيها بزمان قليل أو كثير بحسب اختلاف مراتب المعصية، و هى أيضا كثيرة و طريق الاحتياط هو الوقوف بين مرتبتي الخوف و الرّجاء و الورع و التّقوى في الدّين و سلوك نهج الشّرع المبين، وفّقنا اللَّه سبحانه لما يحبّ و يرضى و نسأله أن يعاملنا بفضله و لا يؤاخذنا بعد له إنّه لما يشاء قدير، و بالاجابة حقيق جدير.
الترجمة:
بدرستى كه خداوند متعال مختصّ نمود شما را باسلام و خالص گردانيد شما را از براى آن اسلام، و اين از جهت آنست كه اسلام نام سلامتست و جامع كرامت، پسنديده است خدا از براى شما طريق اسلام را، و بيان فرموده است دلائل آن را از علمى كه ظاهر است از كتاب و سنّت، و از حكمتى كه باطن است از عقل و فطرت، فانى نمى شود غرائب آن و تمام نمى شود عجائب آن، در اوست بارانهاى بهارى، و چراغهاى ظلمتها، گشاده نمى شود خيرها مگر با كليدهاى آن، و كشف نمى شود ظلمتها مگر بچراغهاى آن. بتحقيق كه منع فرمود قوروق اسلام را كه عبارتست از محرّمات شرعيّه، و مرخّص نمود چراگاه آنرا كه عبارتست از مباحات بينه، در اوست شفاى طلب شفا كننده، و كفايت طلب كفايت نماينده.