منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 173
و من خطبة له عليه السّلام و هى المأة و الثاني و الخمسون من المختار في باب الخطب و شرحها في فصول:
الفصل الاول:
الحمد للَّه الدّال على وجوده بخلقه، و بمحدث خلقه على أزليّته، و باشتباههم على أن لا شبه له، لا تستلمه المشاعر، و لا تحجبه المساتر، لافتراق الصّانع و المصنوع، و الحادّ و المحدود، و الرّبّ و المربوب، الأحد بلا تأويل عدد، و الخالق لا بمعنى حركة و نصب، و السّميع لا بأداة، و البصير لا بتفريق آلة، و المشاهد لا بمماسّة، و البائن لا بتراخي مسافة، و الظّاهر لا برؤية، و الباطن لا بلطافة، بان من الأشياء بالقهر لها، و القدرة عليها، و بانت الأشياء منه بالخضوع له، و الرّجوع أليه، من وصفه فقد حدّه، و من حدّه فقد عدّه، و من عدّه فقد أبطل أزله، و من قال كيف فقد استوصفه، و من قال أين فقد حيّزه، عالم إذ لا معلوم، و ربّ إذ لا مربوب، و قادر إذ لا مقدور. (30625- 30494)
اللغة:
قال الشّارح المعتزلي (الاستلام) في اللّغة لمس الحجر باليد و تقبيله و لا يهمر لأنّ أصله من السّلام و هى الحجارة كما يقال استنوق الجمل و بعضهم يهمزه انتهى، و قال الفيومى في المصباح: استلأمت الحجر قال ابن السّكيت: همزته العرب على غير قياس و الأصل استلمت لأنّه من السّلام و هى الحجارة، و قال ابن الاعرابي: الاستلام أصله مهموز من الملائمة و هى الاجتماع، و حكى الجوهرى القولين و مثله الفيروز آبادي، و في بعض النّسخ بدل لا تستلمه لا تلمسه و (النّصب) محرّكة التّعب.
الاعراب:
جملة لا تستلمه المشاعر استيناف بيانيّ، و لفظ الأحد، و الخالق، و السّميع و البصير، و ما يتلوها من الصّفات يروى بالرّفع و الجرّ معا الأوّل على أنّه خبر لمبتدأ محذوف، و الثّاني على أنّه صفة للَّه.
المعنى:
اعلم أنّ هذا الفصل من الخطبة متضمّن لمباحث شريفة إلهيّة، و معارف نفيسة ربّانية، و مسائل عويصة حكميّة، و مطالب عليّة عقليّة لم يوجد مثلها في زبر الأوّلين و الآخرين، و لم يسمح بنظيرها عقول الحكماء السّابقين و اللّاحقين و صدّره بتحميد اللَّه سبحانه و تمجيده فقال:
(الحمد للَّه) و قد مضى شرح هذه الجملة و تحقيق معنى الحمد و بيان وجه اختصاصه باللَّه سبحانه في شرح الفصل الأوّل من الخطبة الأولي، و نقول هنا مضافا
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 174
إلى ما سبق: إنّ الحمد سواء كان عبارة عن التعظيم و الثّناء المطلق، أو عن الشكر المستلزم لتقدّم النّعمة و الاعتراف بها، فالمستحقّ له في الحقيقة ليس إلّا اللَّه سبحانه، و لذا أتى بتعريف الجنس و لام الاختصاص الدّالين على أنّ طبيعة الحمد مختصّة به تعالى.
أمّا على أنّه عبارة عن مطلق الثّناء و التّعظيم فلظهور أنّ استحقا قيّتهما إنّما يتحقّق لأجل حصول كمال أو برائة نقص، و كلّ كمال و جمال يوجد في العالم فانما هو رشح و تبع لجماله و كماله، و أما البراءة عن النقائص و العيوب فممّا يختص به تعالى، لأنّه وجود محض لا يخالطه عدم و نور صرف لا يشوبه ظلمة.
و أما على أنه عبارة عن الشكر المسبوق بالنعمة فلأنّ كلّ منعم دونه فانما ينعم بشيء ممّا أنعم اللَّه، و مع ذلك فانما ينعم لأجل غرض من جلب منفعة أو دفع مضرّة أو طلب محمّدة، فهذا الجود و الانعام في الحقيقة معاملة و تجارة و إن عدّ في العرف جودا و انعاما، و أما الحقّ تعالى فلما لم يكن إنعامه لغرض و لا جوده لعوض إذ ليس لفعله المطلق غاية إلّا ذاته كما مرّ تحقيقه في شرح الخطبة الخامسة و الستين، فلا يستحقّ لأقسام الحمد و الشكر بالحقيقة إلّا هو، هذا و أردف الحمد بجملة من أوصاف الكمال و نعوت العظمة و الجلال.
الاول أنه (الدّالّ على وجوده بخلقه) و قد مرّ كيفيّة هذه الدّلالة في شرح الخطبة الخمسين و بيّنا هناك أنّ الاستدلال بهذه الطريقة من باب الاستدلال بالفعل على الفاعل، و مرجعه الى البرهان اللمّى.
(و) الثاني أنه الدّال (بمحدث خلقه على أزليّته) لما قد مرّ ثمة أيضا من أنّ الأجسام كلّها حادثة لأنّها غير خالية عن الحركة و السّكون، و كلّ حادث مفتقر إلى محدّث فان كان ذلك المحدث محدثا عاد القول فيه كالأوّل و يلزم التّسلسل أو كونه محدثا لنفسه و كلاهما باطل، فلا بدّ من محدث قديم لا بداية لوجوده و هو اللَّه تعالى و سبحانه.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 175
(و) الثالث أنّه الدّالّ (باشتباههم على أن لا شبه له) يعني أنّه سبحانه بابداء المشابهة بين المخلوقات دلّ على أنّه لا مثل و لا شبيه.
و جهة المشابهة بينها إمّا الافتقار إلى المؤثّر كما ذهب إليه الشّارح البحراني حيث قال: أراد اشتباههم في الحاجة إلى المؤثّر و المدّبر، و تقرير هذا الطّريق أن نقول: إن كان تعالى غنيّا عن المؤثّر فلا شبيه له في الحاجة إليه لكن المقدّم حقّ فالتّالي مثله.
و اعترض عليه بأنّ فيه قصورا من وجهين:
أحدهما أنّ المطلوب في تنزيه الحقّ تعالى عن الشّبيه هو نفى الشّبه عنه على الاطلاق لا نفى وجه من وجوه الشبّه فقط كالحاجة.
و ثانيهما أنّ نفى الحاجة عنه تعالى ممّا لا يحتاج إلى إثباته له من جهة تشابه الخلق فيها، بل مجرّد كونه واجب الوجود يلزمه نفى الحاجة عنه إلى غيره لزوما بيّنا، فالاستدلال عليه لغو من الكلام مستدرك، هذا.
و قال بعضهم: المراد بمشابهتهم الاشتباه في الجسميّة و الجنس و النّوع و الأشكال و المقادير و الألوان و نحو ذلك، و إذ ليس داخلا تحت جنس لبرائته عن التّركيب المستلزم للامكان، و لا تحت النّوع لافتقاره في التّخصيص بالعوارض إلى غيره، و لا بذى مادّة لاستلزامه التّركيب أيضا، فليس بذي شبيه في الامور المذكورة و هو قريب ممّا قاله البحراني لكنّ الأوّل أعمّ في نفى الشّبيه، و الأحسن منها ما في الحديث الأوّل من باب جوامع التوحيد من الكافي عن أمير المؤمنين عليه السّلام عند استنهاضه النّاس لحرب معاوية في المرّة الثّانية و هو قوله عليه السّلام: و حدّ الأشياء كلّها عند خلقه إبانة لها من شبهه و إبانة له من شبهها.
قال العلامة المجلسي في شرحه: أى جعل للأشياء حدودا و نهايات، أو أجزاء و ذاتيّات ليعلم بها أنّها من صفات المخلوقين و الخالق منزّه عن صفاتهم، أو خلق الممكنات الّتي من شأنها المحدوديّة ليعلم بذلك أنّه ليس كذلك كما قال تعالى:
فخلقت الخلق لاعرف، إذ خلقها محدودة لأنّها لم تكن تمكن أن تكون غير
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 176
محدودة لامتناع مشابهة الممكن الواجب في تلك الصّفات الّتي هي من لوازم وجوب الوجود، و لعلّ الأوسط أظهر.
الرابع أنّه (لا تستلمه المشاعر) أى لا تلمسه لأنّ مدركات المشاعر مقصورة على الأجسام و الأعراض القائمة بها، و هو سبحانه ليس بجسم و لا جسمانيّ، فامتنع إدراك المشاعر و لمسها له، و يحتمل أن يزاد بالمشاعر المدارك مطلقا سواء كانت قوّة ماديّة مدركة للحسيّات و الوهميات أو قوّة عقليّة مدركة للعقليّات و الفكريات اذ ليس للمدارك مطلقا إلى معرفة كنه ذاته سبيل، و لا على الوصول الى حقيقه صفاته دليل، كما مرّ في شرح الفصل الثاني من الخطبة الاولى.
(و) الخامس (لا تحجبه المساتر) أى الحجابات الّتي يستر بها، و في أكثر النّسخ: السواتر بدلها و معناهما واحد، و المراد أنه لا يحجبه حجاب و لا يستتر بشيء من السواتر لأنّ الستر و الحجاب من لوازم ذى الجهة و الجسمية، و هو تعالى منزّه عن ذلك.
فان قلت: قد ورد في الحديث إنّ اللَّه احتجب عن العقول كما احتجب عن الأبصار و أنّ الملاء الأعلى يطلبونه كما أنتم تطلبونه، فكيف التوفيق بينه و بين قول الامام عليه السّلام؟
قلت: ليس المراد من احتجابه عن العقول و الأبصار أن يكون بينه و بين خلقه حجاب جسمانيّ مانع عن إدراكه و الوصول اليه تعالى، بل المراد بذلك احتجابه عنهم لقصور ذواتهم و نقصان عقولهم و قواهم، و كمال ذاته و شدّة نوره و قوّة ظهوره، فغاية ظهوره أوجب بطونه، و شدّة نوره أوجب احتجابه كنور الشمس و بصر الخفاش، و قد حقّقنا ذلك بما لا مزيد عليه في شرح الخطبة الرّابعة و الستين و شرح الفصل الثاني من الخطبة التسعين، و بما ذكرنا أيضا ظهر فساد ما ربما يتوهّم من أنه إذا لم يكن محجوبا بالسواتر لا بدّ و أن يعرفه كلّ أحد و يراه، هذا.
و قوله (لافتراق الصانع و المصنوع و الحادّ و المحدود و الربّ و المربوب)
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 177
التعليل راجع الى الجملات المتقدّمة بأسرها، و المقصود أنّ لكلّ من الصانع و المصنوع صفات تخصّه و تليق به و يمتاز بها و بها يفارق الآخر فالمخلوقية و الحدوث و الاشتباه و الملموسيّة و المحجوبيّة بالسواتر من لواحق المصنوعات و الممكنات و أوصافها اللّايقة لها، و الخالقيّة و الأزليّة و التنزّه عن المشابهة و عن استلام المشاعر و احتجاب السّواتر من صفات الصّانع الأوّل و ممّا ينبغي له و يليق به، و يضادّ ما سبق من أوصاف الممكنات، فلو جرى فيه صفات المصنوعات أو في المصنوعات صفاته لارتفع الافتراق و وقع المساواة و المشابهة بينه و بينها، فيكون مشاركا لها في الحدوث المستلزم للامكان المستلزم للحاجة إلى الصّانع، فلم يكن بينه و بينها فصل و لا له عليها فضل، و كلّ ذلك أعني المساوات و المشابهة و عدم الفصل و الفضل ظاهر البطلان، هذا و المراد بالحادّ خالق الحدود و النّهايات، و الصّانع و الربّ بينهما تغاير بحسب الاعتبار و هو دخول المالكيّة في مفهوم الرّبوبيّة دون الصّنع.
السادس (الأحد لا بتأويل عدد) يعني أنّه أحدىّ الذّات ليس كمثله شيء و أحدىّ الوجود لا جزء له ذهنا و لا عقلا و لا خارجا، و ليست وحدانيّته وحدانيّة عدديّة بمعنى أن يكون مبدء لكثرة تعدّ به كما يقال في أوّل العدد واحد، و قد مرّ تحقيق ذلك في شرح الخطبة الرّابعة و السّتين.
(و) السابع (الخالق لا بمعنى حركة و نصب) يعني أنّه سبحانه موجد للأشياء بنفس قدرته التّامة الكاملة و خلقه الابداع و الافاضة من دون حاجة إلى حركة ذهنيّة أو بدنيّة كما لساير الصّانعين، لأنّ الحركة من عوارض الأجسام، و هو منزّه عن الجسميّة كما لا حاجة في ايجاده إلى المباشرة و التعمّل حتّى يلحقه نصب و تعب، و إنّما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون.
(و) الثامن (السّميع لا بأداة) و هى الأذنان و الصّماخان و القوّة الكائنة تحتهما، لتعاليه عن الآلات الجسمانيّة، بل سمعه عبارة عن علمه بالمسموعات، فهو نوع مخصوص من العلم باعتبار تعلّقه بنوع من المعلوم، و قد تقدّم في شرح الفصل
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 178
السّادس من الخطبة الاولى أنّ السّمع و البصر من الصّفات الذّاتيّة له تعالى، و الاحتياج فيهما إلى الأداة و الآلة يوجب النّقص في الذّات و الاستكمال و الاستعانة بالآلات المنافي للوجوب الذّاتي.
(و) التاسع (البصير لا بتفريق آلة) أى بفتح العين أو بعث القوّة الباصرة و توزيعها على المبصرات قال الشّارح البحراني: و هذا المعنى على قول من جعل الابصار بآلة الشّعاع الخارج من العين المتّصل بسطح المرئي أظهر، فانّ توزيعه أظهر من توزيع الآلة على قول من يقول إنّ الادراك يحصل بانطباع صورة المرئي في العين، و معنى التّفريق على القول الثّاني هو تقليب الحدقة و توجيهها مرّة إلى هذا المبصر و مرّة إلى ذاك كما يقال فلان مفرّق الهمّة و الخاطر إذا وزّع فكره على حفظ أشياء متباينة و مراعاتها كالعلم و تحصيل المال و ظاهر تنزيهه تعالى عن الابصار بآلة الحسّ لكونها من توابع الجسميّة و لواحقها (و) العاشر (المشاهد لا بمماسّة) و في بعض النّسخ الشّاهد بدل المشاهد، و المعنى واحد قال صدر المتألّهين في شرح الكافي في تحقيق ذلك: لأنّ التماس من خواصّ الأجسام، و المشاهدة بالمماسّة للمشهود نفسه كما في الذّائقة و اللّامسة، و للمتوسّط بين الشّاهد و المشهود كما في الشّامّة و السّامعة و الباصرة، و الحاصل أنّ إدراكات الحواسّ الظّاهرة الخمسة و مشاهداتها كلّها لا تتمّ إلّا بالمماسّة لجسم من الأجسام و إن كان المشهود له و الحاضر بالذّات عند النّفس شيئا آخر غير المموس بالذّات أو بالواسطة (و) الحادى عشر (البائن لا بتراخى مسافة) يعني أنه مباين للأشياء و مغاير لها بنفس ذاته و صفاته، لأنّه في غاية التمام و الكمال، و ما سواه في نهاية الافتقار و النقصان، و ليس تباينه تباين أين و تباعد مكان بتراخى مسافة بينه و بين غيره، لأنّ ذلك من خواصّ الأينيّات، و هو الذى أيّن الأين بلا أين، و قد تقدّم نظير هذه الفقرة
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 179
في الفصل السادس من الخطبة الاولى، و شرحناه بما يوجب الانتفاع به في المقام فليراجع ثمة (و) الثاني عشر (الظّاهر لا برؤية و) الثالث عشر (الباطن لا بلطافة) يعني أنّ ظهوره سبحانه ليس كظهور ظاهر الأشياء بأن يكون مرئيا بحاسّة البصر، و لا بطونه كبطونها بأن يكون لطيفا لصغر حجمه أو لطافة قوامه كالهواء، بل نحو آخر من الظّهور و البطون على ما مرّ تحقيقه في شرح الخطبة التّاسعة و الأربعين و شرح الخطبة الرّابعة و السّتين فليتذكّر.
و الرابع عشر أنّه (بان من الأشياء بالقهر لها و القدرة عليها، و بانت الأشياء منه بالخضوع له و الرّجوع إليه) و هذه الفقرة في الحقيقة تفسير و توضيح للوصف الحادى عشر، فانّه عليه السّلام لمّا ذكر هناك أنّ بينونيّته ليست بتراخى مسافة أوضح هنا جهة البينونة بأنّه إنّما بان من الأشياء بغلبته و استيلائه عليها و قدرته على ايجادها و إعدامها كما هو اللّايق بشأن الواجب المتعال، و أنّ الأشياء إنّما بانت منه لخضوعها و ذلّها في قيد الامكان و رجوعها في وجودها و كمالاتها إلى وجوده كما هو مقتضى حال الممكن المفتقر.
الخامس عشر أنّه تعالى منزّه عن الصّفات الزّايدة على الذّات، و إليه أشار بقوله (من وصفه فقد حدّه و من حدّه فقد عدّه و من عدّه فقد أبطل أزله) قال العلامة المجلسي في مرآت العقول في شرح هذه الفقرة من حديث الكافي: إنّ من وصف اللَّه بالصّورة و الكيف فقد جعله جسما ذا حدود، و من جعله ذا حدود فقد جعله ذا أجزاء، و كلّ ذى أجزاء محتاج حادث، أو أنّ من وصف اللَّه و حاول تحديد كنهه فقد جعله ذا حد مركّب من جنس و فصل، فقد صار حقيقة مركّبة محتاجه إلى الأجزاء حادثة أو أنّ من وصف اللَّه بالصّفات الزّايدة فقد جعل ذاته محدودة بها، و من حدّه كذلك فقد جعله ذا عدد إذ اختلاف الصّفات إنّما يكون بتعدّد أجزاء الذّات أو قال بتعدّد الالهة إذ يكون كلّ صفة لقدمها إليها غير محتاج إلى علّة، و من كان مشاركا في الالهيّة لا يكون قديما فيحتاج إلى علّة، أو جعله
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 180
مع صفاته ذا عدد و عروض الصّفات المغايرة الموجودة ينافي الأزليّة، لأنّ الاتّصاف نوع علاقة توجب احتياج كلّ منهما إلى الآخر، و هو ينافي وجوب الوجود و الأزليّة أو المعنى أنّه على تقدير زيادة الصّفات يلزم تركّب الصّانع إذ ظاهر أنّ الذّات بدون ملاحظة الصّفات ليست بصانع للعالم، فالصّانع المجموع فيلزم تركّبه المستلزم للحاجة و الامكان، و قيل: فقد عدّه من المخلوقين.
السادس عشر أنّه منزّه عن الكيف، و إليه أشار بقوله (و من قال كيف فقد استوصفه) أى طلب وصفه بصفات المحلوقين و جعل له وصفا زايدا على ذاته، و قد علمت أنّ ذلك ممتنع في حقّه إذ كلّ صفة وجوديّة زايدة على ذاته فهى من مقولة الكيف و من جنس الكيف النّفساني، فيلزم كون ذاته بذاته معرّاة عن صفة كماليّة، و يلزم له مخالطة الامكان و ينافي كونه واجب الوجود من جميع الجهات، و كلّ ذلك محال عليه تعالى هذا، و قد تقدّم في شرح الخطبة الرّابعة و الثّمانين تحقيق معنى الكيف و تفصيل تنزّهه تعالى عن الاتّصاف به.
السابع عشر أنّه سبحانه منزّه عن المكان، و إليه أشار بقوله (و من قال أين فقد حيّزه) لأنّ أين سؤال عن الحيّز و الجهة، فمن قال أين فقد جعله في حيّز مخصوص و هو محال في حقّ الواجب تعالى، لأنّه خالق الحيّز و المكان فيلزم افتقاره إلى ما هو مفتقر إليه، على أنّ كونه في حيّز معيّن يستلزم خلوّ ساير الأحياز و الأمكنة منه كما هو شأن الأجسام و الجسمانيّات، و هو باطل لأنّه في جميع الأحياز بالعلم و الاحاطة، و هو الذي في السّماء إله و في الأرض إله.
و اعلم أنّ هذه العبارة نظير قوله عليه السّلام في الفصل الخامس من الخطبة الأولى و من قال فيم فقد ضمنه، و قد ذكرنا في شرحه ما يوجب البصيرة في المقام.
الثامن عشر أنّه سبحانه (عالم إذ لا معلوم و ربّ إذ لا مربوب و قادر إذ لا مقدور) إذ ظرفيّة على توهم الزّمان أى كان موصوفا في الأزل بالعلم و الرّبوبيّة و القدرة، و لم يكن شيء من المعلوم و المربوب و المقدور موجودا فيه.
أمّا أنّه كان عالما بالأشياء و لا معلوم فلأنّ علمه عين ذاته و تقدّم ذاته على
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 181
معلوماته الحادثه ظاهر، و لا يتوقّف وجوده على وجود المعلوم كما مرّ تحقيقه في شرح الفصل السّابع من الخطبة الأولى عند تحقيق قوله: عالما بها قبل ابتدائها فليتذكّر.
و أمّا أنّه كان ربّا إذ لا مربوب لأنّ معنى الربّ هو المالك، و قد كان سبحانه مالكا لأزمّة الامكان و تصريفه من العدم إلى الوجود و من الوجود إلى العدم كيف شاء و متى أراد، و قيل: المراد إنّه كان قادرا على التربية إذ هو الكمال و فعليّتها منوطة على المصلحة.
و أمّا أنّه كان قادرا اذ لا مقدور فلأنّ القادر هو الذي إن شاء فعل و إن شاء ترك، و بعبارة اخرى هو الّذي يصحّ منه الفعل و الترك، و وجود هذا الوصف له لا يستلزم وجود المقدور و قال الصّدوق في التّوحيد: و القدرة مصدر قولك قدر قدرة أى ملك فهو قدير قادر مقتدر، و قدرته على ما لم يوجد و اقتداره على إيجاده هو قهره و ملكه له، و قد قال عزّ ذكره: «مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ» و يوم الدّين لم يوجد بعد.
الترجمة:
از جمله خطب شريفه آن وليّ ربّ العالمين و وصيّ أمين خاتم النّبيّين است در تحميد و توحيد و تمجيد حضرت ذو الجلال و خداوند متعال مى فرمايد:
حمد و ثنا خداوندى را سزاست كه هدايت كننده است بوجود خود با ايجاد مخلوقات خود، و با حدوث مخلوقات خود بر أزليّت و سرمديّت خود، و با شبيه نمودن آن مخلوقات بيكديگر بر اين كه هيچ مثل و شبيه نيست مر او را، مسّ نمى توانند بكنند او را حواسّ ظاهره و باطنه، و نمى پوشاند او را پردها و حجابها بجهت ممتاز و مغاير بودن آفريننده و آفريده شده، و حد قرار دهنده و حد قرار داده شده، و تربيت كننده و تربيت داده شده، اين صفت دارد كه يكيست نه يكى كه از مقوله أعداد باشد، و خلق كننده است نه با حركت و مشقّت، و شنوا است نه با آلت گوش، و بينا است نه با برگرداندن حدقه چشم، و حاضر است با أشيا نه با مجاورت و مماست، و جداست از آشيانه بدوري راه، و آشكار است نه بديدن چشمها، و پنهانست نه بسبب لطافت مقدار.
جدا شد ار أشيا با قهر و غلبه كردن بر آنها، و جدا شد أشيا از او بسبب خضوع و تواضع نمودن آنها بر او بسبب بازگشت آنها بسوى او، هر كس وصف كرد او را پس بتحقيق كه حد قرار داد او را، و هر كه حد قرار دهد بر او پس بتحقيق كه در شمار آورد او را، و كسى كه در شمار آورد او را پس بتحقيق كه باطل گردانيد أزليّت او را، و هر كس كه بگويد چگونه است او پس بتحقيق كه طلب وصف او نمود، و هر كه گفت او كجاست پس بتحقيق كه مكان قرار داد بأو، دانا بود در وقتى كه هيچ معلومى نبود، ربّ بود هنگامى كه هيچ مربوبى نبود، و صاحب قدرت بود زمانى كه هيچ مقدورى نبود.