منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 38
الفصل الثاني:
منها: آثروا عاجلا، و أخّروا آجلا و تركوا صافيا و شربوا آجنا، كأنّي أنظر إلى فاسقهم و قد صحب المنكر فألفه، و بسأ به و وافقه، حتّى شابت عليه مفارقه و صبغت به خلائقه، ثمّ أقبل مزبدا كالتّيّار لا يبالي ما غرق، أو كوقع النّار في الهشيم لا يحفل ما حرق، أين العقول المستصبحة بمصابيح الهدى، و الأبصار اللّامحة إلى منار التّقوى، أين القلوب الّتي وهبت للَّه، و عوقدت على طاعة اللَّه؟ ازدحموا على الحطام، و تشاحّوا على الحرام، و رفع لهم علم الجنّة و النّار، فصرفوا عن الجنّة وجوههم، و أقبلوا على النّار بأعمالهم، و دعاهم ربّهم فنفروا و ولّوا، و دعاهم الشّيطان فأطاعوا و أقبلوا (28874- 28768)
اللغة:
(الآجن) الماء المتغيّر الطّعم و اللّون و (بسأ) به كجعل و فرح بسئا و بسئا و بسوءا أنس و (المفارق) جمع المفرق و زان مجلس و مقعد وسط الرأس، و هو الذي يفرق فيه الشعر و (الخلائق) جمع الخليقة أى الطبيعة و (أزبد) البحر أى صار ذا زبد و رجل مزبد أى ذو زبد و هو ما يخرج من الفم كالرغوة و (التّيّار) مشدّدة موج البحر و (الهشيم) النّبت اليابس المتكسر أو يابس كلّ كلاء و (حفل) الماء يحفل من باب ضرب حفلا و حفولا اجتمع، و قال الشّارح المعتزلي لا يحفل أي لا يبالي و (المستصبحة) في بعض النّسخ بتقديم الحاء على الباء من الاستصحاب و في بعضها بالعكس كما ضبطناه من الاستصباح و هو الأوفق.
الاعراب:
ما في قوله: ما غرق، موصول في محلّ النّصب أى لا يبالي ممّا غرق، و كذلك في قوله ما حرق إن كان يحفل بمعنى يبالي كما فسّره الشارح و إن كان بمعنى يجتمع كما في القاموس فما في محلّ الرّفع فاعل له و هو ظاهر.
المعنى:
اعلم أنّ هذا الفصل وارد في معرض التّوبيخ و التّقريع لطائفة غير مرضيّة الطريقة.
فقال بعض الشّارحين: إنّه عني بذلك الصّحابة الذين مضى ذكرهم في الفصل السّابق يعنى الّذين زعموا أنّهم الرّاسخون في العلم.
و قال بعضهم: إنّ المراد به بنو اميّة.
و قال الشّارح البحراني: أراد بذلك من تخلّف من النّاس إلى زمانه ممّن هو غير مرضيّ الطريقة و إن كان معدودا من الصّحابة بالظاهر كالمغيرة بن شعبة و عمرو بن العاص و مروان بن الحكم و معاوية و نحوهم من امراء بني اميّة، و يقرب منه
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 39
كلام الشّارح المعتزلي و ستطلع عليه.
و كيف كان فقوله (آثروا عاجلا و أخّروا آجلا) أراد به أنّهم اختاروا الدّنيا على الآخرة و قدّموها عليها و أخّروها عنها و ذلك لكون شهواتها حاضرة معجّلة و لذاتها غائبة مؤجّلة استعاره مرشحة (و تركوا صافيا و شربوا آجنا) أى تركوا اللّذات الاخرويّة الصّافية من الكدورات و العلائق البدنيّة، و استلذّوا باللذات الدّنيوية المشوبة بالآلام و الاسقام فاستعار لفظ الآجن للذّاتها و الجامع عدم السّوغ أو عدم الصّفاء فيها كما أنّ الماء المتغيّر الطّعم و اللّون لا يسوغ و لا يصفى و ذكر الشّرب ترشيح.
(كأنّي أنظر إلى فاسقهم) قال الشارح البحراني: يحتمل أن يريد فاسقا معيّنا كعبد الملك بن مروان، و يكون الضّمير عائد إلى بني اميّة و من تابعهم، و يحتمل أن يكون مطلق الفاسق أى من يفسق من هؤلاء فيما بعده و يكون بالصّفات الّتي أشار إليها بقوله (و قد صحب المنكر فألفه) أي أخذه الفا له (و بسأبه و وافقه) أى استأنس به و وجده موافقا لطبعه كنايه (حتّى شابت عليه مفارقه) و هو كناية عن طول عهده بالمنكر إلى أن بلغ عمره غايته، لأنّ شيب المفارق عبارة عن بياضها و هو إنّما يكون إذا بلغ الشّيوخيّة و لتأخر شيب المفرق عن شيب الصّدغ و تأكّد دلالته على طول العهد خصّصه بالذّكر استعاره (و صبغت به خلائقه) أى صارت طبائعه مصبوغة ملوّنة بالمنكر أى صار المنكر خلقا له و سجيّة، فاستعار لفظ الصبغ لرسوخ المنكر في جبلته لشدّة ملازمته له.
استعاره مرشحة (ثمّ أقبل مزبدا كالتّيّار) شبّهه بالبحر الموّاج و رشح التشبيه بذكر لفظ الازباد و وجه الشبه أنّه عند الغضب لا يبالى بما يفعله فى النّاس من المنكرات كما (لا يبالي) البحر ب (ما غرق) تشبيه و شبّهه اخرى بالنّار المضرمة الملتهبة فقال (أو كوقع النّار في الهشيم) يعني أنّ حركاته في الظّلامات مثل وقع النّار في النّبت اليابس و الدّقاق من الحطب و وجه الشّبّه أنّه (لا يحفل) و لا يبالي بظلمه
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 40
كما لا يحفل وقع النّار و لا يبالي ب (ما حرق) «1» أو انّ ما أفسده لا يرجى اصلاحه كما أنّ ما حرقه النّار لا يمكن اجتماعه.
استفهام- استعاره مرشحة ثمّ استفهم على سبيل الأسف و التحسّر فقال (أين العقول المستصبحة بمصابيح الهدى) استعار لفظ المصابيح لأولياء الدّين و أئمّة اليقين المقتبس عنهم نور الهداية و رشّح بذكر لفظ الاستصباح، و يجوز أن يكون استعارة لأحكام الشّرع المبين الموصلة لآخذها و السّالكة بعاملها إلى حظيرة القدس.
و مثله لفظ المنار في قوله (و الأبصار اللامحة إلى منار التقوى) إذ أئمّة الهدى أعلام التّقى بهم يهتدى في ظلمات الضّلال و غياهب الدّجى و كذلك بأحكام سيّد الأنام و الانقياد بها يهتدي إلى نهج الحقّ و سواء الطريق الذي يؤمن لسلوكها و يتقى من النّار و ينجي من غضب الجبّار جلّ و تعالى.
استفهام ثمّ استفهم اخرى بقوله (أين القلوب الّتي وهبت للَّه) أي وهبها أهلها للَّه سبحانه و المراد بهبتها له جعلها مستغرقة في مطالعة أنوار كبريائه و التوجّه إلى كعبة وجوب وجوده و هي القلوب الّتي صارت عرش الرّحمن و اشير اليها في الحديث القدسي لا يسعني أرضي و لا سمائي و لكن يسعني قلب عبدى المؤمن.
(و عوقدت على طاعة اللَّه) أي أخذ اللَّه عليهم العهد بطاعته إمّا في عالم الميثاق أو بألسنة الأنبياء و الرّسل و إليه اشير في قوله سبحانه: «مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا» ثمّ رجع إلى ذمّ الفرقة المتقدّمة المصدّرة بهذا الفصل فقال استعاره (ازدحموا على الحطام) أي تزاحموا على متاع الدّنيا و استعار له لفظ الحطام الموضوع لليابس من النّبت المتكسّر لسرعة فنائه و فساده (و تشاحّوا على الحرام) أى تنازعوا عليه لأنّ غرض كلّ منهم جذبه اليه (و رفع لهم علم الجنّة و النّار) قال الشّارح البحراني: أشار بعلم الجنّة إلى قانون الشريعة القائد إلى الجنّة و بعلم النّار إلى
______________________________
(1) هذا مبنىّ على جعل يحفل بمعنى يجتمع كما أنّ الأول مبنىّ على جعله بمعنى يبالى على ما مضى سابقا، منه ره
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 41
الوساوس المزينة لقنيات الدّنيا، و العلم الأوّل بيد الدّعاة إلى اللَّه و هم الرّسول و من بعده من أولياء اللَّه من أهل بيته و التّابعين لهم باحسان، و العلم الثّاني بيد ابليس و جنوده من شياطين الجنّ و الانس الدّاعين إلى النار.
(فصرفوا عن الجنّة وجوههم) و أعرضوا عنها (و أقبلوا إلى النار بأعمالهم) القبيحة الموصلة إليها (و دعاهم ربّهم فنفروا) و استكبروا (و ولّوا و دعاهم الشيطان فأطاعوا و أقبلوا) و استجابوا.
تنبيه:
قال الشارح المعتزلي في شرح هذا الفصل:
فان قلت: هذا الكلام يرجع إلي الصّحابة الذين مضى ذكرهم في أوّل الخطبة.
قلت: لا و إن زعم قوم أنّه عناهم، بل هو إشارة إلى قوم ممّن يأتي من الخلف بعد السّلف، ألا تراه قال: كأنّي أنظر إلى فاسقهم و قد صحب المنكر فألفه، و هذا اللّفظ إنّما يقال في حقّ من لم يوجد بعد كما قال في حقّ الأتراك:
كأنّي أنظر اليهم قوما كأنّ وجوههم المجان، و كما قال في حقّ صاحب الزّنج كأنى به يا أحنف و قد سار بالجيش، و كما قال في الخطبة التّى ذكرناها آنفا كأنى به قد نعق بالشّام، يعني به عبد الملك.
و حوشى عليه السّلام أن يعنى بهذا الكلام الصّحابة لأنّهم ما آثروا العاجل، و لا أخّروا الآجل، و لاصحبوا المنكر، و لا أقبلوا كالتيّار لا يبالي ما غرق، و لا كالنار لا يبالي ما احترقت، و لا ازدحموا على الحطام، و لا تشاحّوا على الحرام، و لا صرفوا وجوههم عن الجنّة، و لا أقبلوا إلى النّار بأعمالهم، و لا دعاهم الرّحمن فولّوا، و لا دعاهم الشيطان فاستجابوا، و قد علم كلّ أحد حسن سيرتهم و سداد طريقتهم و إعراضهم عن الدّنيا و قد ملكوها، و زهدهم فيها و قد تمكّنوا منها، و لو لا قوله: كأنّي أنظر الى فاسقهم، لم أبعد أن يغني بذلك قوما ممّن عليهم اسم الصّحابة و هو ردّى الطريقة كالمغيرة بن شعبة، و عمرو بن العاص، و مروان بن الحكم، و معاوية،
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 42
و جماعة معدودة أحبّوا الدّنيا و استغواهم الشّيطان، و هم معدودون في كتب أصحابنا من اشتغل بعلوم السيرة و التواريخ عرفهم بأعيانهم انتهى كلامه.
أقول: و لا يبعد عندي أن يعنى عليه السّلام به المتقدّمين ذكرهم في أوّل الخطبة و استبعاد الشارح له بظهور لفظ كأنّى أنظر في حقّ من لم يوجد بعد لا وجه له، لا مكان أن يقال: إنّ نظره في الاتيان بهذا اللّفظ إلى الغاية أعني قوله: حتى شابت عليه مفارقه، و بعبارة اخرى سلّمنا ظهور هذا اللفظ في حقّ ما لم يوجد إلّا أنّ مراده عليه السّلام به ليس نفس الفاسق حتّى يقال إنه كان موجودا في زمانه عليه السّلام، و إنّما مراده بذلك الاخبار عن استمرار الفاسق في فسقه و تماديه في المنكرات الى آخر عمره، و هذا الوصف للفاسق لم يكن موجودا، فحسن التعبير بهذه اللفظة فافهم جيدا و أما استيحاشه من أن يعنى به الصحابة بأنهم ما آثروا العاجل إلى آخر ما ذكره فهو أوضح فسادا لأنّه لو لا اختيارهم الدّنيا على الاخرى لم يعدلوا عن امام الورى، فعدو لهم عنه دليل على أنهم اشتروا الضلالة بالهدى، و آثروا العاجل، و أخّروا الآجل و قد تركوا الشرب من الماء المعين، و منهل علوم ربّ العالمين، و استبدّوا بعقولهم الكاسدة، و ارتووا من آرائهم اللّاجنة الفاسدة، و مصاحبتهم جميعا للمنكر بالبدعات التي أحدثوها واضحة، و اقبال فاسقهم كالتيار و النار لا يبالي مما غرق و حرق لا غبار عليه و ما فعل عثمان من ضرب ابن مسعود و كسر بعض أضلاعه، و ضرب عمار و إحداث الفتق فيه، و ضربه لأبي ذرّ و إخراجه إلى الرّبذة و نحوها مما تقدّم ذكرها في شرح الكلام الثالث و الأربعين و غيره شاهد صدق على ما قلناه.
و كذلك اجتماعه مع «بنى ظ» أبيه إلى الحطام و مشاحتهم على الحرام و حضمهم لمال اللَّه خضم الابل نبته الرّبيع على ما تقدّم في شرح الخطبة الثالثة أوضح دليل على ما ذكرنا فبعدولهم جميعا عن اللَّه و عن وليّه صرفوا وجوههم عن الجنّة، و أقبلوا بأعمالهم إلى النار، فاستحقّوا الخزى العظيم و العذاب الأليم في أسفل درك من الجحيم.
الترجمة:
بعض ديگر از اين خطبه در ذمّ و توبيخ طائفه غير مرضيّه از غاصبين خلافت و بني اميه و أمثال ايشان مى فرمايد كه:
اختيار كردند ايشان متاع دنياى ناپايدار را، و تأخير انداختند امورات دار القرار را، و ترك كردند زلال صافي را، و آشاميدند از آب متغير گنديده، گويا من نظر ميكنم بسوى فاسق ايشان در حالتى كه مصاحب شده است با قبايح و منكرات و الفت گرفته به آنها و استيناس يافته به آنها و موافق طبع خود يافته آنها را تا آنكه عمر او بپايان رسيد، و سفيد شده ميانهاى سر او و رنگ گرفته به آنها طبيعتهاى او.
پس از آن رو آورد در حالتى كه كف بر آورده مثل درياى موج دار اصلا باك ندارد از آنچه غرق گرداند، يا مثل افتادن آتش در گياه خشك كه هيچ باك نمى كند از آنچه كه سوزاند، كجايند عقلهاى چراغ بر افروزنده بچراغهاى هدايت، و چشمهاى نظر كننده به نشانهاى تقوى، كجايند قلبهايى كه بخشيده شده اند بخدا، و بسته شدند بر طاعت خدا، ازدحام كردند آن طايفه بد كردار بر متاع دنياى بى اعتبار، و نزاع كردند با يكديگر در بالاى حرام، و بلند شد از براى ايشان علم بهشت و جهنم، پس گردانيدند از بهشت روهاى خود را، و اقبال كردند بسوى دوزخ باعملهاى خود، و دعوت كرد ايشان را پروردگار ايشان بعبادت و اطاعت پس رميدند و اعراض نمودند، و دعوت كرد ايشان را شيطان لعين بسوى قبائح پس قبول كردند و اقبال نمودند.