منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 114
أنا بالأمس صاحبكم و أنا اليوم عبرة لكم، و غدا مفارقكم، غفر اللَّه لي و لكم. إن ثبتت الوطأة في هذه المزلّة فذاك، و إن تدحض القدم فإنّا كنّا في أفياء أغصان و مهبّ رياح، و تحت ظلّ غمام اضمحلّ في الجوّ متلفّقها، و عفى في الأرض مخطّها، و إنّما كنت جارا جاوركم بدني أيّاما، و ستعقبون منّي جثّة خلاء ساكنة بعد حراك، و صامتة بعد نطوق ليعظكم هدويّ و خفوت أطراقي و سكون أطرافي فإنّه أوعظ للمعتبرين من المنطق البليغ، و القول المسموع، وداعيكم وداع امرء مرصد للتّلاقي، غدا ترون أيّامي، و يكشف لكم عن سرائري، و تعرفونني بعد خلوّ مكاني، و قيام غيري مقامي. (29874- 29693)
اللغة:
و (الوطأة) بالفتح موضع القدم و المرّة من الوطى و هو الدّوس بالرّجل. و (دحض) الرّجل دحضا من باب منع زلق و زلّ و (الأفياء) جمع فيء و هو الظلّ الحادث بعد الزّوال و (مهبّ الرّياح) محلّ هبوبها و في بعض النّسخ و مهاب رياح بصيغة الجمع و (اضمحل) السّحاب تقشّع و الشيء ذهب و فنى و (الجوّ) ما بين السّماء و الأرض و (متلفقّها) بكسر الفاء من تلفّق الشيء انضمّ و التأم و لفقت الثّوب لفقأ من باب ضرب ضممت احدى شقتيه إلى الأخرى للخياطة و (المخطّ) بالخاء المعجمة ما يحدث في الأرض من الخطّ الفاصل بين الظلّ و النّور.
و (ستعقبون) بالبناء على المجهول من الاعقاب و هو اعطاء الشيء عقيب الشيء يقال أكل أكلة أعقبته سقما أى أورثته و (حراك) كسحاب الحركة و (هدوى) في بعض النّسخ بالهمز على الأصل و في بعضها بتشديد الواو بقلب الهمزة واوا و (خفت) الصّوت خفوتا سكن و (اطراقى) إمّا بكسر الهمزة من اطرق إطراقا أى أرخى عينيه إلى الأرض، أو بفتحها جمع طرق بالكسر بمعنى القوّة كما في القاموس، أو بالفتح و هو الضرب بالمطرقة، و قيل جمع طرقة بالفتح أى صنايع الكلام يقال: هذا طرقته أى صنعته و الأوّل أظهر و أضبط، و في بعض النّسخ أطرافي بالفاء فهو جمع الطرف بالتسكين و هو تحريك العين و الجفن إلّا أنّ جمعه لم يثبت إلّا عند القتيبى و قال الزّمخشري: الطّرف لا يثنى و لا يجمع لأنّه مصدر و كذا ذكره الجوهري.
و (سكون أطرافي) جمع الطرف بالتحريك كجمل و جمال، و المراد بها الأعضاء و الجوارح كاليدين و الرّجلين و (الوداع) بفتح الواو اسم من ودّعته توديعا و هو أن تشيعه عند سفره، و أمّا الوداع بالكسر فهو اسم من أودعته موادعة أى
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 114
صالحته و (رصدته) إذا قعدت له على طريقه تترقّبه و أرصدت له العقوبة أى أعددتها له و حقيقتها جعلها على طريقة كالمترقّبة له، و مرصد في بعض النّسخ على صيغة اسم المفعول فالفاعل هو اللَّه تعالى أو نفسه عليه السّلام، و في بعضها على صيغة اسم الفاعل فالمفعول نفسه عليه السّلام أو ما ينبغي اعداده و تهيئته.
الاعراب:
و قوله: ليعظكم بكسر اللّام و نصب الفعل كما في أكثر النّسخ، و يحتمل الجزم لكونه أمرا أو فتح اللّام و رفع الفعل أيضا.
و قوله: وداعيكم وداع امرء مرفوعان على المبتدأ و الخبر، و إضافة و داعى إلى ضمير المفعول أى وداعى إيّاكم، و في بعض النّسخ بنصب وداع، و في بعضها بجرّها، و كلاهما مبنىّ على حذف الخافض أى كوداع امرء فالنّصب على حدّ قوله تعالى «وَ اخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ» أى من قومه، و الثاني على حدّ قول امرء القيس
«أشارت كليب بالأكفّ الأصابع»
أى إلى كليب، و في نسخة الشّارح المعتزلي و داعى لكم وداع امرء و روى فيها أيضا ودّعتكم وداع امرء على صيغة المتكلّم من باب التّفعيل، فالوداع منصوب بالمصدريّة و غدا ظرف للأفعال بعده.
المعنى:
و عقّب وصيّته بالتّنبيه على مجارى حالاته لاعتبار الحاضرين و اتّعاظ المشاهدين فقال (أنا بالأمس صاحبكم) أى كنت صحيحا مثلكم نافذ الحكم فيكم، و صاحب الأمر و النّهى، أو صاحبكم الذي تعرفونني بالقوّة و الشّجاعة (و اليوم عبرة لكم) تعتبرون باشرافي على الموت و ضعفى عن الحراك بعد ما كنت اصرع الابطال و اقتل الأقران (و غدا مفارقكم غفر اللَّه لي و لكم) هذا الكلام نصّ في علمه عليه السّلام تفصيلا بزمان موته حسبما قدّمناه.
و تأويل الشّارح المعتزلي له بأنّه لا يعنى غدا بعينه بل ما يستقبل من الزّمان كما يقول الانسان الصّحيح: أنا غدا ميّت فمالى أحرص على الدّنيا خروج عن ظاهر الكلام بلا دليل.
فان قلت: الدّليل عليه قوله (إن ثبتت الوطأة في هذه المزلّة فذاك) فانّه يدلّ على أنّه عليه السّلام لم يكن يقطع بموته.
قلت: هذا الكلام من قبيل تصوير العالم نفسه بصورة الشّاك لبعض المصالح على حدّ قوله تعالى: «أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ».
و كيف كان فمقصوده أنّه إن ثبتت القدم بالبقاء في هذه الدّنيا بأن لا يؤدّي الجرح إلى الهلاك فذاك المراد أى مرادكم، فانّه عليه السّلام كان آنس بالموت من الطّفل بثدى امّه، أو مرادى لأنّه عليه السّلام كان راضيا بقضاء اللَّه فمع قضاء اللَّه حياته
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 123
و ارادته له لا يريد غير ما أراده سبحانه كنايه (و ان تدحض القدم) و تزلق و هو كناية عن الموت تشبيه (فانّا كنّا في أفياء أغصان) و ظلالها (و مهبّ رياح) أى محلّ هبوبها (و تحت ظلّ غمام اضمحلّ) و فنى (في الجوّ) أى ما بين السّماء و الأرض (متلفّقها) و ملتئمها (و عفى) و انمحى (في الأرض مخطّها) أى أثرها و علامتها و الغرض بهذه الجملات أنّي إن متّ فلا عجب، فانّا كنّا في امور فانية شبيهة بتلك الامور، لأنّها كلّها سريعة الانقضاء لا ثبات لها و لا بقاء، أو لا أبالي فانّي كنت في الدّنيا غير راكن إليها كمن كان في تلك الامور، و فيه حثّ للقوم أيضا على الزّهد في الدّنيا و ترك الرّغبة في زخارفها.
استعاره- استعاره بالكنايه [فانّا كنّا في أفياء أغصان و مهبّ رياح و تحت ظلّ غمام اضمحلّ في الجوّ متلفّقها و عفى في الأرض مخطّها] و قيل: أراد على وجه الاستعارة بالأغصان الأركان من العناصر الأربعة، و بالأفياء تركيبها المعرض للزّوال، و بالرّياح الأرواح، و بمهبّها الأبدان الفايضة هي عليها بالجود الالهي، و بالغمام الأسباب العلويّة من الحركات السّماويّة و الاتّصالات الكوكبيّة و الأرزاق المفاضة على الانسان في هذا العالم الّتي هي سبب بقائه، و كنّى باضمحلال متلفّقها في الجوّ عن تفرّق الأسباب العلويّة للبقاء و فنائها، و بعفاء مخطّها في الأرض عن فناء آثارها في الأبدان.
(و إنما كنت جارا) أي مجاورا (جاوركم بدني أيّاما) تخصيص المجاورة بالبدن لأنّها من خواصّ الأجسام أو لأنّ روحه عليه السّلام كان معلّقا بالملاء الأعلاء و هو بعد في الدّنيا (و ستعقبون منّي) أى تعطون عقيب فقدى و تجدون بعد رحلتى (جثّة خلاء) أى جسدا و بدنا خاليا من الرّوح و الحواسّ (ساكنة بعد حراك و صامتة بعد نطوق) أى متبدّلة الحركة بالسّكون و النّطق بالسّكوت (ليعظكم هدّوى) و سكونى (و خفوت اطراقى) أى سكون ارخاء عينى إلى الأرض و هو كناية عن عدم تحريك الأجفان، و قد مرّ وجوه اخر في بيان اللغة فتذكّر (و سكون أطرافي) أى الرّاس و اليدين و الرجلين و غيرها من الجوارح و الأعضاء و جناس الخط بين قوله اطرافي و اطرافي غير خفيّ (فانّه أوعظ للمعتبرين من المنطق البليغ و القول المسموع) لأنّ الطّباع أكثر اتعاظا و انفعالا عن مشاهدة
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 124
ما فيه من العبرة من الوصف له بالقول المسموع و لو كان بأبلغ لفظ و أفصح عبارة ثمّ أخذ في توديعهم فقال (و داعيكم وداع امرء مرصد للّتلاقي) أي وداعى إيّاكم كوداع رجل مترقّب و منتظر للملاقات من ربّه تعالى و ساير الوجوه مرّ في بيان اللّغة (غدا ترون أيّامي) أي بعد مفارقتي إيّاكم و تولّى بني اميّة و غيرهم أمركم تعرفون فضل أيّام خلافتى و إني كنت بارّا بكم عطوفا عليكم و كنت على الحقّ (و يكشف لكم عن سرائرى) و يظهر أنّى ما أردت في حروبى و ساير ما أمرتكم به إلّا وجه اللَّه عزّ و جلّ و ابتغاء مرضاته (و تعرفوننى بعد خلوّ مكاني و قيام غيري مقامي) أي تعرفون عدلى و قدرى بعد قيام غيري مقامي بالامارة و الخلافة و تظاهره بالمنكرات، لأنّ الأشياء إنما تتبيّن بضدّها كما قال أبو تمام:
راحت وفود الأرض عن قبره فارغة الأيدي ملاء القلوب
قد علمت ما ورثت إنما تعرف قدر الشمس بعد الغروب
و قيل: و السرّ فيه أنّ الكمل إنما يعرف قدرهم بعد فقدهم، إذ مع شهودهم لا يخلو من يعرفهم عن حسد منه لهم، فكمال قدرهم مخبوء عن عين بصيرته لغشاوة حسده الّتي عليها هذا.
و قال المحدّث العلّامة المجلسيّ في شرح هذه الفقرات من رواية الكافي الآتية: اقول: و يحتمل أن يكون المراد بقوله: غدا، أيام الرجعة و يوم القيامة فانّ فيهما تظهر شوكتهم و رفعتهم و نفاذ حكمهم في عالم الملك و الملكوت، فهو عليه السّلام في الرّجعة وليّ انتقام العصاة و الكفّار و تمكين المتّقين الأخيار في الأصقاع و الأقطار، و في القيامة وليّ الحساب و قسيم الجنّة و النار و غير ذلك مما يظهر من درجاتهم و مراتبهم السنية فيها، فالمراد بخلوّ مكانه خلوّ قبره عن جسده في الرّجعة أو نزوله عن منبر الوسيلة و قيامه إلى شفير جهنّم يقول للنار: خذى هذا و اتركى هذا في القيامة.
قال: و في أكثر نسخ الكتاب أي الكافي: و قيامي غير مقامي، و هو أنسب بالأخير، و على الأوّل يحتاج إلى تكلّف شديد كأن يكون المراد قيامه عند اللَّه تعالى
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 125
في السموات و تحت العرش و في الجنان في الغرفات و في دار السّلام كما دلّت عليه الرّوايات.
قال: و في نسخ النّهج و بعض نسخ الكتاب: و قيام غيري مقامي، فهو بالأوّل انسب و يحتاج في الأخير إلى تكلّف تامّ بأن يكون المراد بالغير القائم عليه السّلام فانّه إمام الزّمان في الرّجعة، و قيام الرّسول صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم مقامه للمخاصمة في القيامة.
قال: و يخطر بالبال أيضا أنّه يمكن الجمع بين المعنيين، فيكون أسدّ و أفيد بأن يكون ترون أيّامي و يكشف اللَّه عن سرائرى في الرّجعة و القيامة لاتّصاله بقوله: وداع مرصد للتّلاقي، و قوله عليه السّلام: و تعرفوني كلاما آخر إشارة إلى ظهور قدره في الدّنيا كما مرّ في المعنى الأوّل، و هذا أظهر الوجوه لا سيّما على النّسخة الأخيرة انتهى.
تذكرة:
قد أوردنا في شرح الكلام التّاسع و السّتين قصّة شهادة أمير المؤمنين عليه السّلام تفصيلا، و أحببت أن اورد هنا بعض ما قيل في رثائه عليه السّلام.
فأقول: روى في شرح المعتزلي عن أبي الفرج الاصبهاني قال: أنشدني عمي الحسن بن محمّد قال: أنشدني محمّد بن سعد لبعض بني عبد المطلب يرثي عليّا و لم يذكر اسمه:
يا قبر سيّدنا المجنّ سماحة صلّى الإله عليك يا قبر
ما ضرّ قبرا أنت ساكنه أن لا يحلّ بأرضه القطر
فليغدينّ سماح كفّك بالثرى و ليورقنّ بجنبك الصخر
و اللَّه لو بك لم أجد أحدا إلّا قتلت لفاتنى الوتر
و قال عبد اللَّه بن عبّاس بن عبد المطلب:
و هزّ عليّ بالعراقين لحية مصيبتها جلّت على كلّ مسلم
و قال سيأتيها من اللَّه نازل و يخضبها أشقى البريّة بالدّم
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 126
فعاجله بالسّيف شلّت يمينه لشؤم قطام عند ذاك ابن ملجم
فيا ضربة من خاسر ضلّ سعيه تبوّء منها مقعدا في جهنّم
ففاز أمير المؤمنين بحظّه و إن طرقت إحدى اللّئام بمعظم
ألا إنّما الدّنيا بلاء و فتنة حلاوتها شيبت بصبر و علقم
و قالت امّ الهيثم بنت الأسود النخعية و هى الّتي استوهبت جثّة ابن ملجم من الحسن عليه السّلام فوهبها لها فحرّقتها بالنّار.
ألا يا عين ويحك فاسعدينا ألا تبكى أمير المؤمنينا
رزينا خير من ركب المطايا و حبّسها و من ركب السّفينا
و من لبس النّعال و من حذاها و من قرء المثاني و المئينا
و كنّا قبل مقتله بخير نرى مولى رسول اللَّه فينا
يقيم الدّين لا يرتاب فيه و يقضى بالفرايض مستبينا
و يدعو للجماعة من عصاه و ينهك قطع أيدي السّارقينا
و ليس بكاتم علما لديه و لم يخلق من المتجبّرينا
لعمر أبي لقد أصحاب مصر على طول الصحابة أرجعونا
و غرّونا بأنّهم عكوف و ليس كذاك فعل العاكفينا
أ في شهر الصّيام فجعتمونا بخير النّاس طرّا أجمعينا
و من بعد النبيّ فخير نفس أبو حسن و خير الصّالحينا
كأنّ النّاس إذ فقدوا عليّا نعام جال في البلد سنينا
و لو أنّا سئلنا المال فيه بذلنا المال فيه و البنينا
أشاب ذؤابتى و أطال حزني أمامة حين فارقت القرينا
تطوف بها لحاجتها إليه فلمّا استيئست رفعت رنينا
و عبرة امّ كلثوم إليها تجاو بها و قد رأت اليقينا
فلا تشمت معاوية بن صخر فانّ بقيّة الخلفاء فينا
و جمّعت الامارة عن تراض إلى ابن نبيّنا و إلى أخينا
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 127
و لا نعطى زمام الأمر فينا سواه الدّهر آخر ما بقينا
و إنّ سراتنا و ذوى حجانا تواصوا أن نجيب إذا دعينا
بكلّ مهنّد عضب و جرد عليهنّ الكماة مسوّمينا
روى أحمد بن حازم قال لما بلغ نعى أمير المؤمنين عليه السّلام إلى عايشة سجدت للَّه شكرا، و لمّا بلغ إلى معاوية فرح فرحا شديدا و قال: إنّ الأسد الّذي كان يفترش ذراعيه في الحرب قد قضى نحبه ثمّ قال:
قل للأرانب ترعى أينما سرحت و للظّباء بلا خوف و لا وجل
تكملة:
قد أشرنا سابقا إلى أنّ هذا الكلام له عليه السّلام مروىّ في الكافي على اختلاف لما أورده السيّد في الكتاب فأحببت أن أورد ما هناك، و هو ما رواه عن الحسين بن الحسن الحسني رفعه، و محمّد بن الحسن عن إبراهيم بن إسحاق الأحمري رفعه قال:
لمّا ضرب أمير المؤمنين عليه السّلام حفّ به العوّاد و قيل له: يا أمير المؤمنين أوص، فقال عليه السّلام ثنوالي وسادة ثمّ قال:
الحمد للَّه قدره متّبعين أمره، أحمده كما أحبّ، و لا إله إلّا اللَّه الواحد الأحد الصّمد كما انتسب، أيّها النّاس كلّ امرء لاق في فراره مامنه يفرّ، و الأجل مساق النّفس اليه، و الهرب منه موافاته، كم اطّردت الأيام أبحثها عن مكنون هذا الأمر فأبى اللَّه عزّ ذكره إلّا إخفائه، هيهات علم مكنون (مخزون خ ل)، أمّا وصيّتي فأن لا تشركوا باللَّه جلّ ثناؤه شيئا، و محمّدا صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم فلا تضيّعوا سنّته، أقيموا هذين العمودين، و أوقدوا هذين المصباحين، و خلاكم ذمّ ما لم تشردوا، حمل كلّ امرء منكم مجهوده، و خفّف عن الجهلة، ربّ رحيم، و امام عليم، و دين قويم، أنا بالأمس صاحبكم، و اليوم عبرة لكم، و غدا مفارقكم، إن تثبت الوطأة في هذه المزلّة فذاك المراد، و إن تدحض القدم فانّا كنّا في أفياء أغصان و ذرى رياح و تحت ظلّ غمامة اضمحلّ في الجوّ متلفّقها، و عفى في الأرض مخطّها،
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 128
و إنّما كنت جارا جاوركم بدني أيّاما، و ستعقبون منّي جثّة خلاء ساكنة بعد حركة، و كاظمة بعد نطق ليعظكم هدوّى، و خفوت أطرافي، و سكون أطرافي، فانّه أوعظ لكم من النّاطق البليغ، ودّعتكم وداع مرصد التّلاقي، غدا ترون أيّامي، و يكشف اللَّه عزّ و جلّ عن سرائرى، و تعرفوني بعد خلوّ مكاني، و قيامي غير مقامي، أنا إن أبق فأنا وليّ دمى، و إن أفن فالفناء ميعادى، العفو لي قربة و لكم حسنة فاعفوا و اصفحوا ألا تحبّون أن يغفر اللَّه لكم، فيا لها حسرة على كلّ ذي غفلة أن يكون عمره عليه حجّة أو تؤدّيه امامه على شقوة، جعلنا اللَّه. و إيّاكم ممّن لا يقصر به عن طاعة اللَّه رغبة أو يحلّ به بعد الموت نقمة، فانّما نحن له و به.
ثمّ أقبل على الحسن عليه السّلام فقال: يا بنيّ ضربة مكان ضربة و لا تأثم.
بيان:
قال في مرآت العقول «حفّ به» أي أحاط و «العوّاد» جمع عائدوهم الزّائرون للمريض و «الوسادة» ما يتّكاء عليه في المجلس، و ثنيّها إمّا للجلوس عليها ليرتفع و يظهر للسّامعين، أو للاتّكاء عليها لعدم قدرته على الجلوس مستقلا.
و قوله «الحمد للَّه قدره» أي حمدا يكون حسب قدره و كما هو أهله قائم مقام المفعول المطلق «متّبعين أمره» حال من فاعل الحمد، لأنّه في قوّة أحمده «كما أحبّ» أي حمدا يكون محبوبه و موافقا لرضاه «كما انتسب» أي نسب نفسه إليه في سورة التوحيد و لذا تسمّى نسبة الرّب و «الأجل» منتهى العمرو هو مبتداء و «مساق النّفس» مبتداء ثان و «إليه» خبره و الجملة خبر المبتدأ الأوّل.
«و محمّدا» منصوب بالاغراء بتقدير الزموا و «الفاء» للتفريع و «ذرى رياح» أي ما ذرته و جمعته شبّه ما فيه الانسان في الدّنيا من الأمتعة و الأموال بماذرته الرّياح في عدم ثباتها و قلّة الانتفاع، فانّها تجمعها ساعة و تفرقها اخرى، أو المراد
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 129
محال ذروها و «كاظمة بعد نطق» قال الفيروزآبادي: كظم غيظه ردّة و حبسه و الباب أغلقه.
«ودّعتكم» على صيغة المتكلّم من باب التفعيل و «يكشف اللَّه عن سرائرى» لأنّ بالموت ينكشف بعض ما يسرّه الانسان من النّاس من حسناته المتعدّية إليهم «إن أبق فأنا وليّ دمى» صدق الشرطيّة لا يستلزم وقوع المقدّم، و قد مرّ الكلام فيه فلا ينافي ما مرّ من قوله: و غدا مفارقكم «فالفناء ميعادى» كما قال جلّ ثناؤه «كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وَ يَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ...».
«العفو لي قربة و لكم حسنة» يحتمل أن يكون استحلالا من القوم كما هو الشّايع عند الموادعة أي عفوكم عنّى سبب مزيد قربى و حسناتكم، أو عفوى لكم قربة و عفوى عنكم حسنة، فيكون طلب العفو على سبيل التّواضع و من غير أن يكون منه إليهم جناية، و في أكثر النّسخ و إن أعف فالعفو لي قربة، أي إن أعف عن قاتلى، فقوله: و لكم حسنة، لصعوبة ذلك عليكم حيث تريدون التّشفّى منه و تصبرون على عفوى بعد القدرة على الانتقام.
«فَاعْفُوا وَ اصْفَحُوا» عنّي على الوجه الأوّل أو عن غير قاتلى ممّن له شركة في هذا الأمر، أو عن جرايم اخوانكم و زلّاتهم و ظلمهم عليكم أو إذا جيء عليكم بمثل هذه الجناية لئلا يناقض قوله عليه السّلام: ضربة مكان ضربة، مع أنّه يحتمل أن يكون معناه إن لم تعفوا فضربة لكن الأمر بالعفو عن مثل هذا الملعون بعيد.
الترجمة:
من ديروز مصاحب شما بودم، و امروز كه با اين حالت ضعف افتاده ام عبرتم از براى شما، و فردا مفارقت كننده ام از شما بيامرزد خداى تعالى مرا و شما را. اگر ثابت بشود قدم من در اين دنيا كه محلّ لغزش است پس اينست مقصود شما، و اگر بلغزد قدم پس بدرستي كه ما بوديم در سايه هاى شاخه هاى درخت و محلّ وزيدن بادها و در زير سايه أبرها كه نيست شد و نابود گشت و در هوا جمع شده آن ابرها و مندرس شد در زمين اثر آنها.
و جز اين نيست كه بودم من همسايه كه همسايگى نمود با شما بدن من چند روزى و زود باشد كه بيابيد بعد از من بدنى كه خالى باشد از روح، چنان بدنى كه ساكن باشد بعد از حركت، و خاموش باشد بعد از گفتار، تا وعظ نمايد بشما سكون من و چشم در پيش افكندن من، و ساكن شدن أطراف بدن من.
پس بدرستى كه مرگ پند دهنده تر است از براى عبرت يابندگان از گفتار بليغ و فصيح، و از قول مسموع صريح، وداع كردن من شما را وداع مرديست كه مهيا شده از براى ملاقات پروردگار، فردا مى بينيد روزهاى مرا، و كشف مى شود شما را از سرّهاى من، و بشناسيد عدالت و قدر مرا بعد از خالى بودن مكان من از من، و ايستادن غير من بجاى من با امارت و خلافت و بى مبالاتي او در دين.