منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 361
و لقد كان في رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما يدلّك على مساوى الدّنيا و عيوبها، إذ جاع فيها مع خاصّته، و زويت عنه زخارفها مع عظيم زلفته، فلينظر ناظر بعقله، أكرم اللّه تعالى محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بذلك أم أهانه؟! فإن قال: أهانه، فقد كذب و العظيم، و إن قال: أكرمه، فليعلم أنّ اللّه أهان غيره حيث بسط الدّنيا و زويها عن أقرب النّاس منه، فتأسّى متأسّ بنبيّه، و اقتصّ أثره، و ولج مولجه، و إلّا فلا يأمن الهلكة، فإنّ اللّه جعل محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم علما للسّاعة، و مبشّرا بالجنّة، و منذرا بالعقوبة، خرج من الدّنيا خميصا، و ورد الآخرة سليما، لم يضع حجرا على حجر حتّى مضى لسبيله، و أجاب داعى ربّه، فما أعظم منّة اللّه عندنا حين أنعم علينا به سلفا نتّبعه، و قائدا نطا عقبه، و اللّه لقد رقعت مدرعتي هذه حتّى استحييت من راقعها، و لقد قال لي قائل: أ لا تنبذها عنك، فقلت: اعزب عنّي، فعند الصّباح يحمد القوم السّرى. (33413- 32751)
المعنى:
ثمّ أكّد ما قدّم و قال: (و لقد كان في رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما يدلّك على مساوى الدّنيا و عيوبها إذ جاع فيها مع خاصّته).
أمّا جوعه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقد عرفته فيما تقدّم، و أقول هنا مضافا إلى ما سبق:
روى أحمد بن فهد في عدّة الداعي أنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أصابه يوما الجوع فوضع صخرة على بطنه ثمّ قال: ألا ربّ مكرم لنفسه و هولها مهين، ألا ربّ مهين لنفسه و هو لها مكرم ألا ربّ نفس جايعة عارية في الدّنيا طاعمة في الآخرة ناعمة يوم القيامة، ألا ربّ نفس كاسية ناعمة في الدّنيا جايعة عارية يوم القيامة، ألا ربّ نفس متخوّض متنعّم فيما أفاء اللّه على رسوله ما له في الآخرة من خلاق، ألا إنّ عمل أهل الجنّة حزنة بربوة
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 381
ألا إنّ عمل أهل النّار سهلة لشهوة، ألا ربّ شهوة ساعة أورثت حزنا طويلا يوم القيامة.
و أما جوع خاصته فقد ورد في روايات مستفيضة.
منها ما في إحياء العلوم قال أبو هريرة: ما أشبع النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أهله أعني أهل بيته و أزواجه و أهل بطانته من أصحابه ثلاثة أيّام تباعا من خبز الحنطة حتّى فارق الدّنيا، و قال إنّ أهل الجوع في الدّنياهم أهل الشّبع في الآخرة.
و فيه قال الفضيل ما شبع رسول اللّه منذ قدم المدينة ثلاثة أيّام من خبز البرّ قالت عايشة: كانت تأتي علينا أربعون ليلة و ما يوقد في بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مصباح و لا نار، قيل لها: فيم كنتم تعيشون؟ قال: بالأسودين: التّمر و الماء.
و أما جوع أخصّ خاصّته أعني أهل بيت العصمة و الطّهارة فهو غنيّ عن البيان، و كتب الخاصّة بل العامّة قد تضمّنت أخبارا كثيرا في ذلك المعنى، و لنقتصر على ثلاثة أحاديث.
أحدها ما رواه المحدّث الجزايري في الأنوار النّعمانيّة عن الصدوق طاب ثراه باسناده إلى خالد بن ربعى قال: إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام دخل مكّة في بعض حوائجه فوجد اعرابيا متعلّقا بأستار الكعبة و هو يقول: يا صاحب البيت البيت بيتك و الضيف ضيفك و لكلّ ضيف من مضيفه قرى فاجعل قراى منك اللّيلة المغفرة فقال أمير المؤمنين عليه السّلام لأصحابه: أما تسمعون كلام الأعرابي؟! قالوا: نعم قال عليه السّلام: اللّه اكرم من أن يردّ ضيفه.
قال: فلمّا كان من اللّيلة الثانية وجده متعلّقا بذلك الركن و هو يقول: يا عزيزا في عزّك فلا أعزّ منك في عزّك أعزّني بعزّ عزّك في عزّ لا يعلم أحد كيف هو أتوجّه إليك و أتوسّل إليك بحقّ محمّد و آل محمّد عليك اعطنى ما لا يعطيني أحد غيرك، و اصرف عني ما لا يصرفه أحد غيرك.
قال فقال أمير المؤمنين عليه السّلام لأصحابه: هذا و اللّه الاسم الأكبر بالسريانية أخبرني به حبيبي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سأله الجنّة فأعطاه و سأله صرف النار فصرفها عنه.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 382
قال: فلما كان اللّيلة الثالثة وجده و هو متعلّق بذلك الركن و هو يقول: يا من لا يحويه مكان و لا يخلو منه مكان بلا كيفية كان ارزق الأعرابي أربعة آلاف درهم.
قال: فتقدّم إليه أمير المؤمنين عليه السّلام و قال يا اعرابي سألت ربّك فأقراك، و سألت الجنّة فأعطاك، و سألته أن يصرف عنك النار فصرفها عنك و في هذه اللّيلة تسأله أربعة آلاف درهم؟ قال الاعرابي: من أنت؟ قال عليه السّلام أنا علىّ بن أبي طالب قال الاعرابي: أنت و اللّه بغيتي و بك أنزلت حاجتي، قال عليه السّلام: سل يا اعرابي، قال:
اريد ألف درهم للصداق، و ألف درهم اقضى بها (به خ) ديني، و ألف درهم اشترى بها دارا، و ألف درهم أتعيّش بها، قال أنصفت يا اعرابي فاذا خرجت من مكّة فسل عن دارى بمدينة الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
فأقام الاعرابي بمكّة اسبوعا فخرج في طلب أمير المؤمنين عليه السّلام إلى المدينة و نادى من يدلّني على دار أمير المؤمنين عليه السّلام فقال الحسين بن عليّ من بين الصبيان أنا أدلّك على دار أمير المؤمنين و أنا ابنه الحسين بن عليّ، فقال الاعرابى: من أبوك؟ قال: أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، قال: من امّك؟ قال: فاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين، قال: من جدّك؟ قال: محمّد بن عبد اللّه بن عبد المطلب، قال من جدّتك؟ قال خديجة بنت خويلد، قال: من أخوك؟ قال أبو محمّد الحسن بن عليّ عليه السّلام، قال: قد أخذت الدّنيا بطرفيها امش إلى أمير المؤمنين عليه السّلام و قل له إنّ الاعرابي صاحب الضمان بمكّة على الباب.
قال: فدخل الحسين بن عليّ عليهما السّلام فقال يا أبه اعرابيّ بالباب و يزعم أنه صاحب الضمان بمكّة، قال: فقال: يا فاطمة عندك شيء يأكله الاعرابي؟ قالت:
اللّهم لا، فتلبّس أمير المؤمنين عليه السّلام و خرج و قال: ادعو الي أبا عبد اللّه سلمان الفارسي قال. فدخل سلمان الفارسي (رض) فقال عليه السّلام: يا أبا عبد اللّه اعرض الحديقة التي غرسها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على التجار.
قال: فدخل سلمان إلى السوق و عرض الحديقة فباعها باثنى عشر ألف درهم
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 383
و أحضر المال و أحضروا الاعرابي فأعطاه أربعة آلاف درهم و أربعين درهما نفقة، و وقع الخبر إلى سؤّال المدينة فاجتمعوا، و مضى رجل إلى فاطمة فأخبرها بذلك فقالت: آجرك اللّه في ممشاك، فجلس عليّ عليه السّلام و الدّراهم مصبوبة بين يديه حتّى اجتمع عليه أصحابه فقبض قبضة قبضة و جعل يعطى رجلا رجلا حتى لم يبق معه درهم واحد فلما أتى المنزل قالت له فاطمة عليه السّلام: يا ابن عم بعت الحائط الذى غرسه لك والدى، قال: نعم بخير منه عاجلا و آجلا، قالت: فأين الثمن؟ قال دفعته إلى أعين استحييت أن أذلّها بذلّ المسألة اعطيتها قبل أن تسألنى، قالت فاطمة: أنا جايعة و أولادي جايعان و لا شكّ إلّا و أنّك مثلنا في الجوع لم يكن لنا منه درهم و أخذت بطرف ثوب عليّ، فقال عليّ: خلّيني، فقالت عليها السّلام: لا و اللّه أو يحكم بيني و بينك أبي.
فهبط جبرئيل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال: يا محمّد ربك يقرءك السّلام و يقول اقرء عليّا منّي السّلام و قل لفاطمة: ليس لك أن تضربي على يديه و لا تلزمى بثوبه فلمّا أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم منزل عليّ عليه السّلام وجد فاطمة ملازمة لعليّ عليه السّلام، فقال لها با بنيّة ما لك ملازمة لعليّ؟ قالت: يا أبت باع الحائط الّذي غرسته له باثنى عشر ألف درهم لم يحبس لنا منه درهما واحدا نشترى به طعاما، فقال: يا بنيّة إنّ جبرئيل يقرئني من ربّي السّلام و يقول: اقرء عليّا منّي السّلام و أمرني أن أقول لك ليس لك أن تضربي على يديه و لا تلزمي بثوبه، قالت فاطمة: أستغفر اللّه و لا أعود أبدا.
قالت فاطمة عليها السّلام: فخرج أبي في ناحية و زوجي في ناحية فما لبث أن أتى أبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و معه سبعة دراهم سود هجرية، فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يا فاطمة أين ابن عمّي فقلت له: خرج، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: هاك هذه الدّراهم فاذا جاء ابن عمّي فقولي له يبتاع لكم بها طعاما، فما لبث إلّا يسيرا حتّى جاء عليّ عليه السّلام فقال:
رجع ابن عمّي فانّي أجد رايحة طيّبة، قالت: نعم و قد دفع إلىّ شيئا تبتاع به طعاما قال: فقال عليّ عليه السّلام: هاتيه، فدفعت إليه سبعة دراهم سود هجريّة فقال: بسم اللّه
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 384
و الحمد للّه كثيرا طيبا و هذا من رزق اللّه تعالى، ثمّ قال عليه السّلام: يا حسن قم معى فأتيا السّوق فاذا هما برجل واقف و هو يقول: من يقرض الملى الوفي؟ قال: يا بنيّ نعطيه قال: اى و اللّه يا أبه، فأعطاه علىّ الدّراهم كلّها، فقال: يا أبتاه أعطيته الدّراهم كلّها؟ قال: نعم يا بنيّ إنّ الّذي يعطى القليل قادر على أن يعطى الكثير.
قال: فمضى عليّ عليه السّلام إلى باب رجل يستقرض منه شيئا، فلقيه اعرابيّ و معه ناقة، فقال: يا عليّ اشتر منّي هذه النّاقة قال: ليس معى ثمنها قال: فاني انظرك به إلى القبض، قال: بكم يا اعرابي؟ قال: بمأة درهم، فقال عليّ عليه السّلام: خذها يا حسن فأخذها.
فمضى عليّ عليه السّلام فلقيه اعرابي آخر المثال واحد و الثياب مختلفة فقال: يا علي تبيع النّاقة، قال عليّ عليه السّلام: و ما تصنع بها؟ قال: أغزو بها أوّل غزوة يغزوها ابن عمّك؟ قال عليه السّلام: إن قبلتها فهى لك بلا ثمن، قال: معى ثمنها و بالثّمن أشتريها، قال: فبكم اشتريتها؟ قال عليه السّلام: بمأة درهم، قال الاعرابي: فلك سبعون و مأئة درهم، قال عليّ عليه السّلام للحسن عليه السّلام: خذ السّبعين و المأة و سلّم المأة للأعرابي الّذي باعنا الناقة و السبعين لنا نبتاع بها شيئا، فأخذ الحسن عليه السّلام الدّراهم و سلّم الناقة قال عليّ عليه السّلام: فمضيت أطلب الاعرابي الذي ابتعت منه الناقة لأعطيه ثمنه فرأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جالسا لم أر فيه جالسا قبل ذلك اليوم و لا بعده على قارعة الطريق، فلما نظر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إليّ تبسّم ضاحكا حتّى بدت نواجذه، قال عليّ عليه السّلام أضحك اللّه سنّك و بشرك بيومك، فقال يا أبا الحسن إنك تطلب الاعرابي الذي باعك الناقة لتوفيه الثمن؟ فقلت: إى و اللّه فداك أبي و امّي، فقال: يا أبا الحسن الّذي باعك النّاقة جبرائيل و الّذي اشتريها منك ميكائيل و الناقة من نوق الجنة و الدّراهم من عند ربّ العالمين فأنفقها في خير و لا تخف إقتارا.
الثاني ما روته العامة و الخاصة بروايات كثيرة تنيف على عشرين في سبب نزول سورة هل أتى، فلنقتصر على رواية واحدة.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 385
و هي ما في غاية المرام عن الصّدوق بسندين مذكوريين فيه أحدهما عن ابن عبّاس، و ثانيهما عن الصّادق جعفر بن محمّد عن أبيه عليهما السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ «يُوفُونَ بِالنَّذْرِ» قال عليه السّلام: مرض الحسن و الحسين و هما صبيّان صغيران فعادهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و معه رجلان «1» فقال أحدهما لو نذرت في ابنيك نذرا إن عافاهما اللّه قال عليه السّلام أصوم ثلاثة أيّام للّه شكرا للّه عزّ و جلّ، و كذلك قالت فاطمة، و قال الصّبيان و نحن أيضا نصوم ثلاثة أيّام، و كذلك قالت جاريتهم فضّة فألبسهما اللّه العافية فأصبحوا صائمين، و ليس عندهم طعام.
فانطلق عليّ عليه السّلام إلى جار له من اليهود يقال له: شمعون يعالج الصّوف، فقال له: هل لك أن تعطيني جزّه من صوف تغزلها ابنة محمّد بثلاثة أصوع من شعير قال: نعم، فأعطاه، فجاء بالصّوف و الشّعير و أخبر فاطمة فقبلت و أطاعت، ثمّ عمدت فغزلت ثلث الصّوف ثمّ أخذت صاعا من الشّعير فطحنته و عجنته و خبزت منه خمسة أقراص لكلّ واحد منهم قرص، و صلّى عليّ عليه السّلام مع النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم المغرب ثمّ أتى منزله فوضع الخوان و جلسوا خمستهم.
فأوّل لقمة كسرها عليّ عليه السّلام إذا مسكين واقف، فقال: السّلام عليكم يا أهل بيت محمّد أنا مسكين من مساكين المسلمين أطعموني ممّا تأكلون أطعمكم اللّه من موائد الجنّة، فوضع اللّقمة من يده ثمّ قال عليه السّلام:
فاطم ذات المجد و اليقين يا بنت خير النّاس أجمعين
أما ترين البائس المسكين جاء إلى الباب له حنين
يشكو إلى اللّه و يستكين يشكو إلينا جائع حزين
كلّ امرء بكسبه رهين من يفعل الخير يكن حسين
موعده في جنّة و مين حرّمها اللّه على الضّنين
و صاحب البخل يقف حزين تهوى به النّار إلى سجّين
شرابه الحميم و الغسلين
______________________________
(1) و هما أبو بكر و عمر كما في رواية الخوارزمى منه
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 386
فأقبلت فاطمة عليها السّلام تقول:
أمرك سمع يا ابن عم و طاعة ما بى من لؤم و لا ضراعة
غذيت باللّب و بالبراعة أرجو إذا أشبعت في مجاعة
أن الحق الخيار و الجماعة و أدخل الجنّة في شفاعة
و عمدت إلى ما كان من الخوان فدفعته إلى المسكين و باتوا جياعا و أصبحوا صياما لم يذوقوا إلّا الماء القراح.
ثمّ عمدت إلى الثلث الثّاني من الصّوف فغزلته ثمّ أخذت صاعا من الشّعير فطحنته و عجنته و خبزت منه خمسة أقراص لكلّ واحد قرص، و صلّى عليّ عليه السّلام المغرب مع النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ثمّ أتا إلى منزله فلمّا وضع الخوان بين يديه و جلسوا خمستهم.
فأوّل لقمة كسرها عليّ عليه السّلام إذا يتيم من يتامى المسلمين قد وقف فقال:
السّلام عليكم يا أهل بيت محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنا يتيم المسلمين أطعموني ممّا تأكلون أطعمكم اللّه على موائد الجنّة، فوضع عليّ عليه السّلام اللّقمة من يده ثمّ قال عليه السّلام:
فاطم بنت السّيد الكريم بنت نبيّ ليس بالزّنيم
قد جاءنا اللّه بذا اليتيم من يرحم اليوم فهو رحيم
موعده في جنّة النّعيم حرّمها اللّه على اللّئيم
و صاحب البخل يقف ذميم تهوى به النّار إلى الجحيم
شرابه الصّديد و الحميم
فأقبلت فاطمة عليها السلام تقول:
فسوف أعطيه و لا ابالي و اوثر اللّه على عيالي
أمسوا جياعا و هم أشبالي أصغرهما يقتل في القتال
في كربلا يقتل باغتيال لقاتليه الويل و الوبال
تهوى به النّار إلى سفال كبوله زادت على الأكبال
ثمّ عمدت فأعطته جميع ما على الخوان، و باتوا جياعا لم يذوقوا إلّا الماء القراح فأصبحوا صياما.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 387
و عمدت فاطمة عليها السّلام فعزلت الثّلث الباقي من الصّوف و طحنت الثّلث الباقي و عجنته و خبزت منه خمسة أقراص لكلّ واحد منهم قرص و صلّى عليّ عليه السّلام مع النّبيّ ثمّ أتى منزله فقرب إليه الخوان فجلسوا خمستهم.
فأوّل لقمة كسرها عليّ عليه السّلام إذا أسير من أسير المشركين قد وقف بالباب فقال: السّلام عليكم يا أهل بيت محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تأسرونا و تشدّونا و لا تطعمونا، فوضع عليّ عليه السّلام اللّقمة من يده ثمّ قال:
فاطم يا بنت النّبي أحمد بنت نبيّ سيّد مسدّد
قد جاءك الأسير ليس يهتدى ما يزرع الزارع سوف يحصد
فأعطيه و لا تخطيه بنكد
«1» فأقبلت فاطمة عليها السّلام و هى تقول:
لم يبق ممّا كان غير صاع قد دبرت كفّي مع الذّراع
شبلاى و اللّه هما جياع يا ربّ لا تتركهما ضياع
أبوهما للخير ذو اصطناع عبل الذّراعين طويل الباع
و ما على رأسي من قناع إلّا عباء نسجها بصاع
و عمدوا إلى ما كان على الخوان فأعطوه و باتوا جياعا و أصبحوا مفطرين ليس عندهم شيء.
قال شعيب في حديثه: و أقبل عليّ عليه السّلام بالحسن و الحسين عليهما السّلام نحو رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هما يرتعشان كالفراخ من شدّة الجوع، فلمّا بصر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:
يا أبا الحسن أشدّ ما يسوءني ما أرى بكم انطلق إلى بنتي فاطمة عليها السّلام فانطلقوا و هى في محرابها قد لصق بطنها بظهرها من شدّة الجوع و غارت عيناها،
______________________________
(1) هكذا في رواية الصدوق و لا يستقيم وزن الشعر و أثبتناه كما وجدناه و فى رواية الخوارزمى عن ابن عباس (رض):
فأطعمى من غير من نكد
. و بعده:
حتى تجازى بالذى لم ينفد
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 388
فلمّا رآها رسول اللّه ضمّها إليه، و قال: وا غوثاه أنتم منذ ثلاث فيما أرى فهبط جبرائيل فقال: يا محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم خذ ما هنالك في أهل بيتك، قال: و ما آخذ يا جبرئيل؟ قال: «هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ..» حتّى بلغ «إنّ هذا كان لكم جزاء و كان سعيكم مشكورا» و قال الحسن بن مهران في حديثه: فوثب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حتّى دخل منزل فاطمة فرأى ما بهم فجمعهم ثمّ انكبّ عليهم يبكى، و قال: أنتم منذ ثلاث فيما أرى و أنا غافل عنكم، فهبط جبرائيل بهذه الآيات «إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً» قال:
هى عين في دار النّبيّ يتفجّر إلى دور الأنبياء و المؤمنين «يُوفُونَ بِالنَّذْرِ» يعني عليّا و فاطمة و الحسن و الحسين و جاريتهما فضّة «وَ يَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً» يقول عابسا كلوحا «وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ» يقول على حبّ شهوتهم الطّعام و ايثارهم له مِسْكِيناً* من مساكين المسلمين وَ يَتِيماً من يتامى المسلمين وَ أَسِيراً من اسارى المشركين، و يقولون إذا أطعموهم «إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَ لا شُكُوراً» قال: و اللّه ما قالوا هذا و لكنّهم أضمروا في أنفسهم فأخبر اللّه باضمارهم يقول: لا نريد منكم جزاء تكافوننا به، و لا شكورا تثنون علينا به، و لكنّا إنّما نطعمكم لوجه اللّه و طلب ثوابه قال اللّه تعالى ذكره «فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَ لَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَ سُرُوراً» نضرة في الوجوه و سرورا في القلب «وَ جَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَ حَرِيراً» جنّة يسكنونها و حريرا يفرشونه و يلبسونه «مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ» و الأرائك السّرير عليه الحجلّة «لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَ لا زَمْهَرِيراً» قال ابن عبّاس: فبينا أنّ أهل الجنّة في الجنّة إذا رأوا مثل الشّمس اشرقت له الجنان فيقول أهل الجنّة: يا ربّ إنّك قلت في كتابك لا يرون فيها شمسا، فيرسل اللّه جلّ اسمه إليهم جبرئيل فيقول: ليس هذه بشمس لكن عليّا و فاطمة ضحكا فأشرقت الجنان من نور ضحكهما، و نزلت هل أتى فيهم إلى قوله: و كان سعيكم مشكورا.
أقول: و قد أثبتّ الرّواية برمّتها و إن كان خاتمتها خارجة من الغرض الذي
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 389
نحن فيه شعفا منّي بذكر مآثر أمير المؤمنين و زوجته و الطّيّبين من أولادهما سلام اللّه عليهم، و فيما رويناه من الفضل الّذي تخصّصوا به ما لم يشركهم فيه أحد و لا ساواهم في نظير له مساو.
الثالث ما في الصافي من الأمالي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنه جاء إليه رجل فشكى إليه الجوع، فبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى بيوت أزواجه فقال: ما عندنا إلّا ماء، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من لهذا الرّجل اللّيلة؟ فقال عليّ بن أبي طالب: أنا له يا رسول اللّه و أتا فاطمة عليها السلام فقال لها: ما عندك يا ابنة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟ فقالت: ما عندنا إلّا قوت العشيّة لكنا نؤثر ضيفنا، فقال: يا ابنة محمّد صلّى اللّه عليه و آله نومى الصبيّة و أطفى المصباح، فلما أصبح عليّ عليه السّلام غدا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فأخبره الخبر، فلم يبرح حتى أنزل اللّه عزّ و جلّ «وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» هذا.
و قد ظهر لك ممّا تضمنّته هذه الرّوايات الثلاث الذي هو أنموذج ممّا تضمّنته ساير الرّوايات كيفيّة عيش رسول اللّه مع خواصّه في دار الدّنيا و زهدهم فيها و ايثارهم الآخرة على الاولى و أنّها قبضت عنه و عن أهل بيته (و زويت) أى صرفت و نحيت (عنه زخارفها) و زينتها (مع عظيم) تقرّبه و (زلفته فلينظر ناظر بعقله) أنه لو يكون في الدّنيا و الاكثار منها خير لم يفت هؤلاء الأكياس الذين هم أقرب الخلق إلى اللّه و خاصّته و حججه على ساير الناس، بل تقرّبوا إليه سبحانه بالبعد عنها، و تحبّبوا إليه تعالى بالبغض لها.
و ليتفكّر بفكرة سليمة أنه (أكرم اللّه تعالى محمّدا صلّى اللّه عليه و آله) و ساير أنبيائه و أوليائه (بذلك) الضيق في الدّنيا و الاعسار فيها (أم أهانه) و أهانهم.
(فان قال أهانه) و إيّاهم (فقد كذب و العظيم) ضرورة أنّ أحقر ملك من ملوك الدّنيا لا يقصد بأحد من خاصّته إذا كان مطيعا له منقادا لأمره مخلصا في طاعته الاهانة فكيف يصدر ذلك عن ملك السلوك و سلطان السلاطين حكيم الحكماء و رحيم الرحماء في حقّ أخصّ خواصّه و أقربهم إليه و أشدّهم زلفة عنده و اكثرهم طاعة له.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 390
(و إن قال أكرمه) و أكرمهم كما هو الحقّ و الصدق (فليعلم أنّ اللّه) قد (أهان غيره) و غيرهم إذ الشيء إن كان عدمه إكراما و كمالا كان وجوده نقصا و إهانة ف (حيث بسط الدّنيا) له أى لذلك الغير (و زويها عن أقرب الناس منه) كان في بسطها له إهانة لا محالة.
(فتأسّي متأسّ بنبيّه و اقتصّ أثره و ولح مولجه) الفاء فصيحة و الجملات الثلاث إخبار في معنى الانشاء أى إذا عرف زهد النّبيّ في الدّنيا و علم أنّها دار هوان فليتأسّ المتأسّي به صلّى اللّه عليه و آله، و ليتبّع أثره و ليدخل مدخله و يحذو حذوه و ليرغب عنها.
(و إلّا فلا يأمن الهلكة) لأنّ حبّ الدّنيا و التّنافس فيها رأس كلّ خطيئة جاذبة من درجات النّعيم إلى دركات الجحيم.
و أوضح هذه العلّة بقوله (فانّ اللّه سبحانه جعل محمّدا صلّى اللّه عليه و آله علما للسّاعة و مبشّرا بالجنّة و منذرا بالعقوبة) أى مطلعا بأحوال الآخرة جميعها، فحيث آثر الآخرة على الاولى و ترك الرّكون إليها مع اطلاعه عليهما علم أن ليس ذلك إلّا لكون الدّنيا مظنّة الهلاك، و العقبى محلّة النّجاة و الحياة، فالرّاكن إليها متعرّض للهلاك الدائم و الخزي الأبد لا محالة.
و يظهر لك عدم ركونه صلّى اللّه عليه و آله إليها بأنّه حقيقت- كنايه (خرج من الدّنيا خميصا) أى جائعا إمّا حقيقة أو كناية عن عدم الاستمتاع بها (و ورد الآخرة سليما) من التبعات و المكاره كنايه (لم يضع حجرا على حجر) كناية عن عدم بنائه فيها (حتّى مضى لسبيله و أجاب داعى ربّه).
قال الحسن: مات رسول اللّه و لم يضع لبنة على لبنة و لا قصبة على قصبة، رواه في إحياء العلوم.
و فيه أيضا قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله: إذا أراد اللّه بعبد شرّا أهلك ماله في الماء و الطّين.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 391
و قال عبد اللّه بن عمر: مرّ علينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و نحن نعالج خصّا، فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ما هذا؟ قلنا: خصّ لنا قد وهى، فقال: أرى الأمر أعجل من ذلك.
و قال الغزالي: و قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله من بنى فوق ما يكفيه كلّف أن يحمله يوم القيامة، هذا.
و لمّا فرغ من التزهيد في الدّنيا و التّرغيب في الآخرة بالتّنبيه على هوانها و حقارتها بما لا مزيد عليه، و بشرح حال أولياء الدّين من خاتم النّبيّين و ساير الأنبياء و المرسلين سلام اللّه عليهم أجمعين في رفضهم لها و تركهم ايّاها، أردف ذلك بالاشارة إلى زهده و إظهار غاية الامتنان من اللّه سبحانه في إنعامه عزّ و جلّ عليه عليه السّلام بالتّأسّي بنبيّه فقال: (فما أعظم نعمة اللّه عندنا حين أنعم علينا به) أى برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (سلفا نتّبعه و قائدا نطا عقبه) و نقفو أثره و نسلك سبيله في زهده.
و أوضح اتّباعه و تأسّيه به صلّى اللّه عليه و آله بالاشارة إلى بعض مراتب زهده فانّه أنموذج من ساير المراتب، و فيه عبرة لمن اعتبر، و كفاية لمن تذكّر، فقال: (و اللّه لقد رقعت مدرعتى هذه) و هو ثوب من صوف يتدرّع به (حتّى استحييت من راقعها) لكثرة رقاعها (و لقد قال لي قائل) لمّا رأى أنّها خلق و سمل (ألا تنبذها) و تطرحها (عنك فقلت) له (اعزب) أى غب و تباعد (عنّي فعند الصّباح يحمد القوم السّرى) و هو مثل يضرب لمن احتمل المشقّة عاجلا لينال الرّاحة آجلا.
و أصله أنّ المسافر إذا احتمل المشقّة و حرّم على نفسه لذة الرّقاد و بادر إلى السّرى من أوّل اللّيل و جدّ في سيره فانّه يبلغ عند الصّباح منزله و يصل إليه سالما غانما و ينزل أحسن المنازل و أشرفها مقدّما على غيره، و يستريح من تعب اللّيل و يكون محمودا، بخلاف من أخذه نوم الغفلة و آثر اللّذة العاجلة على الآجلة، فانّه إذا سرى في آخر اللّيل و في اخريات النّاس فانّه ربما يغيله اللّصوص فلا يسلم أو يضلّ؟؟؟ عن الطّريق فيعطب، و مع سلامته يكون مسيره في حرّ النّهار على و صب و تعب، فيصل إلى المنزل بعد ما سبق غيره إلى أحسنه و أشرفه، فلا يجد له منزلا و مقيلا إلّا أردء المنازل و أدونها، فعند ذلك يلوم نفسه بتفريطه، و يذمّه غيره و يندم على ما فرّط و لا ينفعه النّدم.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 392
و بهذا التّقرير انقدح لك وجه المطابقة بين المثال و الممثّل.
بيانه أنّ ذلك النشأة المشوبة بالكدورات و العلايق الظّلمانية البدنيّة بمنزلة اللّيل، و النّشأة الاخرويّة المطابقة لتلك النشأة الّتي هى دار التجرّد الصّافية عن الكدورات و العلاقات بمنزلة الصّباح الواقع عقيب اللّيل، و الوطن الأصلي للانسان هى الدّار الآخرة، و هو في الدّنيا بمنزلة المسافر، فمن ترك الدّنيا وجدّ في السّير إلى الآخرة بالمواظبة على الطّاعات و الرّياضات الشّاقّة الموصلة له إليها وصل إلى مقصده، و نزل في غرفات الجنان، و فيهنّ خيرات حسان فعند ذلك يكون محمودا مسرورا عند نفسه و عند الخالق و الخلايق لما صبر على مشاقّ الدّنيا و مقاساة الشّدائد.
و من أخذه نوم الغفلة فيها و اغترّ باللّذات الحاضرة و الشهوات العاجلة، و رد الآخرة و ليس له مقام إلّا سجّين، و لا شراب و طعام إلّا من حميم و غسلين، فعند ذلك يلومه نفسه و غيره و يندم على تقصيره، و يقعد ملوما محسورا و يدعو ثبورا
تذييلان:
الاول:
قد مضى في مقدّمات شرح الخطبة الشقشقيّة و في غيرها بعض الكلام في زهد أمير المؤمنين عليه السّلام، و أقول هنا مضافا إلى ما سبق:
روى في عدّة الدّاعي عن خبير بن حبيب قال: نزل بعمر بن خطّاب نازلة قام لها و قعد، و تربخ لها و تقطر «1» ثمّ قال: يا معشر المهاجرين ما عندكم فيها قالوا: يا أمير المؤمنين أنت المفزع و المنزل، فغضب و قال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ قُولُوا قَوْلًا سَدِيداً، أما و اللّه إنّا و إيّاكم لنعرف ابن بجدتها «2» و الخبير
______________________________
(1) تربخ بالباء الموحدة و الخاء المعجمة استرخى، و تقطر تهيأ للقتال و رمى بنفسه من علو، ق.
(2) ابن بجدتها بالباء و الجيم يقال: بالعالم بالشىء، و للدليل الهادى، و لمن لا يبرح عن قوله هكذا فى ق
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 393
بها، قالوا: كأنّك أردت ابن أبي طالب؟ قال: و أنّي يعدل بي عنه و هل طفحت جرّة بمثله؟ قالوا: فلو بعثت إليه، قال: هيهات هيهات هناك شمخ من هاشم و لحمة من الرّسول و اثرة من علم يؤتى لها و لا يأتي، امضوا إليه فاقصفوا «1» نحوه و أفضوا إليه، و هو في حايط له عليه تبّان يتركّل على مسحاته «2» و هو يقول: «أَ يَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً، أَ لَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى ، ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى» و دموعه تهمى على خدّيه، فأجهش «3» القوم لبكائه ثمّ سكن و سكنوا، و سأله عمر عن مسألة فأصدر إليه جوابها فلوى عمر يديه ثمّ قال: أما و اللّه لقد أرادك الحقّ و لكن أبى قومك، فقال عليه السّلام: يا أبا حفص خفّض عليك من هناك و من هنا إنّ يوم الفصل كان ميقاتا، فانصرف و قد أظلم وجهه و كأنّما ينظر إليه من ليل.
و فى شرح المعتزلي عن أحمد بن حنبل قال: لمّا ارسل عثمان إلى عليّ عليه السّلام وجدوه مؤتزرا بعباة محتجزا بعقال «4» و هو يهنأ «5» بعيرا له.
و في كشف الغمة من مناقب الخوارزمي عن عبد اللّه بن أبي الهذيل قال: رأيت على عليّ عليه السّلام قميصا زريّا إذا مدّه بلغ الظفر، و إذا أرسله كان مع نصف الذراع، و منه عن عديّ بن ثابت قال: اتي عليّ بن أبي طالب عليه السّلام بفالوذج فأبى أن يأكل منه، و قال: شيء لم يأكل منه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لا أحبّ أن آكل منه.
و منه عن أبي مسطر قال: خرجت من المسجد فاذا رجل ينادي من خلفي:
ارفع إزارك فانّه أتقى لثوبك و أبقى لك و خذ من رأسك إن كنت مسلما، فمشيت خلفه و هو مؤتزر بازار و مرتد برداء و معه الدّرة كأنّه أعرابيّ بدويّ، فقلت من هذا
______________________________
(1) اى تزاحموا اليه.
(2) سراويل صغير يستر العورة المغلظة يكون مع الملاحين، و تركل بمسحاته ضربها برجله لتدخل الارض، منه
(3) اى تهيئوا للبكاء
(4) أى شدّ وسطه بالحبل لتشمير ثوبه و يقال لذلك الحبل الحجاز
(5) أى يطلبه بالقطران
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 394
فقال لي رجل أراك غريبا بهذا البلد، قلت: أجل رجل من أهل البصرة، قال: هذا عليّ أمير المؤمنين عليه السّلام حتّى انتهى الى دار بني أبي معيط و هو سوق الابل فقال: بيعوا و لا تحلفوا فانّ اليمين تنفق السّلعة و تمحق البركة.
ثمّ أتى أصحاب التمر فاذا خادمة تبكى فقال: ما يبكيك؟ قالت: باعنى هذا الرّجل تمرا بدرهم فردّوه موالىّ فأبى أن يقبله، فقال: خذ تمرك و أعطها درهمها فانّها خادم ليس لها أمر، فدفعه، فقلت أ تدرى من هذا؟! قال: لا قلت: عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السّلام فصبّ تمره و أعطاها درهمها و قال: احبّ أن ترضى عنّى، فقال:
ما أرضاني عنك إذا وفيتهم حقوقهم.
ثمّ مرّ مجتازا بأصحاب التّمر فقال: يا أصحاب التمر أطعموا المساكين يربو كسبكم.
ثمّ مرّ مجتازا و معه المسلمون حتّى أتى أصحاب السّمك فقال: لا يباع فى سوقنا طاف.
ثمّ أتى دار فرات و هو سوق الكرابيس فقال: يا شيخ أحسن بيعي في قميصي بثلاثة دراهم، فلمّا عرفه لم يشتر منه شيئا، فأتى غلاما حدثا فاشترى منه قميصا بثلاثة دراهم و لبسه ما بين الرّسغين إلى الكعبين، و قال حين لبسه: الحمد للّه الّذي رزقني من الرّياش ما أتجمّل به في النّاس و اوارى به عورتي.
فقيل له: يا أمير المؤمنين هذا شيء ترويه عن نفسك أو شيء سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: بل شيء سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقوله عند الكسوة: فجاء أبو الغلام صاحب الثّوب فقيل يا فلان قد باع ابنك اليوم من أمير المؤمنين عليه السّلام قميصا بثلاثة دراهم قال: أفلا أخذت منه درهمين.
فأخذ أبوه درهما و جاء به إلى أمير المؤمنين عليه السّلام و هو جالس على باب الرّحبة و معه المسلمون، فقال: امسك هذا الدّرهم يا أمير المؤمنين، قال عليه السّلام: ما شأن هذا الدّرهم؟ قال: كان ثمن قميصك درهمين، فقال: باعني رضاى و أخذ رضاه.
و منه قال ابن الأعرابي: إنّ عليّا عليه السّلام دخل السّوق و هو أمير المؤمنين فاشترى قميصا بثلاثة دراهم و نصف فلبسه في السّوق فطال أصابعه، فقال عليه السّلام
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 395
للخيّاط: قصّه، قال: فقصّه و قال الخيّاط: أحوصه «1» يا أمير المؤمنين؟ قال: لا و مشى و الدّرة على كتفه و هو عليه السّلام يقول: شرعك ما بلغك المحلّ شرعك «2» ما بلغك المحل.
و في كشف الغمة أيضا قال هارون بن عنترة: قال حدّثني أبي قال: دخلت على عليّ بن أبي طالب عليه السّلام بالخورنق و هو يرعد تحت سمل «3» قطيفة، فقلت:
يا أمير المؤمنين إنّ اللّه تعالى قد جعل لك و لأهل بيتك في هذا المال ما يعمّ و أنت تصنع بنفسك ما تصنع؟ فقال: و اللّه ما أرزاكم من أموالكم شيئا و انّ هذه لقطيفتي الّتي خرجت بها من منزلي من المدينة ما عندي غيرها.
و فيه و خرج عليه السّلام يوما و عليه ازار مرقوع فعوتب عليه فقال: يخشع القلب بلبسه و يقتدى بي المؤمنين إذا رآه عليّ.
و اشترى عليه السّلام يوما ثوبين غليظين فخيّر قنبرا فيهما، فأخذ واحدا و لبس هو الآخر، و رأى في كمّه طولا عن أصابعه فقطعه.
و كان عليه السّلام قد وليّ على عكبرا رجلا من ثقيف قال: قال لي عليّ عليه السّلام إذا صلّيت الظّهر غدا فعد إليّ، فعدت إليه في الوقت المعيّن فلم أجد عنده حاجبا يحبسني دونه فوجدته جالسا و عنده قدح و كوز ماء، فدعا بوعاء مشدود مختوم، فقلت: قد أمننى حتّى يخرج إلىّ جوهرا، فكسر الختم فاذا فيه سويق فأخرج منه فصبّه في القدح و صبّ عليه ماء فشرب و سقاني فلم أصبر فقلت له: يا أمير المؤمنين أتصنع هذا في العراق و طعامه كما ترى في كثرته؟ فقال عليه السّلام: أما و اللّه ما أختم عليه بخلا به و لكنّى أبتاع قدر ما يكفيني فأخاف أن ينقص فيوضع فيه من غيره و أنا أكره أن أدخل بطني إلّا طيّبا، فلذلك أحترز عليه كما ترى، فايّاك و تناول ما لا تعلم حلّه.
قال كاشف الغمّة بعد روايته لهذه الأخبار و غيرها ممّا تركنا روايتها خوف الاطالة: و كم له صلّى اللّه عليه من الآثار و الأخبار و المناقب الّتي لا تستر أو يستر
______________________________
(1) الحوص الخياطة
(2) اى كفاك و حسبك
(3) السمل الخلق من الثياب.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 396
وجه النّهار، و السّيرة الّتي هى عنوان السّير، و المفاخر الّتي يتعلّم منها من فخر، و المآثر الّتي تعجز من بقى كما أعجزت من غبر، فأعجب بهذه المكارم و الأفعال الّتي هي غرر في جهات الأيّام، و الزّهادة الّتي فاق بها جميع الأنام، و الورع الّذي حمله على ترك الحلال فضلا عن الحرام، و العبادة الّتي أوصلته إلى مقام وقف دونه كلّ الأقوام.
و لمّا ألزم نفسه الشّريف تحمّل هذه المتاعب، و قادها إلى اتّباعه فانقادت انقياد الجنائب، و ملكها حتّى صاحب منها أكرم عشير و خير مصاحب، و استشارها ليختبرها فلم تنه إلّا عن منكر و لا أمرت إلّا بواجب صار له ذلك طبعا و سجيّة، و انضمّ عليه ظاهرا و نية، و اعمل فيه عزيمة بهمّة قويّة، و استوى في السّعى لبلوغ غاياته علانية و طويّة، فما تحرّك حركة إلّا بفكر و في تحصيل أجر، و في تخليد ذكر لا لطلب فخر و إعلاء قدر، بل لامتثال أمر و طاعة في سرّ و جهر، فلذلك شكر اللّه سعيه حين سعى، و عمّه بألطافه العميمة و رعى، و أجاب دعائه لما دعى، و جعل اذنه السّميعة الواعية فسمع و وعى، فاسأل اللّه بكرمه أن يحشرني و محبّيه و إيّاه معا.
قال كاشف الغمّة: أنشدني بعض الأصحاب لبعض العلويّين.
عتبت على الدّنيا و قلت إلى متى أكابد عسرا ضرّه ليس ينجلي
أكلّ شريف من على جدوده حرام عليه الرّزق غير محلّل
فقالت نعم يا ابن الحسين رميتكم بسهمى عنادا حين طلّقني على «1»
التذييل الثاني:
لمّا كان هذا الفصل من خطبته عليه السّلام متضمّنا للتحريض على الجوع و الترغيب فيه تأسّيا بالنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ساير السّلف الصّالحين أحببت أن أعرّفك فوايد الجوع
______________________________
(1) و يبالى انى رأيت في بعض الكتب نسبة هذه الابيات الى الشريف الرضى مؤلف المتن و عليه فالمراد بالحسين فى البيت الاخير هو أبو الرضى ره كما عرفته في ديباجة الشرح في ترجمته، منه
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 397
و آفات الشّبع على ما يستفاد من الأخبار و يدلّ عليه الوجدان و التجربة فأقول:
قال الغزالي في إحياء العلوم ما ملخّصه ببعض تصرّف و تغيير منّا: إنّ في الجوع عشر فوايد.
الفائدة الاولى صفاء القلب و إيقاد القريحة و إنفاذ البصيرة، فانّ الشّبع يورث البلادة و يعمى القلب و يكثر البخار في الدّماغ شبه السّكر حتّى يحتوي على معادن الفكر، فيثقل القلب بسببه عن الجريان في الأفكار و عن سرعة الادراك قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أحيوا قلوبكم بقلّة الضّحك و قلّة الشّبع، و طهّروها بالجوع تصفو و ترق.
و قال لقمان لابنه: يا بنىّ إذا امتلائت المعدة نامت الفكرة و خرست الحكمة و قعدت الأعضاء عن العبادة.
الثانية رقّة القلب و صفائه الّذي به يتهيّأ لادراك لذّة المناجاة و التّأثر بالذّكر، فكم من ذكر يجرى على اللّسان و لكنّ القلب لا يلتذّ به و لا يتأثّر حتّى كأنّ بينه و بينه حجابا من قسوة القلب، و إنّما يحصل التّلذّذ و التّأثّر بخلوّ المعدة كما هو معلوم بالتّجربة.
الثالثة الانكسار و الذّل و زوال البطر و الأشر و الفرح الّذي هو مبدء الطغيان و الغفلة عن اللّه كما قال تعالى «إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى» فلا تنكسر النّفس و لا تذلّ بشيء كما تذلّ بالجوع، فعنده تسكن لربّها و تخشع و تذعن بعجزها و ذلّها لما ذاقت حيلتها بلقمة طعام و أظلمت الدّنيا عليها بشربة ماء، و ما لم يشاهد الانسان ذلّ نفسه و عجزه لا يرى عزّة مولاه و لا قهره.
و لذلك إنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لمّا جاءه جبرئيل و عرض عليه خزائن الدّنيا و أبي من قبولها قال لجبرئيل: دعنى أجوع يوما و أشبع يوما، فاليوم الّذي أجوع فيه أتضرّع إلى ربّي و أسأله، و اليوم الّذي أشبع فيه أشكر ربّي و أحمده، فقال له جبرئيل: وفّقت لكلّ خير.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 398
الرابعة التّذكّر بجوعه جوع الفقراء و المساكين و المحتاجين، لأنّ الانسان إنّما يقيس غيره على نفسه فيلاحظ حال الغير بملاحظة حاله، فاذا شاهد في نفسه ألم الجوع يعرف بذلك ما في المحتاجين من الألم، فيوجب ذلك مواساتهم، و يدعو إلى الاطعام و الشّفقة و الرّحمة على خلق اللّه، و الشّبعان بمعزل عن ذلك و غفلة منه.
و لذلك قيل ليوسف عليه السّلام: لم تجوع و في يديك خزائن الأرض؟ فقال: أخاف أن اشبع فانسى الجايع.
الخامسة التّذكّر به جوع يوم القيامة و عطشه، فانّ العبد لا ينبغي أن يغفل أهوال يوم القيامة و آلامها.
قال في عدّة الدّاعي: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أكثر النّاس شبعا أكثرهم جوعا يوم القيامة، لأنّ تذكّرها يهيج الخوف و الخشية من اللّه و هو زمام النّفس الأمّارة العاطف لها عن الفحشاء و المنكر.
السادسة و هي أعظم الفوايد كسرة شهوات المعاصي كلّها و الاستيلاء على النّفس فانّ منشأ المعاصى الشّهوات و القوى، و مادّة القوى و الشّهوات هى الأطعمة البتّة، فتقليلها يضعف كلّ شهوة و قوّة، و إنّما السّعادة كلّها في أن يملك الرّجل نفسه و لا يملكه نفسه و كما أنّك لا تملك الدّابة الجموح إلّا بضعف الجوع و الهزال فاذا شبعت قويت و شردت و جمحت، فكذلك النّفس.
و لذلك قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إنّ الشّيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدّم في العروق، فضيّقوا مجاريه بالجوع.
السابعة دفع النوم و دوام السّهر، فانّ من شبع شرب كثيرا، و من كثر شربه كثر نومه، و في كثرة النّوم ضياع العمر و فوات التهجّد و العمر أنفس الجواهر و هو رأس مال الانسان به يتّجر و يتزوّد لآخرته، و فضيلة التّهجّد غير خفيّة.
الثامنة تيسير المواظبة على العبادات، فانّ كثرة الأكل مانعة منها، لأنّها محتاجة إلى زمان يشتغل فيه بالأكل و مضغ الطّعام و ازدراده في الفم، و ربّما يحتاج إلى شراء الطّعام و طبخه و غسل اليد و نحوها، و في ذلك تفويت العمر و تضييع الوقت
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 399
فلو صرف زمانه المصروف إلى ذلك في الطّاعات و المناجاة لعظم أجره و كثر ربحه التاسعة صحّة البدن و السّلامة من الأمراض، فانّ سببها كثرة الأكل و حصول فضلة الأخلاط في المعدة و العروق.
روى إنّ سقراط الحكيم كان قليل الأكل فقيل له في ذلك: فأجاب إنّ الأكل للحياة و ليس الحياة للأكل.
قال المحدّث الجزائري في زهر الرّبيع: ورد في الحديث أنّ حكيما نصرانيّا دخل على الصّادق عليه السّلام فقال: أفي كتاب ربّكم أم في سنّة نبيّكم شيء من الطّب؟
فقال: أمّا في كتاب ربّنا فقوله تعالى «كُلُوا وَ اشْرَبُوا وَ لا تُسْرِفُوا» و أمّا في سنّة نبيّنا: الاسراف في الأكل رأس كلّ داء و الحمية منه رأس كلّ دواء، فقام النّصراني و قال: و اللّه ما ترك كتاب ربّكم و لا سنّة نبيّكم شيئا من الطبّ لجالينوس قال: روي عنه عليه السّلام أنه لو سئل أهل القبور عن السّبب و العلّة في موتهم لقال أكثرهم التّخمة، فعلم من ذلك أنّ عمدة السبب للمرض هو كثرة الأكل و ممانعة المرض من العبادات و تشويشه للقلب و منعه من الذّكر و الفكر و تنغيصه للعيش معلوم.
العاشرة خفّة المؤنة، فانّ من اعتاد قلّة الأكل كفاه القليل من الطعام و اليسير من المال، بخلاف من تعوّد البطنة، فانّ بطنه صار غريما له آخذا بخناقه في كلّ يوم و ليلة، فيلجاه إلى أن يمدّ عين الطمع إلى الناس، و يدخل المداخل فيكتسب إما من الحرام فيعصى، أو من الحلال فيحاسب.
هذا كله مضافا إلى ما في قلّة الأكل من التمكّن من الايثار و التصدّق بفاضل قوته على الفقراء و المساكين، فيكون يوم القيامة في ظلّ صدقته، و قد تقدّم في شرح الخطبة المأة و التاسعة في فضايل الصوم و الصدقة ما يوجب زيادة البصيرة في هذا المقام فليتذكّر.
ثم انه بقى الكلام في مقدار قلّة الأكل، و قد عيّنه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فيما رواه عنه في عدّة الدّاعي قال: و يروى عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنه قال: حسب ابن آدم لقيمات يقمن
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 400
به صلبه، فان كان و لا بدّ فليكن الثّلث للطعام و الثّلث للشراب و الثّلث للنّفس.
قال القرطبي لو سمع بقراط بهذه القسمة لتعجّب في هذه الحكمة.
قيل: لا شكّ إنّ أثر الحكمة في هذا الحديث واضح و إنّما خصّ الثلاثة «1» بالذّكر، لأنّها أسباب حياة الحيوان، لأنّه لا يدخل البطن سواها.
و مراتب الأكل على ما قاله بعضهم سبع: الاولى ما به تقوم الحياة الثانية أن يزيد حتّى أن يصوم و يصلّى عن قيام، و هذان واجبان الثالثة أن يزيد حتّى يقوى على أداء النوافل الرابعة أن يزيد حتّى يقدر على التكسّب للتّوسعة، و هذان مستحبّان الخامسة أن يملاء الثّلث و هذا جايز السادسة أن يزيد على ذلك فيثقل البدن و يكثر النوم، و هذا مكروه السابعة أن يزيد حتّى يتضرّر و هى البطنة المنهىّ عنها و هذا حرام، و يمكن إدخال الأولى إلى الثّانية و الثالثة إلى الرّابعة.
______________________________
(1) أى الطعام و الشراب و النفس منه
الترجمة:
و بتحقيق كه هست در رسول خدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم چيزى كه دلالت كند ترا بر بديهاى دنيا و عيبهاى آن از جهت اين كه گرسنه ماند در دنيا با خواصّ خودش، و دور كرده شد از او زينتهاى آن با وجود بزرگى قرب و منزلت او.
پس بايد كه نظر كند نظر كننده بعقل خود كه آيا گرامى داشته خداى تعالى محمّد مصطفى صلّى اللّه عليه و آله را به سبب اين، يا خوار نموده آن را؟ پس اگر گويد خوار فرموده او را پس بتحقيق كه دروغ گفته قسم بخداى بزرگوار، و اگر گويد گرامى داشته او را پس بايد كه بداند آنكه خداى متعال بتحقيق كه خوار كرده غير او را از جهة اين كه بسط فرموده دنيا را از براى آن غير، و صرف نموده دنيا را از أقرب خلق بسوى او.
پس بايد كه تأسّى نمايد تأسّى كننده به پيغمبر برگزيده خود، و پيروى نمايد أثر او را، و داخل شود بمحلّ دخول آن، و إلّا پس أيمن نشود از هلاكت.
پس بدرستى كه خداى تعالى گردانيد محمّد مصطفى صلّى اللّه عليه و آله را نشانه از براى قيامت، و بشارت دهنده به بهشت، و ترساننده با عقوبت، بيرون رفت آن حضرت از دنيا در حالتى كه شكم تهى بود، و وارد شد بآخرت در حالتى كه سالم بود از مكاره و معايب، ننهاد سنگ بالاى سنگى تا اين كه در گذشت براه خود و اجابت فرمود دعوت كننده پروردگار خود را.
پس چه قدر بزرگست منّت و نعمت خدا در نزد ما وقتى كه انعام فرمود با آن حضرت بر ما پيش روى كه متابعت كنيم او را، و پيشوائى كه كام مى نهيم در پى او، قسم بخدا بتحقيق كه پينه دوزاندم اين درّاعه خود را تا بمرتبه كه خجالت كشيدم از پينه دوزنده آن، و بتحقيق كه گفت مرا گوينده: آيا نمى اندازى آن را از خودت؟! پس گفتم كه دور شو از من كه در نزد صبح ستايش كرده مى شوند مردمان شب رونده.