منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 358
فتأسّ بنبيّك الأطيب الأطهر صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فإنّ فيه أسوة لمن تأسّى، و عزاء لمن تعزّى، و أحبّ العباد إلى اللّه المتأسّي بنبيّه، و المقتصّ لأثره، قضم الدّنيا قضما، و لم يعرها طرفا، أهضم أهل الدّنيا كشحا، و أخمصهم من الدّنيا بطنا، عرضت عليه الدّنيا فأبى أن يقبلها، و علم أن اللّه سبحانه أبغض شيئا فأبغضه، و حقّر شيئا فحقّره، و صغّر شيئا فصغّره، و لو لم يكن فينا إلّا حبّنا ما أبغض اللّه و رسوله، و تعظيمنا ما صغّر اللّه و رسوله، لكفى به شقاقا للّه، و محادّة عن أمر اللّه.
اللغة:
و (القضم) الأكل بأدنى الفم أى بأطراف الأسنان و يروى قصم بالصّاد المهملة من القصم و هو القصر و (الهضم) محرّكة انضمام الجنبين و خمص البطن و (الكشح) الخاصرة (و حقر شيئا) يروى بالتّخفيف و التضعيف.
المعنى:
و أمّا سيّد البشر فوصف حاله إجمالا قد مرّ و قد تقدّم أنّ فيه كافيا لك في الاتباع به و الاهتداء بهداه، و لذلك عقّبه بالأمر بالتّأسّي به و أردفه بوصف حاله تفصيلا فقال (فتأسّ بنبيّك الأطيب الأطهر صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) و اتّبع له (فانّ فيه اسوة لمن تأسّى و عزاء لمن تعزّى) أى نسبة لمن انتسب (و أحبّ العباد إلى اللّه المتأسّى بنبيّه و المقتصّ) المتتبّع (لاثره) و إنّما كان أحبّ العباد إليه سبحانه لقوله تعالى «قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ» قال الفخر الرّازي: قال المتكلّمون محبّة اللّه للعبد عبارة عن إرادته تعالى ايصال الخيرات و المنافع في الدّين و الدّنيا إليه، و قال بعض المحقّقين: و من المتكلّمين من أنكر محبّة اللّه لعباده كالزمخشري و أترابه، زعما منهم أنّ ذلك يوجب نقصا في ذاته و لم يعلموا أنّ محبّة اللّه تعالى لخلقه راجعة إلى محبّة ذاته، هذا.
و قوله (قضم الدّنيا قضما) استيناف بيانيّ، فانّه لمّا ذكر أنّ أحبّ العباد إلى اللّه من اقتصّ أثر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و كان ذلك مظنّة لأن يسأل عن الأثر الذي يقتصّ أردف بهذا الكلام و ما يتلوه جوابا لهذا السّؤال المتوهّم، و تفصيلا لما فيه الاسوة، و به يكون الاقتصاص، و أراد بقضمه اقتصاره صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في الدّنيا على قدر الضّرورة إذا لقضم يقابل الخضم و الأوّل أكل الشيء اليابس بأطراف الأسنان، و الثاني الأكل بالفم كلّه للأشياء الرّطبة كما قال عليه السّلام في وصف حال بني اميّة في الخطبة الشقشقيّة: يخضمون مال اللّه خضم الابل نبتة الرّبيع، و في حديث أبي ذر «رض» يخضمون و نقضم و الموعد للّه كنايه (و لم يعرها طرفا) أى لم يعطها نظرة على وجه العارية فكيف بأن يجعلها مطمح نظره، و هو كناية عن عدم التفاته إليها (أهضم أهل الدّنيا كشحا و أخمصهم
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 374
بطنا) أى أخمصهم خاصرة و بطنا، و هو كناية عن كونه أشدّهم جوعا و أقلّهم شبعا كما روى أنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذا اشتدّ جوعه كان يربط على بطنه حجرا و يسميّه المشبع مع كونه مالكا لقطعة واسعة من الدّنيا.
قال الغزالي في احياء العلوم: و في الخبر أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يجوع من غير غور أى مختارا لذلك.
قال: و كانت عايشة تقول إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لم يمتل قطّ شبعا و ربّما بكيت رحمة له مما أرى به من الجوع فأمسح بطنه بيدى و أقول نفسى لك الفداء لو تبلّغت من الدّنيا بقدر ما يقويك و يمنعك من الجوع، فيقول: يا عايشة اخواني من اولى العزم من الرّسل قد صبروا على ما هو أشدّ من هذا، فمضوا على حالهم فقدموا على ربّهم فأكرم مآبهم و أجزل ثوابهم، فأجدني أستحي إن ترفّهت في معيشتي أن يقصر بي غدا دونهم، فالصّبر أيّاما يسيرة أحبّ إلىّ من أن ينقص حظّى غدا في الآخرة، و ما من شيء أحبّ إلىّ من اللّحوق بأصحابي و إخواني، قالت عايشة: فو اللّه ما استكمل بعد ذلك جمعة حتّى قبضه اللّه إليه.
و عن أنس قال: جاءت فاطمة صلوات اللّه و سلامه عليها بكسرة خبز إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال: ما هذه الكسرة؟ قالت: قرص خبزته و لم تطب نفسى حتى أتيتك منه بهذه الكسرة، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أما أنّه أوّل طعام دخل فم أبيك منذ ثلاثة أيّام، هذا، و سنورد فصلا مشبعا في فضيلة الجوع و فوايده بعد الفراغ من شرح الخطبة إنشاء اللّه.
(عرضت عليه الدّنيا فأبى أن يقبلها) إشارة إلى ما ورد في غير واحد من الأحاديث العاميّة و الخاصيّة من أنّه صلّى اللّه عليه و آله عرض عليه مفاتيح كنوز الأرض فامتنع من قبولها.
منها ما في الكافي عن عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن القاسم بن يحيى عن جدّة الحسن بن راشد عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: خرج النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هو محزون، فأتاه ملك و معه مفاتيح خزائن الأرض فقال: يا محمّد
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 375
هذه مفاتيح خزائن الدّنيا يقول لك ربّك: افتح و خذ منها ما شئت من غير أن تنقص شيئا عندى، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: الدّنيا دار من لا دار له و لها يجمع من لا عقل له، فقال له الملك: و الّذي بعثك بالحقّ لقد سمعت هذا الكلام من ملك يقوله في السّماء الرّابعة حين اعطيت المفاتيح.
و منها ما في الوسائل عن الكلينيّ عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام في حديث طويل و فيه: ثمّ قال عليه السّلام: يا محمّد لعلّك ترى أنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم شبع من خبز البرّ ثلاثة أيّام منذ بعثه اللّه إلى أن قبض، ثمّ ردّ على نفسه ثمّ قال: لا و اللّه ما شبع من خبز البرّ ثلاثة أيّام متوالية منذ بعثه اللّه إلى أن قبضه، أما أنّي لا أقول إنّه كان لا يجد، لقد كان يجير الرجل الواحد بالمأة من الابل فلو أراد أن يأكل لأكل، و قد أتاه جبرئيل بمفاتيح خزائن الأرض ثلاث مرّات يخيّره من غير أن ينقص ممّا أعدّ اللّه له يوم القيامة شيئا، فيختار التّواضع للّه، الحديث.
و قد مرّ في شرح الكلام التّاسع و السّتين في التّذنيب الأوّل من شرحه المسوق لكيفيّة شهادة أمير المؤمنين عند اقتصاص حاله في ليلة تسع عشرة من شهر رمضان حديث عرض المفاتيح برواية لوط بن يحيى بنحو آخر فتذكّر (و علم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّ اللّه سبحانه أبغض شيئا) و لم يرده لأولياءه (فأبغضه) النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لنفسه لأنّه لا يشاء إلّا أن يشاء اللّه روى في إحياء العلوم عن موسى بن يسار قال: قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إنّ اللّه عزّ و جلّ لم يخلق خلقا أبغض إليه من الدّنيا و أنّه منذ خلقها لم ينظر إليها.
و فيه أيضا قال رسول اللّه: الدّنيا موقوفة بين السّماء و الأرض منذ خلقها اللّه لم ينظر إليها و تقول يوم القيامة: يا ربّ اجعلني لأدنى أوليائك اليوم نصيبا، فيقول اسكتي يا لا شيء إنّي لم أرضك لهم في الدّنيا ارضاك لهم اليوم؟
(و حقّر شيئا فحقّره) أى حقره النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لحقارته عند اللّه سبحانه كما روى في الكافي عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن جميل بن درّاج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: مرّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بجدى اسك ملقى على مزبلة ميّتا فقال
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 376
لأصحابه كم يساوى هذا؟ فقالوا: لعلّه لو كان حيّا لم يساو درهما، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الّذي نفسي بيده الدّنيا أهون عند اللّه من هذا الجدي على أهله.
(و صغّر شيئا) أراد تصغيره بالنّسبة إلى ما أعدّه لأوليائه في الآخرة (فصغّره) قال في إحياء العلوم قال داود بن هلال: مكتوب في صحف إبراهيم عليه السّلام: يا دنيا ما هونك على الابرار الّذين تمنّعت و تزيّنت لهم إنّي قذفت في قلوبهم بغضك و الصّدود عنك، و ما خلقت خلقا أهون علىّ منك كلّ شأنك صغير، و إلى الفناء تصير قضيت عليك يوم خلقتك أن لا تدومى لأحد، و لا يدوم لك أحد و إن بخل به صاحبك و شحّ عليك، طوبى للأبرار الّذين اطلعوني من قلوبهم على الرضا، و من ضميرهم على الصّدق و الاستقامة، طوبى لهم مالهم عندي من الجزاء إذا وفدوا إلىّ من قبورهم إلّا النّور يسعى أمامهم، و الملائكة حافّون بهم حتّى ابلغهم ما يرجون من رحمتى، هذا و لمّا ذكر أنّ الدّنيا مبغوضة للّه، حقيرة عنده و كذلك عند النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تبعا لرضائه تعالى، عقّب ذلك بالتنبيه على أنّ اللّازم على المتأسّي له صلّى اللّه عليه و آله و المقتصّ لأثره أن يبغض ما أبغضه اللّه و رسوله و يحقّر ما حقّراه و إلّا لكان موادّا لما حادّ اللّه و رسوله فقال (و لو لم يكن فينا إلّا خبّنا ما أبغض اللّه و رسوله و تعظيمنا ما صغّر اللّه و رسوله لكفى به شقاقا للّه) و مخالفة له (و محادّة عن أمر اللّه) أى معاداة و مجانبة عنه.
و إلى ذلك ينظر ما روى أنّ سلمان رضى اللّه عنه كان متحسّرا عند موته، فقيل له: يا أبا عبد اللّه على ما تأسّفك؟ قال: ليس تأسّفي علي الدّنيا، و لكن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عهد إلينا و قال: لتكن بلغة أحدكم كزاد الراكب، و أخاف أن يكون قد جاوزنا أمره و حولى هذه الأساور، و أشار إلى ما في بيته و إذا هو دست و سيف و جفنة.
الترجمة:
پس تأسّى كن به پيغمبر پاك پاكيزه خودت صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، پس بتحقيق كه در اوست قابليّت متبوعيّت از براى كسى كه اقتدا و تبعيّت نمايد، و لياقت انتساب از براى كسى كه نسبت خود را باو بدهد، و دوسترين بندگان بسوى خدا كسى است كه تأسّى نمايد به پيغمبر خود و متابعت كند أثر او را، خورد دنيا را خوردنى اندك بأطراف دندان و پر نكرد از آن دهان خود را، و نظر التفات بسوى او نگماشت، لاغرترين أهل دنيا بود از حيثيّت تهى گاه، و گرسنه ترين ايشان بوده از حيثيّت شكم، عرض كرده شد بر او خزاين دنيا پس امتناع فرمود از قبول آن و دانست كه خداى تعالى دشمن داشته چيزى را پس دشمن گرفت آن حضرت نيز آنرا، و حقير گرفته چيزى را پس حقير گرفت آن حضرت نيز آن را، و كوچك و بى مقدار شمرده چيزى را پس كوچك شمرد آن هم او را.
و اگر نشود در ما هيچ چيز مگر محبّت ما بچيزى كه دشمن داشته خدا و رسول او، و تعظيم ما چيزى را كه خوار و خرد شمرده خدا و رسول او هر آينه كفايت مى كند آن از حيثيّت مخالفت مر خدا را، و از حيثيّت معاداة و مجانبت از فرمان آن.