و من أعجبها خلقا ألطّاوس الّذي أقامه في أحكم تعديل، و نضّد ألوانه في أحسن تنضيد، بجناح أشرج قصبه، و ذنب أطال مسحبه، و إذا درج إلى الانثى نشره من طيّه، و سما به مطلّا على رأسه، كأنّه قلع داريّ عنجه نوتيّه، يختال بألوانه، و يميس بزيفانه، يفضي كإفضاء الدّيكة، و يورّ بملاقحة أرّ الفحول المغتلمه للضرّاب، أحيلك من ذلك على معاينة لا كمن يحيل على ضعيف أسناده، و لو كان كزعم من يزعم أنّه يلقح بدمعة تسفحها (تنشجها) مدامعه فتقف في ضفّتي جفونه و أنّ أنثاه تطعّم ذلك ثمّ تبيّض لا من لقاح فحل سوى الدّمع المتبجّس (المنبجس) لما كان ذلك بأعجب من مطاعمة الغراب.
اللغة:
و (سحبه) على الأرض سحبا من باب منع جرّه عليها فانسحب و (طوى) الصّحيفة يطويها طيّا قال سبحانه «يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ» و انّه لحسن الطيّة بالكسر و في بعض النسخ من طيه بالكسر.
و (قلع داريّ) قال الفيومى: القلاع شراع السفينة، و الجمع قلع، مثل كتاب و كتب، و القلع مثله، و الجمع قلوع مثل حمل و حمول، و في القاموس القلع بالكسر الشراع كالقلاعة ككتابة، و الداري المنسوب إلى دارين قال البحراني:
و هي جزيرة من سواحل القطيف من بلاد البحرين يقال إنّ الطيب كان يجلب اليها من الهند و هي الان خراب لا عمارة بها و لا سكنى، و فيها آثار قديمة و في القاموس الدّارين موضع بالشام. و (ماس) في مشيه تبختر و (الزّيفان) التبختر في المشى و (الملاقحة) مفاعلة من ألقح الفحل الناقة أى أحبلها، و في بعض النسخ (بملاقحه) بصيغة الجمع
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 10، ص: 46
مضافا إلى الضمير أى بالات التناسل و الأعضاء و (غلم) كفرح غلما و غلمة بالضمّ و اغتلم غلب شهوة، و غلم البعير و اغتلم أى هاج من شهوة الضرّاب، فهو غلّم و غلّيم و الاثنى غلّمة و غلّيمة و مغتلمة. و (سفحت) الدّم أى أرقته و الدّمع أسلته و في بعض النّسخ تنشجها بدل تسفحها مضارع نشج من باب ضرب يقال نشج القدر أى غلا ما فيه حتّى سمع له صوت قال العلّامة المجلسى: و لعلّ الأوّل أوضح، فانّ الفعل ليس متعدّيا بنفسه على ما في كتب اللّغة و (تطعّم) على صيغة التفعّل بحذف إحدى التّائين و (بجّس) الماء تبجيسا فجره فتبجّس و انبجس، و في بعض النّسخ المنبجس من باب الانفعال.
الاعراب:
و الواو في قوله: و من أعجبها، استينافيّة و قوله: بجناح، إمّا بدل من أحكم تعديل أو عطف بيان، و يحتمل تعلّقه بقوله أحسن تنضيد. و جملة عنجه، مرفوعة المحل صفة لقلع.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 10، ص: 54
المعنى:
و إذا عرفت وجه التدبير و الحكمة في مطلق الطير فلنعد إلى شرح عجائب خلقة الطاوس على ما فصّله الامام عليه السّلام بقوله (و من أعجبها خلقا الطاوس الذي أقامه) اللّه سبحانه (في أحكم تعديل) أى أعطى كلّ شيء منه في الخلق ما يستحقّه و خلقه على وجه الكمال خاليا من نقص (و نضّد) أى رتّب (ألوانه في أحسن تنضيد) و ترتيب كما قال الشّاعر:
سبحان من من خلقه الطاوس طير على أشكاله رئيس
كأنّه في نقشه عروس في الرّيش منه ركّبت فلوس
تشرق في داراته شموس في الرّأس منه شجر مغروس
كأنّه بنفسج يميس أو هو رهو «1» حرم يبيس
فقد رتّب تعالى ألوانه (بجناح أشرج قصبه) أى ركّب عروق جناحه و اصولها بعضها في بعض كما يشرج العيبة أى يداخل بين أشراجها (و ذنب أطال مسحبه) على وجه الأرض (و إذا) أراد السفاد و (درج إلى الانثى نشره) أى نشر ذنبه (من طيّه و سما به مطلّا) أى رفعه مشرفا (على رأسه تشبيه المحسوس بالمحسوس كأنه قلع داري) شبّه عليه السّلام ذنبه بشراع السفينة من باب تشبيه المحسوس بالمحسوس، لأنه عند ارادة السفاد يبسط ذنبه و ينشره ثمّ يرفعه و ينصبه فيسير كهيئة الشراع المرفوع.
و أوضح وجه الشبه بقوله (عنجه نوتيّه) و ذلك لأنّ الملّاح الذي يدبّر أمر السفينة يعطف الشراع و يصرفه تارة بالجذب و تارة بالارخاء و تارة بتحويله يمينا و شمالا بحسب انصرافه من بعض الجهات إلى بعض (يختال) أى يتكبّر و يعجب (بألوانه و يميس) أى يتبختر (بزيفانه) و التبختر بمشيته.
ثمّ وصف عليه السّلام هيئة جماعه بقوله (يفضى) و يسفد (كافضاء الدّيكة و يأرّ) أى يجامع (بملاقحة) مثل (أرّ الفحول المغتلمة) و ذات الغلم و الشبق.
ثمّ أكّد كون سفاده مثلى سفاد الدّيك و الفحل بالات التناسل كساير أصناف
______________________________
(1) بالفارسى شكوفه.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 10، ص: 55
الحيوان تنبيها به على ردّ من زعم أنّ سفاده بتطعم الدّمع فقال (احيلك من ذلك على معاينة) أى مشاهدة برأى العين (لا كمن يحيل على ضعيف اسناده) و يزعم أن لقاحه بالتطعم اعتمادا على سند ضعيف و إحالة عليه.
ثمّ دفع الاستبعاد عن ذلك الزعم الفاسد بقوله (و لو كان) الأمر (كزعم من يزعم أنّه يلقح) أى يحبل (بدمعة تسفحها) و تسكبها (مدامعه فتقف في ضفّتى جفونه) و جانبيها (و أنّ انثاه تطعم ذلك ثمّ تبيض لا من لقاح فحل سوى الدّمع المتبجّس) المنفجر (لما كان ذلك بأعجب من مطاعمة الغراب) قال الشّارح المعتزلي: و اعلم أنّ قوما زعموا أنّ الطاوس الذّكر يدمع عينه فتقف الدّمعة بين أجفانه فتأتي الانثى فتطعمها فتلقح من تلك الدّمعة، و أمير المؤمنين عليه السّلام لم يحل ذلك و لكنّه قال: ليس بأعجب من مطاعمة الغراب، و العرب تزعم أنّ الغراب لا يسفد، و من أمثالهم: أخفى من سفاد الغراب، فيزعمون أنّ اللّقاح من مطاعمة الذّكر و الانثى و انتقال جزء من الماء الذي في قانصته إليها من منقاره، و أمّا الحكماء فقلّ أن يصدقوا بذلك، على أنّهم قد قالوا في كتبهم ما يقرب من هذا؟ قال ابن سينا: و القبجة تحبلها ريح تهبّ من ناحية الحجل الذّكر و من سماع صوته، انتهى.
تشبيه [يفضى كافضاء الدّيكة و يأرّ بملاقحة أرّ الفحول المغتلمة] أقول: أمّا كلام أمير المؤمنين عليه السّلام فلا يخفى أنّ ظهوره في كون سفاد الطاوس باللّقاح، حيث شبّهه بافضاء الدّيكة و بأرّ الفحول، و عبّر عن القول الاخر بالزّعم كظهوره في كون سفاد الغراب بالمطاعمة، و أمّا المثل فلا يدلّ على أنّ الغراب لا يسفد بل الظّاهر منه خلافه، على أنّي قد شاهدت عيانا غير مرّة سفاد الغراب الأبقع، فلا بدّ من حمل كلام أمير المؤمنين عليه السّلام على ساير أصناف الغراب و إن كان ظاهره الاطلاق و اللّه العالم بحقايق الخبيئات و أولياؤه عليهم السّلام.
الترجمة:
و از عجب ترين مرغان از حيثيّت خلقت طاوس است كه برپا داشته او را حق تعالى در محكم ترين تعديل أجزاء، و ترتيب داده رنگهاى آن را در أحسن ترتيب با بالى كه درهم كرده قصبها و أصلهاى آن را، و با دمى كه دراز كرده جاى كشيدن آن را، وقتي كه بگذرد طاوس نر بر طاوس ماده پراكنده سازد آن دم را از پيچيدگى آن، و بلند مى كند آن را در حالتى كه مشرف باشد بر سر آن گويا كه آن دم بادبان كشتى است كه منسوبست بشهر دارين كه ميل داده است آنرا كشتيبان آن مى نازد برنگهاى مختلفه خود، و مى خرامد بنازشهاى خود، مباشرت ميكند همچو مباشرت خروسان، و مجامعت مى كند با آلات تناسل مثل مجامعت نرهاى شديد الجماع، حواله مى كنم تو را از اين أمر مذكور بر ديدن رأى العين نه مانند كسى كه حواله مى كند بر سندهاى ضعيف خود، و اگر باشد اين امر مثل گمان كسى كه گمان ميكند كه طاوس آبستن مى سازد ماده خود را با اشكى كه مى ريزد آن را كنجهاى چشم آن پس مى ايستد آن أشك در پلكهاى چشم او و آنكه ماده او مى ليسد آن را پس از آن تخم مى نهد نه از جماع طاوس نر غير از اشك بيرون آمده از چشم هر آينه نمى باشد اين گمان عجبتر از مطاعمه زاغها كه نر و ماده منقار بمنقار مى گذارند، و جزئى از آب كه در سنگدان نر است بدهن ماده مى رسد و از آن آبستن مى شود چنانچه اعتقاد عربها اينست.