منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 12، ص: 169
و من خطبة له عليه السّلام يصف فيها المنافقين و هى المأة و الثالثة و التسعون من المختار فى باب الخطب:
نحمده على ما وفّق له من الطّاعة، و ذاد عنه من المعصية، و نسأله لمنّته تماما، و بحبله اعتصاما، و نشهد أنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عبده و رسوله، خاض إلى رضوان اللّه كلّ غمرة، و تجرّع فيه كلّ غصّة، و قد تلوّن له الأدنون، و تألّب عليه الأقصون، و خلعت إليه العرب أعنّتها، و ضربت إلى محاربته بطون رواحلها، حتّى أنزلت بساحته عداوتها من أبعد الدّار، و أسحق المزار.
اللغة:
قال في محكيّ النهاية: قد تكرّر في الحديث ذكر النّفاق و ما تصرّف منه اسما و فعلا، و هو اسم لم يعرفه العرب بالمعنى المخصوص، و هو الّذي يستر كفره و يظهر ايمانه و ان كان أصله في اللغة معروفا يقال نافق ينافق منافقه و نفاقا، و هو مأخوذ من النافقاء احد جحرتي اليربوع إذا طلب من واحد هرب إلى الاخر و خرج منه، و قيل من النفق و هو السّرب الّذى يستتر فيه لستره كفره انتهى.
و قال الطريحي: المنافق هو الّذي يستر الكفر و يظهر غيره من النّفق و هو السّرب في الأرض أى يستتر بالاسلام كما يستتر في السّرب.
و (الذّود) الطّرد و الدّفع و (خاض) في الأمر دخل فيه و أصل الخوض دخول
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 12، ص: 171
القدم فيما كان مايعا من الماء و الطّين، ثمّ كثر استعماله في كلّ دخول فيه اذى و (الغمرة) الشدّة و غمرات الموت شدائده، و في القاموس غمرة الشيء شدّته و مزدحمه و (الغصّة) الشجي في الحلق و الجمع غصص و (سحق) المكان فهو سحيق مثل بعد فهو بعيد لفظا و معنا قال تعالى فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ أى بعدا و (المزار) المكان الّذى يزار منه أو فيه، و المراد هنا الأوّل.
الاعراب:
من في قوله: من الطاعة و من المعصية بيان لما، و الضّمير في له و عنه عايد إلى ما، و قوله: خاض إلى رضوان اللّه إلى متعلّق بمقدّر حال من فاعل خاض أى متوجّها إلى رضوانه.
المعنى
اعلم أنّ الخطبة السّابقة لما كانت في وصف المتّقين عقّبها الرّضيّ «قد» بهذه الخطبة الّتي يصف عليه السّلام فيها المنافقين ملاحظة لحسن النّظم و بديع ترتيب الكتاب، و المنافق حسبما عرفت آنفا هو الّذى يبطن الكفر و يظهر الايمان كما قال الشاعر:
للمؤمنين أمور محزية و للمنافق سرّ دونه نفق
و اطلاق المنافق بهذا المعنى هو المعروف في الكتاب و السّنة، و المستفاد من بعض الأخبار أنّه قد يطلق على الناقص الايمان.
مثل ما رواه في الكافي في باب أصول الكفر و أركانه عن عدّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن بعض أصحابه عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ثلاث من كنّ فيه كان منافقا و إن صام و صلّى و زعم أنّه مسلم: من إذا ائتمن خان، و إذا حدّث كذب، و إذا وعد أخلف إنّ اللّه عزّ و جلّ قال في كتابه «وَ إِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ» و قال «وَ الْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ..» و في قوله عزّ و جلّ «وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَ كانَ رَسُولًا نَبِيًّا».
و فيه في باب النفاق و المنافق باسناده عن أبي حمزة عن عليّ بن الحسين عليهما السّلام قال: إنّ المنافق ينهى و لا ينتهى و يأمر بما لا يأتي، و إذا قام إلى الصّلاة اعترض، قلت: يا ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ما الاعتراض؟ قال عليه السّلام: الالتفات و إذا ركع ربض، يمسى و همّه العشاء و هو مفطر، و يصبح و همّه النوم و لم يسهر، إن حدّثك كذبك و إن ائتمنته خانك، و إن غبت اغتابك، و إن وعدك أخلفك.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 12، ص: 173
إذا عرفت ذلك فأقول: إنّه عليه السّلام قبل أن يأخذ فى وصف المنافقين افتتح كلامه بما جرى عادته على الافتتاح به فى باب الخطابة من ثناء اللّه تعالى و تعظيمه و تمجيد رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال (بحمده على ما وفق له من الطاعة و ذاد عنه من المعصية) أى نحمده على ما وفّقنا له من طاعاته الموصلة الى جنانه و المحصلة لرضوانه، و على ما أبعدنا منه من سيئاته المؤدية الى نيرانه، و الموجبة لخذلانه.
و حصول هذا التوفيق منه عزّ و جلّ في حقه عليه السّلام بما أفاض عليه من القوّة العاصمة و ملكة العصمة الدّاعية إلى المعروف و الرّادعة عن المنكر.
و اما فى حقّ غيره الذين شرّكهم «1» معه في ثنائه فبالأوامر و النواهى الواردة فى الكتاب و السّنة و اجتماع شرايط الطاعة و انقطاع أسباب المعصية.
(و نسأله لمنّته تماما) أى نسأل منه عزّ و جلّ أن يتمّ علينا نعمته، فانّه المنّان الذى يبدء بالنوال قبل السؤال.
و المراد بنعمته التي سأل تمامها إما خصوص نعمة التوفيق المذكورة فى الجملة السابقة أو الأعمّ منها، و الأوّل أولى بسبق العهد، و الثاني أنسب بمقام السؤال فان قلت: نعم اللّه سبحانه غير متناهية كما قال عزّ من قائل «وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تحصوها» فكيف سأل تماميّتها و هى أجلّ عن أن تستقصى و أعظم من أن تستتمّ.
قلت: إن اريد بمنّته خصوص نعمة التوفيق فلا إشكال، و يراد حينئذ بتماميّتها كمالها و استمرارها إلى آخر العمر، و إن اريد الأعمّ فيراد بتماميّتها أن ينضمّ ما أنعم به عليه فى الدّنيا إلى نعمة الاخرة أى يصل نعمة الدّنيا بنعمة الاخرة كما قاله بعض المفسرين فى قوله تعالى «وَ كَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَ يُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَ عَلى آلِ يَعْقُوبَ» من أنّ المراد بقوله يتمّ نعمته أن يصل نعمة الدّنيا بنعمة الاخرة بأن يجعلهم أنبياء و ملوكا ثمّ ينقلهم إلى نعيم الاخرة و الدّرجات العلى من الجنّة (و) نسأله استعاره (بحبله اعتصاما) أى تمسّكا بكتابه المبين، فانّه حبل اللّه المتين
______________________________
(1)- حيث قال: نحمده بصيغة المتكلّم مع الغير منه
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 12، ص: 174
كما وصفه عليه السّلام بذلك فى الخطبة المأة و الخامسة و السبعين و كذلك وصفه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أيضا به فى حديث الثقلين الذى قدّمنا روايته فى شرح الخطبة السادسة و الثمانين.
و استعير عنه أيضا فى الكتاب العزيز فى قوله «وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا» على أحد تفاسيره، و وجه الاستعارة أنّ الاعتصام و التمسك بالحبل الوثيق المحكم كما أنه سبب النجاة من المهاوى و المهالك، فكذلك بالتمسك بالقرآن يحصل النجاة من الكفر و الضلال الموجب للهلاك الدّائم و الخزى العظيم.
و روى الطريحى فى مجمع البحرين عن علىّ بن الحسين عليهما السّلام قال: الامام منّا لا يكون إلّا معصوما و ليست العصمة في ظاهر الخلقة فتعرف، قيل: فما معنى المعصوم؟ قال عليه السّلام: المعتصم بحبل اللّه، و حبل اللّه هو القرآن لا يفترقان إلى يوم القيامة.
و بما ذكرناه ظهر أنّ جعل المراد بالحبل في المتن هو القرآن أولى و أظهر من تفسيره بالدّين القويم كما في شرح البحراني، هذا.
و لمّا حمد اللّه عزّ و جلّ بما هو أهله عقّبه بالشهادة بالرّسالة فقال (و نشهد أنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عبده و رسوله) قد مرّ بيان معنى العبد و أنّ مرتبة الرّسالة فوق مرتبة العبوديّة في شرح الخطبة الاحدى و السبعين فليتذكر.
و لمّا شهد برسالته اتبعه بشرح حاله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حين أداء الرّسالة فقال استعاره مرشحة (خاض إلى رضوان اللّه كلّ غمرة) استعار لفظ الغمرة عن غمرة الماء و هي معظمه و مزدحمه للشدائد و المكاره الّتى ابتلى بها حين بعثته، و الجامع للاستعارة أنّ غمرة الماء كما تغمر و تغطى الخائض فيها من كلّ جانب فكذلك تلك المكاره و الشدائد حسبما تعرف كانت محيطة به صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من كلّ طرف، و رشّح الاستعارة بذكر لفظ الخوض.
و محصّل المراد انّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تحمل كلّ مكروه توجّها إلى منتهى رضاه عزّ و جلّ (و تجرّع فيه كلّ غصّة) أى تجرّع الغصص في تحصيل رضوانه تعالى، أى ابتلعها جرعة بعد جرعة و أراد بالغصص الغموم و الهموم العارضة له من مزيد أذى المشركين و سوء فعالهم.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 12، ص: 175
(و قد تلوّن له الأدنون) أى تغيّر له أقاربه من قريش ألوانا (و تألّب عليه الأقصون) أى تجمّع على حربه الأباعد منه نسبا من أقصى البلاد كنايه (و خلعت) متوجّهة (اليه) معاشر (العرب أعنّتها و ضربت إلى محاربته بطون رواحلها) قال الشارح البحراني: هذان مثلان كنّي بهما عن المسارعة إلى حربه لأنّ أقوى عدو الخيل إذا خلعت أعنّتها و أقوى عدوّ الرّواحل إذا ضربت بطونها و فيه ايماء إلى أنّهم أتوه فرسانا و ركبانا مسرعين إلى حربه.
مجاز من باب اطلاق اسم السبب على المسبب (حتى انزلت بساحته) و منزله (عداوتها) أى حربها و اطلاقها عليه من باب اطلاق اسم السبب على المسبب، أى أسرعوا إلى حربه صلّى اللّه عليه و آله (من أبعد الدّار و أسحق المزار) و فيه إشارة إلى غاية عداوتهم، لأنّ الظعن إلى الحرب من مكان بعيد لا يكون إلّا عن اهتمام أكيد و عناد عنيد و عداوة شديدة.
قال الشارح المعتزلي: من قرء كتب السّير علم ما لاقى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في ذات اللّه من المشقّة و استهزاء قريش به في أوّل الدّعوة و رميهم إيّاه بالحجارة حتى أدموا عقيبه و صياح الصبيان به و القاء فرث الكرش على رأسه، و فتل الثوب فى عنقه، و حصره و حصر أهله في شعب بني هاشم سنين عديدة محرّمة معاملتهم و مبايعتهم و مناكحتهم و كلامهم حتى كادوا يموتون جوعا لو لا أنّ بعض من كان يحنو عليهم لرحم أو لسبب غيره فهو يسرق الشيء القليل من الدّقيق أو التمر فيلقيه إليهم ليلا.
ثمّ ضربهم أصحابه و تعذيبهم بالجوع و الوثاق في الشمس و طردهم إياه عن شعاب مكة حتى خرج من خرج منهم إلى الحبشة و خرج صلّى اللّه عليه و آله مستجيرا منهم تارة بثقيف، و تارة ببنى عامر، و تارة بربيعة الفرس و بغيرهم.
ثمّ أجمعوا إلى قتله و الفتك به ليلا حتى هرب منهم لائذا بالأوس و الخزرج، تاركا أهله و أولاده و ما حوته يده، ناجيا بحشاشة نفسه حتى وصل إلى المدينة، فناصبوه الحرب و رموه بالمناسر و الكتائب، و ضربوا له آباط الابل.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 12، ص: 176
و لم يزل منهم في عناء شديد و حروب متصلة حتى أكرمه اللّه تعالى و أيّده و نصر دينه و أظهره، انتهى.
و محصّل الكلام أنه صلّى اللّه عليه و آله قد كابد الشدائد و قاسى الهموم و تجرّع الغصص لتأسيس أساس الاسلام و تشييد قوائم الدّين، هذا.
الترجمة:
از جمله خطب شريفه آن حضرتست كه وصف فرموده در آن منافقين را مى فرمايد:
حمد ميكنم خدا را در مقابل آن چيزى كه توفيق داد مر آن چيز را در طاعت و فرمانبردارى، و دفع و منع فرمود بندگان را از آن از معصيت و گردن كشى، و در خواست مى كنيم از او تمام كردن مر منّت او را، و چنگ زدن بريسمان محكم او كه عبارتست از اسلام يا قرآن.
و گواهى مى دهيم اين كه محمّد بنده پسنديده و فرستاده او است، فرو رفت در هر شدايد بجهت توجّه برضاى خدا، و جرعه جرعه نوشيد هر غصّه در تحصيل رضاى إلهى و حال آنكه متغيّر و متلوّن الحال شدند از براى او نزديكان و خويشان، و جمع گشتند بر عداوت او بيگانگان، و كندند طايفه عرب بسوى حرب او لجامهاى خود را و زدند بر شكمهاى شتران باركش خودشان بجهت رفتن بسوى جنگ او تا آنكه فرود آوردند در فضاى خانه و منزل او دشمنى خودشان را از دورترين خانه و دورترين زيارتگاه.