منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 9
و من خطبة له عليه السّلام و هى المأتان و التاسعة و العشرون من المختار فى باب الخطب خطبها بذي قار و هو متوجّه إلى البصرة، ذكرها الواقدي في كتاب الجمل:
فصدع بما أمر و بلّغ رسالة ربّه فلمّ اللّه به الصّدع، و رتق به الفتق، و ألّف به بين ذوي الأرحام بعد العداوة الواغرة في الصّدور و الضّغائن القادحة في القلوب. (54473- 54441)
اللغة:
(ذو قار) موضع بين الكوفة و واسط، و فيه كانت وقعة العرب قبل إسلامهم مع الفرس و سنشير إليه، و (الصدع): الشق في شي ء صلب، و في المجمع في تفسير قوله تعالى في آخر سورة الحجر «فاصدع بما تؤمر»: الصدع و الفرق و الفصل نظائر و صدع بالحق إذا تكلّم به جهارا و في السيرة الهشاميّة: اصدع أفرق بين الحقّ و الباطل قال أبو ذؤيب الهذليّ و اسمه خويلد بن خالد يصف اتن وحش و فحلها
و كانّهنّ ربابة و كأنّه يسر يفيض على القداح و يصدع «1»
أي يفرّق على القداح و يبين انصباءها و هذا البيت في قصيدة له، و قال رؤبة
______________________________
(1)- الربابة «بكسر الراء» خرقة تلف فيها القداح و تكون أيضا جلدا. و اليسر الذى يدخل فى الميسر. و القداح: جمع القدح و هو السهم.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 10
ابن العجاج:
أنت الحليم و الأمير المنتقم تصدع بالحقّ و تنفى من ظلم
و في القاموس قوله تعالى: فاصدع بما تؤمر أي شق جماعاتهم بالتّوحيد أو اجهر بالقرآن أو اظهر أو احكم بالحق و افصل بالأمر أو اقصد بما تؤمر او افرق به بين الحق و الباطل، و (لمّ) أي جمع و لمّ الصدع أي جمع المتفرق بعد الشق و (الفتق) في الثوب نقض خياطته حتّى انفصل بعضه من بعض و الفتق أيضا شق عصا الجماعة و وقوع الحرب بينهم. و (الرّتق) ضدّ الفتق و المراد بلم الصدع و رتق الفتق رفع ما كان بين العرب من تشتت الاهواء و تفرق الكلمة بالعداوة و الحقد و (الواغرة) ذات الوغرة و هي شدّة توقد الحرّ و الوغر و الوغر بالتحريك الحقد و الضغن و العداوة و التوقّد من الغيظ و (الضغائن) جمع الضغينة و هي الحقد كالضّغن.
(قدح) بالزند رام الايراء به و الضغائن القادحة هي الّتي تثير الفتن و الشرور و توقد نار الغضب في القلوب كما تواري النّار بالمقدح.
الاعراب:
كلمة ما في قوله عليه السّلام فصدع بما أمر يمكن أن تجعل موصولة بمعنى الذي و أن تكون مصدريّة فعلى الأوّل يكون العائد من الصّلة إلى الموصول محذوفا و التقدير «فصدع بما أمر بالصدع به» ثمّ حذفت الباء التي في به فصارت الجملة «فصدع بما امر بالصدعه» و لما لم تجز الاضافة مع اللام اعني اضافة الصدع إلى الضمير فحذفت لام المعرفة توصلا بحذفه إلى الاضافة فصارت الجملة «فصدع بما امر بصدعه» ثمّ حذف المضاف و اقيم المضاف إليه مقامه فبقيت الجملة «فصدع بما امر به» ثم حذف حرف الجر على حدّ قولك امرتك الخير في أمرتك بالخير فصارت الجملة «فصدع بما امره» ثمّ حذف العائد المنصوب من الصلة و حذف العائد المنصوب في كلام العرب كثير ففي الالفية لابن مالك: و الحذف عندهم كثير منجلي في عائد منتصب ان انتصب بفعل أو وصف كمن ترجو يهب.
و أمّا على الثّاني فالتقدير فصدع بالامر كما تقول عجبت ممّا فعلت و التقدير
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 11
عجبت من فعلك و لا يحتاج ههنا إلى عائد يعود إلى ما لانه حرف. ذكره الطبرسي في المجمع في قوله تعالى «فاصدع بما تؤمر».
و الباء في به و اخويه للسّبب. قوله عليه السّلام بعد العداوة متعلّق بكلّ واحد من الأفعال الثّلاثة أعنى لمّ و رتق و ألف.
و الواغرة صفة للعداوة. و في الصّدور متعلّقة بالواغرة. و كذا الضغائن موصوفة بالقادحة و في القلوب متعلّق بالقادحة.
المعنى:
أشار عليه السّلام في هذه الخطبة إلى شرذمة من أوصاف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: أنّه أظهر و صرّح بما امر به جهارا غير خائف من أحد و شق بما جاء به الرّسالة عصا الكفر و كلمة أهله و حجب الغفلة التي رانت على قلوبهم. و أنّه بلغ رسالة ربه و فيه مدح عظيم لأنّه أداء أمانة عظم قدرها و تبليغها. و انّه لمّ اللّه به الصدع و رتق به الفتق أي رفع به تشتت الأهواء و اختلاف الكلمة بين العرب. و بأنّه ألّف بين ذوي الأرحام إلخ أي رفع اللّه به الاحقاد و الضغائن و العداوات الّتي بها يقتل الرّجل ابنه و أباه و ذوي رحمه.
قال الشيخ الطّائفة (ره) في التهذيب: و صدع صلّى اللّه عليه و آله بالرّسالة في يوم السّابع و العشرين من رجب و له أربعون سنة.
لا ريب انّه صلّى اللّه عليه و آله بعث و أهل الأرض يومئذ ملل متفرّقة و أهواء منتشرة و طرائق متشتّتة بين مشبه اللّه بخلقه أو ملحد في اسمه كما أشار إليه عليّ عليه السّلام في بعض خطبه الماضية لا سيما العرب كانوا أصنافا شتى فمنهم من أنكر الخالق و البعث و الاعادة و قالوا ما قال اللّه في القرآن الكريم عنهم «ما هي إلا حياتنا الدّنيا نموت و نحيى و ما يهلكنا إلّا الدّهر» و منهم من اعترف بالخالق سبحانه و أنكر البعث و هم الذين اخبر سبحانه عنهم بقوله: «قال من يحيى العظام و هى رميم» و منهم من اقر بالخالق و نوع من الاعادة و أنكر الرّسل و عبد الأصنام، و طائفة منهم زعموا ان
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 12
الأصنام شفعاء عند اللّه فى الاخرة و حجوا لها و نحروا لها الهدى و قربوا لها القربان و هم الذين قال اللّه تعالى عنهم: «وَ قالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَ يَمْشِي فِي الْأَسْواقِ» إلى غير ذلك من المذاهب المشتّتة و الطرق المتبددة و الاهواء السخيفة و الاراء الرديّة فكانوا بمعزل عن الحقّ و الصراط المستقيم و النهج القويم بحيث تشمئز النفوس السليمة عن استماعها و كيف لا و بنو الحنظلة و هم طائفة من العرب كانوا يصنعون بالرطب أصناما و يعبدونها أيّاما و لما انصرم أوان الرطب أخذوا في أكلها حتّى لا يبقى من آلهتهم شي ء. فبعث اللّه رسوله الخاتم فهداهم به من الضّلالة و انقذهم بمكانه من الجهالة فدعاهم الرّسول صلّى اللّه عليه و آله إلى سبيل ربه بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هى أحسن و أنار نفوسهم بنور العلم و المعرفة و اثار ما فطروا به فطرة اللّه الّتي فطر الناس عليها و أوقد مصباح عقولهم باذن اللّه تعالى و أمره و وحيه و انزاله الرّوح المقدس عليه فهداهم للتى هي أقوم حتّى انتبهوا و تيقّظوا من رقد الغفلة و الجهالة و صدّقوا كلمته و أجابوا دعوته بان اللّه هو الحق و ان ما يدعون من دونه هو الباطل فرزقوا السّعادة في الدّارين و بلغوا إلى ما بلغوا فلمّ اللّه به الصّدع و رتق به الفتق و أجمعهم على كلمة واحدة هي كلمة الاخلاص أعني الكلمة الطيبة لا إله إلّا اللّه و هي كلمة التّوحيد الجامعة لجميع الكمالات و الفضائل و الخيرات الدنيويّة و الاخرويّة قد أفلح القائل بها.
و ممّا يليق ان نذكر في المقام أنموذجا من تنبّههم كما في السيرة الهشاميّة و الحلبية ان الأنصار لما قدموا المدينة أظهروا الاسلام و تجاهروا به و كان عمرو بن الجموح من سادات بني سلمة «بكسر اللام» و اشرافهم و لم يكن اسلم و كان ممّن اسلم ولده معاذ بن عمرو و كان لعمرو بن الجموح في داره صنم من خشب يقال له المناة لان الدماء كانت تمنى أي تصبّ عنده تقربا إليه و كان يعظّمه فكان فتيان قومه ممّن أسلم كمعاذ بن جبل و ولده عمرو بن معاذ و معاذ بن عمرو يدلجون بالليل على ذلك الصّنم فيخرجونه من داره و يطرحونه في بعض الحفر الّتي فيها خرء النّاس منكسا فإذا أصبح عمرو قال و يحكم من عدا على الهنا هذه اللّيلة ثمّ يعود يلتمسه حتّى
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 13
إذا وجده غسله فاذا أمسي عدوا عليه و فعلوا به مثل ذلك إلى أن غسله و طيبه و حماه بسيف علقه في عنقه ثمّ قال له ما أعلم من يصنع بك فان كان فيك خير فامتنع فهذا السيف معك فلما امسى عدوا عليه و أخذوا السيف من عنقه ثمّ أخذوا كلبا ميتا فقرنوه به بحبل ثمّ القوه في بئر من آبار بني سلمة فيها خرء النّاس فلما اصبح عمرو غدا إليه فلم يجده ثمّ تطلبه إلى أن وجده في تلك البئر فلما رآه كذلك رجع إلى عقله و كلمه من أسلم من قومه فأسلم و حسن إسلامه و أنشد أبياتا في ما جرى عليه و على صنمه.
و اللّه لو كنت إلها لم تكن أنت و كلب وسط بئر في قرن
اف لملقاك إلها مستدنّ الان فتشناك عن سوء الغبن
الحمد للّه العلى ذي المنن الواهب الرّزاق ديّان الدّين
هو الّذي انقذني من قبل ان أكون في ظلمة قبر مرتهن
بأحمد المهدي النّبيّ المؤتمن
ثمّ إنّ هذا الرّجل بلغ في جلالة شأنه مبلغا استشهد في غزوة احد و روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيه ما فيه:
ففي السيرة الهشاميّة: قال ابن إسحاق و حدّثنى أبى إسحاق بن يسار عن أشياخ من بنى سلمة أن عمرو بن الجموح كان رجلا أعرج شديد العرج و كان له بنون أربعة مثل الاسد يشهدون مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله المشاهد فلما كان يوم احد أرادوا حبسه و قالوا له: إنّ اللّه عزّ و جلّ قد عذرك فأتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال إنّ بنىّ يريدون أن يحبسوني عن هذا الوجه و الخروج معك فيه فو اللّه إنّى لأرجو أن أطأ بعرجتى هذه فى الجنّة فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: أمّا أنت فقد عذرك اللّه فلا جهاد عليك، و قال لبنيه: ما عليكم أن لا تمنعوه لعل اللّه أن يرزقه الشهادة فخرج معه فقتل يرم احد.
و فى مادة «عمر» من سفينة البحار نقلا عن الواقدي: كان عمرو بن الجموح رجلا أعرج فلمّا كان يوم احد و كان له بنون أربعة يشهدون مع النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 14
المشاهد أمثال الأسد أراد قومه أن يحبسوه و قالوا أنت رجل أعرج و لا حرج عليك و قد ذهب بنوك مع النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله. قال بخ يذهبون إلى الجنّة و أجلس عندكم؟
فقالت هند بنت عمرو بن حزام امرأته كأنّي انظر إليه مولّيا قد أخذ درقته و هو يقول: اللّهمّ لا تردّني إلى أهلي فخرج و لحقه بعض قومه يكلّمونه في القعود فأبى و جاء إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال يا رسول اللّه إنّ قومي يريدون أن يحبسوني هذا الوجه و الخروج معك و اللّه إنّي لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنّة فقال له أمّا أنت فقد عذرك للّه و لا جهاد عليك فأبى. فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لقومه و بنيه: لا عليكم أن لا تمنعوه لعلّ اللّه يرزقه الشهادة فخلّوا عنه فقتل يومئذ شهيدا.
قال فحملته هند بعد شهادته و ابنها خلاد و أخاها عبد اللّه على بعير فلما بلغت منقطع الحرة برك البعير فكان كلما توجه إلى المدينة برك و إذا وجّهته إلى احد أسرع فرجعت إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فأخبرته بذلك. فقال صلّى اللّه عليه و آله: ان الجمل لمأمور هل قال عمرو شيئا؟ قالت: نعم إنه لما توجه إلى احد استقبل القبلة ثمّ قال: اللّهم لا تردّنى إلى أهلي و ارزقني الشهادة فقال صلّى اللّه عليه و آله: فلذلك الجمل لا يمضى. ان منكم يا معشر الأنصار من لو أقسم على اللّه لأبرّه منهم عمرو بن الجموح. يا هذه ما زالت الملائكة مظلّة على أخيك «و هو عبد اللّه بن عمرو بن حزام» من لدن قتل إلى الساعة فينظرون أين يدفن.
ثمّ مكث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في قبرهم ثمّ قال: يا هند قد ترافقوا في الجنّة جميعا بعلك و ابنك و أخوك. فقالت هند: يا رسول اللّه فادع اللّه لي عسى أن يجعلني معهم.
قال: و كان جابر يقول: لما استشهد أبى جعلت عمتى تبكى فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله ما يبكيها ما زالت الملائكة تظلّ عليه بأجنحتها حتّى دفن. و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوم احد: ادفنوا عبد اللّه بن عمرو بن حزام و عمرو بن الجموح فى قبر واحد.
فانظر أيّها الطالب نهج الصّواب و السّداد و السائل سبيل المعرفة و الرّشاد كيف تصنع الايات الالهيّة و الحكم السّماوية و المواعظ القرآنيّة بأهلها حتّى
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 15
الرّجل المتوغل فى الاجسام و المتصلّب في عبادة الأصنام بلغ إلى مرتبة كأنّه يرى اللّه بعين المعرفة و يعبده و يشتاقه و يقول: بخ بخ يذهبون إلى الجنّة و أجلس عندكم؟.
ثمّ إنّ الرّجل منهم يقتل أولاده خوفا من الفقر فانزل اللّه تعالى «قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ» و الرّجل الاخر يأدبنته و فى المجمع في التفسير للطبرسى (ره) كانت المرأة إذا حان وقت ولادتها حفرت حفرة و قعدت على رأسها فان ولدت بنتا رمت بها في الحفرة و إن ولدت غلاما حبسته.
و فيه أيضا قال قتادة: جاء قيس بن عاصم التميمي إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقال انى و أدت ثماني بنات في الجاهليّة فقال صلّى اللّه عليه و آله فأعتق عن كلّ واحدة رقبة قال اني صاحب ابل قال فاهد الى من شئت عن كلّ واحدة بدنة. فانزل اللّه تعالى توبيخا و تبكيتا لوائدها «وَ إِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ. بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ» و قال تعالى في سورة النحل «وَ إِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَ هُوَ كَظِيمٌ. يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَ يُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ» الاية و كانوا يفعلون ذلك مخافة الفقر عليهن فيطمع غير الاكفاء فيهن. و الأخبار و القصص في قتلهم أولادهم كثيرة و لا نطيل الكلام بذكرها فهداهم اللّه تعالى بارسال الرّسول لطفا منه على العباد فانقذهم من هذه الورطة الهالكة المضلّة و لقّنهم كلمة الحكمة و أرشدهم إلى رحمته بقوله «قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما...» و لنعم ما نظمه العارف السعدي:
يكى طفل دندان بر آورده بود پدر سر بفكرت فرو برده بود
كه من نان و برگ از كجا آرمش مروّت نباشد كه بگذارمش
چو بيچاره گفت اين سخن نزد جفت نگر تا زن او چه مردانه گفت
مخور هول إبليس تا جان دهد هم آن كس كه دندان دهد نان دهد
و أيضا ما كان حيّان من العرب الا و بينهما المعاداة و القتال و اشدّهما عداوة الأوس و الخزرج فببركة نبينا صلّى اللّه عليه و آله صاروا متوادين متحابين و جمع اللّه بمقدمه صلّى اللّه عليه و آله أشتاتهم و ألف بين قلوبهم و قال عزّ من قائل فى سورة الانفال الاية 62:
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 16
«وَ إِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَ بِالْمُؤْمِنِينَ * وَ أَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ ...» في المجمع قال الزّجاج و هذا من الايات العظام و ذلك ان النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بعث إلى قوم انفتهم شديدة بحيث لو لطم رجل من قبيلة لطمة قاتل عنه قبيلته فالف الايمان بين قلوبهم حتّى قاتل الرّجل أباه و أخاه و ابنه فأعلم اللّه سبحانه ان هذا ما تولاه منهم الا هو.
و من تأمّل في سيرته صلّى اللّه عليه و آله يجد أن ديدنه و شيمته كان أليف القلوب و اصلاح ذات البين و إيجاد العلقة و الاخوة و المحبّة فى النّاس و رفع تشتت الاراء و اختلاف الكلمة قبل بعثه أيضا و كفاك شاهدا ما جاء في السيرة الهشاميّة و السيرة الحلبيّة و غيرهما من الكتب المعتبرة المعتمدة عند المسلمين و غيرهم انه لما بلغ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خمسا و ثلاثين سنة جاء سيل حتّى أتى من فوق الرّدم الذي صنعوه لمنعه السبيل فاخربه و دخلها و صدع جدرانها بعد ترهينها من الحريق الذي أصابها و اجتمعت القبائل من قريش و اعدّو البناء البيت نفقة طيبة ليس فيها مهر بغى و لا بيع ربا و لا مظلمة أحد من النّاس و لما بلغ البنيان موضع الحجر الاسود اختصموا كلّ قبيلة تريد ان ترفعه إلى موضعه دون الاخرى حتى اعدوا القتال فقربت بنو عبد الدار جفنة مملوأة دما ثم تعاقدواهم و بنو عدى أن تحالفوا على الموت و ادخلوا أيديهم في ذلك الدّم فى تلك الجفنة و مكث النّزاع بينهم أربع أو خمس ليال ثمّ اجتمعوا في المسجد الحرام و كان أبو اميّة بن المغيرة و اسمه حذيفة اسنّ قريش كلّها فقال يا معشر قريش اجعلوا بينكم فيما تختلفون فيه أوّل من يدخل من باب هذا المسجد يقضى بينكم أي و هو باب بنى شيبة و كان يقال له في الجاهلية باب بنى عبد الشمس الذي يقال له الان باب السلام فكان أول داخل منه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فلما رأوه قالوا هذا الأمين رضينا هذا محمّد و انهم كانوا يتحاكمون إليه فى الجاهلية لأنه كان لا يداري و لا يماري فلما انتهى إليهم و اخبروه الخبر قال هلمّ إلىّ ثوبا فاتى به و فى رواية فوضع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ازاره و بسطه فى الأرض فأخذ الحجر الأسود فوضعه فيه
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 17
بيده الشّريفة ثمّ قال لتأخذ كلّ قبيلة بناحية من الثوب ثمّ ارفعوه جميعا ففعلوا حتّى إذا بلغوا به موضعه وضعه هو صلّى اللّه عليه و آله في مكانه حيث هو الان. و لا يخفى على ذي دراية حسن تدبيره و شيمته في رفع ذلك الاختلاف و اللّه أعلم حيث يجعل رسالته.
و امّا ما وعدنا من الاشارة إلى وقعة العرب مع الفرس في ذي قار فجملة الامر فيه ان كسرى ابرويز ملك العجم خطب بنت نعمان بن المنذر ملك العرب و أبي المنذر عن الاجابة فوقع بينهما خصومة و انجرّ إلى الجدال و القتال إلى أن استولي ارويز عليه و سجنه في الساباط حتّى مات المنذر في السجن و في ذلك يقول الاعشى:
فذاك و ما انجى من الموت ربه بساباط حتّى مات و هو محرزق
و قتله المنذر صار سببا لاثارة الحرب بين العجم و العرب في ذى قار و كانت تلك الواقعة في ذي قار بعد هجرة الرسول صلّى اللّه عليه و آله إلى المدينة و انهزم العجم من العرب باسمه صلّى اللّه عليه و آله مع أنّهم لم يكونوا بمسلمين بعد و ذلك أن الهاني و الحنظلة كانا من رؤساء العسكر من العرب و قالوا لجندهم سمعنا ان رجلا منّا يسمّى محمّدا أتى بشريعة و دين مدّعيا النّبوّة من اللّه و يدعو النّاس إليه و سمعنا من نطق باسمه في كلّ واقعة فقد فاز و من كان له حوائج فنطق باسمه فقد قضت و ان ضل عن الطريق فقد هدى ففي حربنا غدا نجعل شعارنا:
«محمّد معنا و النصر لنا» فلما اصبحوا و استقروا قبال عسكر العجم فاهلوا باسمه «محمّد معنا و النّصر لنا» فظفروا عليهم فهبط جبرئيل إليه صلّى اللّه عليه و آله و سلم عليه و قال يا رسول اللّه قد غلبت العرب على العجم في ذي قار باسمك فكبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ثلاث كرّات و قال هذا أوّل يوم انتصفت العرب منه و من العجم و باسمي نصروا.
ثمّ اخبره الجبرئيل القصة كما وقعت فاضبط أصحابه ذلك اليوم و السّاعة و القصّة فلما أخبروا بها وجدوها كما سمعوا.
ثمّ إنّ ذا قار هذا كان محل نزول عليّ عليه السّلام لما خرج من المدينة متوجها إلى البصرة في واقعة الجمل. و جملة القول فيه أنّه عليه السّلام بويع في المدينة يوم الجمعة
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 18
لخمس بقين من ذي الحجة و هو اليوم الذي قتل فيه عثمان فاجتمع المهاجرون و الأنصار فيهم طلحة و الزّبير فأتوا عليّا عليه السّلام.
فقالوا و اللّه ما نختار غيرك و لا نجد اليوم أحدا أحق بهذا الأمر منك لا أقدم سابقة و لا أقرب من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فبايعه النّاس إلا نفيرا يسيرا كانوا عثمانية و كان طلحة أوّل من صعد المنبر و بايع عليا عليه السّلام. ثمّ اتصلت بيعة عليّ عليه السّلام بالكوفة و غيرها من الامصار و كانت أهل الكوفة اسرع إجابة إلى بيعته و أخذ لها البيعة على أهلها أبو موسى الاشعري حتّى تكاثر النّاس عليه و كان عليها عاملا لعثمان و انتزع عليّ عليه السّلام أملاكا كان عثمان اقطعها جماعة من أتباء، و أقاربه، و قسم عليّ عليه السّلام ما في بيت المال على النّاس و لم يفضّل أحدا على أحد، ثمّ إنّ طلحة و الزّبير نكثا العهد و البيعة و خرجا إلى مكّة بعد أشهر و كانت حينئذ عائشة بمكة و غرّاها فأغراها طلبا بدم عثمان و صنعوا ما صنعوا حتّى خرجوا فيمن تبعهم إلى البصرة قد خلعوا طاعة عليّ عليه السّلام و بغوا عليه ثمّ سمع علي عليه السّلام مكرهم و خدعتهم و نكثهم فخرج من المدينة إلى الكوفة و كان أحذ منازله ذا قار و فيه خطب تلك الخطبة مخاطبا لاعوانه من أهل الكوفة و غيرهم. و بعث عليّ عليه السّلام من ذي قار ابنه الحسن المجتبى عليه السّلام و عمّار بن ياسر رضوان اللّه عليه ليستنفرا له أهل الكوفة حتّى اقبلت وقعة الجمل و انهزم النّاكثون.
و كان مسيره عليه السّلام من المدينة إلى البصرة في سنة ستّ و ثلاثين و فيها كانت وقعة الجمل و ذلك في يوم الخميس لعشر خلون من جمادي الاولى منها و كانت وقعة واحدة في يوم واحد. و قال الطبري في تاريخه: كان قتالهم من ارتفاع النّهار إلى قريب من العصر و يقال إلى أن زالت الشمس.
و قد تنازع النّاس في مقدار ما قتل من الفريقين في وقعة الجمل فمن مقلل و مكثر فالمقلل يقول قتل منهم سبعة آلاف. و المكثر يقول قتل منهم ثلاثة عشر ألفا و قال الطبري: كان قتلى الجمل حول الجمل عشرة آلاف نصفهم من أصحاب عليّ عليه السّلام و نصفهم من أصحاب عائشة، و كانت عايشة راكبة على الجمل المسمّى عسكرا في هودج
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 19
و عرقب الجمل في ذلك اليوم و وقع الهودج. و قيل انّه كان بين خلافة عليّ عليه السّلام إلى وقعة الجمل و بين أوّل الهجرة خمس و ثلاثون سنّة و خمسة أشهر و عشرة أيام و أمّا تفصيله فيأتي في باب المختار من كتبه و رسائله عليه السّلام إن شاء اللّه تعالى.
ثمّ الظّاهر إن هذه الخطبة لجزء خطبة و إن لم نجدها مع الفحص الكثير بعد و لم يحضرني جمل الواقدي و لا جمل نصر و مضت خطبة اخرى خطبها عليه السّلام في ذي قار و هي الخطبة الثالثة و الثلاثون أوّلها في النهج: و من خطبة له عليه السّلام عند خروجه لقتال أهل البصرة «يعني في واقعة الجمل» قال عبد اللّه بن عباس دخلت على أمير المؤمنين عليه السّلام بذي قار و هو يخصف نعله فقال لي ما قيمة هذه النعل إلى آخرها.
أقول: اتى ثقة الاسلام الكليني رضوان اللّه عليه فى الكافى بخطبة عنه عليه السّلام خطبها بذي قار و نقلها الفيض قدّس سرّه في الوافى «ص 22 م 14» و لم تذكر في النّهج فلا بأس بذكرها لكثرة فوائدها و عظم مطالبها و مناسبتها للمقام:
أحمد عن سعيد بن المنذر بن محمّد عن أبيه عن جدّه عن محمّد بن الحسين عن أبيه عن جدّه عن أبيه قال خطب أمير المؤمنين عليه السّلام و رواها غيره بغير هذا الإسناد و ذكر أنّه خطب بذي قار فحمد اللّه و اثنى عليه ثمّ قال: أمّا بعد فانّ اللّه تعالى بعث محمّدا صلّى اللّه عليه و آله بالحق ليخرج عباده من عبادة عباده إلى عبادته و من عهود عباده إلى عهوده و من طاعة عباده إلى طاعته و من ولاية عباده إلى ولايته بشيرا و نذيرا و داعيا إلى اللّه باذنه و سراجا منيرا عودا و بدوا عذرا و نذرا بحكم قد فصّله و تفصيل قد أحكمه و فرقان قد فرقه و قرآن قد بينه ليعلم العباد من ربّهم إذ جهلوه و ليقرّوا به إذ جحدوه و ليثبتوه بعد أن أنكروه فتجلى لهم سبحانه فى كتابه من غير أن يكونوا رأوه فأراهم حلمه كيف حلم و أراهم عفوه كيف عفا و أراهم قدرته كيف قدر و خوّفهم من سطوته و كيف خلق ما خلق من الايات و كيف محق من محق من العصات بالمثلات و احتصد مع احتصد بالنقمات و كيف رزق و هدى و اعطى و أراهم حكمه كيف حكم و صبر حتّى يسمع ما يسمع و يرى فبعث اللّه محمّدا صلّى اللّه عليه و آله بذلك.
ثمّ إنّه سيأتى عليكم من بعدي زمان ليس فى ذلك الزمان شي ء أخفى من الحقّ
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 20
و لا أظهر من الباطل و لا أكثر من الكذب على اللّه و على رسوله صلّى اللّه عليه و آله و ليس عند أهل ذلك الزمان سلعة ابور من الكتاب إذا تلى حقّ تلاوته و لا سلعة انفق بيعا و لا اغلا ثمنا من الكتاب إذا حرّف عن مواضعه و ليس في العباد و لا في البلاد شي ء هو أنكر من المعروف و لا أعرف من المنكر و ليس فيها فاحشة أنكر و لا عقوبة انكا من الهدى عند الضّلال فى ذلك الزّمان فقد نبذ الكتاب حملته و تناساه حفظته حتّى تمالت بهم الأهواء و توارثوا ذلك من الاباء و عملوا بتحريف الكتاب كذبا و تكذيبا فباعوه بالبخس و كانوا فيه من الزّاهدين، فالكتاب و أهل الكتاب في ذلك الزّمان طريدان منفيان و صاحبان مصطحبان في طريق واحد و لا يؤويهما مؤو، فحبذا ذانك الصّاحبان و اهالهما و لما يعملان له، فالكتاب و أهل الكتاب في ذلك الزّمان في النّاس و ليسوا فيهم و معهم و ليسوا معهم، و ذلك لانّ الضّلالة لا توافق الهدى و ان اجتمعا.
و قد اجتمع القوم على الفرقة و افترقوا عن الجماعة قد ولوا أمرهم و أمر دينهم من يعمل فيهم بالمنكر و المنكر و الرّشا و القتل لم يعظمهم على تحريف الكتاب تصديقا لما يفعل و تزكية لفضله و لم يولّوا أمرهم من يعلم الكتاب و يعمل بالكتاب و لكن وليّهم من يعمل بعمل أهل النّار كانّهم أئمة الكتاب و ليس الكتاب امامهم لم يبق عندهم من الحق إلّا اسمه و لم يعرفوا من الكتاب إلّا خطّه و زبره يدخل الداخل لما يسمع من حكم القرآن فلا يطمئن جالسا حتّى يخرج من الدّين ينتقل من دين ملك إلى دين ملك و من ولاية ملك إلى ولاية ملك و من طاعة ملك إلى طاعة ملك و من عهود ملك إلى عهود ملك فاستدرجهم اللّه تعالى من حيث لا يعلمون و إن كيده متين بالأمل و الرّجاء حتّى توالدوا في المعصية و دانوا بالجور و الكتاب لم يضرب عن شي ء منه صفحا ضلالا تايهين قد دانوا بغير دين اللّه تعالى و أدانوا لغير اللّه مساجدهم في ذلك الزّمان عامرة من الضّلالة خربة من الهدى قد بدّل ما فيها من الهدى، فقرّاؤها و عمّارها اخائب خلق اللّه و خليقته من عندهم جرت الضّلالة و إليهم تعود فحضورهم مساجدهم و المشى إليها كفر باللّه العظيم إلّا من
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 21
مشى إليها و هو عارف بضلالهم فصارت مساجدهم من فعالهم على ذلك النحو خربة من الهدى عامرة من الضّلالة قد بدّلت سنة اللّه و تعدّيت حدوده لا يدعون إلى الهدى و لا يقسمون الفى ء و لا يوفون بذمّة يدعون القتيل منهم على ذلك شهيدا فدانوا اللّه بالافتراء و الجحود و استغنوا بالجهل عن العلم و من قبل ما مثلوا بالصالحين كلّ مثلة و سموا صدقهم على اللّه فرية و جعلوا في الحسنة العقوبة السّيئة.
و قد بعث اللّه تعالى إليكم رسولا من أنفسكم عزيز عليه ما عنتّم حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و انزل عليه كتابا عزيزا لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد قرآنا غير ذي عوج لينذر من كان حيّا و يحق القول على الكافرين، فلا يلهينّكم الأمل و لا يطولنّ عليكم الأجل فانّما أهلك من كان قبلكم امتداد املهم و تغطية الاجال عنهم حتّى نزل بهم الموعود الّذي تردّ عنه المعذرة و ترفع عنه التوبة و تحل معه القارعة و النقمة و قد ابلغ اللّه تعالى إليكم بالوعيد و فصل لكم القول و علّمكم السّنة و شرع لكم المناهج ليزيح العلّة و حثّ على الذكر و دلّ على النّجاة و انّه من انتصح اللّه و اتخذ قوله دليلا هداه للتى هى أقوم و وفقه للرّشاد و سدّده و يسّره للحسنى فان جار اللّه آمن محفوظ و عدوّه خائف مغرور فاحترسوا من اللّه بكثرة الذكر و اخشوا منه بالتقوى و تقرّبوا إليه بالطّاعة فانّه قريب مجيب قال اللّه تعالى: «وَ إِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَ لْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ».
فاستجيبوا للّه و آمنوا به و عظّموا اللّه الّذى لا ينبغي لمن عرف عظمة اللّه تعالى أن يتعظّم فان رفعة الّذين يعلمون ما عظمة اللّه ان يتواضعوا له و عزّ الّذين يعلمون ما جلال اللّه ان يذلّوا له و سلامة الذين يعلمون ما قدرة اللّه ان يستسلموا له فلا ينكرون انفسهم بعد حدّ المعرفة و لا يضلّون بعد الهدى فلا تنفروا من الحقّ نفار الصّحيح من الأجرب و البارى من ذى السقم.
و اعلموا علما يقينا انّكم لن تعرفوا الرّشد حتّى تعرفوا الّذى تركه و لن تأخذوا بميثاق الكتاب حتّى تعرفوا الذى نقضه و لن تمسّكوا به حتّى تعرفوا الّذى
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 22
نبذه و لن تتلوا الكتاب حق تلاوته حتّى تعرفوا الّذي حرّفه و لن تعرفوا الضّلالة حتّى تعرفوا الهدى و لن تعرفوا التقوى حتّى تعرفوا الّذى تعدى فاذا عرفتم ذلك عرفتم البدع و التكلف و رأيتم الفرية على اللّه و على رسوله و التحريف لكتابه و رأيتم كيف هدى اللّه من هدى، فلا يجهلنّكم الّذين لا يعلمون فان علم القرآن ليس يعلم ما هو الّا من ذاق طعمه فعلم بالعلم جهله و ابصر عماه و سمع به صممه و ادرك به علم ما فات و حيى به بعد إذ مات و اثبت عند اللّه تعالى ذكره به الحسنات و محى به السيّئات و ادرك به رضوانا من اللّه تعالى، فاطلبوا ذلك من عند أهله خاصّة فانّهم خاصّة نور يستضاء به أئمّة يهتدى بهم و هم عيش العلم و موت الجهل هم الّذين يخبركم حكمهم عن علمهم و صمتهم عن منطقهم و ظاهرهم عن باطنهم لا يخالفون الدّين و لا يختلفون فيه فهو بينهم شاهد صادق و صامت ناطق فهو من شانهم شهداء بالحق و مخبر صادق لا يخالفون الحقّ و لا يختلفون فيه قد خلت لهم من اللّه سابقة و مضى فيهم من اللّه تعالى حكم صادق و في ذلك ذكرى للذّاكرين، فاعقلوا الحق إذا سمعتموه عقل رعاية و لا تعقلوه عقل رواية فان روات الكتاب كثير و رعاته قليل و اللّه المستعان.
الترجمة:
از خطبه آن حضرت است كه آن را ذى قار در حالى كه از مكّه متوجّه بسوى بصره بود (كه در اين سفر جنگ جمل پيش آمده) فرموده است. و اين خطبه را واقدى در كتاب جمل ذكر كرده است:
پس رسول أكرم بدانچه از جانب حق متعال مأمور بود آشكار كرده است و رسالت پروردگار خود را برسانيد. پس خداى تعالى بارسال آن حضرت تفرق و پراكندگى مردمان را بهم آورد. و شكاف جمعيتها را التيام و پيوستگى داد. و ميان خويشان و ارحام -پس از آنكه عداوت در سينه ها جا كرده بود و آتش كينه در دلها شعله مى زد- الفت داد.