منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 75
و من خطبة له عليه السّلام و هى المأتان و الحادية عشر من المختار فى باب الخطب:
أللّهمّ أيّما عبد من عبادك سمع مقالتنا العادلة غير الجائرة، و المصلحة غير المفسدة، في الدّين و الدّنيا، فأبى بعد سمعه لها إلّا النّكوص عن نصرتك، و الإبطاء عن إعزاز دينك، فإنّا نستشهدك عليه يا أكبر الشّاهدين، و نستشهد عليه جميع من أسكنته أرضك و سماواتك، ثمّ أنت البعد المغني عن نصره و الاخذ له بذنبه. (50544- 50488)
اللغة:
(المصلحة) بضمّ الميم اسم فاعل من باب الافعال و كذلك المفسدة و (نكص) عن الأمر نكصا و نكوصا تكاء كأ عنه و جبن و أحجم، و على عقبيه رجع عمّا كان عليه من خير قال الفيروز آبادى خاصّ بالرّجوع عن الخير، و وهم الجوهرى في اطلاقه أو في الشرّ نادرا.
الاعراب:
ما في أيّما زايدة للتّاكيد، و غير منصوب على الحاليّة أو الوصفيّة، و قوله: في الدّين، متعلّق بالمصلحة، و قوله: إلّا النّكوص، استثناء مفرّغ.
المعنى:
اعلم أنّ هذه الخطبة كما نبّه عليه الشارح البحراني ملتقطة من خطبة كان يستنهض بها أصحابه إلى جهاد أهل الشام.
قال بعد تقاعد أكثرهم عن صوته مناديا للّه عزّ و جلّ مجاز (اللّهم أيّما عبد من عبادك سمع مقالتنا العادلة) أي قولنا المتّصف بالعدل، و في وصفه به توسّع، و قال الشارح البحرانى العادلة المستقيمة الّتي هي طريق اللّه العايدة للنّاس إلى الرّشاد في دينهم و دنياهم، و ما قلناه أولى.
و انّما وصفه عليه السّلام بالعدل، لأنّ استنهاضه إلى جهاد أهل الشّام إنّما كان من باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر مع فيه من الامتثال لنصّ قوله تعالى «فان بغت احداهما على الاخرى فقاتلوا الّتي تبغي حتّى تفىء إلى أمر اللّه» و قد كان عليه السّلام متّصفا بالعدل في جميع أقواله و أفعاله كما يشهد به قوله تعالى «وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً» أى أئمة عدلا على ما ورد في تفسير أهل البيت عليهم السّلام و قوله تعالى «وَ مِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ يَعْدِلُونَ» .
روى في البحار عن العياشي عن حمران عن أبى جعفر عليه السّلام فى هذه الاية قال عليه السّلام: هم الأئمّة عليهم السّلام.
و فيه من الكافى عن الحسين بن محمّد عن المعلّى عن الوشا عن عبد اللّه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه عزّ و جلّ «وَ مِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ» الاية قال: هم الأئمة صلوات اللّه عليهم.
و يشهد به أيضا ما فى البحار من تفسير علىّ بن إبراهيم فى قوله «ضرب اللّه
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 76
مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء و هو كلّ على مولاه أينما يوجّهه لا يات بخير هل يستوى هو و من يأمر بالعدل و هو على صراط مستقيم» قال عليه السّلام كيف يستوى هذا و هذا الذى يأمر بالعدل يعنى أمير المؤمنين و الأئمة عليه و عليهم السّلام، هذا احتراس و انّما عقّب بقوله (غير الجائرة) إما تاكيدا أو من باب الاحتراس الّذى تقدّم فى ديباجة الشرح فى ضمن المحاسن البديعيّة، فانّه لمّا وصف مقالته بالعدل و كان هنا مظنّة أن يتوهّم أنّ عدالتها إنّما يتصوّر فى حقّ أهل الكوفة و أمّا فى حقّ أهل الشّام فلا، لأنّ الاستنهاض إلى حربهم و سفك دمائهم جور فى حقهم و ظلم عليهم فكيف يكون عدلا، فدفع ذلك التوّهم بقوله: غير الجائرة، تنبيها على أنّ محاربتهم من باب النهى عن المنكر و الرّدع لهم عن متابعة معاوية و منعهم عن الايتمام بالامام الباطل و ردعه عن ظلمه و طغيانه و دعويه الخلافة من غير استحقاق، و هذا فرض شرعا فلا يكون جورا بل عين العدل و اللّطف، هذا.
مضافا إلى ما فيه من التعريض على معاوية حيث إنّ حضّه لأهل الشّام على حرب أهل الكوفة و حربه عليه السّلام محض الجور و العدوان، لأنّه من باب الأمر بالمنكر و النهى عن المعروف، و أىّ جور أعظم من ذلك.
أمّا فى حقّ أهل الشام فلأنه يدعوهم بذلك التحضيض إلى النار.
و أما فى حقّ أهل الكوفة فلردعهم عن الايتمام بالامام الحقّ و إرادة دفعه عن مقامه الذى يستحقّه و ايهام أنّ الحقّ معه لمطالبته بدم عثمان المظلوم كما قال تعالى «وَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَ اللَّهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ» .
روى فى البحار من كتاب الغيبة للنغمانى عن الكليني باسناده عن محمّد بن منصور قال: سألته يعنى أبا عبد اللّه عليه السّلام عن هذه الاية قال عليه السّلام فهل رأيت أحدا زعم أنّ اللّه أمر بالزّنا و شرب الخمر أو شيء من هذه المحارم؟ قلت: لا، قال عليه السّلام: فما هذه الفاحشة التي يدّعون ان اللّه أمرهم بها؟ قلت: اللّه أعلم و وليه، قال عليه السّلام: فان هذا فى أولياء أئمة الجور ادّعوا أنّ اللّه أمرهم بالايتمام بهم فردّ اللّه ذلك عليهم
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 77
و أخبرهم أنهم قالوا عليه الكذب و سمّى ذلك منهم فاحشة و فيه من تفسير علىّ بن إبراهيم بسنده عن طلحة بن زيد عن جعفر بن محمّد عليهما السّلام عن أبيه قال: الأئمة فى كتاب اللّه إمامان قال اللّه «وَ جَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا» لا بأمر الناس يقدّمون أمر اللّه قبل أمرهم و حكم اللّه قبل حكمهم، قال: «و جعلناهم أئمّة يدعون إلى النار» يقدّمون أمرهم قبل أمر اللّه و حكمهم قبل حكم اللّه، و يأخذون بأهوائهم خلافا لما فى كتاب اللّه.
و الحاصل انه عليه السّلام بمقتضى ملكة العصمة التي فيه إنما يأمر بالعدل و الاحسان و ينهى عن الفحشاء و المنكر و البغى تبعا لأمر اللّه، لأنه و الأئمة من صلبه عليهم السّلام محالّ مشيّة اللّه و ما يشاءون إلّا أن يشاء اللّه و هم بأمره يعملون.
و قوله عليه السّلام (و المصلحة غير المفسدة فى الدّين و الدّنيا) أى فيها صلاح حال السامعين فى الدارين و انتظام امورهم فى النشأتين.
أما فى الاخرة فلأنّ الجهاد باب من أبواب الجنّة فتحه اللّه لخاصّة أوليائه و هو لباس التقوى و درع اللّه الحصينة و جنّته الوثيقة، حسبما عرفته فى الخطبة السابعة و العشرين، ففى نهوضهم إلى قتال القاسطين عقيب استنهاضه عليه السّلام امتثال لأمر اللّه، إعزاز الدين اللّه، تحصيل لرضوان اللّه تعالى شأنه، و فى تقاعدهم عنه سخط عظيم و عذاب أليم.
و أما فى الدّنيا فلأنّ مبارزة الأقران من عادة الأبطال و الشجعان و المنع من الذمار من آثار الفتوّة و شعار المروّة و المجاهد فى سبيل اللّه ينتظر من اللّه إحدى الحسنيين إمّا الظفر و الغنيمة أو الشهادة الموجبة للذكر الجميل و الثناء الباقى، و النكوص عن الجهاد محصّل للخذلان معقّب للهوان و عار فى الأعقاب و نار يوم الحساب، فمن تركه رغبة عنه ألبسه اللّه ثوب الذلّ و شمله البلاء و ديّث بالصغار و القماء هذا و تعقيب المصلحة بغير المفسدة إما من باب التأكيد أيضا أو تعريضا على الطرف المقابل أعنى معاوية اللّعين الذى كان يستنهضهم إلى حربه، فانّ نظر ذلك اللّعين فى جميع مقالاته و كلماته لم يكن إلّا إلى شقّ عصا الاسلام و إفساد حال المسلمين و هدم
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 78
أركان الدين، و لذلك قال: عليه الصلاة و السلام فى الخطبة الثانية و التسعين: ألا إنّ أخوف الفتن عندى عليكم فتنة بنى امية فانها فتنة عمياء مظلمة، إلى آخر ما مرّ هناك.
و قوله عليه الصلاة و السلام (فأبى بعد سمعه لها إلّا النكوص عن نصرتك و الابطاء عن اعزاز دينك) لا يخفى ما فى هذا الكلام من بديع البيان و حسن التقرير و عجيب التعبير، حيث لم يقل فأبى بعد سمعه لها عن قبولها أو اجابتها، بل عدل عنه إلى قوله: إلّا النكوص آه للطافة معناه و بعد غوره و غزارة فحواه.
و ذلك لأنّ في التعبير بهذه من التنبيه على عظيم خطاء الممتنعين المتقاعدين عن قبول أمره عليه السّلام و مزيد تقصيرهم و كبير ذنبهم ما لا يخفى على الفطن الخبير بمحسنات البيان.
أمّا أوّلا فلما مرّ من أنّ النكوص مخصوص بالرّجوع عن الخير أو نادر الاستعمال في الرّجوع عن الشرّ و على التقديرين ففيه دلالة على أنّهم بتقاعدهم قد فوّتوا على أنفسهم الخير الكثير الّذى كان لهم عاجلا و آجلا.
و أمّا ثانيا فإنّ في قوله: عن نصرتك دلالة على أنّهم بقتال القاسطين ناصرون للّه سبحانه كما أنّهم بترك القتال ناكصون عن نصرته، و اللّه سبحانه يقول «إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَ يُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ» و قال «الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا» فلم يكن استنصاره من ضعف و ذلّ بل استنصرهم و له جنود السّماوات و الأرض ليبلوهم أيّهم أحسن عملا و ليعلم اللّه من ينصره و رسله بالغيب فيستوجب بالقتال ثواب الامتثال.
ثمّ في اضافة النّصرة إلى كاف الخطاب إشارة إلى أنّ نصرته عليه السّلام هو نصرة اللّه، لأنّ إطاعة الرّسول و إطاعة وليّ الأمر هو إطاعة اللّه، لكونهم مبلّغين عن اللّه و الامر و النّاهى فى الحقيقة هو اللّه، و لذلك قرن اللّه طاعتهم بطاعته فى قوله: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ» بل جعل طاعتهم عين طاعته فى قوله «مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ وَ مَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً».
روى فى الصّافى عن العياشى عن الباقر عليه السّلام قال: ذروة الأمر و سنامه و مفتاحه
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 79
و باب الأشياء و رضى الرّحمن الطّاعة للامام بعد معرفته، ثمّ قال: إنّ اللّه تبارك و تعالى يقول «مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ» .
فانّ استشهاد الامام عليه السّلام لوجوب طاعة الامام بالاية مفيد لكون طاعته طاعة الرّسول كما أنّ طاعته طاعة اللّه.
و أمّا ثالثا فانّ قوله: و الابطاء عن إعزاز دينك تقريع شديد على المتقاعدين لافادته انّهم بتقاعدهم مذلّون للدين مضيّعون لمسالك الشّرع المبين، فقد ظهر بما ذكرنا كلّه أنّ فى قوله عليه الصّلاة و السلام تحذيرا عظيما للمتقاعدين.
و اكّد ذلك الغرض بقوله عليه السّلام (فانّا نستشهدك عليه) حيث خالف أمرك و ترك نصرتك و أهان دينك (يا أكبر الشاهدين) الّذى لا يعزب عنه شيء فى السّماء و الأرض و هو على كلّ شيء شهيد.
(و نستشهد عليه جميع من أسكنته أرضك و سماواتك) من الملائكة و الانس و الجنّ ليشهدوا يوم الدّين بأنّى ما قصرت و لا فرطت فى تبليغ أمرك إلى المتخاذلين و لكنّهم تولّوا عنه معرضين (ثمّ أنت البعد) أى بعد تلك الشّهادة (المغنى) لنا (عن نصره) إذ بيدك جنود السماوات و الأرض و أنت لما تشاء قدير و فى هذه الفقرة تعظيم لرّب العالمين و استحقار للمتخاذلين (و الاخذ له بذنبه) و فيه تحذير عظيم لهم و تهديد شديد من سخطه و عقابه لكونه عزّ و جلّ شديد العقاب و أشدّ بأسا و أشدّ تنكيلا، لا يعجزه من طلب، و لا يفوته من هرب، نعوذ باللّه من سخطه و غضبه.
الترجمة:
از جمله خطب شريفه آن امام أنام عليه السّلام است كه گفته:
بار الها هر كدام بنده از بندگان تو كه شنيد گفتار با عدالت ما را كه ظلم كننده نيست و گفتار اصلاح كننده ما را كه افساد كننده نيست در دين و دنيا، پس امتناع كرد بعد از شنيدن او مر آنرا مگر از برگشتن از يارى تو، و تأخير نمودن از اعزاز دين تو، پس بدرستى كه ما شاهد مى گيريم تو را بر آن شخص أى بزرگترين شاهدها و شاهد مى گيريم تو را و جميع كسانى را كه ساكن فرموده ايشان را در زمين خود و آسمانهاى خود، پس تو بعد از آن شهادت غنى كننده از يارى او، و مؤاخذه كننده او را بگناه و معصيت او، و اللّه الهادي.