منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 171
و منه فى ذكر السائرين الى البصرة لحربه عليه السلام:
فقدموا على عمّالي و خزّان بيت مال المسلمين الّذي في يديّ، و على أهل مصر كلّهم في طاعتي، و على بيعتي، فشتّتوا كلمتهم، و أفسدوا عليّ جماعتهم، و وثبوا على شيعتي فقتلوا طائفة منهم غدرا، و طائفة منهم عضّوا على أسيافهم، فضاربوا بها حتّى لقوا اللّه صادقين. (51830- 51786)
الاعراب:
قوله: و طائفة منهم عضّوا برفع طائفة على الابتداء، و جملة عضّوا خبره، و في نسخة الشّارح المعتزلي و طائفة عضّوا بالنّصب على العطف فتكون جملة عضّوا صفة.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 173
المعنى:
(و منه) أى بعض هذا الكلام، و في نسخة الشارح المعتزلي و البحراني العنوان: و من كلام له عليه السّلام، و الظاهر أنه اشتباه من الناسخ لأنه مع ما قبله كلاهما من فقرات الكلام الذى تقدّم روايته و ليس كلّ منهما كلاما مستقلّا أو ملتقطا من كلامين متغايرين.
و كيف كان فهو (في ذكر السائرين إلى البصرة لحربه عليه السّلام) من طلحة و الزبير و عايشة و جنودهم.
(فقدموا على عمالي) و هو عثمان بن حنيف الأنصارى و من تبعه كان عاملا له عليه السّلام على البصرة (و خزان بيت مال المسلمين الّذى في يدي) و كانوا أربعمائة رجل (و على أهل مصر) يريد به البصرة (كلّهم في طاعتي و على بيعتي فشتّتوا كلمتهم) أى ألقوا الاختلاف بينهم (و أفسدوا علىّ جماعتهم).
و ذلك لأنّ عايشة بعد دخول البصرة و التقاء الفئتين أقبلت على جملها و نادت بصوت مرتفع: أيها الناس أقلّوا الكلام و اسكتوا، فاسكت الناس لها فقالت في جملة كلام تحرّضهم فيه على القتال و الاجلاب على قتلة عثمان:
ألا إنّ عثمان قتل مظلوما فاطلبوا قتلته فاذا ظفرتم بهم فاقتلوهم ثمّ اجعلوا الأمر شورى بين الرّهط الّذين اختارهم عمر بن الخطّاب و لا يدخل فيهم من شرك في دم عثمان.
قال الرّاوى فماج النّاس و اختلطوا فمن قائل يقول: القول ما قالت، و من قائل يقول: و ما هى و هذا الأمر انما هي امرأة مأمورة بلزوم بيتها، و ارتفعت الأصوات و كثر اللّغط حتّى تضاربوا بالنّعال و تراموا بالحصى، ثمّ إنّ النّاس تمايزوا فصاروا فريقين فريق مع عثمان بن حنيف و فريق مع عايشة و أصحابها.
و الى هذا أشار عليه السّلام بقوله: فشتّتوا كلمتهم و أفسدوا جماعتهم (و وثبوا على شيعتي فقتلوا طائفة منهم غدرا) و هم السّيابحة حرّاس بيت المال (و طائفة منهم عضّوا على أسيافهم) و هم حكيم بن جبلة العبدى و أتباعه.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 174
قال الشارح المعتزلي: عضّهم على أسيافهم كناية عن الصّبر في الحرب و ترك الاستسلام، و هي كناية فصيحة شبّه قبضهم على السّيوف بالعضّ، انتهى.
يعني أنّهم جدّوا في الحرب و لزموا سيوفهم (فضاربوا بها حتّى لقوا اللّه صادقين) في ولائهم لأمير المؤمنين عليه السّلام و في تمسّكهم بحبل بيعته المتين أو صادقين فيما عاهدوا اللّه عليه كما قال تعالى «مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا» و اعلم أنّ هذا الكلام الذى نقله الرضيّ عنه عليه السّلام في السّايرين إلى البصرة مختلف جدّا لما قدّمنا روايته عنه في شرح الخطبة السادسة و العشرين، فانّ الموجود فيه هكذا:
فقدما- يعني طلحة و الزّبير- على عاملي و خزّان بيت مالى و على أهل مصر في الذين كلّهم على بيعتي و فى طاعتي فشتّتوا كلمتهم و أفسدوا جماعتهم ثمّ وثبوا «دئبوا خ» على شيعتي من المسلمين فقتلوا طائفة منهم غدرا و طائفة صبرا و طائفة منهم غضبوا للّه فشهروا سيوفهم و ضربوا بها حتّى لقوا اللّه صادقين.
ثمّ اعلم أنّه قد تقدّم في شرح الخطبة المأة و الاحدى و السّبعين تفصيل قصّة السّائرين إلى البصرة و ما فعلوا فيها من قتل طائفة صبرا و طائفة غدرا و غيره من الفضائح التي لا يحصى من أراد الاطّلاع عليها فليراجع هناك.
تنبيه:
قال الشّارح المعتزلي بعد شرح الفقرات الاول من هذا الكلام أعني قوله اللّهمّ إنّي أستعديك على قريش إلى قوله من حزّ الشفار ما عبارته:
و اعلم أنّ هذا الكلام قد نقل عن أمير المؤمنين عليه السّلام ما يناسبه و يجرى مجراه و لم يورّخ الوقت الذى قاله فيه و لا الحال الّتي عناها به، و أصحابنا يحملون ذلك على أنّه عليه السّلام قاله عقيب الشورى و بيعة عثمان، فانه ليس يرتاب أحد من أصحابنا على أنه تظلّم و تألّم حينئذ، و يكره أكثر أصحابنا حمل أمثال هذا الكلام على التألّم من يوم السّقيفة.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 175
و لقائل أن يقول لهم: أ تقولون إنّ بيعة عثمان لم تكن صحيحة؟
فيقولون: لا.
فيقال لهم: فعلى ما ذا تحملون كلامه عليه السّلام مع تعظيمكم له و تصديقكم لأقواله؟
فيقولون: نحمل ذلك على تألّمه و تظلّمه منهم إذ تركوا الأولى و الأفضل، فانكم لستم تنكرون أنه كان الأفضل و الأحقّ بالأمر بل تعترفون بذلك و تقولون ساغت إمامة غيره و صحّت لمانع كان فيه و هو ما غلب على ظنون العاقدين للأمر من أنّ العرب لا تطيعه فانه تخاف من فتنة عظيمة تحدث إن ولى الخلافة لأسباب يذكرونها و يعدّونها، و قد روى كثير من المحدّثين أنه عليه السّلام عقيب يوم السقيفة تألّم و تظلّم و استنجد و استصرخ حيث ساموه الحضور و البيعة و أنه قال و هو يشير إلى القبر: إنّ القوم استضعفوني و كادوا يقتلونني، و أنه قال: وا جعفراه و لا جعفر لي اليوم وا حمزتاه و لا حمزة لى اليوم، و قد ذكرنا من هذا المعنى جملة صالحة فيما تقدّم و كلّ ذلك محمول عندنا على أنه طلب الأمر من جهة الفضل و القرابة و ليس بدالّ عندنا على وجود النصّ، لأنه لو كان هناك نصّ لكان أقلّ كلفة و أسهل طريقا و أيسر لما يريد تناولا أن يقول: يا هؤلاء إنّ العهد لم يطل و إنّ رسول اللّه أمركم بطاعتى و استخلفني عليكم بعده، و لم يقع منه بعد ما علمتموه نصّ ينسخ ذلك و لا يرفعه فما الموجب لتركى و العدول عنّي.
فان قالت الامامية: كان خاف القتل لو ذكر ذلك.
قيل لهم: فهلّا خاف القتل و هو يقتل و يدفع ليبايع و هو يستصرخ تارة بقبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و تارة بعمّه جعفر و أخيه حمزة و هما ميّتان، و تارة بالأنصار، و تارة ببني عبد مناف و يجمع الجموع في داره و يبثّ الرّسل ليلا و نهارا إلى النّاس يذكرهم فضله و قرابته و يقول للمهاجرين خصمتم الأنصار بكونكم أقرب إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أنا اخصمكم بما خصمتم به الأنصار، لأنّ القرابة إن كانت هي المعتبرة فأنا أقرب منكم و هلّا خاف من الامتناع و من هذا الاحتجاج و من الخلوة في داره بأصحابه و من تنفير النّاس عن البيعة الّتي عقدت حينئذ لمن عقدت له.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 176
و كلّ هذا إذا تأمّله المنصف علم أنّ الشيعة أصابت في أمرو أخطأت في أمر.
أمّا الأمر الّذى أصابت فيه فقولها إنّه امتنع و تلكا و أراد الأمر لنفسه و أما الأمر الذى أخطأت فيه فقولها إنّه كان منصوصا عليه نصّا جليا بالخلافة تعلمها الصّحابة كلّها أو أكثرها و إنّ ذلك خولف طلبا للرياسة الدّنيويّة و ايثارا للعاجلة، و إنّ حال المخالفين للنصّ لا تعدو أحد الأمرين إمّا الكفر أو الفسق فانّ قرائن الأحوال و أماراتها لا تدلّ على ذلك و إنّما تدلّ و تشهد بخلافه.
و هذا يقتضي أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام كان في مبدء الأمر يظنّ أنّ العقد لغيره كان من غير نظر في المصلحة، و أنّه لم يقصد به إلّا صرف الأمر عنه و الاستيثار عليه فظهر منه ما ظهر من الامتناع و القعود في بيته إلى أن صحّ عنده و ثبت في نفسه أنّهم أصابوا فيما فعلوه و أنّهم لم يميلوا إلى الهوى و لا أرادوا الدّنيا، و إنّما فعلوا الأصلح في ظنونهم، لأنّه رأى من بغض النّاس له و انحرافهم عنه و ميلهم عليه و ثوران الأحقاد الّتي كانت في أنفسهم و احتدام النّيران الّتي كانت في قلوبهم، و التّرات الّتي و ترهم فيما قبل بها، و الدّماء الّتي سفكها منهم و أراقها، و تعلّل طائفة اخرى منهم للعدول عنه عليه السّلام بصغر سنّه و استهجانهم تقديم الشّاب على الشيوخ و الكهول، و تعلّل طائفة اخرى منهم بكراهيّة الجمع بين النّبوة و الخلافة في بيت واحد فيجفخون «1» على النّاس كما قاله من قاله، و استصعاب قوم شكيمته و خوفهم شدّته و علمهم بأنّه لا يداجي «2» و لا يحابي و لا يراقب و لا يجامل «3» في الدّين، و انّ الخلافة تحتاج إلى من يجتهد برأيه و يعمل بموجب استصلاحه، و انحراف قوم آخرين عنه كان للحسد الّذى كان له عندهم في حياة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لشدّة اختصاصه له و تعظيمه ايّاه و ما قال فيه فأكثر من النّصوص الدّالة على رفعة شأنه و علوّ مكانه، و ما اختصّ به من مصاهرته و اخوّته و نحو ذلك من أحواله معه
______________________________
(1)- أى يتكبّرون.
(2)- أى لا يدارى
(3)- جامله عامله بالجميل أو أحسن العشرة
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 177
و تنكر قوم آخرين له لنسبتهم إليه العجب و التّيه كما زعموا و احتقاره العرب و استصغاره النّاس كما عدّدوه عليه و إن كانوا عندنا كاذبين، و لكنّه قول قيل، و أمر ذكر، و حال نسبت إليه. و أعانهم عليها ما كان يصدر عنه من أقوال توهم مثل هذا نحو قوله: فانّا صنائع ربّنا و الخلق بعد صنائع لنا ما صحّ به عنده أنّ الأمر لم يكن ليستتمّ له يوما واحدا و لا ينتظم و لا يستمرّ، و أنّه لو ولي الأمر لفتقت العرب عليه فتقا يكون فيه استيصال شافة الاسلام و هدم أركانه، فأذعن بالبيعة و سمح إلى الطّاعة و أمسك عن طلب الامرة و إن كان على مضض و رمض، و هذا المذهب هو أقصد المذاهب و أصحّها، و إليه يذهب أصحابنا المتأخّرون من البغداديّين و به نقول.
قال: و اعلم أنّ حال عليّ عليه السّلام في هذا المعني أشهر من أن تحتاج في الدّلالة عليها إلى الاسهاب و الاطناب، فقد رأيت انتقاض العرب عليه من أقطارها حين بويع بالخلافة بعد وفاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بخمس و عشرين سنة، و في دون هذه المدّة تنسي الأحقاد و تموت التّرات و تبرد الأكباد الحامية و تسلوا القلوب الواجدة و يعدم قرن من النّاس و يوجد قرن و لا يبقي من أرباب تلك الشحناء و البغضاء إلّا الأقلّ فكانت حاله بعد هذه المدّة الطويلة مع قريش كأنّها حالة لو أفضت الخلافة إليه يوم وفاة ابن عمّه من إظهار ما في النّفوس و هيجان ما في القلوب حتّى أنّ الأخلاف من قريش و الأحداث و الفتيان الّذين لم يشهدوا وقايعه و فتكاته في أسلافهم و آبائهم فعلوا به ما لو كانت الأسلاف أحياء لقصرت عن فعله و تقاعست عن بلوغ شأوه، فكيف كانت تكون حاله لو جلس على منبر الخلافة و سيفه بعد يقطر دما من مهج العرب لا سيّما من قريش الّذين بهم كان ينبغي لو دهمه خطب أن يعتضد، و عليهم كان وجب أن يعتمد إذا كانت تدرس أعلام الملّة و تتعفّي رسوم الشريعة و تعود الجاهليّة الجهلاء إلى حالها و يفسد ما أصلحه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في ثلاث و عشرين في شهر واحد، فكان من عناية اللّه تعالى بهذا الدّين أن ألهم الصّحابة ما فعلوه، و اللّه متمّ نوره و لو كره المشركون، انتهى كلامه جزاه اللّه ما يستحقّه أقول: و يتوجّه عليه:
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 178
أولا أنّ قوله: إنّ هذا الكلام قد نقل عن أمير المؤمنين عليه السّلام ما يناسبه و يجرى مجراه و لم يورّخ الوقت الّذى قاله فيه و لا الحالة الّتي عناها.
فيه إنّ تاريخ هذا الكلام بخصوصه هو أواخر خلافته بعد فتح مصر و شهادة محمّد بن أبي بكر، و نظره فيه إلى مجلس الشّورى و عدولهم عنه إلى عثمان حسبما ظهر لك ذلك في شرح الخطبة السّادسة و العشرين عند ما روينا عنه عليه السّلام تمام الخطبة الّتي هذا الكلام ملتقط منها.
و العجب أنّ الشّارح المعتزلي رواها أيضا في شرح الكلام السّابع و الستين من كتاب الغارات كما روينا منه لكنّه أسقط صدرها اختصارا أو اقتصارا فلعلّه نسي ما قدّمه فجهل التّاريخ.
و أعجب من ذلك أنّ الشّارح البحراني لقصور باعه و قلّه اطّلاعه على الأخبار و السيّر توهّم أنّه عليه السّلام عني به السّايرين إلى البصرة حيث قال: و يشبه أن يكون صدور هذا الكلام منه حين خروج طلحة و الزّبير إلى البصرة تظلّما عليهما فيكون المفهوم من قوله عليه السّلام: و أجمعوا على منازعتى حقّا إنكار إجماعهم منازعة ذلك الحقّ، هذا.
و أمّا ما يجرى مجرى هذا الكلام و يناسبه فتاريخه بعد يوم السّقيفة إلى آخر عمره كما يقف عليه المتتبّع الخبير بالأخبار و النّاقد البصير بما قدّمناه في تضاعيف الشرح في غير موضع.
و ثانيا أنّ ما حكاه من أكثر أصحابه المعتزلة من كراهتهم حمل أمثال هذا الكلام على التّألم من يوم السقيفة و عدم استنكافهم لحملها على التّظلم من يوم الشورى.
ففيه أنّ التفرقة بين اليومين شطط من الكلام كما اعترف به الشّارح نفسه أيضا و اعترض به على أصحابه، و ذلك لأنّ كلماته المتضمّنة للتّظلم و الشكاية من جميع الثلاثة فوق حدّ الاحصاء متجاوزة عن طور الاستقصاء، و ليس كلّها مجملا قابلا للحمل على يوم الشورى على زعمهم، بل أكثرها نصّ في التظلّم من الشيخين
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 179
و كثير منها عام لجميع الثلاثة، و قليل منها ناظر إلى الشّورى، و المجمل منها إن كان فهو أقلّ القليل بل لا وجود له أصلا.
و ثالثا أنّ ما حكاه من أصحابه و هو مذهبه و معتقده أيضا و فاقا لهم من قولهم:
بأنّه ساغت إمامة غيره عليه السّلام و صحّت لمانع كان فيه و هو ما غلب على ظنون العاقدين للأمر من أن العرب لا تطيعه.
ففيه أنّه بعد اعترافهم و اتّفاقهم على أنّه عليه السّلام الأولى و الأفضل المقتضى لأحقيّته بها بحكم العقل و النقل فيكف يجوز العدول إلى غيره بمجرّد الظنّ.
و قد نهى اللّه صريحا عن اتّباع هذا الظنّ بخصوصه في قوله «أ فمن يهدى إلى الحقّ أحقّ أن يتبع أمّن لا يهدّى إلّا أن يهدى فمالكم كيف تحكمون.
و ما يتّبع أكثرهم إلّا ظنا إنّ الظنّ لا يغنى من الحقّ شيئا إنّ اللّه عليهم بما يفعلون» و عموما فى ساير الايات الناهية عن العمل بالظنّ مثل قوله «و إن تطع أكثر من فى الأرض يضلّوك عن سبيل اللّه إن يتّبعون إلّا الظنّ و إن هم إلّا يخرصون» و قوله «قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتّبعون إلّا الظنّ و إنّ الظنّ لا يغنى من الحقّ شيئا فأعرض عمّن تولّى عن ذكرنا و لم يرد إلّا الحيوة الدّنيا. ذلك مبلغهم من العلم إنّ ربك أعلم بمن ضلّ عن سبيله و هو أعلم بمن اهتدى» إلى غير هذه ممّا لا نطيل بذكرها.
و رابعا أنّ قوله: و كلّ ذلك محمول عندنا على أنه طلب الأمر من جهة الفضل و القرابة و ليس بدالّ عندنا على وجود النصّ لأنه لو كان هناك نصّ لكان أقلّ كلفة و أسهل طريقا و أسهل لما يريد تناولا.
فيه أنّ إنكار النصّ كإنكار الأعمى للشمس فى رابعة النهار، و نعم ما قيل:
إذا لم يكن للمرء عين صحيحة فلا غرو أن يرتاب و الصبح مسفر
و قد قدّمنا فى مقدّمات الخطبة الشقشقية من النصوص المتواترة و الأدلّة العقلية و النقلية كتابا و سنة ما فيه كفاية لمن له إنصاف و دراية، و قد احتجّ عليه السّلام و احتجّ
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 180
أصحابه أيضا بها على المتخلّفين يوم السقيفة و الشورى حسبما مرّ تفصيلا فى مقدّمات الخطبة المذكورة و غيرها من المواقع المناسبة فى تضاعيف الشرح فانظر ما ذا ترى لكنّهم خذلهم اللّه تعالى لم ينفعهم الذّكرى لما غلب عليهم من حبّ الرياسة و اتّباع الهوى.
و خامسا أنّ خوفه عليه السّلام من القتل مما لا غبار عليه كما يشهد به ما رواه الشارح نفسه هنا عن كثير من المحدّثين أنه عقيب يوم السقيفه تألّم و تظلّم و استنجد و استصرخ حيث ساموه الحضور و البيعة و قال مشيرا إلى قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يا ابن امّ إنّ القوم استضعفونى و كادوا أن يقتلونني.
و يشهد به أيضا قوله عليه السلام هذا الكلام الذى نحن فى شرحه: فنظرت فاذا ليس لى رافد و لا ذابّ و لا مساعد إلّا أهل بيتى فضننت بهم عن المنيّة و نظير ذلك فى كلماته عليه السّلام لكثير كما هو غير خفّى على الناقد البصير.
و سادسا قوله إنّ أمير المؤمنين كان في مبتدأ الأمر يظنّ أن العقد لغيره كان من غير نظر في المصلحة إلى قوله و به نقول.
محصله على طوله إنّ أمير المؤمنين لم يكن في بدء الأمر عالما بما علم به أبو بكر و عمر من مصلحة الاسلام و ظنّ أنّ قيامهما بالخلافة لمحض حبّ الرياسة و الاستيثار عليه، و لذلك تظلّم و تألّم و أراد الأمر لنفسه، فلمّا استبان خلاف ظنّه و صحّ عنده أنّهم راعوا مصلحة الاسلام و أنّه لو قام به لم يكن ليتمّ له و لا ينقاد العرب للسّخائم الّتي في صدورهم أو غيرها من علل النّفوس بل يستأصل شافة الاسلام و ينهدم أركانه و يذهب عن أصله سكت و أمسك عن الطلب و بايع طوعا و طاب به نفسا.
و فيه أوّلا أنّ لازم ذلك أن يكون الأعرابيان الجاهلان الجلفان أعلم بمصالح الاسلام من باب مدينة العلم و الحكمة، و كيف يمكن أن يخفى عليه عليه السّلام ما لم يخف على الأعرابى البوّال على عقبيه، و قد اعترفت المعتزلة أيضا بكونه أكثر علما منهم كما هو قول الاماميّة.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 181
و ثانيا أنّه لو كان الأمر على ما زعموا من أنّه انكشف له خلاف ظنّه و صحّ حقّية غيره فأذعن بالبيعة و انقاد للطاعة لوجب له عليه السّلام أن يستعتب و يعتذر و يستحلّ منهم حيث أساء الظنّ في حقّهم و لوجب أن يترك التظلّم و الشّكاية و التّوجد مع أنّه ما زال متظلّما إلى آخر عمره الشّريف.
ألا ترى إلى الخطبة الشّقشقيّة المتضمّنة للتظلّم و الشّكوى من أوّلها إلى آخرها و قد خطبها بعد وقعة الخوارج في أواخر عمره كما يشهد به مضمونها.
و إلى ما قاله في سادس المختار من باب الخطب حين عزمه على المسير إلى البصرة لحرب الجمل من قوله: فو اللّه ما زلت مدفوعا عن حقّى مستأثرا علىّ منذ قبض اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حتّى يوم الناس هذا.
و ما قاله فى الخطبة السّادسة و العشرين الّتي خطبها بعد شهادة محمّد بن أبي بكر و فتح مصر: فنظرت فاذا ليس لى معين إلّا أهل بيتي فضننت بهم عن الموت إلى آخر ما مرّ.
و ما قاله في المختار المأة و الواحد و الستّين حين سأله بعض أصحابه كيف دفعكم القوم عن مقامكم و أنتم أحقّ به فقال: و أمّا الاستبداد علينا بهذا المقام و نحن الأعلون نسبا و الأشدّون بالرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نوطا فانّها كانت أثرة شحت عليها نفوس قوم و سخت عنها نفوس آخرين و الحكم اللّه و المعود إليه القيامة إلى غير هذا ممّا تقدّم في تضاعيف المتن و الشرح.
و الحاصل أنّ المعلوم من حاله عليه السّلام عند المؤالف و المخالف أنّه لم يكن طلبه للخلافة من حبّ الرّياسة و السلطنة بل لاحكام أساس الدّين و انتظام حال الاسلام و المسلمين فاذا حصل هذا الغرض بقيام غيره فضلا عن كونه أصلح به منه عليه السّلام كما زعمه المعتزلة فوجب عليه أن يرضى منهم أشدّ الرّضا و يشكر لهم و يقبل المنّة منهم حيث رفعوا عن عاتقه ثقل ما حملوه لا أن يتظلّم منهم و يتشكّى عنهم و يزري عليهم دائما ليله و نهاره إلى آخر عمره.
و سابعا أنّ قوله: و اعلم أنّ حال علىّ عليه السّلام في هذا المعنى أشهر من أن تحتاج
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 182
في الدّلالة عليها إلى الاسهاب و الاطناب إلى آخر قوله: و اللّه متمّ نوره و لو كره المشركون.
فيه أنّه من تسويلات نفوس المعتزلة و تمويهاتهم و تلبيساتهم و مزخرفاتهم الّتي أوحى بها إليهم أخوهم الشيطان كما قال عزّ و جلّ «وَ كَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَ الْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً» و سبقهم إلى تلك المزخرفات اللّعين بن اللّعين ابن آكلة الأكباد معاوية بن أبي سفيان في كتابه الّذى كتبه إلى أمير المؤمنين عليه السّلام فانّه كتب فيه:
و من قبل ذلك ما عيّبت خليفتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أيّام حياتهما فقعدت عنهما و ألبت عليهما و امتنعت من بيعتهما و رمت أمرا لم يرك اللّه تعالى له أهلا و رقيت سلّما و عرا و حاولت مقاما دحصا و ادّعيت ما لم تجد عليه ناصرا، و لعمرى لو ولّيتها حينئذ لما ازددت إلّا فسادا و اضطرابا، و لا أعقبت و لا يتكها إلّا انتشارا و ارتدادا، لأنّك الشامخ بأنفه الذّاهب بنفسه المستطيل على الناس بلسانه و يده.
فانّ قوله لعنه اللّه تعالى: لو ولّيتها حينئذ لما ازددت إلّا فسادا و اضطرابا و لا أعقبت و لا يتكها إلّا انتشارا و ارتدادا عين ما يقوله المعتزلة و يدين به و محصّل ما زخرفه الشّارح ببياناته الطويلة المموّهة.
و يبطل جميع ما قاله و قالوه ما أبطل به الشارح نفسه قول معاوية، فانّه عند شرح الثاني و السّتين من المختار في باب الكتب و الرّسائل الّذي يأتي عنوانه من السّيد بقوله: و من كتاب له عليه السّلام إلى معاوية جوابا أمّا بعد فانّا كنّا نحن و أنتم على ما ذكرت من الالفة و المحبة و الجماعة آه أورد هناك الكتاب الّذي كتبه معاوية إلى أمير المؤمنين عليه السّلام المتضمّن لما قدّمنا ذكره ثمّ أجاب عن جميع ما أدرجه ذلك الملعون في كتابه بجواب مفصل إلى أن بلغ إلى قوله المتقدّم ذكره فقال فيه ما لفظه:
فأمّا قوله: لو ولّيتها حينئذ لفسد الأمر و اضطرب الاسلام فهذا علم غيب لا يعلمه إلّا اللّه و لعلّه عليه السّلام لو ولّيها حينئذ لاستقام الأمر و صلح الاسلام و تمهّد
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 183
فانّه ما وقع الاضطراب عند ولايته بعد عثمان إلّا لأنّ أمره عليه السّلام هان عندهم بتأخّره عن الخلافة و تقدّم غيره عليه، فصغر شأنه في النّفوس و قرّر من تقدّمه في قلوب النّاس أنّه لا يصلح لها كلّ الصّلاحيّة، و الناس على ما يحصل في نفوسهم و لو كان وليّها ابتدءا و هو على تلك الجلالة الّتي كان عليها أيّام حياة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و تلك المنزلة الرّفيعة و الاختصاص الّذي كان له لكان الأمر غير الّذي رأيناه عند ولايته بعد عثمان، انتهى كلامه.
أقول: فوا عجبا عجبا و مالى لا أعجب من الشارح فانّه مع هذا الكلام الّذي يبطل مذهب المعتزلة من أصله و يزعزع أركانه و يهدم أساسه و بنيانه كيف لا يرفع يده عن ذيل مذهب الاعتزال أ فيرضى العاقل أن يتديّن بدين بناؤه على الظنّ و التخريص و الحسبان و يذعن بمحض الوهم و الاستحسان بصحّة ولاية الجبت و الطاغوت إن مثلهم إلّا كمثل العنكبوت اتّخذت بيتا و إنّ أوهن البيوت لبيت العنكبوت بل كمن أسّس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنّم، هذا.
و قد مضى تحقيقات لطيفة في ما يتعلّق بهذا المعنى في مقدّمات الخطبة الشّقشقيّة.
الترجمة:
و از جمله اين كلام است در بيان سير كنندگان بسوى شهر بصره از براى جنگ با آن حضرت كه طلحه و زبير و عايشه و متابعان ايشان بودند مى فرمايد:
پس آمدند ايشان بر حاكمان من كه در بصره بود و بر خزينه داران بيت المال مسلمانان كه در دست تصرف من بود و بر اهل شهرى كه همه ايشان در طاعت و بر بيعت من بودند، پس مختلف ساختند كلمه ايشان را، و فاسد نمودند جمعيت آنها را، و برجستند بر شيعيان من، پس كشتند طايفه از ايشان را از راه مكر و حيله، و طايفه ديگر از ايشان سخت گرفتند شمشيران خودشان را، پس محاربه كردند با آنها تا اين كه ملاقات نمودند پروردگار را و بدرجه شهادت رسيدند در حالتى كه صادق الاعتقاد بودند.