و لا تأمننّ عليها إلّا من تثق به، رافقا بمال المسلمين حتّى توصّله (بالتاء و الياء- معا) إلى وليّهم فتقسمه (بالياء نسخة) بينهم، و لا توكّل بها إلّا ناصحا شفيقا و أمينا حفيظا غير معنف و لا مجحف و لا ملغب و لا متعب. ثمّ احدر إلينا ما اجتمع عندك نصيّره حيث أمر اللّه به، فإذا أخذها أمينك فأوعز إليه ألّا يحول بين ناقة و بين فصيلها، و لا يمصر لبنها فيضرّ ذلك بولدها، و لا يجهدنّها ركوبا، و ليعدل بين صواحباتها في ذلك و بينها، و ليرفّه على اللّاغب، و ليستأن بالنّقب و الظّالع، و ليوردها ما تمرّ به من الغدر، و لا يعدل بها عن نبت الأرض إلى جوادّ الطّرق، و ليروّحها في السّاعات، و ليمهلها عند النّطاف و الأعشاب، حتّى يأتينا بإذن اللّه بدّنا منقيات، غير متعبات و لا مجهودات، لنقسمها على كتاب اللّه، و سنّة نبيّه صلّى اللّه عليه و اله فإنّ ذلك أعظم لأجرك و أقرب لرشدك إن شاء اللّه. (58515- 58150)
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 384
اللغة:
(ملغب) فاعل من الإلغاب بمعنى الإتعاب و الإعياء.
(أو عز إليه) و عز إليه في كذا أن يفعل أو يترك يعز و عزا- من باب ضرب- تقدّم و أشار، و أوعز إليه إيعازا بمعنى و عز إليه.
(الفصيل) ولد الناقة إذا فصّل عن امّه و الجمع فصلان و فصال.
(و لا يمصر لبنها) قال في الصحاح: المصر: حلب بأطراف الأصابع، قال ابن السّكّيت: المصر حلب كلّ ما في الضرع، و التّمصّر حلب بقايا اللّبن في الضرع.
و قال ابن الأثير في النهاية: و في حديث عليّ عليه السّلام «و لا يمصر لبنها فيضرّ ذلك بولدها» و المصر الحلب بثلاث أصابع يريد لا يكثر من أخذ لبنها.
(لا يجهدنّها) من الجهد بالفتح أي المشقّة يقال: جهد دابّته و أجهدها إذا حمل عليها في السير فوق طاقتها.
(اللاغب) فاعل من اللّغوب بمعنى التعب و الاعياء.
(و يستأن) من الأناة أصلها الوني يقال: أستأنيت بكم أي انتظرت و تربّصت.
(النقب) يقال: نقب البعير بالكسر إذا رقّت أخفافه، و قال ابن الأثير في النهاية: النّقب: رقّة الأخفاف و منه حديث عليّ عليه السّلام «و يستأن بالنقب و الضالع» أي يرفق بهما و يجوز أن يكون من الجرب.
أقول: يعني أن يكون النقب مشتقّا من النقبة بالضمّ و هي أوّل ما يبدو من الجرب
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 385
و قال في مادّة ظلع منها: الظلع بالسكون العرج و قد ظلع يظلع ظلعا فهو ظالع، و منه حديث الأضاحي: و لا العرجاء البيّن ظلعها، و في حديث عليّ عليه السّلام: و ليستأن بذات النقب و الظالع أي بذات الجرب و العرجاء، انتهى، و سيأتي البحث عن ذلك في المعنى.
(الغدر) بضمّتين جمع الغدير، و في الصحاح الغدير: القطعة من الماء يغادرها السيل و هو فعيل في معنى مفاعل من غادره، أو مفعل من أغدره، و يقال:
هو فعيل بمعنى فاعل لأنّه يغدر بأهله أن ينقطع عند شدّة الحاجة إليه، قال الكميت:
و من غدره نبز الأوّلون إذ لقّبوه الغدير الغدير
و الجمع غدران و غدر.
(جوادّ) بتشديد الدال جمع الجادّة بتشديدها أيضا بمعنى معظم الطّريق.
(النّطاف) جمع النطفة بمعنى الماء الصافي قلّ أو كثرّ، و أما النطفة بمعنى ماء الرّجل فجمعها نطف.
(الأعشاب) جمع العشب بالضمّ فالسكون و هو الكلاء الرطب.
(بدّنا) البدّن كطلّب جمع بادن كطالب، يقال: بدن بدنا و بدنا و بدونا من باب نصر إذا عظم بدنه بكثرة لحمه فهو بادن للمذكّر و المؤنث، و قد يقال في المؤنث بادنة، و البدن: السمن، و البدنة بالفتحات ناقة أو بقرة تنحر بمكّة سميّت بذلك لأنّهم كانوا يسمّنونها.
الاعراب:
(و لا يمصر) منصوب بأن لأنّه معطوف على قوله لا يحول أي أو عز إليه أن لا يمصر لبنها و في سائر النسخ مجزومة و هي و هم (ركوبا) بضمّ الراء و فتحها تميز (منقيات) و أخواتها صفات للبدن لأنّها تذكّر و تؤنّث.
المعنی:
قوله عليه السّلام: (و لا تأمننّ عليها إلّا من تثق به، إلخ) ثمّ أكّده بقوله: و لا توكل بها إلّا ناصحا شفيقا و أمينا حفيظا إلخ. نهى عليه السّلام عامله عن أن يولى على مال المسلمين من ليس محلّا للأمانة، و الأمانة أحد الشروط المعتبرة في العاملين و قد اشترطوا في العامل البلوغ و العقل و الاسلام و العدالة و الفقه و اعتبر بعضهم الحرّية أيضا و قد علمت آنفا أنه لا يجوز للهاشمي أن يكون عاملا، و يقتصر في الفقه فيمن يتولّاه على ما يحتاج إليه.
قال في المدارك: لا ريب في اعتبار استجماع العامل لهذه الصفات الأربع التكليف و الايمان و العدالة و الفقه لأنّ العمالة تتضمّن الاستيمان على مال الغير و لا أمانة لغير العدل، و لقول أمير المؤمنين عليه السّلام في الخبر المتقدم: فاذا قبضته فلا توكل به إلّا ناصحا شفيقا و أمينا حفيظا. و إنما يعتبر الفقه فيمن يتولّى ما يفتقر إليه و المراد منه معرفته بما يحتاج إليه من قدر الواجب و صفته و مصرفه و يختلف ذلك باختلاف حال العامل بالنسبة إلى ما يتولّاه من الأعمال. قال: و يظهر من المحقق في المعتبر الميل إلى عدم اعتبار الفقه في العامل و الاكتفاء فيه بسؤال العلماء و استحسنه في البيان و لا بأس به.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 19، ص: 18
قال: و شرط كونه غير هاشمي إنما يعتبر في العامل الذي يأخذ النصيب لا في مطلق العمالة فلو كان العامل من ذوى القربى و تبرّع بالعمل أو دفع إليه الإمام شيئا من بيت المال جاز، لأنّ المقتضى للمنع الأخذ من الزكاة و هو منتف هنا.
و كذا لو تولى عمالة قبيلة أو مع قصور الخمس، و يدلّ على اعتبار هذا الشرط ما رواه الشيخ في الصحيح عن العيص بن القاسم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ اناسا من بني هاشم أتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فسألوا أن يستعملهم على صدقات المواشى الخبر.
قال: و حكى الشيخ في المبسوط عن قوم جواز كون العامل هاشميا لأنه يأخذ على وجه الاجرة، فكان كسائر الإجارات و هو ضعيف جدا قاله في المختلف و الظاهر أنّ القوم الّذين نقل الشيخ عنهم من الجمهور إذ لا أعرف قولا لعلمائنا في ذلك.
قال: و اختلف الأصحاب في اعتبار شرط الحرّية فذهب الشيخ إلى اعتباره و استدلّ له في المعتبر بأنّ العامل يستحقّ نصيبا من الزكاة و العبد لا يملك و مولاه لم يعمل ثمّ أجاب عنه بأنّ عمل العبد كعمل المولى، و قوى العلّامة في المختلف عدم اعتبار هذا الشرط لحصول الغرض بعمله و لأنّ العمالة نوع اجارة و العبد صالح لذلك مع اذن سيّده، و يظهر من المحقق في المعتبر الميل إليه و لا بأس به، أمّا المكاتب فلا ريب في جواز عمالته لأنّه صالح للملك و التكسّب انتهى كلامه- ره-.
قال العلّامة- ره- في المنتهى في وجه اشتراط الاسلام بأنّ الكافر ليس أهلا للأمانة قال اللّه تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ» و رفع أبو موسى الأشعرى إلى عمر حسابا فاستحسنه فقال من كتب هذا؟ فقال: كاتبى، قال: فأين هو؟ قال: على باب المسجد، فقال: أجنب هو؟ قال: لا و لكنّه نصرانى فقال: لا تأتمنوهم و قد خوّنهم اللّه و لا تقرّبوهم و قد بعّدهم اللّه. و لأنّ ذلك ولاية على المسلمين و قد قال اللّه تعالى: «وَ لَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا».
قوله عليه السّلام (حتّى توصله إلى وليّهم فيقسمه بينهم) إن بنى الفعل الأوّل على
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 19، ص: 19
الخطاب فهو راجع إلى العامل، و على الغيبة إلى من في قوله: إلّا من تثق به و أما الثاني فالصواب فيه أن يقرأ على الغيبة لكى يرجع إلى الولىّ و أراد بالوليّ نفسه. قال اللّه تبارك و تعالى: «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ» «المائدة» و الاية من الأدلّة الواضحة على أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام هو ولىّ المسلمين بعد اللّه تبارك و رسوله صلّى اللّه عليه و آله فالاية دالّة على إمامته عليه السّلام بعد النّبي صلّى اللّه عليه و آله بلا فصل فراجع إلى كتب التفسير.
و أفاد الفاضل الشارح المعتزلي في المقام حيث قال: قد كرّر عليه السّلام قوله: لنقسمها على كتاب اللّه و سنة نبيّه صلّى اللّه عليه و آله في ثلاثة مواضع من هذا الفصل الأوّل قوله: حتّى يوصله إلى وليهم ليقسمه بينهم، الثاني قوله: نصيره حيث أمر اللّه به، الثالث قوله: ليقسمها على كتاب اللّه، و البلاغة لا تقتضى ذلك و لكنّي أظنه أحبّ أن يحتاط و أن يدفع الظنة عن نفسه فانّ الزمان كان في عهده قد فسد و ساءت ظنون الناس لا سيما مع ما رواه من عثمان و استيثاره بمال الفيء.
قوله عليه السّلام (ثمّ احدر إلينا إلخ) ثمّ أمر عليه السّلام المصدّق بأن يسوق إليه سريعا ما اجتمع عنده من حقّ اللّه يقال: حدر يحدر كينصر و يضرب إذا أسرع، إنما أمره كذلك لأنّ في تأخيره خوف التلف، أو لشدّة احتياج المستحقّين إليه.
و في المقام يبحث عن فروع فقهيّة:
أحدها أنّ الظاهر من كلامه عليه السّلام: احدر إلينا جواز نقل مال الزكاة إلى بلد آخر.
و ثانيها حمل الزكاة وجوبا إلى الولىّ عليه السّلام أو إلى من قام مقامه.
و ثالثها عدم جواز التصرف في الزكاة للساعى، و في الفروع اختلاف بين الفقهاء و نكتفي بنقل طائفة من أقوالهم دون أدلّتهم تفصيلا.
أمّا الفرع الأوّل:
ففى المختلف قال الشيخ في الخلاف: لا يجوز نقل مال الزكاة من بلد إلى بلد مع وجود مستحقه فان نقله كان ضامنا له إن هلك، و إن لم يجد له مستحقا جاز له نقله و لا ضمان عليه أصلا. و في المبسوط: و إذا وجب عليه زكاة فعليه أن يفرّقها في فقراء أهل بلده فان نقلها إلى بلد آخر مع وجود المستحق
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 19، ص: 20
في بلده و وصل إليهم أجزأه و إن هلك ضمن و إن لم يجد مستحقا في بلده جاز حملها إلى بلد آخر و لا ضمان على حال و لا فرق بين أن ينقلها إلى قريب أو بعيد فإنّه لا يجوز نقلها عن البلد مع وجود المستحق إلّا بشرط الضمان و مع عدم المستحق يجوز بالإطلاق.
و في النهاية: متى لم يجد من تجب عليه الزكاة مستحقّا عزلها من ماله و انتظر بها مستحقها فان لم يكن في بلده جاز أن يبعث بها إلى آخر فإن اصيب في الطريق أجزأه، و إن كان قد وجد في بلده مستحقا فلم يعطه و آثر من يكون في بلد آخر كان ضامنا لها إن هلكت وجب عليه إعادتها.
و قال المفيد: إذا جاء الوقت فعدم المستحق عزلها من ماله إلى أن يجد من يستحقها من أهل الفقر و الايمان و إن قدر على إخراجها إلى بلد يوجد فيه مستحق أخرجها و لم ينتظر بها وجود مستحقها ببلده إلّا أن يغلب على ظنه فوت وجوده و يكون أولى بها ممّن يحمل إليه من أهل الزكاة فان هلكت في الطريق المحمول فيها إلى مستحقها أجزأت عن صاحب المال و لا يجزيه ذلك إذا حملها و هلكت و قد كان واجدا لمستحقها في بلده و إنما أخرجها منه إلى غيره لاختيار أهل الاستحقاق و وضعها في بعض من يؤثره منهم دون من حضره.
و قال صاحب الوسيلة فيها: إذا وجد المستحق في بلده كره له نقلها إلى آخر فان نقل ضمن، و إن لم يوجد لم يضمن.
و قال أبو الصلاح: و أهل المصر أولى من قطّان غيره، فان لم يكن في المصر من يتكامل فيه صفات مستحقها اخرجت إلى من يستحقها، و إذا اريد حملها إلى مصر آخر مع فقد من يستحقها في المصر فلا ضمان على مخرجها في هلاكها و إن كان السبيل مخوفا لم يجز حملها إلّا بإذن الفقير، فان نقلت من غير إذنه فهى مضمونة حتّى تصل إليه، و إن كان في مصره من يستحقها فحملها إلى غيره فهى مضمونة حتّى تصل إلى من حملت إليه إلّا أن يكون حملها إليه باذنه فيسقط الضمان.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 19، ص: 21
و أما الثاني:
ففي المختلف أيضا قال المفيد رحمه اللّه تعالى: فرض على الامّة حمل الزكاة إلى النّبي صلّى اللّه عليه و آله و الامام خليفته و قائم مقامه فاذا غاب الخليفة كان الفرض حملها إلى من ينصبه خليفة من خاصّته فاذا عدم السفراء بينه و بين رعيّته وجب حملها إلى الفقهاء المأمونين من أهل ولايته. و قال أبو الصلاح: يجب على كلّ من تعيّن عليه فرض زكاة أو فطرة أو خمس أو أنفال أن يخرج ما وجب عليه من ذلك إلى سلطان الإسلام المنصوب من قبله تعالى إو إلى من ينصبه لقبض ذلك من شيعته ليضعه مواضعه، فان تعذّر الأمران فإلى الفقيه المأمون فإن تعذّر و أثر المكلف تولّى ذلك بنفسه فمستحق الزكاة و الفطرة الفقير المؤمنين، و هذا الكلام منهما يشعر بوجوب حمل الزكاة إلى الإمام أو نائبه أو الفقيه على ما رتّبناه.
و قال ابن البراج: و إذا كان الإمام ظاهرا وجب حمل الزكاة إليه ليفرّقها في مستحقها، فان كان غائبا فإنّه يجوز لمن وجبت عليه أن يفرّقها في خمسة أصناف و هو يدلّ على الوجوب أيضا.
و قال الشيخ رحمه اللّه تعالى: الأموال ضربان: ظاهرة و باطنة، فالباطنة الدنانير و الدراهم و أموال التجارات، فالمالك بالخيار بين أن يدفعها إلى الإمام أو من ينوب عنه و بين أن يفرّقها بنفسه على مستحقها بلا خلاف في ذلك. و أما زكاة الأموال الظاهرة مثل المواشى و الغلّات فالأفضل حملها إلى الإمام إذا لم يطلبها، و إن تولّى ففرّقها بنفسه فقد أجزأ عنه.
و قال السيّد المرتضى: الأفضل و الأولى إخراج الزكاة لا سيما في الأموال الظاهرة كالمواشى و الحرث و الغرس إلى الإمام و إلى خلفائه النائبين عنه [و إن تولّى ظ] من وجبت عليه بنفسه من دون الإمام جاز.
ثمّ قال العلّامة رحمه اللّه تعالى: و الحقّ الاستحباب إلّا مع الطلب فيجب كما اختاره الشيخ و هو قول ابن إدريس، إلى أن قال: لو طلبها الإمام فلم يدفعها إليه و فرّقها بنفسه قال الشيخ لا يجزيه و هو الذي يقتضيه قول كلّ من أوجب الدفع إليه مع غير الطلب، و قيل: يجزيه.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 19، ص: 22
لنا أنّها عبادة لم يأت بها على وجهها المطلوب شرعا فيبقى في عهدة التكليف أمّا أنها عبادة فظاهر، و أمّا أنّه فعلها على غير الوجه المطلوب فللاجماع على وجوب الدفع إلى الإمام مع الطلب فاذا فرّقها بنفسه لم يأت به على وجهه.
احتجّ الاخرون بأنّه دفع مالا إلى مستحقه فيخرج عن العهدة، و الجواب إنما يخرج عن العهدة لو دفعه إليه على الوجه المطلوب منه.
و أمّا الفروع الثالث:
ففي المنتهى: إذا قبض السّاعى الصدقة و حملها إلى الإمام أو فرّقها إن كان قد أذن له في التفريق فليس له أن ينتفع منها شيئا إلّا مع الحاجة و العذر كما إذا مرضت الشاة فيخاف عليها التلف قبل اتّصالها إلى المستحق أو كان التفريق مخوفا أو احتاج في نقله إلى مؤنة يستوعبه فأمّا لغير عذر فلا يجوز لقوله عليه السّلام لمعاذ بن جبل: أعملهم أنّ عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ في فقرائهم، و لما بعث أمير المؤمنين عليه السّلام المصدق قال له: ثمّ احدر ما اجتمع عندك من كلّ ناد إلينا نصيّره حيث أمر اللّه عزّ و جلّ، و لما عدل عن البيع الّذي هو الأرفق إلى الأشقّ دلّ على أنّ الواجب ذلك، أمّا مع العذر فلا بأس لأجل الضرورة، و قد روى الشيخ رحمه اللّه تعالى عن محمّد بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام بيع الصدقة، و هو محمول على ما قلناه، إذا ثبت هذا فإن باع لا للضرورة لم يصحّ البيع فان كانت العين باقية استرجعت و ان نقصت ضمن الأرش، و إن كانت تالفة ضمن المشترى المثل فان تعذّر أو لم يكن مثله ضمن القيمة.
قوله عليه السّلام: (فاذا أخذها أمينك إلخ) فيه زيادة تأكيد لقوله الماضى آنفا: و لا تأمننّ عليها إلّا من تثق بدينه، حيث ذكره بالوصف مشعرا بذلك من كونه أمينا ثمّ أمره أن يوعز إلى أمينه و يوصى إليه بحال الماشية و الإبل بأن يراعى فيها عدّة امور:
أحدها أن لا يحول بين ناقة و فصيلها طمعا في اللّبن.
و ثانيها أن لا يحلب كلّ ما في ضرعها فيضرّ ذلك بولدها فيبقى جائعا.
و ثالثها أن لا يتعبنّها ركوبا.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 19، ص: 23
و رابعها أن يعدل بين صواحباتها و بينها في الركوب أى لا يخصّ بالركوب واحدة بل تارة يركب عليها و اخرى على غيرها. هذا إذا جعلنا ذلك مشيرا إلى الركوب كما هو الظاهر المنساق من العبارة، و يمكن أن يكون مشيرا إلى كلّ واحد من الركوب و حلب الضرع أى كما يجب عليه العدل بينها في الركوب يجب عليه العدل في الحلب أيضا بأن لا يخصّ واحدة منها في ذلك بل تارة يحلب هذه و اخرى اخرى.
و خامسها أن يرفه على اللّاغب أي أن يريح المعيى و يدعه و يعفّه عن الركوب ليستريح.
و سادسها أن يستأنى بالنقب، و هو الّذي رقّت أخفافه فيشق عليه المشى لأنّ الأرض تجرحه حينئذ، و كذلك أن يستأنى و يرفق بالظالع و هو الذي يظلع أى يغمز في مشيه.
و سابعها أن يوردها ما تمرّ به من الغدر أى لا يمنعها من الماء.
و ثامنها أن لا يعدل بها عن نبت الأرض إلى جوادّ الطّريق أى لا يمنعها من الكلاء.
و كانت نسختا الكافي و التهذيب في هذا القسم هكذا: و لا يعدل- او و لا يبدل- بهنّ عن نبت الأرض إلى جوادّ الطّريق في الساعة الّتي تريح و تغبق.
و صاحب المدارك- ره- نقل الخبر بطوله من الكافي في زكاة المدارك (ص 281 من الطبع على الحجر) و قال بعد نقل الخبر: و نقلنا هذا الحديث بطوله لما فيه من الفوائد، ثمّ قال: قال ابن إدريس- ره- في سرائره بعد ان أورد هذا الخبر: قوله عليه السّلام: و لا تعدل بهنّ عن نبت الأرض إلى جوادّ الطرق في الساعة الّتي تريح فيها و تعنق قال محمّد بن إدريس: سمعت من يقول: تريح و تغبق بالغين المعجمة و الباء يعتقد أنه من الغبوق و هو الشرب بالعشى، و هذا تصحيف فاحش و خطاء قبيح و انما هو بالعين غير المعجمة و النون المفتوحة و هو ضرب من سير الابل شديد قال الرّاجز:
يا ناق سيرى عنقا فسيحا إلى سليمان فتستريحا
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 19، ص: 24
لأنّ معنى الكلام أنّه لا يعدل بهنّ عن نبت الأرض إلى جوادّ الطرق في الساعات الّتي لها فيها راحة و لا في الساعات الّتي عليها فيها مشقة و لأجل هذا قال تريح من الراحة و لو كان من الرواح لقال تروح و ما كان يقول تريح و لأنّ الرواح عند العشاء يكون قريبا منه و الغبوق و هو شرب العشى على ما ذكرناه و لم يبق له معنى و انما المعنى ما قلناه و انما أوردت هذه اللفظة في كتابى لأنّى سمعت جماعة من أصحابنا الفقهاء يصحفونها. انتهى كلامه- ره-. انتهى ما أتى به السيّد- ره- في المدارك.
و قال الفيض قدّس سرّه في الوافي (ص 22 ج 6) في بيان الحديث: و الغبوق بالغين المعجمة و الباء الموحّدة شرب آخر النهار، و ضبطه صاحب كتاب السرائر تعنق بالعين المهملة و النون من العنق و هو شدّة سير الابل و جعل جعله تغبق تصحيفا فاحشا و خطاء قبيحا معلّلا بانّ يريح من الراحة ليس من الرواح.
ثمّ قال الفيض- ره- قال استاذنا رحمه اللّه: كون ذلك تصحيفا غير معلوم بل يحتمل الأمرين. انتهى كلام الفيض. و مراده من استاذه هو استاذه في العلوم النقلية السيّد ماجد بن هاشم الصادقى البحراني طاب ثراه كما نصّ عليه في ص 14 ج 6 من زكاة الوافي.
و تاسعها أن يروّحها في ساعات الرّواح.
و عاشرها أن يمهلها عند وصولها إلى النطاف و الأعشاب، و النطاف المياه القليلة الصّافية جمع النطفة، و الأعشاب جمع العشب و هو الكلاء الرطب.
ثمّ إنّ كلامه عليه السّلام: (و لا يمصر لبنها فيضرّ ذلك بولدها و لا يجهدنّها ركوبا) يفيد أنّ للسّاعى أن ينتفع من الصدقة على مقدار الحاجة كما تقدّم الكلام آنفا في الفرع الثالث.
و ينبغي التأمل جدّا في ما أمره عليه السّلام و نهاه في حقّ البهائم سيّما فيما أوصى من رعاية العدل في الركوب و الحلب فيها ليعلم أنّ اللّه يحبّ العدل في حقّها أيضا، و أنّه سبحانه بيّن كلّ ما يتعلق بأفعال المكلّفين و لم يترك شيئا إلّا و له فيه حكم.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 19، ص: 25
و هذا هو خليفته أوصى في أخسّ خليفته ما أوصى، فما ظنّك بأشرفها و أكرمها.
فلنذكر في المقام عدّة روايات منقولة من أئمة الدّين عليهم السّلام في حقّ الدابة على صاحبها و آداب ركوبها و حملها، ففي الكافي و الفقيه (الوافي ص 66 ج 8) عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال لقمان لابنه: يا بنىّ إذا سافرت مع قوم فأكثر استشارتهم في أمرك و امورهم- إلى أن قال: و لا تنامنّ على دابّتك فانّ ذلك سريع في دبرها و ليس ذلك من فعل الحكماء إلّا أن تكون في محمل يمكنك التمدّد لاسترخاء المفاصل، و إذا قربت من المنزل فانزل عن دابّتك و ابدأ بعلفها قبل نفسك فانّها نفسك إلخ. قال الفيض قدّس سرّه: الدّبر محركة قرحة الدابّة، و انما جعل الدابّة نفسه لأنّ هلاكها يستلزم هلاكها.
و في الخصال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: للدابّة على صاحبها خصال ستّ:
يبدأ بعلفها إذا نزل، و يعرض عليها الماء إذا مرّ به، و لا يضرب وجهها فانّها تسبّح بحمد ربّها، و لا يقف على ظهرها إلّا في سبيل اللّه عزّ و جلّ، و لا يحملها فوق طاقتها، و لا يكلّفها من المشى إلّا ما تطيق.
و في البحار- باب حق الدابة على صاحبها و آدابها و حملها ص 701 ج 14 من طبع الكمبانى- من المحاسن عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: لا تضربوا وجوه الدّواب و كلّ شيء فيه الروح فانه يسبّح بحمد اللّه.
و فيه من مجالس الصدوق عن الصادق عليه السّلام قال: للدابّة على صاحبها سبعة حقوق: لا يحملها فوق طاقتها، و لا يتّخذ ظهرها مجلسا يتحدّث عليها، و يبدأ بعلفها إذا نزل، و لا يسمها في وجهها فانها تسبّح، و يعرض عليها الماء إذا مرّ به، و لا يضربها على النفار، و يضربها على العثار لأنها ترى ما لا ترون.
و فيه من المحاسن و الفقيه عن ابن فضّال عن حمّاد اللحام قال: مرّ قطار لأبي عبد اللّه عليه السّلام فرأى زاملة قد مالت فقال: يا غلام اعدل على هذا الجمل فانّ اللّه يحبّ العدل.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 19، ص: 26
و فيه من نوادر الراوندي عن عليّ عليه السّلام قال: للدّابّة على صاحبها ستّ خصال: يبدأ بعلفها إذا نزل، و يعرض عليها الماء إذا مرّ به، و لا يضربها إلّا على حقّ و لا يحملها إلّا ما تطيق، و لا يكلّفها من السير إلّا طاقتها، و لا يقف عليها فواقا.
و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: لا تتّخذوا ظهور الدواب كراسى فربّ دابة مركوبة خير من راكبها و أطوع للّه تعالى و أكثر ذكرا.
و فيه من الفقيه قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إنّ اللّه تبارك و تعالى يحبّ الرفق و يعين عليه فاذا ركبتم الدواب العجاف فانزلوها منازلها فان كانت الأرض مجدبة فانجوا عليها، و ان كانت مخصبة فانزلوها منازلها. فقال صلّى اللّه عليه و آله: من سافر منكم بدابّة فليبدأ حين ينزل بعلفها و سقيها.
و في الكافي باسناده عن عمرو بن جميع عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: لا تتورّكوا على الدّواب و لا تتّخذوا ظهورها مجالس.
و في البحار عن أبي الدرداء أنّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله قال: من قال إذا ركب دابّة:
«بسم اللّه الّذي لا يضرّ مع اسمه شيء في الأرض و لا في السماء سبحانه ليس سمىّ له سبحان الّذي سخّر لنا هذا و ما كنّا له مقرنين و إنا إلى ربنا لمنقلبون و الحمد للّه ربّ العالمين و صلّى اللّه على محمّد و آله عليهم السّلام» إلّا قالت الدابّة: بارك اللّه عليك من مؤمن خففت على ظهري و أطعت ربّك و أحسنت إلى نفسك بارك اللّه لك و أنجح حاجتك.
و قد مضى كلام الأمير عليه السّلام حين يركب في شرح المختار الخامس عشر من باب الكتب «ص 169 ج 18» فراجع. و في المقام روايات عديدة أتى بها المجلسي- ره- في البحار فراجع «ص 701 ج 14- إلى ص 708 من طبع الكمبانى».
قوله عليه السّلام: (حتّى يأتينا باذن اللّه إلخ) ثمّ ذكر عليه السّلام غاية ما أمر العامل أن يوصى إلى أمينه بما مرّ في أمر الدوابّ، أى له أن يراعى فيها بتلك الامور حتّى يأتينا إلخ. فقوله: حتّى يأتينا متعلق بقوله: فأوعز إليه، و المنقيات اسم فاعل من انقت الابل اذا سمنت يقال: انقت الابل أى سمنت و صارت ذات نقي بكسر النون
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 19، ص: 27
فسكون القاف أى ذات مخّ. ثمّ اتبعه عليه السّلام تشديدا في حفظ مال المستحقّين و تأكيدا لما أوصى مرارا من قسمته على ما أوجب اللّه تعالى بقوله: (لنقسمها على كتاب اللّه و سنّة نبيّه صلّى اللّه عليه و آله) ثمّ وعده بما يترتب على عمله هذا من الأجر العظيم و القرب من الرشد و الهداية و الصواب، و قال عليه السّلام: (إنّ ذلك أعظم أجرا) لأنّ فيه كثرة مشقّة لا تخفى و لأنّ ذلك أحفظ لمال المستحقّين فثواب حافظه و أجره أقرب رشدا لأنّ فيه اتّباع وليّ الأمر على نهج رضاه فيه أكثر، و لأنّ اختيار عمل فيه كثرة مشقة يدلّ غالبا على خلوص العامل و صدق نيّته في إطاعة الامر.
و كفى في عظم الأجر ما وعد عليه السّلام على ما في روايتى الكافي و التهذيب المقدّمتين في ذكر المصدر حيث قال عليه السّلام: فانّ ذلك أعظم لأجرك و أقرب لرشدك ينظر اللّه إليها و إليك و إلى جهدك و نصيحتك لمن بعثك و بعثت في حاجة فانّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: ما ينظر اللّه إلى ولىّ له يجهد نفسه بالطاعة و النصيحة له و لإمامه إلّا كان معنا في الرفيق الأعلى. قال الفيض قدّس سرّه في الوافي «ص 22 ج 6» في بيان الرفيق الأعلى: أى في الرفقة العالية و هم الأنبياء و المرسلون و الملائكة المقربون.
فرع فقهى:
روى المسلم في آخر كتاب الزكاة من صحيحه باسناده عن عبد اللّه بن أبي أوفى قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: «اللهمّ صلّ عليهم» فأتاه أبي أبو أوفى بصدقته فقال: «اللهمّ صلّ على آل أبي أوفى». انتهى.
أقول: قوله صلّى اللّه عليه و آله: اللهمّ صلّ عليهم يشير إلى قوله تعالى: «خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِها وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»- توبة: 104». ثمّ إنّ الأمير عليه السّلام لم يأمر العامل بالدّعاء بعد أخذ الصدقة لصاحبها و لو كان واجبا لذكره اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ الرضىّ أسقطه على دأبه في النهج بل صرّح في المقام بانه ذكر هنا جملا منها كما دريت، و نسخة الكافي كالتهذيب كانت قريبة منه، و مع فرض ذكره في الوصيّة القول بوجوبه مشكل بل الحق في المقام أنّ الدّعاء مستحب و ليس الدّعاء موقتا.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 19، ص: 28
قال العلّامة- ره- في المنتهى «ص 515»، مسئلة و إذا أخذ الساعي أو الامام الصّدقة دعا لصاحبها قال اللّه تعالى: «خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِها وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ» و تردّد الشّيخ في الوجوب فقال في الخلاف به «1» و هو مذهب داود بن عليّ بن خلف الاصبهاني لظاهر الاية و قال في المبسوط بالاستحباب و هو مذهب أكثر الجمهور و هو أولى لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لمّا بعث معاذا إلى اليمن قال له: أعلمهم أنّ عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ في فقرائهم، و لم يأمره بالدّعاء و لو كان واجبا لذكره، و لأنّه براءة للذمّة، و لأنّ الفقراء لو أخذوا الصّدقة بأنفسهم لم يجب عليهم الدّعاء فتاتيهم أولى (كذا في المنتهى و في العبارة تصحيف) «الظاهر: فنائبهم م» و لأنّ هذا أداء عبادة فلا يجب الدّعاء لها كالصّلاة، و الاية محمولة على الاستحباب و لا شيء موقت في هذا الدّعاء و أيّ دعاء ذكره كان حسنا.
و في المستند للنراقي- قدّه-: يستحب للعامل و الفقيه و الفقير الدّعاء للمالك بعد أخذ الزكاة، أمّا من حيث استحباب الدّعاء مطلقا فظاهر، و أمّا من جهة خصوص المورد فلفتوى جمع من الأصحاب، و لا يجب قطعا للأصل و عدم الدليل سوى الاية المخصوص بالنبيّ صلّى اللّه عليه و آله خطابا و تعليلا بقوله سبحانه: «خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً» مضافا إلى عدم معلوميّة شمول مرجع الضمير لجميع المؤمنين و عدم صراحة الاية في كون الصّلاة المأمور بها لأجل أداء الزكاة و بعد مضيها بل عدم ظهورها فيه أيضا.
كلام في الرجعة:
و اعلم أنّ ظاهر قوله عليه السّلام في ذيل هذه الوصيّة على نسختى الكافي و التهذيب حيث قال عليه السّلام:- أما و اللّه لا تذهب الأيّام و اللّيالى حتى يحيى اللّه الموتى و يميت الأحياء و يردّ اللّه الحقّ إلى أهله و يقيم دينه الذى ارتضاه لنفسه و نبيّه فابشروا ثمّ ابشروا فو اللّه ما الحقّ إلّا في أيديكم- يدلّ على الرجعة.
______________________________
(1) ثم مال عنه و قال فى كتاب قسمة الصدقات من الخلاف أيضا بالاستحباب كما فى المبسوط. منه.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 19، ص: 29
و قال الفيض- ره- في الوافي «ص 22 ج 6»: قوله يحيى اللّه الموتى و يميت الأحياء، إمّا محمول على الحقيقة بناء على الرجعة، و إمّا تجوّز، شبّه الشيعة لقلّتهم و خفائهم و عدم تمكّنهم من اظهار دينهم بالموتى انتهى كلامه- ره- أقول: حمل العبارة على التجوّز بعيد من صوب الصواب جدّا و تكلّفه واضح و لو جاز حمل العبارة على هذا النحو من التجوّز لا يبقى لظاهر الألفاظ معنى، و لا للرجعة محلّ لامكان حمل كلّ خبر قائل بالرجعة على نحو هذا المعنى المتكلّف فيه.
ثمّ إنّ لعلمائنا الاماميّة رسائل عديدة منفردة في إثبات الرجعة و ربّما أتوا بالبحث عنها في أثناء كتبهم الكلاميّة تمسّكوا في إثباتها بعدّة آيات و بروايات كثيرة.
و قال المحدّث الخبير الشّيخ الحرّ العاملي طيّب اللّه رمسه في أوّل كتابه في الرجعة المسمّى بالإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة، و هو أطول كتاب عمل في الرجعة ممّا حضرنا من المؤلّفات فيها ما هذا لفظه: و قد نقل جماعة من علمائنا إجماع الإماميّة على اعتقاد صحتها و اطباق الشيعة الاثنى عشريّة على نقل أحاديثها و روايتها و تأوّلوا معارضها على شذوذ و ندور بالحمل على التقيّة إذ لا قائل بها من غير الشيعة الإماميّة، و ذلك دليل واضح على صحتها، و برهان ظاهر على ثبوتها و نقل روايتها.
و قال في آخر كتابه هذا: فهذا ما خطر بالبال و اقتضاه الحال من الكلام في إثبات الرجعة و دفع شبهاتها على ضعفها و عدم صراحتها في ابطال الرجعة و قوّة أحاديث الرجعة و أدلّتها كما رأيت فانّها وصلت إلي حدّ التواتر بل تجاوزت بمراتب فأوجبت القطع و اليقين بل كلّ حديث منها موجب لذلك لكثرة القرائن القطعيّة من موافقة القرآن و الأدلة و السنة النبوية و تعاضدها و كثرتها و صراحتها و اشتمالها على ضروب من التأكيدات و موافقتها لاجماع الاماميّة و إطباق جميع الرواة و المحدّثين على نقلها و وجودها في جميع الكتب المعتمدة و المصنّفات المشهورة المذكورة سابقا و غيرها، و عدم وجود معارض صريح لها أصلا و عدم
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 19، ص: 30
احتمالها للتقية، و استحالة اتفاق رواتها على الكذب، و لعدم قول أحد من العامّة المخالفين للاماميّة بها، و لعدالة أكثر رواتها و جلالتهم، و لصحة طرق كثيرة من أحاديثها، و لكون أكثر رواتها من أصحاب الإجماع الذين اجتمعت الامامية على تصحيح ما يصحّ عنهم و تصديقهم و أقرّوا لهم بالعلم و الفقه، و للعلم القطعي بأنّ كثيرا من هذه الأحاديث كانت مروية في الاصول المجمع على صحتها الّتي عرضت على الأئمة عليهم السّلام فصحّحوها و أمروا بالعمل بها، و لكثرة تصانيف علماء الإماميّة في إثبات الرجعة، و لم يبلغنا أنّ أحدا منهم صرّح بردّها و إنكارها فضلا عن تأليف شيء في ذلك.
و إنّي مع قلّة تتبّعي لو أردت الان لأضفت إلى أحاديث هذه الرسالة ما يزيد عليها في العدد فتتضاعف الأحاديث لأنّي لم أنقل من رسائل المتأخّرين شيئا مع أنّه حضرني منها ثلاث رسائل و فيما ذكرنا بل في بعضه كفاية إن شاء اللّه تعالى فقد ذكرنا في هذه الرسالة من الأحاديث و الايات و الأدلّة ما يزيد على ستّة مائة و عشرين، و لا أظنّ شيئا من مسائل الاصول و الفروع يوجد فيه من النصوص أكثر من هذه المسألة. انتهى كلامه- ره-.
و قال الاحسائى في شرح الزيارة الجامعة «ص 268 من الطبع على الحجر 1276 ه» في شرح قول الامام عليه السّلام «مصدّق برجعتكم» بعد نقل طائفة من الكلام في الرجعة: مع ما ورد في الرجعة من النصوص الكثيرة منها ما تقدّم ذكره عن السيّد نعمة اللّه الجزائرىّ أنّه قال: وقفت على ستّمائة و عشرين حديثا في هذا الباب. و الشّيخ عبد اللّه بن نور اللّه البحرانى الّذي تقدّم ذكره و بعض كلامه و قلنا يأتي تمامه قال: و كيف يشكّ مؤمن بحقيقة الأئمة الأطهار عليهم السّلام فيما تواتر عنهم في قريب من مأتي حديث صريح رواها نيّف و أربعون من الثّقات العظام و العلماء الأعلام في أزيد من خمسين من مؤلّفاتهم كثقة الإسلام الكليني، و الصدوق محمّد بن بابويه، و الشّيخ أبي جعفر الطوسي، و المرتضى و النّجاشي و الكياشي و العيّاشي و عليّ بن إبراهيم و سليم الهلالى و الشّيخ المفيد و الكراجكى و النعمانى و الصفّار
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 19، ص: 31
و سعد بن عبد اللّه و ابن قولويه و عليّ بن عبد الحميد و السيّد عليّ بن الطاوس و ولده صاحب كتاب زوائد الفرائد، و محمّد بن عليّ بن إبراهيم و فرات بن إبراهيم مؤلف كتاب التنزيل و التحريف و أبي الفضل الطبرسي و أبي طالب الطبرسي و إبراهيم بن محمّد الثقفي و محمّد بن العبّاس بن مروان و البرقي و ابن شهرآشوب و الحسن بن سليمان و القطب الراوندي و العلّامة الحلّى و السيّد بهاء الدّين و عليّ بن عبد الكريم و أحمد بن داود بن سعيد و الحسن بن عليّ بن أبي حمزة و الفضل بن شاذان و الشّيخ الشّهيد محمّد بن مكّى و الحسين بن حمدان و الحسن بن محمّد بن الجمهور العمي مؤلّف كتاب الواحدة و الحسن بن محبوب و جعفر بن محمّد بن مالك الكوفي و طهر بن عبد اللّه و شاذان بن جبرئيل صاحب كتاب الفضائل و مؤلف كتاب العتيق و مؤلف كتاب الخطب و غيرهم من مؤلفي الكتب عندنا و لم نعرف مؤلّفه على التّعيين و لذا لم ننسب الأخبار إليهم و إن كان موجودا فيها- إلى أن قال البحرانى المذكور:
و لنذكر لمزيد التشييد و التأكيد أسماء بعض من تعرّض لتأسيس هذا المدّعى و صنّف فيه أو احتجّ على المنكرين أو خاصم المخالفين سوى ما ظهر ممّا قد منافي ضمن الأخبار و اللّه الموفق فمنهم أحمد بن داود بن سعيد الجرجانى قال الشيخ في الفهرست: له كتاب المتعة و الرّجعة، و منهم الحسن بن عليّ بن أبي حمزة البطائى و عدّ النّجاشي من جملة كتبه كتاب الرجعة. و منهم الفضل بن الشاذان النيسابوري ذكر الشّيخ في الفهرست و النّجاشي أنّ له كتابا في إثبات الرجعة. و منهم الصّدوق محمّد بن عليّ بن بابويه فانّه عدّ النّجاشي من كتبه كتاب الرجعة. و منهم محمّد بن مسعود العيّاشي ذكر النّجاشي و الشيخ في الفهرست كتابه في الرجعة. و منهم الحسن بن سليمان على ما روينا عنه الأخبار. و أما سائر الأصحاب فانهم ذكروها فيما صنفوا في الغيبة و لم يفردوا لها رسالة و أكثر أصحاب الكتب من أصحابنا أفردوا كتابا في الغيبة و قد عرفت سابقا من روى ذلك من عظماء الأصحاب و أكابر المحدثين الذين ليس في جلالتهم شكّ و لا ارتياب. و قال العلّامة- ره- في خلاصة الرّجال في ترجمة ميسر بن عبد العزيز: و قال العقيقي
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 19، ص: 32
أثنى عليه آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله و هو ممّن يجاهد في الرجعة انتهى.
و قال علم المهدى سيّد المرتضى: إنّ الّذي تذهب الشيعة الامامية إليه أنّ اللّه تعالى يعيد عند ظهور إمام الزمان المهدي عليه السّلام قوما ممّن كان قد تقدّم موته من شيعته ليفوزوا بثواب نصرته و معونته و مشاهدة دولته، و يعيد أيضا قوما من أعدائه لينتقم منهم فيلتذّوا بما يشاهدون من ظهور الحقّ و علوّ كلمة أهله.
و الدلالة على صحّة هذا المذهب أنّ الّذي ذهبوا إليه ممّا لا شبهة على عاقل في أنه مقدور للّه تعالى غير مستحيل في نفسه فانا نرى كثيرا من مخالفينا ينكرون الرجعة إنكار من يراها مستحيلة غير مقدورة، و إذا ثبت جواز الرجعة و دخولها تحت المقدور فالطريق إلى إثباتها إجماع الإماميّة على وقوعها فانهم لا يختلفون في ذلك و إجماعهم قد بيّنا في مواضع من كتبنا أنّه حجة لدخول قول الإمام عليه السّلام فيه إلى آخر ما قال، و قد نقل كلامه تماما المجلسي- ره- في الثالث عشر من البحار الكمباني «ص 235».
و قال المجلسي- ره- «ص 231 ج 13 من البحار الكمبانى»: اعلم يا أخي أنّي لا أظنك ترتاب بعد ما مهّدت و أوضحت لك في القول بالرجعة التي أجمعت الشيعة عليها في جميع الأعصار و اشتهرت بينهم كالشمس في رابعة النهار حتّى نظموها في أشعارهم و احتجّوا بها على المخالفين في جميع أمصارهم و شنع المخالفون عليهم في ذلك و أثبتوه في كتبهم و أسفارهم، منهم الرازي و النيسابوري و غيرهما، و قد مرّ كلام ابن أبي الحديد حيث أوضح مذهب الإماميّة في ذلك و لو لا مخافة التطويل من غير طائل لأوردت كثيرا من كلماتهم في ذلك. و كيف يشكّ مؤمن بحقيقة الأئمّة الأطهار عليهم السّلام فيما تواتر عنهم في قريب من مأتي حديث صريح- إلى آخر ما تقدّم من الشيخ البحراني المذكور آنفا ..
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 19، ص: 33
الترجمة:
و أمين مگردان بر آن مالها مگر كسى را كه بدين او وثوق دارى كه بمال مسلمانان رفق و مدارا كند و مهربان باشد تا مال را به ولىّ مسلمانان برساند كه در ميانشان قسمت كند، و وكيل مگردان بر آن مواشى و ابل مگر كسى را كه نيكوخواه و مهربان و امين و نگهبان باشد، درشتى به آنها نكند و زيان نرساند، نرنجاند و خسته نكند، پس آنچه كه از أموال زكاة در نزد تو گرد آمده زود آنها را بسوى ما بفرست تا در هر جا كه خدا بدان امر فرموده است بگردانيم و صرف كنيم.
پس چون آنها را امين تو براى آوردن گرفت بأو سفارش كن كه بطمع شير ميان شتر و بچه شيرخوارش جدائى نيندازد، و همه شير آنرا ندوشد كه به بچه اش ضرر برسد، و آنرا بسوار شدن خسته نگرداند، و بين او و ديگر شتران در سوار شدن و دوشيدن بعدل رفتار كند (يعنى گاهى بر او سوار شود و گاهى بر ديگران و گاهى از او بدوشد و گاهى از ديگران نه شير يكى را تمام بدوشد و در همه راه بر يكى سوار شود) و بايد آسان گرداند و رفاهت دهد خسته را و او را آسايش دهد، و بر حيوانى كه پايش سوده شد و از رفتار وامانده و بتنگ آمده آهستگى كند و درنگ و تأنّى نمايد، و بايد آنها را به غديرها و حوضهاى آب كه مى گذرند فرود آورد و وارد سازد و آنها را از زمين گياهدار به راههايى كه از گياه خالى است نگرداند، و بايد آنها را در هر چند ساعتى در چراگاهها راحت دهد تا بفراغت اكل و شرب نمايند، و بايد آنها را در نزد آبها و گياهها مهلت دهد تا باذن خدا فربه و پر مغز نه رنج ديده و خسته در نزد ما آورد كه آنها را على كتاب اللّه و سنّت پيمبر خدا قسمت كنيم كه باين طور گفتيم عمل شود إنشاء اللّه براى پاداش تو بزرگتر و برشد و رستگاريت نزديكتر است.