منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 20، ص: 89
المختار الرابع و الاربعون و من كتاب له عليه السلام الى عثمان بن حنيف الانصارى، و هو عامله على البصرة، و قد بلغه أنه دعى الى وليمة قوم من أهلها فمضى اليها.
[الفصل الأول من الكتاب]:
أمّا بعد، يا ابن حنيف فقد بلغني أنّ رجلا من فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبة فأسرعت إليها، تستطاب لك الألوان، و تنقل إليك الجفان، و ما ظننت أنّك تجيب إلى طعام قوم عائلهم مجفوّ، و غنيّهم مدعوّ، فانظر إلى ما تقضمه من هذا المقضم، فما اشتبه عليك علمه فالفظه، و ما أيقنت بطيب وجوهه [وجهه ] فنل منه.
اللغه:
(الفتية): ج فتى كفتيان و فتوّ الشابّ و الجواد، (المأدبة) بضمّ الدال: طعام يدعى إليه الجماعة و أدب القوم يأدبهم بالكسر أى دعاهم إلى طعامه، (الألوان): أنواع من الطعام اللذيذ، (الجفان): جمع جفن، و هو القصعة الكبيرة، (العائل): الفقير، (مجفوّ): مفعول من جفاه أي معرض عنه يقال: جفوت الرجل أجفوه إذا أعرضت عنه، (المقضم): معلف الدابّة، يأكل منه الشعير بأطراف أسنانه، و الفضم: الأكل بأطراف الأسنان إذا أكل يابسا يقال: قضمت الدابّة شعيرها من باب تعب و من باب ضرب لغة: كسّرته بأطراف أسنانها- مجمع البحرين-، و (لفظت) الشيء من فمي ألفظه لفظا من باب ضرب: رميت به.
الاعراب:
تستطاب لك الألوان: جملة حاليّة عن المخاطب و ما بعدها عطف إليها، تجيب إلى طعام قوم، مفعول ثان لقوله ظننت، و جملة: عائلهم مجفوّ، مبتدأ و خبر حال عن القوم و ما بعدها عطف إليها.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 20، ص: 90
المعنى:
عثمان بن حنيف، بضمّ الحاء، ابن واهب بن الحكم بن ثعلبة بن الحارث الأنصاري الأوسي أخو سهل بن حنيف أحد الأمجاد من الأنصار، أخذ من النبيّ صلّى اللّه عليه و آله العلم و التربية و بلغ الدرجة العالية فنال مناصب كبرى، قال في الشرح المعتزلي: «عمل لعمر ثمّ لعليّ و ولّاه عمر مساحة الأرض و جبايتها بالعراق، و ضرب الخراج و الجزية على أهلها، و ولّاه عليّ عليه السّلام على البصرة، فأخرجه طلحة و الزبير منها حين قدماها».
و يظهر من ذلك أنّه كان رجلا بارعا في علم الاقتصاد و السياسة معا فاستفاد منه عمر من الناحية الاقتصاديّة و فوّض إليه أمر الخراج و الجزية و هو من أهمّ الامور في هذا العصر و خصوصا في أرض العراق العامرة، و كان من خواصّ عليّ عليه السلام و من السابقين الّذين رجعوا إليه و أخلصوا له، قال في الرجال الكبير بعد ترجمته: «هو من السابقين الّذين رجعوا إلى أمير المؤمنين عليه السّلام، قاله الفضل ابن شاذان» و كلمة السابقين في وصفه مأخوذ من قوله تعالى في سورة البراءة الاية 100 «و السابقون الأوّلون من المهاجرين و الأنصار و الّذين اتّبعوهم بإحسان رضى اللّه عنهم و رضوا عنه و أعدّ لهم جنّات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم» و كفى له بذلك مدحا و إخلاصا له عليه السّلام فإنّ الاية تخصّص السابقين الأوّلين من الأنصار و المهاجرين بهذه الفضيلة الّتي لا فضيلة فوقها، و السبق و التقدّم إنّما هو بقبول ولاية أمير المؤمنين فإنّها ميزان الايمان
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 20، ص: 91
و الإخلاص للّه و رسوله و دليل البراءة من النفاق و المطامع الدنيويّة.
و مؤاخذته عليه السّلام بمجرّد إجابة دعوة من بعض فتيان البصرة و تشديده في توبيخه بهذه الجمل البالغة في الطعن و المذمّة دليل آخر على علوّ رتبته و سموّ درجة ايمانه و أنّه لا ينبغي من مثله إجابة مثل تلك الدعوة و الاشتراك في حفلة ضيافة تعقد لكسب الشهرة، أو جلب المنفعة، أو الانهماك في اللّذة و الغفلة، أو الاستمتاع بالأغذية اللذيذة، فظاهر الكتاب الموجّه على عثمان بن حنيف بالعتاب توبيخ عنيف على ارتكابه خلافا عظيما يستحقّ به هذا التوبيخ الشديد الّذي آلم من الضرب بالسوط، أو الحبس إلى حين الموت، فلا بدّ من التدبّر في امور:
الاول: ما هو جوهر هذا الخلاف الّذي ارتكبه هذا الوالي الّذي فوّض إليه إدارة امور ثغر هامّ من الثغور الاسلاميّة في هذا الزمان، فالبصرة أحد الثغور الهامّة الاسلاميّة في تينك العصور تضاهي مركزيّة الكوفة و مصر و الشام، و قد انتخبه عليه السّلام واليا له و فوّض إليه إدارة شئونه و سياسة نظامه في هذا الموقف الرهيب، فكيف يؤبّخه و يؤنبّه بهذه الجمل القاسية ملؤها الوهن و الاستضعاف فهذا الخلاف يحتمل وجوها:
1- أنّه مجرّد إجابة دعوة الاشتراك في وليمة لذيذة هيئت للتفريح و الانس مع الأحباب و الأقران.
2- اعدّت هذه الوليمة على حساب استمالة الوالي و النفوذ فيه للاستفادة منه في شتّى المقاصد المرجوعة إليه و للاعتماد عليه في تنفيذ الحوائج كما هو عادة ذوي النفوذ و الجاه في كلّ بلد، فإنّ شأنهم تسخير عمّال الدولة بالتطميع و الإحسان للاستمداد منه في مقاصدهم.
3- إنّ هذه الوليمة اعدّت من عصابة مخالفة لعليّ عليه السّلام و موالية لمعاوية و أعوانه فهي حفلة مؤامرة ضدّ عليّ عليه السّلام و الهدف منها جلب الوالي إلى الموافقة مع مقاصد سياسة هامّة و صرف عثمان بن حنيف عن موالاته عليه السّلام إلى معاداته كما فعل معاوية مع زياد بن أبيه بعد ذلك، فانّه أحد أعوان عليّ عليه السّلام و أحد ولاته
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 20، ص: 92
المسيسن، و له يد في تقوية حكومته فاستجلبه معاوية بالمكائد و المواعيد و أثبته أخا لجلبه من موالاة عليّ عليه السّلام إلى معاداته، و استفاد منه أكثر استفادة في حكومته.
و ما ذكره عليه السّلام في كتابه هذا يناسب الوجه الثالث، فانّه موقف خطر يحتاج إلى الحذر منه أشدّ الحذر فشرع عليه السّلام يوبّخ عثمان في قبول هذه الدعوة و الإسراع إليها و تقبّل ما أعدوّه له من النذل من إعداد الأطعمة الطيّبة المختلفة الألوان و تقديم الأقداح الكبيرة في الخوان، و أشار عليه السّلام إلى أنّ هذه الوليمة ممّا لم يقصد به رضاء اللّه و إكرام والي وليّ اللّه، و إلّا فيشترك فيه ذووا الحاجة و الفقراء من الجيران و سائر المسلمين و لم يخصّصوا الدّعوة بالأغنياء و ذوي النفوذ و الثروة.
ثمّ أشار عليه السّلام إلى أنّ الحاضرين حول هذه الخوان من الغافلين المنهمكين في اللذّات المادّيّة، فعبّر عن الخوان بالمقضم و هو ما يعدّ فيه علف الدابّة من التبن و الشعير، و تعبيره عليه السّلام يعمّ كلّ خوان و مطعم مهيّا لأمثال هؤلاء المفتونين بأمر الدنيا.
و قوله عليه السّلام (فما اشتبه عليك علمه فالفظه) يحتمل وجهين:
1- أن يكون المقصود منه بيان الأصل في الأموال و أنّ الأصل فيها التحريم و لزوم الاحتياط و التحرّز إلّا ما ثبت حلّه بوجه شرعيّ كما ورد في الحديث أنّه: لا يحلّ مال إلّا من حيث ما أحلّه اللّه، فالأصل في المال المشتبه الحلّ و الحرمة التحريم و إن قلنا في غيره بالحلّيّة و هو الظاهر من قوله عليه السّلام «فما اشتبه عليك علمه فالفظه» و لكن يشكل عليه بأنّه لا ينطبق على المورد لأنّ مورد الكتاب الأكل من مأدبة الضيافة و دليل حلّها هو ظاهر يد المسلم و إصالة اليد دليل عامّ يتّكى عليه في اكثر المعاملات و المبادلات.
2- أن يكون المقصود تحقيق الحلال الواقعي و عدم الاكتفاء بالأمارات و الأدلّة المحتملة للخلاف تحصيلا للورع عن الحرام الواقعي، كما يستفاد من
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 20، ص: 93
قوله عليه السّلام (و ما أيقنت بطيب وجوهه فنل منه) فيستفاد منه أنّه قرّر على عمّاله احتياطا في الدين فوق حدّ العدالة الّتي كانت شرطا في تصدّي هذه المناصب الجليلة.
قال ابن ميثم في شرح المقام: «و يفهم منه بحسب التأديب الأوّل أنّ التنزّه عن هذا المباح أفضل له من تناوله» فحمل كلامه عليه السّلام على الوجه الثاني و هو أوضح، لأنّ مقام هذا الصحابي الكبير أجلّ من أن ينال ما لا يحلّ له من الطعام جهلا بالمسألة أو تسامحا في أمر دينه فكان هذا التشدّد منه عليه السّلام عليه لعلوّ رتبته، فنبّه عليه السّلام على أنّه لا يليق هذا العمل بمثله و إن كان لا بأس عليه لغيره ممّن لم ينل مقامه في العلم و الورع.
الترجمة:
از نامه آن حضرت عليه السّلام است كه بعثمان بن حنيف انصارى نگاشته- عثمان ابن حنيف كار گزار آن حضرت بود بر استان بصره، و از وى به آن حضرت گزارش رسيده بود كه براى صرف وليمه جشن جمعى از مردم بصره دعوت شده و اين دعوت را پذيرفته و در آن وليمه شركت كرده، و در ضمن نامه بدو نوشته است:
أمّا بعد أى زاده حنيف، بمن خبر رسيده كه مردى از جوانان اهل بصره از تو بر سر خوان مهمانى دعوت كرده و توهم بدان شتافتى، خوراكهاى رنگارنگ برايت آورده اند و قدحهاى چند در برابرت چيده اند (تو حريصانه از آنها خوردى و استخوانهاى گوشت را بدندان پاك كردى).
من گمان نمى بردم تو پذيراى دعوت مردمى شوى بر سر خوان خوراكشان كه بينوايان آنها گرسنه اند و توانگرانشان دعوت شده اند، بنگر از اين آخر دنيا چه مى جوى، آنچه را يقين ندارى كه حلال است بدور انداز و از آنچه بيقين مى دانى حلال است استفاده كن.