منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 113
أمّا وصيّتي فاللَّه لا تشركوا به شيئا، و محمّدا صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم فلا تضيّعوا سنّته أقيموا هذين العمودين و أوقدوا هذين المصباحين، و خلاكم ذمّ ما لم تشردوا، حمل كلّ امرء منكم مجهوده، و خفّف عن الجهلة، ربّ رحيم، و دين قويم، و إمام عليم.
اللغة:
و (شرد) البعير شرودا من باب قعد ندّ و نفر، و الاسم الشراد بالكسر و (حمل كلّ امرء منكم مجهوده) في بعض النّسخ على البناء للمفعول من باب التّفعيل و رفع كلمة كلّ، و في بعضها على المعلوم من باب التفعيل أيضا و نصب كلّ، فالفاعل هو اللَّه سبحانه، و في بعضها حمل كضرب على المعلوم و رفع كلّ و (خفف) على بناء المجهول.
الاعراب:
و قوله: فاللَّه لا تشركوا به شيئا و محمّدا صلّى اللَّه عليه و آله، منصوبان على الاضمار على شريطة التفسير، و في بعض النسخ بالرّفع على الابتداء و الأوّل أرجح كما قرّر في الأدبيّة لاستلزام الثّاني كون الجملة الطّبيّة خبرا فتأمّل، و قوله: و خلاكم ذمّ بالرّفع فاعل خلا أى عداكم و هي كلمة تجرى مجرى المثل.
قال الشّارح البحراني: و أوّل من قالها قصير مولى حذيمة حين حثّ عمرو بن عدى اخت حذيمة على طلب ثاره من الزّباء فقال له عمرو: و كيف لي بذلك و الزّباء أمنع من عقاب الجوّ، فقال له قصير اطلب الأمر و خلاك ذمّ.
و قوله: ربّ رحيم و دين قويم و إمام عليم، برفع الجميع على الخبر أى ربّكم ربّ رحيم و دينكم دين قويم و هكذا على الابتداء و الخبر محذوف أى لكم ربّ رحيم و دين قويم آه قال الشّارح المعتزلي: و من النّاس من يجعل ربّ رحيم فاعل خفّف على رواية من رويها فعلا معلوما، و ليس بمستحسن، لأنّ عطف الدين عليه يقتضي أن يكون الدّين أيضا مخففّا، و هذا لا يصحّ انتهى.
و قال المحدّث العلّامة المجلسيّ: إنّ في أكثر النّسخ خفف على بناء المعلوم فقوله: ربّ فاعله و لا يضرّ عطف الدّين و الامام عليه لشيوع التّجوّز في الاسناد.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 115
مجاز فى الاسناد أقول: و ههنا [ربّ رحيم و دين قويم و إمام عليم ] وجه آخر على رواية حمل و خفف بالبناء على المجهول، و هو أن يكون ربّ مرفوعا بفعل محذوف على حدّ قوله سبحانه: «يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ» على قراءة يسبح بصيغة المجهول، كأنّه قيل: من حمل و خفّف، فقال: ربّ رحيم و دين قويم، و هذا الوجه أيضا مبنيّ على التجوّز في الاسناد.
المعنى:
ثمّ شرع في الوصيّة فقال: (أما وصيّتي فاللَّه لا تشركوا به شيئا) أى وحّدوه و أخلصوا العمل له و الزموا أوامره و نواهيه (و محمّدا صلّى اللَّه عليه و آله فلا تضيّعوا سنّته) أى لا تهملوها، و هو أمر بلزوم شرايع الدّين و سلوك نهج الشرع المبين.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 121
و أكّد الأمر بالتّوحيد و اتّباع السّنة النّبويّة بقوله استعاره (أقيموا هذين العمودين) و استعار لهما لفظ العمود، لأنّ مدار الاسلام و نظام امور المسلمين في المعاش و المعاد على توحيد اللَّه سبحانه و اتباع سنّة رسوله، كما أنّ مدار الخيمة و القسطاط على العمود، و المراد باقامتهما الاعتقاد بهما و العمل بمقتضيات الايمان بهما.
استعاره مرشحة (و اوقدوا هذين المصباحين) و هو استعارة اخرى و الجامع أنّهما يهديان إلى الصّراط المستقيم و جنّات النّعيم، و يدلّان على حظاير القدس و مجالس الانس، كما أنّ بالمصباح يهتدى في غياهب الدّجى إلى الطريق المطلوب، و ذكر الايقاد ترشيح للاستعارة (و خلاكم ذمّ ما لم تشردوا) أى سقط عنكم ذمّ و تجاوزكم فلا ذمّ يلحقكم ما لم تنفروا.
قال في مرآت العقول: و الغرض النّهى عن التّفرق و اختلاف الكلمة، أى لا ذمّ يلحقكم ما دمتم متّفقين في أمر الدّين متمسّكين بحبل الأئمّة الطاهرين أو المراد النّهى عن الرّجوع عن الدّين و إقامة سنّته.
و قوله (حمل كلّ امرء منكم مجهوده) كلام متّصل بما قبله، لأنّه لمّا قال ما لم تشردوا أنبأ عن تكليفهم كلّما وردت به السّنة النّبويّة أى كلّف كلّ أحد منكم مبلغ وسعه و طاقته.
و لمّا كان هذا الكلام بظاهره يعطى أنه سبحانه كلّف كلّ أحد بما هو مبلغ طاقته و نهاية و سعه فبيّن عليه السّلام أنّ التّكليف على حسب العلم و استدرك بقوله (و خفّف عن الجهلة) يعني أنّ الجهّال ليسوا مكلّفين بما كلّف به العلماء و قد قد قال اللَّه سبحانه: «إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ».
و هو بظاهره يدلّ على أنّ الجاهل معذور في أكثر الأحكام.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 122
و قوله (ربّ رحيم) قد عرفت جهات الاحتمال في وجه اعرابه، و باختلافها يختلف المعنى فافهم، و وصف الرّب بالرّحمة لمناسبته بالتخفيف عن الجهلة (و دين قويم) ليس فيه أودوا عوجاج (و إمام عليم) أراد به الإمام في كلّ زمان، و يحتمل شموله لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله تغليبا، و ربّما يخصّ بالرّسول صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم، و وصفه بالعلم لكونه عالما بكيفيّة سلوك مسالك الآخرة و قطع مراحلها و منازلها و الهادى فيها بما يقتضيه حكمته من القول و العمل.
الترجمة:
و أمّا وصيّت من بشما پس اينست كه پروردگار عالميان را شريك قرار ندهيد و محمّد بن عبد اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم ضايع نگردانيد سنّت و شريعت او را، بر پا داريد اين دو ستون اسلام را، و بر افروزيد اين دو چراغ هدايت را و خالى باشد از شما مذمّت مادامى كه رم ننمائيد از توحيد پروردگار و شريعت سيّد مختار.
برداشت هر مردى از شما تكليفي كه باندازه وسع و طاقت او است، و تخفيف داده شد بار تكليف از جاهلان و ضعيفان، خداى شما خدائيست مهربان، و دين شما دينى است راست، و امام شما امامى است عالم و آگاه.