منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 413
منها، فى صفة الزهاد: كانوا قوما من أهل الدّنيا و ليسوا من أهلها، فكانوا فيها كمن ليس منها، عملوا فيها بما يبصرون، و بادروا فيها ما يحذرون، تقلّب أبدانهم بين ظهراني أهل الاخرة، يرون أهل الدّنيا يعظّمون موت أجسادهم و هم أشدّ إعظاما لموت قلوب أحيائهم (54422- 54134).
اللغة:
و (تقلب) في بعض النسح على البناء على الفاعل من باب التفعل و حذف إحدى التائين و في بعضها على البناء على المفعول و فلان بين ظهرى القوم و (ظهرانيهم) بفتح النون و بين أظهرهم أى في وسطهم و في معظمهم.
المعنى:
الفصل الثاني:
(منها فى صفة الزهاد: كانوا قوما من أهل الدّنيا و ليسوا من أهلها فكانوا فيها كمن ليس منها) و منه اخذ أبو على بن سينا كلامه فى وصف العارفين: فكأنهم و هم فى جلابيب أبدانهم قد نضوها و تجرّدوا عنها و قال السعدى:
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 424
هرگز وجود حاضر و غائب شنيده من در ميان جمع و دلم جاى ديگر است
(عملوا فيها بما يبصرون) الفرق بين أهل الدّنيا و أهل الاخرة أنّ بناء الأولين على الشكّ و بناء الاخرين على اليقين كما قال تعالى في صفة الدهريّة:
«وَ قالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَ نَحْيا وَ ما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ وَ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ» فانهم يشكّون في اللّه و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الاخر و الجنّة و النّار و يعملون عمل المستيقن بالعدم و الشاك في شيء حقّه أن يحتاط كمن يشكّ في وجود سبع في الطريق أو بئر في ظلمة إذ لا يجوّز له العقل الاقتحام في المهلكة و أصحاب الدّهر ما لهم علم بالعدم إن هم إلّا يظنّون و دليلهم انا لا نؤمن بما لا نحسّ مع أنّ عدم الوجدان لا يدلّ على عدم الوجود و هذا بخلاف أهل الاخرة فانهم آمنوا بالدليل اليقيني و البرهان العلمي فعملوا بما يبصرون.
(و بادروا فيها ما يحذرون) سبقوا الموت إلى فعل الخيرات أى خافوا أن يفجاهم الموت فبادروا (تقلب أبدانهم بين ظهرانى أهل الاخرة) لا يجالسون غيرهم و لا يخالطون أحدا سواهم (يرون أهل الدّنيا يعظمون موت أجسادهم) يعدون موتهم عظيما شديدا إذ يسلبهم مشتهياتهم و يمنعهم التمتع بلذاتهم (و هم) أهل الاخرة (أشدّ إعظاما لموت قلوب أحيائهم) إذ يسلبهم مشتهياتهم الحقيقية و يمنعهم التمتع باللّذات الدّائمة.
و اعلم أنّ أهل الدّنيا يظنون أن لا موجود وراء الجسم و لا دليل على شيء غير الحسّ و يكدون كلّ كدّهم و يجدون جدّهم لعمارتها و التمتّع بها، و العقلاء عرفوا بعقولهم و بما أخبرهم أصحاب الوحى أنّ وراء هذا العالم المحسوس عالما آخر بل عوالم اخرى لا يحصى عددها إلّا اللّه.
و نظير ذلك أنّ جماعة زعموا أنّ الشمس واحدة، و قد ورد في الأخبار و أثبتت الارصاد أن وراء هذه الشمس شموسا لا يحصى عددها إلّا اللّه تعالى و قد فتح اللّه على عقول المتوسطين بابا إلى بعض تلك العوالم غير المحسوسة و هى باب الرؤيا الصادقة فانّ الانسان في منامه قد يطلع على امور غائبة لا يمكن
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 425
أن يطلع عليها أحد بحواسه و عقله لعدم وجودها بعد، كموت زيد بعد سنة مثلا و ليس العلم به و انتقاش ذهن أحد بمثله ممكنا في زمان الرؤيا إلّا أن يكون صورا و نقوشا مسطورة في ذهن عال من موجود عالم بالغيب غيرنا و غير من في عالمنا، فيدرك الانسان بعقله أن في الوجود عالما غير عالمنا و في ذلك العالم علماء بما لم يوجد بعد و ليس ما رآه النّائم في منامه إلّا مأخوذا من ذلك العالم و ليست الرؤيا أوهاما و خيالات باطلة لا أصل لها دائما إذ لو كان كذلك لم يكن ينطبق على الحقيقة و لم يكن للرؤيا تعبير أصلا و بالجملة أدرك الانسان بحسّه المشترك عالما آخر غير هذا العالم الجسماني، و عرف أنّ نفسه يناسب ذلك العالم في الجملة حيث يرتبط به و يأخذ منه، و هذا باب واسع حقّقه الحكماء خصوصا الشيخ أبو عليّ بن سينا في الاشارات.
ثمّ بعد الاعتقاد بوجود عالم ما غير هذا العالم المادى المحسوس زال الاستعجاب من كلّ ما أخبرنا به الأنبياء و أصحاب النواميس الالهية من بقاء الرّوح و دخولها في عالم آخر و تمتّعها باللذات و انتفاعها بالمشتهيات هناك و لا يتصوّر أن يكون سعادة الموجود الكامل الرّوحاني أدنى و أقلّ من الانسان المخلوط من الرّوح و الجسم كما أنّ سعادة الانسان المخلوط ليس أقلّ من سعادة الجمادات، فان عرف الانسان انه مستعدّ لادراك تلك السعادة العظمى اشتدّت حسرته من فواته و خاف من موت قلبه المانع من النيل بتلك السعادة أشدّ من خوف أهل الدّنيا من الموت الطبيعي، و لذلك قال أمير المؤمنين عليه السّلام عليهم: و هم أشدّ إعظاما لموت قلوب احيائهم.
و إذا انتهينا إلى ذلك حقّ لنا أن نختم الكلام بالدّعاء لجميع من تصدّى لترويج الدين و تعليم المؤمنين بالتوفيق و السداد، و لم نذكر مما اختلج فى الذّهن حين قراءة الخطبة من نكتة علمية و دقّة عقلية لئلّا نخرج من سياق الكتاب، فانّ الشّارح رحمه اللّه اكتفى بما هو سهل الوصول قريب المأخذ من رواية تاريخية و حكاية أدبية او حديث فى الأخلاق و تفسير يتعلّق بظواهر الألفاظ و غير ذلك مما يفيد أكثر الناس و أما التحقيق العميق و البحث الدّقيق فممّا ينفر الطباع.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 426
الترجمة:
و در صفت زاهدان فرمود: گروهى بودند از اهل دنيا اما اهل دنيا نبودند در دنيا بودند مانند كسى كه در دنيا نبود به آن چه ديدند و دانستند عمل كردند و از آنچه مى ترسيدند درگذشتند تن آنها ميان أهل آخرت مى گردد چون ديدند مردم اين جهان از مرگ تن مى ترسند آنها از مرگ دل در حال زندگى ترسان گشتند.
ثمّ إنّ حضرة الفاضل الأديب العالم الأريب الجامع بين العلوم العقلية و النّقلية و الحائز للملكة العلمية و العملية الشيخ المؤتمن الشيخ حسن الاملى ضاعف اللّه قدره و أجزل أجره تصدّى لشرح باقى كتاب نهج البلاغة و هو الحرى به و المتوقّع منه و هو كما قال بعض الأنصار كما قيل: عذيقها المرجب و جذيلها المحكك فقد جرّبته سنوات عند قراءة مختلف العلوم علىّ حتى حاز الرتبة القصوى و فاز بالقدح المعلى و نرجو من اللّه له التوفيق و لنا، العبد أبو الحسن الشعرانى. هذا آخر المجلد الرابع عشر من هذه الطبعة الجديدة القيمة، و تم تصحيحه و ترتيبه و تهذيبه بيد العبد- السيد ابراهيم الميانجى- عفى عنه و عن والديه و ذلك فى- 25- من الربيع المولود- 1383- و يليه انشاء الله الجزء الخامس عشر و أوله: «و من خطبة له (ع) خطبها بذى قار» و الحمد للّه ربّ العالمين