منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 411
فعليكم بالجدّ و الاجتهاد و التّأهّب و الاستعداد و التّزوّد في منزل الزّاد، و لا تغرّنّكم الحياة الدّنيا كما غرّت من كان قبلكم من الامم الماضية و القرون الخالية الّذين احتلبوا درّتها، و أصابوا غرّتها، و أفنوا عدّتها و أخلقوا جدّتها، أصبحت مساكنهم أجداثا، و أموالهم ميراثا، لا يعرفون من أتاهم، و لا يحفلون من بكاهم، و لا يجيبون من دعاهم، فاحذروا الدّنيا «1» فإنّها غدّارة غرّارة خدوع، معطية منوع، ملبسة نزوع، لا يدوم رخائها، و لا ينقضي عنائها، و لا يركد بلائها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)- من قوله (ع): «كما غرت» إلى قوله «فاحذروا الدّنيا» هذه الجملات كانت ساقطة من النسخة فى الطبعة الاولى و كم له فى هذا الجزء من نظير أصلحناه، نبهنا عليه فى بعض المقام. المصحح.
اللغة:
و (الدرة) بالكسر كالدّر بالفتح اللّبن و كثرته و (الجدّة) بكسر الجيم كالجد الرّزق و العظمة و (حفل) القوم حفلا اجتمعوا و المحفل و زان مجلس و مقعد محل الاجتماع، و الاحتفال بالشيء الاعتناء به و المبالغة فيه.
الاعراب:
و قوله: فعليكم بالجدّ اسم فعل أى خذوه و الزموه قال نجم الأئمة الرّضي: يقال عليك زيدا أى خذه كان الأصل عليك أخذه و قوله: أصبحت مساكنهم فعل ناقص بمعنى صارت و الجملة استينافيّة بيانيّة و مثلها جملة لا يعرفون من أتاهم.
المعنى:
(فعليكم بالجدّ و الاجتهاد) و لعلّ الفرق بين الجدّ و الاجتهاد أنّ الأوّل صفة للعزم و النية و الثّاني للعمل (و التأهّب و الاستعداد) الفرق بينهما نظير الفرق بين الجدّ و الاجتهاد فالتأهّب للعزم و الاستعداد للعمل (و التزوّد في منزل الزاد و لا تغرّنكم الدّنيا كما غرّت من كان قبلكم من الامم الماضية و القرون الخالية) معناه ظاهر استعاره (الذين احتلبوا درتها) الدّرة اللبن استعارة للمنافع و الاحتلاب إخراج اللبن من الضرع و الثدى استعارة للفوز و الانتفاع تشبيه (و أصابوا غرّتها) أى اغتنموا فرصة غفلة الدّنيا عنهم فاستمتعوا بمنافعها و لو لم تكن غافلة عنهم لاختطفتهم، شبههم بسارق ينتظر غفلة صاحب المتاع عن متاعه فيختلسه حين غفلته كذلك هؤلاء انتظروا
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 420
غفلة الدّنيا و أصابوا وقت غفلتها فانتفعوا بها (و أفنوا عدّتها) الافناء عبارة عن الانتفاع اذ لا ينتفع غالبا بما في الدّنيا إلّا بافنائه فأفنوا عدة منافعها (و أخلقوا جدّتها) و هذا أيضا عبارة عن الانتفاع ببعض متاع الدنيا كاللّباس الجديد يخلق بالاستعمال.
(أصبحت مساكنهم أجداثا) أى قبورا (و أموالهم ميراثا) و هو ظاهر (لا يعرفون من أتاهم و لا يحفلون من بكاهم و لا يجيبون من دعاهم) معناه واضح فان قيل: كيف الجمع بين هذا الكلام و ما روى في التلقين و زيارة القبور فقد قال أبو عبد اللّه عليه السّلام على ما روى في الكافي و التهذيب و الفقيه «إذا افرد الميّت فليتخلّف عنده أولى الناس به فيضع فمه عند رأسه ثمّ ينادى بأعلى صوته يا فلان بن فلان أو يا فلانة بنت فلان هل أنت على العهد الذي فارقتنا عليه من شهادة أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له و أنّ محمّدا عبده و رسوله سيّد النبيّين و أنّ عليّا أمير المؤمنين و سيّد الوصيّين و أنّ ما جاء به محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حقّ و أنّ الموت حقّ و أنّ البعث حقّ و أنّ اللّه يبعث من في القبور فيقول منكر لنكير انصرف بنا عن هذا فقد لقن حجّته انتهى و في معناه أخبار اخر.
و لو لم يكن إلّا هذا لسهل الجمع لكن ورد في زيارة القبور في الكافي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّهم يأنسون بكم فاذا غبتم عنهم استوحشوا و هذا ينافي بظاهره قول أمير المؤمنين عليه السّلام: لا يعرفون من أتاهم.
و روى فى الفقيه عن محمّد قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام الموتى نزورهم؟ فقال نعم، فقلت: فيعلمون بنا إذا أتيناهم؟ فقال: إى و اللّه إنهم يعلمون بكم و يفرحون بكم و يستأنسون إليكم قال: قلت: فأيّ شيء نقول آه.
و فى الكافى عن إسحاق بن عمار عن أبي الحسن عليه السّلام قال قلت: المؤمن يعلم من يزور قبره؟ قال: نعم لا يزال مستأنسا به ما دام عند قبره فاذا قام و انصرف عن قبره دخله من انصرافه عن قبره وحشة.
و فى الفقيه قال الصّادق عليه السّلام إذا قبضت الرّوح فهى مظلة في الجسد روح
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 421
المؤمن و غيره ينظر إلى كلّ شيء يصنع به فاذا كفن و وضع على السرير و حمل على أعناق الرّجال عادت الرّوح و دخلت فيه فيمدّ له في بصره فينظر إلى موضعه من الجنة أو من النار فينادي بأعلى صوته إن كان من أهل الجنّة: عجّلوني عجّلوني، و إن كان من أهل النّار ردّوني ردّوني و هو يعلم كلّ شيء يصنع به و يسمع الكلام، انتهى.
و ردّ الرّوح إلى الجسد المحمول على الجنازة نظير ردّ الرّوح إليه في القبر لسؤال منكر و نكير و لا ينبغي أن يتعجّب من خفاء ذلك عن الأحياء كالمشيّعين.
كما روى في الكافي في حديث عن علىّ بن الحسين عليهما السّلام بعد أن نقل تكلّم الميّت لحملته قال ضمرة و هو أحد الحاضرين: يا أبا الحسن إن كان هذا يعنى الميّت يتكلّم بهذا الكلام يوشك أن يثب على أعناق الذين يحملونه قال: فقال علىّ بن الحسين عليهما السّلام: اللّهمّ إن كان ضمرة هزء من حديث رسولك صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فخذه أخذة اسف، قال: فمكث أربعين يوما ثمّ مات فحضره مولى له فلما دفن أتى علىّ بن الحسين عليهما السّلام فجلس إليه فقال له: من أين جئت يا فلان؟ قال: جئت من عند قبر ضمرة فوضعت وجهى عليه حين سوى عليه فسمعت صوته و اللّه أعرفه كما كنت أعرفه و هو حىّ يقول: ويلك يا ضمرة بن معبد اليوم خذلك كلّ خليل و صار مصيرك إلى الجحيم فيها مسكنك و مبيتك و المقيل قال: فقال علىّ بن الحسين عليهما السّلام: اسأل اللّه العافية هذا جزاء من يهزء من حديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و مثل ذلك كثير فى الروايات فما وجه كلام أمير المؤمنين عليه السّلام؟
و الجواب أنّ كلامه عليه السّلام لأهل الدّنيا المغترّين بها، و غرضه عليه السّلام قطع طمعهم عن الدّنيا و بيان انقطاع لذاتها و انصرام شهواتها و مفارقة الخلّان فيها، و لا ريب أنّ الموت يهدم اللذات و يفرّق بين الجماعات و لا يحسّ الأموات بسمعهم الدنيوى و أبصارهم الجسمانية شيئا من هذا العالم المادّى، بل الميّت جماد مثل سنّك إذا قلعت و شعر رأسك إذا حلق، و أظافيرك إذا قصت و بهذا الاعتبار قال أمير المؤمنين عليه السّلام:
لا يعرفون من أتاهم و لا يحفلون من بكاهم
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 422
و أمّا بالنظر إلى أنّ للانسان حسّا برزخيا يسمع و يبصر و يتلذّذ و يتألم به من غير وساطة عصب و دماغ و جارحة و لا يمنعه حجاب اللحد و ظلمة القبر و بعد المنازل شرّع التلقين و ورد ما ورد من الروايات ذكرناها أو لم نذكرها.
و بالجملة فكلام أمير المؤمنين عليه السّلام ناظر إلى الحسّ الدّنيوى و ما ورد فى تلك الروايات ناظر إلى الادراك الاخروى و لا منافاة بينهما و لا يريدون أنّ الميّت لم يمت و لا أنّه إذا مات فات و الروح مدرك بذاته و البدن مدرك بالروح و المدرك بالذات أقوى و أشدّ فى الادراك من المدرك بالغير كما فى كلّ صفة.
و الطبيعيون يزعمون أنّ الادراك عبارة عن تأثر العصب من المحسوس الخارجى كتأثر عصب البصر عن النور، فاذا لم يكن عصب لم يكن إدراك و لذلك إذا خدر الأعصاب بالأدوية المخدّرة زال البصر و كلّ حس آخر.
و الجواب أنّه لو كان الأمر كذلك لم يكن اللّه تعالى و الملائكة المقرّبون مدركين عالمين بشىء إذ لا عصب لهم و لا انفعال و العصب لا يستطيع أن يدرك إلّا بواسطة الروح و إذا تقطعت العلاقة بين العصب و الروح زال الادراك عن العصب لا عن الروح كالشمس إذا غاب عن الجدران زال الضوء عن الجدران لا عن الشمس فلم يزل الادراك عن الميّت مطلقا بل بمقدار أن لا يكون دفنه فى التراب أو القائه فى البحر ظلما و اجحافا عليه و تعذيبا له كالقاء الاحياء فى البحر.
(فاحذروا الدّنيا فانها غدّارة غرّارة خدوع معطية منوع ملبسة نزوع) وزن فعول إذا كان بمعنى الفاعل يستوى فيه المذكر و المؤنّث و لذلك وصف به الدّنيا (لا يدوم رخاؤها و لا ينقضي عناؤها و لا يركد بلاؤها) و هذا الكلام بالغ فى البلاغة غايتها فى وصف الدّنيا و التزهيد عنها و الوصف بعينه مما يعرفه أصحاب الهوى و القائلون بالطبائع و أمثالهم و يجعلونه عذرا فى لزوم اللّذات و متابعة الشهوات و يقولون إذا كانت الدّنيا منقلبة غير ثابتة لا تدوم أحوالها وجب اغتنام الفرصة مهما أمكن فى الاستمتاع باللذات و المبادرة إلى الشهوات لئلا يفوت الفرصة و يحرم الانسان منها فما دام حيا شابا ذا قدرة و مقدرة يتسرّع إلى ما لا يتمكن منه بعد ذلك و أمّا
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 423
أمير المؤمنين عليه السّلام جعل هذه الصفة بعينها موجبا لتنفير النّاس و سببا لتزهيدهم قال طرفة:
ألا أيّهذا اللائمى احضر الوغى و ان اشهد اللّذات هل أنت مخلدى
يعني إذا لم يكن الانسان خالدا في الدّنيا فعليه أن يشهد اللذات لئلّا يفوته و أن يحضر الوغي ليتنقم عن أعدائه و يظفر بالمال بالاغارة و مثله كثير في أشعارهم بالعربية و الفارسيّة خصوصا في أشعار الخيام، و قال أمير المؤمنين عليه السّلام إنها غرّارة خدوع و لذاتها ليست لذّة بل عذاب أليم و يخدع بها الجهال و ليس شيء منها دائما فلا ينبغي أن يعرج العاقل عليه.
و كلام أمير المؤمنين عليه السّلام يفيد أرباب العقول و أصحاب الأديان القائلين بالاخرة و الحياة الدّائمة فيها يستبدلون اللّذة الخالصة الباقية باللّذة المكدّرة الفانية و أمّا أصحاب الطبائع الذين لا يعترفون بالاخرة يقولون: اللّذة الفانية غير الدائمة أولى من عدم اللّذة مطلقا.
و مما يناسب ذلك في أنّ خصلة واحدة يجعلها كلّ أحد دليلا على شيء يقتضيه طباعه الحديث المروى عن الحسن بن علىّ عليهما السّلام: اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، حمله أهل الدّين على الأمر بالمسامحة و التعلّل و عدم الحرص فى الدّنيا، لأن من يزعم أنه يعيش أبدا لا يتعجّل فى الامور، و حمله أهل النفاق و المتجدون على الأمر بالحرص فى الدّنيا لأنّ الذي يعلم أنّه يعيش أبدا يسعى فى جمع المال و عمارة مسكنه و تدبير ماله و اجادة معاشه أكثر ممن يعلم أنه سيرحل عن منزله.
الترجمة:
بر شما است كه بجان بكوشيد و آماده گرديد و در جائى كه بايد توشه گرفت توشه گيريد و زندگى دنيا شما را فريب ندهد چنانكه پيش از شما بسيار فريب داد، از پستان او شير خوردند و در غفلت او فرصت جستند و آنچه آماده كرده بود تباه ساختند و جامه هاى نو آنرا كهنه و فرسوده كردند آخر مسكن آنها گور شد و مال آنها را بميراث بردند. بى وفاست و مكار و فريبنده، مى دهد و مى ستاند، مى پوشاند و برهنه مى سازد آسايش او پيوسته نماند و سختى آن نگذرد و بلاى آن ثابت نماند.