منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 21
و من كتاب له عليه السّلام اليه أيضا: و هو الكتاب العاشر من باب المختار من كتبه و رسائله:
و كيف أنت صانع إذا تكشّفت عنك جلابيب ما أنت فيه من دنيا قد تبهّجت بزينتها، و خدعت بلذّتها، دعتك فأجبتها، و قادتك فاتّبعتها، و أمرتك فأطعتها. و إنّه يوشك أن يقفك واقف على ما لا ينجيك منه مجن، فاقعس عن هذا الأمر، و خذ أهبة الحساب، و شمّر لما قد نزل بك، و لا تمكّن الغواة من سمعك؛ و إلّا تفعل أعلمك ما أغفلت من نفسك، فإنّك مترف قد أخذ الشّيطان منك مأخذه، و بلغ فيك أمله، و جرى منك مجرى الرّوح و الدّم (56521- 56437). و متى كنتم يا معاوية ساسة الرّعيّة و ولاة أمر الامّة بغير قدم سابق و لا شرف باسق. و نعوذ باللّه من لزوم سوابق الشّقاء، و أحذّرك أن تكون متماديا في غرّة الامنيّة مختلف العلانية و السّريرة.
سند الكتاب و نقل صورته الكاملة:
هذا الكتاب نقله نصر بن مزاحم المنقريّ في كتاب صفين مسندا (ص 59، الطبع الناصريّ 1301 ه) و الرجل توفى قبل الرّضي بمأتي سنة تقريبا. و ما في النهج بعض ما في كتاب نصر على ما هو عادة الرضي كما اشرنا غير مرّة إلى أنّ غرضه الأهم انتخاب كلامه الذي له براعة في الفصاحة و البلاغة، و دونك الكتاب على صورته الكاملة الّتي نقلها نصر:
كتب عليه السّلام إلى معاوية: بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم، من عبد اللَّه عليّ أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان سلام على من اتّبع الهدى فإنّي أحمد اللَّه الّذي لا إله إلّا هو. أمّا بعد فإنّك قد رأيت من الدّنيا و تصريفها بأهلها و إلى ما مضى منها و خير ما بقى من الدّنيا ما أصاب العباد الصادقون فيما مضى و من نسى الدّنيا نسيان الاخرة يجد بينهما بونا بعيدا.
و اعلم يا معاوية أنّك قد ادّعيت أمرا لست من أهله لا في القدم و لا في الولاية و لست تقول فيه بأمر بيّن تعرف لك به أثرة، و لا لك عليه شاهد من كتاب اللَّه و لا عهد تدّعيه من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و اله.
فكيف أنت صانع إذا انقشعت عنك جلابيب ما أنت فيه من دنيا قد انتهت بزينتها، و ركنت إلى لذّتها، و خلّى فيها بينك و بين عدوّ جاهد ملحّ مع ما عرض في نفسك من دنيا قد دعتك فأجبتها، و قادتك فاتّبعتها، و أمرتك فأطعتها، فايس من هذا الأمر، و خذ أهبة الحساب، فانه يوشك أن يقفك واقف على ما لا يحبنك منه مجن.
و متى كنتم يا معاوية ساسة للرّعية، أو ولاة لأمر هذه الامة بغير قدم حسن و لا شرف سابق على قومكم؛ فشمّر لما قد نزل بك، و لا تمكّن الشيطان من بغيته فيك مع أنّي أعرف أنّ اللَّه و رسوله صادقان فنعوذ باللّه من لزوم سابق الشقا و إلّا تفعل اعلمك ما أغفلك من نفسك فانك مترف قد أخذ منك الشيطان مأخذه فجرى منك مجرى الدّم في العروق.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 22
و اعلم أنّ هذا الأمر لو كان إلى النّاس أو بأيديهم لحسدونا، و لأمتنّوا به علينا، و لكنّه قضاء ممّن امتنّ به علينا على لسان نبيّه الصادق المصدّق. لا أفلح من شكّ بعد العرفان و البيّنة. اللّهمّ احكم بيننا و بين عدوّنا بالحقّ و أنت خير الحاكمين.
فكتب إليه عليه السّلام معاوية:
بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم، من معاوية بن أبي سفيان إلى عليّ بن أبي طالب أمّا بعد فدع الحسد فانّك طالما لم تنتفع به و لا تفسد سابقة قدمك بشره نخوتك، فانّ الأعمال بخواتيمها، و لا تمحق سابقتك في حقّ من لا حقّ لك في حقّه فانّك إن تفعل لا تضرّ بذلك إلّا نفسك، و لا تمحق إلّا عملك، و لا تبطل إلّا حجّتك و لعمري ما مضى لك من السابقات لشبيه أن يكون ممحوقا لما اجترأت عليه من سفك الدّماء، و خلاف أهل الحقّ، فاقرأ سورة الفلق و تعوّذ باللّه من شرّ نفسك فانّك الحاسد إذا حسد.
و اعلم أنّ بين صورة كتاب الأمير عليه السّلام على نسخة كتاب صفين الّتي نقلناه عنها و بين صورته على نسخته الّتي نقله عنها الفاضل الشارح المعتزلي في شرحه على النهج بونا بعيدا و تفاوتا كثيرا و لسنا نعلم أنّ هذا الإختلاف الفاحش من أين تطرّق إلى كتاب واحد و لم يحضرني نسخة مصحّحة من كتاب صفين و لا نسخ متعدّدة منه لنحكم بتّا على صحّة نسخة و لا يبعد أن يقال أنّه إذا دار الأمر إلى اختيار نسخة من بين النسخ و ترجيحها على غيرها فالمختار هو ما في النهج لمكانة الرضي في معرفة فنون الكلام و أساليبه كيف لا و قد كان عالما نبيلا، و شاعرا مفلقا، و أديبا بارعا، و مترسلا قويّا ماهرا، و في تميز فصيح الكلام من غيره إماما خرّيتا يشهد على ذلك ديوان أشعاره و خطبته على النهج و سائر آثاره.
و أمّا الكتاب على نسخة الشارح المعتزلي فهذه صورته: من عبد اللَّه عليّ أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان سلام على من اتّبع الهدى فانّي أحمد إليك اللَّه الّذي لا إله إلّا هو أمّا بعد فانّك قد رأيت مرور الدّنيا و انقضاءها و تصرّمها و تصرّفها بأهلها
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 23
و خير ما اكتسب من الدّنيا ما أصابه العباد الصالحون منها من التقوى و من يقس الدّنيا بالاخرة يجد بينهما بعيدا (بونا بعيدا- ظ).
و اعلم يا معاوية أنّك قد ادّعيت أمرا لست من أهله لا في القديم و لا في الحديث و لست تقول فيه بأمر بيّن يعرف له أثر و لا عليك منه شاهد و لست متعلّقا باية من كتاب اللَّه و لا عهد من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و اله فكيف أنت صانع إذا تقشّعت عنك غيابة ما أنت فيه من دنيا قد فتنت بزينتها، و ركنت إلى لذّاتها، و خلّى بينك و بين عدوّك فيها، و هو عدوّ كلب مضلّ جاهد مليح ملح مع ما قد ثبت في نفسك من حبّها دعتك فأجبتها، و قادتك فاتّبعتها، و أمرتك فأطعتها؛ فاقعس عن هذا الأمر، و خذ أهبة الحساب فإنّه يوشك أن يقفك واقف على ما يخبيك مجن.
و متى كنتم يا معاوية ساسة الرعية، أو ولاة لأمر هذه الامّة بلا قدم حسن، و لا شرف تليد على قومكم؛ فاستيقظ من سنتك و ارجع إلى خالقك، و شمّر لما سينزل بك؛ و لا تمكّن عدوّك الشيطان من بغية (بغيته- خ ل) فيك مع أنّي أعرف أنّ اللَّه و رسوله صادقان نعوذ باللّه من لزوم سابق الشقاء و إلّا تفعل فانّي اعلمك ما أغفلت من نفسك أنّك مترف قد أخذ منك الشيطان مأخذه فجرى منك مجرى الدّم في العروق، و لست من أئمّة هذه الامّة و لا من رعاتها.
و اعلم أنّ هذا الأمر لو كان إلى النّاس أو بأيديهم لحسدوناه، و لا متنّوا علينا به، و لكنّه قضاء ممّن منحناه و اختصّنا به على لسان نبيّه الصادق المصدّق لا أفلح من شكّ بعد العرفان و البيّنة ربّ احكم بيننا و بين عدوّنا بالحقّ و أنت خير الحاكمين.
فكتب معاوية إليه الجواب من معاوية بن أبي سفيان .... و لا تفسد سابقة جهادك بشره .... و لا تمحص سابقتك بقتال من لا حقّ لك .... فاقرأ السورة الّتي يذكر فيها الفلق و تعوّذ من نفسك فانّك الحاسد إذا حسد.
اللغة:
«تكشّفت عنك» أى ارتفعت و زالت عنك و «انقشعت» و «تقشّعت» بمعنى انكشفت و تكشّفت يقال: انقشع السحاب و تقشّع أي زال و انكشف.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 24
«جلابيب» جمع الجلباب بكسر الجيم و سكون اللام و تخفيف الباء و بكسر اللّام و تشديد الباء أيضا: الملحفة و هي الثوب الواسع فوق جميع الثياب. و تجلبب الرّجل جلببة أي لبس الجلباب و لم تدغم لأنّها ملحقة بد حرج.
«تبهّجت» أي تحسّنت. «يوشك» بالكسر أى يقرب و يدنو و يسرع، يقال: أو شك يوشك إيشاكا فهو موشك، و الوشيك السريع.
قال الجوهريّ في الصحاح: و قد أوشك فلان إيشاكا أى أسرع السير؛ و منه قولهم يوشك أن يكون كذا. قال جرير يهجو العباس بن يزيد الكندي:
إذا جهل الشقيّ فلم يقدّر ببعض الأمر أوشك أن يصابا
و العلامة تقول: يوشك بفتح الشين و هي لغة رديئة، انتهى كلامه.
«يقفك واقف على ما لا ينجيك منه» أى يطلعك عليه. قال الجوهريّ في الصحاح: وقفته على ذنبه أي اطّلعته عليه.
«مجنّ» الترس: و بعض النسخ «منج» اسم الفاعل من قوله عليه السّلام ينجيك.
«اقعس عن هذا الأمر» أمر من قعس عنه قعسا من باب علم أى تأخّر عنه كتقاعس و اقعنسس كما في صحاح الجوهري؛ و على نسخة نصر أمر من أيس منه إياسا من باب علم أى قنط و قطع الرجاء منه. «الأهبة» في الصحاح: تأهّب: استعدّ، و أهبة الحرب عدّتها؛ و الجمع اهب، «شمّر» فقد مضى تفسيره و تحقيقه في شرح المختار 237 من باب الخطب (ص 190 ج 16) فراجع.
«الغواة» كالقضاة جمع غاو أى الضالّ. الإغفال: الإهمال و الترك. «المترف» مفعول، و في الصحاح: أترفته النعمة أى أطغته. و في بعض النسخ مشكول على هيئة الفاعل و الصواب ما قدّمناه؛ قال اللَّه تعالى: «وَ ما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ» (سبا- 34). و قال تعالى: «لا تَرْكُضُوا وَ ارْجِعُوا إِلى ما...» (أنبياء- 14).
المأخذ: المنهج و المسلك، و يروى على هيئة الجمع أعني الماخذ أيضا، و جاءت الماخذ بمعنى المصائد أيضا.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 25
«ساسة» جمع سائس كبطلة جمع باطل إلّا أنّ حرف العلّة فيها أبدلت ألفا و أصلها سيسة. «باسق» أى عال رفيع، يقال: بسق فلان على أصحابه أي علاهم و بسق النخل بسوقا أي طال و ارتفعت أغصانه و منه قوله تعالى: «وَ النَّخْلَ باسِقاتٍ» (ق- 12) قال هشام أخو ذي الرّمة في أبيات يرثى بها أخاه ذا الرّمة و ابن عمّه أو في بن دلهم (الحماسة 264).
نعوا باسق الأفعال لا يخلفونه تكاد الجبال الصمّ منه تصدّع
«متماديا» فاعل من التمادي و أصله المدى أي الغاية، يقال: تمادى فلان في غيّه أي دام على فعله و لجّ و بلغ فيه المدى. «الغرّة»: الغفلة. «الامنيّة» بضمّ الهمزة واحدة الأماني: ما يتمناه الإنسان و يؤمل إدراكه و طمع الناس.
الاعراب:
«من دنيا» كلمة من بيانيّة لكلمة ما، و ضمير تبهّجت و أخواتها يرجع إلى الدّنيا و ضماير الخطاب إلى من أجاب دعوتها.
«يوشك» من أفعال المقاربة، هو و أخواه كاد و كرب من النوع الأوّل منها الّذي وضع للدلالة على قرب الخبر للمسمّى باسمها. و هي تعمل عمل كان إلّا أنّ خبرها يجب كونه جملة ليتوجّه الحكم إلى مضمونها و شذّ مجيئه مفردا فواقف اسم ليوشك. و أن يقفك في موضع نصب خبر له قدّم على الاسم، و على صلة يقف.
و الفاء في فاقعس فصيحة، و تفعل و اعلمك مجزومان بان في إلّا لأنّ أصلها ههنا إن لا. و كلمة من في من نفسك بيانيّة يفسر كلمة ما. و مفعول اغفلت العائد إلى ما محذوف أي ما أغفلته، أو يقال من نفسك متعلّق لأغفلت و إن لم نجد في المعاجم الحاضرة لدينا أن يقال أغفل منه و نحوه.
«مأخذه» مفعول لقوله أخذ، و روي الماخذ بالجمع أيضا. و كذا مجرى الروح و الدّم لقوله جرى.
استفهام انكارى -استفهام عتابى قوله: متى كنتم - إلخ- استفهام على سبيل الانكار، قوله: بغير قدم سابق استفهام آخر أيضا على سبيل التعنيف و العتاب و الانكار أي: أ بغير قدم سابق و شرف باسق. «مختلف العلانية» خبر بعد خبر لقوله أن تكون؛ و الخبر الأوّل متماديا.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 28
المعنى:
كتب عليه السّلام هذا الكتاب إلى معاوية لمّا أراد المسير إلى أهل الشام بعد ما شاور من كان معه في ذلك و أورد كلامه عليه السّلام في المشاورة مع قومه و كلام عدّة من أنصاره و أعوانه في جوابه عليه السّلام و كذا كلام بعض من المنافقين له عليه السّلام و ما دار بينهم و بين أصحابه عليه السّلام نصر في كتاب صفّين و لا بأس بنقلهما لأنّ كلمات أنصاره في المقام تزيد القاري إيمانا.
نصر بن مزاحم، عن عمر بن سعد، عن إسماعيل بن يزيد و الحارث بن حصيرة عن عبد الرّحمن بن عبيد أبي الكنود قال: لمّا أراد عليّ عليه السّلام المسير إلى أهل الشام دعا إليه من كان معه من المهاجرين و الأنصار فحمد اللَّه و أثنى عليه و قال: أمّا بعد فانكم ميامين الرأى مراجيح الحلم مقاويل بالحقّ مباركو الفعل و الأمر و قد أردنا المسير إلى عدوّنا و عدوّكم فأشيروا علينا برأيكم.
أقول: كلامه عليه السّلام هذا مع وجازته و جودته و فصاحته و بلاغته ليس بمذكور في النهج.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 29
كلام هاشم بن عتبة له عليه السلام:
فقام هاشم بن عتبة بن أبي وقّاص فحمد اللَّه و أثنى عليه بما هو أهله ثمّ قال: أمّا بعد يا أمير المؤمنين فأنا بالقوم جدّ خبيرهم لك و لأشياعك أعداء و هم لمن يطلب حرث الدّنيا أولياء، و هم مقاتلوك و مجاهدوك لا يبقون جهدا مشاحّة على الدّنيا وضنّا بما في أيديهم منها و ليس لهم إربة غيرها إلّا ما يخدعون به الجّهال من الطلب بدم عثمان بن عفّان، كذبوا ليسوا بدمه يثارون و لكن الدّنيا يطلبون فسر بنا إليهم فان أجابوا إلى الحقّ فليس بعد الحقّ إلّا الضلال، و إن أبوا إلّا الشقاق فذلك الظنّ بهم و اللَّه ما أراهم يبايعون و فيهم أحد ممّن يطاع إذا نهى و يسمع إذا أمر.
كلام عمار بن ياسر له عليه السلام:
نصر عمر بن سعد، عن الحارث بن حصيرة، عن عبد الرّحمن بن عبيد أبي الكنود أنّ عمّار بن ياسر قام فذكر اللَّه بما هو أهله و حمدة و قال: يا أمير المؤمنين إن استطعت أن لا تقيم يوما واحدا فاشخص بنا قبل استعار نار الفجرة و اجتماع رأيهم على الصدود و الفرقة، و ادعهم إلى رشدهم و حظّهم فان قبلوا سعدوا، و إن أبوا إلّا حربنا، فو اللَّه إنّ سفك دمائهم و الجدّ في جهادهم لقربة عند اللَّه و هو كرامة منه.
كلام قيس بن سعد له عليه السلام:
و في هذا الحديث: ثمّ قام قيس بن سعد بن عبادة فحمد اللَّه و أثنى عليه ثمّ قال: يا أمير المؤمنين انكمش بنا إلى عدوّنا و لا تعرّج فو اللَّه لجهادهم أحبّ إلىّ من جهاد الترك و الروم لادهانهم في دين اللَّه و استذلالهم أولياء اللَّه من أصحاب محمّد صلّى اللَّه عليه و اله من المهاجرين و الأنصار و التابعين باحسان إذا غضبوا على رجل حبسوه أو ضربوه أو حرموه أو سيروه و فيئنا لهم في أنفسهم حلال و نحن لهم فيما يزعمون قطين، قال: يعنى رقيق.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 30
كلام سهل بن حنيف له عليه السلام:
فقال أشياخ الأنصار منهم خزيمة بن ثابت و أبو أيّوب الأنصاري و غيرهما: لم تقدّمت أشياخ قومك، و بدأتهم يا قيس بالكلام؟ فقال: أمّا إنّي عارف بفضلكم، معظم لشأنكم و لكنّي وجدت في نفسي الضغن الّذي جاش في صدوركم حين ذكرت الأحزاب.
فقال بعضهم لبعض: ليقم رجل منكم فليجب أمير المؤمنين عن جماعتكم فقالوا: قم يا سهل بن حنيف فقام سهل فحمد اللَّه و أثنى عليه ثمّ قال: يا أمير المؤمنين نحن سلم لمن سالمت، و حرب لمن حاربت، و رأينا رأيك، و نحن كفّ يمينك. و قد رأينا أن تقوم بهذا الأمر في أهل الكوفة فتأمرهم بالشخوص و تخبرهم بما صنع اللَّه لهم في ذلك من الفضل فانّهم هم أهل البلد و هم الناس؛ فان استقاموا لك استقام لك الّذي تريد و تطلب و أمّا نحن فليس عليك منّا خلاف؛ متى دعوتنا أجبناك، و متى أمرتنا أطعناك.
كلام اربد الفزارى له عليه السلام و قتله:
نصر عمر بن سعد، عن أبي مخنف، عن زكريا بن الحارث، عن أبي جيش عن معبد قال: قام عليّ عليه السّلام خطيبا على منبره فكنت تحت المنبر حين حرّض الناس و أمرهم بالمسير إلى صفّين لقتال أهل الشام فبدأ فحمد اللَّه و أثنى عليه ثمّ قال: سيروا إلى أعداء السنن و القرآن سيروا إلى بقيّة الأحزاب و قتلة المهاجرين و الأنصار فقام رجل من بني فزارة يقال له أربد فقال: أ تريد أن تسيرنا إلى إخواننا من أهل الشام فنقتلهم لك كما سرت بنا إلى إخواننا من أهل البصرة فقتلناهم كلّاها اللَّه «1» إذا لا نفعل ذلك.
فقام الأشتر فقال: من لهذا أيّها النّاس؟ و هرب الفزاريّ و اشتدّ الناس على أثره فلحق في مكان من السوق تباع فيه البرازين فوطّؤه بأرجلهم و ضربوه بأيديهم و نعال سيوفهم حتّى قتل، فأتى عليّ عليه السّلام فقيل: يا أمير المؤمنين قتل الرجل قال: و من قتله؟ قالوا: قتلته همدان و فيهم شوبة من الناس، فقال: قتيل عميّة
______________________________
(1) كلاها اللَّه مخفف كلا و اللَّه و معناها بالفارسية، نه چنين است سوگند بخدا. منه.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 31
لا يدرى من قتله، ديته من بيت مال المسلمين. قال علاقة التميمي:
أعوذ بربّي أن تكون منيّتي كما مات في سوق البرازين أربد
تعاوده همدان خفق نعالهم إذا رفعت عنه يد وضعت يد
كلام الاشتر له عليه السلام:
قال: و قام الأشتر فحمد اللَّه و أثنى عليه فقال يا أمير المؤمنين لا يهدنك ما رأيت و لا يؤيسنّك من نصرنا ما سمعت من مقالة هذا الشقيّ الخائن إنّ جميع من ترى من الناس شيعتك و ليسوا يرغبون بأنفسهم عن نفسك و لا يحبّون بقاء بعدك فإن شئت فسر بنا إلى عدوّك و اللَّه ما ينجو من الموت من خافه و لا يعطى البقاء من أحبّه و ما يعيش بامال إلّا شقيّ، و إنّا لعلى بيّنة من ربّنا، إنّ نفسا لن تموت حتّى يأتي أجلها؛ فكيف لا نقاتل قوما هم كما وصف أمير المؤمنين و قد و ثبت عصابة منهم على طائفة من المسلمين فأسخطوا اللَّه و أظلمت بأعمالهم الأرض و باعوا خلاقهم بعرض من الدّنيا يسير.
فقال عليّ عليه السّلام: الطريق مشترك و الناس في الحقّ سوّاء و من اجتهد رأيه في نصيحة العامّة فله ما نوى و قد قضى ما عليه ثمّ نزل فدخل منزله.
كلام ابن المعتم و حنظلة العبسى المعروف بحنظلة الكاتب له عليه السلام:
و كانا كاتبين لمعاوية و مخالفين لأمير المؤمنين على عليه السلام، و ما قال لهما قوم على عليه السلام و أمره بهدم دار حنظلة و ما جرى في ذلك.
نصر عمر بن سعد قال: حدّثني أبو زهير العبسيّ، عن النضر بن صالح: إنّ عبد اللَّه بن المعتم العبسي، و حنظلة بن الربيع التميمي لما أمر عليّ عليه السّلام الناس بالمسير إلى الشام دخلا في رجال كثير من غطفان و بني تميم على أمير المؤمنين عليه السّلام فقال له التميميّ: يا أمير المؤمنين إنا قد مشينا إليك بنصيحة فاقبلها منّا و رأينا لك رأيا فلا تردّه علينا: فإنّا نظرنا لك و لمن معك أقم و كاتب هذا الرجل و لا تعجل إلى قتال أهل الشام فإنّي و اللَّه ما أدري و لا تدري لمن تكون إذا لقيتم الغلبة و على
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 32
من تكون الدبرة؟ و قام ابن المعتم فتكلّم و تكلّم القوم الّذين دخلوا معهما بمثل ما تكلّم به.
فحمد عليّ عليه السّلام اللَّه و أثنى عليه و قال: أمّا بعد فإنّ اللَّه وارث العباد و البلاد و ربّ السماوات و الأرضين السبع و إليه ترجعون يؤتي الملك من يشاء و ينزعه ممّن يشاء و يعزّ من يشاء و يذلّ من يشاء. أمّا الدّبرة فانها على الضالّين العاصين ظفروا أو ظفر بهم. و أيم اللَّه إنّي لأسمع كلام قوم ما أراهم يريدون أن يعرفوا معروفا و لا ينكروا منكرا.
فقام إليه معقل بن قيس اليربوعي ثمّ الرياحي فقال: يا أمير المؤمنين إنّ هؤلاء و اللَّه ما أتوك بنصح و لا دخلوا عليك إلّا بغشّ فاحذرهم فإنّهم أدنا العدوّ.
فقال له مالك بن حبيب: يا أمير المؤمنين انّه بلغني أنّ حنظلة هذا يكاتب معاوية فادفعه إلينا نحبسه حتّى تنقضي غزاتك ثمّ تنصرف.
و قام إلى عليّ عليه السّلام عياش بن ربيعة و قائد بن بكير العبسيّان فقالا: يا أمير المؤمنين إنّ صاحبنا عبد اللَّه بن المعتمّ قد بلغنا أنّه يكاتب معاوية فاحسبه أو أمكنّا منه نجسه حتّى تنقضي غزاتك و تنصرف.
فأخذا (يعني ابن المعتم و حنظلة الكاتب) يقولان: هذا جزاء من نصركم و أشار عليكم بالرأي فيما بينكم و بين عدوّكم.
فقال لهما عليّ عليه السّلام: اللَّه بيني و بينكم و إليه أكلكم و به أستظهر عليكم اذهبوا حيث شئتم.
ثمّ بعث عليّ عليه السّلام إلى حنظلة بن الربيع المعروف بحنظلة الكاتب و هو من الصحابة فقال: يا حنظلة أعليّ أم لي؟ قال: لا عليك و لا لك. قال: فما تريد؟
قال: اشخص إلى الرها فإنّه فرج من الفروج أصمد له حتّى ينقضي هذا الأمر؛ فغضب من ذلك خيار بني عمرو بن تميم و هم رهطه. فقال: إنّكم و اللَّه لا تغرّوني من ديني دعوني فأنا أعلم منكم. فقالوا: و اللَّه لئن لم تخرج مع هذا الرّجل لا ندع
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 33
فلانه يخرج معك لام ولده و لا ولدها و لئن أردت ذلك لنقتلنّك فأعانه ناس من قومه فانتزلوا سيوفهم، فقال: أجّلوني حتّى أنظر فدخل منزله و أغلق بابه حتّى إذا أمسى هرب إلى معاوية و خرج من بعده إليه من قومه رجال كثير، و لحق ابن المعتمّ أيضا حتّى أتى معاوية و خرج معه أحد عشر رجلا من قومه، و أمّا حنظلة فخرج بثلاثة و عشرين رجلا من قومه و لكنّهما لم يقاتلا مع معاوية و اعتزلا الفريقين جميعا فقال حنظلة حين خرج إلى معاوية:
يسلّ عواة عند بابي سيوفها و نادى مناد في الهجيم لأقبلا
سأترككم عودا لأصعب فرقة إذا قلتم كلّا يقول لكم بلا
قال: فلمّا هرب حنظلة أمر عليّ عليه السّلام بداره فهدمت هدمها عرّيفهم بكر بن تميم و شبث بن ربعي.
كلام عدى بن حاتم الطائى له عليه السلام:
نصر: عمر بن سعد، عن سعد بن طريف، عن أبي المجاهد، عن المحلّ بن خليفة قال: قام عديّ بن حاتم الطائي فبدأ فحمد اللَّه بما هو أهله و أثنى عليه ثمّ قال:
يا أمير المؤمنين ما قلت إلّا بعلم و لا دعوت إلّا إلى حقّ و لا أمرت إلّا برشد فان رأيت أن تستأني هؤلاء القوم و تستديمهم حتّى يأتيهم كتبك و يقدم عليهم رسلك فعلت فإن يقبلوا يصيبوا و يرشدوا و العافية أوسع لناولهم و إن يتمادوا في الشقاق و لا ينزعوا عن الغيّ فسر إليهم و قد قدّمنا إليهم العذر و دعوناهم إلى ما في أيدينا من الحقّ فواللَّه لهم من اللَّه أبعد و على اللَّه أهون من قوم قاتلناهم بناحية البصرة أمس لما أجهدنا لهم الحقّ فتركوه ناوحناهم براكاء القتال حتّى بلغنا منهم ما نحب و بلغ اللَّه منهم رضاه فيما يرى.
كلام زيد بن حصين الطائى له عليه السلام:
فقام زيد بن حصين الطائي و كان من أصحاب البرانس المجتهدين فقال: الحمد للَّه حتّى يرضى و لا إله الّا اللَّه ربّنا و محمّد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و اله نبيّنا أمّا بعد فواللَّه لئن كنّا في شكّ من قتال من خالفنا لا يصلح لنا النيّة في قتالهم حتّى نستديمهم
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 34
و نستأنيهم ما الأعمال إلّا في تباب و لا السعي إلّا في ضلال و اللَّه يقول: «و أمّا بنعمة ربّك فحدّث» إنّا و اللَّه ما ارتبنا طرفة عين فيمن يبتغون دمه فكيف بأتباعه القاسية قلوبهم، القليل في الاسلام حظّهم، أعوان الظلم، و مسدّدي أساس الجور و العدوان ليسوا من المهاجرين و لا الأنصار و لا التابعين باحسان.
فقام رجل من طي ء فقال: يا زيد بن حصين أكلام سيّدنا عديّ بن حاتم تهجن؟ قال: فقال: ما أنت بأعرف بحقّ عديّ منّي و لكن لا أدع القول بالحقّ و إن سخط الناس، قال: فقال عديّ بن حاتم: الطريق مشترك و النّاس في الحقّ سواء فمن اجتهد رأيه في نصيحة العامّة فقد قضى الّذي عليه.
كلام أبي زبيب بن عوف له عليه السلام:
نصر عمر بن سعد، عن الحراث بن حصيرة (حصين- خ ل) قال: دخل أبو زبيب بن عوف على عليّ عليه السّلام فقال: يا أمير المؤمنين لئن كنّا على الحقّ لأنت أهدانا سبيلا و أعظمنا في الخير نصيبا و لئن كنّا في ضلالة انك لأثقلنا ظهرا و أعظمنا وزرا أمرتنا بالمسير إلى هذا العدوّ و قد قطعنا ما بيننا و بينهم من الولاية و أظهرنا لهم العداوة نريد بذلك ما يعلم اللَّه و في أنفسنا من ذلك ما فيها؛ أليس الّذي نحن عليه الحقّ المبين؛ و الّذي عليه عدوّنا الغيّ و الحوب الكبير؟
فقال عليّ: شهدت أنّك إن مضيت معنا ناصرا لدعوتنا صحيح النيّة في نصرتنا قد قطعت عنهم الولاية و أظهرت لهم العداوة كما زعمت فانّك وليّ اللَّه تسبح في رضوانه و تركض في طاعته فأبشر أبا زبيب.
فقال له عمّار بن ياسر: اثبت أبا زبيب و لا تشكّ في الأحزاب عدوّ اللَّه و رسوله قال: فقال أبو زبيب ما احبّ أنّ لي شاهدين من هذه الأمّة فيشهدا لى على ما سألت عنه من هذا الأمر الّذي أهمّني مكانكما. قال: و خرج عمّار و هو يقول:
سيروا إلى الأحزاب أعداء النبيّ سيروا فخير الناس أتباع عليّ
هذا أوان طاب سلّ المشرفيّ و قودنا الخيل و هزّ السّمهريّ
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 35
كلام يزيد بن قيس الارحبى:
عمر بن سعد، عن أبي روق قال: دخل يزيد بن قيس الأرحبيّ على عليّ بن أبي طالب عليه السّلام فقال: يا أمير المؤمنين نحن على جهاز و عدة و أكثر الناس أهل التّقوى و من ليس بمضعف و ليس به علّة فمر مناديك فليناد الناس يخرجوا إلى معسكرهم بالنخيلة فإنّ أخا الحرب ليس بالسّؤم و لا النّؤم و لا من إذا أمكنه الفرص أجّلها و استشار فيها و لا من يؤخّر الحرب في النوب إلى غد و بعد غد.
كلام زياد بن النضر له عليه السلام:
فقال زياد بن النضر: لقد نصح لك يا أمير المؤمنين يزيد بن قيس و قال ما يعرف فتوكّل على اللَّه وثق به و اشخص بنا إلى هذا العدوّ راشدا معانا فإن يرد اللَّه بهم خيرا لا يدعوك رغبة عنك إلى من ليس مثلك في السابقة مع النبيّ صلّى اللَّه عليه و اله و القدم في الإسلام و القرابة من محمّد صلّى اللَّه عليه و اله و إلّا ينيبوا و يقبلوا و يأبوا إلّا حربنا نجد حربهم علينا هيّنا و رجونا أن يصرعهم اللَّه مصارع إخوانهم بالأمس.
كلام عبد الله بن بديل له عليه السلام:
ثمّ قام عبد اللَّه بن بديل بن ورقاء الخزاعي فقال: يا أمير المؤمنين إنّ القوم لو كانوا اللَّه يريدون أو للّه يعملون ما خالفونا و لكنّ القوم إنّما يقاتلون فرارا من الاسوة و حبّا للأثرة و ضنّا بسلطانهم و كرها لفراق دنياهم الّتي في أيديهم و على إحن في أنفسهم و عداوة يجدونها في صدورهم لوقايع أوقعتها يا أمير المؤمنين بهم قديمة قتلت فيها آباءهم و إخوانهم.
ثمّ التفت إلى الناس فقال: فكيف يبايع معاوية عليّا و قد قتل أخاه حنظلة و خاله الوليد و جدّه عتبة في موقف واحد و اللَّه ما أظنّ أن يفعلوا و لا يستقيموا لكم دون أن تقصد فيهم المران و تقطع على هامهم السيوف و تنثر حواجبهم بعمد الحديد و تكون امور جمة بين الفريقين.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 36
سب أصحاب على عليه السلام معاوية و أتباعه و براءتهم عنهم و منعه عليه السلام اياهم عن السب
نصر: عمر بن سعد، عن عبد الرّحمن، عن الحارث بن حصيرة، عن عبد اللَّه ابن شريك قال: خرج حجر بن عديّ و عمرو بن الحمق يظهر ان البراءة و اللّعن من أهل الشام فأرسل إليهما عليّ عليه السّلام أن كفّاعما يبلغني عنكما فأتياه فقالا يا أمير المؤمنين ألسنا محقّين؟ قال: بلى، قالا: فلم منعتنا من شتمهم؟ قال: كرهت لكم أن تكونوا لعّانين شتّامين تشتمون و تتبرّؤن و لكن لو وصفتم مساوي أعمالهم فقلتم من سيرتهم كذا و كذا كان أصوب في القول و أبلغ في العذر و قلتم مكان لعنكم إياهم و براءتكم منهم: اللّهمّ احقن دماءنا و دماءهم و اصلح ذات بيننا و بينهم و اهدهم من ضلالتهم حتّى يعرف الحقّ منهم من جهله، و يرعوى عن الغيّ و العدوان من لهج به كان هذا أحبّ إلىّ و خيرا لكم.
فقالا: يا أمير المؤمنين نقبل عظتك و نتأدّب بأدبك.
و قال عمرو بن الحمق: إنّي و اللَّه يا أمير المؤمنين ما أحببتك و لا بايعتك على قرابة بيني و بينك و لا إرادة مال تؤتينه و لا التماس سلطان برفع ذكرى به و لكن أحببتك لخصال خمس: إنّك ابن عمّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و اله، و أوّل من آمن به، و زوج سيّدة نساء الامّة فاطمة بنت محمّد صلّى اللَّه عليه و اله، و أبو الذرّيّة الّتي بقيت فينا من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و اله، و أعظم رجلا من المهاجرين سهما في الجهاد، فلو أنّي كلفت نقل الجبال الرواسي، و نزح البحور الطوامي حتّى يأتي علىّ يومي في أمر أقوى به وليّك و أوهن به عدوّك ما رأيت أنّي قد أدّيت فيه كلّ الّذي يحقّ عليّ من حقك.
فقال أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام: اللّهمّ نوّر قلبه بالتقى و اهده إلى صراط مستقيم ليت أنّ في جندي مائة مثلك.
فقال حجر: إذا و اللَّه يا أمير المؤمنين صحّ جندك، و قلّ فيهم من يغشّك ثمّ قام حجر فقال: يا أمير المؤمنين نحن بنو الحرب و أهلها الّذين ... «1»
______________________________
(1) كلمة واحدة خرمت في الاصل. منه.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 37
و ننتجها قد ضارسنا و ضارسناها و لنا أعوان ذو صلاح و عشيرة ذات عدد، و رأى مجرّب و بأس محمود، و أزمّتنا منقادة لك بالسمع و الطاعة، فان شرقت شرقنا، و إن غربت غربنا، و ما أمرتنا به من أمر فعلناه.
فقال عليّ عليه السّلام: أكلّ قومك يرى مثل رأيك؟ قال: ما رأيت منهم إلّا حسنا و هذه يدي عنهم بالسمع و الطاعة و بحسن الإجابة، فقال له عليّ عليه السّلام خيرا.
قال نصر: و في حديث عمر بن سعد قال: و كتب عليّ عليه السّلام إلى عمّاله:
فكتب إلى مخنف بن سليم و كان عامله عليه السّلام على اصفهان و همدان كتابا و هو قوله عليه السّلام:
كتابه عليه السلام الى مخنف بن سليم و قد كان عامله عليه السلام على اصفهان و همدان:
و هذا الكتاب لم يأت به الرضى رضوان اللّه عليه في النهج سلام عليك فإنّي أحمد إليك اللّه الّذي لا إله إلّا هو أمّا بعد فإنّ جهاد من صدف عن الحقّ رغبة عنه و هبّ في نعاس العمى و الضلال اختيارا له فريضة على العارفين إنّ اللّه يرضى عمّن أرضاه و يسخط على من عصاه و إنّا قد هممنا بالمسير إلى هؤلاء القوم الّذين عملوا في عباد اللّه بغير ما أنزل اللّه و استأثروا بالفى ء و عطّلوا الحدود و أماتوا الحقّ و أظهروا في الأرض الفساد و اتّخذوا الفاسقين و ليجة من دون المؤمنين فإذا وليّ للّه أعظم أحداثهم أبغضوه و اقصوه و حرّموه؛ و إذا ظالم ساعدهم على ظلمهم أحبّوه و أدنوه و برّوه فقد أصرّوا على الظلم و أجمعوا على الخلاف و قديما مّا صدّوا عن الحقّ، و تعاونوا على الإثم و كانوا ظالمين فإذا اتيت بكتابي هذا فاستخلف على عملك أوثق أصحابك في نفسك و أقبل إلينا لعلّك تلقى هذا العدوّ المحل فتأمر بالمعروف و تنهى عن المنكر و تجامع الحقّ و تباين الباطل فإنّه لاغناء بك و لا بك عن أجر الجهاد و حسبنا اللّه و نعم الوكيل و لا حول و لا قوّة إلّا باللّه العليّ العظيم، و كتب عبد اللّه بن أبي رافع سنة سبع و ثلاثين.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 38
قال نصر: فاستعمل مخنف على اصبهان الحرث بن أبي الحرث بن الربيع، و استعمل على همدان سعيد بن وهب و كلاهما من قومه و أقبل حتّى شهد مع عليّ عليه السّلام صفين.
كتابه عليه السلام الى عبد اللّه بن عباس و قد كان عامله على البصرة:
و هذا الكتاب أيضا ليس في النهج قال نصر: و كان عليّ عليه السّلام قد استخلف ابن عبّاس على البصرة فكتب عبد اللّه بن عبّاس إلى عليّ عليه السّلام يذكر له اختلاف أهل البصرة فكتب إليه عليّ عليه السّلام:
من عبد اللّه عليّ أمير المؤمنين إلى عبد اللّه بن عبّاس أمّا بعد فالحمد للّه ربّ العالمين و صلّى اللّه على سيّدنا محمّد عبده و رسوله أمّا بعد فقد قدم عليّ رسولك و ذكرت ما رأيت و بلغك عن أهل البصرة بعد انصرافي و ساخبرك عن القوم هم من بين مقيم لرغبة يرجوها أو عقوبة يخشاها فأرغب راغبهم بالعدل عليه و الانصاف له و الاحسان إليه، و حلّ عقدة الخوف عن قلوبهم فانّه ليس لامراء أهل البصرة في قلوبهم عظم إلّا قليل منهم و انته إلى أمري و لا تعده، و أحسن إلى هذا الحيّ من ربيعة و كلّ من قبلك فأحسن إليهم ما استطعت إن شاء اللّه و السلام. و كتب عبد اللّه بن أبي رافع في ذي القعدة سنة سبع و ثلاثين.
كتابه عليه السلام الى الاسود بن قطنة:
و كتب إلى الأسود بن قطنة: أما بعد فإنّه من لم ينتفع بما وعظ لم يحذر ما هو غابر و من أعجبته الدّنيا رضي بها و ليست بثقة فاعتبر بما مضى تحذر ما بقى و اطبخ للمسلمين قبلك من الطّلاء ما يذهب ثلثاه و أكثر لنا من لطف الجند و اجعله مكان ما عليهم من أرزاق الجند فإنّ للولدان علينا حقّا، و في الذريّة من يخاف دعائه و هو لهم صالح و السلام.
أقول: هذا الكتاب ليس بمذكور في النهج أيضا و قد يأتي كتاب آخر له عليه السّلام إلى الأسود بن قطنة، و هو الكتاب 59. و جاء بعض النسخ قطيبة، و الاخر:
قطبة.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 39
كتابه عليه السلام الى عبد الله بن عامر:
و هذا الكتاب أيضا لا يوجد في النهج قال نصر: و كتب عليه السّلام إلى عبد اللّه بن عامر: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم من عبد اللّه عليّ أمير المؤمنين إلى عبد اللّه بن عامر، أمّا بعد فإنّ خير الناس عند اللّه عزّ و جلّ أقومهم للّه بالطاعة فيما له و عليه و أقولهم بالحقّ و لو كان مرّا فإنّ الحقّ به قامت السماوات و الأرض و لتكن سريرتك كعلانيتك؛ و ليكن حكمك واحدا، و طريقتك مستقيمة فانّ البصرة مهبط الشيطان فلا تفتحنّ على يد أحد منهم بابا لا نطيق سدّه نحن و لا أنت و السلام.
و كتب إلى عبد اللّه بن عبّاس- إلخ. هذا الكتاب هو الّذي أتى به الرّضيّ رضوان اللّه عليه في موضعين الأوّل هو الكتاب 22 أوّله: أمّا بعد فإنّ المرء قد يسرّه درك ما لم يكن ليفوته- إلخ. و الثاني هو الكتاب 66 أوّله: أمّا بعد فإنّ المرء ليفرح بالشي ء الّذي لم يكن ليفوته و إنّما ذكره مرّتين لاختلاف الرواية في صورته و سيأتي شرحه في محلّه بعون اللّه تعالى.
قال نصر: و كتب عليه السّلام إلى امراء الخراج: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم من عبد اللّه عليّ أمير المؤمنين إلى امراء الخراج: أمّا بعد فانّه من لم يحذر ما هو صائر إليه- إلخ. و هو الكتاب 51 من النهج و سيأتي تفصيله و شرحه إنشاء اللّه تعالى.
قال نصر: و كتب إلى معاوية- إلخ. و هو الكتاب العاشر من النهج الّذي نحن بصدد شرحه.
و كتب إلى عمرو بن العاص- إلخ. و هو الكتاب 49 من النهج أوّله: فإنّ الدّنيا مشغلة عن غيرها- إلخ. و سيأتي شرحه إنشاء اللّه تعالى فقد آن لنا أن نرجع إلى شرح جمل الكتاب:
قوله عليه السّلام: «بسم اللّه - إلى قوله: بأهلها» و عظ عليه السّلام معاوية بعد تسمية اللّه و تحميده بأنّ الدّنيا منقضية متصرّمة و متصرّفة بأهلها أنحاء التصرّف فقد أشابت الصغير و أفنت الكبير و أبنائها فيها كأنّما قد قضوا نحبهم و انصرمت آجالهم فإنّ
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 40
الموت قريب، و الدّنيا دار مقرّ. و ليس الناس للدّنيا خلقوا؛ و بالجملة أنّه عليه السّلام وعظه و ذكّره بمرور الدّنيا و تصرّمها بأهلها لعلّ العظة و التذكرة تنفعانه، و لكن معاوية زيّن له الحياة الدّنيا و صار قلبه أشدّ قسوة من الحجارة فأنّي له أن يذّكّر، و ينفعه نصحه عليه السّلام، قال عزّ من قائل في سورة الأعلى: «فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى. سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى. وَ يَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى. الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى. ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَ لا يَحْيى» .
قوله عليه السّلام: «و خير ما بقي من الدّنيا ما أصاب العباد الصادقون فيما مضى» هذه عظة اخرى له. و كلمة من الجارة صلة بقي لا أنّها بيانيّة تبيّن ما، و ما الثانية خبر خير، و العباد فاعل أصاب، و الضمير العائد إلى ما الثانية محذوف أي ما أصابه العباد لأنّه يجوز حذف العائد المنصوب إذا كان متصلا منصوبا و ناصبه فعل أو وصف غير صلة الألف و اللّام نحو يعلم ما يسرّون و ما يعلنون أي يسرّونه و يعلنونه. و لم يبيّن ما الثانية ليذهب نفس السامع إلى كلّ مذهب خير و رأسه التقوى كما أتى بها في نسخة الشارح المعتزلي. و ما الثالثة يمكن أن تفسّر إمّا بالزّمان أي في الزّمان الّذي مضى من عمرهم، قال تعالى: «فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ» - إلى قوله: «كُلُوا وَ اشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ» (الحاقة 20- 25) أو بالامور و الأفعال و نحوهما أي في بين الامور الّتى مضت منهم و صدرت عنهم فتذكير الفعل على هذا الوجه باعتبار ظاهرها.
قوله عليه السّلام: «و من نسي الدّنيا نسيان الاخرة يجد بينهما بونا بعيدا» كانت نسخة الشارح المعتزلي: «من يقس الدّنيا بالاخرة يجد بينهما بونا بعيدا» و معناها واضح و الغرض انّ العاقل لا يبيع الدار الباقية بالفانية و لا يخرب الاولى لأجل الثانية قال عزّ من قائل: «إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَ يَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلًا» (الدّهر- 28).
و أمّا النسخة الاخرى فمعناه أنّ من زهد في الدّنيا مثل من زهد في الاخرة يجد بين الدّنيا و الاخرة بونا بعيدا، أي يجد ذلك الّذي ترك الدّنيا بينه و بين
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 41
من ترك الاخرة في الاخرة بونا بعيدا فإنّ الأوّل له درجات عند ربّه و الثاني ينسى في الاخرة؛ قال تعالى: «الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَ لَعِباً وَ غَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا وَ ما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ» (الأعراف- 51).
أو يقال: من نسي حظوظ الدّنيا و ترك الشهوات النفسانيّة لأجل أن لا ينسي في الاخرة فيجد بينهما بونا بعيدا، و لعلّ غيري يفهم معنى آخر أدقّ و ألطف ممّا تبادر إليه ذهني.
و معلوم أنّ غرضه عليه السّلام ترغيب معاوية في ما ينفعه؛ و تحذيره ممّا يوجب نكال الاخرة. و نقل العبارة الشارح البحراني هكذا: «و من نفس الدّنيا بشأن الاخرة- إلخ» و الظاهر أنّ نفس في نسخته تحريف يقس؛ لأنّ نفس ثلاثيا أو مزيدا لم يجي ء لمعنى يناسب المقام، أو أنّه تحريف ينسى.
قوله عليه السّلام: «و اعلم يا معاوية- إلى قوله: من رسول اللّه» يعني أنّ معاوية ادّعى مقام الخلافة و الإمامة و ليس من أهله و ذلك لأنّ هذا المقام هو خلافة اللّه و خلافة الرّسول و لا بدّ لمن يدّعيه شاهد من كتاب اللّه و عهد من الرّسول و قد قدّمنا طائفة من البحث عن الخلافة و أوصاف الإمام في شرح المختار 237 من باب الخطب و قد حرّرنا هناك أنّ الإمام يجب أن يكون منصوبا من عند اللّه تعالى، و معصوما من الذّنوب مطلقا لما دريت أن ذلك المقام عهد اللّه و لا ينال عهده الظالمين فراجع.
و قوله عليه السّلام: و لا لك عليه شاهد من كتاب اللّه، و لا عهد تدّعيه من رسول اللّه؛ صريح بأنّ الخلافة ليست زعامة عادية عامية تثبت بالشورى؛ بل هي رئاسة عامّة إلهيّة في امور الدّين و الدّنيا و الفائز بهذا المنصب الالهي إنّما يفوز به بنصّ اللّه تعالى و رسوله.
ثمّ إنّ معنى العبارة على نسخة الفاضل الشارح أعني قوله عليه السّلام: «انّك قد ادّعيت أمرا لست من أهله لا في القديم و لا في الحديث» بيّن لا يحتاج إلى التفسير و أمّا على النسخة الاخرى أعني قوله عليه السّلام: «انّك قد ادّعيت أمرا لست من أهله
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 42
لا في القدم و لا في الولاية» فلعلّ معناها: انّك ادّعيت أمر الخلافة لست من أهله لا في القديم على أن يقرأ القدم بكسر القاف و فتح الدال بمعنى مقابل الحدوث، و يحتمل بعيدا أن يقرأ بفتحهما نحو قوله الاتي في هذا الكتاب: بغير قدم سابق، و نحو ما مضى منه عليه السّلام في الكتاب السابق: إذ صرت يقرن بي من لم يسع بقدمي. و لا في الولاية بكسر الواو أي الإمارة لأنّ الولاية الإلهيّة تلزم التدبير و العلم بالدّين و سائر ما يجب أن يكون صاحب هذه الرتبة واجدها و منها أن يكون وليّ العهد بنصّ اللّه تعالى و رسوله و لم تكن لمعاوية الولاية. و لعلّ حرف التعريف فيها يشير إلى أنّ الولاية المعهودة يجب أن تكون لخليفة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و يؤيّد ما فسّرنا قول عمّار بن ياسر في صفين حيث قال: أيّها النّاس اقصدوا بنا نحو هؤلاء الّذين يبغون دم ابن عفّان- إلى قوله: و لم يكن للقوم (يعني بهم معاوية و أتباعه) سابقة في الإسلام يستحقّون بها طاعة النّاس و الولاية عليهم فخذعوا أتباعهم، إلى آخر ما روينا عن الطبري في ص 286 ج 15 و رواه نصر أيضا في كتاب صفين ص 165 من الطبع الناصري.
و أظنّ أنّ الأصل في الموضعين هو النسخة الّتي نقلناها عن نصر و الّتي نقلها الشارح المذكور عنه مصحّفة و ذلك أنّ نسختنا لا تخلو من اعضال و غرابة و لما لم يكن الذهن يستأنس بها في جليّ النظر حرّفت إلى ما ترى كما هو دأب الناس في ماله غرابة.
قوله عليه السّلام: «فكيف أنت صانع إذا- إلى قوله: فأطعتها» العبارة في نسخ النهج مذكورة بالواو مكان الفاء أي «و كيف أنت صانع» و الصواب الفاء دون الواو و ذلك لأنّ العبارة متفرّعة على ما قبلها و الفاء هذه فصيحة تنبى ء عن محذوف يدلّ عليه ما قبلها أي إذا لم يكن لك في ادّعائك هذا الأمر شاهد من كتاب اللّه، و لا عهد من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله، و لا أمر بيّن تعرف لك به أثرة فكيف أنت صانع- إلخ.
أي فما ذا تفعل إذا ارتفعت و زالت عنك ما كانت تغطيك و تواريك من جلابيب ما أنت فيه من دنيا فبقيت مكشوفا غير مستور منها.
و الغرض أنّ معاوية لم يكن له هذا الشأن العظيم الإلهي إلّا أنّ الدّنيا
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 43
فتنته بزينتها و غرّته و خدعته فتجاوز عن حدّه فادّعى ما لم يكن له و كأنّه عليه السّلام أشار بقوله جلابيب حيث أتى بلفظ الجمع إلى كثرة اغتراره من الدّنيا و توغّله فيها و إحاطتها به كأنّ خدعتها إيّاه في كلّ مرّة كانت ملحفة غشيته. و بقوله: فأجبتها فاتّبعتها، فأطعتها؛ إلى أنّه استغشى ثيابها أيضا.
ثمّ إنّ من تصدّى لخدعة الغير لا بدّ له من أن يلبس الباطل في ثياب الحقّ و يزين المنكر و يزخرفه حتّى يزوّر عليه الأمر فيصطاده بتلك الشرك المموّهة؛ و لذا قال عليه السّلام: قد تبهّجت بزينتها و خدعت بلذّتها.
قوله عليه السّلام: «و إنّه يوشك أن يقفك واقف على ما لا ينجيك منه مجنّ» أجرى عليه السّلام المخاطب مجرى الغافل عن شي ء ثمّ أخبره بذلك الشي ء كقول الشاعر:
جاء شقيق عارض رمحه إنّ بني عمّك فيهم رماح
و ذلك لأنّ أعمال معاوية تشبه عمل من لم يقرّ بالموت و لم يذعن بالحساب و الجزاء فأخبره تذكيرا له بأنّ مطلعا يطّلعه عن قريب على ما لا يتّقى منه بترس و لا ينجيه منه منج. و لم يبيّن كلمة ما ليعمّ الموت و ما يتبعه من أحوال ما بعد الموت و أهواله. و ما لزم معاوية ممّا اكتسبها من معاصى اللّه و التجاوز عن حدوده فانّها صارت رينا على قلبه فما له من محيص قال عزّ من قائل: «ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ» (البقرة- 280) و قال تعالى: «كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ».
و الظاهر أنّ المراد من الواقف هو اللّه تعالى، أو ملك الموت؛ أو الموت، أو أنّه عليه السّلام أراد به نفسه و يخبره عن عواقبه النازلة عليه في صفّين كقوله عليه السّلام في ذيل هذا الكتاب: كأنّي قد رأيتك تضجّ من الحرب- إلخ. و إن كان الأخير لا يناسب سياق الكلام.
قوله عليه السّلام: «فاقعس عن هذا الأمر» الفاء فصيحة و أخذ عليه السّلام أن ينفّره
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 44
و يحذّره من سوء أعماله أي إذا كان الموت آتيك عن قريب و أنت رهين ما اكتسبت فتأخّر عمّا تدّعيه و اقطع الرجاء منه و أمسك عن أباطيلك، و تنحّ عن أضاليلك.
قوله عليه السّلام: «و خذ أهبة الحساب» عطف على قوله اقعس، أي تأهّب و استعدّ لحسابك يوم يقوم النّاس لربّ العالمين قال تعالى: «اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَ هُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ» (الأنبياء- 2) و قال عزّ من قائل: «إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ » (الغاشية: 25).
قوله عليه السّلام: «و شمّر لما قد نزل بك» عبّر ما يأتي بلفظ الماضي لتحقّق وقوعه عن قريب حتّى كأنّه وقع. ثمّ إنّه عليه السّلام خوّفه من سوء ماله و نكال مابه في الاخرة بقوله شمّر لما قد نزل بك أي تهيّأ لأمر هائل و خطب عظيم لما قد دريت من مباحثنا السالفة انه يقال: فلان شدّ عقد إزاره، أو كشف عن ساقيه أو شمّر عن ساقيه، أو شمّر ذيله، أو نحوها إذا تهيّأ لأمر هائل و خطب عظيم و فظيع.
و يمكن أن يكون مراده عليه السّلام بقوله هذا تهديده و إنذاره من عواقبه و إخباره بما ينزل به و يفضحه في وقعة صفين كقوله عليه السّلام له في ذيل كتابه هذا: فكأنّي قد رأيتك تضجّ من الحرب- إلخ. و لكن المعنى الأوّل أوفق بسياق الكلام.
قوله عليه السّلام: «و لا تمكّن الغواة من سمعك» يقال مكّنه و أمكنه من الشي ء إذا جعل له عليه سلطانا و قدرة. أى لا تسلّطهم على سمعك و لا تسمع منهم ما يوحون إليك و لا تشاورهم فانّهم يغوونك فيردونك لأنّ اتّباع الاراء الباطلة مردية و ذلك لأنّ بعد الحقّ ليس إلّا الضلال.
و من هؤلاء الغواة عبيد اللّه بن عمر لما علمت في شرح المختار 236 من باب الخطب و شرح المختار الأوّل من باب الكتب أنّ عمر لما ضرب في غلس الصبح و اشتبه الأمر في ضاربه سمع ابنه عبيد اللّه قوما يقولون قتله العلج فظنّ أنّهم يعنون الهرمزان فبادر عبيد اللّه إليه فقتله قبل أن يموت عمر؛ فسمع عمر بما فعل ابنه فقال: قد أخطأ عبيد اللّه إنّ الّذي ضربني أبو لؤلؤة و إن عشت لأقيدنّه به فانّ عليّا لا يقبل منه الدية و هو موليه. فلمّا مات عمر و تولّى عثمان طالبه عليّ عليه السّلام
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 45
بقود عبيد اللّه و قال: إنّه قتل مولاى- يعني الهرمزان- ظلما و أنا وليّه، فقال عثمان:
قتل بالأمس عمر و اليوم تقتل ابنه حسب آل عمر مصابهم به و امتنع من تسليمه إلى عليّ. و قال عليّ: لئن أمكنني الدّهر منه يوما لأقتلنّه به فلمّا ولى عليّ عليه السّلام هرب عبيد اللّه إلى الشام و التجأ إلى معاوية و خرج معه إلى حرب صفين فقتله عليّ عليه السّلام في حرب صفين.
و منهم ذو الكلاع، و منهم مروان بن الحكم طريد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله؛ و منهم عمرو بن العاصي و كثير ممّن أشرنا إليهم في الشروح السالفة قد استحبّوا الدّنيا و أسرّوا الكفر و جعلوا قتل عثمان عرضة لأغراضهم النفسانيّة و أهوائهم الشيطانية فخذعوا أتباعهم بقولهم قتل امامنا مظلوما.
قوله عليه السّلام: «و إلّا تفعل أعلمك ما أغفلت من نفسك» أي إن لا تردع نفسك عن الغيّ و الضلال و لا تتأخّر عن هذا الأمر الّذي تدّعيه و لا تتّعظ بما و عظتك به و لا تفعل ما أمرتك فانّي اعلم نفسك الّتي أهملتها و تركتها. و إهمال النفس إرخاء عنانها و إرسالها فيما تشاء و عدم روضها في طاعة اللّه، و لا يخفى على عاقل أنّ النفس أبيّة العنان و لا تنقاد لحكم العقل إلّا أن تروّض و تمنع ممّا تهويه و تشتهيه فلو اهملت و لم تلجم لسلكت طريقة عمياء فانّها أمّارة بالسوء، فطوبى لامرئ ألجم نفسها و أمسكها عن معاصي اللّه و قادها إلى طاعته تعالى.
و لم يبيّن عليه السّلام متعلّق الإعلام أعني أنّه لم يقل بماذا يعلمه ليعمّ جميع تبعاتها. يعني أنّك إن لم تنته عن أباطيلك و لم تمتثل أمري لاذيقنّك حرّ السيوف و شرارة الموت حتّى تعلم نفسك ما كانت عليها من الأوزار الّتي اكتسبتها بإهمالك إيّاها.
و يمكن أن يكون من نفسك متعلّق أغفلت فعلى متعلّق الاعلام مذكور لكنه مبهم فيندرج في حكم الأوّل.
قوله عليه السّلام: «فانّك مترف- إلى قوله: و الدّم» الظاهر من سياق العبارة
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 46
دالّ على أنّ الفاء تعليليّة لقوله عليه السّلام: اعلمك؛ لا لقوله: أغفلت. أي اعلمك نفسك المهملة لأنّك ممّن أطغته النعمة و استكنّ فيه الشيطان و تسلّط عليه و فعل فيه ما شاء من الامال و الأهواء، و جرى فيه مجرى الروح و الدّم، و المراد أنّ معاوية تجاوز عن حدود اللّه بترفّه فلا بدّ للامام المبسوط اليد من أن يسدّه عن التجاوز إمّا بالأمر بالمعروف و النهى عن المنكر أوّلا، و إمّا بحرّ الأسنّة و السيوف إن لم ينته عن التجاوز ثانيا و لذا قال عليه السّلام: و إلّا تفعل اعلمك- إلخ.
و قوله عليه السّلام: و جرى منك مجرى الروح و الدّم إشارة إلى ما روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: إنّ الشيطان ليجري من بني آدم مجرى الدّم. و حمل الروح على معنى الروح البخاري أولى من حمله على النفس الناطقة المجرّدة لمكان مجرى و ذلك لأنّ للنفس النّاطقة تعلّق تدبير و تصرف للبدن و لا يقال إنّها جارية فيه بخلاف الروح البخاري فانّه ليس بمجرّد بل جسم لطيف.
استفهام انكارى قوله عليه السّلام: «و متى كنتم- إلى قوله: سوابق الشقاء» هذا استفهام انكار، و قد قدّمنا في مباحثنا السالفة أنّ الفائز برتبة الخلافة يجب أن يكون في جميع الصفات الكمالية أفضل من غيره طول عمره، فلو كان لغيره سابقة الشرف و التقدّم في الامور لم يكن له أهليّة ذلك المقام.
استفهام عتابى- استفهام انكارى و قوله عليه السّلام: «بغير قدم سابق و لا شرف باسق» استفهام على سبيل التقريع و التعنيف و العتاب و الانكار أي هل كنتم ساسة الرعية و ولاة أمر الامّة بغير قدم سابق يعني أنّي يكون كذلك أن يلي أحد امور الامّة بغير قدم سابق و لا شرف سابق؟.
و قوله عليه السّلام: «و نعوذ باللّه- إلخ» كأنّما يشير إلى ما جرى فيه القضاء الإلهي من لزوم سوابق الشقاء فانّه لا يبدّل و لا يغيّر و نعم ما قال الخواجه عبد اللّه الأنصاري بالفارسيّة: إلهى همه از آخر ترسند و عبد اللّه از أول زيرا آنچه رفته در أول، در آخر نمى شود مبدّل.
قوله عليه السّلام: «و احذّرك أن تكون متماديا في غرة الأمنية» أي اخوّفك من
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 47
أن تدوم و تستمرّ في غفلة الامال الباطلة و الأهواء المردية كادّ عائه الخلافة. أي انته عنه فانّ عاقبته و خيمة.
قوله عليه السّلام: «مختلف العلانية و السريرة» أي احذّرك أن تكون منافقا، و معلوم أنّ المنافق أضرّ بالدّين من الكافر فإنّ من كان معلوم الحال يتّقى منه؛ و المنافق يردّ الناس عن صراط اللّه القهقرى يظهر الإيمان و يصير إلى الكفر. و كان لمعاوية في ذلك النصيب الأوفر.
و في الكافي بإسناده عن سعيد بن يسار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: مثل المنافق مثل جذع النخل أراد صاحبه أن ينتفع به في بعض بنائه فلم يستقم له في الموضع الّذي أراد فحوّله في موضع آخر فلم يستقم له و كان آخر ذلك أن أحرقه بالنّار.
رؤية النبي صلى الله عليه و آله بنى امية في المنام على صور قرود تصعد منبره و ترد الناس عن الاسلام القهقرى
قال الفيض في تفسير الصافي عند قوله تعالى: «وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَ نُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً»(الأسراء- 63):
العيّاشيّ عن الباقر عليه السّلام أنّه سئل عن قوله تعالى: «وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ» ؟ فقال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله اري أنّ رجالا من بني تيم و عديّ على المنابر يردون النّاس عن الصراط القهقرى؛ قيل: و الشجرة الملعونة؟ قال: هم بنو اميّة.
و عن الصادق عليه السّلام مثله إلّا أنّه قال: رأى أنّ رجالا على المنابر يردّون النّاس ضلالا رزيق و زفر.
أقول: و هما كنايتان عن الأوّلين و تيم و عديّ جدّاهما.
قال: و في رواية اخرى عنه عليه السّلام: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قد رأى رجالا من
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 48
نار على منابر من نار يردّون الناس على أعقابهم القهقرى؛ قال: و لسنا نسمّي أحدا، و في اخرى: إنّا لا نسمّي الرجال و لكن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله رأى قوما على منبره يضلّون الناس بعده على الصراط القهقرى.
و في رواية اخرى قال: رأيت اللّيلة صبيان بني اميّة يرقون على منبري هذا فقلت: يا ربّ معي؟ فقال: لا و لكن بعدك.
و في الكافي عن أحدهما عليهما السّلام: أصبح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يوما كئيبا حزينا؛ فقال له عليّ عليه السّلام: مالى أراك يا رسول اللّه كئيبا حزينا؟ فقال: و كيف لا أكون كذلك و قد رأيت في ليلتي هذه انّ بني تميم و بني عديّ و بني اميّة يصعدون منبري هذا يردّون النّاس عن الإسلام القهقرى، فقلت، يا ربّ في حياتي أو بعد موتي؟ فقال: بعد موتك.
أقول: معنى هذا الخبر مستفيض بين الخاصّة و العامّة إلّا أنّ العامّة رووا تارة أنّه رأى قوما من بني اميّة يرقون منبره و ينزون عليه نزو القردة فقال هو حظّهم من الدّنيا يعطونه بإسلامهم:
و اخرى انّ قرودا تصعد منبره و تنزل فساءه ذلك و اغتمّ به.
و القمّي قال: نزلت لما رأى النبيّ صلّى اللّه عليه و اله في نومه كأنّ قرودا تصعد منبره فساءه ذلك و غمّه غمّا شديدا فأنزل اللّه: و ما جعلنا الرؤيا الّتي أريناك إلّا فتنة لهم ليعمهوا فيها و الشجرة الملعونة كذا نزلت و هم بنو اميّة.
و العياشيّ عن الباقر عليه السّلام و ما جعلنا الرؤيا الّتي أريناك إلّا فتنة لهم ليعمهوا فيها و الشجرة الملعونة في القرآن يعني بني اميّة.
و مضمرا أنّه سئل عن هذه الاية فقال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله نام فرأى أنّ بني اميّة يصعدون منبره يصدّون الناس كلّما صعد منهم رجل رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله الذلّة و المسكنة فاستيقظ جروعا من ذلك فكان الّذين رآهم اثنى عشر رجلا من بني اميّة فأتاهم فأتاه جبرئيل عليه السّلام بهذه الاية، ثمّ قال جبرئيل: إنّ بني اميّة لا يملكون شيئا إلّا ملك أهل البيت ضعفيه.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 49
و في الاحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السّلام في حديث قال: أما إنّ معاوية و ابنه سيليانها بعد عثمان ثمّ يليها سبعة من ولد الحكم بن أبي العاص واحدا بعد واحد يكمله اثنى عشر إمام ضلالة و هم الّذين رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله على منبره يردّون الامّة على أدبارهم القهقرى، عشرة منهم من بني امية و رجلان أسّسا ذلك لهم و عليهما أوزار هذه الامّة إلى يوم القيامة.
و في مقدّمة الصحيفة السجّاديّة عن الصادق، عن أبيه، عن جدّه إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أخذته نعسة و هو على منبره فرأى في منامه رجالا ينزون على منبره نزو القردة يردّون الناس على أعقابهم القهقرى فاستوى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله جالسا و الحزن يعرف في وجهه فأتاه جبرئيل بهذه الاية: «و ما جعلنا الرؤيا الّتي أريناك» الاية يعني بني اميّة.
قال: يا جبرئيل أعلى عهدي يكونون و في زمني؟ قال: لا و لكن تدور رحى الاسلام من مهاجرك فتلبث بذلك عشرا ثمّ تدور رحى الاسلام على رأس خمس و ثلاثين مر مهاجرك فتلبث بذلك خمسا ثمّ لا بدّ من رحى ضلالة في قائمة على قطبها ثمّ ملك الفراعنة، قال: و أنزل اللّه في ذلك: «إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ. وَ ما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ. لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ» تملكها بنو اميّة ليس فيها ليلة القدر فاطّلع اللّه نبيّه انّ بني اميّة تملك سلطان هذه الامّة و ملكها و طول هذه الامّة فلو طاولتهم الجبال لطالوا عليها حتّى يأذن اللّه بزوال ملكهم و هم في ذلك مستشعرون عداوتنا أهل البيت و بغضنا أخبر اللّه نبيّه بما يلقى أهل بيت محمّد و أهل مودّتهم و شيعتهم منهم في أيّامهم و ملكهم.
أقول: إنّما أرى صلّى اللّه عليه و اله ردّ النّاس عن الإسلام القهقرى لأنّ الناس كانوا يظهرون الإسلام و كانوا يصلّون إلى القبلة و مع هذا كانوا يخرجون عن الإسلام شيئا فشيئا كالّذي يرتدّ عن الصراط السوي القهقرى و يكون وجهه إلى الحقّ حتّى إذا بلغ غاية سعيه رأى نفسه في الجحيم.
و في الاحتجاج عن الحسن بن عليّ عليهما السّلام في حديث انّه قال لمروان بن الحكم:
أمّا أنت يا مروان فلست أنا سببتك و لا سببت أباك و لكن اللّه عزّ و جلّ لعنك و لعن
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 50
أباك و أهل بيتك و ذرّيتك و ما خرج من صلب أبيك إلى يوم القيامة على لسان محمّد صلّى اللّه عليه و اله؛ يا مروان ما تنكر أنت و لا أحد ممّن حضر هذه الامّة من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لك و لأبيك من قبلك و ما زادك اللّه يا مروان بما خوّفك إلّا طغيانا كبيرا و صدق اللّه و صدق رسوله يقول اللّه تعالى: «وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَ نُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً» و أنت يا مروان و ذريّتك الشجرة الملعونة في القرآن.
عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و عن أمير المؤمنين عليه السّلام في حديث و جعل أهل الكتاب القائمين به و العاملين بظاهره و باطنه من شجرة أصلها ثابت و فرعها في السماء تؤتي أكلها كلّ حين بإذن ربّها أي يظهر مثل هذا العلم لمحتمليه في الوقت بعد الوقت و جعل أعدائها أهل الشجرة الملعونة الّذين حاولوا إطفاء نور اللّه بأفواههم و يأبى اللّه إلّا أن يتمّ نوره و لو علم المنافقون لعنهم اللّه ما عليهم من ترك هذه الايات الّتي بيّنت لك تأويلها لأسقطوها مع ما أسقطوا منه.
أقول: و في قوله سبحانه: «فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً» لطافة لا يخفى.
انتهى ما أتى به الفيض قدّس سرّه في هذا المقام من تفسيره.
جميع ملك بنى امية كان ألف شهر كاملة:
لما انجرّ الكلام إلى ذكر الحديث في أنّ ليلة القدر خير من ألف شهر تملكها بنو اميّة ليس فيها ليلة القدر يعجبني أن أذكر مقدار المدّة من الزّمان و ما ملكت فيه بنو اميّة من الأعوام على التفصيل ليزداد القاري بصيرة في ما أخبره اللّه تعالى و رسوله و آل الرسول و قد ذكر المسعوديّ المتوفّى سنة 346 ه في مروج الذّهب (ص 198 ج 2 طبع مصر 1346 ه): كان جميع ملك بني اميّة إلى أن بويع أبو العبّاس السفّاح ألف شهر كاملة لا تزيد و لا تنقص لأنّهم ملكوا تسعين سنة واحد عشر شهرا و ثلاثة عشر يوما.
قال المسعوديّ: و النّاس متباينون في تواريخ أيّامهم و المعوّل على ما نورده و هو الصحيح عند أهل البحث و من عنى بأخبار هذا العالم و هو أنّ معاوية بن أبي سفيان
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 51
ملك عشرين سنة، و يزيد بن معاوية ثلاث سنين و ثمانية أشهر و أربعة عشر يوما، و معاوية ابن يزيد شهرا و أحد عشر يوما، و مروان بن الحكم ثمانية أشهر و خمسة أيّام، و عبد الملك بن مروان إحدى و عشرين سنة و شهرا و عشرين يوما، و الوليد بن عبد الملك تسع سنين و ثمانية أشهر و يومين، و سليمان بن عبد الملك سنتين و ستّة أشهر و خمسة عشر يوما، و عمر بن عبد العزيز سنتين و خمسة أشهر و خمسة أيّام، و يزيد بن عبد الملك أربع سنين و ثلاثة عشر يوما، و هشام بن عبد الملك تسع عشرة سنة و تسعة أشهر و تسعة أيّام، و الوليد بن يزيد بن عبد الملك سنة و ثلاثة أشهر، و يزيد بن الوليد بن عبد الملك شهرين و عشرة أيّام و أسقطنا أيّام إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك كاسقاطنا أيّام إبراهيم بن المهدي أن يعدّ في الخلفاء العبّاسيّين، و مروان بن محمّد بن مروان خمس سنين و شهرين و عشرة أيّام إلى أن بويع السفّاح فتكون الجملة تسعين سنة و أحد عشر شهرا و ثلاثة عشر يوما، يضاف إلى ذلك الثمانية أشهر الّتي كان مروان يقاتل فيها بني العبّاس إلى أن قتل فيصير ملكهم إحدى و تسعين سنة و تسعة أشهر و ثلاثة عشر يوما يوضع من ذلك أيّام الحسن بن عليّ و هي خمسة أشهر و عشرة أيّام، و توضع أيّام عبد اللّه بن الزبير إلى الوقت الّذي قتل فيه و هي سبع سنين و عشرة أشهر و ثلاثة أيّام فيصير الباقي بعد ذلك ثلاثا و ثمانين سنة و أربعة أشهر يكون ذلك ألف شهر سواء.
قال: و قد ذكر قوم إنّ تأويل قوله عزّ و جلّ: «لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ» ما ذكرناه من أيّامهم. و قد روي عن ابن عبّاس أنّه قال: و اللّه ليملكنّ بنو العبّاس ضعف ما ملكته بنو اميّة باليوم يومين و بالشهر شهرين و بالسنة سنتين و بالخليفة خليفتين انتهى ما أردنا من نقل كلام المسعودي في المروج.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 57
الترجمة:
اين نامه ايست كه أمير عليه السّلام در جواب نامه معاويه نوشت:
معاويه به أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام نوشت: تويى آنكه مهر غفلت و زنگ گناه بر دلش زده، و پرده هوى و هوس بر چشمش افكنده شد. بدى خوى تو، و گردنكشى و تجاوز سرشتت است. از اين روى آماده جنگ باش، و براى ضرب و شكنجه ديدن شكيبا. قسم بخدا كار بجايى كشد كه خود دانى؛ و عاقبت براى پرهيزكاران است. چه بسا دور است رسيدنت بارزويت و بخواسته دلت. پس از آنچه كه از عهده ات خارج و از طاقت دور است دست بدار و خوددارى كن. و وجبت را به درنه ات اندازه گير «1» تا بدانى تفاوت حال تو و آنكه بردباريش همسنگ كوهها، و دانش او تميز مردم گاه شكّ و شبهه ميباشد؛ تا چه حدّ است، و السلام.
نامه أمير عليه السلام در پاسخ معاويه:
أمير عليه السّلام در جواب وى نوشت: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم از بنده خدا على أمير مؤمنان به معاويه پور سفيان: أمّا بعد درود بر آنكه پيرو راه رشاد است ستايش ميكنم آنكه را جز او خدايى نيست. اى معاويه مى بينى كه دنيا با اهلش چگونه بسر مى برد، بهترين توشه در روزگار آنست كه بندگان شايسته گرد آوردند؛ آنكه دنيا را باخرت بسنجد، و چشم از دنيا بپوشد و كار آخرت نمايد تفاوت اين سرا و آن سرا را بسيار مى يابد.
اى معاويه ادّعاى أمرى (مقام خلافت و امامت) ميكنى كه سزاوار آن نيستى
______________________________
(1) يعنى چنانكه درنه بوجب نرسد تو بمن نرسى، و أصل عبارت اين است: و قس شبرك بفترك. شبر بكسر شين و سكون با مسافت بين سرانگشت شصت دست تا سر انگشت كوچك دست است در صورتى كه دست گشاده و انگشتها باز و كشيده باشد كه بكلمه واحد سره آنرا وجب گويند. و فتر بر وزن شبر مسافت بين سر انگشت شصت تا سر انگشت شهادت در صورت نامبرده است كه آن مسافت را در مازندران درنه گويند و آن بضم دال و سكون را و فتح نون است و چون لغت سره فارسى براى فتر نيافتم بجاى آن درنه آوردم. منه.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 58
نه در سابقگى، و نه در ولايت عهدى، و أمر بيّن و حجّتى ندارى كه بدان در باره تو مكرمت و برگزيدگى شناخته شود؛ و نه مر تو را براى اين مقام از قرآن شاهدى است، و نه از رسول خدا عهدى؛ پس چه خواهى كرد آن گاه كه پرده ها از تو برداشته شود و رسوا گردى، پرده هاى دنيايى كه خود را بزينتش آراسته و بلذّتش فريفته است، و تو را خوانده و اجابتش كرده اى، و افسارت را كشيده و پيرويش نموده اى و سر در پى او نهادى، و فرمانت داد و فرمان بردى.
همانا بزودى كسى آگاهت كند بر آنچه كه كسى نتواند از آن برهاندت- و يا بهيچ دافعى از خود نتوانى دفع كرد- پس از اين ادّعا دست بدار و دور شو، و براى حساب آماده باش، و بر آنچه كه بر تو فرود آيد دامن بر ميان زن، و بحرف گمراهان گوش مده.
و اگر چنين نكنى، جانت را كه تركش گفته اى و افسارش را رها كرده اى اعلام كنم بدانچه كه خواهم اعلام كرد- يا بدانچه كه خود را از آن غافل كرده اى اعلام خواهم كرد- كه نعمت فراوان ترا سركش كرده و در طغيان افكنده است و در تو شيطان راه يافته- يا اين كه دامهاى خود را در تو نهاده- و بارزوى خود رسيده، و در تو چون جان و خون در جريان است.
اى معاويه كى شما مدير امور رعيت، و والى أمر اين امّت بوده ايد؟ آيا بى سابقه و أثر نيكو، و پايه بلند و ارجمند بايد صاحب آن مقام باشيد؟ بخدا پناه مى برم از لزوم رقم بدبختى كه از قلم قضاى إلهى گذشته است. بپرهيز از اين كه پيوسته در غفلت آرزوها بسر برى و دو رو باشى.