منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 19، ص: 93
و من كتاب له عليه السلام الى معاوية و هو من محاسن الكتب- و هو المختار الثامن و العشرون من باب الكتب:
أمّا بعد فقد أتاني كتابك تذكر فيه اصطفاء اللَّه تعالى محمّدا صلّى اللَّه عليه و سلّم لدينه، و تأييده إيّاه بمن أيّده من أصحابه فلقد خبأ لنا الدّهر منك عجبا إذ طفقت تخبرنا ببلاء اللَّه عندنا، و نعمته علينا في نبيّنا فكنت في ذلك كناقل التّمر إلى هجر [هجر- معا]، أو داعى مسدّده إلى النّضال.
و زعمت أنّ أفضل النّاس في الإسلام فلان و فلان فذكرت أمرا إن تمّ اعتزلك كلّه، و إن نقص لم يلحقك ثلمه، و ما أنت و الفاضل و المفضول و السّائس و المسوس [و الفاضل و المفضول و السّائس و المسوس- معا]، و ما للطّلقاء و أبناء الطّلقاء و التّمييز [و التّمييز- معا] بين المهاجرين الأوّلين و ترتيب [ترتيب- معا] درجاتهم، و تعريف [تعريف- معا] طبقاتهم؟ هيهات لقد حنّ قدح ليس منها و طفق يحكم فيها من عليه الحكم لها.
أ لا تربع أيّها الإنسان على ظلعك و تعرف قصور ذرعك، تتأخّر حيث أخّرك القدر؟ فما عليك غلبة المغلوب، و لا لك ظفر الظّافر، و إنّك [فإنّك- خ ] لذهّاب في التّيه، روّاغ من القصد.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 19، ص: 104
المصدر:
قد مرّ في ذكر ماخذ الكتاب التاسع (ص 326 ج 17) نقل كتابه عليه السّلام إلى معاوية جوابا عن كتابه إليه و قد نقلنا هما من كتاب صفّين لنصر بن مزاحم و قد نقله ابن عبد ربّه في العقد الفريد أيضا (ص 334 ج 4 من طبع مصر) و أمّا كتابه هذا فقد نقله أعثم الكوفي في الفتوح (ص 157 من ترجمة الهروي طبع بمبئي) و أبو العبّاس أحمد بن عليّ القلقشندى في صبح الأعشى (ص 229 ج 1 من طبع مصر) و شهاب الدين أحمد بن عبد الوهّاب النويرىّ في نهاية الأرب (ص 233 ج 7) و يطلب من باب كتبه عليه السّلام إلى معاوية و احتجاجاته عليه من ثامن البحار (ص 534 ج 8 من الطبع الكمبانى)، و كتابه هذا يوهم أنّه قريب من التاسع و أنّهما واحد و الاختلاف في النسخ أو الروايات حتّى أنّ الشارح البحرانى مال ههنا أنّ هذا الكتاب ملتقط من كتاب ذكر السيّد منه فصلا سابقا و هو قوله: فأراد قومنا اهلاك نبيّنا و قد ذكرنا كتاب معاوية الذي هذا الكتاب جواب له و ذكرنا الكتاب له بأسره هناك و إن كان فيه اختلاف ألفاظ يسيرة بين الروايات- انتهى قوله.
أقول: قد وجدنا الكتابين في ماخذ عديدة و نرى بينهما اختلافا يمنعنا من اعتقادهما واحدا، على أنّ دأب الشريف الرضى رضوان اللَّه عليه كان إذا نقل كلامه برواية اخرى أن ينبّه بتقديمه على صورة اخرى: قال في المختار 227 من باب الخطب أوله: بسطتم يدي فكففتها و من كلام له عليه السّلام في وصف بيعته بالخلافة و قد تقدّم مثله بألفاظ مختلفة.
و قال في المختار 23 من باب الكتب أوله: وصيتى لكم أن لا تشركوا باللَّه شيئا: أقول: و قد مضى بعض هذا الكلام فيما تقدّم من الخطب إلّا أنّ فيه زيادة أوجبت تكريره.
و قال في المختار 66 من هذا الباب أوّله: أما بعد فانّ المرء ليفرح بالشيء الّذي لم يكن ليفوته: و قد تقدّم ذكره بخلاف هذه الرّواية.
و نحوها في عدّة مواضع اخرى فلو كان الكتابان واحدا لكان يتعرّض عليه كما تعرّض فيها، و بعد الغمض عن ذلك نقول: إنّ الروايات قائلة بأنّ معاوية كتب إلى عليّ عليه السّلام كتابا أنفذه إليه مع أبي أمامة الباهلىّ فكتب إليه عليّ عليه السّلام هذا الكتاب، و كتب إليه كتابا أنفذه إليه مع أبي مسلم الخولانى فكتب عليه السّلام في جوابه ذلك الكتاب المقدّم في المختار التاسع و كان صدره: فإنّ أخا خولان قدم عليّ بكتاب- إلخ.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 19، ص: 105
و قد أقبل على الفاضل الشارح المعتزلي هذا السئوال أيضا و أورده على النقيب أبي جعفر فأجابه بما لا يخلو ذكره من فائدة قال: سألت النقيب أبا جعفر يحيى بن زيد فقلت: أرى هذا الجواب منطبقا على كتاب معاوية الذي بعثه مع أبي مسلم الخولانى إلى عليّ عليه السّلام فإن كان هذا هو الجواب فالجواب الّذي ذكره أرباب السيرة و أورده نصر بن مزاحم في كتاب صفّين إذا غير صحيح، و إن كان ذلك الجواب فهذا الجواب إذن غير صحيح و لا ثابت؟.
قال: فقال لي: بل كلاهما ثابت مروى و كلاهما كلام أمير المؤمنين عليه السّلام و ألفاظه، ثمّ أمرنى أن أكتب ما يمليه علىّ فكتبته قال: كان معاوية يتسقط عليا و ينعى عليه ما عساه يذكره من حال أبي بكر و عمر و أنّهما غصباه حقّه و لا يزال يكيده بالكتاب يكتبه و الرسالة يبعثها يطلب غرّته لينفث بما في صدره من حال أبي بكر و عمر إمّا مكاتبة أو مراسلة فيجعل ذلك حجّة عليه عند أهل الشام و يضيفه إلى ما قرّره في أنفسهم من ذنوبه زعم فقد كان غمصه عندهم بأنه قتل عثمان أو مالأ على قتله، و أنّه قتل طلحة و الزبير، و أسر عائشة، و أراق دماء أهل البصرة و بقيت خصلة واحدة و هو أن يثبت عندهم أنّه يتبرأ من أبي بكر و عمر و ينسبهما إلى الظلم و مخالفة الرسول في أمر الخلافة و أنهما وثبا عليه غلبة و غصباه إيّاها فكانت هذه الطامة الكبرى ليست مقصرة على فساد أهل الشام عليه بل و أهل العراق الّذين هم جنده و بطانته و أنصاره لأنّهم كانوا يعتقدون إمامة الشيخين إلّا القليل الشاذّ من خواصّ الشيعة.
فلمّا كتب ذلك الكتب مع أبي مسلم الخولانى قصد أن يغضب عليا و يحرجه و يحوجه إذا قرأ ذكر أبا بكر و أنه أفضل المسلمين إلى أن يرهن خطه في الجواب بكلمة تقتضى طعنا في أبي بكر فكان الجواب مجمحا غير بيّن فيه تصريح بالتظليم لهما و لا التصريح ببراءتهما و تارة يترّحم عليهما و تارة يقول أخذ حقّى و قد تركته لهما فأشار عمرو بن العاص على معاوية أن يكتب كتابا ثانيا مناسبا للكتاب الأوّل ليستفزا فيه عليا عليه السّلام و يستخفّاه و يحمله الغضب منه أن يكتب كلاما يتعلّقان به
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 19، ص: 106
في تقبيح حاله و تهجين مذهبه، و قال له عمرو: إنّ عليا رجل نزق تيّاه و ما استطمعت منه الكلام بمثل تقريظ أبي بكر و عمر فاكتب فكتب كتابا أنفذه إليه مع أبي امامة الباهلى و هو من الصحابة بعد أن عزم على بعثه مع أبي الدرداء و نسخة الكتاب: من عبد اللَّه معاوية بن أبي سفيان إلى عليّ بن أبي طالب أما بعد فان اللَّه تعالى- جدّه- إلى آخر ما ننقله بعيد هذا في ذكر المعنى.
ثمّ قال: قال النقيب أبو جعفر: فلمّا وصل هذا الكتاب إلى عليّ عليه السّلام مع أبي امامة الباهلى كلّم أبا امامة بنحو ممّا كلّم به أبا مسلم الخولانى و كتب معه هذا الجواب.
قال: قال النقيب: و في كتاب معاوية هذا ذكر لفظ الجمل المخشوش أو الفحل المخشوش لا في الكتاب الواصل مع أبي مسلم و ليس في ذلك هذه اللفظة و إنما فيه حسدت الخلفاء و بغيت عليهم عرفنا ذلك من نظرك الشزر و قولك الهجر و تنفسك الصعداء و إبطاؤك عن الخلفاء.
قال: قال: و إنما كثير من الناس لا يعرفون الكتابين و المشهور عندهم كتاب أبي مسلم فيجعلون هذه اللفظة فيه و الصحيح أنّها في كتاب أبي امامة ألا تراها عادت في جوابه و لو كانت في كتاب أبي مسلم لعادت في جوابه- انتهى كلام النقيب أبي جعفر من شرح الفاضل الشارح المعتزلي.
أقول: و هذا تحقيق خبرى دقيق و بحث روانى عميق فإنّ المجاميع في الفنون العديدة و الجوامع الروائية يفيد أنهما كتابان كما دريت، و قد مال إليه الفاضل المورخ الفنّان محمّد تقى سپهر في ناسخ التواريخ (ص 164 ج 2 من الطبع الناصرى) فانّه بعد ما نقل كتاب معاوية مع أبي مسلم الخولانى و كتاب أمير المؤمنين عليه السّلام في جوابه على ما مرّ نقلهما في ذكر ماخذ الكتاب التاسع قال ما هذا هو لفظه بالفارسية و كأنّه ترجمة ما أفاده النقيب.
معاوية مكتوب را قرائت كرد و عمرو عاص را نيز بنمود، عمرو نگريست كه علي عليه السّلام در جواب معاوية آنجا كه أبو بكر را بر تمامت مسلمانان تفضيل
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 19، ص: 107
نهاده كلمه كه تصريح بر تقبيح أبو بكر و تشنيع أعمال او باشد رقم نكرده إلّا آنكه نگاشته است حق مرا مأخوذ داشته اند و من تفويض كردم، با معاوية گفت بر قانون كتاب أوّل علي مكتوب كن و همچنان فصلى در فضل أبو بكر و عمر و عثمان رقم كن، چون على ايشان را غاصب حق خويش داند و در نزد خدا و رسول عاصى و بزهكار مى خواند بعيد نباشد كه در فضيحت عقيدت ايشان و ظلم و طغيان ايشان چيزى رقم كند آن گاه ما مكتوب او را بر فساد مذهب او حجّت كنيم و بر مردم شام و صناديد قبايل عرضه داريم و تمامت عرب را بر او بر شورانيم و بر گردن آرزو سوار شويم، معاويه را كلمات او پسنده افتاد و همى خواست تا بصحبت أبو دردا چيزى نگارد هم از اين انديشه باز نشست و اين مكتوب را بدست أبو امامه باهلى كه در شمار أصحاب رسول خدا است انفاذ داشت: من عبد اللَّه معاوية بن أبي سفيان- إلى آخر كتابه الاتى عن قريب- إلى أن قال: بالجملة أبو امامه باهلى اين نامه بگرفت و راه در نوشت و در كوفه حاضر حضرت أمير المؤمنين عليه السّلام شده تسليم داد أمير المؤمنين بعد از قرائت آن مكتوب بدينگونه پاسخ نگاشت: أما بعد فقد بلغنى كتابك تذكر فيه اصطفاء اللَّه تعالى- إلخ.
و بالجملة أنّ الظنّ المتاخم بالعلم من التتبّع و الفحص حاصل بأنّ كلّ واحد منهما كتاب على حياله فلنرجع إلى تفسير الكتاب.
***
اللغة:
قد مضى بيان طائفة من لغات هذا الكتاب في شرح المختار التاسع من هذا الباب، أوّله قوله عليه السّلام: فأراد قومنا قتل نبيّه و اجتياح أصله و همّوا بنا الهموم- إلخ. (ص 324 ج 17).
(خبأ) أى أخفى، يقال: خبأ الشيء، من باب منع مهموزا، و خبّأ مشدّدا أى ستره و أخفاه و في كثير من النسخ المطبوعة كانت الكلمة مشكولة بتشديد الباء و نسخة الرضيّ بتخفيفها كما اخترناها. (ببلاء اللَّه) أي بانعامه و إحسانه، أو اختباره و امتحانه و لكن المناسب مع ما عندنا هو الانعام و الاحسان.
(هجر) محرّكة اسم بلد مذكر مصروف و غير مصروف و النسبة إليه هاجريّ على خلاف القياس و من ذلك قولهم نبأ هاجريّ، و هو في نسخة الرّضي مشكول مصروفا و غير مصروف معا، (مسدّده) أي معلّمه، (النضال) المراماة.
(ثلمه) الثلم: الكسر و العيب، و في عدّة من النسخ المطبوعة و غيرها: لم ينقصك ثلمه، و لكن نسخة الرضيّ رضوان اللَّه عليه كانت: لم يلحقك ثلمه كما اخترناه. (الطلقاء) جمع الطليق و هو من اطلق بعد الأسرة.
(لقد حنّ قدح ليس منها) مثل، قال الميداني في فصل الحاء المهملة المفتوحة من مجمع الأمثال: حنّ قدح ليس منها، القدح أحد قداح الميسر و إذا كان أحد القداح من غير جوهرة اخواته ثمّ أجاله المفيض خرج له صوت يخالف أصواتها يعرف به أنّه ليس من جملة القداح، يضرب للرّجل يفتخر بقبيلة
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 19، ص: 97
ليس منها أو يتمدّح بما لا يوجد فيه، و تمثّل به عمر حين قال الوليد بن عقبة بن أبى معيط: اقتل من بين قريش فقال عمر: حنّ قدح ليس منها، و الهاء في منها راجعة إلى القداح. انتهى. قوله: أجاله المفيض يقال: أفاض أهل الميسر بالقداح أي ضربوا بها.
(ألا تربع) ربع كمنع: وقف و انتظر و تحبّس و منه قولهم: اربع عليك أو على نفسك أو على ظلعك قاله في القاموس.
(و الظّلع) بسكون اللّام: العيب، و بفتحها: العرج و الغمز، و هو مصدر ظلع البعير كمنع أى غمز في مشيه، و من أمثالهم: ظالع يعود كسيرا، يعود من العيادة، يضرب للضعيف ينصر من هو أضعف منه كما في مجمع الأمثال للميداني.
(الذّرع): الطاقة و الوسع و بسط اليد و ذرع الإنسان طاقته الّتي يبلغها، و في آخر الدّعاء السابع من الصّحيفة السّجادية: فقد ضقت لما نزل بى يا ربّ ذرعا، و في شرحها الموسوم برياض السالكين للعالم المتضلّع السيّد عليخان قدّس سرّه في ضيق الذّرع المناسب لقصورها نكات أدبيّة فراجع.
(التّيه): الضلال و التحيّر في المفاوز قال اللَّه تعالى: «قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي ...»، (الرّواغ): كثير الميل، يقال: راغ الرجل و الثعلب روغا و روغانا إذا مال و حاد عن الشيء، و يقال: فلان يروغ روغان الثعلب و من الأمثال فلان أروغ من الثعلب. (القصد): الاعتدال و الطّريق المستقيم.
الاعراب:
(و ما أنت و الفاضل و المفضول و السائس و المسوس) الفاضل و أترابه التالية على نسخة الرضى مشكولة بالنصب، كما أنّ في الجملة الّتي بعدها أعنى و ما للطلقاء و أبناء الطلقاء و التمييز إلخ التمييز و ترتيب و تعريف منصوبة أيضا و قد قرئت الجملة الاولى بالنصب و الرفع معا كما في نسخة مخطوطة مشكولة مقروة عندنا، و احتمل بعضهم الرفع في الجملة الثانية أيضا.
أفاد الفاضل الشارح المعتزلي بقوله: و ما أنت و الفاضل و المفضول الرواية المشهورة بالرفع و قد رواها قوم بالنصب فمن رفع احتجّ بقوله: و ما أنت و بيت أبيك و الفخر، و بقوله: فما القيسى بعدك و الفحار، و من نصب فعلى تأويل مالك و الفاضل و في ذلك معنى الفعل أى ما تصنع لأنّ هذا الباب لا بدّ أن يتضمّن الكلام فيه فعلا أو معنى فعل و أنشدوا: فما أنت و السير في متلف، و الرفع عند النحويين
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 19، ص: 103
أولى، و ما للطلقاء و أبناء الطلقاء و التمييز النصب ههنا لا غير لأجل اللّام في الطلقاء.
(حنّ قدح ليس منها) الضمير المجرور راجع إلى القداح كما مرّ، (فيها من عليه الحكم لها) الهاء في الطرفين راجعة إلى الطبقات أو الجماعة أو القضية أو نحوها غير مخبّر منصوب على الحالية لضمير أحدث، و مخبّر على نسخة الرضى كان بتشديد الباء من التخبير و في غير واحد من نسخ اخرى بكسر الباء المخففة من لإخبار و كلاهما بمعنى واحد كما مرّ في شرح اللغات.
المعنى:
لما كان الأمير عليه السّلام في هذا الكتاب يردّ الأباطيل الّتي نسجتها عنكبوت أوهام معاوية و أهواء شيطانه عمرو العاصى فلا بدّ لنا من نقل كتاب معاوية ليتّضح الجواب، كتب معاوية إليه بعد كتابه الّذي أنفذه إليه مع الخولانى على ما مرّ آنفا: من عبد اللَّه معاوية بن أبي سفيان إلى عليّ بن أبي طالب: أما بعد فإنّ اللَّه تعالى جدّه اصطفى محمّدا عليه الصّلاة و السّلام لرسالته، و اختصّه بوحيه و تأدية شريعته
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 19، ص: 108
فأنقذ به من العماية، و هدى به من الغواية، ثمّ قبضه إليه رشيدا حميدا قد بلّغ الشرع، و محق الشرك، و أخمد نار الإفك، فأحسن اللَّه جزاءه، و ضاعف عليه نعمه و آلاءه.
ثمّ إنّ اللَّه سبحانه اختصّ محمّدا عليه الصّلاة و السّلام بأصحاب أيّدوه و نصروه و كانوا كما قال اللَّه سبحانه لهم: «أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ » فكان أفضلهم مرتبة، و أعلاهم عند اللَّه و المسلمين منزلة الخليفة الأوّل الذي جمع الكلمة و لمّ الدّعوة و قاتل أهل الرّدّة، ثمّ الخليفة الثاني الّذي فتح الفتوح، و مصّر الأمصار و أذلّ رقاب المشركين، ثمّ الخليفة الثالث المظلوم الّذي نشر الملّة و طبّق الافاق بالكلمة الحنيفيّة.
فلمّا استوثق الإسلام و ضرب بجرانه عدوت عليه، فبغيته الغوائل و نصبت له المكائد و ضربت له بطن الأمر و ظهره و دسست عليه و أغريت به و قعدت حيث استنصرك عن نصره، و سألك أن تدركه قبل أن يمزّق فما أدركته، و ما يوم المسلمين منك بواحد: لقد حسدت أبا بكر و التويت عليه و رمت إفساد أمره و قعدت في بيتك، و استغويت عصابة من الناس حتّى تأخّروا عن بيعته، ثمّ كرهت خلافة عمر و حسدته، و استطلت مدته و سررت بقتله، و أظهرت الشماتة بمصابه حتّى أنك حاولت قتل ولده لأنّه قتل قاتل أبيه.
ثمّ لم تكن أشدّ منك حسدا لابن عمك عثمان نشرت مقابحه، و طويت محاسنه، و طعنت في فقهه، ثمّ في دينه ثمّ في سيرته، ثمّ في عقله و أغريت به السّفهاء من أصحابك و شيعتك حتّى قتلوه بمحضر منك، لا تدفع عنه بلسان و لا يد، و ما من هؤلاء إلّا من بغيت عليه، و تلكّأت في بيعته حتّى حملت عليه قهرا تساق بحزائم الاقتسار كما يساق الفحل المخشوش، ثمّ نهضت الان تطلب الخلافة و قتلة عثمان خلصاؤك و سجراؤك و المحدقون بك، و تلك من أمانى النفوس و ضلالات الهواء.
فدع اللجاج و العبث جانبا، و ادفع إلينا قتلة عثمان، و أعد الأمر شورى
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 19، ص: 109
بين المسلمين ليتّفقوا على من هو للَّه رضا، فلا بيعة لك في أعناقنا، و لا طاعة لك علينا و لا عتبي لك عندنا، و ليس لك و لأصحابك عندى إلّا السيف و الّذي لا إله إلّا هو لأطلبنّ قتلة عثمان أين كانوا و حيث كانوا حتّى أقتلهم أو تلحق روحى باللَّه.
فأمّا ما لا تزل تمنّ به من سابقتك و جهادك فإنّى وجدت اللَّه سبحانه يقول: «يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ » و لو نظرت في حال نفسك لوجدتها أشدّ الأنفس امتنانا على اللَّه بعملها و إذا كان الامتنان على السائل يبطل أجر الصّدقة فالامتنان على اللَّه يبطل أجر الجهاد و يجعله «كصفوان عليه تراب فأصابه و ابل فتركه صلدا لا يقدرون على شيء ممّا كسبوا و اللَّه لا يهدي القوم الكافرين» انتهى كتاب معاوية.
تشبيه و معنى كلامه: فلمّا استوثق الإسلام و ضرب بجرانه، أنّ الإسلام لمّا استقام و قرّ في قراره تشبيها بالبعير إذا برك و استراح مدّجرانه على الأرض، و جران البعير هو مقدّم عنقه من مذبحه إلى منحره.
و قوله: حتّى أنك حاولت قتل ولده لأنّه قتل قاتل أبيه، يشير إلى عبيد اللَّه ابن عمر و قتله أبا لؤلؤة فيروز قاتل عمر و قد تقدّم كلامنا في شرح المختار 236 من باب الخطب (ص 244 ج 15) و في شرح المختار الأوّل من باب الكتب (ص 238 ج 16).
قوله: تلكأت في بيعته، تلكأ عن الأمر اى أبطأ و توقف، فالصّواب أن يقال تلكأت عن بيعته فكلمة في بمعنى عن إن لم يتطّرق فيها تحريف، قوله سجراؤك هو بالسين المهملة جمع سجير ككريم أى الخليل الصفى.
فكتب أمير المؤمنين علي عليه السّلام في جوابه: أما بعد فقد أتانى كتابك تذكر اصطفاء اللَّه محمّدا صلى اللَّه عليه و آله- إلخ فحان لنا الان شرح كتابه عليه السّلام:
قوله عليه السّلام: (أما بعد فقد أتانى- إلى قوله: إلى النضال) هذا الكتاب يشتمل على فصول تجيب عن فصول من الأباطيل المموّهة الّتي توغّل فيها معاوية و هذا القسم من الكتاب جواب عن قوله: فانّ اللَّه تعالى جدّه- إلى قوله: فكان أفضلهم مرتبة.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 19، ص: 110
و بيان الجواب على الإجمال أنّ أمير المؤمنين عليا عليه السّلام كان بما أخبره معاوية أعلم من غيره لأنّه لم يكن أحد كمثله في حماية الدين و الذّب عن حوزته عن ابتداء دعوة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله إلى زمان ارتحاله من الدّنيا و إخبار معاوية عليا عليه السّلام بذلك كسفيه استبضع تمرا إلى هجر، أو كغبىّ دعى من علّمه الرماية إلى المراماة، و أما بيانه على التفصيل فقد مرّ في شرح المختار التاسع من باب الكتب (ص 336- 348 ج 17) و في شرح المختار السابع عشر منه فراجع.
قوله: عليه السّلام: (و زعمت أنّ أفضل الناس فلان- إلى قوله: فالأنصار على دعويهم) هذا الفصل جواب عن قول معاوية: فكان أفضلهم مرتبة- إلى قوله: و طبق الافاق بالكلمة الحنيفية، كان معاوية ذكر في كتابه الأفضل فالأفضل من الأصحاب على زعمه، و فضّلهم على أمير المؤمنين عليه السّلام تعريضا على حقده حيث قال:
و أعلاهم الأوّل و الثاني و الثالث فأجابه بأنّ ما ذكرت فيهم إمّا أن يتمّ و يصحّ أولا فإن تمّ اعتزلك كلّه لأنّه كان من تلك الفضائل في معزل، و على الثاني لم يلحقك عيبه و نقصه لأنّه لم يكن منهم فعلى كلا الوجهين كان معاوية خائضا في ما لا يعنيه.
ثمّ بيّن عليه السّلام عدم لياقة معاوية لتمييز الفاضل و المفضول منهم و ترتيب درجاتهم و تعريف طبقاتهم بقوله: و ما أنت و الفاضل و المفضول- إلخ، و من الطلقاء أبو سفيان و من أبنائهم معاوية كما مضى بيان ذلك تفصيلا من شرح المختار السابع عشر من باب الكتب عند حديث أهل مكّة و أنّ أهل مكّة هم الطلقاء (ص 281 ج 18).
و كأنّ قوله: عليه السّلام بين المهاجرين الأوّلين يشير إلى قوله تعالى: «وَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ وَ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ وَ أَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» (التوبة: 100) و كان معاوية و أبوه في زمان الهجرة مشركين و لمّا رفع اللَّه الكلمة العليا و كان النّاس يدخلون في دين اللَّه أفواجا استسلما و ما أسلما كما قال أمير المؤمنين علي عليه السّلام: فو الّذي فلق الحبّة و برأ النسمة ما أسلموا و لكن
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 19، ص: 111
استسلموا و أسرّوا الكفر فلمّا وجدوا أعوانا عليه أظهروه (المختار 16 من باب الكتب ص 224 ج 18) و راجع أيضا إلى (ص 370 ج 15 و الى ص 53 ج 18).
و قال الطبرسي- ره- في التفسير: في هذه الاية دلالة على فضل السابقين و مزيتهم على غيرهم لما لحقهم من أنواع المشقة في نصرة الدّين فمنها مفارقة العشائر و الأقربين، و منها مباينة المألوف من الدين، و منها نصرة الإسلام و قلّة العدد و كثرة العدوّ، و منها السبق إلى الإيمان و الدّعاء إليه- إلى أن قال: و روى الحاكم أبو القاسم الحسكانى باسناده مرفوعا إلى عبد الرحمن بن عوف في قوله سبحانه: «وَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ» قال: هم عشرة من قريش أوّلهم إسلاما علي بن أبي طالب.
و بالجملة أنّ معاوية و أترابه شأنهم و قدرهم دون أن يدخلوا في التمييز بين هؤلاء و نحوه و ليسوا بأهل لذلك و نعم ما قيل:
خلق اللّه للحروب رجالا و رجالا لقصعة و ثريد
ثمّ أتى أمير المؤمنين عليه السّلام في ذلك بمثلين كما أتى في الأمر المقدّم بالمثلين فقال عليه السّلام: (هيهات لقد حنّ قدح ليس منها) و قد علمت في تفسير اللّغة أنه يضرب للرجل يفتخر بقبيلة ليس منها أو يتمدح بما لا يوجد فيه، و قريب منه ما يقال في الفارسية: من آنم كه رستم جوانمرد بود، و الثاني قوله عليه السّلام: (و طفق يحكم فيها من عليه الحكم لها) أى طفق يحكم في هذه الجماعة أو القضيّة أو نحوهما من عليه الحكم لها، يعني ليس له أن يحكم فيها و قدره دون ذلك بل يجب عليه قبول الحكم الصادر من أهله فيها.
ثمّ نبّهه على ضعفه و قصور ذرعه عن البلوغ إلى تلك المراتب السامية و أنّى للأعراج العروج إلى قلل شامخة، فقال: استفهام تحقيرى و تقريعى (ألا تربع- إلخ)، استفهام على سبيل الاسترحام أو الاستحقار و التقريع، و قد عرفت أنّ الظلع هو العرج و الغمز، و هل للظالع أن يحمل حملا ثقيلا؟ أى ألا ترفق بنفسك أيّها الظالع حتّى لا تحمل عليها ما لا تطيقه؟ و ألا تعرف قصور ذرعك و عدم قدرتك و استطاعتك عن البلوغ إلى درجة السابقين؟ و ألا تتأخّر حيث أخّرك قدر اللّه و تضع نفسك حيث وضعها اللّه؟.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 19، ص: 112
ثمّ قال عليه السّلام: (فما عليك غلبة المغلوب و لا لك ظفر الظافر) أتى بفاء التفريع على هذه الجملة، أي إذا كنت بمعزل عنهم و أجنبيّا عن هؤلاء المهاجرين الأوّلين و السّابقين في الإسلام، فما عليك غلبة المغلوب أي لا تضرّك، و لا لك ظفر الظافر أي لا ينفعك فدخل معاوية فيما لا يعنيه.
ثمّ قال عليه السّلام: (و انك لذهّاب في التّية روّاغ من القصد) و ذلك لأنّ من خرج عن زيّه و دخل فيما لا يعنيه، و تكلّم فوق قدره يعدّ كلامه فضولا، و صدق عليه مثل: لقد حنّ قدح ليس منها، فقد ذهب في الضلال و مال عن الاعتدال و ما ذا بعد الحقّ إلّا الضّلال.
على أنّ معاوية أنكر الحقّ و عدل عن الصّراط المستقيم حيث خرج مبارزا لمن له الحقّ و لمن هو على الصّراط المستقيم بل لمن هو الحق و الصّراط المستقيم ألا و هو إمام المتّقين و قائد الغرّ المحجلين و خليفة ربّ العالمين و من هو من خاتم النّبيّين بمنزلة موسى من هارون علي أمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلين فمن عدل عن ذلك القسطاس المستقيم و الميزان القسط، فهو ذهّاب في التّيه روّاغ عن القصد.
نقل سبط ابن الجوزي في التذكرة عن أبي حامد الغزالي حيث قال في كتاب سرّ العالمين و كشف ما في الدّارين بعد نقل طائفة من كلامه في غصب الغاصبين خلافة أمير المؤمنين عليه السّلام: ثمّ العجب من منازعة معاوية لعلي عليه السّلام الخلافة و قد قطع الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم طمع من طمع فيها بقوله: إذا ولّى خليفتان فاقتلوا الأخير منهما، و العجب من حقّ واحد كيف ينقسم بين اثنين و الخلافة ليس بجسم و لا عرض فيتجزّى، قال: و قال أبو حازم: أوّل خلافة [حكومة- خ ل ] تجرى بين العباد في المعاد بين علي عليه السّلام و معاوية فيحكم اللّه تعالى لعلي على معاوية و الباقون تحت المشيّة، و قال صلّى اللّه عليه و سلّم لعمّار: تقتلك الفئة الباغية، و لا ينبغي للإمام أن يكون باغيا، و لأنّ الامامة تضيق عن شخصين، كما أنّ الرّبوبيّة لا يليق بالهين اثنين- إلى أن قال: ثمّ استفاض لعن علي عليه السّلام
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 19، ص: 113
على المنابر ألف شهر و كان ذلك بأمر معاوية أ تراهم أمرهم بذلك كتاب أو سنّة أو إجماع؟ هذا صورة كلام الغزالي. (ص 37 من التّذكرة الرّحلي المطبوع على الحجر و المقابلة الرابعة من سرّ العالمين ص 22 من طبع النجف).
الترجمة:
اين يكى از نامه هاى بسيار خوب أمير عليه السّلام است كه بمعاويه نوشت:
أمّا بعد: نامه ات بمن رسيده در آن گفتى: خداى تعالى پيمبر را براى دينش برگزيد و ياورانش را يارى كرد، روزگار أمر شگفتى از تو بر ما پوشيده داشت كه آزمون خدا را و نعمت وجود پيمبر را بما گزارش مى دهى، در اين كار برنده خرما به هجرى، يا آنكه استاد تيراندازيش را به كارزار بخواند مانى.
پنداشتى كه برترين مردم در اسلام فلانى و فلانى است، اگر راست است بتو چه، و اگر نه عيب آن دامن گيرت نشود، تو را با فراتر و فروتر، و با تدبير و بى تدبير چه كار، آزادشدگان و فرزندانشان را چه رسد به تميز ميان مهاجرين أوّل، و ترتيب درجات و تعريف طبقاتشان، تيرى رها شد كه از جنس تيرهاى ديگر نبود، حرف بيجائى از دهن نا أهل در آمد، و در آن امور كسى دارد زبان درازى ميكند كه دستور او فرمان بردن است.
آيا بر لنگى خود ايست نمى كنى، و آرام نمى گيرى، و كوتاه دستيت را نمى دانى كه در حدّ خود باشى و تجاوز نكنى، شكست و پيروزى اين و آن بتو چه تو در گمراهى بسر مى برى و از راستى بدرى.