و ذكرت أنّه ليس لي و لا لأصحابي عندك إلّا السّيف فلقد أضحكت بعد استعبار، متى ألفيت بنو عبد المطّلب عن الأعداء ناكلين، و بالسّيوف مخوّفين؟ فلبّث قليلا يلحق الهيجاء حمل، فسيطلبك من تطلب، و يقرب منك ما تستبعد، و أنا مرقل نحوك في جحفل من المهاجرين و الأنصار و التّابعين بإحسان، شديد زحامهم، ساطع قتامهم، متسربلين سرابيل الموت، أحبّ اللّقاء إليهم لقاء ربّهم، قد صحبتهم ذرّيّة بدريّة، و سيوف هاشميّة، قد عرفت مواقع نصالها في أخيك و خالك و جدّك و أهلك و ما هي من الظّالمين ببعيد. (59821- 59137)
اللغة:
(استعبار) استعبر: جرت عبرته أى بكى.
(لبّث قليلا يلحق الهيجا حمل) هذا المثل قريب من قولهم: لبّث رويدا يلحق الداريّون، و حمل بالتحريك هو ابن بدر رجل من قشير و فيه يقول قيس ابن زهير العبسى:
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 19، ص: 101
و لكنّ الفتى حمل بن بدر بغى و البغى مرتعه وخيم
و هذا البيت للعبسى من أبيات الحماسة (الحماسة 147 من شرح المرزوقى) و من أبيات الأمالي للقالى ص 261 ج 1، و في السيرة النّبوية لابن هشام ص 287 ج 1.
و قول حمل يضرب به مثلا للتهديد بالحرب.
و روى الميدانى في مجمع الأمثال في فصل الضاد المفتوحة هكذا: ضحّ رويدا يدرك الهيجا حمل، و قال: ضحّ رويدا هذا أمر من التضحية أى لا تعجل في ذبحها ثمّ استعير في النهى عن العجلة في الأمر، و يقال: ضحّ رويدا لم ترع أى لم تفزع و يقال ضحّ رويدا يدرك الهيجا حمل، يعنى حمل بن بدر، قال زيد الخيل:
فلو أنّ نصرا أصلحت ذات بينها لضحّت رويدا عن مطالبها عمرو
و لكنّ نصرا ارتعت و تخاذلت و كانت قديما من خلايقها الغفر
أى المغفرة، نصر و عمروا بناقعين و هما حيّان من بني أسد، انتهى قول الميداني.
و في الباب الثالث و العشرين فى ما جاء من الأمثال من أوّله لام من جمهرة الأمثال لأبي هلال العسكرى: لبّث رويدا يلحق الهيجا حمل، أى انتظر حتّى يتلاقى الشّبان، و الهيجا يقصر و يمدّ، و حمل اسم رجل، انتهى كلام أبي هلال.
و كما اختلف في ضبط هذا المثل على ما قدّمنا كذا اختلف في حمل فذهب غير واحد إلى أنه ابن بدر كما دريت و في الإصابة و اسد الغابة أنه حمل ابن سعدانة قال في الأوّل: حمل بن سعدانة بن حارثة الكلبي وفد على النّبي صلى اللَّه عليه و آله و عقد له لواء و هو القائل: لبّث قليلا يدرك الهيجا حمل، و شهد مع خالد مشاهده كلّها و قد تمثّل بقوله سعد بن معاذ يوم الخندق حيث قال:
لبّث قيلا يدرك الهيجا حمل ما أحسن الموت إذا حان الأجل
و في اسد الغابة: البث قليلا- إلخ و قال: شهد صفّين مع معاوية، و اللَّه تعالى أعلم.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 19، ص: 102
ثمّ إنّ الهيجاء في نسختنا الّتي قوبلت على نسخة الرضى ممدودة، و يجب أن تقرأ في البيت مقصورة ليستقيم الوزن.
(مرقل) أى مسرع، و الارقال ضرب من السير السريع، (جحفل) أى جيش عظيم، (قتامهم) أى غبارهم، (ساطع) اى منتشر، (نصالها) قال في القاموس:
النّصل و النصلان حديدة السهم و الرمح و السيف ما لم يكن له مقبض جمعه أنصل و نصول و نصال، و نصل السهم فيه: ثبت، و في بعض النسخ نضالها بالمعجمة يقال ناضل عنه إذا دفع و لكن الصحيح ههنا بالمهملة و في صدر الكتاب بالمعجمة كما في نسخة الرضى رضوان اللَّه عليه، قال أبو العيال الهذلى في أبيات لما حصر هو و أصحابه ببلاد الروم في زمن معاوية كتبها إلى معاوية فقرأه معاوية على الناس كما في ديوان الهذليين (ص 255 من طبع مصر):
فترى النّبال تعير في أقطارنا شمسا كأنّ نصالهنّ السنبل
و ترى الرّماح كأنّما هي بيننا أشطان بئر يوغلون و نوغل
الاعراب:
(يلحق الهيجا حمل) قرئ الفعل و حمل على وجهين: على تأنيث الفعل و نصب حمل فالهيجاء فاعل، و على تذكير الفعل و رفع حمل فالهيجاء مفعول (متسربلين) منصوب على الحال.
المعنى:
قوله عليه السّلام: (و ذكرت أنه ليس لي و لا لأصحابى إلّا السيف- إلخ) هذا الفصل جواب عن قول معاوية: و ليس لك و لأصحابك عندي إلّا السيف- إلخ.
و قد مضى نحوه في الكتاب التاسع، فأجابه بقوله (فلقد أضحكت بعد استعبار) و ذلك أنّ تهديد معاوية لمّا كان في غير محلّه لأنّ مثل تخويفه أمير المؤمنين عليه السّلام بالسيف كصبيّ يخوّف بطلا محاميا قال عليه السّلام: لقد أضحكت، أى أضحكت غيرك من المؤمنين بتخويفك، و لمّا كان تصرّفه في امور الدّين ممّا يبكي المؤمنين قال عليه السّلام: بعد استعبار، أى بعد استعبارك أهل الدّين بما يرون منك في دين اللّه.
اقتباس و قوله عليه السّلام: (من المهاجرين و الأنصار و التابعين باحسان) اقتباس من قول اللّه عزّ و جلّ: «وَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ وَ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ وَ أَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» (التوبة: 100).
و ذرّية بدريّة أي الّذين هم من ذراري أهل بدر، و أخو معاوية، هو حنظلة ابن أبي سفيان و خاله وليد بن عتبة و جدّه عتبة بن ربيعة و أهله أتباعه، و مضى نحو كلامه هذا في الكتاب العاشر: فأنا أبو حسن قاتل جدّك و خالك و أخيك شدخا
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 19، ص: 186
يوم بدر و ذلك السيف معي و بذلك القلب ألقى عدوّي، و سيأتي نحوه في الكتاب الرابع و الستّين: و عندي السيف الّذي أعضضته بجدّك و خالك و أخيك في مقام واحد.
قوله عليه السّلام: (و ما هي من الظالمين ببعيد) أراد بالظالمين معاوية و أتباعه، و هو بعض آية من قوله تعالى في قصّة قوم لوط: «فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَ أَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَ ما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ» (هود: 84) و هو عليه السّلام ذكر في هذا الكتاب عدّة آيات لا يخفى مناسبة كلّ واحدة منها لموردها.
و معنى سائر الجمل واضح إلّا أنّه عليه السّلام أخبر عن نفسه و عن الجحفل من المهاجرين و الأنصار و التابعين بأنّ أحبّ اللقاء إليهم لقاء ربّهم و إنّما يليق في المقام أن نبحث عن لقاء اللّه تعالى، و لنا بفضله سبحانه رسالة منفردة في لقاء اللّه أرى الاتيان بها ههنا و درجها في هذا الشرح أولى من أن تطبع و تنشر على حدة فاطلبها بعد الترجمة.
الترجمة:
ديگر اين كه از شمشير بيم داده اى، از اين سخنت گريان را بخنده آوردى كى فرزندان عبد المطّلب از دشمن روى گردان بودند و از شمشير ترسان، اندكى درنگ كن تا حمل شير نر بكارزار در آيد، كه آن گاه كسى بگيردت كه تو او را مى خواستى، و بتو نزديك مى شود مرگى كه از آن دورى مى جستى. و من با لشكرى بزرگ از مهاجر و أنصار و تابعين باحسان شتابان بسوى تو رهسپاريم، لشكر سخت أنبوهى كه گرد سوارانش فضا را فرا گرفت و خود لباس مرگ در بر كرده اند بهترين ديدارشان ديدار خدايشان است، با آنان فرزندان و دودمان سربازان سلحشور و جنگاور روز بدرند، در دست آن پهلوانان شمشير بني هاشم است همان شمشيرهائى كه در جنگ بدر بر سر برادر و دائى و جدّ و دودمانت فرود آمد، كه آماده اند بر سر ستمكاران ديگر فرود آيند.