منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 183
و من كلام له عليه السّلام لما عوتب على التسوية فى العطاء و تصييره الناس اسوة فى العطاء من غير تفضيل اولى السابقات و الشرف و هو المأة و السادس و العشرون من المختار فى باب الخطب (و قد روى بطريق آخر على اختلاف تطلع عليه):
أ تأمرونيّ أن أطلب النّصر بالجور فيمن ولّيت عليه، و اللّه ما أطور به ما سمر سمير و ما أمّ نجم في السّماء نجما، لو كان المال لى لسوّيت بينهم، فكيف و إنّما المال مال اللّه، ألا و إنّ إعطاء المال في غير حقّه تبذير و إسراف، و هو يرفع صاحبه في الدّنيا، و يضعه في الآخرة، و يكرمه في النّاس، و يهينه عند اللّه، و لم يضع امرؤ ماله في غير حقّه و لا عند غير أهله إلّا حرّمه اللّه شكرهم، و كان لغيره ودّهم، فإن زلّت به النّعل يوما فاحتاج إلى معونتهم فشرّ خدين، و ألئم خليل. (25952- 25854)
اللغة:
(الأسوة) بالضمّ القدوة و تصيير النّاس اسوة التّسوية بينهم كأنّ كلّا منهم قدوة صاحبه و (تأمرونّى) بالتّشديد أصله تأمروننى بنونين فاسكنت الاولى و ادغمت في الثّانية قال تعالى: أ فغير اللّه تأمرونّي أعبد أيّها الجاهلون و (وليت) الشيء و عليه وزان رضيت إذا ملكت أمره و في بعض النسخ وليّت بالبناء على المفعول من باب التّفعيل أى ولانّي اللّه عليه و (طار) حول الشيء يطور طورا إذا حام.
و (ما سمر سمير) قال في القاموس: السّمر محرّكة اللّيل و حديثه، و ما أفعله ما سمر سمير، أى ما اختلف اللّيل و النّهار، قال الطّريحى سمر فلان إذا تحدّث ليلا، و الاسامرة هم الّذين يتحدّثون ليلا، قال: و في حديث عليّ عليه السّلام لا يكون ذلك ما سمر سمير أى ما اختلف اللّيل و النّهار، و المعنى لا يكون ذلك أبدا، و هو من كلام العرب يقولون: ما أفعله ما سمر السّمير قال الجوهرى: و ابنا سمير اللّيل و النّهار يسمر فيهما، تقول: ما أفعله ما سمر بنا سمير أى أبدا، و لا أفعله السّمر و القمر أى ما دام الناس يسمرون في ليلة القمر، و في شرح المعتزلي السّمير الدّهر و ابناه اللّيل و النهار و (الخدين) الصّديق من خادنت الرّجال أى صادقته.
الاعراب:
الباء في قوله بالجور للمقابلة، و في قوله زلّت به النّعل للتّعدية، و الباقي واضح.
المعنى:
اعلم أنّ سنّة رسول اللّه قد كانت جارية في تقسيم بيت المال و الفىء و الصّدقات على العدل و التسوية من غير ترجيح و تفضيل لاولى الشّرف و السّابقات على غيرهم و لما ولى أبو بكر حذا حذوه، و لمّا ولىّ عمر ترك السنّة و بنى في العطية على
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 184
الترجيح و التفضيل حسب ما تطلع عليه بتفصيل، و لمّا ولىّ عثمان بلغ في ذلك الغاية و أعطى الناس على ما يراه و سلك في الاعطاء اليهم بمقتضى هواه حسب ما عرفته في شرح الخطبة الثالثة المعروفة بالشقشقية.
فلمّا قام أمير المؤمنين عليه السّلام بالأمر و قد كان النّاس اعتادوا التّفضيل و الترجيح أزمنة متطاولة و مدّة متمادية و أرادوا التسوية في العطيّة و العمل بسنّة الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم شقّ ذلك على الناس و صعب عليهم تغيير العادة و كان ذلك سببا لنقض البيعة من زبير و طلحة و آكد أسباب تقاعد الناس عنه عليه السّلام و لحوقهم بمعاوية حيث رأوا منه الصّنيعة حسب ما عرفته في شرح الخطبة الرابعة و الثلاثين.
فعند ذلك مشى إليه طائفة من أصحابه و سألوه تفضيل اولى السّابقات و الشرف في العطاء أى تفضيل ذوى الخصال الحميدة من السّبق في الاسلام و الهجرة و شهود الحروب من البدر و الأحزاب و سائر الخطوب و ذوى المجد و الشرف و المتّصفين بعلوّ الحسب و النّسب.
فلمّا سألوه ذلك أجابهم عليه السّلام بقوله: استفهام تقريعى و توبيخى (أ تأمرونّى أن أطلب النّصر بالجور) استفهام على سبيل التقريع و التوبيخ: أى كيف تأمروننى أن أطلب النّصر منكم بالجور و الظلم (في) حقّ (من ولّيت عليه) و ملكت أمره من المسلمين الذين لا سوابق لهم و لا شرف في حسبهم و نسبهم بنقصهم في العطاء عن غيرهم و بخسهم حقّهم كما فعله عمر و عثمان (و اللّه ما أطور به) و لا أحوم حومه (ما سمر سمير) و اختلف اللّيل و النّهار (و ما أمّ) و قصد (نجم في السّماء نجما) أى دائما لأنّ النجوم لا يزال يقصد بعضها بعضا بحركتها.
(لو كان المال لي لسوّيت بينهم) تبعا لسيرة الرّسول و سنّته و قضاء لحقّ المواساة (فكيف و إنما المال مال اللّه) و الفقراء عيال اللّه فلا ينبغي إزواء ماله عن عياله و صرفه إلى غيره.
ثمّ نبّه عليه السّلام على مفاسد صرف المال في غير أهله بقوله (ألا و إنّ إعطاء المال في غير حقّه تبذير و إسراف) و قد نهى اللّه عنه و قال: «إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ» و قال: «وَ لا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ».
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 185
(و هو يرفع صاحبه في الدّنيا و يضعه في الآخرة و يكرمه في النّاس و يهينه عند اللّه) ثمّ نبّه على ما يترتّب على وضع المال في غير محلّه في الدّنيا بقوله (و لم يضع امرؤ ماله في غير حقّه و لا عند غير أهله) رجاء للمكافاة و الجزاء أو توقّعا للشكر و الثناء (إلّا حرّمه اللّه شكرهم و كان لغيره ودّهم فان زلّت به النّعل يوما) أى إذ اعثر و افتقر يوما (فاحتاج إلى معونتهم ف) هم إذا (شرّ خدين) و صديق (و ألئم خليل) و رفيق كما هو معلوم بالتجربة مشاهد بالعيان.
تنبيه:
قد أشرنا إلى أنّ أوّل من فتح باب التفضيل في الصّدقات لاولى الشرف و السّابقات هو عمر بن الخطاب، فحذا حذوه عثمان بن عفّان، و تبعها معاوية بن أبي سفيان، فنبذوا كتاب اللّه وراء ظهورهم، و غيّروا سنّة رسول اللّه، و كان ذلك من أعظم المطاعن على فاتح الباب، حيث خالف السّنّة و الكتاب، و ترتّب على ذلك من المفاسد ما لا يحصى، و من البدعات ما لا تستقصى، و لا بأس باشباع الكلام في هذا المرام تنبيها على ما ترتّب عليه من الهفوات و الآثام فأقول: قال الشارح المعتزلي في شرح هذا الكلام، و اعلم أنّ هذه مسألة فقهيّة و رأى عليّ و أبي بكر فيه واحد، و هو التسوية بين المسلمين في قسمة الفى ء و الصّدقات، و إلى هذا ذهب الشّافعي، و أمّا عمر فانّه لما ولى الخلافة فضّل بعض النّاس على بعض: فضّل السّابقين على غيرهم، و فضّل المهاجرين من قريش على غيرهم من المهاجرين، و فضّل المهاجرين كافّة على الأنصار كافّة، و فضّل العرب على العجم، و فضّل الصّريح على المولى، و قد كان أشار على أبي بكر أيّام خلافته فلم يقبل: و قال: إنّ اللّه لم يفضّل أحدا على أحد و لكنه قال: انّما الصّدقات للفقراء و المساكين، و لم يخصّ قوما دون قوم فلمّا أفضت إليه الخلافة عمل بما
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 186
كان أشار أوّلا قال: و قد ذهب كثير من فقهاء المسلمين إلى قوله، و المسألة محلّ اجتهاد و للامام أن يعمل بما يؤدّيه اليه اجتهاده و إن كان اتباع عليّ عليه السّلام عندنا أولى لا سيّما إذا عضده موافقة أبي بكر، و إن صحّ الخبر أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سوّى فقد صارت المسألة منصوصا عليها، لأنّ فعله عليه السّلام كقوله، انتهى أقول: كون المسألة منصوصة لا غبار عليها حسبما تعرفه، و الاجتهاد في مقابل النّص باطل و قال الشّارح في شرح الكلام المائتين و الأربعة و العشرين عند ذكر مطاعن عمر: إنّه كان يعطى من بيت المال ما لا يجوز حتّى أنّه كان يعطى عايشة و حفصة عشرة آلاف درهم في كلّ سنة، و منع أهل البيت خمسهم الذي يجرى مجرى الواصل إليهم من قبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و انه كان عليه ثمانون ألف درهم من بيت المال على سبيل القرض إلى أن قال: و نحن نذكر ما فعله عمر في هذا الباب مختصرا نقلناه من كتاب أبي الفرج عبد الرحمن بن عليّ ابن الجوزي المحدّث في أخبار عمر و سيرته.
روى أبو الفرج عن سلمة بن عبد الرحمن قال استشار عمر الصّحابة بمن يبدء فى القسم و الفريضة، فقالوا ابدء بنفسك، فقال بل أبدأ بآل رسول اللّه و ذوى قرابته فبدء بالعبّاس.
قال ابن الجوزى: و قد وقع الاتّفاق على أنّه لم يفرض لأحد أكثر ممّا فرض له، و روى أنه فرض له اثنا عشر ألفا و هو الأصحّ.
ثمّ فرض لزوجات رسول اللّه لكلّ واحدة عشرة آلاف، و فضّل عايشة عليهنّ بألفين فأبت فقال: ذلك بفضل منزلتك عند رسول اللّه فإذا أخذت فشأنك، و استثنى من الزوجات جويريه و صفيّة و ميمونة، ففرض لكلّ واحدة منهنّ ستة آلاف، فقالت عايشة: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يعدل بيننا، فعدل عمر بينهنّ و ألحق هولاء الثلاث بسايرهنّ
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 187
ثمّ فرض للمهاجرين الذين شهدوا بدرا لكلّ واحد خمسة آلاف و لمن شهدها من الأنصار لكلّ واحد أربعة آلاف، و قد روى انّه فرض لكلّ واحد ممن شهد بدرا من المهاجرين أو من الأنصار أو من غيرهم من القبائل خمسة آلاف.
ثمّ فرض لمن شهد احدا و ما بعدها إلى الحديبيّة أربعة آلاف، ثمّ فرض لكلّ من شهد المشاهد بعد الحديبيّة ثلاثة آلاف، ثمّ فرض لكلّ من شهد المشاهد بعد وفاة رسول اللّه ألفين و خمسمائة و ألفين و ألفا و خمسمائة و ألفا واحدا إلى مأتين و هم أهل هجر و مات عمر على ذلك قال ابن الجوزى و ادخل عمر في أهل بدر ممن لم يحضر بدرا أربعة: و هم الحسن و الحسين و أبو ذر و سلمان ففرض لكلّ واحد منهم خمسة آلاف.
قال ابن الجوزى و روى السّدى أنّ عمر كسا أصحاب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فلم يرتض في الكسوة ما يستصلحه للحسن و الحسين عليهما السّلام فبعث إلى اليمن فاتى لهما بكسوة فاخرة، فلما كساهما قال: الآن طابت نفسى.
قال ابن الجوزي: فأمّا ما أعتمده في النساء فانّه جعل نساء أهل بدر على خمسمائة، و نساء من بعد بدر إلى الحديبيّة على أربعمائة، و نساء من بعد ذلك على ثلاثمأة، و جعل نساء أهل القادسيّة على مأتين ثمّ سوّى بين النساء بعد ذلك.
قال الشارح بعد رواية ما أوردنا: و لو لم يدلّ على تصويب عمر فيما فعله إلّا اجماع الصحابة و اتّفاقهم عليه و ترك الانكار لذلك، كان كافيا و قال ثمّة أيضا بعد ما ذكر جواب قاضي القضاة عن ذلك الطّعن و اعتراض المرتضى (ره) عليه بأنّ تفضيل الأزواج لا سبب فيهنّ يقتضى ذلك و إنّما يفضّل الامام في العطاء ذوى الأسباب المقتضية لذلك مثل الجهاد و غيره من الامور العامّ نفعها للمسلمين ما لفظه: و كيف يقول المرتضى ما جاز أن يفضّل أحدا إلّا بالجهاد و قد فضّل الحسن و الحسين على كثير من أكابر المهاجرين و الأنصار و هما صبيّان ما جاهدا و لا بلغا الحلم بعد، و أبوهما أمير المؤمنين موافق على ذلك راض به غير منكر له، و هل فعل عمر ذلك إلّا لقربهما من رسول اللّه؟ انتهى.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 188
اقول لا يخفى ما فى ذلك من وجوه الكلام و ضروب الملام:
(اما اولا) فلأنّ كون القسم بالسّوية موافقا للسنّة و منصوصا عليه ممّا لا غبار عليه، و مخالفة عمر لها في ابداع التفضيل و كونه بدعة لا خفاء فيه و يدلّ على ذلك ما رواه في البحار من البخاري و مسلم و غيرهما بأسانيد عديدة أنّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال للأنصارى في مقام التّسلية قريبا من وفاته: ستلقون بعدي اثرة فاصبروا حتّى تلقوني على الحوض، و هل يرتاب عاقل في أنّ هذا القول بعد أن كان يسوى بين المهاجرين و الأنصار مدّة حياته إخبار بما يكون بعده من التّفضيل و يتضمّن عدم إباحته و عدم رضاه به و ما تقدّم آنفا في رواية ابن الجوزى من قول عايشة لعمر انّ رسول اللّه كان يعدل بيننا و ما تقدّم أيضا فيكلام الشارح من قول أبي بكر لعمر إنّ اللّه لم يفضّل أحدا على أحد و لكنه قال: «إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ» .
و لم يخصّ قوما دون قوم، و يفيده أيضا تسوية أمير المؤمنين في التقسيم، و هو يدور مع الحقّ و الحقّ يدور معه حيثما دار، بنصّ الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كما تظافرت به الروايات من طرق المخالف و المؤالف، و احتجاجه على المهاجرين و الأنصار لمّا كرهوا عدله في القسمة بمخالفة التّفضيل للشريعة بما مرّ في هذا الكلام الذي شرحناه بقوله: أتأمرونّي أن أطلب النصر بالجور، و قوله: ألا و إنّ إعطاء المال في غير حقّه تبذير و إسراف، و احتجاجه على طلحة و الزبير بما يأتي إن شاء اللّه في الكلام المأتين و الأربعة من قوله: و أما ما ذكرتما من أمر الاسوة فانّ ذلك أمر لم احكم أنا فيه برأى ولا وليته هوى منى بل وجدت أنا و أنتما ما جاء به رسول اللّه قد فرغ منه فلم احتج اليكما فيما قد فرغ اللّه من قسمه و امضى فيه حكمه فليس لكما و اللّه عندى و لا لغير كما فيهذا عتبى.
فلو كان رسول اللّه يقسّم على التفضيل لاحتجّ به عمر على أبي بكر و لأقام المهاجرون و الأنصار و طلحة و الزبير بذلك على أمير المؤمنين حجّة
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 189
و العجب من الشّارح أنه مع ذلك كلّه يشكّ في كون المسألة منصوصا عليها و مع ما قاله في بعض كلامه من قوله فان قلت: إن أبا بكر قد قسّم بالسوية كما قسّمه أمير المؤمنين عليه السّلام و لم ينكروا عليه كما أنكروا على أمير المؤمنين عليه السّلام.
قلت: قسّم أبو بكر محتذيا بقسم رسول اللّه، فلما ولى عمر الخلافة و فضّل قوما على قوم ألفوا ذلك و نسوا تلك القسمة الاولى و طالت أيام عمر و اشربت قلوبهم حبّ المال و كثرة العطاء، و أمّا الذين اهتضموا فقنعوا و مرثوا على القناعة و لم يخطر لأحد من الفريقين أنّ هذا الحال تنقض و تتغيّر بوجه ما، فلمّا ولى عثمان أجرى الأمر على ما كان عمر يجريه فازداد وثوق العوام بذلك، و من ألف أمرا شقّ عليه فراقه و تغيير العادة فيه، فلمّا ولىّ أمير المؤمنين أراد أن يردّ الأمر إلى ما كان في أيّام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أبي بكر و قد نسى ذلك و رفض و تخلّل بين الزمانين اثنتان و عشرون سنة، فشقّ ذلك عليهم و أكبروه حتى حدث ما حدث من نقض البيعة و مفارقة الطاعة و للّه أمر هو بالغه، انتهى و أقول: مضافا إلى هذا كلّه إنّه لو كان إلى جواز التّفضيل و مصانعة الرّؤساء و الأشراف للمصالح سبيل، لما عدل أمير المؤمنين إلى العدل و التّسوية مع ما رآه عيانا من تفرّق أصحابه لذلك، و تقاعد النّاس عنه و لحوقهم بمعاوية حيثما عرفته في شرح الخطبة الرّابعة و الثّلاثين، و من نقض طلحة و الزّبير بيعته حسبما عرفته فيما تقدّم و تعرفه مفصّلا أيضا إنشاء اللّه تعالى في شرح الكلام المأتين و الأربعة، و لما أختار فيه إراقة الدّماء و حدوث الفتن، و لما كان يمنع عقيلا صاعا من برّ فيذهب إلى معاوية، إلى غير ذلك ممّا ترتّب عليه (و أما ثانيا) فلأنّ استدلال الشّارح على تصويب عمر فيما فعله باجماع الصحابة فيه:
أولا منع الاجماع إذ لم يجمع على ذلك إلّا أجلاف العرب و الخاضمون لمال اللّه خضم الابل نبتة الرّبيع، و النّاس أبناء الدّنيا يحبّون المال حبّا جمّا
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 190
و يأكلونه أكلا لمّا، فاذا وصل اليهم منه منافع جزيلة و فوائد جليلة و انتفعوا بها في دنياهم و كانوا أهل يسار و ثروة بعد ما كانوا ذوى فقر و فاقة و خصاصة كيف ينكرون فعله.
و ثانيا منع حجّية ذلك الاجماع خصوصا مع مخالفته لسنّة الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (و أما ثالثا) فلأنّ ما ذكره الشّارح في الاعتراض على المرتضى من عدم انحصار اسباب التفضيل في الجهاد و جواز كون سببه رعاية القرابة من رسول اللّه مستدلّا بتفضيل الحسنين عليهما السّلام مع رضاء أبيهما و عدم إنكاره له فيه:
انّ عدم انحصار السبب في الجهاد على فرض جواز أصل التّفضيل مسلّم، و اعتراضه على المرتضى بذلك حقّ إلّا أنّ أصل التّفضيل ممنوع كما عرفته، و رعاية عمر لقرابة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم باطل إذ لو كان ملاحظا للقرابة لما منع بضعة الرّسول و ابنته البتول من حقّها كما هو ظاهر لا يخفى.
و أمّا رضاء أمير المؤمنين بتفضيل الحسنين عليهما السّلام فامّا أنه للتّقيّة، أو لأنّه لمّا حرمهم حقّهم من الخمس و الفى ء و الانفال أخذا ما أخذا عوضا من حقوقهم.
قال في البحار: و يمكن أن يقال لمّا كان أمير المؤمنين عليه السّلام وليّ الأمر فلعلّ ما أخذا صرفه في مصارفه و كان الأخذ من قبيل الاستنقاذ من الغاصب و الاستخلاص من السّارق، إذا عرفت ذلك فلنشر إلى ما ترتّب على هذه البدعة و ما أثمرته هذه الشجرة الملعونة فأقول: قال العلامة المحدث المجلسى:
و اعلم أنّ أكثر الفتن الحادثة في الاسلام من فروع هذه البدعة، فانّه لو استمرّ النّاس على ما عوّدهم الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من العدل و جرى عليه الأمر في أيّام أبي بكر لما نكث طلحة و الزبير بيعة أمير المؤمنين عليه السّلام، و لم تقم فتنة الحمل، و لم يستقرّ الأمر لمعاوية، و لا تطرّق الفتور إلى أتباع أمير المؤمنين و أنصاره و لو كان المنازع له في أوّل خلافة معاوية لدفعه بسهولة، و لم ينتقل الأمر إلى بني اميّة، و لم يحدث ما أثمرته تلك الشّجرة الملعونة من إراقة الدّماء المعصومة و قتل
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 191
الحسين و شيوع سبّ أمير المؤمنين على المنابر، ثمّ انتقال الخلافة إلى بني العبّاس و ما جرى من الظلم و الجور على أهل البيت و على سائر أهل الاسلام و قد كان من الدّواعى على الفتن و الشرور بدعته الاخرى و هى الشّورى اذ جعل طلحة و الزبير مرشّحين للخلافة نظيرين لأمير المؤمنين عليه السّلام فشقّ عليهما طاعته و الصّبر على الاسوة و العدل، و هذا في غاية الوضوح و قد روى ابن عبد ربّه في كتاب العقد على ما حكاه العلّامة عنه في كشف الحقّ قال: إنّ معاوية قال لابن الحصين: أخبرني ما الّذي شتّت أمر المسلمين و جماعتهم و فرّق ملائهم و خالف بينهم؟ فقال: قتل عثمان، قال: ما صنعت شيئا، قال: ما عندي غير هذا يا أمير المؤمنين قال: فأنا أخبرك أنّه لم يشتّت بين المسلمين و لا فرّق أهوائهم إلّا الشّورى جعلها عمر في ستّة ثمّ فسّر معاوية ذلك فقال: لم يكن من الستّة رجل إلّا هواها لنفسه و لقومه، و تطلّعت إلى ذلك نفوسهم، و لو أنّ عمر استخلف كما استخلف أبو بكر ما كان في ذلك اختلاف، و قد تمّ اثارة الفتنة باغواء معاوية و عمرو بن العاص و اطماعهما في الخلافة. و كان معاوية عامله على الشّام و عمرو بن العاص عامله و أميره على مصر، فخاف أن يصير الأمر إلى عليّ فقال لما طعن و علم أنّه يموت: يا أصحاب محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تناصحوا فان لم تفعلوا عليكم عليها عمرو بن العاص و معاوية بن أبي سفيان روى ذلك ابن أبي الحديد ثمّ حكى عن شيخنا المفيد (ره) أنّه قال: كان غرض عمر بالقاء هذه الكلمة إلى النّاس أن تصل إلى عمرو بن العاص و معاوية فيتغلّبا على مصر و الشّام لو أفضى الأمر إلى عليّ عليه السّلام و بالجملة جميع ما كان و ما يكون في الاسلام من الشّرور إلى يوم النشّور إنما أثمرته شجرة فتنته فغرس أصل الفتن يوم السقيفة، و ربي بما أبدعه من التفضيل في العطاء و وضع الشّورى و غير ذلك، فهو السّهيم في جميع المعاصي و الجرائم، و الحامل لجملة الأوزار و الآثام.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 192
تكملة:
قد مرّ رواية هذا الكلام له عليه السّلام في شرح الخطبة الرّابعة و الثّلاثين عن عليّ بن سيف المدايني باختلاف عرفته و رواه أيضا في مجلدّ الفتن من البحار من كتاب الغارات لإبراهيم بن محمّد الثّقفي عن محمّد بن عبد اللّه بن عثمان عن عليّ بن سيف عن أبي حباب عن ربيعة و عمارة قال: إنّ طائفة من أصحاب عليّ مشوا إليه فقالوا: يا أمير المؤمنين أعط هذه الأموال و فضّل هؤلاء الأشراف من العرب و قريش على الموالى و العجم، و من تخاف خلافه من النّاس و فراره، و إنّما قالوا له ذلك للّذي كان من معاوية يصنع بمن أتاه، فقال لهم عليّ: أتأمرونّي أن أطلب النّصر بالجور، و اللّه لا أضلّ «أفعل ظ» ما طلعت شمس و مالاح في السّماء نجم، و اللّه لو كان ما لهم لي لو اسيت بينهم فكيف و ما هي إلّا أموالهم.
قال ثمّ أرمّ طويلا ساكتا ثمّ قال: من كان له مال فايّاه و الفساد فانّ إعطاء المال في غير حقّه تبذير و اسراف، و هو ذكر لصاحبه في الدّنيا و يضعه عند اللّه و لم يضع رجل ماله في غير حقّه و عند غير أهله إلّا حرمه اللّه شكرهم، و كان لغيره ودّهم، فان بقى معه من يودّه و يظهر له البشر فانّما هو ملق و كذب و إنّما ينوى أن ينال من صاحبه مثل الذى كان يأتي إليه من قبل، فان زلّت بصاحبه النعل فاحتاج إلى معونته و مكافاته فشرّ خليل و ألئم خدين، و من صنع المعروف فيما آتاه اللّه فليصل به القرابة، و ليحسن فيه الضّيافة، و ليفكّ به العانى، و ليعن به الغارم و ابن السّبيل و الفقراء و المهاجرين، و ليصبر نفسه على الثّواب و الحقوق، فانّ الفوز بهذه الخصال شرف مكارم الدّنيا و درك فضايل الآخرة.
و رواه أيضا في الكافي عن العدّة عن أحمد بن أبي عبد اللّه عن محمّد بن عليّ عن أحمد بن عمرو بن سليمان البجليّ عن إسماعيل بن الحسن بن إسماعيل بن شعيب بن ميثم التّمار عن إبراهيم بن إسحاق المدايني عن رجل عن أبي مخنف الازدي
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 193
قال: أتى أمير المؤمنين عليه السّلام رهط من الشيعة فقالوا يا أمير المؤمنين لو أخرجت هذه الأموال ففرّقتها في هؤلاء الرّؤساء و الأشراف و فضّلتهم علينا حتى إذا استوسقت الامور عدت إلى أفضل ما عودّك اللّه من القسم بالسوية و العدل، فقال أمير المؤمنين: أتأمرونّي و يحكم أن أطلب النّصر بالجور فيمن وليت عليه من أهل الاسلام، لا و اللّه لا يكون ذلك ما سمر سمير و ما رأيت في السّماء نجما و اللّه لو كانت أموالهم مالي لساويت بينهم فكيف و إنّما هي أموالهم قال ثمّ أرمّ ساكتا طويلا ثمّ رفع رأسه فقال: من كان فيكم له مال فايّاه و الفساد، فانّ إعطائه في غير حقّه تبذير و إسراف، و هو يرفع ذكر صاحبه في النّاس و يضعه عند اللّه و لم يضع امرء ماله في غير حقّه و لا عند غير أهله إلّا حرّمه اللّه شكرهم، و كان لغيره ودّهم، فان بقى معه منهم بقيّة ممّن يشكر له و يريه النّصح فانّما ذلك ملق منه و كذب، فان زلّت بصاحبهم النّعل ثمّ احتاج إلى معونتهم و مكافئتهم فألئم خليل و شرّ خدين، و لم يضع امرء ماله في غير حقّه و عند غير أهله إلّا لم يكن له من الحظّ فيما أتى إلّا محمدة اللّئام، و ثناء الأشرار ما دام عليه منعما مفضّلا، و مقالة الجاهل ما أجوده، و هو عند اللّه بخيل فأىّ حظّ أبور و أخسر من هذا الحظّ، و أىّ فائدة معروف أقلّ من هذا المعروف، فمن كان منكم له مال فليصل به القرابة، و ليحسن منه الضيافة، و ليفكّ به العانى و الأسير و ابن السبيل فانّ الفوز بهذه الخصال مكارم الدّنيا و شرف الآخرة.
الترجمة:
از جمله كلام فصاحت انتظام آن جنابست در وقتى كه سرزنش كردند او را بر مساوى نمودن در عطاء، و برگردانيدن او مردمان را پيروى شده يكديگر در مقام اعطاء بى تفضيل دادن صاحبان سبقت در اسلام و جهاد و هجرت و موصوفان بشرف حسب و نسب و نجابت باين نحو كه فرمود:
آيا أمر مى كنيد شما مرا باين كه طلب يارى كنم از شما بظلم و ستم نمودن در حق كسى كه والى أمر و صاحب اختيار او هستم، بخدا سوگند كه نزديك نشوم باين خواهش شما مادامى كه أفسانه گويد زمانه، و مادامى كه قصد كند ستاره در آسمان ستاره ديگر را، يعني أبدا اقدام در اين كار نميكنم اگر بودى اين مال كه قسمت ميكنم از من هر آينه رعايت برابرى و مواساة مى نمودم در ميان ايشان، پس چگونه ترك مواساة نمايم و حال آنكه جز اين نيست كه اين مال مال خداست آگاه باشيد و بدانيد كه اعطا نمودن مال در غير حق خود بى اندازه خرج كردن و اسراف است، و آن بى أندازگى بلند ميكند صاحب خود را در دنيا، و پست مى گرداند او را در آخرت، و عزيز مى نمايد او را در نزد خلايق، و خوار ميكند او را در نزد خالق، و نگذارد و مصرف نكرد هيچ كس مال خود را در غير مصرف آن و در غير اهل آن مگر آنكه محروم نمود او را خداى تعالى از تشكر و پاداش دادن ايشان، و باشد بجهة غير او دوستى ايشان، پس اگر بلغزد بأو پاى او روزى از روزها پس محتاج بشود بيارى ايشان پس بدترين صديق باشند و لئيم ترين رفيق.