منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 208
و من كلام له عليه السّلام و هو المأتان و التاسع عشر من المختار فى باب الخطب بعد تلاوة ألهيكم التّكاثر حتّى زرتم المقابر، و رواه في البحار من كتاب عيون الحكم و المواعظ لعلىّ بن محمّد الواسطى مرسلا كما في المتن، و شرحه في فصول:
الفصل الاول:
يا له مراما ما أبعده، و زورا ما أغفله، و خطرا ما أفظعه، لقد استخلوا منهم أيّ مذّكّر، و تناوشوهم من مكان بعيد، أ فبمصارع آبائهم يفخرون، أم بعديد الهلكى يتكاثرون، يرتجعون منهم أجسادا خوت، و حركات سكنت، و لأن يكونوا عبرا أحقّ من أن يكونوا مفتخرا، و لأن يهبطوا بهم جناب ذلّة، أحجى من أن يقوموا بهم مقام عزّة، لقد نظروا إليهم بأبصار العشوة، و ضربوا منهم في غمرة جهالة. و لو استنطقوا عنهم عرصات تلك الدّيار الخاوية، و الرّبوع الخالية، لقالت: ذهبوا في الأرض ضلّالا، و ذهبتم في أعقابهم جهّالا، تطئون في هامهم، و تستنبتون في أجسادهم، و ترتعون فيما لفظوا، و تسكنون فيما خرّبوا، و إنّما الأيّام بينكم و بينهم بواك و نوائح عليكم.
اللغة:
(الزّور) بفتح الزّاء و سكون الواو اسم يطلق على الواحد و الجمع كالضّيف فيراد به الزّائر و الزّائرون و كذلك الزّور بضمّ الزّاء و فتح الواو و (الخطر) محرّكة الأشراف على الهلاك و (أىّ مذّكر) بصيغة اسم الفاعل من
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 209
التّذكير و في بعض النّسخ أى مدّكر مصدر ميمّى من الادكار و أصله مدتكر قلبت تاؤه دالا و ادغم و (خوت) الدّار و خويت خيّا و خواء و خواية تهدّمت و خلت من أهلها، و أرض خاوية خالية من أهلها، و الخوا بالقصر و المدّ خلو الجوف من الطعام.
و (الجناب) بفتح الجيم الفناء و (الحجى) العقل و الفطنة و هو حجى كفتى أى جدير و (العشوة) كالعشا مقصورة و العشاوة سوء البصر باللّيل و (ضرب) في الماء سبح و ضرب في الأرض سار قال تعالى «إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ» و (غمرة) الشيء شدّته و معظمه و غمر الماء كثر و الغمر معظم البحر و (العرصة) كلّ بقعة من الدّور واسعة ليس فيها بناء و الجمع عرصات و أعراص و عراص و (الرّبوع) جمع الرّبع و هي الدار حيث كانت و المحلّة و المنزل و (الهام) جمع الهامة و هي الرّاس. و (تستنبتون) بالنون من النبات و يروى بالثاء المثلّثة بدل النون و (لفظه) رماه من فيه.
الاعراب:
قوله عليه السّلام: يا له مراما ما أبعده، النّداء للتّعجب دخل على المتعجّب منه فانّ هذا النداء إنّما يستعمل في مقامين:
أحدهما أن يرى المتكلّم أمرا عظيما عجيبا فينادى جنسه كقولهم يا للماء و للدّواهى إذا تعجّبوا من كثرتهما.
و الثاني أن يرى أمرا يستعظمه، فينادى من له نسبة إليه و مكنة فيه نحو يا للعلماء و غلب في المنادى المتعجّب منه جرّه باللّام كما في المنادى المستغاث و قد يستغنى عنها بالألف مثل يا عجبا.
و الضمير في له مبهم يفسّره التّميز بعده، و هذا من جملة المواضع التي جوّزوا فيها عود الضمير على المتأخّر لفظا و رتبة كما في نعم رجلا زيد، فانّ فاعل نعم ضمير يفسّره رجلا و كذلك قوله تعالى «ساءَ مَثَلًا الْقَوْمُ» و «كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ» و قال الزّمخشري في قوله تعالى «وَ قالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا...» هذا ضمير لا يعلم ما يعنى به إلّا بما يتلوه، و أصله إن الحياة إلّا حياتنا الدّنيا، ثمّ وضع هي موضع الحياة لأنّ الخبر يدلّ عليها و يبيّنها.
و مراما منصوب على التّميز كما أشرنا إليه و هو رافع للابهام عن الضّمير مقدّر في المعنى بمن أى ياله من مرام، و جملة ما أبعده صفة لمراما، و ما فيها للتعجّب مبتدأ خبره أبعده كما في قولهم ما أحسن زيدا قال سيبويه: هى نكرة تامّة بمعنى شيء لتضمّنها معني التعجّب و ما بعدها من الجملة الفعليّة خبر و قال الفرّاء إنّها استفهاميّة و هو المنقول عن الكوفيين و هو موافق لقولهم باسميّة افعل لأنّ الاستفهام المشوب بالتّعجب لا يليه إلّا الأسماء نحو «ما أصحاب اليمين» و «مالى لا أرى الهدهد» قوله: و زورا ما أغفله، مأخوذ من فعل مفتوح العين من باب قعد و لكن بعد نقله إلى فعل مضموم العين لتصريح علماء الأدبيّة بأنّ فعل التعجّب لا يبنى إلّا من
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 211
فعل مضموم العين في أصل الوضع أو من المنقول إلى فعل إذا كان من غيره نحو ما اضرب و ما اقتل ليدلّ بذلك على أنّ التعجّب منه صار كالغريزة لأنّ باب فعل موضوع لهذا المعنى.
و قوله: أىّ مذّكر، بنصب أىّ لكونها حالا من ضمير منهم كما في قولك مررت بزيد أىّ رجل أى كاملا في الرّجوليّة استفهام انكارى و قوله: أفى مصارع آبائهم الاستفهام للتّوبيخ و الانكار، و قوله: يرتجعون منهم أجسادا الجملة لا محلّ لها من الاعراب لأنّها استيناف بيانىّ.
المعنى:
اعلم أنّ هذا الكلام مسوق في مقام الموعظة و النصيحة و ايقاظ المخاطبين من سبات الغفلة، و خصّهم على الاعتبار بالماضين من الاباء و الأسلاف و الأقرباء و الالاف و الأوكار بأهل المقابر حيث نزلوا من معاقل العزّ و ذروة القصور إلى وهدة القبور فعميت عنهم الاثار و انقطعت عنهم الأخبار.
قاله عليه السّلام بعد تلاوة قوله تعالى: «أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ»، أى شغلكم التفاخر في الكثرة و التّغالب بها.
و ذكر المفسّرون في تفسيره وجهين:
الأوّل أنّ المراد به التّكاثر بالعدد روى انّ بنى عبد مناف و بنى سهم بن عمر و تفاخروا و تعادّوا و تكاثروا بالسّادات و الأشراف، فقال كلّ من الفريقين: نحن أكثر منكم سيّدا و أعزّ عزيزا و أعظم نفرا، فكثرهم بنو عبد مناف فقال بنو سهم:
انّ البغى أفنانا في الجاهليّة فعدّوا مجموع أحيائنا و أمواتنا مع مجموع أحيائكم و أمواتكم، ففعلوا فكثرهم، فنزلت الاية و المعنى أنّكم تكاثرتم بالأحياء
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 212
حتّى إذا استوعبتم عددهم صرتم إلى التّفاخر و التكاثر بالأموات فعبّر عن بلوغهم ذكر الموتى بزيارة القبور تهكّما بهم، و قيل: كانوا يزورون المقابر فيقولون: هذا قبر فلان و هذا قبر فلان يفتخرون بذلك.
الوجه الثاني كنايه [أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ] أنّ المراد به التكاثر بالمال، و المعنى ألهيكم التكاثر بالأموال و طلب تكثيرها و الحرص على جمعها إلى أن متّم و قبرتم مضيّعين أعماركم في طلب الدّنيا معرضين عمّا يهمّكم من السعى للاخرة فتكون زيارة القبور كناية عن الموت.
و على كلا الوجهين فالاية واردة في مقام التّوبيخ و التقريع على التكاثر، و حذف متعلّق ألهيكم ليذهب الوهم و الخيال فيه كلّ مذهب، فيعمّ جميع ما يحتمله المقام من الالهاء عن ذكر اللّه و عن الواجبات و المندوبات في المعرفة و الطاعة و التدبّر و التّفكر، و محصّله إلهاء التكاثر بالأمور الدّنيويّة عن الأمور الدّينية و الأخرويّة.
و ربّما ايّد الوجه الثاني بما روى عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه تلا هذه السّورة فقال: يقول ابن آدم مالى مالى و مالك من مالك إلّا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدّقت فأمضيت.
و يدلّ على الأوّل كلام أمير المؤمنين عليه السّلام هنا لانكاره عليهم التكاثر بعديد الهلكى و التفاخر بمصارع الاباء و تعجّبه من التكاثر و التفاخر مزيد التعجّب بقوله (ياله مراما ما أبعده) و فيه من الدلالة على المبالغة في التعجّب ما لا يخفى، حيث أتا بنداء التعجّب أولا و بلام التعجّب ثانيا، و بالضمير المبهم المفسّر بما بعده لوقعه في النفوس ثالثا و بماء التعجّب رابعا و بأفعل التعجّب خامسا و المعنى يا عجبا من مرام هو من البعد بمكان، و بالغ في التعجّب به غايته.
و المراد بالمرام هو ما كان مقصدهم من التفاخر من إثبات الفخر و المنقبة لأنفسهم و لو بعدد الأموات، فبيّن عليه السّلام أنّ ذلك المرام بعيد جدّا، لأنّ الفخر بالميّت كالفخر بالجماد في جنب الانسان فحصوله به غير ممكن و طلبه تحصيل لما يتحصّل، و ما شأنه ذلك فهو أحرى بأن يتعجّب منه.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 213
و بعد التنزّل عن ذلك نقول: إنّ التفاخر إنّما يكون باثبات الانسان نوعا من أنواع الكمال لنفسه و خيال الكمال ثلاثة: أحدها في النفس، و الثاني في البدن و الثالث فيما له ربط بالبدن من خارج أما الذى في النفس فهى العلوم و المعارف و الأخلاق الفاضلة الّتي بها تنال السّعادة الأبديّة.
و أمّا الّذى في البدن فهي الصحّة و الجمال.
و أمّا الّذى له ربط بالبدن فقسمان: أحدهما ضرورىّ و هو المال و الجاه، و الاخر غير ضروريّ و هو القوم و الأقرباء، و هذا الّذى عدّدناه في المرتبة الثالثة إنّما يراد كلّه للبدن بدليل أنّه إذا تألّم عضو من أعضائه يجعل المال و الجاه فداء له، و أمّا الكمال البدنى من الصّحة و السلامة من الافات فانّما يريده العقلا للنّيل به إلي الكمال النفساني فانّه ما لم يكن صحيح البدن لا يتفرّغ لاكتساب الكمال النفساني المحصّل للسعادة الدّائمة.
إذا عرفت ذلك فنقول: العاقل ينبغي أن يكون دائما نظره إلى الأهمّ و الأفضل و يقدّمه على غيره، فالتّفاخر بكثرة العدد و كذا بالمال و الجاه تفاخر بأحسن مراتب الكمال و مانع من تحصيل السعادة النفسانيّة بالعلم و العمل، فيكون ذلك ترجيحا لأحسن المراتب في الكمال على أشرفها و أفضلها و هو مورد التّعجّب.
و قوله (و زورا ما أغفله) و الكلام في إفادته للمبالغة كالكلام في سابقه.
و المراد بالزّور الزائرون للمقابر المتفاخرون بهم و التّعجب من غفلتهم لجعلهم الأموات الّتي هى محلّ الاعتبار مناطا للافتخار و موضع العبرة عددا للكثرة غافلين عن الصّواب معرضين عمّا ينفعهم في الماب.
و فيه أيضا من الدّلالة على تماديهم في الغفلة ما لا يخفى، لاشتراطهم في فعل التعجّب أن لا يبني إلّا ممّا وقع و استمرّ حتّى يستحقّ أن يتعجّب منه، و يضاف إلى ذلك ما قدّمناه من اشتراطهم أيضا بنائه من فعل مضموم العين ليدلّ على أنّ المتعجّب منه صار كالغريزة.
و قوله (و خطرا ما أفظعه) و الكلام فيه كما فى سابقيه.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 214
و المراد بالخطر الهلاك هلاك من في المقابر المشار إليه بقوله تعالى «زُرْتُمُ الْمَقابِرَ» و أشار عليه السّلام بقوله: ما أفظعه إلى شدّة شناعته و غاية قباحته، لأنّ كلّ شنيع حقير عند شناعة الموت، فانّ المرء عند الموت و حالة الاحتضار في سكرة ملهية و غمرة كارثة و أنّه موجعة و جذبة مكربة و سوقة متعبة، و هو بين أهله لا ينطق بلسانه و لا يسمع بسمعه يردّد طرفه بالنظر في وجوههم يرى حركات ألسنتهم و لا يسمع رجع كلامهم، ثمّ قبض بصره كما قبض سمعه و بعد ما خرج الرّوح من جسده صار جيفة بين أهله قد أوحشوا من جانبه و تباعدوا من قربه، ثمّ حمل إلى دار غربته و منقطع زورته، و ابتلى هنا لك ببهتة السؤال و عثرة الامتحان متقلّبا بين أطوار الموتات و عقوبات الساعات و نزل الحميم و تصلية الجحيم، فأىّ شيء يكون أعظم فظاعة منه.
و لمّا نبه عليه السّلام على عظم فظاعة هلاك المزورين تعريضا به على الزّائرين حيث لم يعتبروا بهم مع كونهم محلّ العبرة أكّده بقوله:
(لقد استخلوا منهم أىّ مذّكر) أى استخلوا الدّيار، فالمفعول محذوف و المعنى أنّ الزّائرين المتفاخرين بالأموات وجدوا الدّيار خالية منهم أى من المزورين حالكونهم كاملين في التّذكير و الادكار و هذا المعنى أقرب و أنسب ممّا ذكره الشارح المعتزلي حيث قال: أراد باستخلوا ذكر من خلا من آبائهم أى من مضى، و المعنى أنّه عليه السّلام استعظم ما يوجبه حديثهم عمّا خلا و عمّن خلا من أسلافهم و آثار أسلافهم من التّذكير فقال أىّ مذّكر و واعظ في ذلك.
(و تناوشوهم من مكان بعيد) أى تناولوهم من مكان بعيد بينهم و بينهم بعد المشرقين بل يزيد لبقاء المتناوشين في الدّنيا و مصير الاخرين إلى الاخرة فكيف يمكن لمن في الدّنيا تناول من في الاخرة و تفاخره به و كسب الفخر و الشرف منه لنفسه و قد قال تعالى في عكس ذلك «و أنّى لهم التّناوش من مكان بعيد» أى كيف يمكن لهم تناول الايمان في الاخرة و قد كفروا به في الدّنيا، يعنى ما محلّه الدّنيا لا يمكن أن يتناوله من هو فى الاخرة لغاية بعد الدّارين و تباعد النّشأتين.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 215
و لمّا ذكر تناوشهم من مكان بعيد تعريضا به عليهم أردفه بقوله استفهام توبيخى- استفهام انكارى (أ فبمصارع آبائهم يفخرون) تقريعا و توبيخا، و أكدّ بقوله (أم بعديد الهلكى يتكاثرون) انكارا.
و لما كان هنا مقام أن يسأل عن علّة إنكاره للتكاثر الهلكى وجهة تقريعه و توبيخه لهم به أجاب عن ذلك بقوله (يرتجعون منهم أجسادا) يعنى استحقاقهم للتّوبيخ و الملام من جهة أنّهم يطلبون من الهلكى رجوع أجسادهم إلى الدنيا و هو طلب غير عقلانى لأنّ تلك الأجساد قد (خوت) أى خلت من الأرواح و ارتفعت عليها الحياة فرجوعها إلى الدّنيا محال و طالب المحال يعدّ في زمرة السفهاء و يستحقّ الطعن و التعزير و الانكار.
فان قلت: ما معنى ارتجاعهم للأجساد؟
قلت: إنّهم حيث تكاثروا بالأموات و تفاخروا بهم فكأنّهم طلبوا منهم أن يرجعوا إلى الدّنيا و يدخلوا في حزبهم فيكثر بهم عددهم و يتمّ به فخرهم و شرفهم.
(و) يطلبون أيضا رجوع (حركات سكنت) أى يرتجعون من الأموات حركات أبدانهم ليتحرّكوا إليهم و يدخلوا في زمرتهم، و هو أيضا طلب للمحال لأنّ تلك الحركات قد فنت و نفدت و تبدّلت بالسّكون بطروّ الموت عليها و ما هو كذلك فلا يطلبه العاقل.
ثمّ أكّد التّوبيخ بقوله (و لأن يكونوا عبرا أحقّ من أن يكونوا مفتخرا) لأنّ مقامهم مقام الاعتبار لا مقام الافتخار (و لأن يهبطوا بهم جناب ذلّة أحجى) و أجدر (من أن يقوموا بهم مقام عزّة) لأنّهم بأنفسهم في بيت الوحدة و دار الوحشة على غاية الابتذال و الذّلّة صار و اعظاما نخرة و أجزاء متفتّتة و جيفا منتنة يهرب منها الحيوان و يتنفّر منها كلّ انسان و يكرهها لشدّة الانتان بل صاروا أوراثا في أجواف الدّيدان، و من هذا حاله فينبغي أن يهرب منه و يتنفّر لا أن يتعزّز به و يفتخر، بل ينبغي أن يدفع قرابته و تنكر لأنّ النّسبة إليه تورث الذّلّة و تبطل العزّة بجلب الابتذال و الانكسار لا الشرف و الافتخار.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 216
(لقد نظروا إليهم بأبصار العشوة) أى بأبصار مريضة و لذلك خفيت عليهم معايبهم (و ضربوا منهم في غمرة جهالة) أى خاضوا من ذكر هؤلاء الموتى في بحر الجهل و الغفلة و لذلك افتخروا بمصارعهم.
(و لو استنطقوا عنهم عرصات تلك الدّيار) أى ديارهم (الخاوية) منهم (و الرّبوع) أى منازلهم (الخالية) عنهم (لقالت) بلسان حالها (ذهبوا في الأرض ضلّالا) هالكين (و ذهبتم في أعقابهم جهّالا) غافلين (تطئون في هامهم) أى تمشون في رؤوسهم، و تخصيصها بالذّكر لأنّها أشرف الأعضاء و الوطئ عليها أبلغ في إظهار استهانتهم المنافية للمفاخرة بهم المسوق له الكلام، و قد أخذ أبو العلاء المعرّي هذا المعنى في نظمه قال:
خفّف الوطئ ما أظنّ اديم الأرض إلّا من هذه الأجساد
ربّ لحد قد صار لحدا مرارا ضاحك من تزاحم الأضداد
و دفين على بقايا دفين من عهوده الاباء و الأجداد
صاح هذا قبورنا تملاء الأرض فأين القبور من عهد عاد
سران استطعت في الهواء رويدا لا اختيالا على رقاب العباد
(و تستنبتون في أجسادهم) أى تنبتون فيها النباتات و تزرعون الزّراعات لأنّ أديم الأرض الظاهر إذا كان من أبدان الأموات يكون الزّرع لا محالة في التّراب المستحيل من أجزاء الحيوانات، و على رواية تستثبتون بالثّاء فالمراد أنّكم تنصبون في أجسادهم الأشياء المثبتة من الأوتاد و الدّعائم و الأساطين و غيرها.
(و ترتعون فيما لفظوا) أى تأكلون ممّا تركوا كنايه (و تسكنون فيما خرّبوا) أى تسكنون في بيوت ارتحلوا عنها و فارقوها، فانّ البيوت إنّما تكون عامرة بأهلها، فالتخريب كناية عن الارتحال أو المراد أنّهم لم يعمروها بالعبادة و الطاعات و قد فسّرت العمارة في قوله تعالى «إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ» بذلك قالوا: عمارتها شغلها بالعبادة و تجنّب أعمال الدّنيا و اللّهو و إكثار زيارتها.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 217
و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: قال اللّه تعالى: «إنّ بيوتى في الأرض المساجد و إنّ زوّارى فيها عمّارها فطوبى لعبد تطهّر في بيته ثمّ زارني في بيتى فحقّ على المزور أن يكرم زائره».
(و إنّما الأيام بينكم و بينهم بواك و نوائح عليكم) يعنى الأيام و اللّيالى الّتي بينكم و بين الأموات و هى بقيّة زمان حياتكم و تحدوكم لالتحاقكم بهم تبكى و تنوح عليكم لمفارقتها إيّاكم.
الترجمة:
از جمله كلام بلاغت و فصاحت نظام آن امام رفيع المقامست بعد از تلاوت آيه مباركه أليهكم التّكاثر حتّى زرتم المقابر.
مرويست از مقاتل و كلبى كه بنى عبد مناف و بنى سهم بر يكديگر تفاخر كردند بكثرت مردم قبيله و هر يكى گفتند كه مردمان ما بيشترند و سادات و أشراف در ميان ما زيادتر، چون تعداد مردمان يكديگر كردند و همه را شمردند بنى عبد مناف غالب آمدند، بنى سهم گفتند بسيارى از مردمان ما را در زمان جاهليت كشتند بايد مرده و زنده قبيله طرفين را بشماريم، چون بدين نوع شمردند بنى سهم زياد آمد، حق سبحانه و تعالى در مذّمت ايشان سوره تكاثر را نازل ساخت، و فرمود «أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ» يعنى مشغول كرد شما را مفاخرت بر يكديگر به بسيارى قبيله «حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ» تا اين كه گورستانها را زيارت كرديد يعنى از زندگان گذشتيد و مردگان را بشمار آورديد حضرت أمير مؤمنان بعد از تلاوة اين آيه فرمودند.
اى بسا تعجّب از مقصودى كه چه قدر دور است آن، و از زيارت كننده قبورى كه چه اندازه با غفلتست آن، و از هلاكتى كه بسيار زشت و شنيع است آن، بتحقيق كه خالى يافتند شهرها را از ايشان در حالتى كه كامل ياد آورنده بودند و تناول كردند ايشان را از مكان دورى، پس آيا به مكانهاى افتادن و مردن پدران خود فخر مى كنند، يا بشماره هلاك شدگان اظهار كثرت مى نمايند، طلب برگشتن مى كنند از ايشان بدنهائى را كه افتاده اند بزمين، و حركاتى را كه مبدل شده بسكون، و هر آينه اگر شوند آن هلاك شدگان مايه عبرت ايشان سزاوارتر است از اين كه شوند مايه مفاخرت ايشان، و اگر نزول كنند بسبب ايشان در ناحيه حقارت خردمندانه تر است از اين كه بايستند بسبب ايشان در مقام عزّت، بتحقيق كه نگاه كردند بسوى ايشان بديدهاى معيوب شب كور، و سير كردند از ايشان در درياى جهالت.
و اگر استنطاق نمايند از حال ايشان عرصه هاى اين شهرهاى خراب شده و منزلهاى خالى از سكنه را هر آينه مى گويند آن عرصه ها بزبان حال كه رفتند ايشان در زير زمين در حالتى كه گمراهان بودند، و رفتيد شما در عقب ايشان در حالتى كه بوديد كام مى گذاريد در كلّه هاى سر ايشان، و نباتات مى رويانيد در جسدهاى ايشان، و چرا مى كنيد در چيزى كه ايشان انداختند، و ساكن مى شويد در مكانى كه ايشان خراب كردند، و جز اين نيست كه روزها ميان شما و ميان ايشان گريه كنندگان و نوحه كنندگانند بر شما.