منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 41
و من خطبة له عليه السّلام و هى المأة و الثانية عشر من المختار في باب الخطب:
و أحذّركم الدّنيا فإنّها منزل قلعة و ليست بدار نجعة، قد تزيّنت بغرورها، و غرّت بزينتها، دار هانت على ربّها، فخلط حلالها بحرامها، و خيرها بشرّها، و حياتها بموتها، و حلوها بمرّها، لم يصفّها اللَّه تعالى لأوليائه، و لم يضنّ بها على (عن خ) أعدائه، خيرها زهيد، و شرّها عتيد، و جمعها ينفد، و ملكها يسلب، و عامرها يخرب، فما خير دار تنقض نقض البناء، و عمر يفنى فناء الزّاد، و مدّة تنقطع انقطاع السّير، اجعلوا (فاجعلوا خ) ما افترض اللَّه عليكم من طلبتكم، و اسألوه من أداء حقّه ما سألكم، و أسمعوا دعوة الموت آذانكم قبل أن يدعى بكم.
اللغة:
(القلعة) بالضمّ العزل و المال العارية أو مالا يروم و منزلنا منزل قلعة و قلعة و قلعة و زان همزة أى ليس بمستوطن أو لا تدرى متى تتحول عنه او لا تملكه و (النجعة) بالضمّ طلب الكلاء في موضعه و (يخرب) بالبناء على الفاعل مضارع باب فعل كفرح و في بعض النسخ بالبناء على المجهول مضارع اخرب و في بعضها يتخرّب مضارع باب التفعل مبنيا على الفاعل أيضا و (الطلبة) بفتح الطاء و كسر اللام ما طلبته.
الاعراب:
جملة قد تزيّنت في محل النّصب على الحال من الدّنيا، و في بعض النسخ و قد تزيّنت بالواو، و الفاء في قوله فخلط حلالها بحرامها فصيحة أى إذا كانت مهانة على اللَّه فخلط و في بعض النسخ عن أعدائه بدل على أعدائه فلا بدّ من تضمين معنى القبض أى لم يضر بها قابضا لها عن أعدائه، و استفهام قوله فما خير دار تنقض اه ما استفهاميّة و اضافة خير إلى دار بمعنى في، أى منفعة في دار وصفها كذا، و من في قوله: من طلبتكم للتبعيض، و يحتمل الزيادة على مذهب الأخفش و الكوفيّين من تجويز زيادتها في الايجاب استدلالا بقوله تعالى: «لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ»، و ذهب سيبويه إلى أنها فيه للتبعيض أيضا.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 43
و حذف قوله: و اسألوه من أداء حقه ما سألكم، اى اسألوا منه على الحذف و الايصال ، و ما موصولة منصوبة المحلّ مفعول اسألوه و سألكم صلتها و العايد محذوف أى الّذي سأله منكم، و من أداء حقّه، بيان لما، كما في قولك: عندى من المال ما يكفى، و انّما جاز تقديم من المبينة على المبهم في هذا و أمثاله، لأنّ المبهم الذي فسّر بمن مقدّم تقديرا كأنّك قلت عندى شيء من المال ما يكفى، فالمبيّن بفتح الباء في الحقيقة محذوف، و الّذي بعد من عطف بيان له، و المقصود بذلك تحصيل البيان بعد الابهام، لأنّ معنى أعجبني زيد، أى شيء من أشيائه بلا ريب، فاذا قلت: كرمه أو وجهه، فقد تبيّنت ذلك الشّيء المبهم.
المعنى:
اعلم أنّ هذه الخطبة مسوقة للتنفير عن الدّنيا و الترغيب في الآخرة، و نبّه على جهات النفرة بقوله (و احذّركم) من (الدّنيا) و الرّكون إليها و الاعتماد عليها و الاغترار بها و بزخارفها (فانها منزل قلعة) أى لا تصح للسّكنى و الاستيطان أو لا تدرى متى يكون لك منها التحوّل و الارتحال و المضىّ و الانتقال كنايه (و ليست بدار نجعة) يطلب فيها الكلاء و يروى من الظماء، و هو كناية عن انّها لا ينال فيها المراد و لا يوفّق فيها للسّداد (قد تزيّنت) للناس (بغرورها) و أباطيلها (و غرّت) المفتونين بها أى خدعتهم (بزينتها) و زخارفها.
و هى (دار هانت على ربّها) و اتصفت بالذّل و الهوان لعدم تعلّق العناية الالهية عليها بالذات و إنما خلقت لكونها وسيلة إلى غيرها.
قال أبو عبد اللَّه عليه السّلام: مرّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم بجدى أسك ملقى على مزبلة،
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 44
فقال لأصحابه: كم يساوى هذا؟ فقالوا: لعله لو كان حيّا يساو درهما، فقال النّبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم: و الذي نفسي بيده الدّنيا أهون على اللَّه من هذا الجدى على أهله.
و قوله (فخلط حلالها بحرامها و خيرها بشرّها و حياتها بموتها و حلوها بمرّها) يعني أنها من أجل حقارتها لم تكن خيرا محضا، بل كان كلّ ما يعدّ فيها خيرا مشوبا بشرّ يقابله، بخلاف الدّار الآخرة، فانها خير كلّها وصفو كلّها و لذلك (لم يصفّها اللَّه لأوليائه) بل جعلهم فيها مبتلى بأنواع الغمص و المحن، و أصناف المصائب و الحزن فمشربهم فيها رنق و مترعهم فيها روغ (و لم يضنّ بها على أعدائه) بل أعطاهم فيها غاية المأمول، و منتهى المسئول، فحازوا نفايس الأموال و فازوا نهاية الآمال، و ليس عدم التّصفية للأولياء و عدم الضنّة بها في حقّ الأعداء إلّا اكراما للأوّلين و إضلالا للآخرين.
قال أبو عبد اللَّه عليه السّلام: إنّ المؤمن ليكرم على اللَّه حتى لو سأله الجنّة بما فيها أعطاه ذلك من غير أن ينتقص من ملكه شيئا، و إنّ الكافر ليهون على اللَّه حتى لو سأله الدّنيا بما فيها أعطاه ذلك من غير أن ينتقص من ملكه شيئا، و إنّ اللَّه ليتعاهد عبده المؤمن بالبلاء كما يتعاهد الغايب أهله بالطرف، و إنّه ليحميه الدّنيا كما يحمى الطّبيب المريض.
و في رواية اخرى عنه عليه السّلام قال: ما كان من ولد آدم مؤمن إلّا فقيرا و لا كافر إلّا غنيّا، حتّى جاء إبراهيم فقال: «رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا».
فصيّر اللَّه في هؤلاء أموالا و حاجة، و في هؤلاء أموالا و حاجة.
و بالجملة فعدم تصفيتها للأولياء و جعلهم فيها مبتلى بأوصاف البلاء ليس إلّا ليصبروا أيّاما قليلة و يصيروا إلى راحة طويلة، و عدم قبضها من الأعداء لهوانها عليه سبحانه
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 45
كهوانهم عنده و لو تساوى «1» عنده تعالى جناح بعوضة لما اعطى أعدائه منها حبّة و لا سقاهم منها شربة.
(خيرها زهيد) قليل (و شرّها عتيد) حاضر (و جمعها ينفد) و يفنى (و ملكها يسلب) و يؤخذ (و عامرها يخرب) و يهدم (فما خير دار) اى أىّ خير و منفعة في دار تشبيه (تنقض نقض البناء و عمر يفنى فناء الزاد و مدّة تنقطع انقطاع السير) لا يخفى حسن التشبيه في القراين الثلاث و تمام المناسبة و الايتلاف بين طرفى التشبيه في كلّ منها هذا.
و لمّا نبّه عليه السّلام على معايب الدّنيا و مساويها عقّبه بالأمر بأخذ ما هو لازم فيها فقال (اجعلوا ما افترض اللَّه عليكم) من العقائد الحقّة و المعارف الالهيّة و العبادات الفرعيّة (من طلبتكم) أى من جملة ما تطلبونه أو نفس ما تطلبونه على زيادة من و على الثاني ففيه من المبالغة ما لا يخفى، يعني أنّ اللّازم عليكم أن يكون مطلوبكم في الدّنيا الفرائض و أدائها و تكون همّتكم مقصورة فيها (و اسألوه من أداء حقّه ما سألكم) أى اسألوا منه سبحانه التّوفيق و التّسديد و الاعانة لما أمركم به و فرضه عليكم من أداء حقوقه الواجبة و تكاليفه اللّازمة، فانّ الاتيان بالواجبات و الانتهاء عن السّيئات لا يحصل إلّا بحول اللَّه و قوّته و توفيقه و تأييده و عصمته، فيلزم على العبد أن يقرع باب الرّب ذي الجلال بيد الذلّ و المسكنة و السؤال لأن يسهّل له مشاقّ الأعمال، و يصرفه عما يورطه في ورطة الضّلال، و يوقعه في شدايد الأهوال، كما قال سيّد العابدين و زين السّاجدين سلام اللَّه عليه و على آبائه و أولاده الطّاهرين في دعاء يوم عرفة:
و خذ بقلبي إلى ما استعملت به القانتين، و استعبدت به المتعبّدين، و استنقذت به المتهاونين، و أعذني مما يباعدني عنك و يحول بيني و بين حظّي منك و يصدّني
______________________________
(1) هذه العبارة مقتبس من الحديث النبوى قال (ص) لو كانت الدنيا عند اللَّه تزن جناح بعوضة لما سقى كافرا منها شربة ماء منه
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 46
عمّا احاول لديك، و سهّل لى مسلك الخيرات اليك، و المسابقة إليها من حيث أمرت و المشاحة فيها على ما أوردت.
و في دعاء الاشتياق إلى طلب المغفرة: اللّهم و إنّك من الضعف خلقتنا، و على الوهن بنيتنا، و من ماء مهين ابتدئتنا و لا حول لنا إلّا بقوّتك، و لا قوّة لنا إلّا بعونك، فأيّدنا بتوفيقك، و سدّدنا بتسديدك و أعم أبصار قلوبنا عمّا خالف محبّتك، و لا تجعل لشيء من جوارحنا نفوذا إلى معصيتك.
و في دعائه عليه السّلام في ذكر التّوبة: اللّهم انّه لا وفاء لي بالتوبة إلّا بعصمتك، و لا استمساك بي عن الخطايا إلّا عن قوّتك، فقوّني بقوّة كافية، و تولّني بعصمة مانعة، هذا.
مجاز مشاكلة و اطلاق السّؤال على الفرائض و الأوامر في قوله ما سألكم من باب المجاز بجامع الطّلب، أو أنّ الاتيان بلفظ السؤال لمجرّد المشاكلة بينه و بين قوله و اسألوه و هى من محسّنات البديع كما مرّ في ديباجة الشرح و قوله (و اسمعوا دعوة الموت آذانكم قبل أن يدعى بكم) أراد به التهيّؤ للموت قبل حلول الفوت و الاستعداد له قبل نزوله، بأن يجعله نصب عينيه، يذكر شدّة ما يكون في تلك الحال عليه من سكرة ملهثة و غمرة كارثة و أنّه موجعة و جذبة مكربة و سوقة متعبة.
الترجمة:
از جمله خطبهاى آن حضرت است در مذمّت دنيا و تنفير مردمان از آن غدار بى وفا چنانچه فرموده:
و مى ترسانم شما را از دنيا، پس بدرستى كه آن منزلى است كه قابل أخذ وطن نيست و نيست سرائى كه طلب آب و گياه كرده شود در آن، بتحقيق كه آراسته شده بباطل خود، و فريب داده به آرايش خود، خانه ايست كه ذليل و خوار شده بر پروردگار خود، پس آميخته حلال آنرا بحرام آن، و خير آنرا بشرّ آن، و زندگانى آن را بمرگ آن، و شيرينى آن را بتلخ آن، صافى نفرموده است آنرا از براى دوستان خود، و بخيلى ننموده آن را بر دشمنان خود، خير آن كم است، و شرّ آن حاضر است، و جمع شده آن تمام مى شود، و پادشاهى آن ربوده مى شود، و آباد آن خراب مى شود.
پس چه منفعت است در خانه اى كه شكسته مى شود چون شكسته شدن بناى بى اعتبار، و در عمرى كه فانى مى شود چون فانى شدن توشه، و در مدتى كه منقطع مى شود چون انقطاع رفتار، بگردانيد آنچه كه واجب نمود خداوند تعالى بر شما از جمله مطالب خود، و سؤال كنيد از حق تعالى توفيق و اعانة آنچه را كه خواهش فرموده از شما از أداء حق او، و بشنوانيد دعوت مرگ را بگوشهاى خودتان پيش از اين كه دعوت نمايند و بخوانند شما را بدار القرار.