منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 211
ألا و إنّ القوم اختاروا لأنفسهم أقرب القوم ممّا يحبّون، و إنّكم اخترتم لأنفسكم أقرب القوم ممّا تكرهون، و إنّما عهدكم بعبد اللّه بن قيس بالأمس يقول: «إنّها فتنة فقطّعوا أوتاركم و شيموا سيوفكم» فإن كان صادقا فقد أخطأ بمسيره غير مستكره، و إن كان كاذبا فقد لزمته التّهمة، فادفعوا في صدر عمرو بن العاص بعبد اللّه بن العبّاس، و خذوا مهل الأيّام، و حوطوا قواصي الإسلام، أ لا ترون إلى بلادكم تغزى، و إلى صفاتكم ترمى (55129- 55009).
اللغة:
و (العهد): اللقاء و المعرفة، و عهدته بمكان كذا أى لقيته، و عهدى به قريب أى لقائي و هو قريب العهد بكذا أي قريب العلم و الحال، و عهدت إلى فلان أي أوصيته.
(أوتار) جمع الوتر بالتحريك و هو شرعة القوس و يقال بالفارسي «زه» فالمراد من أوتاركم أوتار قسيّكم حذف المضاف و اقيم المضاف إليه مقامه.
(شيموا سيوفكم) تقول شمت السيف كبعت إذا اغمدته و منه المشيمة أى الغرس و الشيام أى الكناس لا نشيامه فيه و دخوله و أيضا تقول شمت السيف إذا سللته و هو من الاضداد.
(مهل الايام) المهل بالتحريك: التوءدة، و مهل الايام: فسحتها، يقال أمهله إذا انظره.
(قواصي) جمع قاصية كنواحي جمع ناحية لفظا و معنى يقال كنت منه في قاصيته أي في ناحيته.
(تغزى) من الغزو أى الحرب، تغزي بلادكم أى تقاتل لها و يمكن أن يكون بمعنى القصد يقال عرفت ما يغزي من هذا الكلام أى يراد و مغزى الكلام مقصده فالمعنى تراد و تقصد بلادكم أى يطمع العدوّ فيها.
(صفاتكم) الصفاة: الصخرة الملساء لا يؤثر فيها السهام و لا يرميها الرامي الابعدان مهل غيرها يقال قد رمى فلان صفاة فلان إذا دهاه بداهية قال الشاعر:
و الدهر موتر قوسه يرمى صفاتك بالمعابل
الاعراب:
كلمة الجار في مما يحبون و مما تكرهون متعلّقة بقرب لان صلته تكون من قال اللّه تعالى «وَ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ...» و كلمة ما في الموضعين موصوفة أو موصولة و العائد محذوف أى مما يحبونه و تكرهونه، و قوله عليه السّلام لانفسكم في كلا الموضعين متعلق بيحبون و تكرهون أى يحبون لانفسكم و تكرهون لانفسكم قدم الظرف على عامله توسّعا للظروف و يمكن أن يكونا صلة لاخترتم (بالامس) متعلق بقوله عليه السّلام عهدكم و الجار للظرف بمعنى في، و الجار في إلى بلادكم و صفاتكم متعلق بقوله ترون لا بقوله عليه السّلام تغزى و ترمى.
......
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 16، ص: 5
المعنى:
قوله عليه السّلام: (الا و ان القوم اختاروا لأنفسهم اقرب القوم مما يحبون و انكم اخترتم لأنفسكم اقرب القوم مما تكرهون).
يعني بالقوم الأوّل أهل الشام و بالأخيرين النّاس و ما كانوا يحبّونه الغلبة على أهل العراق و الظفر بهم و اقرب النّاس لهم من غرضهم ذلك هو عمرو بن العاص و إنّما كان اقرب النّاس إلى وصول غرضهم بمكره و حيله و خدائعه و ميله إلى معاوية و اتّباعه اثره اتباع الكلب للضرغام يلوذ إلى مخالبه و ينتظر ما يلقى اليه من فضل فريسته.
و الخطاب في انكم و اخواته إلى أهل العراق و ما يكرهه أهل العراق هو بعينه ما يحبّه أهل الشام و هو صيرورة الأمر إلى معاوية بخذلان أهل العراق و انكسارهم و اقرب الناس منه أبو موسى الأشعرى إمّا لغباوته و سفاهته و فساد رأيه لأنّه كان رجلا كليل الشفرة قريب القعر مدهوش الجنان و هو كما عرّفه عمرو بن العاص حين تشاجرا:
و انّما مثله مثل الحمار يحمل اسفار الاية أو لبغضه عليّا عليه السّلام و انحرافه عنه لأنه عليه السّلام عزله عن الكوفة لما قتل عثمان لما دريت من ترجمة الرجل من قبل و ما قال حذيفة فيه و غير ذلك مما قدمنا ذكره.
قوله عليه السّلام: (و إنّما عهدكم بعبد اللّه بن قيس بالأمس يقول: إنّها فتنة فقطعوا
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 16، ص: 6
أوتاركم و شيموا سيوفكم فان كان صادقا فقد اخطأ بمسيره غير مستكره و إن كان كاذبا فقد لزمته التهمة) عبد اللّه بن قيس هو أبو موسى الأشعرى كما دريت من ترجمته و المراد بالأمس واقعة الجمل فانّها كانت قبل واقعة صفين و التعبير بالأمس كناية عن عدم مضيّ زمان طويل منها و عن انهم قريب العهد بها فلا يتأتى لهم انكار ما سمعوا من أبي موسى في الأمس و ادعاء الغفلة و النسيان عنه و كان أبو موسى ينهى أهل العراق عن نصرته عليه السّلام عند مسيره إلى أهل البصرة و يأمرهم بالاعتزال عن الحرب و كان يرى أن قتال أهل القبلة فتنة يجب الاعتزال عنها و يقول: انها فتنة فقطّعوا أوتاركم يعني أوتار قسيّكم و شيموا سيوفكم اى اغمدوها، كناية عن ترك القتال و الاجتناب عنه.
«كلام أبى موسى الأشعرى لأهل الكوفة و نهيه اياهم عن نصرة» «أمير المؤمنين على عليه السّلام بعد ما استنفر الناس اليه عليه السّلام» «الحسن بن على و عمار بن ياسر عند مسيره عليه السّلام إلى أهل البصرة»:
قال أبو مخنف: ان أمير المؤمنين عليّا عليه السّلام لما توجه من المدينة إلى البصرة خطب الحسن بن عليّ عليه السّلام و عمّار بن ياسر أهل الكوفة يستنفران النّاس إلى عليّ عليه السّلام و بعد ما نقل خطبتهما قال: حدّثنا الكلبي عن أبي صالح أن أبا موسى الأشعرى لمّا سمع خطبة الحسن و عمّار قام فصعد المنبر و قال:
الحمد للّه الّذي أكرمنا بمحمّد فجمعنا بعد الفرقة و جعلنا إخوانا متحابين بعد العداوة و حرّم علينا دمائنا و أموالنا قال اللّه سبحانه «لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ» و قال تعالى: «وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها» فاتّقوا اللّه عباد اللّه و ضعوا أسلحتكم و كفّوا عن قتال إخوانكم، أمّا بعد يا أهل الكوفة إن تطيعوا اللّه باديا و تطيعوني ثانيا تكونوا جرثومة من جراثيم العرب يأوى إليكم المضطرّ و يأمن فيكم الخائف، إن عليا إنّما يستنفركم لجهاد امّكم عائشة و طلحة و الزّبير حواريّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و من معهم من المسلمين و أنا أعلم بهذه الفتن، أنّها إذا أقبلت شبهت و إذا أدبرت أسفرت. إنّي أخاف عليكم أن يلتقي غاران منكم فيقتتلا ثمّ يتركا كالأحلاس الملقاة بنجوة من الأرض ثمّ يبقى رجرجة من
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 16، ص: 7
النّاس لا يأمرون بالمعروف و لا ينهون عن منكر إنها قد جائتكم فتنة كافرة لا يدرى من أين تؤتى، تترك حيران كأني أسمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالأمس يذكر الفتن فيقول: أنت فيها نائما خير منك قاعدا و أنت فيها جالسا خير منك قائما و أنت فيها قائما خير منك ساعيا فشيموا سيوفكم و قصفوا رماحكم و انصلوا سهامكم و قطعوا أوتاركم و خلّوا قريشا ترتق فتقها و تراب صدعها فان فعلت فلأنفسها ما فعلت و إن أبت فعلى أنفسها ما جنت، سمها في أديمها استنصحوني و لا تستغثوني و أطيعوني و لا تعصوني يتبين لكم رشدكم و تصلّي هذه الفتنة من جناها.
قال: فقام إليه عمار بن ياسر فقال: أنت سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول ذلك؟
قال: نعم، هذه يدي بما قلت: فقال: إن كنت صادقا فإنّما عناك بذلك وحدك و اتخذ عليك الحجة فالزم بيتك و لا تدخلن في الفتنة أما انّي أشهد أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أمر عليا بقتال الناكثين و سمّي لي فيهم من سمّى و أمره بقتال القاسطين و إن شئت لأقيمنّ لك شهودا يشهدون أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إنّما نهاك وحدك و حذرك من الدخول في الفتنة ثمّ قال له: أعطنى يدك على ما سمعت فمدّ إليه يده فقال له عمّار: غلب اللّه من غالبه و جاحده ثمّ جذبه فنزل عن المنبر.
أقول: و سيأتي تمام الكلام في شرح الكتاب الأوّل من باب المختار من كتبه عليه الصلاة و السّلام.
ثمّ إنّ كلامه عليه السّلام هذا احتجاج عليهم في اختيارهم أبا موسى للحكومة و صورة الاحتجاج: انكم يا أهل العراق قريبو العهد بقول أبي موسى يقول لكم عند مسيرى إلى أهل البصرة: هذه هي الفتنة الّتي وعدنا بها و أمرنا بالاعتزال عنها فقطعوا أوتاركم و شيموا سيوفكم، فان كان أبو موسى في قوله هذا صادقا فقد أخطأ بمسيره الينا و حضوره معنا في صفين و تكثيره سواد أهل العراق حالكونه غير مستكره في ذلك أي لم يكرهه و لم يجبره أحد في ذلك حتّى يقال انّه حضره مستكرها و إن لم يحارب و لم يسلّ السيف، و إن كان كاذبا و مختلفا فيه فقد لزمته التهمة أى الكذب و الاختلاق فهو فاسق بكذبه، فعلى التقديرين صدق ام كذب قبح جعله حكما و لا ينبغي
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 16، ص: 8
حكومته في هذا الأمر الخطير الجليل و الاعتماد عليه فيه.
و قال الشارح الفاضل المعتزلي: هذا الكلام منه عليه السّلام يؤكّد صحّة إحدى الروايتين في أمر أبي موسى فانّه قد اختلفت الرواية هل حضر حرب صفين مع أهل العراق أم لا؟ فمن قال: حضر قال: حضر و لم يحارب و ما طلبه يمانيّون من أصحاب عليّ عليه السّلام ليجعلوه حكما كالأشعث بن قيس و غيره إلّا و هو حاضر معهم في الصف و لم يكن منهم على مسافة و لو كان منهم على مسافة لما طلبوه و لكان لهم فيمن حضر غناء عنه، و لو كان على مسافة لما وافق عليّ عليه السّلام على تحكيمه و لا كان عليّ عليه السّلام ممّن يحكم من لم يحضر معه و قال الأكثرون: إنّه كان معتزلا للحرب بعيدا عن أهل العراق و أهل الشام.
ثمّ قال: فإن قلت: فلم لا يحمل قوله عليه السّلام فإن كان صادقا فقد أخطأ بسيره غير مستكره على مسيره إلى أمير المؤمنين عليه السّلام و أهل العراق حيث طلبوه ليفوّضوا إليه أمر الحكومة؟
قلت: لو حملنا كلامه عليه السّلام على هذا لم يكن لازما لأبي موسى و كان الجواب عنه هيّنا و ذلك لأن أبا موسى يقول: إنّما أنكرت الحرب و ما سرت لاحارب و لا لأشهد الحرب و لا لاغرى بالحرب و إنّما سرت للاصلاح بين النّاس و اطفاء نائرة الفتنة فليس يناقض ما رويته عن الرسول من خبر الفتنة و لا ما قلته في الكوفة في واقعة الجمل فقطعوا أوتار قسيكم. انتهى ما اردنا من نقل كلامه.
أقول: إن أبا موسى حضر صفين و لم يحارب و لم يسلّ السيف كما نقلنا من قبل عن كتاب صفين لنصر بن مزاحم و تاريخ أبي جعفر الطبرى ان القوم لمّا صفحوا عن رأى أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام و عصوه و أبوا إلا أبا موسى حكما لأهل العراق بعثوا إلى أبي موسى و قد اعتزل بأرض من أرض الشام يقال لها: عرض و اعتزل القتال فأتاه مولى له فقال: إن النّاس قد اصطلحوا فقال: الحمد للّه ربّ العالمين، قال:
و قد جعلوك حكما قال: إنا للّه و إنا اليه راجعون فجاء أبو موسى حتّى دخل عسكر عليّ عليه السّلام.
ثمّ إنّ قول القائل: و ما طلبه يمانيّون إلا من كان حاضرا معهم و لو كان
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 16، ص: 9
على مسافة لما طلبوه و لكان لهم فيمن حضر غناء عنه، بديهي البطلان و يظهر وهنه بأدنى تأمّل على أن ما سمعت من أهل النقل و حملة الاثار من أن أهل الشام لما رأوا انكسارهم و خذلانهم رفعوا المصاحف بالرماح خديعة و دهاء و مكيدة حتّى أن أجمع الفريقان على أن يحييا ما أحيى القرآن و أن يميتا ما أمات القرآن ثمّ رجع كلّ فريق إلى أصحابه و قال النّاس: قد رضينا بحكم القرآن فقال أهل الشام: فانا قد رضينا و اخترنا عمرو بن العاص و قال الأشعث و القراء الّذين صاروا خوارج فيما بعد: فانا قد رضينا و اخترنا أبا موسى الأشعرى فقال لهم عليّ عليه السّلام: إنّي لا أرضي بأبى موسى و لا أرى أن أوليه فقال الأشعث و يزيد بن حصين الطائى و مسعر بن فدكى في عصابة من القراء: إنا لا نرضي إلا به فانّه قد حذرنا ما وقعنا فيه فعمدة ما استمسكوا بها في اختيارهم أبا موسى انّه حذرهم عن الحرب و غير ذلك مما مرّ و لا فائدة في الاعادة و الاطالة و لا يخفى ان حضوره عندهم و غيابه عنهم سيّان في غرضهم ذلك فالاحتمالات الّتي ذكرها القائل واهية موهونة جدّا.
و أوهن منها ما قال: لو كان على مسافة لما وافق عليّ عليه السّلام على تحكيمه و لا كان علىّ ممّن يحكم من لم يحضر معه، لأنّه عليه السّلام كان كارها و مستكرها و غير موافق في أبي موسى و حكينا من نصر و أبي جعفر الطبرى و غيرهما آنفا انّه عليه السّلام قال:
فان أبا موسى ليس لي برضا و قد فارقني و خذل النّاس عنّي ثمّ هرب حتّى أمنته بعد أشهر و لكن هذا ابن عبّاس اوليه ذلك قالوا: و اللّه ما نبالي أنت كنت او ابن عبّاس لا نريد إلّا رجلا هو منك و من معاوية سواء ليس إلى واحد منكما بأدنى من الاخر قال عليّ: فاني أجعل الأشتر قال الأشعث: و هل سعّر الأرض علينا غير الأشتر و هل نحن إلّا في حكم الأشتر قال له عليّ عليه السّلام: و ما حكمه؟ قال: حكمه ان يضرب بعضنا بعضا بالسّيوف حتّى يكونن ما أردت و ما أراد إلى آخر ما نقلنا. و يقول عليه السّلام: في هذه الخطبة أيضا: فادفعوا في صدر عمرو بن العاص بعبد اللّه بن العبّاس.
و مع الاغماض و الصفح عن ذلك كلّه و لو قيل إن أبا موسى لم يحضر صفين قطّ و ما شهد حربا قلنا فقد أخطأ أيضا بمسيره إلى القوم ليفوضوا اليه أمر الحكومة
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 16، ص: 10
و لزمته التهمة لأنّه روى كما نقلنا من قبل عن ابن عبد البر في الاستيعاب و المسعودى في مروج الذهب و نصر بن مزاحم في كتاب صفين و أبي محمّد بن متويه المعتزلي و غيرهم عن سويد بن غفلة حيث قال: كنت مع أبى موسى على شاطي الفرات في خلافة عثمان فروى لي خبرا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: سمعته يقول: إن بني إسرائيل اختلفوا فلم يزل الاختلاف بينهم حتّى بعثوا حكمين ضالين ضلّا و أضلّا من اتبعهما و لا ينفك امر امتي حتّى يبعثوا حكمين يضلّان و يضلّان من تبعهما فقلت له: احذر يا أبا موسى أن تكون أحدهما فخلع قميصه و قال: ابرء إلى اللّه من ذلك كما ابرء من قميصى هذا.
فنقول: إمّا أن يكون في نقل الخبر صادقا او كاذبا فان كان صادقا فهو الضالّ المضلّ و قد اخطأ بمسيره اليهم و دخوله في الحكومة فكيف يجوز أن يقول: انّما سرت للاصلاح بين النّاس و اطفاء نائرة الفتنة من شهد على نفسه بالضلال و الاضلال و كيف لا يناقض بعض قوله بعضا و هل هذا إلّا التهافت.
و إن كان كاذبا فقد لزمته التهمة فهو فاسق فلا ينبغي الاعتماد عليه في هذا الخطب الخطير و قد كان في القوم من لم يكن فيه تلك التهمة و سوء الظن مع قوة العقل و صحة النظر و ظهور النصح مع جواز أن يكون رضاه لحب الحكومة فان الملك عقيم و للانتقام من علىّ عليه السّلام لما قد نقلنا من ابن عبد البر و غيره بعد ذكر عزله عليه السّلام ايّاه عن الكوفة فلم يزل واجدا على علىّ عليه السّلام حتّى جاء فيه ما قال حذيفة: إلى آخر ما نقلنا في ترجمة أبى موسى.
و سيأتى تمام الكلام فيه في كتابه عليه السّلام الثالث و الستين اليه قوله عليه السّلام من عبد اللّه علىّ أمير المؤمنين إلى عبد اللّه بن قيس أمّا بعد فقد بلغنى إلخ فارتقب.
بيان في مروج الذهب للمسعودى نقلت الرواية عن سويد بن علقمة و في غيره عن سويد بن غفلة و الأخير صواب و ما في مروج الذهب تصحيف من النساخ قال العلامة الحلّى قدس سره في الخلاصة: قال البرقى إنه من اولياء أمير المؤمنين عليه السّلام و هو سويد بن غفلة الجعفى، و في منتهى المقال في أحوال الرجال لأبى على نقلا عن مختصر تذكرة الذهبى: ولد عام الفيل او بعده بعامين و أسلم و قد شاخ فقدم المدينة
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 16، ص: 11
و قد فرغوا من دفن المصطفى صلّى اللّه عليه و آله- إلى ان قال: و كان ثقة نبيلا عابدا زاهدا قانعا باليسير كبير الشأن يكنى أبا امية، و قيل الجغفى بالغين المعجمة.
قوله عليه السّلام: (فادفعوا في صدر عمرو بن العاص بعبد اللّه بن العباس) يعني نحّوه بابن العبّاس و اضربوا صدره به، اى اجعلوا عبد اللّه بن العبّاس حكما مقابلا لعمرو بن العاص حتّى يدفعه عما يريد، و قد نقلنا قبل من كتاب صفين (ص 270 طبع ايران الناصرى) لنصر بن مزاحم، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ عليهما السّلام قال: لما أراد النّاس عليّا عليه السّلام على أن يضع حكمين قال لهم على:
إن معاوية لم يكن ليضع لهذا الأمر أحدا هو أوثق برأيه و نظره من عمرو بن العاص و انّه لا يصلح للقرشي إلّا مثله فعليكم بعبد اللّه بن العباس فارموه به فان عمرا لا يعقد عقدة إلّا حلّها عبد اللّه و لا يحلّ عقدة إلّا عقدها و لا يبرم أمرا إلا نقضه و لا ينقض أمرا إلّا أبرمه، فقال الأشعث: لا و اللّه لا يحكم فينا مضريان حتّى تقوم الساعة و لكن اجعله رجلا من أهل اليمن إذا جعلوا رجلا من مضر فقال عليّ عليه السّلام: إنّي أخاف أن يخدع يمنيّكم فان عمرا ليس من اللّه في شيء حتى إذا كان له في أمر هواه فقال الأشعث:
و اللّه لأن يحكما ببعض ما نكره و أحدهما من أهل اليمن أحبّ الينا من أن يكون ما نحبّ في حكمهما و هما مضريان، قال عليّ عليه السّلام: قد أبيتم إلّا أبا موسى قالوا: نعم، قال: فاصنعوا ما أردتم، و في رواية اخرى فاصنعوا ما شئتم اللّهم إنّي أبرء إليك من صنيعهم.
قوله عليه السّلام: (و خذوا مهل الأيام) اى لا تهملوا المهلة فاغتنموا سعة الأيام و فسحتها قبل أن تضيق و تفوت عنكم فاعملوا فيها ما ينبغي لكم.
قوله عليه السّلام: (و حوطوا قواصي الإسلام) اى احفظوا نواحى بلاد الاسلام و حدودها و أطرافها.
أقول: لمّا بلغ شرحنا إلى هنا كتب إليّ صديق لي كتابا أظهر فيه شكوى إلىّ و أبرز حاجة، و طلب الإفتاء في رؤياء، و الرّجل و إن كان ذا فضل لكنه لم يكن عارفا بالعلوم العربية حتّى النحو و لغة العرب فذهبت إليه فأشكيته ثمّ انجرّ الكلام إلى مكتوبه فقال: أما الشكوى فإن بي شكاة مدة شهرين و لم تعدني، فأعذرته
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 16، ص: 12
بعدم العلم به، فقال: أمّا الحاجة فإلى مجلد من ناسخ التواريخ في ترجمة عيسى روح اللّه عليه السّلام، و أمّا الرؤياء فرأيت في المنام أني اسافر معك حتّى انتهينا إلى ثقب جبل فجاوزناه فاوينا إلى ناحية فاذن ان بي حيرة في أمري اقدّم رجلا و أؤخر اخرى و لكنك جالس فرحا مبتهجا و حولك كتب كثيرة و أمعنت في الكتابة كأنك شاغل بتأليف كتاب فاسترقت البصر فرأيت أنك كتبت «حوطو».
فلمّا أخبرته بشرحنا هذا و أنّه بلغ إلى قوله عليه السّلام: «حوطوا قواصي الاسلام» عجب، و عجبت أيضا و لعمرى أن الرّجل لم يكن مطلّعا على أمرى و كنت غائبا عنه منذ سنة و بذلك تفألت بالخير في اقبالي إلى هذا الشرح المنيف و إقدامي عليه و أرجو من اللّه أن يوفّقني للاتمام فانه ولي التوفيق و أن يجعل نفعه أعم و فائدته أتم.
اللّهم آمين، و يرحم اللّه عبدا قال آمينا.
كنايه قوله عليه السّلام: (ألا ترون إلى بلادكم تغزى و إلى صفاتكم ترمي) قد مرّ انّ الصفاة في الأصل الحجر الصلد الضخم لا ينبت و لا تنفذ فيها السهام و هذه الكلمة كما يستفاد من مواضع كثيرة من استعمالهم يكنّي بها عن عرض الرّجل و حيطته و حوزته و نظائرها مما لها شأن و يقال: فلان رمي صفاة فلان إذا دهاه بداهية قال ابن عمّ لأبي موسى مخاطبا إياه كما في كتاب صفين لنصر (ص 300 الطبع الناصري):
أبا موسى بليت فكنت شيخا قريب القعر مدهوش الجنان
رمي عمرو صفاتك يا ابن قيس بأمر لا تنوء به اليدان
و فلان لا تقرع له صفاة اى لا يناله أحد بسوء و لا يطمع فيه فقوله عليه السّلام ألا ترون إلى آخره ترغيب لهم في حفظ حوزة الاسلام و صيصيته و حياطة قواصي بلاده و تهييج لهم في دفع أيدى الأجانب عن بيضة الاسلام و أهله.
فاستثار عليه السّلام نفوسهم بأن العدو طمع فيهم و قصد بلادهم و رمي صفاتهم حتّى لا تفرق كلمتهم و لا تشتت وحدتهم فتذهب ريحهم و العدو هو معاوية الطغام و أتباعه الفجرة اللئام من أهل الشام.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 16، ص: 13
ثمّ قال الشارح الفاضل المعتزلي: قوله عليه السّلام الا ترون إلى آخره يدلّ على أن هذه الخطبة بعد انقضاء أمر التحكيم لأن معاوية بعد أن تمّ على أبى موسى من الخديعة ما تمّ استعجل أمره و بعث السرايا إلى اعمال عليّ عليه السّلام، يقول: قد بلغت غارات أهل الشام حدود الكوفة الّتي هي دار الملك و سرير الخلافة و ذلك لا يكون إلا بعد الاثخان في غيرها من الأطراف.
أقول: كلامه عليه السّلام فادفعوا في صدر عمرو بن العاص بعبد اللّه بن العبّاس يدلّ على أن هذه الخطبة صدرت منه عليه السّلام في أثناء تشاجر القوم في اختيار الحكمين كما نقلنا قولا آخر نظيره منه عليه السّلام: فعليكم بعبد اللّه بن العبّاس فارموه به فان عمرا لا يعقد عقدة إلا حلّها عبد اللّه إلى آخر ما مر آنفا، و لو كان بعد انقضاء التحكيم لما كان لكلامه عليه السّلام ذلك مجال.
بل الظاهر من صورة احتجاجه عليه السّلام عليهم يدلّ على أن الخطبة قبل انقضاء أمر التحكيم و إنما قالها عليه السّلام توبيخا لهم بسوء رأيهم و قبح اختيارهم في أبي موسى و تنبيها لهم بأنّ ابن العبّاس ينبغي أن يجعل قبال ابن العاص و لا ينافي هذا قوله عليه السّلام أ لا ترون إلى بلادكم تغزى و إلى صفاتكم ترمى لأن أهل الشام قبل انقضاء أمر التحكيم أيضا كانوا يغزون بلادهم و يرمون صفاتهم و طمعوا فيهم حتّى فعلوا ما فعلوا، على انه يمكن أن يكون على صورة الاخبار حثّالهم على اغتنام الفرصة و حياطة بيضة الاسلام و ايقاظا لهم بان الأعداء قد أشرفوا عليهم لو ذهبوا إلى رأيهم الفاسد و نظرهم الكاسد.
«بحث كلامى»:
«نقل مسألتين من تنزيه الأنبياء للشريف المرتضى علم الهدى» «في ايراد شبهات و أجوبتها في المقام»:
ذكر علم الهدى رضوان اللّه عليه في قسم تنزيه الأئمة من كتابه الموسوم بتنزيه الأنبياء عدّة شبهات ربّما تورد في المقام ثمّ تصدّى للجواب عنها و نحن
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 16، ص: 14
نكتفي بمجرد نقلها عنه من غير بسط و زيادة منّا قال رحمه اللّه:
«المسألة الأولى»:
فان قيل: فما الوجه في تحكيمه عليه السّلام أبا موسى الأشعرى و عمرو بن العاص و ما العذر في أن حكّم في الدّين الرّجال؟ و هذا يدلّ على شكّه في امامته و حاجته إلى علم (علمه- خ ل) بصحة طريقته.
ثمّ ما الوجه في تحكيمه فاسقين عنده عدوّين له؟ أو ليس قد تعرض بذلك لأن يخلعا امامته و يشكّكا النّاس فيه و قد مكنهما من ذلك بأن حكّمهما و كانا غير متمكنين منه و لا أقوالهما حجة في مثله؟.
ثمّ ما العذر في تأخيره جهاد المرقة الفسقة و تأجيله ذلك مع امكانه و استظهاره و حضور ناصره؟
ثمّ ما الوجه في محو اسمه من الكتاب بالامامة و تنظره بمعاوية في ذكر نفسه بمجرد الاسم المضاف إلى الأب كما فعل ذلك به و أنتم تعلمون أن بهذه الأمور ضلّت الخوارج مع شدّة تخشنها في الدين و تمسكها بعلائقه و وثائقه؟
«الجواب عن الشبهة الأولى»:
قلنا: كلّ أمر ثبت بدليل قاطع غير محتمل فليس يجوز أن نرجع عنه و نتشكك فيه لأجل أمر محتمل و قد ثبتت امامة أمير المؤمنين عليه السّلام و عصمته و طهارته من الخطاء و براءته من الذنوب و العيوب بأدلة عقلية و سمعيّة فليس يجوز أن نرجع عن ذلك أجمع و لا عن شيء منه لما وقع من التحكيم المحتمل للصواب بظاهره و قبل النظر فيه كاحتماله للخطاء و لو كان ظاهره أقرب إلى الخطاء و أدنى إلى مخالفة الصواب بل الواجب في ذلك القطع على مطابقة ما ظهر من المحتمل لما ثبت بالدليل و صرف ما له ظاهر عن ظاهره و العدول به إلى موافقة مدلول الدلالة الّتي لا يختلف مدلولها و لا يتطرق عليها التأويل و هذا فعلنا فيما ورد من آى القرآن الّتي تخالف بظاهرها الأدلّة العقليّة مما يتعلق به الملحدون او المجبرة او المشبهة، و هذه جملة قد كرّرنا ذكرها في كتابنا هذا لجلالة موقعها من الحجة و لو اقتصرنا في حلّ هذه الشبهة عليها
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 16، ص: 15
لكانت مغنية كافية كما أنها كذلك فيما ذكرناه من الأصول لكنّا نزيد وضوحا في تفصيلها و لا نقتصر عليها كما لم نفعل ذلك فيما صدّرنا به هذا الكتاب من الكلام في تنزيه الأنبياء عليهم السّلام عن المعاصي.
فنقول: إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام ما حكّم مختارا بل احوج إلى التحكيم و الجيء إليه لأن أصحابه عليه السّلام كانوا من التخاذل و التقاعد و التواكل إلا القليل منهم على ما هو معروف مشهور و لمّا طالت الحرب و كثر القتل و جلّ الخطب ملّوا ذلك و طلبوا مخرجا من مقارعة السيوف و اتفق من رفع أهل الشام المصاحف و التماسهم الرجوع اليها و اظهارهم الرضا بما فيها ما اتفق بالحيلة الّتي نصبها عدو اللّه عمرو ابن العاص و المكيدة الّتي كادبها لمّا أحسّ بالبوار و علوّ كلمة أهل الحق و أن معاوية و جنده مأخوذون قد علتهم السيوف و دنت منهم الحتوف فعند ذلك وجد هؤلاء الأغنام طريقا إلى الفرار و سبيلا إلى وقوف أمر المناجزة و لعلّ منهم من دخلت عليه الشبهة لبعده عن الحق و علظ فهمه و ظن أن الّذي دعى اليه أهل الشام من التحكيم و كفّ الحرب على سبيل البحث عن الحقّ و الاستسلام للحجّة لا على وجه المكيدة و الخديعة فطالبوه عليه السّلام بكفّ الحرب و الرّضا بما بذله القوم فامتنع عليه السّلام من ذلك امتناع عالم بالمكيدة ظاهر على الحيلة و صرّح لهم بأن ذلك مكر و خداع فأبوا و لجّوا فأشفق عليه السّلام في الامتناع عليهم و الخلاف لهم و هم جمة عسكره و أصحابه من فتنة صمّاء هي أقرب اليه من حرب عدوّه و لم يأمن أن يتعدّى ما بينه و بينهم إلى أن يسلموه إلى عدوّه أو يسفكوا دمه. فأجاب إلى التحكيم على مضض و ودّ من كان قد أخذ بخناق معاوية و قارب تناوله و أشرف على التمكن منه (منهم- خ ل) حتّى أنّهم قالوا للأشتر رحمه اللّه تعالى و قد امتنع من أن يكف عن القتال و قد أحسّ بالظفر و أيقن بالنصر: أ تحبّ انّك ظفرت ههنا و أمير المؤمنين عليه السّلام عند رفعهم المصاحف اتّقوا اللّه و امضوا على حقّكم فان القوم ليسوا بأصحاب دين و لا قرآن و أنا أعرف بهم منكم قد صحبتهم اطفالا و رجالا فكانوا شرّ أطفال و شرّ رجال انّهم و اللّه ما رفعوا المصاحف ليعملوا بها و انّما رفعوها خديعة و دهاء و مكيدة، فأجاب عليه السّلام إلى التحكيم
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 16، ص: 16
دفعا للشرّ القوىّ بالشرّ الضعيف و تلافيا للضرر الأعظم بتحمل الضرر الأيسر.
و أراد أن يحكّم من جهته عبد اللّه بن العبّاس رحمة اللّه عليه فأبوا عليه و لجّوا كما لجّوا في أصل التحكيم و قالوا: لا بدّ من يمانيّ مع مصرىّ فقال عليه السّلام: فضمّوا الأشتر و هو يماني إلى عمرو فقال الأشعث بن قيس: الاشتر هو الّذى طرحنا فيما نحن فيه و اختاروا أبا موسى مقترحين له عليه عليه السّلام ملزمين له تحكيمه فحكّمهما بشرط أن يحكما بكتاب اللّه تعالى و لا يتجاوزاه و انهما متى تعدّياه فلا حكم لهما و هذا غاية التحرز و نهاية التيقظ لأنا نعلم أنهما لو حكما بما في الكتاب لأصابا الحق و علما أن أمير المؤمنين عليه الصلاة و السّلام أولى بالأمر و أنّه لاحظّ لمعاوية و ذويه في شيء منه، و لمّا عدلا إلى طلب الدّنيا و مكر أحدهما بصاحبه و نبذا الكتاب و حكمه وراء ظهورهما خرجا من التحكيم و بطل قولهما و حكمهما و هذا بعينه موجود في كلام أمير المؤمنين عليه السّلام لمّا ناظر الخوارج و احتجّوا عليه في التحكيم و كلّ ما ذكرناه في هذا الفصل من ذكر الأعذار في التحكيم و الوجوه المحسنة له مأخوذ من كلامه عليه السّلام و قد روى عنه عليه السّلام مفصّلا مشروحا.
«الجواب عن الشبهة الثانية»:
فأمّا تحكيمهما مع علمه بفسقهما فلا سؤال فيه إذ كنّا قد بينا أن الاكراه وقع على أصل الاختيار و فرعه و أنه عليه السّلام الجيء إليه جملة ثمّ إلى تفصيله و لو خلّي عليه السّلام و اختياره ما أجاب إلى التحكيم أصلا و لا رفع السيف (السيوف- خ ل) عن أعناق القوم لكنّه أجاب اليه ملجئا كما أجاب إلى من اختاره و بعينه كذلك و قد صرّح عليه السّلام بذلك في كلامه حيث يقول: لقد أمسيت أميرا و أصبحت مأمورا و كنت أمس ناهيا و أصبحت اليوم منهيّا و كيف يكون التحكيم منه عليه السّلام دالّا على الشك و هو عليه السّلام ناه عنه و غير راض به و مصرّح بما فيه من الخديعة و إنّما يدلّ ذلك على شكّ من حمله عليه و قاده اليه.
و إنّما يقال: إنّ التحكيم يدلّ على الشك إذا كنّا لا نعرف سببه و الحامل عليه او كان لا وجه له إلّا ما يقتضي الشك، فأمّا إذا كنا قد عرفنا ما اقتضاه و ادخل
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 16، ص: 17
فيه و علمنا انّه عليه السّلام ما أجاب اليه إلّا لدفع الضرر العظيم و لأن يزول الشبهة عن قلب من ظنّ به عليه السّلام أنه لا يرضى بالكتاب و لا يجيب إلى تحكيمه، فلا وجه لما ذكروه، و قد أجاب عليه السّلام عن هذه الشبهة بعينها في مناظرتهم لما قالوا له:
أ شككت؟ فقال: عليه السّلام أنا أولى بأن لا أشك في ديني أم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أو ما قال اللّه تعالى لرسوله: «قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» .
و أمّا قول السائل فانّه عليه السّلام تعرض لخلع امامته و مكّن الفاسقين من أن يحكما عليه بالباطل فمعاذ اللّه أن يكون كذلك لأنا قد بيّنا أنّه عليه السّلام إنما حكّمهما بشرط لو وفيا به و عملا عليه لأقرّا امامته و أوجبا طاعته لكنّهما عدلا عنه فبطل حكمهما فما مكّنهما مع خلع امامته و لا تعرض منهما لذلك و نحن نعلم أن من قلّد حاكما أو ولي أميرا ليحكم بالحق و يعمل بالواجب فعدل عمّا شرطه و خالفه لا يسوغ القول بأن من ولّاه عرضه للباطل و مكّنه من العدول عن الواجب و لم يلحقه شيء من اللّوم بذلك بل كان اللّوم عائدا على من خالف ما شرط عليه.
«الجواب عن الشبهة الثالثة»:
فأمّا تأخيره جهاد الظالمين و تأجيل ما يأتي من استيصالهم فقد بينا العذر فيه و أن أصحابه عليه السّلام تخاذلوا و تواكلوا و اختلفوا و أن الحرب بلا أنصار و بغير أعوان لا يمكن و المتعرض لها مغرر بنفسه و أصحابه.
«الجواب عن الشبهة الرابعة»:
فأمّا عدوله عن التسمية بأمير المؤمنين و اقتصاره على التسمية المجردة فضرورة الحال دعت اليها و قد سبقه إلى مثل ذلك سيّد الأوّلين و الاخرين رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في عام الحديبية و قصته مع سهل بن عمرو و أنذره عليه السّلام بأنّه سيدعي إلى مثل ذلك و يجيب على مضض فكان كما أنذر و خبّر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و اللّوم بلا اشكال زائل عما اقتدى فيه بالرسول صلّى اللّه عليه و آله و هذه جملة تفصيلها يطول يطول و فيها لمن أنصف من نفسه بلاغ و كفاية.
«المسألة الثانية»:
فان قيل: فإذا كان عليه السّلام من أمر التحكيم على ثقة و يقين فلم روى عنه عليه السّلام
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 16، ص: 18
أنّه كان يقول بعد التحكيم في مقام بعد آخر: لقد عثرت عثرة لا أنحبر سوف أكيس بعدها و أستمرّ و أجمع الرأى (الشمل- خ ل) الشتيت المنتشر أ و ليس هذا إذعانا بأن التحكيم جرى على خلاف الصواب؟
«الجواب»:
قلنا: قد علم كلّ عاقل قد سمع الأخبار ضرورة أن أمير المؤمنين عليه السّلام و أهله و خلصاء شيعته و أصحابه كانوا من أشدّ النّاس إظهارا لوقوع التحكيم من الصواب و السداد موقعه و أن الّذى دعى اليه حسن و التدبير أوجبه و انّه عليه السّلام ما اعترف قطّ بخطاء فيه و لا أغضي عن الاحتجاج فيمن شك فيه و ضعّفه كيف؟ و الخوارج إنّما ضلّت عنه و عصته (عاصته- خ ل) و خرجت عليه لأجل أنها أرادته على الاعتراف بالزلل في التحكيم فامتنع كلّ امتناع و أبى أشدّ إباء و قد كانوا يقنعون منه و يعاودون طاعته و نصرته بدون هذا الّذي أضافوه اليه عليه السّلام من الإقرار بالخطاء و اظهار التّندم و كيف يمتنع من شيء و يعترف بأكثر منه و يغضب من جزء و يجيب إلى كلّ هذا ممّا لا يظنه عليه السّلام أحد ممّن يعرفه حقّ معرفته.
و هذا الخبر شاذّ ضعيف فإمّا أن يكون باطلا موضوعا أو يكون الغرض فيه غير ما ظنّه القوم من الاعتراف بالخطاء في التحكيم. فقد روى عنه عليه السّلام معني هذا الخبر و تفسير مراده منه و نقل من طرق معروفة موجودة في كتب أهل السير أنّه عليه السّلام لما سئل عن مراده بهذا الكلام قال: كتب إلىّ محمّد بن أبي بكر بأن أكتب له كتابا في القضاء يعمل عليه فكتبت له ذلك و أنفذته اليه فاعترضه معاوية فأخذه فتأسف عليه السّلام (فاسف- خ ل) على ظفر عدوّه بذلك و أشفق من أن يعمل بما فيه من الأحكام و يوهم ضعفة أصحابه أن ذلك من علمه و من عنده فتقوى الشبهة به عليهم، و هذا وجه صحيح يقتضى التأسف و التندّم و ليس في الخبر المتضمن للشعر ما يقتضى أنّ تندّمه كان على التحكيم دون غيره و إذا جاءت رواية بتفسير ذلك عنه عليه السّلام كان الأخذ بها أولى. انتهى كلامه رحمه اللّه تعالى.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 16، ص: 19
هداية و ارشاد:
قد ذكرنا بعضا من الأشعار القديمة ممّن شهد صفّين مع أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام وصفوه عليه السّلام بانّه وصيّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و عرّفوه بذلك و قائلوها سنام المسلمين من الصحابة و غيرهم و كبارهم في صدر الاسلام و عليهم تثنّى الخناصر، و كذا نرى كثيرا من الأشعار يجلّ عن الاحصاء المقولة في وقعة الجمل و غيرها المتضمنة كونه عليه السّلام وصيّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و من نظر فيها بعين الدراية و الانصاف رأى أن الحقّ ما ذهب اليه الطائفة الحقّة المحقّة إلاماميّة الاثنا عشرية و قاطبة الشيعة في خلافته و إمامته عليه السّلام لأن هذه الكلمة الصادرة من هؤلاء العظام مع قربهم بزمان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بل ادراك كثير منهم ايّاه ممّا يعتني بها و يبجّلها من يطلب الحقّ و يبحث عنه و نحن نذكر شر ذمة منها ههنا تذكرة و تنبيها لأولى الدراية و النهى و نذكر الأشعار و ندع ذكر الوقائع الّتي قيل الشعر فيها ففي كتاب صفّين لنصر بن مزاحم المنقرى و هو من قدماء رجال الحديث مدحه الفريقان بالتوثيق (ص 12 الطبع الناصرى) قال جرير أبياتا منها:
أتانا كتاب عليّ فلم نردّ الكتاب بأرض العجم
رسول المليك و من بعده خليفتنا القائم المدّعم
عليّا عنيت وصيّ النّبيّ يجالد عنه غوات الأمم
له الفضل و السبق و المكرمات و بيت النبوّة لا يهتضم
و فيه (ص 15): و مما قيل على لسان الأشعث:
أتانا الرسول رسول عليّ فسرّ بمقدمه المسلمونا
رسول الوصيّ وصيّ النّبيّ له الفضل و السبق في المؤمنينا
ثمّ قال: و مما قيل على لسان الأشعث أيضا:
أتانا الرسول رسول الوصي عليّ المهذب من هاشم
رسول الوصيّ وصيّ النبيّ و خير البريّة من قائم
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 16، ص: 20
وزير النبي و ذى صهره و خير البرية في العالم
و خير البريّة في العالم له الفضل و السبق بالصالحات
و فيه (ص 28) كتب جرير إلى شرحبيل أبياتا منها:
و ما لعليّ في ابن عفّان سقطة بأمر و لا جلب عليه و لا قتل
وصيّ رسول اللّه من دون أهله و فارسه الأولى به يضرب المثل
و في بعض النسخ: و فارسه الحامي به يضرب المثل و فيه (ص 73) قال النجاشي:
رضينا بما يرضى عليّ لنا به و إن كان فيما يأت جدع المناخر
وصيّ رسول اللّه من دون أهله و وارثه بعد العموم الأكابر
و فيه (ص 204) قال المغيرة بن الحارث بن عبد المطلّب:
و أيقنوا أن من أضحى يخالفكم أضحى شقيا و أضحى نفسه خسرا
فيكم وصيّ رسول اللّه قائدكم و أهله و كتاب اللّه قد نشرا
و لا تخافوا ضلالا لا أبالكم سيحفظ الدين و التقوى لمن صبرا
و فيه (ص 222) قال الفضل بن عباس:
و قلت له لو بايعوك تبعتهم فهذا عليّ خير حاف و ناعل
وصيّ رسول اللّه من دون أهله و فارسه إن قيل هل من منازل
و فيه (ص 25) قال أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام أبياتا منها:
يا عجبا لقد سمعت منكرا كذبا على اللّه يشيب الشعرا
يسترق السمع و يغشى البصرا ما كان يرضى أحمد لو خبرا
ان يقرنوا وصيّه و الأبترا شاني الرسول و اللعين الأخزرا
و فيه (ص 191) قال النضر بن عجلان الأنصارى أبياتا منها:
كيف التفرق و الوصيّ امامنا لا كيف إلّا حيرة و تخاذلا
لا تعتبنّ عقولكم لا خير في من لم يكن عند البلابل عاقلا
و ذروا معاوية الغويّ و تابعوا دين الوصيّ لتحمدوه آجلا
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 16، ص: 21
و فيه (ص 202) قال عبد الرّحمن بن ذويب الأسلمي ابياتا منها:
يقودهم الوصيّ اليك حتّى يردّك عن غواتك و ارتياب
و من الأشعار الّتى تتضمنّ هذه اللفظة و قيل في حرب الجمل ما قال غلام من بنى ضبّة شاب معلّم من عسكر عايشة، خرج يوم الجمل و هو يقول:
نحن بنو ضبّة أعداء عليّ ذاك الّذي يعرف قدما بالوصيّ
و فارس الخيل على عهد النبيّ ما انا عن فضل علىّ بالعمي
لكنني انعي بن عفّان التقي انّ الولي طالب ثار الولي
و ما قال حجر بن عديّ الكندي في يوم الجمل:
يا ربّنا سلّم لنا عليّا سلّم لنا المبارك الرضيّا
المؤمن الموحّد النقيّا لا خطل الرأي و لا غويّا
بل هاديا موفقا مهديا و احفظه ربّي و احفظ النّبيّا
فيه فقد كان له وليّا ثمّ ارتضاه بعده وصيّا
و ما قال خزيمة بن ثابت الأنصاري ذو الشهادتين و كان بدريّا في يوم الجمل يخاطب عائشة من ابيات بعضها:
أعايش خلّي عن عليّ و عيبه بما ليس فيه إنّما انت والده
وصيّ رسول اللّه من دون أهله و أنت على ما كان من ذاك شاهده
و ما قال خزيمة أيضا:
ليس بين الأنصار في حجمة الحرب و بين العداة إلا الطعان
و قراع الكماة بالقصب البيض إذا ما تحطم المران
فادعها تستجب من الخزرج و الأوس يا على جبان
يا وصيّ النّبيّ قد اجلت الحرب الأعادى و سارت الاظعان
و استقامت لك الأمور سوى الشام و في الشام تظهر الإذعان
حسبهم ما رأوا و حسبك منا هكذا نحن حيث كنا و كانوا
و ما قال عمرو بن اجنحة يوم الجمل خطابا للحسن بن عليّ عليهما السّلام:
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 16، ص: 22
حسن الخير يا شبيه أبيه قمت فينا مقام خير خطيب
إلى أن قال:
و أبي اللّه أن يقوم بما قام به ابن الوصيّ و ابن النجيب
ان شخصا بين النّبيّ لك الخير و بين الوصيّ غير مشوب
و ما قال زجر بن قيس الجعفي في يوم الجمل:
اضربكم حتّى تقرّوا لعليّ خير قريش كلّها بعد النّبيّ
من زانه اللّه و سمّاه الوصيّ ان الوليّ حافظ ظهر الوليّ
كما الغوىّ تابع أمر الغويّ
و قال الفضل بن عباس (كما في تاريخ الطبري ص 449 ج 3 طبع مصر 1357 ه) في ابيات له:
ألا إنّ خير النّاس بعد محمّد وصيّ النّبي المصطفى عند ذى الذكر
و أوّل من صلّي و صنو نبيّه و أوّل من أردى الغوات لدى بدر
و قال عمّار بن ياسر في الخطبة الّتى استنفر أهل الكوفة إلى أمير المؤمنين وصيّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال في أبيات له كما نقله الشيخ الأجل المفيد في الجمل ص 117 طبع النجف:
رضينا بقسم اللّه إذ كان قسمنا عليّا و أبناء الرسول محمّد
أتاكم سليل المصطفى و وصيّه و أنتم بحمد اللّه عارضه الندى
و ما قال زياد بن لبيد الأنصارى كان من أصحاب عليّ عليه السّلام يوم الجمل من ابيات بعضها:
إنا اناس لا نبالي من عطب و لا نبالي في الوصيّ من غضب
و ما قال عبد اللّه بن بدليل بن ورقاء الخزاعي يوم الجمل:
يا قوم للخطة العظمى الّتي حدثت حرب الوصيّ و ما للحرب من آسى
الفاصل الحكم بالتقوى إذا ضربت تلك القبائل أخماسا لأسداس
و ما قال عبد اللّه بن أبي سفيان بن الحرب بن عبد المطلب:
و منا عليّ ذاك صاحب خيبر و صاحب بدر يوم سالت كتائبه
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 16، ص: 23
وصيّ النّبيّ المصطفى و ابن عمه فمن ذا يدانيه و من ذا يقاربه
و ما قال عبد الرّحمان بن جعيل:
لعمرى لقد بايعتم ذا حفيظة على الدين معروف العفاف موفقا
عليّا وصيّ المصطفى و ابن عمّه و أوّل من صلّي أخا الدين و التقي
و ما قال أبو الهيثم التيهان و كان بدريا من أبيات بعضها:
ان الوصيّ امامنا و ولينا برح الخفا و باحث الأسرار
و ما قال عمر بن حارثة الأنصارى في محمّد بن الحنفية يوم الجمل من أبيات بعضها:
سميّ النّبي و شبه الوصيّ و رايته لونها العندم
و ما قال رجل من الأزد يوم الجمل:
هذا عليّ و هو الوصيّ أخاه يوم النجوة النبيّ
و قال هذا بعدى الوليّ وعاه واع و نسي الشقي
و قال آخر:
إنّي أدين بما دان الوصيّ به يوم الخريبة من قتل المحلّينا
و بالّذى دان يوم النهر دنت به و شاركت كفّه كفّي بصفينا
تلك الدماء معا يا ربّ في عنقي ثمّ اسقني مثلها آمين آمينا
و قال أبو الأسود كما في الاغاني (ص 10 ج 7 طبع ساسي):
احبّ محمّدا حبّا شديدا و عبّاسا و حمزة و الوصيّا
و أتى بكثير من هذه الأبيات الشارح المعتزلي في ذيل شرح الخطبة الثانية من النهج أيضا و نقلها عنه المجلسي الثاني في المجلد التاسع من بحار الأنوار (ص 364 الطبع الكمپاني). و السيّد عبد الحسين شرف الدين الموسوى في كتاب المراجعات (المراجعة 108) و كذا نرى كثيرا من الأخبار و الروايات المنقولة من الفريقين انّه عليه السّلام كان يعرف بالوصيّ عند المسلمين في صدر الاسلام بل صدر منه بعض المعجزات الّذي لا يصدر إلّا من نبيّ أو وصيّ و كفى في ذلك حديث الراهب الّذي بلغ في
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 16، ص: 24
الشهرة حدّ الشمس في وسط السماء و أتى به علماء الكلام في كتبهم الكلاميّة و منهم نصير الملة و الدّين المحقق الطوسى في التجريد و ذكره في الشرح شراح الفريقين كالعلامة الحلّى و شمس الدين محمود بن أحمد الاصبهانى و الفاضل القوشجى و غيرهم و قد أومأنا من قبل فذلكة ذلك الحديث من القوشجى و لا بأس بذكرها تفصيلا لاشتماله على ضروب من المعجز ظهرت من وصيّ خاتم الأنبياء فأسلم الراهب فاهتدى هكذا يصنع الحقّ بأهله و أتى به نصر المتقدّم ذكره في كتاب صفين و المجلسى في البحار و الشارح المعتزلي في شرح النهج و الشيخ السديد المقلب بالمفيد في الارشاد و غيرهم مما يطول الكلام بعدّها و احصائها فقال الشيخ المفيد:
و من ذلك ما رواه أهل السير و اشتهر الخبر به في العامة و الخاصة حتّى نظمه الشعراء و خطب به البلغاء و رواه الفهماء و العلماء من حديث الراهب بأرض كربلاء و الصخرة و شهرته يغنى عن تكلف ايراد الاسناد له، و ذلك ان الجماعة روت أن أمير المؤمنين عليه السّلام لما توجّه إلى صفّين لحق أصحابه عطش شديد و نفد ما كان عندهم من الماء فأخذوا يمينا و شمالا يلتمسون الماء فلم يجدوا له أثرا فعدل بهم أمير المؤمنين عليه السّلام عن الجادّة و سار قليلا فلاح لهم دير في وسط البريّة فسار بهم نحوه حتّى إذا صار في فنائه أمر من نادى ساكنه بالاطلاع اليه فنادوه فاطلع، فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام: هل قرب قائمك هذا من ماء يتغوث به هؤلاء القوم؟ فقال:
هيهات بينى و بين الماء أكثر من فرسخين و ما بالقرب منّى شيء من الماء و لو لا إننى أوتى بما يكفيني كلّ شهر على التقتير لتلفت عطشا. فقال أمير المؤمنين عليه السّلام أسمعتم ما قال الراهب؟ قالوا: نعم، أ فتأمرنا بالمسير إلى حيث أوما إليه لعلّنا ندرك الماء و بنا قوّة؟ فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: لا حاجة لكم إلى ذلك و لوّى عنق بغلته نحو القبلة و أشار بهم إلى مكان يقرب من الدير فقال لهم: اكشفوا الأرض في هذا المكان فعدل منهم جماعة إلى الموضع فكشفوه بالمساحى فظهرت لهم صخرة عظيمة تلمع، فقالوا: يا أمير المؤمنين ههنا صخرة لا تعمل فيها المساحى. فقال لهم:
إنّ هذه الصخرة على الماء فان زالت عن موضعها وجدتم الماء فاجتهدوا في قلعها
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 16، ص: 25
فاجتمع القوم و راموا تحريكها فلم يجدوا إلى ذلك سبيلا و استصعبت عليهم فلمّا رآهم عليه السّلام قد اجتمعوا و بذلوا الجهد في قلع الصخرة و استصعب عليهم لوّى رجله عن سرجه حتّى صار على الأرض ثمّ حسر عن ذراعيه و وضع أصابعه تحت جانب الصخرة فحرّكها ثمّ قلعها بيده و دحى بها أذرعا كثيرة فلمّا زالت من مكانها ظهر لهم بياض الماء فبادروا إليه فشربوا منه فكان أعذب ماء شربوا منه في سفرهم و أبرده و أصفاه فقال لهم: تزوّدوا و ارتووا ففعلوا ذلك.
ثمّ جاء عليه السّلام إلى الصخرة فتناولها بيده و وضعها حيث كانت فأمر أن يعفي أثرها بالتراب و الراهب ينظر من فوق ديره فلمّا استوفي علم ما جرى نادى أيّها النّاس أنزلوني أنزلوني فاحتالوا في إنزاله فوقف بين يدي أمير المؤمنين عليه السّلام فقال له:
يا هذا أنت نبيّ مرسل؟ قال: لا. قال: فملك مقرب؟ قال: لا قال: فمن أنت: قال: أنا وصيّ رسول اللّه محمّد بن عبد اللّه خاتم النبيّين صلّى اللّه عليه و آله قال: ابسط يدك اسلم للّه تبارك و تعالى على يديك فبسط أمير المؤمنين عليه السّلام يده و قال له: اشهد الشهادتين فقال: أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له و أشهد أن محمّدا عبده و رسوله و أشهد أنّك وصيّ رسول اللّه و أحق النّاس بالأمر من بعده، فأخذ أمير المؤمنين عليه السّلام عليه شرائط الإسلام.
ثمّ قال عليه السّلام له: ما الّذي دعاك الان إلى الاسلام بعد طول مقامك في هذا الدير على الخلاف؟ قال: اخبرك يا أمير المؤمنين إنّ هذا الدير بنى على طلب قالع هذه الصخرة و مخرج الماء من تحتها و قد مضى عالم قبلي فلم يدركوا ذلك و قد رزقنيه اللّه عزّ و جلّ إنا نجد في كتاب من كتبنا و ناثر من علمائنا أن في هذا الصقع عينا عليها صخرة لا يعرف مكانها إلّا نبيّ أو وصيّ نبيّ و انّه لا بدّ من وليّ للّه يدعو إلى الحقّ آيته معرفة مكان هذه الصخرة و قدرته على قلعها و إنّي لمّا رأيتك قد فعلت ذلك تحققت ما كنا ننتظره و بلغت الأمنيّة منه فأنا اليوم مسلم على يديك و مؤمن بحقّك و مولاك فلمّا سمع ذلك أمير المؤمنين عليه السّلام بكى حتّى اخضلّت لحيته من الدموع و قال: الحمد للّه الّذى لم أكن عنده منسيّا الحمد للّه الّذي كنت في كتبه مذكورا.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 16، ص: 26
ثمّ دعى عليه السّلام النّاس فقال لهم: اسمعوا ما يقول أخوكم المسلم، فسمعوا مقاله و كثر حمدهم للّه و شكرهم على النعمة الّتي أنعم بها عليهم في معرفتهم بحقّ أمير المؤمنين عليه السّلام. ثمّ ساروا و الراهب بين يديه في جملة أصحابه حتّى لقي أهل الشام و كان الراهب في جملة من استشهد معه فتولى عليه السّلام الصلاة عليه و دفنه و أكثر من الاستغفار له و كان إذا ذكره يقول: ذاك مولاى.
ثمّ قال المفيد رحمه اللّه تعالى: و في هذا الخبر ضروب من المعجز أحدها علم الغيب و الثاني القوة الّتي خرق العادة بها و تميز بخصوصيّتها من الأنام مع ما فيه من ثبوت البشارة به في كتب اللّه الأولى و ذلك مصداق قوله تعالى «ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَ مَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ» و في مثل ذلك يقول السيّد إسماعيل بن محمّد الحميرى رحمه اللّه في قصيدته البائية المذهبّة:
و لقد سرى فيما يسير بليلة بعد العشاء بكربلا في موكب
حتّى أتى متبتّلا في قائم ألقي قواعده بقاع مجدب
يأتيه ليس بحيث يلقي عامرا غير الوحوش و غير أصلع أشيب
فدنى فصاح به فأشرف ماثلا كالنصر فوق شظية من مرقب
هل قرب قائمك الّذى بوّئته ماء يصاب فقال ما من مشرب
إلّا بغاية فرسخين و من لنا بالماء بين نقى و قيّ سبسب
فثنى الأعنّة نحو وعث فاجتلى ملساء تلمع كاللجين المذهب
قال اقلبوها انكم إن تقلبوا ترووا و لا تروون إن لم تقلب
فاعصوا صبوا في قلعها فتمنّعت منهم تمنّع صعبة لم تركب
حتّى إذا أعيتهم أهوى لها كفّا متى ترد المغالب تغلب
فكأنها كرة بكفّ خزوّر عبل الذراع دحى بها في ملعب
فسقاهم من تحتها متسلسلا عذبا يزيد على الألذّ الأعرب
حتّى إذا شربوا جميعا ردّها و مضى فخلت مكانها لم يقرب
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 16، ص: 27
و زاد فيها ابن ميمونة قوله:
و آيات راهبها سريرة معجز فيها و آمن بالوصيّ المنجب
و مضي شهيدا صادقا في نصره أكرم به من راهب مترهب
أعني ابن فاطمة الوصيّ و من يقل في فضله و فعاله لا يكذب
رجلا كلا طرفيه من سام و ما حام له بأب و لا بأب أب
من لا يفرّ و لا يرى في معرك إلّا و صارمه الخضيب المضرب
ثمّ الظاهر من كتاب صفين لنصر أن هذه الرواية الّتي نقلناها من الشيخ المفيد قدّس سرّه ملفقّة من روايتين و كذا الظاهر أن إحداهما ما نظمها الحميرى و الأخرى ما نظمها ابن ميمونة، و ذلك لأن نصر بن مزاحم روى أوّلا رواية الراهب و الصّخرة و لم يذكر إن هذا الراهب استشهد معه عليه السّلام بصفّين. ثمّ روى رواية اخرى من راهب آخر في مكان آخر لم يكن فيه ذكر صخرة و ماء أصلا بل الراهب أتى بكتاب فقرأه عنده عليه السّلام.
و بعض ما ذكرنا من المفيد في ذيل تلك الرواية أتى به نصر في ذيل هذه الرواية و لا بعد في تعدد تلك الواقعة لأنه كانت في نواحي الجزيرة و بلادها الواقعة في مسيره عليه السّلام ديورة كثيرة و فيها رهبان كما صرّحت و نصّت بذلك الكتب الجغرافيّة القديمة و منها- كتاب حدود العالم من المشرق إلى المغرب المؤلف في 372 من الهجرة (ص 91 طبع الطهران 1352 ه) مع أن إحداهما وقعت في ظهر الكوفة من العراق و الأخرى في الرقة من بلاد الجزيرة.
و لا بأس بنقل ما في كتاب نصر (ص 77 الطبع الناصرى) لأن كتاب الراهب يليق أن يقرأ على ظهر القلب: نصر عبد العزيز بن سباء عن حبيب بن أبي ثابت قال أبو سعيد التميمى المعروف بعقيصا «1»: قال: كنا مع عليّ في مسيره إلى الشام حتّى إذا كنا بظهر الكوفة من جانب هذا السواد قال: عطش الناس و احتاجوا إلى
______________________________
(1) كذا في كتاب صفين لنصر و في كتاب حدود العالم من المشرق إلى المغرب ضمن عنوان- الكلام في ناحية الجزيرة و بلادها- قال: قرقيسا شهر كيست خرم و با نعمت و همه سواد او دائم سبز باشد اى هي بلدة صغيرة كثيرة النعمة مخضرة الأرض دائما.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 16، ص: 28
الماء فانطلق بنا عليّ عليه السّلام حتّى أتانا على صخرة ضرس من الأرض كانّها ربضة عنز ثمّ أمرنا فأكفاناها عليه و سار النّاس حتّى إذا مضينا قليلا، قال عليّ عليه السّلام منكم أحد يعلم مكان هذا الماء الّذى شربتم منه؟ قالوا: نعم يا أمير المؤمنين فانطلقوا اليه فانطلق منا رجال ركبانا و مشاتا فاقتصصنا الطريق حتّى انتهينا إلى المكان الّذى نرى انّه فيه قال: فطلبناها فلم نقدر على شيء حتّى إذا عيل علينا انطلقنا إلى دير قريب منّا فسألناهم أين الماء الّذى هو عندكم؟ قالوا: ما قربنا ماء قالوا:
بلى إنا شربنا منه، قالوا: أنتم شربتم منه؟ قلنا نعم. قال: ما بنى هذا الدير إلّا لذلك الماء و ما استخرجه إلّا نبيّ أو وصيّ نبيّ.
قال نصر: ثمّ مضى أمير المؤمنين عليه السّلام حتّى نزل بأرض الجزيرة فاستقبله بنو تغلب و النمر بن قاسط بالجزيرة ثمّ سار أمير المؤمنين عليه السّلام حتّى اتى الرقة و جلّ أهلها عثمانية- إلى أن قال: قال عمر بن سعد: حدّثني مسلم الملائى عن حبة عن عليّ عليه السّلام قال: لما نزل على الرّقة بمكان يقال له: بليخ على جانب الفرات فنزل راهب من صومعة فقال لعليّ: ان عندنا كتابا توارثناه عن آبائنا كتبه عيسى بن مريم أعرضه عليك؟ قال عليّ عليه السّلام: نعم فما هو؟ قال الراهب:
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم الّذى قضى فيما قضى و سطر فيما سطر أنّه باعث في الأمّيين رسولا منهم يعلّمهم الكتاب و الحكمة و يدلّهم على سبيل اللّه لا فظّ و لا غليظ و لا صخّاب في الأسواق و لا يجزى بالسيّئة السيّئة و لكن يعفو و يصفح امّته الحمّادون الّذين يحمدون اللّه في كلّ نشز و في كلّ صعود و هبوط تذل ألسنتهم بالتهليل و التكبير و ينصره اللّه على كلّ من ناواه فإذا توفاه اللّه اختلفت امّته ثمّ اجتمعت فلبثت بذلك ما شاء اللّه ثمّ اختلفت فيمرّ رجل من امّته بشاطيء هذا الفرات يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر و يقضى بالحقّ و لا يرتشى في الحكم. الدّنيا أهون عليه من الرماد في يوم عصفت الريح و الموت أهون عليه من شرب الماء على الظماء يخاف اللّه في السرّ و ينصح له في العلانية و لا يخاف في اللّه لومة لائم من أدرك ذلك النبيّ من أهل هذه البلاد فامن به كان ثوابه رضواني و الجنّة و من أدرك ذلك العبد
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 16، ص: 29
الصالح فلينصره فان القتل معه شهادة.
ثم قال الراهب: فانا مصاحبك غير مفارقك حتّى يصيبني ما أصابك، قال حبّة: فبكي عليّ عليه السّلام ثمّ قال: الحمد للّه الّذى لم يجعلني عنده منسيّا الحمد للّه الّذى ذكرني في كتب الأبرار. و مضى الراهب معه و كان فيما ذكروا يتغدّى مع عليّ و يتعشى حتّى اصيب يوم صفّين فلمّا خرج النّاس يدفنون قتلاهم قال عليّ عليه السّلام: اطلبوه فلمّا وجدوه صلّي عليه و دفنه و قال: هذا منّا أهل البيت و استغفر له مرارا.
«خاتمة في كلمة صفين»:
صفّين بكسر الصاد و تشديد الفاء كسجّين موضع على الفرات من الجانب الغربى بطرف الشام كما في مجمع البحرين للطريحي و في كتاب حدود العالم السابق ذكره قال: الرقة و الرائقة بلدتان عظيمتان مخضرّتان متصلتان على شاطي الفرات و وقعت حرب صفّين في حدودهما من الجانب الاخر من الفرات. و هي اسم غير منصرف للتأنيث و التعريف و لا تقبل حرف التعريف اعنى كلمة أل و الشواهد في ذلك ما قال عمرو بن الحمق الخزاعي:
يقول عرسي لما أن رأت أرقى ما ذا يهيجك من أصحاب صفينا
أ لست في عصبة يهدى الا له بهم أهل الكتاب و لا بغيا يريدونا
و ما قال النعمان بن عجلان الأنصارى:
سائل بصفّين عنّا عند وقعتنا و كيف كان غداة المحك نبتدر
و ما قال آخر كما مر آنفا:
و بالّذي دان يوم النهر دنت به و شاركت كفه كفّى بصفّينا
لا يقال: تأنيثها غير لازم لجواز أن تعبّر بالمكان و الموضع و نظائرهما لأنا نقول: إنّهم لما وجدوها غير منصرف و فحصوا عن العلتين المانعتين عن الصرف و لم يجدوا غير العلميّة سببا آخر عبّروها بالأرض و البقعة و نظائرها حتّى يتمّ السببان كما فعلوا بعمر و زفر. و اختلفوا في نونها أ هي أصلية أم زائدة فمال الجوهري في
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 16، ص: 30
الصحاح و الفيروزآبادي في القاموس و الأكثر إلى الأوّل حيث ذكروها في باب النون من كتبهم اللغويّة و الأدبيّة فعلى هذا وزنها فعّيل كضلّيل من صفن الفرس صفونا من باب ضرب إذا قام على ثلاث قوائم و طرف حافر الرابعة أو من صفن القوم إذا صفوا لاقدامهم لا يخرج بعضها من بعض و من صفن الرّجل إذا صفّ قدميه و الاخرون إلى أنها زائدة فهي فعلين من الصفّ كالغسلين من الغسل حيث ذكروها في باب الفاء. فعلي الأول صيغت للمبالغة كنظائرها من سكّيت و خرّيت و ظلّيم و ضلّيل، لكثرة الخيل و الرّجال في تلك الواقعة الدالة بالكناية على كثرة الفارس و الراجل، و على الثاني أيضا يمكن أن يقال إن الياء و النون زيد تافيها مبالغة لكثرة الصفوف في تلك الوقعة على ضابطة كثرة المباني تدلّ على كثرة المعاني فعلى التقديرين التسميّة بها تكون بعد وقوع تلك الوقعة العظيمة فيها و كم لها من نظير و إنّما الكلام في انّ قبل هذه التّسمية بما ذا كانت سمّيت هل كان لها اسم فترك أو لم تسمّ باسم خاصّ رأسا؟ فحصنا و لم نجد في ذلك شيئا و كلما وجدنا في تسميتها بصفّين إنّما كان متأخرا عن تلك الواقعة، على انّه لا يهمّنا و العلم عند اللّه تعالى.
و إنّما اطلنا الكلام في شرح هذه الخطبة لاشتمال تلك الوقعة على مطالب أنيقة مفيدة من اخلاقية و اجتماعيّة و حكميّة و كلاميّة ينتفع الكل بذى الموائد و لأنّ كثيرا من كتبه عليه السّلام و رسائله الاتية ككثير من خطبه الماضية تتعلق بصفّين و بذلك سهل الخطب لنا في تفسير ما يأتي إن شاء اللّه المعين الوهّاب، مع أنا فيما قدمنا أتينا بكثير من خطبه و كلماته لم يأت بها الشريف الرضي رضوان اللّه عليه في النهج و كم من خطبة و كتاب و كلمة حكمة منه عليه السّلام جمعنا مع الأسانيد و المصادر و كذا وجدنا مصادر كثير ممّا في النهج و السند ( (ها) فيها يكون ببالى ان الحقها في آخر شرحنا على النهج بعنوان مستدرك النهج و مصادرها إن أخذ التوفيق بيدى و ساعدني الدهر بعون ربّي.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 16، ص: 32
الترجمة:
آگاه باشيد كه اين قوم يعنى اهل شام حكم براى خودشان عمرو عاص را برگزيدند كه نزديكترين مردم است بدانچه كه دوست دارند، و شما اى مردم عراق حكم براى خودتان ابو موسى را اختيار كرديد كه نزديك ترين مردم است بدآنچه كه ناخوش داريد (اهل شام دوست داشتند كه بر مردم عراق مستولى گردند و عمرو عاص در وصول به اين غرض از همه بهتر و نزديكتر براى آنان بود و مردم عراق از همان كه شاميان مى خواستند كراهت داشتند و ابو موسى نزديكترين افراد بود به آن چه كه اينان ناخوش مى داشتند يعنى ابو موسى به پيروزى اهل شام و شكست اهل عراق از همه مايل تر و نزديك تر بود يا از بلاهت غريزى او كه بالأخره در دام مكر و حيله عمرو عاص افتاد و يا از عداوتى كه با امير المؤمنين على عليه السّلام داشت در كمين انتقام بود چنانكه در تفسير خطبه شرح داده ايم) سپس حضرت در مقام احتجاج برآمده و فرمود:
ياد داريد كه عبد اللّه قيس (ابو موسى اشعرى عبد اللّه بن قيس است) ديروز (يعنى در جنگ جمل) مى گفت: اين فتنه ايست، پس زههاى كمان را ببريد و شمشيرها را در غلاف كنيد (كنايه از اين كه از جنگ حذر كنيد و دست بداريد، در اين باره از پيغمبر روايتى نقل كرده كه در شرح تذكر داده ايم) اگر راست گفت پس اين كه بدون اكراه آمد و در فتنه افتاد و بلشكر عراق پيوست بخطا رفت، و اگر دروغ گفت، فاسق است (در هر حال چنين كسى را در امر دين و ملّت حكم قرار دادن و به او اعتماد كردن قبيح است) پس دفع كنيد (بزنيد و دور سازيد) سينه عمرو عاص را بعبد اللّه عباس (يعنى عبد اللّه بن عباس را حكم قرار دهيد كه او مى تواند با عمرو بن عاص برابرى كند و با او برآيد و از اغراض شومش جلوگيرى كند) و فرصت را از دست مدهيد و مرزهاى كشورهاى اسلامى را حفظ كنيد آيا نمى بينيد كه دشمنان به شهرهاى شما روى آوردند و سنگ شما را هدف گرفته اند (يعنى در شما طمع كرده اند كه آهنگ جنگ و قصد اضمحلال استقلال شما دارند).