منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 211
الخطبة السادسة و الثلاثون و المأتان و من خطبة له عليه السّلام فى شأن الحكمين و ذم أهل الشام:
جفاة طغام، عبيد قزام، جمعوا من كلّ أوب، و تلقّطوا من كلّ شوب، ممّن ينبغي أن يفقّه و يؤدّب، و يعلّم و يدرّب، و يولّى عليه و يؤخذ على يديه، ليسوا من المهاجرين و الأنصار، و لا من الّذين تبوّأو الدّار.
اللغة:
(جفاة) جمع جاف كقضاة جمع قاض و طغاة جمع طاغ من قولك جفوت الرجل أجفوه جفاء و قيل أصله من جفا الثوب يجفو اذا غلظ فهو جاف و منه جفاء البدو و هو غلظتهم و فظاظتهم.
أقول: و يمكن أن يكون الجفاء مهموز اللام و هو ما يعلو السيل و يحتمله من سقط الارض قال اللّه تعالى «فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً» و قال الشاعر (الحماسة 75):
حميت على العهار أطهار امّه و بعض الرجال المدّعين جفاء
فيكون المراد أنّهم رذال الناس و سفلتهم.
(طغام) بالطاء المشالة المهملة المفتوحة كطعام، قال في الصحاح الطغام أوغاد الناس «الاوغاد جمع الوغد بسكون الغين كوفد و أوفاد، و الوغد الرجل الدنى الذي يخدم بطعام بطنه» و انشد ابو العبّاس: فما فضل اللبيب على الطّغام الواحد و الجمع سواء، و الطغام أيضا رذال الطير الواحدة طغامة للذكر و الانثى مثل نعامة و نعام و لا ينطق منه بفعل و لا يعرف له اشتقاق، فالطغام: أراذل الناس و دنيّهم و خسيسهم.
(عبيد) جمع العبد ككلب و كليب يقال: عبد و أعبد و عباد و عبيد و عبدى و عبدّاء و عبدان و عبدان و معبوداء و معبدة و عبد، فبعض هذه الاسماء مما صيغ للجمع و بعضها جمع في الحقيقة.
و العبد في أصل اللغة خلاف الحرّ و هم يكنون كثيرا عن اللئام و إن كانوا احرارا بالعبيد و العبدان، و بالقزم و القزمان كما صرّح به المرزوقي في شرح
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 212
الحماسة قال معدان بن عبيد (الحماسة 613):
عجبت لعبدان هجوني سفاهة أن اصطحبوا من شأنهم و تقيلوا
بجاد و ريسان و فهر و غالب و عون و هدم و ابن صفوة أخيل
فسمى هؤلاء الستّ عبدانا مع انهم احرار تخضيعا و تشنيعا لهم.
(قزام) في الصحاح: القزم محركة رذال الناس و سفلتهم قال زياد بن منقذ. «1»
و هم إذا الخيل حالوا في كواثبها فوارس الخيل لا ميل و لا قزم
يقال رجل قزم و الذكر و الانثى و الواحد و الجمع فيه سواء لأنّه في الاصل مصدر، و القزام: اللئام، و في أكثر النسخ المتداولة «عبيد اقزام» و لكن لم يذكر المعاجم المتداولة هذا الجمع و لذا اخترنا رواية قزام و رجحناه على اقزام، لان القزام قد ذكرت في المعاجم قال الشاعر:
احصنوا امهم من عبدهم تلك أفعال القزام الوكعة
على ان في الجمع بين الطغام و القزام موازنة بديعة أولى من الطغام و الاقزام و ذكر المرزوقي في شرحه على الحماسة كما مر آنفا القزم و القزمان كسبحان على هيئة الجمع، و قال بعض المحشين لم تذكر المعاجم المتداولة هذا الجمع و المعروف أقزام و قزامي و قزم بضمتين.
(أوب) يقال جاءوا من كل أوب أى من كل ناحية.
(تلقّطوا) في الصحاح تلقط فلان التمر أى التقطه من هاهنا و هاهنا.
(شوب) الشوب: الخلط، يقال شبت الشيء اشوبه فهو مشوب أى مخلوط، و فى المثل هو يشوب و يروب يضرب لمن يخلّط في القول أو العمل.
(يدرّب) أى يؤدّب و يعوّد بالعادات الجميلة و يمرّن بمحاسن الافعال، يقال دربته الشدائد حتّى قوى و مرن عليها و درّبت البازى على الصيد أى ضرّيته
______________________________
(1)- هذا البيت من ابيات الحماسة و نسب الى زياد بن حمل ايضا و قد اضطرب أقوال الرواة فى نسب هذه الابيات.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 213
و روى مكان يدرّب، يذرّب بالذال المعجمة من ذريت معدته إذا فسدت و التذريب (تبوئت) منزلا أى اتخذته و المبائة المنزل.
الاعراب:
(جفاة طغام عبيد قزام) أخبار لمبتدأ محذوف أى هم جفاة و العرب يأتون لمبتدأ واحد باخبار كثيرة قال ابن مالك:
و اخبروا باثنين أو باكثرا لواحد كهم سراة شعرا
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 214
جملتا جمعوا و تلقطوا في محل رفع صفة لهم، و كلمة من في ممّن ينبغي، للتبيين و من موصولة أى هم هؤلاء و الظرف مستقرّ صفة لهم و لا يجوز أن تكون حالا لهم لانها محفوفة بالجمل التي كلها صفات لهم اعنى جمل جمعوا و تلقّطوا و ليسوا من المهاجرين إلخ.
و قال المعربون الجمل بعد النكرات صفات و بعد المعارف أحوال فالجمل ههنا صفات فلو كان ذلك الظرف غير الوصف للزم خروج الكلام عن اسلوبه المنساق له.
و (يفقه) و الافعال الخمسة الاخر منصوبة بان الناصبة تأوّلها إلى مصادرها فاعلا لينبغي و من المهاجرين ظرف مستقر منصوب محله خبر ليس، و قوله عليه السّلام و لا من الذين عطف عليه و الجار للتبعيض لا مكان سدّ بعض مسدّه.
المعنى:
الحكمان هما عمرو بن العاص و أبو موسى الأشعرى المسمى بعبد اللّه بن عباس و نذكر ترجمتهما بعد المعني.
قال الطبري في تاريخه: بايع عمرو بن العاص معاوية في سنة ست و ثلاثين و وافقه على محاربة علىّ.
و كان السّبب في ذلك أنّه لمّا احيط بعثمان خرج عمرو بن العاص من المدينة متوجها نحو الشام و قال و اللّه يا أهل المدينة ما يقيم بها احد فيدركه قتل هذا الرجل
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 215
إلا ضربه اللّه عزّ و جلّ بذلّ و من لم يستطع نصره فليهرب، فسار و سار معه ابناه عبد اللّه و محمّد و خرج بعده حسّان بن ثابت و تتابع على ذلك ما شاء اللّه.
فبينا عمرو بن العاص جالس بعجلان و معه ابناه إذ مرّ بهم راكب فقالوا من أين قال من المدينة فقال عمرو ما اسمك قال حصيرة قال عمرو حصر الرجل «1» قال فما الخبر قال تركت الرجل محصورا قال عمرو يقتل.
ثمّ مكثوا أيّاما فمر بهم راكب فقالوا من أين قال من المدينة قال عمرو ما اسمك قال قتال قال عمرو قتل الرجل فما الخبر قال قتل الرجل ثمّ لم يكن الا ذلك إلى ان خرجت.
ثمّ مكثوا أيّاما فمر بهم راكب فقالوا من أين قال من المدينة قال عمرو ما اسمك قال حرب قال عمرو يكون حرب فما الخبر قال قتل عثمان بن عفان و بويع لعليّ بن أبي طالب قال عمرو أنا أبو عبد اللّه يكون حرب من حكّ فيها قرحة نكأها رحم اللّه عثمان و رضي اللّه عنه و غفر له فقال سلامة بن زنباع الجذامي يا معشر قريش انّه و اللّه قد كان بينكم و بين العرب باب فاتخذوا بابا إذا كسرت الباب فقال عمرو و ذاك الّذى نريد و لا يصلح الباب إلّا أشاف تخرج الحقّ من حافرة البأس و يكون النّاس في العدل سواء ثمّ تمثل عمرو في بعض ذلك.
يا لهف نفسي على مالك و هل يصرف اللّهف حفظ القدر
أنزع من الحرّ أودى بهم فاعذرهم أم بقومى سكر
ثمّ ارتحل راجلا يبكى كما تبكى المرأة و يقول و اعثماناه أنعى الحياء و الدين حتّى قدم دمشق و قد كان سقط اليه من الّذى يكون علم فعمل عليه.
ثمّ نقل عن الواقدى: لما بلغ عمرا قتل عثمان قال أنا عبد اللّه (أنا أبو عبد اللّه ظ) قتلته و أنا بوادى السباع من يلي هذا الأمر من بعده إن يله طلحة فهو فتى العرب سيبا، و إن يله ابن أبي طالب فلا أراه إلّا سيسينظف الحقّ و هو اكره من يليه الىّ.
قال فبلغه ان عليّا قد بويع له فاشتدّ عليه و تربص أياما ينظر ما يصنع النّاس
______________________________
(1)- المراد بالرجل فى تلك المواضع هو عثمان بن عفان.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 216
فبلغه مسير طلحة و الزبير و عائشة و قال استأني و أنظر ما يصنعون فأتاه الخبر أن طلحة و الزبير قد قتلا فارتج عليه أمره.
فقال له قائل ان معاوية بالشام لا يريد يبايع لعليّ فلو قارنت معاوية فكانت معاوية احبّ اليه من عليّ بن أبي طالب و قيل له ان معاوية يعظّم شأن قتل عثمان بن عفان و يحرض على الطلب بدمه فقال عمرو ادعوا لى محمّدا و عبد اللّه فدعيا له فقال قد كان ما قد بلغكما من قتل عثمان و بيعة النّاس لعليّ و ما يرصد معاوية من مخالفة عليّ و قال ما تريان أمّا عليّ فلا خير عنده و هو رجل يدل بسابقته و هو غير مشركي في شيء من أمره.
فقال عبد اللّه بن عمرو توفى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و هو عنك راض و توفى أبو بكر و هو عنك راض و توفى عمر و هو عنك راض أرى أن تكفّ يدك و تجلس فى بيتك حتّى يجتمع النّاس على إمام فتبايعه. و قال محمّد بن عمرو أنت ناب من انياب العرب فلا أرى أن يجتمع هذا الأمر و ليس لك فيه صوت و لا ذكر.
قال عمرو أمّا أنت يا عبد اللّه فأمرتنى بالّذى هو خير لى فى آخرتى و أسلم فى دينى. و أما انت يا محمّد فأمرتنى بالّذى أنبه لى فى دنياى و أشرّ لى فى آخرتى.
ثمّ خرج عمرو بن العاص و معه ابناه حتّى قدم على معاوية فوجد أهل الشام يحضّون معاوية على الطلب بدم عثمان فقال عمرو بن العاص أنتم على الحقّ اطلبوا بدم الخليفة المظلوم و معاوية لا يلتفت إلى قول عمرو فقال ابنا عمرو لعمرو الا ترى إلى معاوية لا يلتفت إلى قولك انصرف إلى غيره فدخل عمرو على معاوية فقال و اللّه لعجب لك إنى أرفدك بما أرفدك و أنت معرض عنى أما و اللّه إن قاتلنا معك نطلب بدم الخليفة إن فى النفس من ذلك ما فيها حيث نقاتل من تعلم سابقته و فضله و قرابته و لكنّا إنّما أردنا هذه الدّنيا فصالحه معاوية و عطف عليه.
و يأتي في ذلك كتاب أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام إلى عمرو بن العاص في باب المختار من كتبه عليه السّلام و هو الكتاب التاسع و الثلاثون حيث يقول عليه السّلام:
فانك جعلت دينك تبعا لدنيا امرء ظاهر غيّه مهتوك ستره يشين الكريم بمجلسه و يسفّه الحليم بخلطته فاتبعت اثره و طلبت فضله اتباع الكلب للضرغام يلوذ إلى
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 217
مخالبه و ينتظر ما يلقى اليه من فضل فريسته إلى آخر ما قال عليه السّلام.
«حكم الحكمين و اجتماعهما و ما جرى فى ذلك»:
و اعلم ان التحكيم كان برأى عمرو بن العاص حين رأى ان دلائل الفتح و النصر لأهل العراق أعنى عسكر علىّ عليه السّلام ظهرت و دلائل الخذلان و الادبار على أهل الشام و هم عسكر معاوية قد وضحت و كان ذلك عقيب ليلة الهرير و هى ليلة عظيمة يضرب بها المثل فرفع أهل الشام برأى عمرو مصاحف اعتصاما من سيوف أهل العراق حين رأوا ان عسكر العراق غلبوا عليهم.
فلا بد لنا الا ان نذكر ما جرى بينهما فى الصفين لأن عدّة من كتبه عليه السّلام يأتي فى ذلك من بعد ما مضت عدّة من الخطب فى ذلك من قبل و سنشير إلى مواضعها و مداركها إنشاء اللّه تعالى و نحن نذكر ما اورده فى ذلك أبو جعفر الطبرى فى تاريخه و نصر بن مزاحم فى كتاب الصفين و المسعودى فى مروج الذهب حتى يتبيّن شأن الحكمين و خديعة عمرو بن العاص لابى موسى الأشعرى و غير ذلك مما تسمعه.
فى تاريخ أبى جعفر محمّد بن الجرير الطبرى: و في هذه السنة يعنى السنة السادسة و الثلاثين وجّه علىّ عليه السّلام عند منصرفه من البصرة إلى الكوفة و فراغه من الجمل جرير بن عبد اللّه البجلى إلى معاوية يدعوه إلى بيعته، و كان جرير حين خرج علىّ إلى البصرة لقتال من قاتله بها بهمدان عاملا عليها كان عثمان استعمله عليها فلما قدم علىّ الكوفة منصرفا اليها من البصرة كتب اليهما يأمرهما بأخذ البيعة له على من قبلهما من النّاس و الانصراف اليه ففعلا ذلك و انصرفا اليه.
فلما أراد علىّ توجيه الرسول إلى معاوية قال جرير بن عبد اللّه ابعثنى اليه فانّه لى ودّ حتّى آتيه فأدعوه إلى الدخول فى طاعتك فقال الاشتر لعلىّ لا تبعثه فو اللّه إنى لأظن هواه معه فقال علىّ دعه حتّى ننظر ما الّذى يرجع به الينا فبعثه اليه و كتب معه كتابا يعلمه اجتماع المهاجرين و الانصار على بيعته و نكث طلحة و الزبير و ما كان من حربه اياهما و يدعوه إلى الدخول فيما دخل فيه المهاجرون و الانصار من طاعته.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 218
فشخص اليه جرير فلما قدم عليه ماطله و استنظره و دعا عمرا «1» فاستشاره فيما كتب به اليه فأشار عليه أن يرسل إلى وجوه الشام و يلزم عليا دم عثمان و يقاتله بهم ففعل ذلك معاوية و كان أهل الشام لما قدم عليهم النعمان بن بشير بقميص عثمان الّذى قتل فيه مخضبا بدمه و باصابع نائلة زوجته «2» مقطوعة بالبراجم اصبعان منها و شيء من الكف و اصبعان مقطوعتان من اصولهما و نصف الابهام، وضع معاوية القميص على المنبر و كتب بالخبر إلى الاجناد و ثاب اليه الناس و بكوا سنة و هو على المنبر و الاصابع معلقه فيه.
و آلى الرجال من أهل الشام ألا يأتوا النساء و لا يمسهم الماء للغسل إلا من احتلام و لا يناموا على الفرش حتّى يقتلوا قتلة عثمان و من عرض دونهم بشىء او تفنى ارواحهم فمكثوا حول القميص سنة و القميص يوضع كل يوم على المنبر و يجلّله احيانا فيلبسه و علق فى اردانه اصابع نائلة.
فلما قدم جرير بن عبد اللّه على علىّ فاخبره خبر معاوية و اجتماع أهل الشام معه على قتاله و انهم يبكون على عثمان و يقولون ان عليا قتله و آوى قتلته و انهم لا ينتهون عنه حتّى يقتلهم او يقتلوه.
فقال الاشتر لعلىّ قد كنت نهيتك ان تبعث جريرا و اخبرتك بعداوته و غشه و لو كنت بعثتنى كان خيرا من هذا الّذى اقام عنده حتى لم يدع بابا يرجو فتحه الافتحه و لا بابا يخاف منه إلا اغلقه.
فقال جرير لو كنت ثمّ لقتلوك لقد ذكروا انك من قتلة عثمان. فقال الاشتر لو أتيتهم و اللّه يا جرير لم يعيني جوابهم و لحملت معاوية على خطة اعجله فيها عن الفكر و لو اطاعنى فيك أمير المؤمنين لحبسك و اشباهك فى محبس لا تخرجون منه حتّى
______________________________
(1) و هو عمرو بن العاص.
(2) يعنى ان نائلة كانت زوجة عثمان و هى احدى زوجاته و نسبها كما قاله الطبرى فى تاريخه: هى نائلة ابنة الفرافصة بن الاحوص بن عمرو بن ثعلبة بن الحارث بن حصن بن ضمضم ابن عدى بن جناب بن كلب. و لذا يقال لها نائلة الكلبية.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 219
تستقيم هذه الامور فخرج جرير بن عبد اللّه إلى قرقيساء و كتب إلى معاوية فكتب اليه يأمره بالقدوم عليه و خرج أمير المؤمنين علىّ عليه السّلام فعسكر بالنخيلة و قدم عليه عبد اللّه بن عبّاس بمن نهض معه من أهل البصرة.
و استخلف عبد اللّه بن عباس على البصرة ثمّ سار منها إلى الكوفة فتهيأ فيها إلى صفين فاستشار النّاس فى ذلك فاشار عليه قوم ان يبعث الجنود و يقيم و اشار آخرون بالمسير فأبى إلّا المباشرة فجهّز الناس.
و قال المسعودى فى مروج الذهب و كان سير على عليه السّلام من الكوفة الى صفين لخمس خلون من شوال سنة ست و ثلاثين و استخلف على الكوفة أبا مسعود عقبة بن عامر الانصارى.
فبلغ ذلك معاوية فدعا عمرو بن العاص فاستشاره فقال أمّا إذ بلغك انّه يسير فسر بنفسك و لا تغب عنه برأيك و مكيدتك. قال أمّا إذا يا أبا عبد اللّه فجهز النّاس فجاء عمرو فحضّض النّاس و ضعف عليّا و أصحابه و قال: إن أهل العراق قد فرقوا جمعهم و اوهنوا شوكتهم و فلّوا احدهم ثمّ إن أهل البصرة مخالفون لعليّ قد وترهم و قللهم و قد تفانت صناديدهم و صناديد أهل الكوفة يوم الجمل و إنّما سار في شرذمة قليلة منهم من قد قتل خليفتكم فاللّه اللّه في حقّكم ان تضيّعوه و في دمكم ان تبطلوه و كتب في اجناد أهل الشام و عقد لواءه لعمرو فعقد لوردان غلامه فيمن عقد و لابنيه عبد اللّه و محمّد و عقد عليّ لغلامه قنبر ثمّ قال عمرو:
هل يغنين وردان عنى قنبرا و تغني السكون عنى حميرا
إذا الكماة لبسوا السّنوّرا
فبلغ ذلك عليّا عليه السّلام فقال:
لأصبحنّ العاصى بن العاصى سبعين ألفا عاقدى النواصى
مجنّنين الخيل بالقلاص مستحقين حلق الدّلاص
فلمّا سمع ذلك معاوية قال ما أرى ابن أبى طالب إلّا قد وفى لك فجاء معاوية يتأنى فى مسيره و كتب إلى كلّ من كان يرى أنه يخاف عليّا او طعن عليه و من اعظم دم عثمان و استعواهم اليه.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 220
فبعث علىّ زياد بن النضر الحارثى طليعة فى ثمانية آلاف و بعث معه شريح ابن هانى فى أربعة آلاف و خرج علىّ من النخيلة بمن معه فلما دخل المدائن شخص معه من فيها من المقاتلة و ولى على المدائن سعد بن مسعود الثقفى عم المختار بن أبى عبيد و وجه علىّ من المدائن معقل بن قيس فى ثلاثة آلاف و أمره أن يأخذ على الموصل حتّى يوافيه.
قال المسعودى فى مروج الذهب و قد تنوزع فى مقدار ما كان مع على عليه السّلام من الجيش فمكثّر و مقلّل و المتفق عليه من قول الجميع تسعون ألفا و قال رجل من أصحاب على عليه السّلام لما استقروا مما يلى الشام من ابيات كتب بها إلى معاوية.
اثبت معاوى قد اتاك الحافل تسعون ألفا كلّهم مقاتل
عما قليل يضمحلّ الباطل
و سار معاوية من الشام و قد تنوزع فى مقدار من كان معه فمكثّر و مقلّل و المتفق عليه من قول الجميع خمس و ثمانون ألفا.
«ما أمر به على بن أبي طالب من عمل الجسر على الفرات»:
فلمّا انتهى علىّ عليه السّلام إلى الرقة قال لأهل الرّقة اجسروا لى جسرا حتّى اعبر من هذا المكان إلى الشام فابوا و قد كانوا ضموا اليهم السفن فنهض من عندهم ليعبر من جسر منبج و خلف عليهم الأشتر و ذهب ليمضى بالنّاس كيما يعبر بهم على جسر منبج فنادى هم الأشتر فقال يا أهل هذا الحصن ألا انّى اقسم لكم باللّه عزّ و جل لئن مضى أمير المؤمنين و لم تجسروا له عند مدينتكم جسرا حتّى يعبر لأجرّدن فيكم السيف ثمّ لأقتلن الرجال و لأخربن الأرض و لاخذن الأموال فلقى بعضهم بعضا فقالوا البس الاشتر يفي بما حلف عليه او يأتي بشرّ منه قالوا نعم فبعثوا اليه انا ناصبون لكم جسرا فاقبلوا و جاء علىّ فنصبوا له الجسر فعبر عليه بالاثقال و الرجال ثمّ أمر علىّ الأشتر فوقف فى ثلاثة آلاف فارس حتّى لم يبق من النّاس احد إلا عبر ثمّ انه عبر آخر النّاس رجلا قال أبو جعفر الطبرى: قال أبو مخنف فحدّثني خالد بن قطن الحارثى: ان
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 221
عليّا لما قطع الفرات دعا زياد بن النضر و شريح بن هانى فسرحهما امامه نحو معاوية على حالهما الّتي كانا خرجا عليه من الكوفة قال و قد كانا حيث سرحهما من الكوفة أخذا على شاطىء الفرات من قبل البر مما يلي الكوفة حتّى بلغا عانات فبلغهما اخذ علىّ على طريق الجزيرة و بلغهما ان معاوية قد اقبل من دمشق في جنود أهل الشام لاستقبال علىّ عليه السّلام فقالا لا و اللّه ما هذا لنا برأى ان نسير و بيننا و بين المسلمين و أمير المؤمنين هذا البحر و ما لنا خير في ان نلقى جنود أهل الشام بقلة من معنا منقطعين من العدد و المدد فذهبوا ليعبروا من عانات فمنعهم أهل عانات و حبسوا عنهم السفن فأقبلوا راجعين حتّى عبروا من هيت ثمّ لحقوا عليّا بقرية دون قرقيسياء و قد ارادوا أهل عانات فتحصنوا و فروا و لما لحقت المقدمة عليّا قال مقدمتى تأتينى من ورائى.
فتقدم اليه زياد بن النضر الحارثى و شريح بن هانى فأخبراه بالّذى رأيا حين بلغهما من الأمر ما بلغهما فقال سددتما.
ثمّ مضى عليّ عليه السّلام فلما عبر الفرات قدمهما امامه نحو معاوية فلما انتهيا إلى سور الروم لقيهما أبو الاعور السلمي عمرو بن سفيان في جند من أهل الشام فأرسلا إلى عليّ عليه السّلام أنا قد لقينا أبا الاعور السلمي في جند من أهل الشام و قد دعوناهم فلم يجبنا منهم أحد فمرنا بامرك.
فارسل عليّ عليه السّلام إلى الاشتر فقال يا مالك ان زيادا و شريحا ارسلا إلىّ يعلماني انهما لقيا أبا الاعور السلمي في جمع من أهل الشام و انبأني الرسول انه تركهم متواقفين فالنجاء إلى أصحابك النجاء فاذا قدمت عليهم فأنت عليهم و إياك ان تبدء القوم بقتال إلّا أن يبدءوك حتى تلقاهم فتدعوهم و تسمع و لا يجرمنكم شنانهم على قتالهم قبل دعائهم و الاعذار إليهم مرة بعد مرة، و اجعل على ميمنتك زيادا و على ميسرتك شريحا وقف من أصحابك وسطا و لا تدنو منهم دنوّ من يريد أن ينشب الحرب و لا تباعد منهم بعد من يهاب الناس حتّى اقدم عليك فاني حثيث السير فى اثرك إن شاء اللّه.
قال و كان الرسول الحارث بن جمهان الجعفي فكتب عليّ عليه السّلام إلى زياد و شريح
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 222
أما بعد فاني قد أمّرت عليكما مالكا فاسمعا له و اطيعا فانه مما لا يخاف رهقه و لا سقاطه و لا بطؤه عما الاسراع إليه احزم و لا الاسراع إلى ما البطاء عنه امثل و قد امرته بمثل الّذي كنت امرتكما به ألّا يبدأ القوم حتى يلقاهم فيدعوهم و يعذر إليهم.
أقول: قال نصر في كتاب صفين باسناده عن عبد اللّه بن جندب عن أبيه، و كذا الطبري في تاريخه باسناده عن عبد الرحمن بن جندب الازدي عن أبيه: أن عليّا عليه السّلام كان يأمرنا في كلّ موطن لقينا معه عدوّه يقول:
لا تقاتلوا القوم حتّى يبدؤكم فانكم بحمد اللّه على حجّة و ترككم إياهم حتى يبدؤكم حجة اخرى لكم عليهم فاذا قاتلتموهم فهزمتموهم فلا تقتلوا مدبرا و لا تجهزوا على جريح و لا تكشفوا عورة و لا تمثلوا بقتيل فاذا وصلتم إلى رحال القوم فلا تهتكوا سترا و لا تدخلوا دارا إلا باذن و لا تأخذوا شيئا من أموالهم إلا ما وجدتم في عسكرهم و لا تهيجوا امرأة بأذى و إن شتمن أعراضكم و تناولن امراءكم و صلحاءكم فانهن ضعاف القوى و الانفس و لقد كنا و انا لنؤمر بالكف عنهنّ و انهن لمشركات و إن كان الرجل ليتناول المرأة في الجاهلية بالهراوة أو الحديد فيعير بها عقبه من بعده.
أقول: يأتي شرح كلامه عليه السّلام هذا في باب المختار من كتبه و رسائله بعون الملك الوهاب. و قال الرضي رضي اللّه عنه قال عليه السّلام لعسكره قبل العدو بصفين.
قال نصر باسناده عن الحضرمي قال سمعت عليا عليه السّلام عرض في النّاس في ثلاثة مواطن: في يوم الجمل و يوم صفين و يوم النهروان فقال: عباد اللّه اتقوا اللّه عزّ و جلّ و غضّوا الأبصار و اخفضوا الاصوات و اقلّوا الكلام و وطّنوا أنفسكم على المنازلة و المجاولة و المبارزة و المعانقة و المكارمة و اثبتوا و اذكروا اللّه كثيرا لعلّكم تفلحون و لا تنازعوا فتفشلوا و تذهب ريحكم و اصبروا إنّ اللّه مع الصابرين اللّهمّ ألهمهم الصبر و أنزل عليهم النصر و أعظم لهم الأجر. و لنعد إلى قول الطبري:
و خرج الاشتر حتّى قدم على القوم فاتبع ما أمره عليّ عليه السّلام و كف عن القتال فلم يزالوا متواقفين حتى إذا كان عند المساء حمل عليهم أبو الاعور السلمى
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 223
فثبتوا له و اضطربوا ساعة ثم إن أهل الشام انصرفوا ثم خرج إليهم من الغد هاشم ابن عتبة الزّهري في خيل و رجال حسن عددها و عدتها و خرج إليه أبو الأعور فاقتتلوا يومهم ذلك تحمل الخيل على الخيل و الرجال على الرجال و صبر القوم بعضهم لبعض ثمّ انصرفوا و حمل عليهم الاشتر فقتل عبد اللّه بن المنذر التنوخي قتله يومئذ ظبيان بن عمّار التميمي و ما هو إلا فتى حدث و إن كان التنوخي لفارس أهل الشام.
و أخذ الاشتر يقول و يحكم أرونى أبا الاعور. ثمّ انّ أبا الاعور دعا لناس فرجوا نحوه.
فوقف من وراء المكان الّذي كان فيه أول مرّة و جاء الاشتر حتّى صف أصحابه في المكان الّذي كان فيه أبو الاعور فقال الاشتر لسنان بن مالك النخعي انطلق إلى أبي الاعور فادعه إلى المبارزة فقال إلى مبارزتي أو مبارزتك فقال له الاشتر لو امرتك بمبارزته فعلت قال نعم و اللّه لو امرتني ان اعترض صفهم بسيفي ما رجعت أبدا حتى اضرب بسيفي في صفهم قال له الاشتر يا ابن اخي اطال اللّه بقاءك قد و اللّه ازددت رغبة فيك لا أمرتك بمبارزته انما امرتك ان تدعوه إلى مبارزتي انه لا يبرز ان كان ذلك من شأنه إلّا لذوي الاسنان و الكفاءة و الشرف و أنت لربك الحمد من أهل الكفاءة و الشرف غير أنك فتى حدث السن فليس بمبارز الاحداث و لكن ادعه إلى مبارزتي، فأتاه فنادى آمنونى فاني رسول فاومن فجاء حتى انتهى إلى أبي الأعور قال أبو مخنف فحدثني النضر بن صالح أبو زهير العبسى قال حدثني سنان قال فدنوت منه فقلت ان الاشتر يدعوك إلى مبارزته قال فسكت عنى طويلا ثمّ قال إن خفة الاشتر و سوء رأيه هو حمله على اجلاء عمال ابن عفان من العراق و انتزائه عليه بقبح محاسنه، و من خفة الاشتر و سوء رأيه أن سار إلى ابن عفان في داره و قراره حتى قتله فيمن قتله فاصبح متبعا بدمه ألا لا حاجة لي في مبارزته.
قال قلت انك قد تكلمت فاسمع حتّى اجيبك فقال لا حاجة لي في الاستماع منك و لا في جوابك اذهب عنى فصاح بي أصحابه فانصرفت عنه و لو سمع إلىّ لأخبرته بعذر صاحبي و لحجته.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 224
فرجعت إلى الاشتر فأخبرته انه قد أبي المبارزة فقال لنفسه نظر. فوافقناهم حتّى حجز الليل بيننا و بينهم و بتنا متحارسين فلما اصبحنا نظرنا فاذا القوم قد انصرفوا من تحت ليلتهم و يصبحنا عليّ بن أبي طالب غدوة فقدم الاشتر فيمن كان معه في تلك المقدمة حتى انتهى إلى معاوية فوافقه و جاء علىّ في اثره فلحق بالأشتر سريعا فوقف و تواقفوا طويلا.
ثمّ ان عليّا عليه السّلام طلب موضعا لعسكره فلما وجده امر الناس فوضعوا الأثقال فلما فعلوا ذهب شباب الناس و غلمتهم يستقون فمنعهم أهل الشام فاقتتل النّاس على الماء و قد كان الاشتر قال له قبل ذلك إن القوم قد سبقوا إلى الشريعة و إلى سهولة الارض و سعة المنزل فان رأيت سرنا نجوزهم إلى القرية التي خرجوا منها فانهم يشخصون في اثرنا فاذاهم لحقونا نزلنا فكنا نحن و هم على السواء فكره ذلك عليّ عليه السّلام و قال ليس كل الناس يقوى على المسير فنزل بهم.
«القتال على الماء»:
قال الطبري قال أبو مخنف و حدثني تميم بن الحارث الأزدى عن جندب بن عبد اللّه قال إنا لما انتهينا إلى معاوية وجدناه قد عسكر في موضع سهل افيح قد اختاره قبل قدومنا إلى جانب شريعة في الفرات ليس في ذلك الصقع شريعة غيرها و جعلها في حيزة و بعث عليها أبا الاعور يمنعها و يحميها فارتفعنا على الفرات رجاء أن نجد شريعة غيرها نستغني بها عن شريعتهم فلم نجدها فأتينا عليّا عليه السّلام فاخبرناه بعطش النّاس و أنا لا نجد غير شريعة القوم قال فقاتلوهم عليها فجاءه الاشعث بن قيس الكندي فقال أنا اسير إليهم فقال له عليّ عليه السّلام فسر إليهم فسار و سرنا معه حتى إذا دنونا من الماء ثاروا في وجوهنا ينضحوننا بالنبل و رشقناهم و اللّه بالنبل ساعة ثمّ اطعنّا و اللّه بالرماح طويلا ثمّ صرنا آخر ذلك نحن و القوم إلى السيوف فاجتلدنا بها ساعة.
ثمّ ان القوم اتاهم يزيد بن أسد البجلي ممدا في الخيل و الرجال فأقبلوا نحونا فقلت في نفسى فأمير المؤمنين لا يبعث إلينا بمن يغني عنّا هؤلاء فذهبت و التفت فاذا
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 225
عدة القوم أو اكثر قد سرحهم إلينا ليغنوا عنا يزيد بن اسد و أصحابه عليهم شبث بن ربعي الرياحى فو اللّه ما ازداد القتال الاشدة و خرج إلينا عمرو بن العاص من عسكر معاوية في جند كثير فاخذ يمدّ أبا الاعور و يزيد بن اسد و خرج الاشتر من قبل عليّ عليه السّلام في جمع عظيم فلما رأى الأشتر عمرو بن العاص يمدّ أبا الاعور و يزيد بن أسد امدّ الاشعث ابن قيس و شبث بن ربعي فاشتدّ قتالنا و قتالهم فما أنسى قول عبد اللّه بن عوف بن الأحمر الأزدى:
خلّوا لنا ماء الفرات الجاري أو اثبتوا لجحفل جرّار
لكلّ قرم مستميت شاري مطاعن برمحه كرار
ضرّاب ها مات العدى مغوار
قال أبو مخنف و حدثني رجل من آل خارجة بن التميمي أن ظبيان بن عمارة جعل يومئذ يقاتل و هو يقول:
هل لك يا ظبيان من بقاء فى ساكن الأرض بغير ماء
لا و إله الأرض و السماء فاضرب وجوه الغدر الأعداء
بالسيف عند حمس الوغاء حتّى يجيبوك إلى السّواء
قال ظبيان فضربناهم و اللّه حتّى خلونا و اياه و قال محمّد بن محنف بن سليم فقاتلناهم فما أمسينا حتى رأينا سقاتنا و سقاتهم يزدحمون على الشريعة و ما يؤذي انسان انسانا، و قال أبو الحسن عليّ بن الحسين بن عليّ المسعودي في مروج الذهب: و عليّ عليه السّلام بدور في عسكره بالليل فسمع قائلا و هو يقول:
أ يمنعنا القوم ماء الفرات و فينا الرماح و فينا الحجف
و فينا عليّ عليه السّلام له صولة إذا خوّفوه الردى لم يخف
و نحن غداة لقينا الزبير و طلحة خضنا غمار التلف
فما بالنا الامس اسد العرين و ما بالنا اليوم شاء النجف
قال أبو مخنف و حدثنى يوسف بن يزيد عن عبد اللّه بن عوف بن الأحمر قال لما قدمنا على معاوية و أهل الشّام بصفين وجدناهم قد نزلوا منزلا اختاروه مستويا
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 226
بساطا واسعا أخذوا الشريعة فهى في أيديهم.
و قال المسعودي في مروج الذهب و عسكر معاوية في موضع سهل افيح اختاره قبل قدوم عليّ عليه السّلام على شريعة لم يكن على الفرات في ذلك الموضع اسهل منها للوارد إلى الماء و ما عداها اخراق عالية و مواضع إلى الماء وعرة و وكل أبا الاعور السلمي بالشريعة مع أربعين ألفا و كان على مقدمته.
و قال أبو مخنف و قد صفّ أبو الاعور السلمي عليها الخيل و الرجال و قد قدّم المرامية امام من معه و صف صفا معهم من الرّماح و الدرق و على رؤوسهم البيض و قد اجمعوا على أن يمنعونا الماء ففزعنا إلى امير المؤمنين فخبرناه بذلك فدعا صعصعة ابن صوحان فقال له ائت معاوية و قل له انا سرنا مسيرنا هذا إليكم و نحن نكره قتالكم قبل الاعذار إليكم و إنك قدمت إلينا خيلك و رجالك فقاتلتنا قبل أن نقاتلك و بدأتنا بالقتال و نحن من رأينا الكف عنك حتّى ندعوك و نحتج عليك و هذه اخرى قد فعلتموها قد حلتم بين النّاس و بين الماء و الناس غير منتهين أو يشربوا فابعث إلى أصحابك فليخلّوا بين النّاس و بين الماء و يكفوا حتّى ننظر فيما بيننا و بينكم و فيما قدمنا له و قدمتم له و إن كان أعجب إليك أن نترك ما جئنا له و نترك النّاس يقتتلون على الماء حتّى يكون الغالب هو الشارب فعلنا.
فقال معاوية لأصحابه ما ترون فقال الوليد بن عقبة امنعهم الماء كما منعوه عثمان بن عفان حصروه أربعين صباحا يمنعونه برد الماء و لين الطعام، اقتلهم عطشا قتلهم اللّه عطشا، فقال له عمرو بن العاص خلّ بينهم و بين الماء فان القوم لن يعطشوا و أنت ريّان و لكن بغير الماء فانظر ما بينك و بينهم فاعاد الوليد بن عقبة مقالته.
و قال المسعودي: و وكل معاوية أبا الاعور السلمي بالشريعة مع أربعين ألفا و كان على مقدمته و بات عليّ عليه السّلام و جيشه في البر عطاشا قد حيل بينهم و بين الورود إلى الماء فقال عمرو بن العاص لمعاوية ان عليا لا يموت عطشا هو و تسعون الفا من أهل العراق و سيوفهم على عواتقهم و لكن دعهم يشربون و نشرب فقال معاوية لا و اللّه أو يموتوا عطشا كما مات عثمان.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 227
و قال عبد اللّه بن أبي سرح امنعهم الماء إلى الليل فانهم ان لم يقدروا عليه رجعوا و لو قد رجعوا كان رجوعهم فلا امنعهم الماء منعهم اللّه يوم القيامة.
فقال صعصعة انما يمنعه اللّه عزّ و جلّ يوم القيامة الكفرة الفسقة و شربة الخمر ضربك و ضرب هذا الفاسق يعنى الوليد بن عقبة قال فتواثبوا اليه يشتمونه و يتهدّدونه فقال معاوية كفوا عن الرجل فانّه رسول.
قال أبو مخنف و حدّثني يوسف بن يزيد عن عبد اللّه بن عوف بن الأحمر أن صعصعة رجع الينا فحدثنا عما قال لمعاوية و ما كان منه و ما ردّ فقلنا فما رد عليك فقال لما اردت الانصراف من عنده قلت ما ترد على؟ قال معاوية سيأتيكم رأيي فو اللّه ما راعنا إلا تسريته الخيل إلى أبى الاعور ليكفهم عن الماء قال فأبرزنا عليّ عليه السّلام إليهم فارتمينا ثمّ اطّعنا ثمّ اضطربنا بالسّيوف فنصرنا عليهم فصار الماء في ايدينا فقلنا لا و اللّه لا نسقيهموه فأرسل إلينا عليّ أن خذوا من الماء حاجتكم و ارجعوا إلى عسكركم و خلّوا عنهم فان اللّه عزّ و جلّ قد نصركم عليهم بظلمهم و بغيهم.
و قال المسعودى في مروج الذهب: قال معاوية لعمرو بن العاص يا أبا عبد اللّه ما ظنك بالرجل (يعني بالرجل عليّا عليه السّلام) أ تراه يمنعنا الماء لمنعنا اياه و قد انحاز بأهل الشام إلى ناحية في البر نائيا عن الماء فقال له عمرو لا ان الرجل جاء لغير هذا و انه لا يرضى حتّى تدخل في طاعته او يقطع حبال عاتقك فارسل اليه معاوية يستأذنه في وروده مشرعته و استقاء الناس من طريقه و دخل رسله عسكره فأباحه على كلّ ما سأل و طلب منه.
أقول انظر إلى سيرة ولي اللّه الأعظم أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام مع النّاس حتّى مع الاعداء بعين المعرفة و البصيرة و إلى دأب معاوية أيضا حتّى يتبين لك الفرق بين رجل الهي و بين الّذي استحوذ عليه الشيطان و تردّى في هواه، حيث ترى ان معاوية قدم أوّلا و اختار منزلا مستويا بساطا واسعا و اخذ الشريعة و منع عليّا عليه السّلام و أصحابه الماء مع أن النّبي صلّى اللّه عليه و آله جعل النّاس في الماء و الكلاء و النار شرعا سواء
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 228
و لما غلب عليّ عليه السّلام و عسكره عليهم خلوا بينهم و بين الماء ثمّ وعظ عليّ عسكره بان الظالم و الباغي منكوب و مغلوب لا محالة و إن كان له جولان في برهة من الزمان حيث قال عليه السّلام فان اللّه عزّ و جل قد نصركم عليهم بظلمهم و بغيهم.
و أمّا منع النّاس عثمان من الطعام و الشراب و حصرهم اياه أربعين صباحا او أكثر فيأتي كلامنا فيه في المباحث الاتية مع أن أمير المؤمنين علي عليه السّلام قد انكر منع الماء و الطعام على عثمان و أنفذ من مكن من حمل ذلك لانه كان فى الدار من الحرم و النسوان و الصبيان من لا يحل منعه من الطعام و الشراب.
و قال ابن قتيبة الدينورى فى كتابه الامامة و السياسة المعروف بتاريخ الخلفاء:
و بعث عثمان إلى علىّ عليه السّلام يخبره انه منع الماء و يستغيث به فبعث اليه على عليه السّلام ثلاث قرب مملوءة ماء فما كادت تصل اليه، فقال طلحة ما أنت و هذا؟.
و العجب من هؤلاء الطغام كيف تمسكوا بالاباطيل و الاضاليل فخدعوا أتباعهم و من تتبع فى الاثار و الأخبار يرى بعين اليقين أن معاوية لم يلف شيئا يستضل و يستغوى به النّاس إلّا أن يتمسك بتلك الأقوال كما استمسك بها سخلته يزيد لما اراد أن يحرض النّاس فى قتل حسين بن على عليهما السّلام و العجب أن معاوية منع أمير المؤمنين عليّا عليه السّلام و أصحابه من الماء و لما استولى عليه السّلام عليهم خلى بينهم و بين الماء و يزيد بن معاوية منع حسين بن على و اشياعه من الماء و هم سقوا قومه و ارووهم من الماء حتّى رشفوا خيلهم حذو النعل بالنعل.
قال الطبرى فى حديث اقبال الحسين بن على عليهما السّلام إلى كربلاء و مجيء الحرّ مع قومه اليه فى أثناء الطريق باسناده عن عبد اللّه بن سليم و المذرى المشمعل الأسديين قالا اقبل الحسين عليه السّلام حتّى نزل شراف فلما كان فى السحر أمر فتيانه فاستقوا من الماء فأكثروا ثمّ ساروا منها فرسموا صدر يومهم حتّى انتصف النهار ثمّ إن رجلا قال اللّه اكبر فقال الحسين عليه السّلام اللّه أكبر ما كبرت؟ قال رأيت النخل فقال له الاسديان إن هذا المكان ما رأينا به نخلة قط قالا فقال لنا الحسين عليه السّلام فما تريانه رأى؟ قلنا نراه رأى هوادى الخيل فقال و أنا و اللّه أرى ذلك. فقال الحسين عليه السّلام
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 229
أمالنا ملجأ نلجأ اليه نجعله فى ظهورنا و نستقبل القوم من وجه واحد؟ فقلنا له بلى هذا ذو حسم إلى جنبك تميل إليه عن يسارك فإن سبقت القوم إليه فهو كما تريد.
قال فأخذ إليه ذات اليسار قال و ملنا معه فما كان بأسرع من أن طلعت علينا هوادى الخيل فتبيّناها و عدلنا فلمّا رأونا و قد عدلنا عن الطريق عدلوا إلينا كأن أسنتهم اليعاسيب و كان راياتهم أجنحة الطير. قال فاستبقنا إلى ذى حسم فسبقناهم إليه فنزل الحسين عليه السّلام فأمر بأبنيته فضربت و جاء القوم و هم ألف فارس مع الحرّ بن يزيد التميمي اليربوعي حتّى وقف هو و خيله مقابل الحسين عليه السّلام في حرّ الظهيرة و الحسين و أصحابه معتمون متقلّدوا أسيافهم. فقال الحسين عليه السّلام لفتيانه اسقوا القوم و ارووهم من الماء و رشفوا الخيل نر شيفا فقام فتيانه فرشفوا الخيل ترشيفا فقام فتية و سقوا القوم من الماء حتّى أرووهم و اقبلوا يملئون القصاع و الأتوار و الطّساس من الماء ثمّ يدنونها من الفرس فاذا عبّ فيه ثلاثا أو أربعا او خمسا عزلت عنه و سقوا آخر حتّى سقوا الخيل كلها.
ثمّ قال: قال علىّ بن الطعّان المحاربى كنت مع الحرّ بن يزيد فجئت فى آخر من جاء من أصحابه فلمّا رأى الحسين عليه السّلام ما بى و بفرسى من العطش قال أنخ الراوية و الراوية عندى السقاء ثم قال يا ابن أخى أنخ الجمل فأنخته فقال اشرب فجعلت كلما شربت سال الماء من السقاء فقال الحسين عليه السّلام اخنث السقاء اى اعطفه قال فجعلت لا أدرى كيف أفعل قال فقام الحسين عليه السّلام فخنثه فشربت و سقيت فرسى.
إلى أن قال الطبرى باسناده عن حميد بن مسلم الازدى قال:
جاء من عبيد اللّه بن زياد كتاب إلى عمر بن سعد: أمّا بعد فحل بين الحسين و أصحابه و بين الماء و لا يذوقوا منه قطرة كما صنع بالتقى الزكى المظلوم أمير المؤمنين عثمان بن عفان. قال فبعث عمر بن سعد عمرو بن الحجاج على خمسمائة فارس فنزلوا على الشريعة و حالوا بين حسين و أصحابه و بين الماء أن يسقوا منه قطرة و ذلك قبل قتل الحسين بثلاث. قال و نازله عبد اللَّه بن أبى حصين الأزدى و عداده في بجيلة فقال يا حسين ألا تنظر إلى الماء كأنه كبد السماء و اللّه لا تذوق منه قطرة حتّى تموت عطشا، فقال حسين عليه السّلام اللّهم اقتله عطشا و لا تغفر له أبدا. قال حميد بن مسلم و اللّه لعدته بعد ذلك فى مرضه فو اللّه الّذي لا إله إلّا هو لقد رأيته يشرب حتّى بغر ثمّ
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 230
يقيء ثمّ يعود فيشرب حتّى يبغر فما يروى فما زال ذلك دأبه حتّى لفظ غصّته يعنى نفسه.
و أقول لا يخفى على الباحث فى السير و الاثار أن دأب بنى هاشم كان على تأليف قلوب النّاس و الاخذ بايديهم و ايصال الخير اليهم و افشاء المعروف فيهم و كانوا من بيت علم و حلم و كرم و سخاوة بحيث يؤثرون النّاس فى شدائد الاحوال على انفسهم و خصال صفاتهم لا يحصى و أن شيمة بنى اميّة كانت على ضدّ ما كان فى بنى هاشم و كانوا عبيد الدنيا و اسرة الهوى. و لنعد إلى القصة.
«دعاء على عليه السّلام معاوية الى الطاعة و الجماعة»:
قال الطبرى: قال أبو مخنف حدّثنى عبد الملك بن أبى حرة الحنفى أن عليّا قال هذا يوم نصرتم فيه بالحمية و جاء الناس حتّى أتوا عسكرهم فمكث على عليه السّلام يومين لا يرسل إلى معاوية أحدا و لا يرسل اليه معاوية.
ثمّ إنّ عليّا عليه السّلام دعا بشير بن عمرو بن محصن الأنصارى و سعيد بن قيس الهمدانى و شبث بن ربعى التميمى فقال ائتوا هذا الرجل فادعوه إلى اللّه و إلى الطاعة و الجماعة فقال له شبث بن ربعى يا أمير المؤمنين ألا تطمعه فى سلطان توليه إياه و منزلة يكون له بها أثرة عندك إن هو بايعك؟ فقال عليّ عليه السّلام ائتوه فالقوه و احتجوا عليه و انظروا ما رأيه و هذا في أوّل ذى الحجة فأتوه و دخلوا عليه فحمد اللّه و اثنى عليه أبو عمرة بشير ابن عمرو و قال يا معاوية إنّ الدّنيا عنك زائلة و إنّك راجع إلى الاخرة و إنّ اللّه عزّ و جلّ محاسبك بعملك و جازيك بما قدّمت يداك و إنّي انشدك اللّه عزّ و جل أن تفرّق جماعة هذه الامة و أن تسفك دماءها بينها فقطع عليه الكلام و قال هلا أوصيت بذلك صاحبك؟ فقال أبو عمرة إن صاحبى ليس مثلك إن صاحبى احق البرية كلّها بهذا الأمر فى الفضل و الدين و السابقة في الإسلام و القرابة من الرسول صلّى اللّه عليه و آله قال:
فيقول ما ذا؟ قال يأمرك بتقوى اللّه عزّ و جلّ و إجابة ابن عمّك إلى ما يدعوك إليه من الحقّ فانّه اسلم لك في دنياك و خير لك في عاقبة أمرك.
قال معاوية: و نطل دم عثمان لا و اللّه لا أفعل ذلك أبدا. فذهب سعيد بن قيس
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 231
يتكلم فبادره شبث بن ربعى فتكلم فحمد اللّه و اثنى عليه و قال يا معاوية إنّي قد فهمت ما رددت على ابن محصن انه و اللّه لا يخفى علينا ما تغزو و ما تطلب إنّك لم تجد شيئا تستغوى به النّاس و تستميل به أهوائهم و تستخلص به طاعتهم إلّا قولك قتل إمامكم مظلوما فنحن نطلب بدمه فاستجاب له سفهاء طغام و قد علمنا أن قد أبطأت عنه بالنصر و احببت له القتل لهذه المنزلة الّتي أصبحت تطلب و ربّ متمنى أمر و طالبه، اللّه عزّ و جلّ يحول دونه بقدرته و ربّما اوتى المتمنى امنيته و فوق امنيّته و واللّه مالك فى واحدة منهما خير لئن أخطات ما ترجو انك لشر العرب حالا فى ذلك و لئن أصبت ما تمنى لا تصيبه حتّى تستحق من ربّك صليّ النّار فاتق اللّه يا معاوية ودع ما أنت عليه و لا تنازع الأمر أهله.
فحمد اللّه و أثنى عليه ثمّ قال أمّا بعد فان أوّل ما عرفت فيه سفهك و خفة حلمك قطعك على هذا الحسيب الشريف سيّد قومه منطقه ثمّ عنيت بعد فيما لا علم لك به فقد كذبت و لومت أيّها الأعرابي الجلف الجافى فى كلّ ما ذكرت و وصفت انصرفوا من عندى فانّه ليس بيني و بينكم إلّا السيف و غضب.
و خرج القوم و شبث يقول أفعلينا تهول بالسيف اقسم باللّه ليعجلن بها إليك فأتوا عليّا و أخبروه بالّذى كان من قوله و ذلك في ذى الحجة.
فاخذ عليّ عليه السّلام يأمر الرجل ذا الشرف فيخرج معه جماعة و يخرج إليه من أصحاب معاوية آخر معه جماعة فيقتلان في خيلهما و رجالهما ثمّ ينصرفان و أخذوا يكرهون أن يلقوا بجمع أهل العراق أهل الشام لما يتخوفون أن يكون في ذلك من الاستئصال و الهلاك فكان على عليه السّلام يخرج مرة الأشتر و مرّة حجر بن عدى الكندى و مرّة شبث بن ربعي و مرة خالد بن المعمر و مرة زياد بن النضر الحارثي و مرة زياد بن خصفة التيمى و مرة سعيد بن قيس و مرة معقل بن قيس الرياحىّ و مرة قيس بن سعد و كان أكثر القوم خروجا اليهم الأشتر.
و كان معاوية يخرج اليهم عبد الرحمن بن خالد المخزومى و أبا الاعور السلمي و مرة حبيب بن مسلمة الفهرى و مرة ابن ذى الكلاع الحميرى و مرة عبيد اللّه بن
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 232
عمر بن الخطاب و مرة شرحبيل بن السمط الكندى و مرة حمزة بن مالك الهمدانى فاقتتلوا من ذى الحجة كلّها و ربما اقتتلوا فى اليوم الواحد مرتين اوله و آخره.
قال أبو مخنف: حدّثنى عبد اللّه بن عامر الفائشى قال حدّثنى رجل من قومى أن الأشتر خرج يوما يقاتل بصفين في رجال من القراء و رجال من فرسان العرب فاشتدّ قتالهم فخرج علينا رجل و اللّه لقلّ ما رأيت رجلا قط هو اطول و لا أعظم منه فدعا إلى المبارزة فلم يخرج اليه احد إلا الأشتر فاختلفا ضربتين فضربه الأشتر فقتله و ايم اللّه لقد كنا اشفقنا عليه و سألناه ألا يخرج اليه فلما قتله الأشتر نادى مناد من أصحابه.
يا سهم سهم ابن أبى العيزار يا خير من نعلمه من زار
و زاره حى من الازد و قال اقسم باللّه لأقتلن قاتلك او ليقتلنى فخرج فحمل على الأشتر و عطف عليه الأشتر فضربه فاذا هو بين يدي فرسه و حمل عليه أصحابه فاستنقذوه جريحا فقال أبو رفيقة الفهمى هذا كان نارا فصادف إعصارا و اقتتل النّاس ذا الحجة كلّها فلما انقضى ذو الحجة تداعى النّاس إلى أن يكف بعضهم عن بعض المحرم لعل اللّه أن يجرى صلحا او اجتماعا فكف بعضهم عن بعض. و حج بالنّاس في هذه السنة عبد اللّه بن العباس بن عبد المطلب بأمر على عليه السّلام اياه بذلك.
ثمّ دخلت سنة سبع و ثلاثين فكان في أوّل شهر منها و هو المحرم موادعة الحرب بين على عليه السّلام و معاوية قدتوا دعا على ترك الحرب فيه إلى انقضائه طمعا في الصلح.
قال المسعودى في مروج الذهب: و لما كان أوّل يوم من ذى الحجة بعد نزول على عليه السّلام هذا الموضع بيومين بعث إلى معاوية يدعوه إلى اتحاد الكلمة و الدخول في جماعة المسلمين و طالت المراسلة بينهما فاتفقوا على الموادعة إلى آخر المحرم في سنة سبع و ثلاثين و امتنع المسلمون عن الغزو في البحر و البرّ لشغلهم بالحروب و قد كان معاوية صالح ملك الروم على مال يحمله اليه لشغله بعلى عليه السّلام و لم يتم بين علىّ و معاوية صلح على غير ما اتفقا عليه من الموادعة في المحرم و عزم القوم على الحرب
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 233
بعد انقضاء المحرم ففي ذلك يقول حابس بن سعد الطائي صاحب راية معاوية:
فما دون المنايا غير سبع بقين من المحرم او ثمان
و قال أبو جعفر الطبرى: فذكر هشام بن محمّد عن أبي مخنف الازدى قال حدثني سعد ابو المجاهد الطائي عن المحل بن خليفة الطائي قال لما توادع عليّ عليه السّلام و معاوية يوم صفّين اختلف فيما بينهما الرسل رجاء الصلح فبعث على عليه السّلام عديّ بن حاتم و يزيد بن قيس الارحبى و شبث بن ربعى و زياد بن خصفة إلى معاوية فلما دخلوا حمد اللّه عديّ بن حاتم ثمّ قال أمّا بعد فإنا أتيناك ندعوك إلى أمر يجمع اللّه عزّ و جل به كلمتنا و امتنا و يحقن به الدماء و يأمن به السبل و يصلح به ذات البين إن ابن عمك سيد المسلمين أفضلها سابقة و أحسنها فى الأسلام أثرا و قد استجمع له النّاس و قد أرشدهم اللّه عزّ و جل بالّذى رأوا فلم يبق احد غيرك و غير من معك فانته يا معاوية لا يصبك اللّه و أصحابك بيوم مثل يوم الجمل.
فقال معاوية كأنك إنّما جئت متهدّدا لم تأت مصلحا هيهات يا عديّ كلا و اللّه إنّى لابن حرب ما يقعقع لى بالشنان أما و اللّه إنّك لمن المجلبين على ابن عفان و إنّك لمن قتلته و إنّي لأرجو أن تكون ممن يقتل اللّه عزّ و جل به هيهات يا عدى ابن حاتم قد حلبت بالسّاعد الاشد.
فقال له شبث بن ربعى و زياد بن خصفة و تنازعا جوابا واحدا أتيناك فيما يصلحنا و إياك فأقبلت تضرب لنا الامثال دع ما لا ينتفع به من القول و الفعل واجبنا فيما يعمنا و إياك نفعه.
و تكلم يزيد بن قيس فقال إنا لم نأتك إلا لنبلغك ما بعثنا به إليك و لنؤدى عنك ما سمعنا منك و نحن على ذلك لم ندع أن ننصح لك و أن نذكر ما ظننا أن لنا عليك حجة و أنك راجع به إلى الالفة و الجماعة إن صاحبنا من قد عرفت و عرف المسلمون فضله و لا أظنه يخفى عليك إن أهل الدين و الفضل لن يعدلوا بعلىّ عليه السّلام و لن يميلوا بينك و بينه فاتّق اللّه يا معاوية و لا تخالف عليّا عليه السّلام فانا و اللّه ما رأينا رجلا قط اعمل بالتقوى و لا ازهد فى الدنيا و لا اجمع لخصال الخير كلها منه.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 234
فحمد اللّه معاوية و أثنى عليه ثمّ قال: أمّا بعد فانكم دعوتم إلى الطاعة و الجماعة فأمّا الجماعة الّتي دعوتم إليها فمعنا هى و أمّا الطاعة لصاحبكم فانا لا نراها إن صاحبكم قتل خليفتنا و فرق جماعتنا و آوى ثأرنا و قتلتنا و صاحبكم يزعم انه لم يقتله فنحن لا نرد ذلك عليه أرايتم قتلة صاحبنا ألستم تعلمون انهم أصحاب صاحبكم فليدفعهم الينا فلنقتلهم به ثمّ نحن نجيبكم إلى الطاعة و الجماعة.
فقال له شبث أيسرّك يا معاوية أنك أمكنت من عمار تقتله؟ فقال معاوية و ما يمنعني من ذلك و اللّه لو أمكنت من ابن سميّة ما قتلته بعثمان و لكن كنت قاتله بناتل مولى عثمان.
أقول: عمار هذا هو أبو اليقظان عمار بن ياسر رضى اللّه عنه و هو من خيار أصحاب النّبي صلّى اللّه عليه و آله الّذي قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فيه: ان عمارا ملىء إيمانا من قرنه إلى قدمه و اختلط الايمان بلحمه و دمه. و جلالة قدره و كثرة ثباته و استقامته في الدين مما لا يخفى على احد.
و سمية «على التصغير» رضي اللّه عنها كانت امه و هي ممن عذب في اللّه بل ذكر بقلة الاثار إن أول شهيد استشهد فى الاسلام ام عمار سمية طعنها أبو جهل بطعنة في قبلها او قلبها. و إنّما قال شبث لمعاوية أيسرك أنك امكنت من عمار تقتله، لأن النّبي صلّى اللّه عليه و آله قال فيه إنّما تقتلك الفئة الباغية. و هذا هو المنقول عن الفريقين بلا كلام فكانما شبث قال لمعاوية أنت تعلم ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال فيه كذا أ فترضى أن تكون أنت و قومك الفئة الباغية و تحب ان تكونوا منهم و قاتل عمار بنصّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الفئة الباغيه.
فاجابه معاوية بقوله لو امكنت من ابن سمية يعنى عمارا ما قتلته بدل عثمان بل كنت قاتله بدل ناتل مولى عثمان يعنى ان عمارا لا يليق ان يقتل بدل عثمان بل بدل مولاه.
فانظر ايها البصير في الامور في قساوة معاوية و تجرّيه و هتكه و فظاظته كيف يعترف ببغيه و عناده على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و مع ذلك ينسبه إلى الدّين و يعرّفه خليفة المسلمين و أمير المؤمنين.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 235
و البصير في السير يعلم أن عليّا عليه السّلام لم يكن في قتل عثمان شريكا بل كان ناهيا عن ذلك و قال غير واحد من نقلة الاثار من الفريقين إنّه عليه السّلام كان ينهى النّاس عن قتله و سيجيء الكلام فيه في محله و إنّما معاوية لم يجد شيئا يستغوى به النّاس و يستميل به اهوائهم و تستخلص به طاعتهم إلّا قوله: قتل إمامكم عثمان مظلوما فنحن نطلب بدمه.
و سيأتى من عمار رحمه اللّه كما فى تاريخ الطبرى حيث يقول عمار لقوم معاوية في صفين: و لم يكن للقوم سابقة في الاسلام يستحقون بها طاعة النّاس و الولاية عليهم فخدعوا أتباعهم أن قالوا إمامنا قتل مظلوما ليكونوا بذلك جبابرة ملوكا و تلك مكيدة بلغوا بها ما ترون و لو لا هى ما تبعهم من النّاس رجلان.
و يأتي ترجمة عمار و أبوه ياسر و امّه سمية و نسبه و قتله في سبيل اللّه عن قريب فلنعد إلى القصة.
فقال له شبث و إله الأرض و إله السماء اما عدلت معتدلا لا و الّذى لا إله إلا هو لا تصل إلى عمار حتّى تندر الهام عن كواهل الأقوام و تضيق الأرض الفضاء عليك برحبها.
فقال له معاوية انه لو قد كان ذلك كانت الأرض عليك اضيق. و تفرق القوم عن معاوية فلما انصرفوا بعث معاوية إلى زياد بن خصفة التيمى فخلا به فحمد اللّه و اثنى عليه و قال أمّا بعد يا أخا ربيعة فإن عليّا قطع ارحامنا و آوى قتلة صاحبنا «يعنى بالصاحب عثمان» و إنى أسألك النصر عليه باسرتك و عشيرتك ثمّ لك عهد اللّه جل و عزّ و ميثاقه أن اوليك إذا ظهرت «اى غلبت» اى المصرين احببت.
قال الطبرى قال أبو مخنف فحدثنى سعد أبو المجاهد عن المحل بن خليفة قال سمعت زياد بن خصفة يحدّث بهذا الحديث قال فلما قضى معاوية كلامه حمدت اللّه عزّ و جل و اثنيت عليه ثمّ قلت: أما بعد فانى على بينة من ربّي و بما انعم علىّ فلن اكون ظهيرا للمجرمين ثمّ قمت.
فقال معاوية لعمرو بن العاص و كان إلى جنبه جالسا يكلم رجل منا رجلا
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 236
منهم فيجيب إلى خير مالهم عضبهم اللّه بشر ما قلوبهم إلّا كقلب رجل واحد.
قال الطبرى قال أبو مخنف فحدّثنى سليمان بن راشد الأزدى عن عبد الرحمن ابن عبيد أبى الكنود أن معاوية بعث إلى علىّ عليه السّلام حبيب بن مسلمة الفهرى و شرحبيل ابن السمط و معن بن يزيد بن الأخنس فدخلوا عليه و أنا عنده فحمد اللّه حبيب و أثنى عليه ثمّ قال أما بعد فان عثمان بن عفان كان خليفة مهديا يعمل بكتاب اللّه عزّ و جل و ينيب إلى أمر اللّه تعالى فاستثقلتم حياته و استبطأتم وفاته فعدوتم عليه فقتلتموه فادفع الينا قتلة عثمان إن زعمت أنّك لم تقتله نقتلهم به ثمّ اعتزل أمر النّاس فيكون امرهم شورى بينهم يولى الناس امرهم من اجمع عليه رأيهم.
فقال له علىّ بن أبي طالب عليه السّلام و ما أنت لا ام لك و العزل و هذا الأمر اسكت فإنك لست هناك و لا بأهل له.
فقام و قال له و اللّه لترينى بحيث تكره.
فقال عليّ عليه السّلام و ما أنت و لو اجلبت بخيلك و رجلك لا أبقى اللّه عليك إن أبقيت علىّ أحقره و سوءا اذهب فصوّب و صعّد ما بدا لك.
و قال شرحبيل بن السمط إنّي إن كلمتك فلعمرى ما كلامى إلا مثل كلام صاحبى قبل فهل عندك جواب غير الّذي أجبته به؟.
فحمد اللّه و أثنى عليه ثمّ قال: أمّا بعد فان اللّه جلّ ثناؤه بعث محمّدا صلّى اللّه عليه و آله بالحق فانقذ به من الضلالة و انتاش به من الهلكة و جمع به من الفرقة ثمّ قبضه اللّه اليه و قد أدّى ما عليه صلّى اللّه عليه و آله ثمّ استخلف النّاس أبا بكر و استخلف أبو بكر عمر فأحسنا السيرة و عدلا في الامة و قد وجدنا عليهما أن توليا علينا و نحن آل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فغفرنا ذلك لهما و ولي عثمان فعمل بأشياء عابها الناس عليه فساروا اليه فقتلوه ثمّ أتاني الناس و أنا معتزل امورهم فقالوا لي بايع فأبيت عليهم فقالوا لى بايع فان الامة لا ترضى إلا بك و إنا نخاف إن لم تفعل أن يفترق النّاس فبايعتهم فلم يرعنى إلا شقاق رجلين قد بايعانى و خلاف معاوية الّذي لم يجعل اللّه عزّ و جل له سابقة في الدّين و لا سلف صدق فى الاسلام طليق ابن طليق حزب من هذه الاحزاب لم يزل للّه عزّ و جل
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 237
و لرسوله صلّى اللّه عليه و آله و للمسلمين عدو هو و ابوه حتّى دخلا فى الاسلام كارهين فلا غرو إلا خلافكم معه و انقيادكم له و تدعون آل نبيكم صلّى اللّه عليه و آله الّذين لا ينبغي لكم شقاقهم و لا خلافهم و لا أن تعدلوا بهم من النّاس أحدا ألا أني أدعوكم إلى كتاب اللّه عز و جل و سنة نبيه صلّى اللّه عليه و آله و إماتة الباطل و إحياء معالم الدين أقول قولي هذا و أستغفر اللّه لي و لكم و لكل مؤمن و مؤمنة و مسلم و مسلمة.
أقول كلامه عليه السّلام هذا ليس في نهج البلاغة و كم له عليه السّلام من كلام لم يأت به الرضيّ رضوان اللّه عليه في النهج و لم يعثر عليه و هو (ره) معترف بذلك حيث يقول في مقدمته على النهج: مفضّلا فيه اوراقا لتكون مقدمة لاستدراك ما عساه يشذّ عنّي عاجلا و يقع إليّ آجلا. و لنعد إلى القصّة:
فقال شرحبيل أ تشهد أن عثمان قتل مظلوما؟ فقال عليه السّلام لهما لا اقول انّه قتل مظلوما و لا انّه قتل ظالما قالا فمن لم يزعم أن عثمان قتل مظلوما فنحن منه برآء ثمّ قاما فانصرفا فقال علىّ عليه السّلام: «إنّك لا تسمع الموتى و لا تسمع الصم الدعاء إذا و لوا مدبرين. و ما أنت بهادى العمى عن ضلالهم إن تسمع إلّا من يؤمن باياتنا فهم مسلمون».
ثمّ أقبل علىّ عليه السّلام على أصحابه فقال لا يكون هؤلاء أولى بالجد في ضلالهم منكم بالجد في حقكم و طاعة ربّكم.
«تكتيب الكتائب و تعبية الناس للقتال»:
و مكث النّاس حتّى إذا دنا انسلاخ المحرم أمر على عليه السّلام مرثد بن الحارث الجشمي فنادى أهل الشام عند غروب الشمس ألا إن أمير المؤمنين يقول لكم إنّي قد استدمتكم لتراجعوا الحقّ و تنيبوا اليه و احتججت عليكم بكتاب اللّه عزّ و جل فدعوتكم إليه فلم تناهوا عن طغيان و لم تجيبوا إلى حقّ و إنّي قد نبذت إليكم على سواء إن اللّه لا يحب الخائنين.
ففزع أهل الشام إلى امرائهم و رؤسائهم و خرج معاوية و عمرو بن العاص في
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 238
النّاس يكتّبان الكتائب و يعبّيان النّاس و اوقدوا النيران و بات على عليه السّلام ليلته كلها يعبّى النّاس و يكتب الكتائب و يدور في الناس يحرضهم.
قال الطبرى قال أبو مخنف و حدثني إسماعيل بن يزيد عن أبي صادق عن الحضرمي قال سمعت عليّا يحرض النّاس في ثلاثة مواطن يحرض النّاس يوم صفين و يوم الجمل و يوم النهر، يقول: عباد اللّه اتقوا اللّه و غضوا الابصار و اخفضوا الأصوات و اقلوا الكلام و وطّنوا أنفسكم على المنازلة و المجاولة و المبارزة و المناضلة و المبالدة و المعانقة و المكارمة الملازمة فاثبتوا و اذكروا اللّه كثيرا لعلكم تفلحون و لا تنازعوا فتفشلوا و تذهب ريحكم و اصبروا إن اللّه مع الصابرين اللهم الهمهم الصبر و انزل عليهم النصر و أعظم لهم الأجر فاصبح عليّ عليه السّلام من الغد فبعث على الميمنة و الميسرة و الرجالة و الخيل.
قال أبو مخنف فحدثني فضيل بن خديج الكندي أن عليا بعث على خيل أهل الكوفة الأشتر و على خيل أهل البصرة سهل بن حنيف و على رجالة أهل الكوفة عمار بن ياسر و على رجالة أهل البصرة قيس بن سعد و هاشم بن عتبة معه رايته و مسعر ابن فدكى التميمي على قرّاء أهل البصرة و صار أهل الكوفة إلى عبد اللّه بن بديل و عمار بن ياسر.
قال أبو مخنف و حدثني عبد اللّه بن يزيد بن جابر الازدي عن القاسم مولى يزيد ابن معاوية أنّ معاوية بعث على ميمنته ابن ذي الكلاع الحميري، و على ميسرته حبيب بن مسلمة الفهري، و على مقدمته يوم اقبل من دمشق أبا الاعور السلمي و كان على خيل أهل دمشق، و عمرو بن العاص على خيول أهل الشام كلّها، و مسلم بن عقبة المريّ على رجالة أهل دمشق، و الضحاك بن قيس على رجالة النّاس كلها و بايع رجال من أهل الشام على الموت فعقلوا أنفسهم بالعمائم فكان المعقلون خمسة صفوف و كانوا يخرجون و يصفون عشرة صفوف و يخرج أهل العراق أحد عشر صفا
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 239
فخرجوا أول يوم من صفر «1» فاقتتلوا و على من خرج يومئذ من أهل الكوفة الاشتر و على أهل الشام حبيب بن مسلمة الفهري و ذلك يوم الاربعاء فاقتتلوا قتالا شديدا جل النهار ثم تراجعوا و قد انتصف بعضهم من بعض.
«اليوم الثاني»:
فلما كان يوم الخميس و هو اليوم الثاني من صفر، أخرج عليّ عليه السّلام هاشم بن عتبة بن أبي وقاص الزهري المرقال في خيل و رجال حسن عددها و عدتها و هو ابن أخي سد بن أبي وقاص و انما سمى المر قال لانه كان يرقل في الحرب و كان أعور ذهبت عينه يوم اليرموك و كان من شيعة عليّ عليه السّلام، فاخرج إليه معاوية أبا الاعور السلمي و هو سفيان بن عوف و كان من شيعة معاوية و المنحرفين عن عليّ عليه السّلام و كان بينهم الحرب سجالا يحمل الخيل على الخيل و الرّجال على الرّجال و انصرفوا في آخر يومهم عن قتلي كثير.
«اليوم الثالث»:
و أخرج عليّ عليه السّلام في اليوم الثالث من صفر و هو يوم الجمعة أبا اليقظان عمار بن ياسر رضوان اللّه عليه في عدّة من البدريين و غيرهم من المهاجرين و الأنصار فيمن شرع معهم من الناس، و أخرج إليه معاوية عمرو بن العاص في تنوخ و نهر و غيرهما من أهل الشام فاقتتل الناس كأشد القتال و أخذ عمار يقول: يا أهل العراق أ تريدون أن تنظروا إلى من عادى اللّه و رسوله و جاهدهما و بغى على المسلمين و ظاهر المشركين فلما رأى اللّه عزّ و جلّ يعزّ دينه و يظهر رسوله أتى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فاسلم و هو فيما نرى راهب غير راغب ثمّ قبض اللّه عزّ و جل رسوله صلّى اللّه عليه و آله فو اللّه إن زال بعده معروفا بعداوة المسلم و هوادة المجرم فأثبتوا له و قاتلوه فإنه يطفىء نور اللّه و يظاهر اعداء اللّه عزّ و جل.
______________________________
(1) في تاريخ الطبرى: فخرجوا أول يوم من صفين. و الظاهر انه صحف من النساخ صفر بصفين و فى مروج الذهب و كتاب نصر بن مزاحم و تاريخ الطبرى و غيرها ما زبر فى المتن.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 240
أقول: الظاهر ان كلمه إن في قوله إن زال نافية اى ما زال، ثم نقول قد مضى الكلام منا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في حق عمار انه ملىء ايمانا من قرنه إلى قدمه الحديث فهو صادق مصدق في قوله ان معاوية كان كذا و كذا و ان اسلامه لم يكن عن رغبة بل عن رهبة لانه لما رأى اللّه عزّ و جلّ يعز دينه و يظهر رسوله اتى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فأسلم و لما آخى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بين نفر من أصحابه من المهاجرين آخى بين معاوية بن أبي سفيان و الحتات بن يزيد المجاشعي فمات الحتات عند معاوية في جلافته فأخذ معاوية ما ترك وارثة بهذه الاخوة فقال الفرزدق لمعاوية.
أبوك و عمّى يا معاوى أورثا تراثا فيحتاز التراث أقاربه
فما بال ميراث الحتات أكلته و ميراث حرب جامد لك ذائبه
و كذا كان اسلام أبيه أبي سفيان عن رهبة من المسلمين و لم يؤمن واقعا و ما نقلنا من عمار في معاوية نقله أبو جعفر الطبري في تاريخه و غير واحد من حملة الاخبار و نقلة الاثار.
فالعجب من شرذمة من المسلمين قائلين بانا نتوقف في معاوية و لا نقول فيه شيئا بل نرى عن قوم بله فى تصانيفهم يترحمون له و يذكرونه بالخير و الرحمة، نعم من لم يجعل اللّه له نورا فماله من نور، و سيأتي من عمّار رحمه اللّه فى هؤلاء السفهاء كلام آخر، فلنعد إلى القصة.
فكان مع عمار زياد بن النضر على الخيل فامره أن يحمل فى الخيل فحمل و قاتله النّاس و صبروا له و شد عمار فى الرجال فازال عمرو بن العاص عن موقفه و بارز يومئذ زياد بن النضر أخا له لامه يقال له عمرو بن معاوية المنتفق بن عامر بن عقيل و كانت امهما امرأة من بنى يزيد فلما التقيا تعارفا فتوافقا ثمّ انصرف كل واحد منهما عن صاحبه و تراجع الناس.
«اليوم الرابع»:
و أخرج على عليه السّلام فى اليوم الرابع من صفر و هو يوم السبت، ابنه محمّد ابن
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 241
الحنفية فى همدان و غيرها ممن خف معه من الناس فأخرج إليه معاوية عبيد اللّه بن عمر بن الخطاب فى حمير و لخم و جذام فاقتتلوا كأشد القتال.
أقول: انما اشتهر محمّد بن علىّ عليه السّلام بابن الحنفية لان امّه كانت خولة الحنفية و حنيفة كان جدّها الاعلى و هى خولة بنت جعفر بن قيس بن مسلمة بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة بن الدؤل بن حنيفة بن لجيم بن صعب بن على بن بكر ابن وائل.
و قال الشارح المعتزلي في الجزء الأوّل من شرحه: و اختلف في امر خولة فقال قوم انها سبية من سبايا الردّة قوتل أهلها على يد خالد بن الوليد في أيام أبى بكر لما منع كثير من العرب الزكاة و ارتدت بنو حنيفة و ادعت نبوة مسيلمة و ان أبا بكر دفعها إلى عليّ عليه السّلام من سهمه في المغنم.
و قال قوم منهم أبو الحسن عليّ بن محمّد بن سيف المدائني هي سبية في أيام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قالوا بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عليّا عليه السّلام إلى اليمن فاصاب خولة في بني زبيد و قد ارتدوا مع عمر بن معدى كرب و كانت زبيد سبّتها من بني حنيفة في غارة لهم عليهم فصارت في سهم عليّ عليه السّلام فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ان ولدت منك غلاما فسمّه باسمى و كنّه بكنيتي فولدت له بعد موت فاطمة عليها السلام محمّدا فكنّاه أبا القاسم.
و قال قوم و هم المحققون و قولهم الاظهر ان بني اسد أغارت على بني حنيفة في خلافة أبي بكر فسبوا خولة بنت جعفر و قدموا بها المدينة فباعوها من على عليه السّلام و بلغ قومها خبرها فقدموا المدينة على عليّ عليه السّلام فعرفوها و اخبروه بموضعها منهم فاعتقها و مهرها و تزوّجها فولدت له محمّد فكنّاه أبا القاسم و هذا القول هو اختيار أحمد ابن يحيى البلاذرى في كتابه المعروف بتاريخ الأشراف.
دفع أمير المؤمنين عليه السّلام يوم الجمل رايته إلى ابنه محمّد ابن الحنفية و قد استوت الصفوف و قال له احمل فتوقف قليلا فقال له احمل فقال يا أمير المؤمنين أما ترى السهام كانها شابيب المطر فدفع في صدره فقال ادركك عرق من امّك ثمّ أخذ الراية فهزّها ثمّ قال:
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 242
اطعن بها طعن أبيك تحمد لا خير في الحرب إذا كم توقد
بالمشر في و القنا المسدّد
و في مادة «حنف» من سفينة البحار: و قريب منه ما في المجلي لابن أبى جمهور الاحسائى لما حضرت السبى و قد ادخلت الحنفية فيمن ادخل عدلت إلى تربة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فرنّت رنة و زفرت زفرة و اعلنت بالبكاء و النحيب تشكو اليها ذلّ الاسر.
و قالت يا رسول اللّه نشكو اليك افعال هؤلاء القوم سبونا من غير ذنب و نحن مسلمون.
ثمّ قالت أيها النّاس لم سبيتمونا و نحن نشهد أن لا إله إلّا اللّه و أن محمّدا رسول اللّه؟
فقال أبو بكر منعتم الزكاة فقال ليس الأمر على ما زعمت وهب الرجال منعوكم الزكاة فما بال النساء المسلمات تسبين.
ثمّ ذهب اليها طلحة و خالد يرميان بالتزويج إليها ثوبين فقالت لست بعريانة فتكسونى قيل انهما يريدان ان يتزايدا عليك فايّهما زاد على صاحبه اخذك من السبى قالت هيهات و اللّه لا يكون ذلك ابدا و لا يملكني و لا يكون لى ببعل إلّا من يخبرني بالكلام الّذي قتله ساعة خرجت من بطن امّى فسكت النّاس ينظر بعضهم إلى بعض و أخذ طلحة و خالد ثوبيهما و جلست الحنفيّة ناحية من القوم فدخل علىّ ابن أبي طالب عليه السّلام فذكروا له حالها فقال هى صادقة فيما قالت و كان حالها و قصّتها كيت و كيت فى حال ولادتها و كلّ ذلك مكتوب على لوح معها فرمت باللوح اليهم لما سمعت كلامه عليه السّلام فقراوها على ما حكى أمير المؤمنين عليه السّلام لا يزيد حرفا و لا ينقص فقال أبو بكر خذها يا أبا الحسن بارك اللّه لك فيها فبعث علىّ عليه السّلام خولة إلى أسما بنت عميس قال لها خذى هذه المرأة و اكرمى مثواها فلم تزل خولة عندها إلى ان قدم اخوها فتزوّجها أمير المؤمنين عليه السّلام. انتهى و القصة بالتفصيل مذكورة فى المجلى فراجع. «1» و لا يخفى ان فى صحة هذا النقل الاخير كلاما و لو سلمنا و لا يبعدان يقال ان فيه بعض
______________________________
(1) ص 425 طبع طهران عاصمة ايران سنة 1329 ه ق.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 243
زيادات كتكلّمها حين ولادتها و يمكن أن يكون فيها علامات ذكرها علىّ عليه السّلام فحرّف إلى هذه الصورة و اللّه تعالى اعلم.
فائدة ادبية:
تكتب الف الوصل من «ابن» خطّا فى سبعة مواضع الأوّل إذا اضيف إلى مضمر كقولك هذا ابنك. الثاني إذا نسب الى الاب الأعلى كقولك محمّد ابن شهاب التابعى فشهاب جدّ جدّه. الثالث إذا اضيف إلى غير أبيه كقولك المقداد ابن الاسود، أبوه الحقيقى عمرو و الاسود جدّه و كقولك محمّد ابن الحنفية فعلى عليه السّلام أبوه و الحنفية امّه على البيان الّذي دريت الرابع إذا عدل به عن الصفة إلى الخبر كقولك اظن زيدا ابن عمرو. الخامس إذا عدل به عن الصفة إلى نحو الاستفهام كقولك هل تميم ابن عمرو. السادس إذ اثنى كقولك زيد و عمرو ابنا محمّد. السابع إذا ذكرته دون اسم قبله كقولك جائنى ابن عبد اللّه.
و فى ما عداها تسقط الالف بين العلمين خطّا كما تسقط لفظا مطلقا إلّا ما اصطلح فى المطابع من انّه إذا وقعت كلمة ابن أوّل السطر تكتب الفها مطلقا، فلنعد إلى القصة.
ثمّ ان عبيد اللّه بن عمر أرسل إلى ابن الحنفية أن اخرج إلىّ فقال نعم ثمّ خرج يمشى فبصر به أمير المؤمنين عليه السّلام فقال من هذان المبارزان؟ فقيل ابن الحنفية و عبيد اللّه بن عمر فحرّك دابته ثمّ نادى محمّدا فوقف له فقال أمسك دابتي فامسكها ثمّ مشي اليه عليّ عليه السّلام فقال أبرز لك هلم اليّ فقال ليست لي في مبارزتك حاجة فقال بلى فقال لا فرجع ابن عمر فاخذ ابن الحنفيّة يقول لأبيه يا أبت لم منعتنى من مبارزته فو اللّه لو تركتنى لرجوت أن أقتله فقال لو بارزته لرجوت أن تقتله و ما كنت آمن أن يقتلك فقال يا أبت أو تبرز لهذا الفاسق و اللّه لو أبوه سألك المبارزة لرغبت بك عنه فقال عليّ عليه السّلام يا بنى لا تقل فيه إلّا خيرا.
ثمّ إن الناس تجاجزوا و تراجعوا قال المسعودى: فاقتتلوا في ذلك اليوم و كانت على أهل الشام و نجا ابن عمر في آخر النهار هربا.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 244
أقول إنّما لحق عبيد اللّه بن عمر بمعاوية خوفا من عليّ عليه السّلام أن يقيده بالهرمزان و ذلك أن ابا لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة قاتل عمر كان فى أرض العجم غلاما للهرمزان فلما قتل عمر شد عبيد اللّه على الهرمزان فقتله و كذلك قتل جفينة و ابنة أبي لؤلؤة و قال لا أترك بالمدينة فارسيا و لا في غيرها إلّا قتلته و كان الهرمزان عليلا في الوقت الّذي قتل فيه عمر فلما صارت الخلافة إلى علىّ عليه السّلام اراد قتل عبيد اللّه ابن عمر بالهرمزان لقتله إياه ظلما من غير سبب استحقه فلجأ إلى معاوية.
و فى تاريخ الطبرى لما بويع لعثمان بالخلافة دعا عبيد اللّه بن عمرو كان محبوسا في دار سعد بن أبي وقاص و هو الّذي نزع السيف من يده بعد قتله جفينة و الهرمزان و ابنة أبي لؤلؤة و كان يقول و اللّه لأقتلن رجالا ممّن شرك في دم أبي يعرض بالمهاجرين و الأنصار فقام اليه سعد فنزع السيف من يده و جذب شعره حتّى أضجعه إلى الأرض و حبسه في داره حتّى أخرجه عثمان اليه فقال عثمان لجماعة من المهاجرين و الأنصار أشيروا علىّ فى هذا الّذى فتق فى الأسلام ما فتق «يعنى به عبيد اللّه بن عمر» فقال علي عليه السّلام أرى أن تقتله فقال بعض المهاجرين قتل عمر امس و يقتل ابنه اليوم فقال عمرو بن العاص يا أمير المؤمنين إن اللّه قد أعفاك أن يكون هذا الحدث كان و لك على المسلمين سلطان انما كان هذا الحدث و لا سلطان لك. قال عثمان أنا وليهم و قد جعلتها دية و احتملتها فى مالى.
و قال الطبرى باسناده إن عبد الرحمن بن أبى بكر قال غداة طعن عمر مررت على أبي لؤلؤة عشي أمس و معه جفينة و الهرمزان و هم نجى فلما رهقتهم ثاروا و سقط منهم خنجر له رأسان نصابه فى وسطه فانظروا بأي شيء قتل و قد تخلل أهل المسجد و خرج في طلبه رجل من بني تميم فرجع إليهم التميمي و قد كان ألظ بأبي لؤلؤة منصرفه عن عمر حتّي أخذه فقتله و جاء بالخنجر الّذى وصف عبد الرحمن بن أبي بكر فسمع بذلك عبيد اللّه بن عمر فأمسك حتّى مات عمر ثمّ اشتمل على السيف فأتى الهرمزان فقتله فلمّا عضّه السيف قال لا إله إلا اللّه ثمّ مضى حتّى أتى جفينة و كان نصرانيا من أهل الحيرة ظئرا لسعد بن مالك أقدمه إلى المدينة للصلح الّذي بينه و بينهم و ليعلّم بالمدينة الكتابة فلمّا علاه بالسيف صلب بين عينيه و بلغ ذلك صهيبا فبعث
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 245
إليه عمرو بن العاص فلم يزل به و عنه و يقول السيف بأبى و امى حتّى ناوله إياه و ثاوره سعد فأخذ بشعره و جاءوا إلى صهيب.
و قال كتب إلىّ السرى عن شعيب عن سيف عن أبي منصور قال سمعت القماذبان يحدث عن قتل أبيه الهرمزان قال كانت العجم بالمدينة يستروح بعضها إلى بعض فمرّ فيروز «و هو أبو لؤلؤة» بأبى و معه خنجر له رأسان فتناوله منه و قال ما تصنع بهذا فى هذه البلاد فقال أبس به فرآه رجل فلما اصيب عمر قال رأيت هذا مع الهرمزان دفعه إلى فيروز فأقبل عبيد اللّه فقتله فلمّا ولّى عثمان دعانى فأمكننى منه ثمّ قال يا بنى هذا قاتل أبيك و أنت اولى به منا فاذهب فاقتله فخرجت به و ما فى الأرض أحد إلّا معى إلّا أنّهم يطلبون إلى فيه فقلت لهم ألى قتله؟ قالوا نعم و سبوا عبيد اللّه فقلت أفلكم أن تمنعوه؟ قالوا لا و سبوه فتركته للّه و لهم فاحتملونى فو اللّه ما بلغت المنزل إلا على رءوس الرجال و أكفهم.
و فى البحار كما فى السفينة: عبيد اللّه بن عمر قتل هرمزان مولى على عليه السّلام فأراد على عليه السّلام قتله فامتنع عثمان من تسليمه فلمّا صارت الخلافة لعلى عليه السّلام لحق عبيد اللّه بمعاوية و قتل بصفين.
و فيه أيضا قال ابن الأثير فى الكامل و ابن عبد البر فى الاستيعاب و صاحب روضة الأحباب و كثير من أرباب السير: قتل عبيد اللّه بن عمر بأبيه ابنة أبى لؤلؤة و قتل جفينة و الهرمزان و اشار علىّ على عثمان بقتله بهم فأبى.
و قال ابن أبى جمهور الاحسائى فى المجلى: و من قوادح عثمان قصة قتل الهرمزان و ذلك ان الهرمزان كان من عظماء فارس و كان قد اسر فى بعض الغزوات و جيء به إلى المدينة فأخذه على عليه السّلام فاسلم على يديه فاعتقه على عليه السّلام و كان عمر قد منعه من قسمة الفىء فلم يعطه منه شيء بسبب ميله الى على عليه السّلام فلمّا ضرب عمر فى غلس الصبح و اشتبه الأمر فى ضاربه سمع ابنه عبيد اللّه قوم يقولون قتله العلج فظن أنّهم يعنون الهرمزان فبادر عبيد اللّه اليه فقتله قبل أن يموت عمر فسمع عمر بما فعله ابنه فقال قد أخطأ عبيد اللّه إن الّذى ضربنى أبو لؤلؤة و ان عشت لأقيدنه به فان عليا عليه السّلام لا يقبل منه الدية و هو موليه.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 246
فلمّا مات عمر و تولى عثمان طالبه على عليه السّلام بقود عبيد اللّه و قال انّه قتل مولاى ظلما و أنا وليه فقال عثمان قتل بالأمس عمرو اليوم تقتل ابنه حسب آل عمر مصابهم به و امتنع من تسليمه إلى علىّ عليه السّلام و منع عليّا حقه ظلما و عدوانا و لهذا قال على عليه السّلام لئن أمكننى الدهر منه يوما لأقتلنه به.
فلما ولى علىّ عليه السّلام هرب عبيد اللّه منه إلى الشام و التجأ إلى معاوية و خرج معه إلى حرب صفين فقتله علىّ عليه السّلام فى حرب صفين.
فانظر إلى عثمان كيف عطل حق علىّ عليه السّلام و خالف الكتاب و السنة برأيه و اللّه تعالى يقول «وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً» انتهى كلامه.
و لا يخفى على البصير في احكام خاتم النبيين و العارف بشريعة سيد المرسلين ان القصاص يجب أن يكون بمثل ما عمل من الجنس و المقدار و الصفة لانه دين عدل ليقوم الناس بالقسط فلا يجوز معاقبة أحد على وجه المجازاة بأكثر ما جنى. قال عزّ من قائل «فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ» (البقرة الاية 192).
و قال عزّ من قائل: «وَ إِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ» (النحل الاية 128).
قال ابن هشام في السيرة في قتلي احد و تمثيل هند بنت عتبة زوج أبي سفيان بحمزة بن عبد المطلب اسد اللّه و اسد رسوله رضوان اللّه عليه:
إن هندا و النسوة اللاتي معها يمثلن بالقتلى من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يجدّ عن الاذان و الانف حتّى اتخذت هند من آذان الرّجال و انفهم خدما و قلائد و اعطت خدمها و قلائدها و قرطها وحشيّا غلام جبير بن مطعم قاتل حمزة رضوان اللّه عليه و بقرت عن كبد حمزة فلاكتها فلم تستطع أن تسيغها فلفظتها، إلى أن قال:
و خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يلتمس حمزة بن عبد المطلب فوجده ببطن الوادى قد بقر بطنه عن كبده و مثّل به فجدع أنفه و اذناه، إلى أن قال:
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حين رأى ما رأى و لئن أظهرني اللّه على قريش في موطن من المواطن لامثلنّ بثلاثين رجلا منهم فلمّا رأى المسلمون حزن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و غيظه على من فعل بعمّه ما فعل قالوا و اللّه لئن أظفرنا اللّه بهم يوما من الدهر لنمثّلن
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 247
بهم مثلة لم يمثّلها احد من العرب، إلى أن قال: إنّ اللّه عزّ و جل أنزل في ذلك من قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قول أصحابه «وَ إِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَ لَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ. وَ اصْبِرْ وَ ما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَ لا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَ لا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ» فعفا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و صبر و نهى عن المثلة.
و في مجمع البيان: قال المسلمون لئن أمكننا اللّه منهم لنمثلن بالأحياء فضلا عن الأموات فنزلت الاية. و قيل إن الاية عامة في كلّ ظلم كغصب أو نحوه فانما يجازى بمثل ما عمل.
و في تفسير الصافى للفيض (ره) و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انّه قال يوم احد من له علم بعمّى حمزة فقال الحرث الصمت أنا أعرف موضعه فجاء حتّى وقف على حمزة فكره أن يرجع إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فيخبره فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لأمير المؤمنين عليه السّلام يا على اطلب عمّك فجاء على عليه السّلام فوقف على حمزة فكره أن يرجع إليه فجاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حتّى وقف عليه فلما رأى ما فعل به بكى ثمّ قال ما وقفت موقفا قط اغيظ علىّ من هذا المكان لئن أمكننى اللّه من قريش لامثّلن سبعين رجلا منهم فنزل عليه جبرئيل عليه السّلام فقال و ان عاقبتم الاية.
و العياشى عن الصادق عليه السّلام لما رأي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما صنع بحمزة بن عبد المطلب قال اللّهم لك الحمد و اليك المشتكى و انك المستعان على ما نرى ثمّ قال لئن ظفرت لامثلن و امثلن قال فانزل اللّه و إن عاقبتم الاية.
و بالجملة و عبيد اللّه بن عمر لم يكن في قتل الهرمزان و جفينة و ابنة أبي لؤلؤة بمصاب و ما عمله إلّا التجاوز عن النهج القويم و المخالف عن الكتاب الكريم و عليه أن يعاقب أبا لؤلؤة بمثل ما عوقب به فقط مع أن فيروز أبا لؤلؤة لما طعن عمر نحر نفسه وقتئذ أيضا كما قال المسعودى في مروج الذهب: أخذ خنجرا فاشتمل عليه ثمّ قعد لعمر في زاوية من زوايا المسجد في الغلس و كان عمر يخرج في السحر فيوقظ الناس فمرّ به فثار إليه فطعنه ثلاث طعنات إحداهنّ تحت سرّته و هي
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 248
الّتي قتلته و طعن إثنى عشر رجلا من أهل المسجد فمات منهم ستة و بقي ستة و نحر نفسه بخنجره فمات فأني لابن عمر أن يقتل غير واحد من الناس.
قال الطبرى: و كان رجل من الأنصار يقال له زياد بن لبيد البياضي إذا رأى عبيد اللّه بن عمر قال:
الا يا عبيد اللّه مالك مهرب و لا ملجأ من ابن أروى و لا خفر
اصبت دما و اللّه في غير حلّه حراما و قتل الهرمزان له خطر
على غير شيء غير أن قال قائل أ تتهمون الهرمزان على عمر
فقال سفيه و الحوادث جمة نعم أتّهمه قد أشار و قد أمر
و كان سلاح العبد في جوب بيته يقلّبها و الأمر بالأمر يعتبر
فشكا عبيد اللّه بن عمر إلى عثمان زياد بن لبيد و شعره فدعا عثمان زياد بن لبيد فنهاه فأنشأ زياد يقول في عثمان:
أبا عمرو عبيد اللّه رهن فلا تشكك بقتل الهرمزان
فانك إن غفرت الجرم عنه و أسباب الخطا فرسا رهان
أ تعفو إذ عفوت بغير حقّ فمالك بالّذي تحكى يدان
فدعا عثمان زياد بن لبيد فنهاه و شذبه.
ثمّ إن الهرمزان كان ملك فارس و فى تاريخ الطبرى كان الهرمزان أحد البيوتات السبعة في أهل فارس و كانت أمته مهر جان قذق و كور الأهواز فهولاء بيوتات دون سائر أهل فارس، و الهرمزان انهزم في خلافة عمر من المسلمين غير مرة و نقض العهد كلّ مرة و حارب المسلمين إلى أن حاصره و جنده المسلمون في قلعة بتستر فأخذوه و شدوه وثاقا على التفصيل الّذى ذكر في السير و التواريخ فاتوا به في المدينة عند عمر و قال له عمر ما عذرك و حجتك في انتقاضك مرة بعد مرة فقال أخاف أن تقتلني قبل أن اخبرك. قال: لا تخف ذلك و استسقى ماء فاتى به في قدح غليظ فقال لومت عطشا لم أستطع أن أشرب في مثل هذا فاتى به في إناء يرضاه فجعلت يده ترجف و قال إني أخاف أن اقتل و أنا أشرب الماء. فقال عمر لا بأس عليك حتّى تشربه فأكفاه
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 249
فقال عمر أعيدوا عليه و لا تجمعوا عليه القتل و العطش فقال لا حاجة لي في الماء إنّما اردت أن أستأمن به فقال له عمر إني قاتلك قد آمنتني. قال خدعتني إن للمخدوع في الحرب حكمه لا و اللّه لا او منك حتى تسلم فايقن أنّه القتل أو الاسلام فأسلم ففرض له على الفين و أنزله المدينة.
و فى البحار نقلا عن المناقب كما فى سفينة البحار: أن عمر اراد قتل الهرمزان فاستسقى فاتى بقدح فجعل ترعديده فقال له فى ذلك فقال إنّى خائف أن تقتلنى قبل أن أشربه فقال اشرب و لا بأس عليك فرمى القدح من يده فكسره فقال ما كنت لأشربه أبدا و قد أمنتنى فقال قاتلك اللّه لقد أخذت أمانا و لم اشعر به.
ثمّ قال و فى روايتنا أنه شكى ذلك إلى أمير المؤمنين عليه السّلام فدعا اللّه تعالى فصار القدح صحيحا مملوّا من الماء فلمّا رأى الهرمزان المعجز أسلم.
و أبو لؤلؤة كان اسمه فيروز و لقبه بابا شجاع الدين و كان النهاوندى الأصل و المولد و تنوزع فى مذهبه.
قال المسعودى فى مروج الذهب: و كان عمر لا يترك احدا من العجم يدخل المدينة فكتب اليه المغيرة بن شعبة أن عندى غلاما نقاشا نجارا حدّادا فيه منافع لأهل المدينة فان رأيت أن تأذن لى فى الارسال به فعلت فأذن له و قد كان المغيرة جعل عليه كلّ يوم درهمين و كان يدعى أبا لؤلؤة و كان مجوسيا من أهل نهاوند فلبث ما شاء اللّه ثمّ أتى عمر يشكو إليه ثقل خراجه فقال له عمر و ما تحسن من الاعمال؟
قال نقاش نجار حداد فقال له عمر ما خراجك بكثير فى كنه ما تحسن من الأعمال فمضى عنه و هو مدبر قال ثمّ مرّ بعمر يوما آخر و هو قاعد فقال له عمر ألم احدث عنك أنك تقول لو شئت أن أصنع رحا تطحن بالريح لفعلت؟ فقال أبو لؤلؤة لأصنعن لك رحا يتحدّث الناس بها و مضى أبو لؤلؤة. فقال أمّا العلج فقد توعدنى آنفا فلمّا أزمع بالّذى أوعد به أخذ خنجرا فاشتمل عليه ثمّ قعد لعمر فى زاوية من زوايا المسجد إلى آخر ما نقلناه عنه آنفا.
و في سفينة البحار: الّذي رأيت في بعض الكتب أن أبا لؤلؤة كان غلام المغيرة
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 250
ابن شعبة اسمه الفيروز الفارسى اصله من نهاوند فأسرته الروم و اسره المسلمون من الروم و لذلك لما قدم سبى نهاوند إلى المدينة فى السنة الحادية و العشرين كان أبو لؤلؤة لا يلقى منهم صغيرا إلا مسح رأسه و بكى و قال له اكل رمع كبدى و ذلك لأن الرجل «يعنى به عمر» وضع عليه من الخراج كلّ يوم درهمين فثقل عليه الامر فأتى إليه فقال له الرجل «اى عمر» ليس بكثير في حقك فانّي سمعت عنك أنك لواردت أن تدير الرحى بالريح لقدرت على ذلك فقال أبو لؤلؤة لاديرن لك رحى لا تسكن إلى يوم القيامة، فقال إن العبد قد أوعد و لو كنت اقتل أحدا بالتهمة لقتلته و في خبر آخر قال له أبو لؤلؤة لأعملن لك رحي يتحدّث بها من بالمشرق و المغرب ثمّ انّه قتله بعد ذلك.
ثمّ نقل عن بعض الاعلام: أن فيروز هذا قد كان من أكابر المسلمين و المجاهدين بل من خلّص اتباع أمير المؤمنين عليه السّلام و كان أخا لذكوان و هو أبو أبي الزناد عبد اللّه ابن ذكوان عالم أهل المدينة بالحساب و الفرائض و النحو و الشعر و الحديث و الفقه فراجع الاستيعاب.
و قال الذهبي في كتابه المختصر في الرجال: عبد اللّه بن ذكوان أبو عبد الرحمن هو الامام أبو الزناد المدني مولى بني امية و ذكوان هو أخو أبي لؤلؤة قاتل عمر ثقة ثبت روى عنه مالك و السفيانان مات فجأة في شهر رمضان في السنة الحادية و الثلاثين بعد المأة. ثم قال قال صاحب الرياض و هذا أجلي دليل على كون فيروز المذكور من الشيعة و حينئذ فلا اعتماد بما قاله الذهبي من أن أبا لؤلؤة كان عبدا نصرانيا لمغيرة ابن شعبة و كذا لا اعتداد بما قاله السيوطي في تاريخ الخلفاء من أن أبا لؤلؤة كان عبدا لمغيرة و يصنع الأرحاء ثمّ روى عن ابن عباس أن أبا لؤلؤة كان مجوسيّا.
ثمّ إن في المقام كلام آخر و هو أن النّبي صلّى اللّه عليه و آله قد أمر باخراج مطلق الكفار من مكة و المدينة فضلا عن مسجدهما و العامة قد نقلوا ذلك و أذعنوا بصحة الخبر الوارد في ذلك الباب فاذا كان أبو لؤلؤة نصرانيا مجوسيا كيف رخّصه عمر في أيام خلافته أن يدخل مدينة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من غير مضايقة و لا نكير فضلا عن مسجده
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 251
و هذا منه إمّا يدلّ على عدم مبالاته في الدين او على عدم صحة ما نسبوه اليه و لو تنزلنا عن ذلك نقول كان أوّل أمره من الكفار و من مجوس بلاد نهاوند ثمّ تشرف بعد بدين الاسلام انتهى ما أردنا نقله من السفينة.
و هذا جملة الأقوال في قتل عبيد اللّه بن عمر الهرمزان و مذهب أبي لؤلؤة و سبب قتله عمرو علة لحوق عبيد اللّه بمعاوية.
و سيأتي ان عليّا عليه السّلام في الصفين نادى عبيد اللّه بن عمر و قال له ويحك يا ابن عمر علام تقتلني و اللّه لو كان أبوك حيا ما قاتلني قال اطلب بدم عثمان، قال عليه السّلام أنت تطلب بدم عثمان و اللّه يطلب بدم الهرمزان، و لنعد إلى القصة.
اليوم الخامس:
و اخرج عليّ عليه السّلام في اليوم الخامس من صفر و هو يوم الاحد عبد اللّه بن عباس فاخرج إليه معاوية الوليد بن عقبة بن أبي معيط فاقتتلوا قتالا شديدا، و دنا ابن عبّاس من الوليد بن عقبة فاخذ الوليد يسب بني عبد المطلب و اخذ يقول يا ابن عبّاس قطعتم أرحامكم و قتلتم إمامكم «يعني به عثمان بن عفان» فكيف رأيتم اللّه صنع بكم لم تعطوا ما طلبتم و لم تدركوا ما أملتم و اللّه إن شاء اللّه مهلككم و ناصر عليكم، فأرسل إليه ابن عباس أن ابرز لي يا صفوان و كان صفوان لقب الوليد فأبى و قاتل ابن عباس يومئذ قتالا شديدا و غشى الناس بنفسه و كانت الغلبة لابن عباس و كان يوما صعبا.
اليوم السادس:
و اخرج علىّ عليه السّلام في اليوم السادس من صفر و هو يوم الاثنين سعيد بن قيس الهمداني و هو سيد همدان يومئذ فاخرج إليه معاوية ذا الكلاع فاقتتلا قتالا شديدا و كانت بينهما إلى آخر النهار و اسفرت عن قتلى و انصرف الفريقان جميعا.
اليوم السابع:
و أخرج عليّ عليه السّلام في اليوم السابع و هو يوم الثلاثاء الاشتر رضوان اللّه عليه في النخع و غيرهم فاخرج إليه معاوية حبيب بن مسلمة الفهري فكانت بينهم سجالا
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 252
و صبر كلا الفريقين و تكاثروا و توافقوا للحرب و اسفرت عن قتلي منهما و الجراح في أهل الشام اعمّ و قال الطبرى انصرفا عند الظهر و كل غير غالب.
قال الطبري قال أبو مخنف: حدثني مالك بن أعين الجهني عن زيد بن وهب أن عليّا عليه السّلام قال حتى متى لا نناهض هؤلاء القوم بأجمعنا فقام في الناس عشية الثلاثاء ليلة الاربعاء بعد العصر فقال: الحمد للّه الذي لا يبرم ما نقض و ما أبرم لا ينقضه الناقضون لو شاء ما اختلف إثنان من خلقه و لا تنازعت الامة في شيء من أمره و لا جحد المفضول ذا الفضل فضله و قد ساقتنا و هؤلاء القوم الاقدار فلفت بيننا في هذا المكان فنحن من ربنا بمرأى و مسمع و لو شاء عجل النقمة و كان منه التغيير حتّى يكذب اللّه الظالم و يعلم الحق أين مصيره و لكنه جعل الدنيا دار الاعمال و جعل الاخرة عنده هى دار القرار ليجزى الّذين أساؤا بما عملوا و يجزى الّذين أحسنوا بالحسنى ألا إنّكم لاقوا القوم غدا فأطيلوا الليلة القيام و أكثروا تلاوة القرآن و سلوا اللّه عزّ و جلّ النصر و الصبر و القوهم بالجد و الحزم و كونوا صادقين.
ثمّ انصرف و وثب الناس إلى سيوفهم و رماحهم و نبالهم يصلحونها و مرّ بهم كعب بن جعيل التغلبي و هو يقول:
أصبحت الامّة في أمر عجب و الملك مجموع غدا لمن غلب
فقلت قولا صادقا غير كذب إن غدا تهلك أعلام العرب
أقول: لما بلغت إلى قول ولي اللّه الأعظم و مظهره الاكمل الاتم أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام روحى له الفداء و نفسى له الوقاء: «فاطيلوا القيام و اكثروا تلاوة القرآن» اذكرنى قول من ربى في حجره و نشأ من عنده و الولد سرّ أبيه مولانا أبي عبد اللّه الحسين بن عليّ سلام اللّه عليه و على اعوانه و انصاره و الارواح التي حلّت بفنائه: و هو كما ذكره أبو جعفر الطبرى في تاريخه و الشيخ الجليل محمّد بن محمّد بن النعمان الملقب بالمفيد رحمه اللّه في إرشاده و غيرهما من علماء الفريقين في كتبهم مع اختلاف يسير في بعض الالفاظ:
انّ عشية الخميس لتسع مضين من المحرم 61 من الهجرة نادى عمر بن
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 253
عمر بن سعد يا خيل اللّه اركبي و أبشري فركب في الناس ثمّ زحف نحوهم بعد صلاة العصر و حسين جالس أمام بيته محتبيا بسيفه إذ خفق برأسه على ركبتيه و سمعت اخته زينب الصيحة فدنت من أخيها فقالت يا أخي أما تسمع الاصوات قد اقتربت فرفع الحسين عليه السّلام رأسه فقال إني رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الساعة في المنام فقال لي إنك تروح إلينا قال فلطمت اخته وجهها و قالت يا ويلتا فقال ليس لك الويل يا اخيّتي اسكنى رحمك الرحمن، ثمّ قال له العبّاس بن عليّ عليه السّلام يا أخى أتاك القوم فنهض ثمّ قال يا عباس اركب بنفسي أنت يا أخى حتى تلقاهم فتقول لهم مالكم و ما بدا لكم و تسألهم عما جاء بهم فاتاهم العباس فاستقبلهم في نحو من عشرين فارسا فيهم زهير بن القين و حبيب بن مظاهر فقال لهم العباس ما بدا لكم و ما تريدون قالوا قد جاء أمر الامير بأن نعرض عليكم أن تنزلوا على حكمه أو ننازلكم قال فلا تعجلوا حتى أرجع إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام فأعرض عليه ما ذكرتم فوقفوا ثمّ قالوا ألقه فأعلمه ذلك ثم القنا بما يقول فانصرف العباس راجعا يركض إلى الحسين عليه السّلام يخبره بالخبر و وقف أصحابه يخاطبون القوم و يعظونهم و يكفونهم عن قتال الحسين عليه السّلام فجاء العباس إلى الحسين عليه السّلام فأخبره بما قال القوم، فقال عليه السّلام ارجع إليهم فان استطعت أن تؤخرهم إلى غدوة و تدفعهم عنّا العشية لعلّنا نصلّى لربّنا الليلة و ندعوه و نستغفره فهو يعلم أنى قد كنت احبّ الصلاة له و تلاوة كتابه و كثرة الدعاء و الاستغفار.
و انظر ايها الاخ الكريم إلى سيرة اولياء اللّه كيف يلجئون إلى اللّه و يفزعون إليه و يدعونه و يسجدون له و يعبدونه و يستغفرونه حتّى فى هزائز الامور و شدائد الاحوال، ألا بذكر اللّه تطمئن القلوب فهؤلاء الموحدون المتألهون الفانون فى اللّه شأنهم اجلّ و قدرهم أعظم عن أن يقاتلوا فى غير اللّه او ان يعملوا عملا لغير رضا اللّه و بذلك فليعمل العاملون و ييقظ النائمون و لنعد إلى القصة:
فلما كان من الليل خرج علىّ عليه السّلام فعبّى الناس ليلته كلها حتى إذا أصبح زحف بالنّاس و خرج إليه معاوية فى أهل الشام فاخذ علىّ عليه السّلام يقول من هذه
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 254
القبيلة و من هذه القبيلة؟ فنسبت له قبائل أهل الشام حتى إذا عرفهم و رأى مراكزهم قال للازد اكفونى الازد و قال لخثعم اكفوني خثعم و أمر كل قبيلة من أهل العراق أن تكفيه اختها من أهل الشام إلا ان تكون قبيلة ليس منها بالشام أحد فيصرفها إلى قبيلة اخرى تكون بالشام ليس منهم بالعراق واحد مثل بجيلة لم يكن منهم بالشام الاعدد قليل فصرفهم إلى لخم ثم تناهض الناس يوم الاربعاء و هو اليوم الثامن من صفر فاقتتلوا قتالا شديدا نهارهم كلّه ثمّ انصرفوا عند المساء و كلّ غير غالب.
اليوم الثامن:
في مروج الذهب للمسعودي: و خرج في اليوم الثامن و هو يوم الأربعاء عليّ عليه السّلام بنفسه في الصحابة من البدريين و غيرهم من المهاجرين و الانصار و ربيعة و همدان، و قال ابن عباس رأيت في هذا اليوم عليّا و عليه عمامة بيضاء و كان عيينه سراجا سليط و هو يقف على طوائف الناس في مراتبهم يحثهم و يحرضهم حتى انتهى الىّ و أنا في كثيف من الناس فقال عليه السّلام يا معشر المسلمين عموا الاصوات و اكملوا اللامة و استشعروا الخشية و اقلقوا السيوف في الاجفان قبل السلة و الحظوا الشزر و اطعنوا الهبر و نافحوا الصبا و صلوا السيف بالخطاء و النبال بالرماح و طيبوا عن أنفسكم أنفسنا فانكم بعين اللّه و مع ابن عم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عاودوا الكرّ و استقبحوا الفرّ فانه عار في الاحقاب و نار يوم الحساب و دونكم هذا السواد الأعظم و الرواق المطنب فاضربوا نهجه فان الشيطان راكب صعيده معترض ذراعيه قد قدّم للوثبة يدا و اخّر للنكوص رجلا فصبرا جميلا حتّى تنجلى عن وجه الحق و أنتم الأعلون و اللّه معكم و لن يتركم اعمالكم، و تقدم عليّ عليه السّلام للحرب على بغلة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الشهباء و خرج معاوية في عدد أهل الشام فانصرفوا عند المساء و كلّ غير ظافر.
أقول كلامه عليه السّلام هذا مذكور في نهج البلاغة في باب الخطب مع اختلاف في بعض العبارات و الجمل و أوله في نهج البلاغة: معاشر المسلمين استشعروا الخشية و تجلببوا السكينة و عضّوا على النواجذ إلى آخره و لنعد إلى القصة:
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 255
و في تاريخ الطبرى قال أبو مخنف حدثني مالك بن أعين عن زيد بن وهب الجهنى أن عليّا عليه السّلام خرج إليهم غداة الاربعاء فاستقبلهم فقال:
اللهم رب السقف المرفوع المحفوظ المكفوف الّذي جعلته مغيضا للّيل و النهار و جعلت فيه مجرى الشمس و القمر و منازل النجوم و جعلت سكانه سبطا من الملائكة لا يسأمون العبادة و ربّ هذه الأرض التي جعلتها قرارا للأنام و الهوام و الانعام و ما لا يحصى مما لا يرى و مما يرى من خلقك العظيم و ربّ الفلك التي تجرى فى البحر بما ينفع الناس و ربّ السحاب المسخر بين السماء و الأرض و ربّ البحر المسجور المحيط بالعالم و ربّ الجبال الرواسى التي جعلتها للأرض أوتادا و للخلق متاعا إن أظهرتنا على عدوّنا فجنّبنا البغى و سددنا للحق و إن أظهرتهم علينا فارزقنى الشهادة و اعصم بقية أصحابى من الفتنة.
و ازدلف الناس يوم الاربعاء فاقتتلوا كأشد القتال يومهم حتى الليل لا ينصرف بعضهم عن بعض إلا للصلاة و كثرت القتلى بينهم و تحاجزوا عند الليل و كل غير غالب.
أقول: كلامه عليه السّلام هذا مذكور أيضا في نهج البلاغة فى باب الخطب مع تفاوت يسير أوله: اللهم رب السقف المرفوع و الجو المكفوف الّذي جعلته مغيضا للّيل و النهار و مجرى للشمس و القمر إلى آخره، و لنعد إلى القصة:
اليوم التاسع:
قال الطبري فاصبحوا من الغد غداة الخميس و هو اليوم التاسع فصلّى بهم علىّ عليه السّلام غداة الخميس فغلس بالصلاة اشدّ التغليس، و قال أبو مخنف حدثنى عبد الرحمن ابن جندب الازدي عن أبيه قال ما رأيت عليّا عليه السّلام غلّس بالصلاة أشدّ من تغليسه يومئذ.
أقول: الغلس محركة كفرس: ظلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح و فى النهاية الاثيرية انه صلّى اللّه عليه و آله كان يصلى الصبح بغلس و التغليس: السير بغلس يقال غلسنا الماء أي وردناه بغلس و منه حديث الافاضة كنا نغلس من جمع
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 256
إلى منى أى نسير إليها ذلك الوقت كما في النهاية و غلسنا الصلاة إذا فعلناها بغلس فالمراد أنّ أمير المؤمنين عليّا عليه السّلام صلى بهم صلاة الصبح في ذلك اليوم فى وقت كان اقدم من سائر أيامه الماضية، فلنعد إلى القصة.
ثمّ بدأ أهل الشام بالخروج فلمّا رأى علىّ عليه السّلام و جنوده انهم اقبلوا اليهم، خرجوا اليهم بوجوههم و على ميمنتهم عبد اللّه بن بديل و على ميسرتهم عبد اللّه بن عبّاس و قراء أهل العراق مع ثلاثة نفر مع عمار بن ياسر و مع قيس بن سعد و مع عبد اللّه بن بديل و الناس على راياتهم و مراكزهم و على عليه السّلام فى القلب فى أهل المدينة بين أهل الكوفة و أهل البصرة و عظم من معه من أهل المدينة الانصار و معه من خزاعة عدد حسن و من كنانة و غيرهم من أهل المدينة ثمّ زحف اليهم بالناس.
و رفع معاوية قبة عظيمة قد ألقى عليها الكرابيس و بايعه عظم الناس من أهل الشام على الموت و بعث خيل أهل دمشق فاحتاطت بقبته و زحف عبد اللّه بن بديل في الميمنة نحو حبيب بن مسلمة فلم يزل يحوزه و يكشف خيله من الميسرة حتّى اضطرّهم إلى قبة معاوية عند الظهر.
قال أبو مخنف حدثني مالك بن اعين عن زيد بن وهب الجهنى أن ابن بديل قام في أصحابه فقال: ألا إن معاوية ادعى ما ليس أهله و نازع هذا الأمر من ليس مثله و جادل بالباطل ليدحض به الحقّ وصال عليكم بالاعراب و الأحزاب قد زين لهم الضلالة و زرع في قلوبهم حبّ الفتنة و لبّس عليهم الأمر و زادهم رجسا إلى رجسهم و أنتم على نور من ربكم و برهان مبين فقاتلوا الطغاة الجفاة و لا تخشوهم فكيف تخشونهم و فى أيديكم كتاب اللّه عزّ و جلّ طاهرا مبرورا «أَ تَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَ يُخْزِهِمْ وَ يَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَ يَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ» و قد قاتلناهم مع النّبي صلّى اللّه عليه و آله مرة و هذه ثانية و اللّه ما هم في هذه بأتقى و لا ازكى و لا أرشد قوموا إلى عدوّكم بارك اللّه عليكم فقاتل قتالا شديدا هو و أصحابه.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 257
قال أبو مخنف حدّثني عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصارى عن أبيه و مولى له أن عليّا عليه السّلام حرض النّاس يوم صفين فقال إن اللّه عزّ و جل قد دلكم على تجارة تنجيكم من عذاب اليم تشفى بكم على الخير الايمان باللّه عزّ و جلّ و برسوله صلّى اللّه عليه و آله و الجهاد في سبيل اللّه تعالى ذكره و جعل ثوابه مغفرة الذنب و مساكن طيبة في جنات عدن ثمّ أخبركم أنه يحبّ الّذين يقاتلون في سبيله صفّا كأنهم بنيان مرصوص فسوّوا صفوفكم كالبيان المرصوص و قدموا الدارع و أخر و الحاسر و عضوا على الأضراس فانّه أبنا للسيوف عن الهام و التووا في اطراف الرماح فانه اصون للأسنة و غضوا الابصار فانه اربط للجاش و اسكن للقلوب و اميتوا الأصوات فانه اطرد للفشل و اولى بالوقار، راياتكم فلا تميلوها و لا تزيلوها و لا تجعلوها إلا بايدى شجعانكم فان المانع للذمار و الصابر عند نزول الحقائق هم أهل الحفاظ الّذين يحفون براياتهم و يكنفونها يضربون حفافيها خلفها و امامها و لا يضعونها اجزأ امرؤ و قد قرنه رحمكم اللّه و آسى أخاه بنفسه و لم يكل قرنه إلى أخيه فيكسب بذلك لائمة و يأتي به دناءة و أني لا يكون هذا هكذا و هذا يقاتل اثنين و هذا ممسك بيده يدخل قرنه على اخيه هاربا منه او قائما ينظر اليه من يفعل هذا يمقته اللّه عزّ و جل فلا تعرّضوا لمقت اللّه سبحانه فانما مردّكم الى اللّه قال اللّه عزّ من قائل لقوم «لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت او القتل و إذا لا تمتعون إلّا قليلا» و ايم اللّه لئن سئلتم «سلمتم ظ» من سيف العاجلة لا تسلمون من سيف الاخرة استعينوا بالصدق و الصبر فان بعد الصبر ينزل اللّه النصر.
أقول كلامه عليه السّلام هذا مذكور في نهج البلاغة في باب الخطب مع اختلاف في الكم و بعض الالفاظ و الجمل و اوّله: فقدّموا الدارع و أخروا الحاسر و عضّوا على الاضراس فانه ابنا للسيوف إلى آخره و لنعد إلى القصة:
قال المسعودى في مروج الذهب: و خرج في اليوم التاسع علىّ و هوم يوم الخميس و خرج معاوية فاقتتلوا إلى ضحوة من النهار و برز أمام الناس عبيد اللّه بن عمر ابن الخطاب في أربعة آلاف من الحضرية معمّمين بشق الحرير الاخضر متقدمين للموت يطلبون بدم عثمان و ابن عمر يقدمهم و هو يقول:
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 258
أنا عبيد اللّه ينميني عمر خير قريش من مضي و من غبر
غير نبي اللّه و الشيخ الأغر قد أبطأت في نصر عثمان مضر
و الربعيون فلا أسقوا المطر
فناداه علىّ ويحك يا ابن عمر علام تقاتلنى و اللّه لو كان أبوك حيا ما قاتلني.
قال: أطلب بدم عثمان. قال عليه السّلام أنت تطلب بدم عثمان و اللّه يطلبك بدم الهرمزان.
و أمر علىّ عليه السّلام الأشتر النخعي بالخروج اليه فخرج الاشتر اليه و هو يقول:
إنّي أنا الأشتر معروف السير إنّى أنا الأفعى العراقى الذكر
لست من الحى ربيع او مضر لكننى من مذحج البيض الغرر
فانصرف عنه عبيد اللّه و لم يبارزه و كثرت القتلى يومئذ قال الطبرى: قال أبو مخنف حدّثنى أبو روق الهمدانى أن يزيد بن قيس الأرحبى حرّض الناس فقال إن المسلم السليم من سلم دينه و رأيه و إن هولاء القوم و اللّه إن يقاتلوننا على إقامة دين رأونا ضيّعناه و إحياء حقّ رأونا أمتناه و إن يقاتلوننا إلا على هذه الدنيا ليكونوا جبابرة فيها ملوكا فلو ظهروا عليكم لا أراهم اللّه ظهورا و لا سرورا لزموكم بمثل سعيد و الوليد و عبد اللّه بن عامر السفيه الضال يجيز أحدهم في مجلسه بمثل ديته و دية ابيه و جدّه يقول هذا لى و لا إثم علىّ كأنما اعطى تراثه عن أبيه و امّه و إنما هو مال اللّه عز و جل أفاءه علينا بأسيافنا و أرماحنا فقاتلوا عباد اللّه القوم الظالمين الحاكمين بغير ما أنزل اللّه و لا يأخذكم فى جهادهم لوم لائم فانهم إن يظهروا عليكم يفسدوا عليكم دينكم و دنياكم و هم من قد عرفتم و خبرتم و أيم اللّه ما ازدادوا إلى يومهم هذا إلا شرا.
و قاتلهم عبد اللّه بن بديل فى الميمنة قتالا شديدا حتّى انتهى إلى قبة معاوية.
ثمّ إن الّذين تبايعوا معاوية على الموت اقبلوا إلى معاوية فامرهم أن يصمدوا لابن بديل فى الميمنة و بعث معاوية إلى حبيب بن مسلمة الفهرى فى الميسرة فحمل بهم و بمن كان معه على ميمنة الناس فهزمهم و انكشف أهل العراق من قبل الميمنة حتّى لم يبق منهم إلّا ابن بديل فى مأتين أو ثلاثمأة من القراء قد أسند بعضهم ظهره إلى
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 259
بعض و انجفل الناس فأمر على عليه السّلام سهل بن حنيف فاستقدم فيمن كان معه من أهل المدينة فاستقبلهم جموع لأهل الشام عظيمة فاحتملتهم حتّى ألحقتهم بالميمنة و كان فى الميمنة إلى موقف على عليه السّلام فى القلب أهل اليمن فلما كشفوا انتهت الهزيمة إلى على عليه السّلام فانصرف يتمشى نحو الميسرة فانكشفت عنه مضر من الميسرة و ثبتت ربيعة.
قال أبو مخنف حدّثنى مالك بن أعين الجهنى عن زيد بن وهب الجهنى قال مرّ على عليه السّلام معه بنوه نحو الميسرة و إنّى لأرى النبل يمرّ بين عاتقه و منكبه و ما من بنيه أحد إلّا يقيه بنفسه فيتقدم فيحول بين أهل الشام و بينه فيأخذه بيده إذا فعل ذلك فيلقيه بين يديه او من ورائه فبصر به أحمر مولى أبى سفيان او عثمان أو بعض بنى امية فقال و رب الكعبة قتلنى اللّه إن لم أقتلك أو تقتلنى فأقبل نحوه فخرج اليه كيسان مولى على عليه السّلام فاختلفا ضربتين فقتله مولى بنى امية، و ينتهزه علىّ عليه السّلام فيقع بيده فى جيب درعه فيجذبه ثمّ حمله على عاتقه فكأنى أنظر إلى رجيلتيه تختلفان على عنق على عليه السّلام ثمّ ضرب به الأرض فكسر منكبه و عضديه و شدا ابنا علىّ عليه السّلام عليه حسين عليه السّلام و محمّد فضرباه بأسيافهما فكأنى أنظر إلى على عليه السّلام قائما و إلى شبيله يضربان الرجل حتّى إذا قتلاه و اقبلا إلى أبيهما و الحسن عليه السّلام قائما، قال له يا بنيّ ما منعك أن تفعل كما فعل أخواك؟ قال كفيانى يا أمير المؤمنين.
ثمّ إن أهل الشام دنوا منه و واللّه ما يزيده قربهم منه سرعة في مشيه فقال له الحسن عليه السّلام ما ضرك لو سعيت حتّى تنتهى إلى هؤلاء الّذين قد صبروا لعدوك من أصحابك؟ فقال يا بنيّ إن لأبيك يوما لن يعدوه و لا يبطىء به عنه السعي و لا يعجل به إليه المشي إنّ أباك و اللّه ما يبالي أوقع على الموت أو وقع الموت عليه.
قال أبو مخنف حدّثني فضيل بن خديج السكندي عن مولى للأشتر قال لما انهزمت ميمنة العراق و أقبل عليّ عليه السّلام نحو الميسرة مرّ به الأشتر يركض نحو الفزع قبل الميمنة. فقال له عليّ عليه السّلام يا مالك قال لبيك قال ائت هؤلاء القوم فقل لهم أين فراركم من الموت الّذى لن تعجزوه إلى الحياة الّتي لن تبقي لكم فمضي فاستقبل الناس منهزمين فقال لهم هذه الكلمات الّتي قالها له عليّ عليه السّلام.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 260
و قال إليّ أيّها النّاس أنا مالك بن الحارث أنا مالك بن الحارث، ثمّ ظن أنّه بالأشتر أعرف في الناس فقال أنا الأشتر إلىّ أيّها الناس فأقبلت إليه طائفة و ذهبت عنه طائفة فنادى أيّها الناس عضضتم بهن آباءكم ما أقبح ما قاتلتم منذ اليوم أيّها الناس أخلصوا إلىّ مذحجا فاقبلت إليه مذحج فقال عضضتم بصم الجندل ما أرضيتم ربّكم و لا نصحتم له في عدوكم و كيف بذلك و أنتم أبناء الحروب و أصحاب الغارات و فتيان الصباح و فرسان الطراد و حتوف الاقران و مذحج الطعان الّذين لم يكونوا يسبقون بثارهم و لا تطل دماؤهم و لا يعرفون في موطن بخسف و أنتم حد أهل مصركم و أعد حيّ في قومكم و ما تفعلوا في هذا اليوم فانّه مأثور بعد اليوم فاتقوا مأثور بعد اليوم فاتقوا مأثور الأحاديث في غد و اصدقوا عدوكم اللقاء فإن اللّه مع الصادقين و الّذي نفس مالك بيده ما من هؤلاء- و أشار بيده إلى أهل الشام- رجل على مثال جناح بعوضة من محمّد صلّى اللّه عليه و آله أنتم ما أحسنتم القراع اجلوا سواد وجهي يرجع في وجهي دمي عليكم بهذا السواد الاعظم فإن اللّه عزّ و جل لو قد فضه تبعه من بجانبيه كما يتبع مؤخر السيل مقدمه قالوا خذ بنا حيث احببت و صمد نحو عظمهم فيما يلي الميمنة فأخذ يزحف إليهم و يردهم و يستقبله شباب من همدان و كانوا ثمانمائة مقاتل يومئذ و قد انهزموا آخر الناس و كانوا قد صبروا في الميمنة حتّى اصيب منهم ثمانون و مأئة رجل و قتل منهم أحد عشر رئيسا كلّما قتل منهم رجل أخذ الراية آخر فكان الأوّل كريب بن شريح ثمّ شرحبيل ابن شريح ثمّ مرثد بن شريح ثمّ هبيرة بن شريح ثمّ يريم بن شريح ثمّ سمير بن شريح فقتل هؤلاء الاخوة الستة جميعا ثمّ أخذ الراية سفيان بن زيد ثمّ عبد بن زيد ثمّ كريم بن زيد فقتل هؤلاء الاخوة الثلاثة جميعا ثمّ أخذ الراية عمير بن بشير ثمّ الحارث بن بشير فقتلا ثمّ أخذ الراية وهب بن كريب أخو القلوص فأراد أن يستقبل فقال له رجل من قومه انصرف بهذه الراية رحمك اللّه فقد قتل أشراف قومك حولها فلا تقتل نفسك و لا من بقي من قومك فانصرفوا و هم يقولون ليت لنا عدّتنا من العرب يحالفوننا على الموت ثمّ نستقدم نحن و هم فلا ننصرف حتّى نقتل أو نظفر فمرّوا بالأشتر و هم يقولون هذا القول فقال لهم الأشتر إلىّ أنا احالفكم و اعاقدكم
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 261
على أن لا نرجع أبدا حتى نظفر أو نهلك فأتوه فوقفوا معه.
و زحف الأشتر نحو الميمنة و ثاب اليه ناس تراجعوا من أهل الصبر و الحياء و الوفاء فأخذ لا يصمد لكتيبة إلا كشفها و لا لجمع الاحازه و ردّه فانّه لذلك إذ مرّ بزياد بن النضر يحمل إلى العسكر فقال من هذا فقيل زياد بن النضر استلحم عبد اللّه ابن بديل و أصحابه في الميمنة فتقدم زياد فرفع لأهل الميمنة رايته فصبروا و قاتل حتّى صرع ثمّ لم يمكثوا إلّا كلا شيء حتّى مرّ بيزيد بن قيس الأرحبى محمولا نحو العسكر فقال الأشتر من هذا فقالوا يزيد بن قيس لما صرع زياد بن النضر رفع لأهل الميمنة رايته فقاتل حتّى صرع فقال الأشتر هذا و اللّه الصبر الجميل و الفعل الكريم ألا يستحى الرجل أن ينصرف لا يقتل و لا يقتل او يشفي به على القتل.
قال أبو مخنف حدّثني أبو جناب الكلبي عن الحرّ بن الصياح النخعي أن الأشتر يومئذ كان يقاتل على فرس له في يده صفيحة يمانية إذا طأطأها خلت فيها ماء منصبا و إذا رفعها كاد يغشى البصر شعاعها و جعل يضرب بسيفه و يقول: الغمرات ثمّ ينجلينا. قال فبصر به الحارث بن جمهان الجعفي و الأشتر متقنع فى الحديد فلم يعرفه فدنا منه فقال له جزاك اللّه خيرا منذ اليوم عن أمير المؤمنين و جماعة المسلمين فعرفه الأشتر فقال ابن جمهان فعرفه فكان من اعظم الرجال و أطوله و كان في لحيته حفّها قليلا فقال جعلت فداك لا و اللّه ما علمت بمكانك إلا الساعة و لا افارقك حتّى اموت. قال و رآه منقذ و حمير ابنا قيس الناعطيان فقال منقذ لحمير ما فى العرب مثل هذا إن كان ما أرى من قتاله فقال له حمير و هل النيّة إلّا ما تراه يصنع قال إنّي اخاف أن يكون يحاول ملكا.
قال أبو مخنف حدّثني فضيل بن خديج عن مولى للأشتر أنه لمّا اجتمع اليه عظم من كان انهزم عن الميمنة حرضهم ثمّ قال عضوا على النواجذ من الأضراس و استقبلوا القوم بهامكم و شدوا شدة قوم موتورين ثأرا بابائهم و إخوانهم حناقا على عدوهم قد وطنوا على الموت انفسهم كيلا يسبقوا بوتر و لا يلحقوا في الدنيا عارا و أيم اللّه ما وتر قوم قط بشىء أشدّ عليهم من أن يوتروا دينهم و إن هؤلاء القوم لا يقاتلونكم
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 262
إلّا عن دينكم ليميتوا السنة و يحيوا البدعة و يعيدوكم في ضلالة قد أخرجكم اللّه عزّ و جل منها بحسن البصيرة فطيبوا عباد اللّه أنفسا بدمائكم دون دينكم فإن ثوابكم على اللّه و اللّه عنده جنات النعيم و إن الفرار من الزحف فيه السلب للعز و الغلبة على الفىء و ذل المحيا و الممات و عار الدنيا و الاخرة و حمل عليهم حتّى كشفهم فألحقهم بصفوف معاوية بين صلاة العصر و المغرب و انتهى إلى عبد اللّه بن بديل و هو فى عصبة من القراء بين المأتين و الثلاثمأة و قد لصقوا بالأرض كأنّهم جثا فكشف عنهم أهل الشام فأبصروا إخوانهم قد دنوا منهم فقالوا ما فعل أمير المؤمنين قالوا حى صالح فى الميسرة يقاتل الناس أمامه، فقالوا الحمد للّه قد كنا ظننا أن قد هلك و هلكتم.
و قال عبد اللّه بن بديل لأصحابه استقدموا بنا فأرسل الأشتر اليه أن لا تفعل اثبت مع الناس فقاتل فانه خير لهم و أبقى لك و لاصحابك فأبى فمضى كما هو نحو معاوية و حوله كأمثال الجبال و فى يده سيفان و قد خرج فهو امام أصحابه فأخذ كلّما دنا منه رجل ضربه فقتله حتّى قتل سبعة و دنا من معاوية فنهض اليه الناس من كلّ جانب و احيط به و بطائفة من أصحابه فقاتل حتّى قتل و قتل ناس من أصحابه و رجعت طائفة قد خرجوا منهزمين فبعث الأشتر ابن جمهان الجعفى فحمل على أهل الشام الّذين يتبعون من نجا من أصحاب ابن بديل حتّى نفسوا عنهم و انتهوا إلى الأشتر فقال لهم ألم يكن رأيى لكم خير من رأيكم لأنفسكم ألم آمركم أن تثبتوا مع الناس و كان معاوية قال لابن بديل و هو يضرب قدما أ ترونه كبش القوم فلمّا قتل أرسل اليه فقال انظروا من هو فنظر اليه ناس من أهل الشام فقالوا لا نعرفه فأقبل اليه حتّى وقف عليه فقال بلى هذا عبد اللّه بن بديل و اللّه لو استطاعت نساء خزاعة أن تقاتلنا فضلا على رجالها لفعلت مدّوه فمدّوه فقال هذا و اللّه كما قال الشاعر:
أخو الحرب إن عضّت به الحرب عضّها و إن شمّرت يوما به الحرب شمّرا
و البيت لحاتم طيىء، و أن الأشتر زحف اليهم فاستقبله معاوية بعكّ و الأشعرين فقال الأشتر لمذجح اكفونا عكّا و وقف فى همدان و قال لكندة اكفونا الأشعرين فاقتتلوا قتالا شديدا و أخذ يخرج إلى قومه فيقول إنّما هم عكّ فاحملوا عليهم فيجثون
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 263
على الركّب و يرتجزون:
يا ويل امّ مذحج من عكّ هاتيك امّ مذحج تبكىّ
فقاتلوهم حتّى المساء ثمّ إنّه قاتلهم فى همدان و ناس من طوائف الناس فحمل عليهم فأزالهم عن مواقفهم حتّى ألحقهم بالصفوف الخمسة المعقلة بالعمائم حول معاوية ثمّ شد عليهم شدة اخرى فصرع الصفوف الأربعة و كانوا معقلين بالعمائم حتّى انتهوا إلى الخامس الّذى حول معاوية و دعا معاوية بفرس فركب و كان يقول أردت أن أنهزم فذكرت قول ابن الأطنابة من الأنصار كان جاهليا و الأطنابة امرأة من بلقين.
أبت لى عفّتى و حياء نفسى و إقدامى على البطل المشيح
و إعطائى على المكروه مالى و أخذى الحمد بالثمن الربيح
و قولى كلما جشأت و جاشت مكانك تحمدى او تستريحى
فمنعنى هذا القول من الفرار.
قال أبو مخنف حدّثنى مالك بن أعين الجهنى عن زيد بن وهب أن عليّا عليه السّلام لما رأى ميمنته قد عادت إلى مواقفهم و مراكزهم أقبل حتّى انتهى إليهم. فقال إنّى قد رأيت جولتكم و انحيازكم عن صفوفكم يحوزكم الطغاة الجفاة و أعراب أهل الشام و أنتم لها ميم العرب و السنام الاعظم و عمار الليل بتلاوة القرآن و أهل دعوة الحقّ إذ ضلّ الخاطئون فلولا إقبالكم بعد إدباركم و كرّكم بعد انحيازكم وجب عليكم ما وجب على المولّى يوم الزحف دبره و كنتم من الهالكين، و لكن هون وجدى و شفى بعض أحاح نفسى أنى رأيتكم بأخرة حزتموهم كما حازوكم و أزلتموهم عن مصافهم كما أزالوكم تحسونهم بالسيوف تركب اولاهم اخراهم كالابل المطردة فالان فاصبروا نزلت عليكم السكينة و ثبتكم اللّه عزّ و جلّ باليقين ليعلم المنهزم أنّه مسخط ربّه و موبق نفسه إن فى الفرار موجدة اللّه عزّ و جلّ عليه و الذل اللازم و العار الباقى و اعتصار الفىء من يده و فساد العيش عليه و أن الفارّ منه لا يزيد في عمره و لا يرضى ربّه فموت المرء محقا قبل إتيان هذه الخصال خير من الرضا بالتأنيس لها و الاقرار عليها.
قال الطبري: قال أبو مخنف حدّثنا عبد السلام بن عبد اللّه بن جابر الأحمسى
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 264
أن راية بجيلة بصفين كانت في أحمس بن الغوث بن أنما رمع أبى شداد و هو قيس بن مكشوح بن هلال بن الحارث بن عمرو بن جابر بن عليّ بن اسلم بن احمس بن الغوث و قال له بجيلة خذ رايتنا فقال غيرى لكم منى قالوا ما نريد غيرك قال و اللّه لئن أعطيتمونيها لا أنتهى بكم دون صاحب الترس المذهب قالوا اصنع ما شئت فاخذها ثمّ زحف حتّى انتهى بهم إلى صاحب الترس المذهب و كان فى جماعة عظيمة من أصحاب معاوية و ذكروا أنه عبد الرحمن بن خالد بن الوليد المخزومى فاقتتل الناس هنالك قتالا شديدا فشد بسيفه نحو صاحب الترس فتعرض له رومى مولى لمعاوية فيضرب قدم أبى شداد فيقطها و يضربه أبو شداد فيقتله و اشرعت اليه الأسنة فقتل و أخذ الراية عبد اللّه بن قلع الاحمسى و هو يقول:
لا يبعد اللّه أبا شدّاد حيث أجاب دعوة المنادى
و شدّ بالسيف على الأعادى نعم الفتى كان لدى الطراد
و فى طعان الرّجل و الجلاد
فقاتل حتّى قتل فأخذ الراية أخوه عبد الرحمن بن قلع فقاتل حتّى قتل ثمّ أخذها عفيف بن إياس فلم تزل فى يده حتّى تحاجز الناس و قتل حازم بن أبى حازم الأحمسى أخو قيس بن أبى حازم يومئذ و قتل نعيم بن صهيب بن العلية البجلى يومئذ فأتى ابن عمه و سميّه نعيم بن الحارث ابن العلية معاوية و كان معه فقال إن هذا القتيل ابن عمى فهبه لى أدفنه فقال لا تدفنه فليسوا لذلك أهلا و اللّه ما قدرنا على دفن ابن عفان إلا سرا. قال و اللّه لتأذنن فى دفنه أولا لحقن بهم و لا دعنك. قال معاوية أ ترى أشياخ العرب قد أحالتهم امورهم فأنت تسألنى فى دفن ابن عمّك ادفنه إن شئت او دع فدفنه.
قال أبو مخنف حدّثنى الحارث بن حصيرة الأزدى عن أشياخ من النمر من الأزد أن مخنف بن سليم لما ندبت الازد للأزد حمد اللّه و أثنى عليه ثمّ قال ان من الخطأ الجليل و البلاء العظيم أنا صرفنا إلى قومنا و صرفوا إلينا و اللّه ما هى إلا أيدينا نقطعها بأيدينا و ما هى إلّا اجنحتنا نجدّها باسيافنا فان نحن لم نواس جماعتنا و لم نناصح صاحبنا كفرنا و إن نحن فعلنا فعزنا أبحنا و نارنا أخمدنا فقال له جندب بن
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 265
زهير و اللّه لو كنا آباءهم و ولدناهم أو كنا أبناءهم و ولدونا ثمّ خرجوا من جماعتنا و طعنوا على إمامنا و إذا هم الحاكمون بالجور على أهل ملّتنا و ذمّتنا ما افترقنا بعد أن اجتمعنا حتى يرجعوا عماهم عليه و يدخلوا فيما ندعوهم او تكثر القتلى بيننا و بينهم.
فقال له مخنف و كان ابن خالته عزّ اللّه بك النيّة أما و اللّه ما علمت صغيرا و كبيرا إلّا مشئوما و اللّه ما ميلنا الرأى قط أيهما نأتي أو أيّهما ندع في الجاهلية و لا بعد أن أسلمنا إلّا اخترت أعسرهما و أنكدهما اللّهم إن تعافى أحبّ الينا من أن تبتلى فاعط كلّ امرىء منا ما يسألك و قال أبو بريدة بن عوف اللّهم احكم بيننا بما هو أرضى لك يا قوم إنكم تبصرون بما يصنع الناس و إن لنا الاسوة بما عليه الجماعة إن كنا على حقّ و إن يكونوا صادقين فان اسوة في الشر و اللّه ما علمنا ضرر فى المحيا و الممات.
و تقدّم جندب بن زهير فبارز رأس أزد الشام فقتله الشامي و قتل من رهطه عجل و سعد ابنا عبد اللّه من بني ثعلبة و قتل مع مخنف من رهطه عبد اللّه و خالد ابنا ثاجد و عمرو و عامر ابنا عويف و عبد اللّه بن الحجاج و جندب بن زهير و أبو زينب بن عوف بن الحارث و خرج عبد اللّه بن أبي الحصين الأزدى في القراء الذين مع عمار بن ياسر فاصيب معه.
قال أبو مخنف و حدّثني الحارث بن حصيرة عن أشياخ النمر أن عقبة بن حديد النمرى قال يوم صفين ألا إن مرعي الدنيا أصبح هشيما و أصبح شجرها خضيدا و جديدها سملا و حلوها مرّ المذاق ألا و إنّي انبئكم نبأ امرىء صادق إنّي قد سئمت الدنيا و عزفت نفسي عنها و قد كنت أتمني الشهادة و أتعرض لها في كلّ جيش و غارة فأبى اللّه عزّ و جل إلّا أن يبلغني هذا اليوم ألا و إنّي متعرض لها من ساعتي هذه قد طمعت ألا احرمها فما تنتظرون عباد اللّه بجهاد من عادى اللّه خوفا من الموت القادم عليكم الذاهب بأنفسكم لا محالة أو من ضربة كف بالسيف تستبدلون الدنيا بالنظر في وجه اللّه عزّ و جل و موافقة النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين في دار القرار ما هذا بالرأى السديد.
ثمّ مضي فقال يا إخوتي قد بعت هذه الدار بالّتي أمامها و هذا وجهى إليها لا تبرح وجوهكم و لا يقطع اللّه عزّ و جل رجاءكم فتبعه إخوته عبيد اللّه و عوف و مالك و قالوا لا نطلب رزق الدنيا بعدك فقبح اللّه العيش بعدك اللّهم إنا نحتسب أنفسنا عندك فاستقدموا فقاتلوا حتى قتلوا.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 266
قال أبو مخنف حدثني ملة بن زهير النهدى عن أبي مسلم بن عبد اللّه الضبابي قال شهدت صفين مع الحىّ و معنا شمر بن ذى الجوشن الضبابي فبارزه أدهم بن محرز الباهلي فضرب أدهم وجه الشمر بالسيف و ضربه شمر ضربة لم تضرره فرجع شمر إلى رحله فشرب شربة و كان قد ظمئ ثمّ أخذ الرمح فأقبل و هو يقول:
إني زعيم لأخي بأهله بطعنة إن لم أصب عاجله
أو ضربة تحت القنا و الوغى شبيهة بالقتل أو قاتله
ثمّ حمل على أدهم فصرعه ثمّ قال هذه بتلك.
قال أبو مخنف حدّثنى عمرو بن عوف بن مالك الجشمى أن بشر بن عصمة المزنى كان لحق بمعاوية فلمّا اقتتل الناس بصفين بصر بشر بن عصمة بمالك العقدية و هو مالك بن الجلاح الجشمى و لكن العقدية غلبت عليه فرآه بشر و هو يفرى في أهل الشام فريا عجيبا و كان رجلا مسلما شجاعا فغاظ بشر ما رأى منه فحمل عليه فطعنه فصرعه ثمّ انصرف فندم لطعنته إياه جبارا فقال:
و إنى لأرجو من مليكى تجاوزا و من صاحب الموسوم فى الصدر هاجس
دلفت له تحت الغبار بطعنة على ساعة فيها الطعان تخالس
فبلغت مقالته ابن العقدية فقال:
ألا أبلغا بشر بن عصمة أنّني شغلت و ألهاني الّذين امارس
فصادفت منّي غرّة و أصبتها كذلك و الأبطال ماض و خالس
ثمّ حمل عبد اللّه بن الطفيل البكائي على جمع لأهل الشام فلما انصرف حمل عليه رجل من بني تميم يقال له قيس بن قرة ممن لحق بمعاوية من أهل العراق فيضع الرمح بين كتفى عبد اللّه بن الطفيل و يعترضه يزيد بن معاوية ابن عمّ عبد اللّه ابن الطفيل فيضع الرمح بين كتفى التميمي فقال و اللّه لئن طعنته لأطعننك فقال عليك عهد اللّه و ميثاقه لئن رفعت السنان عن ظهر صاحبك لترفعن سنانك عنى فقال له نعم لك بذلك عهد اللّه فرفع السنان عن ابن الطفيل و رفع يزيد السنان عن التميمي
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 267
فقال ممّن أنت قال من بني عامر فقال له جعلنى اللّه فداكم أبتما إلفكم الفكم كراما و إنى لحادى عشر رجلا من أهل بيتى و رهطى قتلتموهم اليوم و أنا كنت آخرهم فلما رجع الناس إلى الكوفة عتب على يزيد بن الطفيل في بعض ما يعتب فيه الرجلّ على ابن عمّه فقال:
ألم ترني حاميت عنك مناصحا بصفّين إذ خلاك كلّ حميم
و نهنهت عنك الحنظليّ و قد أتى على سابح ذى ميعة و هزيم
قال أبو مخنف حدثنى فضيل بن خديج قال خرج رجل من أهل الشام يدعو إلى المبارزة فخرج إليه عبد الرّحمن بن محرز الكندي ثمّ الطحمى فتجا و لا ساعة ثمّ إن عبد الرحمن حمل على الشامي فطعنه في ثغرة نحره فصرعه ثمّ نزل إليه فسلبه درعه و سلاحه فإذا هو حبشي فقال إنا للّه لمن اخطرت نفسى لعبد أسود و خرج رجل من عكّ يسأل المبارزة فخرج إليه قيس بن فهدان الكناني ثمّ البدني فحمل عليه العكىّ فضربه و احتمله أصحابه فقال قيس بن فهدان:
لقد علمت عكّ بصفين أنّنا إذا التقت الخيلان نطعنها شزرا
و نحمل رايات الطعان بحقها فنوردها بيضا و نصدرها حمرا
قال أبو مخنف و حدّثني فضيل بن خديج أن قيس بن فهدان كان يحرض أصحابه فيقول شدوا إذا شددتم جميعا و إذا انصرفتم فاقبلوا معا و غضوا الأبصار و أقلوا اللفظ و اعتوروا الاقران و لا يؤتين من قبلكم العرب، قال و قتل نهيك بن عزيز من بني الحارث بن عدى و عمرو بن يزيد من بني ذهل و سعيد بن عمرو و خرج قيس بن يزيد و هو ممّن فرّ إلى معاوية من على فدعا إلى المبارزة فخرج إليه أخوه أبو العمرصة بن يزيد فتعارفا فتواقفا و انصرفا إلى الناس فأخبر كلّ واحد منهما أنّه لقى أخاه.
قال أبو مخنف حدثني جعفر بن حذيفة من آل عامر بن جوين الطائى أن طيئا يوم صفين قاتلت قتالا شديدا فعبّيت لهم جموع كثيرة فجاءهم حمزة بن مالك الهمداني فقال ممن أنتم للّه أنتم؟ فقال عبد اللّه بن خليفة البولاني و كان شيعيا شاعرا
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 268
خطيبا نحن طيىء السهل و طيىء الرمل و طيىء الجبل الممنوع ذي النخل نحن حماة الجبلين إلى ما بين العذيب و العين نحن طيىء الرماح و طيىء النطاح و فرسان الصباح.
فقال حمزة بن مالك بخ بخ إنك لحسن الثناء على قومك فقال:
إن كنت لم تشعر بنجدة معشر فاقدم علينا و يب غيرك تشعر
ثمّ اقتتل الناس أشد القتال فأخذ يناديهم و يقول يا معشر طيى فدى لكم طار في و تالدى قاتلوا على الأحساب و أخذ يقول:
أنا الذي كنت إذ الداعى دعا مصمّما بالسيف ندبا أروعا
فأنزل المستلئم المقنّعا و أقتل المبالط السّميدعا
و قال بشر بن العسوس الطائى ثمّ الملقطى:
يا طيىء السهول و الأجبال ألا انهدوا بالبيض و الموالي
و بالكماة منكم الابطال فقارعوا أئمة الجهّال
السالكين سبل الضلال
ففقئت يومئذ عين أبي العسوس فقال في ذلك:
ألا ليت عيني هذه مثل هذه فلم أمش في الأناس إلّا بقائد
و يا ليتني لم أبق بعد مطرف و سعد و بعد المستنيرين خالد
فوارس لم تغذ الحواضن مثلهم إذا الحرب أبدت عن خدام الخرائد
و يا ليت رجلى ثمّ طنّت بنصفها و يا ليت كفىّ ثم طاحت بساعدى
قال أبو مخنف حدثني أبو الصلت التيمى قال حدثني أشياخ محارب أنه كان منهم رجل يقال له خنثر بن عبيدة بن خالد و كان من اشجع الناس فلما اقتتل الناس يوم صفين جعل يرى أصحابه منهزمين فأخذ ينادى يا معشر قيس إطاعة الشيطان آثر عندكم من طاعة الرحمن الفرار فيه معصية اللّه سبحانه و سخطه و الصبر فيه طاعة اللّه عز و جل و رضوانه فتختارون سخط اللّه تعالى على رضوانه و معصيته على طاعته فانّما الراحة بعد الموت لمن مات محاسبا لنفسه و قال:
لا و ألت نفس امرىء ولّى الدّبر انا الّذي لا ينثني و لا يفرّ
و لا يرى مع المعازيل الغدر
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 269
فقاتل حتّى ارتث ثم إنّه خرج مع الخمسمائة الذين كانوا اعتزلوا مع فروة ابن نوفل الأشجعي فنزلوا بالدسكرة و البندنيجين فقاتلت النخع يومئذ قتالا شديدا فاصيب منهم يومئذ بكر بن هوذة و حيان بن هوذة و شعيب بن نعيم من بني بكر النخع و ربيعة بن مالك بن و هبيل و أبي بن قيس أخو علقمة بن قيس الفقيه و قطعت رجل علقمة يومئذ فكان يقول ما احب أن رجلى أصح ما كانت و إنها لمما أرجو به حسن الثواب من ربى عزّ و جلّ و قال لقد كنت احب أن أرى فى نومى أخى أو بعض إخوانى فرأيت أخى فى النوم فقلت يا أخى ما ذا قدمتم عليه؟ فقال لى إنا التقينا نحن و القوم فاحتججنا عند اللّه عزّ و جلّ فحججناهم فما سررت منذ عقلت سروري بتلك الرؤيا.
قال أبو مخنف حدثنى سويد بن حية الأسدى عن الحضين بن المنذر أن اناسا كانوا اتوا عليّا عليه السّلام قبل الوقعة فقالوا له إنا لا نرى خالد بن المعمر إلّا قد كاتب معاوية و قد خشينا أن يتابعه فبعث إليه عليّ عليه السّلام و إلى رجال من أشرافنا، فحمد اللّه و أثنى عليه ثمّ قال:
أما بعد يا معشر ربيعة فأنتم أنصارى و مجيبو دعوتى و من أوثق حى فى العرب فى نفسى و قد بلغنى أن معاوية قد كاتب صاحبكم خالد بن المعمر و قد أتيت به و جمعتكم لأشهدكم عليه و لتسمعوا أيضا ما أقوله.
ثمّ أقبل عليه فقال عليه السّلام يا خالد بن المعمر إن كان ما بلغنى حقا فإنّى اشهد اللّه و من حضرنى من المسلمين انك آمن حتى تلحق بأرض العراق أو الحجاز أو أرض لا سلطان لمعاوية فيها و إن كنت مكذوبا عليك فان صدورنا تطمئن إليك فحلف باللّه ما فعل و قال رجال منا كثير لو كنّا نعلم أنه فعل أمثلناه.
فقال شقيق بن ثور السدوسى ما وفق خالد بن المعمر إن نصر معاوية و أهل الشام على عليّ عليه السّلام و ربيعة فقال زياد بن خصفة التيمى يا أمير المؤمنين استوثق من ابن المعمر بالأيمان لا يغدرنك فاستوثق منه ثمّ انصرفنا.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 270
فلما كان يوم الخميس «و هو اليوم التاسع من صفر» انهزم الناس من قبل الميمنة فجاءنا علىّ عليه السّلام حتى انتهى إلينا و معه بنوه فنادى بصوت عال جهير كغير المكترث لما فيه الناس: لمن هذه الرايات؟ قلنا رايات ربيعة فقال بل هى رايات اللّه عزّ و جلّ عصم اللّه اهلها فصبرهم و ثبت اقدامهم، ثمّ قال لى يافتى ألا تدنى رايتك هذه ذراعا؟ قلت: نعم و اللّه و عشر أذرع، فقمت بها فأدنيتها حتى قال إن حسبك مكانك فثبت حيث أمرنى و اجتمع أصحابى.
قال أبو مخنف حدثنا أبو الصلت التيمى قال سمعت أشياخ الحىّ من تيم اللّه ابن ثعلبة يقولون إن راية ربيعة أهل كوفتها و بصرتها كانت مع خالد بن المعمر من أهل البصرة قال و سمعتهم يقولون إن خالد بن المعمر و سفيان بن ثور اصطلحا على أن وليا راية بكر بن وائل من أهل البصرة الحضين بن المنذر الذهلى و تنافسا فى الراية و قالا هذا فتى مناله حسب نجعلها له حتى نرى من رأينا.
ثمّ إنّ عليا ولى خالد بن المعمر بعد راية ربيعة كلها و ضرب معاوية لحمير بسهمهم على ثلاث قبائل لم تكن لأهل العراق قبائل أكثر عددا منها يومئذ على ربيعة و همدان و مذحج فوقع سهم حمير على ربيعة فقال ذو الكلاع قبحك اللّه من سهم كرهت الضراب فاقبل ذو الكلاع في حمير و من تعلقها و معهم عبيد اللّه بن عمر بن الخطاب في أربعة آلاف من قراء أهل الشام و على ميمنتهم ذو الكلاع فحملوا على ربيعة و هم ميسرة أهل العراق و فيهم ابن عبّاس و هو على الميسرة فحمل عليهم ذو الكلاع و عبيد اللّه بن عمر حملة شديدة بخيلهم و رجلهم فتضعضعت رايات ربيعة الا قليلا من الأخيار و الأبدال.
ثمّ إن أهل الشام انصرفوا فلم يمكثوا الا قليلا حتى كرّوا و عبيد اللّه بن عمر يقول يا أهل الشام إن هذا الحى من أهل العراق قتلة عثمان بن عفان و انصار عليّ بن أبي طالب و إن هزمتم هذه القبيلة أدركتم ثاركم في عثمان و هلك عليّ بن أبي طالب و أهل العراق فشدوا على الناس شدة فثبتت لهم ربيعة و صبروا صبرا حسنا إلّا قليلا من الضعفاء و الفشلة و ثبت أهل الرايات و أهل الصبر منهم و الحفاظ فلم يزولوا و قاتلوا قتالا شديدا.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 271
فلما رأى خالد بن المعمر ناسا من قومه انصرفوا انصرف فلما رأى أصحاب الرايات قد ثبتوا و رأى قومه قد صبروا رجع و صاح بمن انهزم و أمرهم بالرجوع فقال من أراد من قومه أن يتهمه اراد الانصراف فلما رآنا قد ثبتنا رجع إلينا و قال هو لما رأيت رجالا منا انهزموا رأيت أن أستقبلهم و أردهم إليكم و اقبلت إليكم فيمن أطاعنى منهم فجاء بأمر مشبه.
قال أبو مخنف حدثنى رجل من بكر بن وائل عن محرز بن عبد الرّحمن العجلى أن خالدا قال يومئذ يا معشر ربيعة إنّ اللّه عزّ و جلّ قد أتى بكل رجل منكم من منبته و مسقط رأسه فجمعكم في هذا المكان جمعا لم يجمعكم مثله منذ نشركم في الأرض فإن تمسكوا بايديكم و تنكلوا عن عدوكم و تزولوا عن مصافكم لا يرضى اللّه فعلكم و لا تقدموا من الناس صغيرا أو كبيرا الا يقول فضحت ربيعة الذمار و حاصت عن القتال و اتيت من قبلها العرب فإياكم أن تتشأم بكم العرب و المسلمون اليوم و انكم إن تمضوا مقبلين مقدمين و تصيروا محتسبين فإن الاقدام لكم عادة و الصبر منكم سجية و اصبروا و نيتكم أن توجروا فإن ثواب من نوى ما عند اللّه شرف الدنيا و كرامة الاخرة و لن يضيع اللّه أجر من أحسن عملا.
فقام رجل فقال ضاع و اللّه أمر ربيعة حين جعلت إليك امورها تأمرنا ألا نزول و لا نحول حتّى تقتل أنفسنا و تسفك دماءنا ألا ترى الناس قد انصرف جلّهم.
فقام إليه رجال من قومه فنهروه و تناولوه بألسنتهم فقال لهم خالد أخرجوا هذا من بينكم فان هذا إن بقى فيكم ضرّكم و إن خرج منكم لم ينقصكم هذا الذى لا ينقص العدد و لا يملا البلد برحك اللّه من خطيب قوم كرام كيف جنبت السداد.
و اشتد قتال ربيعة و حمير و عبيد اللّه بن عمر حتّى كثرت بينهم القتلى فقتل سمير ابن الريان بن الحارث العجلى و كان من أشد الناس بأسا.
قال أبو مخنف حدثنى جعفر بن أبي القاسم العبدى عن يزيد بن علقمة عن زيد بن بدر
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 272
العبدى أن زياد بن خصفة أتى عبد القيس يوم صفين و قد عبيت قبائل حمير مع ذى الكلاع و فيهم عبيد اللّه بن عمر بن الخطاب لبكر بن وائل فقوتلوا قتالا شديدا خافوا فيه الهلاك فقال زياد بن خصفة يا عبد القيس لا بكر بعد اليوم فركبنا الخيول ثمّ مضينا فواقفنا.
فما لبثنا إلا قليلا حتّى اصيب ذو الكلاع و قتل عبيد اللّه بن عمر فقالت همدان قتله هانىء بن خطاب الارحبى و قالت حضر موت قتله مالك بن عمرو التنعى و قالت بكر بن وائل قتله محرز بن الصحصح من بني عائش بن مالك بن تيم اللّه بن ثعلبة و أخذ سيفه ذا الوشاح فأخذ به معاوية بالكوفة بكر بن وائل فقالوا إنما قتله رجل منا من أهل البصرة يقال له محرز بن الصحصح فبعث إليه بالبصرة فأخذ منه السيف و كان رأس النمر بن قاسط عبد اللّه بن عمرو من بني تميم.
قال هشام بن محمّد الذي قتل عبيد اللّه بن عمر محرز بن الصحصح و أخذ سيفه ذا الوشاح سيف عمرو في ذلك قول كعب بن جعيل التغلبي:
ألا إنما تبكى العيون لفارس بصفين أجلت خيله و هو واقف
يبدل من اسماء أسياف وائل و كان فتى لو أخطأته المتالف
تركن عبيد اللّه بالقاع مسندا تمجّ دم الخرق العروق الذّوارف
أقول: ان اسماء في البيت الثاني هى زوجة عبيد اللّه بن عمر كما سيأتي عنقريب و لنعد إلى القصة.
و قتل منهم يومئذ بشر بن مرة بن شرحبيل و الحارث بن شرحبيل و كانت اسماء ابنة عطارد بن حاجب التميمي تحت عبيد اللّه بن عمر ثمّ خلف عليها الحسن بن عليّ عليهما السّلام.
قال أبو مخنف حدثنى ابن أخي غياث بن لفيط البكرى أن عليّا عليه السّلام حيث انتهى إلى ربيعة تبارت ربيعة بينها فقالوا إن اصيب علىّ فيكم و قد لجأ إلى رايتكم افتضحتم و قال لهم شقيق بن ثور يا معشر ربيعة لا عذر لكم في العرب إن وصل إلى عليّ عليه السّلام فيكم و فيكم رجل حىّ و إن منعتموه فمجد الحياة اكتسبتموه فقاتلوا قتالا
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 273
شديدا حين جاءهم عليّ عليه السّلام لم يكونوا قاتلوا مثله ففي ذلك قال عليّ عليه السّلام.
لمن راية سوداء يخفق ظلّها إذا قيل قدمها حضين تقدما
يقدّمها في الموت حتّى يزيرها حياض المنايا تقطر الموت و الدّما
أذقنا ابن حرب طعننا و ضرابنا بأسيافنا حتى تولى و أحجما
جزى اللّه قوما صابروا في لقائهم لدا الموت قوما ما أعف و اكرما
و اطيب أحبارا و أكرم شيمة إذا كان أصوات الرّجال تغمغما
ربيعة اعني انهم أهل نجدة و بأس إذا لاقوا جشيما عرمرما
مقتل أبى اليقظان عمار بن ياسر رضوان الله عليه و نسبه و اسلامه و طائفة ما جاء فيه من الاخبار و الاحوال:
هو (ره) من كبار الفقهاء و عظام العلماء، صحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أخذ منه و من عليّ عليه السّلام معالم الدين و معارف اليقين و كان من شيعة أمير المؤمنين و قتله الفئة الباغية في صفّين مجاهدا في سبيل اللّه ناصرا لوليه خير خلقه بعد رسوله عليّ عليه السّلام و سيتّضح لك جلالة شأنه و علوّ مقامه و ثبات قدمه في الدين و خلوصه في حبّ عليّ أمير المؤمنين عليه السّلام بما نذكر من الأخبار المأثورة عن الفريقين، و في الدر المنثور: و كان أبو هريرة يقول إن عمار بن ياسر أجاره اللّه من الشيطان على لسان نبيّه صلّى اللّه عليه و آله.
و قال ابن هشام في السيرة اسلم قبل الهجرة في مكّة بدعوة أبي بكر و قال في موضعين من كتابه السيرة النبوية «1»: عمار بن ياسر عنسى من مذحج، حليف بني مخزوم بن يقظة.
و قال المسعودي في مروج الذهب و قد تنوزع في نسبه فمن الناس من الحقه ببني مخزوم و منهم من رأى أنه من حلفائهم و منهم من رأى غير ذلك.
و عمار و الحويرث «مصغر حارث» و عبود: بنو ياسر، و من ولد عمار عبد اللّه
______________________________
(1)- ص 261 ج 1 و ص 683 ج 1 طبع 1357 ه.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 274
ابن سعد و هو المقتول بالاندلس قتله عبد الرّحمن بن معاوية، و يكنى عمار (ره) بأبي اليقظان.
قال الواقدي و ابن الاثير في اسد الغابة و طائفة من أهل العلم بالنسب و الخبر إنّ ياسرا والد عمار عرني قحطاني مذحجى من عنس فى مذحج إلا أن ابنه عمارا مولى لبني مخزوم لأن أباه ياسرا تزوج امة لبعض بني مخزوم فولدت له عمارا و ذلك أن ياسرا والد عمار قدم مكة مع أخوين له، أحدهما يقال له الحارث و الثاني مالك فرجع الحارث و مالك إلى اليمن و أقام ياسر بمكة فحالف أبا حذيفة ابن المغيرة بن عبد اللّه بن عمر بن مخزوم فزوجه أبو حذيفة أمة له يقال لها سمية «على التصغير» بنت خياط فولدت له عمار فاعتقه أبو حذيفة فمن هذا هو عمار مولى لبني مخزوم، و للحلف و الولاء الذي بين بني مخزوم و ابن عمار و أبيه ياسر كان اجتماع بني مخزوم إلى عثمان حين نال من عمار غلمان عثمان ما نالوا من الضرب حتى انفتق له فتق في بطنه فاجتمعت بنو مخزوم و قالوا و اللّه لئن مات ما قتلنا به أحدا غير عثمان.
و كان اسم أبي حذيفة مولى سمية: مهشم، و هو عم أبى جهل و قال بعض أهل التحقيق: قد غلط ابن قتيبة فيها فزعم ان الازرق مولى الحارث بن كلدة خلف عليها بعد ياسر فولدت له سلمة بن الازرق، و الصحيح أن ام سلمة بن الأزرق سمية اخرى و هى ام زياد بن أبى سفيان لا ام عمار.
قال أبو جعفر الطبرى فى تاريخه (ص 428 ج 3 طبع 1357 ه): كتب إلى السريّ عن شعيب عن سيف عن عبد اللّه بن سعيد بن ثابت و يحيى بن سعيد قالا سأل سائل سعيد بن المسيب عن عمار بن ياسر ما دعاه إلى الخروج على عثمان؟ قال كان بينه و بين عبّاس بن عتبة ابن أبى لهب كلام فضربهما عثمان فأورث ذاك بين آل عمار و آل عتبة شرا حتى اليوم و كنا عما ضربا عليه و فيه.
و قال الشارح المعتزلي فى الجزء الثاني من شرحه: فضربهما عثمان فاورث ذلك تعاديا بين عمار و عثمان و قد كانا تقاذفا قبل ذلك
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 275
أقول: و في كثير من أسفار الفريقين أن عثمان بن عفان ضربه حتى غشى عليه و أنه أمر غلمانه فمدّوا بيديه و رجليه ثمّ ضربه برجليه و هما في الخفين على مذاكيره فاصابه الفتق و كسر ضلعا من اضلاعه، و هذا هو غير مختلف فيه بين رواة الفريقين و انما اختلفوا في سببه و لعلنا نأتي بها في مباحثنا الاتية إن شاء اللّه تعالى و هذا احد المطاعن الواردة على عثمان بلا كلام و من اعذره فيه فقد تعصب فيه و تعسف و ما له في قوله بسلطان.
و قال غير واحد من المفسرين و منهم الطبرسي في مجمع البيان ان قوله تعالى «مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ» (الاية 106 من النحل) نزل في جماعة اكرهوا و هم عمار و ياسر أبوه و امه سمية و صهيب و بلال و خباب عذبوا و قتل أبو عمّار ياسر و امّه سميّة و اعطاهم عمار بلسانه ما أرادوا منه ثم أخبر سبحانه بذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال قوم كفر عمار فقال صلّى اللّه عليه و آله كلّا إنّ عمارا ملىء إيمانا من قرنه إلى قدمه و اختلط الايمان بحلمه و دمه و جاء عمّار إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هو يبكى فقال صلّى اللّه عليه و آله و ما ورائك فقال شرّ يا رسول اللّه ما تركت حتى نلت منك و ذكرت آلهتهم بخير فجعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يمسح عينيه و يقول إن عادوا لك فعدلهم بما قلت فنزلت الاية عن ابن عبّاس و قتادة، و كذا في اسد الغابة باسناده إلى عليّ بن أحمد بن متويه.
و في كتاب نصر بن مزاحم باسناده عن محمّد بن مروان عن الكلبى عن أبي صالح عن ابن عبّاس في قول اللّه عزّ و جل «وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَ اللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ» قال نزلت في رجل و هو صهيب بن سنان مولى عبد اللّه بن جذعان أخذه المشركون في رهط من المسلمين فيهم خير مولى قريش لبني الحضرمي و خبّاب بن الارتّ مولى ثابت بن ام انمار و بلال مولى أبي بكر و عايش مولى حويطب بن عبد العزى و عمار بن ياسر و ابى عمار و سمية امّ عمار فقتل أبو عمار و امّ عمار و هما اوّل قتيلين قتلا من المسلمين و عذب الاخرون بعد ما خرج النبيّ صلّى اللّه عليه و آله من مكة إلى المدينة فأرادوهم على الكفر.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 276
فاما صهيب فكان شيخا كبيرا ذا متاع فقال للمشركين هل لكم إلى خير؟
فقالوا ما هو؟ قال: أنا شيخ كبير ضعيف لا يضركم منكم كنت او من عدوّكم و قد تكلمت بكلام أكره أن انزل عنه فهل لكم أن تأخذوا مالى و تذروني و ديني ففعلوا فنزلت هذه الاية، فلقاه أبو بكر حين دخل المدينة فقال: ربح البيع يا صهيب، و قال: و بيعك لا يخسر و قرأ هذه الاية ففرح بها.
و أما بلال و خبّاب و عايش و عمّار و أصحابهم فعذّبوا حتى قالوا بعض ما أراد المشركون ثمّ ارسلوا ففيهم نزلت هذه الاية «وَ الَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ لَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ» .
أقول: اكثر المفسرين ذهبوا إلى أن الاية الاولى نزلت في عليّ عليه السّلام ليلة المبيت و ان ما نزل في عمار و أصحابه آية النحل الماضية و لا بعد أن يقال أن الراوي سهى في ذلك و اخذ آية «وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي» مكان آية «مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ» و اللّه تعالى يعلم.
و في السيرة الهشامية (ص 319 ج 1 طبع مصر 1375 ه) في تعذيب قريش لعمار بن ياسر و تصبير رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله له: قال ابن اسحاق و كانت بنو مخزوم يخرجون بعمار بن ياسر و بأبيه و امه و كانوا أهل بيت اسلام إذا حميت الظهيرة يعذبونهم برمضاء مكّة فيمرّ بهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فيقول فيما بلغني: صبرا آل ياسر، موعدكم الجنة فأمّا امّه فقتلوها و هي تابي إلّا الاسلام.
و روى غيره أن عمارا قال لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: لقد بلغ منا العذاب كل مبلغ فقال له النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله: صبرا أبا اليقطان، ثمّ قال صلّى اللّه عليه و آله اللهم لا تعذب أحدا من آل عمار بالنار.
و روى الفريقان أن ياسرا و سمية أبوى عمار رضوان اللّه عليهم أول شهيدين في الاسلام بل قيل أوّل شهيد استشهد في الاسلام امّ عمّار سمية طعنها أبو جهل بطعنة في قبلها أو في قلبها على اختلاف النسخ.
و في اسد الغابة و كان اسلام عمار بعد بضعة و ثلاثين رجلا و هو و أبوه و امّه من السابقين و اسلم عمار و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في دار الارقم هو و صهيب بن سنان في وقت واحد.
و فيه: قال عمار لقيت صهيب بن سنان على باب دار الأقم و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 277
فيها فقلت ما تريد؟ فقال و ما تريد أنت؟ فقلت اردت أن ادخل على محمّد و أسمع كلامه فقال و أنا اريد ذلك فدخلنا عليه فعرض علينا الاسلام فأسلمنا.
أقول: أرقم هذا هو أرقم بن أبي الأرقم و اسم أبى الأرقم عبد مناف بن أسد بن عبد اللّه بن عمرو بن مخزوم القرشي المخزومي كان من السابقين الاولين إلى الاسلام قيل كان ثاني عشر.
و في مجالس المؤمنين للقاضي نور اللّه الشهيد (ره) نقلا عن الاستيعاب اسلم أرقم بعد سبعة أو عشرة.
و كان من المهاجرين الأولين و هو الّذي استخفى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في داره و هي في أصل الصفا و المسلمون معه بمكة لما خافوا المشركين فلم يزالوا بها حتّى كملوا أربعين رجلا و كان آخرهم اسلاما عمر بن الخطاب فلما كملوا به أربعين خرجوا و توفى الارقم سنة ثلاث و خمسين و هو ابن ثلاث و ثمانين سنة، و لنعد إلى القصة:
و في اسد الغابة باسناده إلى علقمة عن خالد بن الوليد قال كان بيني و بين عمار كلام فاغلظت له في القول فانطلق عمّار يشكوني إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فجاء خالد و هو يشكوه إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال فجعل يغلظ له و لا يزيده إلّا غلظة و النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله ساكت لا يتكلم فبكى عمار و قال يا رسول اللّه ألا تراه فرفع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله رأسه و قال من عادى عمارا عاداه اللّه و من أبغض عمارا أبغضه اللّه، قال خالد فخرجت فما كان شيء احب إلىّ من رضى عمار فلقيته فرضى.
و فيه باسناده عن عطاء بن يسار عن عائشة قالت قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما خير عمار بين أمرين الا اختار أرشدهما.
و في كتاب نصر بن مزاحم باسناده عن هاني بن هاني عن عليّ عليه السّلام قال: جاء عمار بن ياسر يستأذن على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال ائذنوا له مرحبا بالطيب ابن الطيب.
و في اسد الغابة: مرحبا بالطيب المطيب.
و في كتاب نصر: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لقد ملى عمار ايمانا إلى مشاشه
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 278
و قال صلّى اللّه عليه و آله ان الجنة لتشتاق إلى ثلاثة: علىّ و عمار و سلمان.
شهد عمار قتال مسيلمة الكذاب و اصيبت اذنه يوم اليمامة فقطعت و تدلّت على كتفه ففي مجالس المؤمنين للقاضي نور اللّه و في اسد الغابة لابن الاثير باسناده عن ابن عمر قال رأيت عمّار بن ياسر يوم اليمامة على صخرة قد اشرف يصيح يا معشر المسلمين- و كانوا قد هربوا من الحرب- أمن الجنة تفرّون إلىّ إلىّ أنا عمّار ابن ياسر هلموا إلىّ قال و أنا أنظر إلى اذنه قد قطعت فهى تذبذب و هو يقاتل أشد القتال.
أقول: اما أن ما عنون في الكتب الرجالية في كنيته رضوان اللّه عليه بأبي اليقظان فما وجدت في كتاب أن يكون له ولد كان اسمه يقظان حتّى يكنى بأبي اليقظان و جاء في كتب الادب و اللغة أن أبا اليقظان يكون كنية للدّيك و ظنى أن عمار رضوان اللّه عليه لما كان رجلا نبيها يقظان عارفا بدين اللّه كنّى به و كان أيضا في الحروب بطلا فحلا و شجاعا يهابه النّاس و كمّيا لم ير فى معسكر عليّ عليه السّلام بعد الأشتر مثله بل هو ممن قاتل فى سبيل اللّه من بدء ظهور الاسلام إلى يوم صفين فى المشاهد ممّا يتحيّر فيه العقول فى ثباته فى الدين و خلوصه و كان يتقيه و يحذره الابطال فى المعارك و المهالك، كنى بأبى اليقظان كما نقول نحن فى الفارسيّة بالرجل الشجاع المصارع، خروس جنگى، و هذا ممّا تفردت به و لم اجده فى كتاب و ما سمعت من أحد و اللّه هو العالم.
و هاجر عمار إلى أرض الحبشة و قال ابن هشام فى السيرة: فلمّا رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما يصيب أصحابه من البلاء و ما هو فيه من العافية بمكانه من اللّه و من عمه أبى طالب و أنّه لا يقدر على أن يمنعهم ممّا هم فيه من البلاء، قال لهم لو خرجتم إلى أرض الحبشة فان بها ملكا لا يظلم عنده أحد و هى أرض صدق حتّى يجعل اللّه لكم فرجا مما أنتم فيه فخرج عند ذلك المسلمون من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى أرض الحبشة مخافة الفتنة و فرارا إلى اللّه بدينهم فكانت أوّل هجرة كانت فى الاسلام «إلى أن قال» فى (ص 330 ج 1 طبع 1375 ه) بعد عدّ من هاجر من المسلمين إلى الحبشة: فكان
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 279
جميع من لحق بأرض الحبشة و هاجر إليها من المسلمين سوى ابنائهم الّذين خرجوا بهمم معهم صغارا و ولدوا بها ثلاثة و ثمانين رجلا، إن كان عمار بن ياسر فيهم و هو يشك فيه.
و كذا قال في ذكر من عاد من أرض الحبشة لما بلغهم اسلام أهل مكة، بعد عد عدّة منهم: و من حلفاء بني مخزوم: عمار بن ياسر، يشكّ فيه أ كان خرج إلى الحبشة أم لا؟
و لقد شهد عمار رحمه اللّه تعالى بدرا و المشاهد كلها و أبلى ببدر بلاء حسنا و قتل في بدر كما في السيرة الهشامية عامر ابن الحضرميّ و رجلا شجاعا آخر أحد بني عمرو بن تميم و عليّ بن اميّة بن خلف.
قال ابن هشام: و يقال إن زيد بن حارثة و عمار بن ياسر قتلا معاوية بن المغيرة بعد حمراء الأسد، كان لجأ إلى عثمان بن عفان فاستأمن له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على أنه إن وجد بعد ثلاث قتل فأقام بعد ثلاث و توارى فبعثهما النّبي صلّى اللّه عليه و آله و قال إنكما ستجد انه بموضع كذا و كذا فوجداه فقتلاه.
و في غزوة ذات الرقاع كان عمار بن ياسر و عبّاد بن بشر «1» قاما على حراسة جيش الرسول صلّى اللّه عليه و آله و اصيبا في ذلك من الالم و الاذى.
في السيرة الهشامية: قال ابن إسحاق و حدثني عمّي صدقة بن يسار عن عقيل بن جابر عن جابر بن عبد اللّه الانصاري قال:
خرجنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في غزوة ذات الرقاع من نخل فأصاب رجل امرأة رجل من المشركين فلما انصرف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قافلا أتى زوجها و كان غائبا فلما اخبر الخبر حلف لا ينتهى حتّى يهريق في أصحاب محمّد صلّى اللّه عليه و آله دما فخرج
______________________________
(1) قال ابن حجر فى التقريب: عباد بن بشر بن وقش (بفتح الواو و القاف و بمعجمة) الانصارى من قدماء الصحابة اسلم قبل الهجرة و شهد بدرا و ابلى يوم اليمامة (يعنى يوم قتال المسلمين مع مسيلمة بن حبيب المتنبى الكذاب فى اليمامة بعد رحلة رسول اللّه «ص») فاستشهد بها.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 280
يتبع أثر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فنزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله منزلا فقال من رجل يكلؤنا ليلتنا هذه؟ قال فانتدب رجل من المهاجرين و رجل آخر من الانصار فقالا نحن يا رسول اللّه، قال فكونا في فم الشعب، قال و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قد نزلوا إلى شعب من الوادى و هما عمار بن ياسر و عباد بن بشر فيما قال ابن هشام.
قال ابن إسحاق فلما خرج الرجلان إلى فم الشعب قال الانصاري للمهاجرى «يعني قال عباد بن بشر لعمار بن ياسر» أى الليل تحب أن أكفيكه: أوّله أم آخره؟ قال بل اكفنى أوله قال فاضطجع المهاجرى فنام و قام الأنصاري يصلّى قال: و أتى الرجل فلما رأى شخص الرجل عرف انه ربيئة القوم «اى الطليعة الذي يحرس القوم» قال فرمى بسهم فوضعه فيه، قال: فنزعه و وضعه، فثبت قائما، قال: ثمّ رماه بسهم آخر فوضعه فيه، قال فنزعه فوضعه، و ثبت قائما، ثمّ عادله بالثالث، فوضعه فيه، قال: فنزعه فوضعه ثمّ ركع و سجد، ثمّ أهبّ صاحبه «يعني أيقظ عمارا» فقال اجلس فقد أثبتّ «يعني جرحت جرحا لا يمكن التحرك معه» قال: فوثب فلمّا رآهما الرجل عرف أن قد نذرا به «أى علما به» فهرب.
و لما رأى المهاجري ما بالأنصاري من الدماء، قال: سبحان اللّه أفلا أهببتني أول ما رماك؟ قال: كنت في سورة أقرؤها فلم احب أن أقطعها حتى أنفدها فلما تابع على الرمى ركعت فاذنتك و ايم اللّه لو لا أن اضيع ثغرا أمرنى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بحفظه لقطع نفسى قبل أن أقطعها أو أنفدها.
و في السيرة الهشامية ايضا في تكنية الرسول صلّى اللّه عليه و آله لعلي عليه السّلام بأبى تراب في غزوة العشيرة:
قال ابن إسحاق فحدثني يزيد بن محمّد بن خيثم المحاربى عن محمّد بن كعب القرظي عن محمّد بن خيثم أبي يزيد عن عمار بن ياسر، قال:
كنت أنا و علىّ بن أبي طالب رفيقين في غزوة العشيرة فلما نزلها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أقام بها رأينا اناسا من بني مدلج يعملون في عين لهم و في نخل فقال لي عليّ بن أبي طالب يا أبا اليقظان هل لك في أن تأتي هؤلاء القوم فنظر كيف يعملون؟ قال
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 281
قلت إن شئت، قال فجئناهم فنظرنا إلى عملهم ساعة ثمّ غشينا النوم فانطلقت أنا و عليّ حتّى اضطجعنا في صور من النخل و في دقعاء من التراب فنمنا فو اللَّه ما أهبّنا إلا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله يحركنا برجله و قد تترّبنا من تلك الدقعاء التي نمنا فيها فيومئذ قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله لعليّ بن أبي طالب مالك يا أبا تراب لما يرى عليه من التراب ثمّ قال ألا احدّثكما بأشقى النّاس رجلين؟ قلنا: بلى يا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله قال: احيمر ثمود الذي عقر النّاقة و الذي يضر بك يا علي على هذه و وضع يده على قرنه حتّى يبلّ منها هذه و أخذ بلحيته. «احيمر ثمود هو الذى عقر ناقة صالح و اسمه قدار بن سالف».
و في السيرة الهشامية (ص 392 ج 1 طبع 1375 ه) قال ابن إسحاق و كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله إذا جلس في المسجد فجلس إليه المستضعفون من أصحابه: خبّاب و عمّار، و أبو فكيهة يسار مولى صفوان بن اميّة بن محرّث، و صهيب و أشباههم من المسلمين هزئت بهم قريش و قال بعضهم لبعض هؤلاء أصحابه كما ترون أهولاء منّ اللَّه عليهم من بيننا بالهدى و الحق! لو كان ما جاء به محمّد صلّى اللَّه عليه و آله خيرا ما سبقنا هؤلاء إليه و ما خصّهم اللَّه به دوننا فأنزل اللَّه تعالى فيهم: «وَ لا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ» إلى قوله تعالى «وَ إِذا جاءَكَ ...» (سورة الانعام من الاية 53 إلى 55).
و لما آخى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله بين أصحابه من المهاجرين و الأنصار كان عمار ابن ياسر و حذيفة بن اليمان اخوين، و يقال عمار و ثابت بن قيس كانا اخوين، و في الدر المنثور كما في مادّة «عمر» من سفينة البحار: و كان أبو هريرة يقول إن عمار بن ياسر أجاره اللَّه من الشيطان على لسان نبيّه صلّى اللَّه عليه و آله.
و لما هاجر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله إلى المدينة أمر صلّى اللَّه عليه و آله أن يبنى في المدينة مسجدا و في السيرة الهشامية (ص 496 ج 1) و نزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله على أبي أيّوب حتى بنى مسجده و مساكنه فعمل فيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله ليرغّب المسلمين في العمل فيه فعمل فيه المهاجرون و الأنصار و دأبوا فيه، «إلى أن قال:» فدخل عمار بن ياسر و قد
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 282
أثقلوه باللّبن، فقال: يا رسول اللَّه قتلوني، يحملون علىّ ما لا يحملون. قالت امّ سلمة زوج النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله فرأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله ينفض و فرته بيده و كان رجلا جعدا و هو صلّى اللَّه عليه و آله يقول: ويح ابن سمية، ليسوا بالّذين يقتلونك انما تقتلك الفئة الباغية.
و في تاريخ الطبرى: الناس ينقلون حجرا حجرا و لبنة لبنة و عمار ينقل حجرين حجرين و لبنتين لبنتين رغبة في الأجر و سيأتي تفصيله ثمّ قال ابن هشام و ارتجز عليّ بن أبي طالب عليه السّلام يومئذ:
لا يستوى من يعمر المساجدا يدأب فيه قائما و قاعدا
و من يرى عن الغبار حائدا
فأخذها عمار بن ياسر فجعل يرتجز بها فلما أكثر ظن رجل من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله إنّما يعرّض به، فقال له الرجل سمعت ما تقول منذ اليوم يا ابن سميّة و اللَّه إني لأراني سأعرض هذه العصا لانفك، و في يده عصا، فغضب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله ثمّ قال: ما لهم و لعمّار يدعوهم إلى الجنة و يدعونه إلى النار، و إن عمارا جلدة ما بين عينيّ و أنفي فاذا بلغ ذلك من الرّجل فلم يستبق فاجتنبوه.
أقول: ذلك الرجل هو عثمان بن عفان كما صرّح به غير واحد من الفريقين و قال السهيلي و قد سمى ابن إسحاق الرّجل و كره ابن هشام أن يسمّيه كى لا يذكر أحدا من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله بمكروه، و قال أبو ذر: و قد سمى ابن إسحاق الرجل فقال إن هذا الرجل هو عثمان بن عفان. و في المواهب اللدنية ان الرجل هو عثمان ابن مظعون و هو خطأ جدا و ظن محض لا يساعده خبر و لا أثر و عدل إليه لبعض شأنه.
قال ابن هشام في السيرة: و ذكر سفيان بن عيينة عن زكريا عن الشّعبي قال: إن أوّل من بنى مسجدا عمار بن ياسر.
أقول: يعني بهذا الحديث مسجد قبا لأن عمارا هو الذي أشار على النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ببنيانه و هو جمع الحجارة له فلما أسّسه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله استتم بنيانه عمار، كما
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 283
في روض الأنف، و قال في اسد الغابة: و من مناقبه أنه أوّل من بنى مسجدا في الاسلام، و قال باسناده عن الحكم بن عيينة قال قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله المدينة أوّل ما قدمها ضحى فقال عمار ما لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله بدّ من أن نجعل له مكانا إذا استظل من قائلته ليستظلّ فيه و يصلى فيه فجمع حجارة فبنى مسجد قبا فهو أوّل مسجد بنى و عمار بناه.
و في مادة «عمر» من سفينة البحار: عن أبي عبيدة بن محمّد بن عمار عن أبيه عن جدّه عمار قال كنت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله في بعض غزواته و قتل عليّ عليه السّلام أصحاب الألوية و فرّق جمعهم و قتل عمرو بن عبد اللَّه الجمحى و قتل شيبة بن نافع اتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله فقلت يا رسول اللَّه إنّ عليّا عليه السّلام قد جاهد في اللَّه حق جهاده فقال صلّى اللَّه عليه و آله لانه منى و أنا منه وارث علمي و قاضي ديني و منجز وعدى و الخليفة بعدي و لولاه لم يعرف المؤمن المحض بعدي، حربه حربي و حربي حرب اللَّه و سلمه سلمى و سلمي سلم اللَّه الا انه أبو سبطي و الأئمة بعدي من صلبه يخرج اللَّه تعالى الأئمة الراشدين و منهم مهديّ هذه الامّة.
فقلت بأبي أنت و امي يا رسول اللَّه ما هذا المهدي؟
قال صلّى اللَّه عليه و آله يا عمّار إنّ اللَّه تبارك و تعالى عهد إلىّ انّه يخرج من صلب الحسين عليه السّلام أئمة تسعة و التاسع من ولده يغيب عنهم و ذلك قوله عزّ و جلّ «قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ» يكون له غيبة طويلة يرجع عنها قوم و يثبت عليها آخرون فاذا كان في آخر الزمان يخرج فيملا الدنيا قسطا و عدلا و يقاتل على التاويل كما قاتلت على التنزيل و هو سميّى و أشبه الناس بي يا عمار ستكون بعدى فتنة فاذا كان كذلك فاتّبع عليا و حزبه فانه مع الحق و الحق معه يا عمّار إنك ستقاتل مع عليّ عليه السّلام صنفين: الناكثين و القاسطين، ثمّ تقتلك الفئة الباغية قلت يا رسول اللَّه أليس ذلك على رضا اللَّه و رضاك؟ قال نعم على رضا اللَّه و رضاى و يكون آخر زادك شربة من لبن تشربه.
فلمّا كان يوم صفين خرج عمار بن ياسر إلى أمير المؤمنين عليه السّلام فقال له يا أخا
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 284
رسول اللَّه أ تأذن لي في القتال قال مهلا رحمك اللَّه فلمّا كان بعد ساعة اعاد عليه الكلام فأجابه بمثله فأعاده ثالثا فبكى أمير المؤمنين عليه السّلام فنظر إليه عمّار فقال يا أمير المؤمنين انه اليوم الّذي وصف لى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله.
فنزل أمير المؤمنين علي بغلته و عانق عمّارا و ودّعه ثمّ قال يا أبا اليقظان جزاك اللَّه عن اللَّه و عن نبيّك خيرا فنعم الاخ كنت و نعم الصاحب كنت ثمّ بكى عليه السّلام و بكى عمار ثمّ برز إلى القتال و ذكر قتاله إلى أن قتل رضى اللَّه عنه فلما كان الليل طاف أمير المؤمنين عليه السّلام في القتلي فوجد عمّارا ملقى فجعل رأسه على فخذه ثمّ بكى و أنشأ:
أيا موت كم هذا التفرق عنوة فلست تبقى لى خليل خليل
الا يا أيها الموت الذي ليس تاركى ارحنى فقد افنيت كلّ خليل
اراك بصيرا بالذين احبهم كانك تمضى نحوهم بدليل
و في رواية ابن أعثم فأتاه علىّ عليه السّلام و قال إنّا للَّه و إنّا إليه راجعون إن امرأ لم يدخل عليه مصيبة من قتل عمار فما هو فى الاسلام من شيء ثمّ صلّى عليه و قرء هاتين البيتين.
و نقل انه لما قتل يوم صفين احتمله أمير المؤمنين عليه السّلام إلى خيمته و جعل يمسح الدم عن وجهه و يقول:
و ما ظبية تسبى الظباء بطرفها إذا نبعثت خلنا باجفانها سحرا
بأحسن ممّن خضّب السيف وجهه دما فى سبيل اللَّه حتّى قضى صبرا
و قتل (ره) فى صفين فى اليوم التاسع من صفر عند المساء سنة سبع و ثلاثين و سنّه إذ ذاك تزيد على التسعين فقال بعض و هو يومئذ ابن أربع و تسعين سنة و قال آخر و له ثلاث و تسعون سنة و الظاهر أن الثاني أخذ السنين تامّة دون الاوّل و نقل ابن الاثير فى اسد الغابة قولا آخر بعد القولين: و قيل احدى و تسعون.
قال أبو جعفر الطبري فى تاريخه: قال أبو مخنف حدثنى عبد الملك بن أبى حر الحنفى أن عمّار بن ياسر خرج إلى النّاس فقال اللهمّ إنك تعلم أنى لو أعلم أن
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 285
رضاك فى أن أقذف بنفسى فى هذا البحر لفعلته، اللهم إنّك تعلم أنى لو أعلم أن رضاك فى أن أضع ظبة سيفى فى صدرى ثمّ انحنى عليها حتى تخرج من ظهري لفعلت و إنى لا أعلم اليوم عملا هو أرضى لك من جهاد هؤلاء الفاسقين و لو أعلم أن عملا من الأعمال هو أرضى لك منه لفعلته.
ثمّ قال: قال أبو مخنف و حدّثني الصقعب بن زهير الأزدى قال سمعت عمارا يقول و اللَّه إنّى لأرى قوما ليضربنكم ضربا يرتاب منه المبطلون و ايم اللَّه لو ضربونا حتى يبلغوا بناسعفات هجر لعلمنا أنا على الحق و أنهم على الباطل.
و فى مروج الذهب قال عمّار بن ياسر إنّي لأرى وجوه قوم لا يزالون يقاتلون حتّى يرتاب المبطلون و اللَّه لو هزمونا حتى يبلغوا بناسعفات هجر لكنا على الحق و كانوا على الباطل.
أقول: هرج محركة بلد باليمن مذكر مصروف و قد يؤنث و يمنع من الصرف و هجر هذه معروفة بكثرة التمر و النخيل و منه المثل المعروف: كناقل التمر إلى هجر، و فى النهاية الاثيرية هجر اسم بلد معروف بالبحرين و هو مذكر مصروف، و الظاهر انما صحف من النساخ اليمن بالبحرين و لا بعد فيه و كم له من نظير، و هجر أيضا قرية من قرى المدينة تنسب اليها القلال، و المراد هنا هجر الاولى بقرينة السعفات كما هو ظاهر كلام ابن الانير فى مادة «سعف» من النهاية قال: و فى حديث عمار لو ضربونا حتّى يبلغوا بنا سعفات هجر، السعفات جمع سعفة بالتحريك و هى أغصان النخيل و قيل إذا يبست سميت سعفة و إذا كانت رطبة فهى شطبة و إنما خصّ هجر للمباعدة فى المسافة و لانها موصوفة بكثرة النخيل.
و فى اسد الغابة: «حتى يبلغوا بناشعاب هجر» و لكن فى كتاب نصر بن مزاحم و نهاية ابن الأثير و تاريخ الطبري و بحار المجلسى و غيرها «سعفات هجر» و هذه اولى من الاولى لمكان النخيل و يشبه ان تكون الاولى مصحفة و يؤيد قولنا ترجمة القاضى نور اللَّه الشهيد الحديث بالفارسية حيث قال فى مجالس المؤمنين: و اللَّه اگر شما بر ما چنان غالب مى شديد كه تا نخلستان هجر ما را مى گريزانيد بيقين خواهيم دانست كه ما بر حقيم و شما بر باطل.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 286
و معنى قوله رضوان اللَّه عليه «حتّى يرتاب المبطلون» أن هؤلاء الفئة الباغية اعنى جنود معاوية لما ضربوا و قتلوا من كان ناصرا و ممدا لأهل الحق اعنى احزاب عليّ عليه السّلام فعند ذلك يقول من لم يكن على النهج القويم و الصراط المستقيم لو لم يكن معاوية و اتباعه على حق لما ظهروا على عليّ عليه السّلام و أشياعه و هذا ريب يعتريه كما نرى كثيرا من رذلة الناس و سفلتهم عند منازعة أهل الحق و الباطل في أمر لو منع أهل الحق من عمله و انفاذ أمره يقولون لو كانوا على حق لما ظهر هؤلاء عليهم و أما من كان على بصيرة في دينه فيقول: و اللَّه لو هزمونا حتّى يبلغوا بنا سعفات هجر لكنا على الحق و كانوا على الباطل. و لنعد إلى القصة:
قال الطبرى باسناده عن زيد بن وهب الجهني: أن عمار بن ياسر رحمه اللَّه قال يومئذ أين من يبتغي رضوان اللَّه عليه و لا يؤب إلى مال و لا ولد؟ فاتته عصابة من الناس فقال أيها الناس اقصدوا بنا نحو هؤلاء الّذين يبغون دم ابن عفان و يزعمون انه قتل مظلوما و اللَّه ما طلبتم بدمه و لكن القوم ذاقوا الدنيا فاستحبوها و استمرءوها و علموا أن الحق إذا لزمهم حال بينهم و بين ما يتمرغون فيه من دنياهم و لم يكن للقوم سابقة في الاسلام يستحقون بها طاعة الناس و الولاية عليهم فخدعوا أتباعهم أن قالوا إمامنا قتل مظلوما ليكونوا بذلك جبابرة ملوكا و تلك مكيدة بلغوا بها ما ترون و لو لا هي ما تبعهم من النّاس رجلان، اللهم إن تنصرنا فطال ما نصرت و إن تجعل لهم الأمر فادخر لهم بما أحدثوا فى عبادك العذاب الأليم، ثمّ مضى و مضت تلك العصابة التي أجابته حتى دنا من عمرو فقال يا عمرو بعت دينك بمصر تبّا لك تبّا طالما بغيت في الاسلام عوجا.
و قال الطبرى و نصر بن مزاحم: ثمّ قال عمار لعبيد اللَّه بن عمر بن الخطاب صرعك اللَّه بعت دينك من عدو الأسلام و ابن عدوّه.
قال كلا و لكن أطلب بدم عثمان بن عفان الشهيد المظلوم قال له أشهد على علمى فيك أنك أصبحت لا تطلب بشيء من فعلك وجه اللَّه عزّ و جلّ و أنك ان لم تقتل
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 287
اليوم فستموت غدا فانظر إذا أعطى اللَّه العباد على قدر نيّاتهم ما نيّتك.
و قال الطبري في تاريخه باسناده عن أبي عبد الرّحمن السلمي قال سمعت عمار بن ياسر بصفين و هو يقول لعمرو بن العاص لقد قاتلت صاحب هذه الراية ثلاثا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و هذه الرابعة ما هي بأبرّ و لا أتقى.
أقول: كان عمرو بن العاص عامل عمر بن الخطاب على مصر إلى السنة التي قتل فيها فلما ولى عثمان اقره سنتين من إمارته ثمّ عزل عمرا و استعمل عبد اللَّه بن سعد بن أبى السرح و كان عثمان لا يعزل أحدا إلّا عن شكاة أو استعفاء من غير شكاة و لم يكن عزله عمرا عن استعفائه، و كتب عبد اللَّه بن سعد إلى عثمان يقول إن عمرا كسر الخراج فكتب عثمان إلى عمرو انصرف و ولى عبد اللَّه بن السعد الخراج و الجند فقدم عمرو مغضبا فدخل عمرو على عثمان و عليه جبة يمانية محشوة قطنا فقال له عثمان: ما حشوجبتك؟ قال عمرو. قال عثمان: قد علمت أن حشوها عمرو و لم ارد هذا إنما سألت أقطن هو أم غيره. قال الطبري فى تاريخه بعث عبد اللَّه بن سعد إلى عثمان بمال من مصر قد حشد فيه، فدخل عمرو على عثمان فقال عثمان يا عمرو هل تعلم أن تلك اللقاح درت بعدك؟ فقال عمرو إن فصالها هلكت.
ثمّ شايع عمر و معاوية فى حرب علىّ عليه السّلام طمعا أن يجعل عاملا على مصر ثانيا و يتولى أمرها فمراد عمار (ره) من قوله «يا عمرو بعت دينك بمصر» أن عمرا باع دينه بازاء امارة مصر كقولك بعت هذا الثوب بهذا الدرهم و اصدق شاهد لنا على ذلك ما نص به نصر بن مزاحم فى كتابه صفين و النصر هذا من رجال أصحاب الحديث الاقدمين و كان من معاصري محمّد بن علىّ بن الحسين عليهم السّلام باقر علوم الاولين و الاخرين و كتابه سند لمن جاء بعده من المورخين و تعرض لترجمته و توثيقه غير واحد من العلماء الشامخين كالشيخ الطوسى (ره) فى الفهرست و العلامة فى الخلاصة و النجاشىّ فى رجاله و ابن النديم فى الفهرست و قال ابن أبى الحديد فى شرحه على النهج: نصر بن مزاحم فى نفسه ثبت صحيح النقل غير منسوب إلى هوى و لا ادغال و هو من رجال أصحاب الحديث.
و بالجملة قال نصر فى ذلك الكتاب (ص 22 الطبع الناصري) بإسناده قال
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 288
قال معاوية لعمرو يا ابا عبد اللَّه إنى ادعوك إلى جهاد هذا الرّجل الّذى عصى ربه و قتل الخليفة و اظهر الفتنة و فرق الجماعة و قطع الرحم، قال عمرو: إلى من؟ قال إلى جهاد علىّ، قال: فقال عمرو و اللَّه يا معاوية ما أنت و علىّ بعكمى بعير «1» مالك هجرته و لا سابقته و لا صحبته و لا جهاده و لا فقهه و لا علمه و اللَّه إن له مع ذلك حدا و حدودا و حظا و حظوة و بلاء من اللَّه حسنا، فما تجعل لى إن شايعتك على حربه و أنت تعلم ما فيه من الغرر و الخطر و قال حلمك قال مصر طعمة فتلكا عليه معاوية.
و مضى من تاريخ الطبري أيضا أن عمرا قال لمعاوية: ان فى النفس من ذلك ما فيها حيث نقاتل من تعلم سابقته و قرابته و لكنّا انما اردنا هذه الدنيا فصالحه معاوية و عطف عليه.
و يأتي فى ذلك كتابه عليه السّلام إلى عمرو حيث يقول: فانك جعلت دينك تبعا لدنيا امرء ظاهر غيه إلى آخر ما قال عليه السّلام، نعوذ باللَّه من الوساوس النفسانية و التسويلات الشيطانية فانظر كيف استحوذ الشيطان على ابن العاصى الداهى المارد فباع حظه بالارذل الادنى و شرى آخرته بالثمن الاوكس و تغطرس و تردى فى هواه قال المسعودى فى مروج الذهب: و قد كان عمرو بن العاص انحرف عن عثمان لانحرافه و تولية مصر غيره فنزل الشام فلمّا اتصل به امر عثمان و ما كان من بيعة على كتب إلى معاوية يهزه و يشير إليه بالمطالبة بدم عثمان و كان فيما كتب به إليه: ما كنت صانعا إذا قشرت من كل شيء تملكه فاصنع ما أنت صانع، فبعث إليه معاوية فسار إليه فقال له معاوية بايعنى قال و اللَّه لا أعينك من دينى حتّى أنال من دنياك، قال سل، قال مصر طعمة فاجابه إلى ذلك و كتب له به كتابا و قال عمرو بن العاص فى ذلك.
معاوى لا أعطيك دينى و لم أنل به منك دنيا فانظرن كيف تصنع
فان تعطنى مصرا فاربح صفقة اخذت بها شيخا يضرّ و ينفع
______________________________
(1) العكم بالكسر وثاق الجمل و العكمان العدلان و قوله: ما أنت و على عليه السلام بعكمى بعير أى لست ممن تعادله و تساويه
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 289
و مراد عمّار (ره) من قوله «عدو الاسلام و ابن عدوه»: معاوية و أبوه أبو سفيان و مراده من قوله «لقد قاتلت صاحب هذه الراية ثلاثا» المواطن الثلاثة: بدر واحد و حنين. كما في كتاب نصر بن مزاحم حيث قال باسناده عن زيد بن أبي رجاء عن أسماء بن الحكم الفزاري قال كنّا بصفّين مع عليّ بن أبي طالب تحت راية عمّار بن ياسر ارتفاع الضحى استظلنا ببرد أحمر إذ أقبل رجل يستقري الصف حتّى انتهى إلينا فقال أيكم عمّار بن ياسر؟ فقال عمار بن ياسر هذا عمار، قال أبو اليقظان؟ قال: نعم، قال: إن لي حاجة إليك فأنطق بها علانية أو سرا؟ قال اختر لنفسك أىّ ذلك شئت قال لا بل علانية قال فانطق، قال: إنى خرجت من أهلي مستبصرا في الحق الّذي نحن عليه لا أشك في ضلالة هؤلاء القوم و إنهم على الباطل فلم أزل على ذلك مستبصرا حتى كان ليلتي هذه صباح يومنا هذا فتقدم منادينا فشهد ان لا إله إلا اللَّه و أن محمّدا رسول اللَّه و نادى بالصلاة فنادى مناديهم بمثل ذلك ثمّ اقيمت الصّلاة فصلّينا صلاة واحدة و دعونا دعوة واحدة و تلونا كتابا واحدا و رسولنا واحد فأدركنى الشك في ليلتى فبت بليلة لا يعلمها إلا اللَّه حتى أصبحت فأتيت أمير المؤمنين فذكرت ذلك له فقال هل لقيت عمار بن ياسر قلت لا قال فالقه فانظر ما يقول لك فاتبعه فجئتك لذلك قال له عمّار هل تعرف صاحب الراية السوداء لمقابلتي فانها راية عمرو بن العاص قاتلتها مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله ثلاث مرّات و هذه الرابعة ما هى بخيرهن و لا أبرهن بل هى شرهن و أفجرهن أشهدت بدرا واحدا و حنينا أو شهدها لك أب فيخبرك عنها؟ قال: لا، قال فإن مراكزنا على مراكز رايات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله يوم بدر و يوم احد و يوم حنين و إن هؤلاء على مراكز رايات المشركين من الاحزاب هل ترى هذا العسكر و من فيه فو اللَّه لوددت أن جميع من أقبل مع معاوية ممن يريد قتالنا مفارقا للّذى نحن عليه كانوا خلقا واحدا فقطعته و ذبحته و اللَّه لدماؤهم جميعا أحلّ من دم عصفور أفترى دم عصفور حراما؟ قال لا بل حلال قال فانهم كذلك حلال دماؤهم، أ ترانى قد بيّنت لك؟ قال: قد بيّنت لي، قال: فاختر أى ذلك أحببت قال فانصرف الرجل ثمّ دعاه عمّار بن ياسر فقال
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 290
أما إنهم سيضربوننا بأسيافهم حتى يرتاب المبطلون منكم فيقولون لو لم يكونوا على حق ما ظهروا علينا و اللَّه ما هم من الحق على ما يقذي عين ذباب و اللَّه لو ضربونا بأسيافهم حتّى يبلغونا سعفات هجر لعرفت أنا على حق و هم على باطل و أيم اللَّه لا يكون سلما سلما أبدا حتّى يبؤ أحد الفريقين (كذا) على أنفسهم بأنهم كانوا كافرين و حتى يشهدوا على الفريق الاخر بأنهم على الحق و أن قتلا هم في الجنة و موتاهم و لا ينصرم أيام الدنيا حتى يشهدوا بأن موتاهم و قتلاهم في الجنة و أن موتى أعدائهم و قتلاهم في النار و كان أحياؤهم على الباطل.
و قال نصر بن مزاحم باسناده عن عبد خير الهمداني قال نظرت إلى عمار بن ياسر يوما من أيّام صفين رمى رمية فاغمى عليه و لم يصلّ الظهر و العصر و المغرب و لا العشاء و لا الفجر ثمّ أفاق فقضاهن جميعا يبدء باول شيء فاته ثم التي يليها.
أقول: انّ عمارا متى ضربه عثمان غشى عليه و ادركته هذه الحالة أيضا كما في الشافي للشريف المرتضى علم الهدى كما نقله الشارح المعتزلي في الجزء الثالث من شرح النهج في مطاعن عثمان.
قال علم الهدى: و هذا الفعل اعنى ضرب عمار لم تختلف الرواة فيه و انّما اختلفوا في سببه فروى عباس بن هشام الكلبي عن أبي مخنف فى إسناده أنه كان في بيت المال بالمدينة سفط فيه حلى و جوهر فأخذ منه عثمان ما حلى به بعض أهله فاظهر الناس الطعن عليه فى ذلك فكلموه فيه بكلّ كلام شديد حتى غضبوه فخطب فقال لناخذن حاجتنا من هذا الفىء و ان رغمت به انوف اقوام فقال له إذن تمنع من ذلك و يحال بينك و بينه فقال عمار اشهد اللَّه ان انفى أوّل راقم «غم ظ» من ذلك فقال عثمان أعلىّ يا ابن ياسر تجرى؟ خذوه فاخذ و دخل عثمان فدعا به فضربه حتى غشى عليه ثمّ اخرج فحمل حتى اتى به منزل ام سلمة فلم يصلّ الظهر و العصر و المغرب فلما أفاق توضأ و صلّى و قال الحمد للَّه ليس هذا أوّل يوم او ذينا، انتهى.
و فى البحار كما في السفينة نقلا عن رجال الكشىّ عن قيس بن أبى حازم قال: قال عمار ادفنونى فى ثيابى فانى مخاصم و كذا فى اسد الغابة و عن أبى البخترى
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 291
قال: اتى عمّار يومئذ بلبن فضحك ثمّ قال قال لى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله آخر شراب تشربه من الدنيا مذقة من لبن حتى تموت.
و فيه و فى خبر آخر أنّه قال آخر زادك من الدنيا ضياح لبن، و فى كشف الغمة عن حبة العرنى قال شهدته يوم قتل يقول إيتونى باخر رزق لى من الدنيا فاتى بضياح من لبن فى قدح اروح بحلقة حمراء فقال اليوم القى الاحبة محمّدا و حزبه و قال و اللَّه لو ضربونا حتى بلغونا سعفات هجر لعلمت انا على الحق و أنهم على الباطل ثمّ قتل رضى اللَّه عنه قتله أبو العادية و احتز رأسه أبو جوى السكسكى. «1» و فيه و كان الّذي قتل عمارا أبو عادية المرى طعنه برمح فسقط و كان يومئذ يقاتل و هو ابن أربع و تسعين سنة فلما وقع أكبّ عليه رجل فاحترز رأسه فأقبلا يختصمان كلاهما يقول أنا قتلته فقال عمرو بن العاص و اللَّه ان يختصمان إلّا فى النار.
و فى تاريخ الطبري باسناده عن حبة بن جوين العرنى قال انطلقت أنا و أبو مسعود إلى حذيفة بالمدائن فدخلنا عليه فقال مرحبا بكما ما خلفتما من قبائل العرب أحدا أحبّ إلىّ منكما فاسندته إلى أبى مسعود فقلنا يا أبا عبد اللَّه حدثنا فانا نحاف الفتن فقال عليكما بالفتنة التي فيها ابن سمية انى سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله يقول تقتله الفئة الباغية الناكبة عن الطريق و ان آخر رزقه ضياح من لبن، قال حبة فشهدته يوم صفين و هو يقول: ائتونى باخر رزق لى من الدنيا فاتى بضياح من لبن فى قدح أروح له حلقة حمراء فما أخطأ حذيفة مقياس شعرة فقال اليوم ألقى الأحبة محمّدا و حزبه و اللَّه لو ضربونا حتى يبلغوا بناسعفات هجر لعلمنا أنا على الحق و أنهم على الباطل و جعل يقول الموت تحت الأسل و الجنة تحت البارقة.
______________________________
(1)- اختلفت النسخ فى اسمهما لعنهما اللَّه ففى مروج الذهب ابو الهادية العاملى و ابو حواء السكسكى و فى كشف الغمة أبو العادية و أبو جوى السكسكى و فى بعضها أبو عادية المرى و فى كتاب صفين لنصر بن مزاحم ابو العادية الفزارى و ابن جون السكسكى و يشبه ان يكون ابو حواء اصح لمكان الشعر الاتى للحجاج بن عربة الانصارى و اما الاخر فما فى كتاب صفين.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 292
و فيه باسناده عن الأعمش قال: قال أبو عبد الرّحمن السلمي كنا مع عليّ عليه السّلام بصفين فكنّا قد و كلنا بفرسه رجلين يحفظانه و يمنعانه من أن يحمل فكان إذا حانت منهما غفلة يحمل فلا يرجع حتّى يخضب سيفه و إنه حمل ذات يوم فلم يرجع حتى انثنى سيفه فألقاه إليهم و قال لو لا أنه انثنى ما رجعت فقال الاعمش هذا و اللَّه ضرب غير مرتاب فقال أبو عبد الرحمن سمع القوم شيئا فأدوه و ما كانوا بكذا بين، قال:
و رأيت عمارا لا يأخذ واديا من أودية صفين إلا تبعه من كان هناك من أصحاب محمّد صلّى اللَّه عليه و آله و رأيته جاء إلى المر قال هاشم بن عتبة و هو صاحب راية عليّ عليه السّلام فقال يا هاشم أعورا و جبنا لا خير في أعور لا يغشى البأس فاذا رجل بين الصفين قال هذا و اللَّه ليخلفن إمامه و ليخذلن جنده و ليصرنّ جهده اركب يا هاشم فركب و مضى هاشم يقول:
أعور يبغى أهله محلّا قد عالج الحياة حتى ملّا
لا بد أن يفلّ أو يفلّا
و عمّار يقول تقدم يا هاشم الجنّة تحت ظلال السيوف و الموت في أطراف الاسل و قد فتحت أبواب السماء و تزينت الحور العين اليوم ألقى الأحبة محمّدا و حزبه فلم يرجعا و قتلا يفيد لك عليهما من كان هناك من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله أنهما كانا علما فلما كان الليل قلت لأدخلن إليهم حتّى أعلم هل بلغ منهم قتل عمار ما بلغ منا و كنّا إذا توادعنا من القتال تحدثوا إلينا و تحدثنا إليهم فركبت فرسى و قد هدأت الرجل ثم دخلت فإذا أنا بأربعة يتسايرون: معاوية و أبو الأعور السلمي و عمرو بن العاص و عبد اللَّه بن عمرو هو خير الأربعة فأدخلت فرسى بينهم مخافة أن يفوتني ما يقول أحد الشقين فقال عبد اللَّه لأبيه يا أبت قتلتم هذا الرجل في يومكم هذا و قد قال فيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله ما قال، قال: و ما قال؟ قال أ لم تكن معنا و نحن نبنى المسجد و النّاس ينقلون حجرا حجرا و لبنة لبنة و عمار ينقل حجرين حجرين و لبنتين لبنتين فغشى عليه فأتاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله فجعل يمسح التراب عن وجهه و يقول ويحك يا ابن سمية الناس ينقلون حجرا حجرا و لبنة لبنة و أنت تنقل حجرين حجرين و لبنتين لبنتين رغبة منك فى الأجر و أنت ويحك مع ذلك تقتلك الفئة الباغية فدفع عمرو صدر فرسه
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 293
ثمّ جذب معاوية إليه فقال يا معاوية أما تسمع ما يقول عبد اللَّه؟ قال و ما يقول؟
فأخبره الخبر، فقال معاوية إنك شيخ اخرق و لا تزال تحدث بالحديث و أنت تدحض في بولك أو نحن قتلنا عمارا إنما قتل عمارا من جاء به فخرج الناس من فساطيطهم و أخبيتهم يقولون إنما قتل عمارا من جاء به فلا أدرى من كان أعجب هو أوهم.
و في كتاب نصر بن مزاحم باسناده عن حبيب بن أبي ثابت قال لما بنى المسجد جعل عمار يحمل حجرين فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله يا أبا اليقظان لا تشقق على نفسك قال يا رسول اللَّه انى احب أن أعمل في هذا المسجد قال ثمّ مسح ظهره ثمّ قال انك من أهل الجنّة تقتلك الفئة الباغية.
و قال نصر باسناده عن ابن أبي مليكة قال: قال عبد اللَّه بن عمرو بن العاص لو لا أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله أمر بطواعيتك ما سرت معك هذا المسير أما سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله يقول لعمار: يقتلك الفئة الباغية.
أقول: الطّواعية مثل الثمانية: الطاعة، يقال فلان حسن الطواعية أى حسن الطاعة.
و روى أنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله قال له: أطع أباك كما في أسد الغابة حيث قال:
و شهد عبد اللَّه بن عمرو مع أبيه فتح الشام و كانت معه رأية أبيه يوم اليرموك و شهد معه أيضا صفين و كان على الميمنة، قال له أبوه: يا عبد اللَّه اخرج فقاتل فقال يا أبتاه أ تأمرني أن أخرج فاقاتل و قد سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله يعهد إلىّ ما عهد؟ قال: انشدك باللَّه يا عبد اللَّه أ لم يكن آخر ما عهد اليك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله أن أخذ بيدك فوضعها فى يدي و قال: أطع أباك، قال: اللهم بلى قال فاني أعزم عليك أن تخرج فتقاتل فخرج فقاتل و تقلد بسيفين و ندم بعد ذلك فكان يقول مالي و لصفين مالى و لقتال المسلمين لوددت انى مت قبله بعشرين سنة.
و فيه أيضا بإسناده عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه قال كنت فى مسجد الرسول صلّى اللَّه عليه و آله فى حلقة فيها أبو سعيد الخدري و عبد اللَّه بن عمرو فمرّ بنا حسين بن علىّ عليهما السّلام فسلّم فرد القوم السلام فسكت عبد اللَّه حتّى فرغوا رفع صوته و قال و عليك السلام و رحمة اللَّه و بركاته.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 294
ثمّ أقبل على القوم فقال ألا اخبركم باحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء قالوا بلى قال هو هذا الماشى ما كلمنى كلمة منذ ليالي صفين و لأن يرضى عني أحبّ إلىّ من أن يكون لي حمر النعم.
فقال أبو سعيد ألا تعتذر إليه؟ قال بلى قال فتواعدا أن يغدوا إليه قال فغدوت معهما فاستأذن أبو سعيد فأذن له فدخل ثمّ استأذن لعبد اللَّه فلم يزل به حتّى أذن له فلما دخل قال أبو سعيد يا ابن رسول اللَّه انك لما مررت بنا أمس- فأخبره بالذى كان من قول عبد اللَّه بن عمرو- فقال حسين عليه السّلام أعلمت يا عبد اللَّه أنى أحب أهل الأرض إلى أهل السماء؟ قال اى و ربّ الكعبة قال فما حملك على أن قاتلتنى و أبى يوم صفين فو اللَّه لأبى كان خيرا منى قال أجل و لكن عمرو- يعنى أباه- شكانى إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله فقال يا رسول اللَّه إن عبد اللَّه يقوم الليل و يصوم النهار فقال لى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله يا عبد اللَّه صل و نم و صم و افطر و اطع عمرا، قال فلما كان يوم صفين أقسم علىّ فخرجت أما و اللَّه ما اخترطت سيفا و لا طعنت برمح و لا رميت بسهم.
و لا يخفى سوء استدلاله و قبحه على ما ذهب إليه مع اعترافه بأن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله قال لعمّار تقتلك الفئة الباغية، و كيف يجوز عليه ان ينهض لقتل عمار اما علم هذا الرجيل أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله حين أمره بطواعية أبيه لم يأمره بما يخالف الحق الصريح مع ان محاربى علىّ كفرة لقوله صلّى اللَّه عليه و آله يا علىّ حربك حربى و غيره من الاخبار التي سمعوها من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله فى على عليه السّلام مما لا يعد و لا يحصى على ان اللَّه تعالى كما اوجب اطاعة الابوين و قال «و اخفض لهما جناح الذل من الرّحمة» كذا حرام على الولد اطاعتهما فيما يخالف الدين و قال «و إن جاهداك على أن تشرك بى ما ليس لك به علم فلا تطعهما» و أما علم الرجيل انما أمره رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله بطواعية ابيه فيما يجب أو يجوز أو رأيت ان عمرا لو أمر عبد اللَّه أن يقتله هل كان يقتل أباه لامتثال أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله إياه بطواعية أبيه و ليس هذا الا لما طبع اللَّه على قلوبهم و على أبصارهم غشاوة و لهم عذاب اليم و من لم يجعل اللَّه له نورا فماله من نور.
ثمّ إن قوله: «ما اخترطت سيفا و لا طعنت برمح و لا رميت بسهم» كذب
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 295
محض اختلقه ليخرج نفسه من الفئة الباغية و من سبّ الناس و تعييرهم كيف و قد نقل غير واحد من حملة الاثار و نقلة الأخبار ان معه سيفين كان متقلدا بأحدهما و يضرب بالاخر و منهم نصر بن مزاحم فى كتاب صفين و هو الاصل فى ذلك و كفى به شهيدا، قال باسناده عن عمرو بن شمر عن جابر قال سمعت الشعبي يقول قال الاحنف ابن قيس و اللَّه انى لإلى جانب عمار بن ياسر بيني و بينه رجل من بني السفير فتقدمنا حتّى إذا دنونا من هاشم بن عتبة قال له عمار احمل فداك أبي و امّي و نظر عمار إلى رقة في الميمنة فقال له هاشم رحمك اللَّه يا عمار إنك رجل تأخذك خفة في الحرب و اني انما ازحف باللواء زحفا و أرجو أن أنال بذلك حاجتي و إني إن خففت لم آمن الهلكة. و قد كان قال معاوية لعمرو ويحك ان اللواء اليوم مع هاشم بن عتبة و قد كان من قبل يرقل به إرقالا و انه إن زحف به اليوم زحف انه لليوم الأطول لأهل الشام و إن زحف في عنق من أصحابه إنّي لا طمع أن تقتطع فلم يزل به عمّار حتّى حمل فبصر به معاوية فوجه إليه حماة أصحابه و من يزن بالناس منهم في ناحيته و كان في ذلك الجمع عبد اللَّه بن عمرو بن العاص و معه سيفان قد تقلد واحدا و هو يضرب بالاخر و اطافت به خيل عليّ عليه السّلام فقال عمرو يا اللَّه يا رحمن ابنى ابنى، قال و يقول معاوية اصبر اصبر فانه لا بأس عليه، قال عمرو لو كان يزيد بن معاوية إذا لصبرت و لم يزل حماة أهل الشام يذبون عنه حتى نجاها ربا على فرسه.
و قال نصر حمل عمار بن ياسر اليوم فضربوا أهل الشّام حتّى اضطروهم إلى الفرات و مشى عبد اللَّه بن سويد سيّد جرش إلى ذى الكلاع فقال له لم جمعت بين الرجلين؟ قال لحديث سمعته من عمرو ذكر انه سمعه من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و هو يقول لعمار بن ياسر يقتلك الفئة الباغية فخرج عبد اللَّه بن عمر العنسى و كان من عبّاد أهل زمانه ليلا فاصبح في عسكر عليّ عليه السّلام فحدث النّاس بقول عمرو في عمّار فلما سمع معاوية بهذا القول بعث إلى عمرو فقال أفسدت علىّ أهل الشام أكلّ ما سمعت من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله تقوله فقال عمرو قلتها و لست و اللَّه اعلم الغيب و لا أدرى أن صفين تكون قلتها و عمار يومئذ لك ولى و قد رويت أنت فيه مثل الّذي رويت فيه فاسأل أهل
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 296
الشام فغضب معاوية و تنمر لعمرو و منعه خيره فقال عمرو لا خير لي في جوار معاوية ان تجلت هذه الحرب عنا.
ثمّ قال نصر بن مزاحم و قريب ممّا أتى به ذكره المسعودي في مروج الذهب:
و خرج عمّار إلى القتال و صفت الخيول بعضها لبعض و زحف النّاس و على عمار درع و هو يقول أيّها الناس الرواح إلى الجنّة فاقتتل الناس قتالا شديدا لم يسمع النّاس بمثله و كثرت القتلى حتّى أن كان الرجل ليشد طنب فسطاطه بيد الرجل أو برجله فقال الاشعث لقد رأيت أخبية صفين و أروقتهم و ما منها خباء و لا رواق و لا بناء و لا فسطاط الامر بوطا بيد رجل أو رجله و جعل أبو سماك الاسدى يأخذ اداوة من ماء و نشتره حديد فيطوف في القتلي فاذا رأى رجلا جريحا و به رمق أقعده فيقول من أمير المؤمنين؟ فان قال عليّ عليه السّلام غسل عنه الدم و سقاه من الماء و ان سكت و جاه بسكين حتّى يموت فكان يسمى المخضخض.
و حين نظر عمار إلى راية عمرو بن العاص قال: و اللَّه إن هذه الراية قد قاتلتها ثلاث عركات و ما هذه بأشدّهن ثمّ قال عمّار:
نحن ضربنا كم على تنزيله فاليوم نضربكم على تأويله
ضربا يزيل الهام عن مقيله و يذهل الخليل عن خليله
أو يرجع الحق إلى سبيله
ثمّ استسقى و قد اشتد ظماه فأتته امرأة طويلة اليدين قال الراوي ما أدرى عس معها أو اداوة فيها ضياح من لبن فقال حين شرب الجنة تحت الأسنة اليوم ألقى الاحبة محمّدا صلّى اللَّه عليه و آله و حزبه و اللَّه لو ضربونا حتّى يبلغوا بناسعفات هجر لعلمنا أنا على الحقّ و هم على الباطل ثمّ حمل عليه ابن جون (ابو حواء. ظ) السكسكي و أبو العادية الفزارى فاما أبو العادية فطعنه و اما ابن جون فانه اجتز راسه.
قال المسعودي: و اختلفا في سلبه فاحتكما إلى عبد اللَّه بن عمرو بن العاص فقال لهما اخرجا عنى فاني سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله يقول أو قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و بغت قريش بعمّار: ما لهم و لعمار يدعوهم إلى الجنّة و يدعونه إلى النار و كان قتله عند المساء
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 297
و قبره بصفين و صلّى عليه أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام و لم يغسله و كان يغير شيبه، و قال القاضي نور اللَّه و دفنه عليّ عليه السّلام بيده.
أقول يعني بقوله: «و كان يغير شيبه» ان عمار رضوان اللَّه عليه كان يخضب لما ورد في فضيلة الخضاب و روى عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله غيّروا الشيب و لا تتشبّهوا باليهود. و لكن قال ابن الأثير في اسد الغابة في معرفة الصحابة: أن عمّار كان آدم طويلا مضطربا أشهل العينين بعيد ما بين المنكبين و كان لا يغير شيبه و قيل كان اصلع في مقدم رأسه شعرات. و اللَّه أعلم.
قال القاضي نور اللَّه الشهيد نوّر اللَّه مرقده في مجالس المؤمنين و من اللطائف المناسبة للمقام انه لما قتل عمار رحمه اللَّه اقبل ابن عباس إلى عسكر معاوية حتّى قرب منهم و قرأ عليهم حديث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله في عمّار ستقتلك الفئة الباغية و أنذرهم و خوفهم من بغيهم و لما كان هذا الحديث فى غاية الشهرة بل من الأحاديث المتواترة و لم يمكن للمعاوية انكاره فأجابه بمقتضى الغريق يتشبث بكل حشيش بأن من أتى بعمار فى هذه المعركة فهو قاتله «يعنى به أمير المؤمنين علىّ عليه السّلام» فقال له ابن عبّاس فعلى هذا ترى ان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله كان قاتل حمزة رضى اللَّه عنه لأنه أتى به فى احد لقتال الكفار حتى قتل، فبهت الّذي كفر و كانه التقم الحجر.
و فى كامل البهائى للحسن بن علىّ عماد الدين الطبرى نقلا عن كتاب المحيط للقاضى عبد الجبّار المعتزلي أن عليّا عليه السّلام لم يبدأ بقتال أهل البغى قطّ و لمّا قتل عمّار رضوان اللَّه عليه كان يجرى حكم الكفار عليهم و يبتدأ بالقتال حتى قتل منهم في ليلة خمسمائة و ثلاثين رجلا و يكبّر فى قتل كلّ واحد منهم كما يكبرون في قتال الكفار و يقول من أصابه سيفى فهو فى النار.
قال المسعودى فى مروج الذهب و فى قتل عمّار يقول الحجاج بن عربة الأنصاري أبياتا رثاه بها:
يا للرجال لعين دمعها جارى قد هاج حزنى أبو اليقظان عمار
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 298
اهوى اليه أبو حوا فوارسه «1» يدعو السكون و للجيشين إعصار
فاختل صدر أبى اليقظان معترضا للرمح قد وجبت فينا له نار
اللَّه عن جمعهم لا شكّ كان عفا أتت بذلك آيات و آثار
من ينزع اللَّه غلا من صدورهم على الأسرة لم تمسسهم النار
قال النّبيّ له تقتلك شرذمة سيطت لحومهم بالبغى فجار
فاليوم يعرف أهل الشّام أنّهم أصحاب تلك و فيها النار و العار
و مناقب عمار المروية كثيرة اقتصرنا منها و لو نأتي بها لينجرّ إلى كتاب ضخم و يليق أن يؤلف كتاب بحياله فيه.
ثمّ نقول إن حديث تقتلك الفئة الباغية ممّا لا ينال يد الانكار إليه و رواه البخاري و المسلم فى صحيحهما و غيرهما من أكابر نقلة الأحاديث و قال الحافظ السيوطى انّه من الأخبار المتواترة و نقله أكثر من عشرة من الصحابى و مع ذلك كله فى عمار فالعجب كلّ العجب من العامة يذكرون معاوية و اتباعه و أمثاله بالخير و يعتذرون عنهم فى مقاتلتهم أهل الحقّ و الرّشاد على انهم كانوا مجتهدين فى تلك الوقايع غاية ما فى الباب كانوا مخطين فى اجتهادهم و للمجتهد المصيب ثوابان و للمخطى ثواب واحد و لما لم يكن لاصحاب البصيرة و الايقان و ارباب الخبرة و العرفان و هن ما تمسكوا به مخفيا بل يعلمون ان مقاتلتهم كان من غاية المكابرة و العناد و فرط المخاصمة و اللداد فالاعراض عن ما ذكره الغزالى فى الاحياء و الميبدى فى مقدمة شرح ديوان المولى عليه السّلام و امثالهما ممّن يسلك طريقة عمياء و يرى بعين حولاء أجدر و أولى و لنعد إلى القصة:
و قال المسعودى فى مروج الذهب: و لما صرع عمار تقدم سعيد بن قيس الهمدانى فى همدان و تقدم سعد بن عبادة الانصارى فى الانصار و ربيعة و عدى ابن حاتم فى طى و سعيد بن قيس الهمدانى فى أوّل الناس فخلطوا الجمع بالجمع و اشتد القتال و حطمت همدان أهل الشام حتى قذفتهم إلى معاوية و قد كان معاوية
______________________________
(1)- و من هنا قلنا ص 291 ان ابن جون و أبو جوى تصحيف.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 299
صمد فيمن كان معه لسعيد بن قيس و من معه من همدان و أمر علىّ عليه السّلام الاشتران يتقدم باللواء إلى أهل حمص و غيرهم من أهل قنسرين فاكثر القتل فى أهل حمص و قنسرين بمن معه من القراء و أتى المر قال يومئذ بمن معه فلا يقوم له شيء و جعل يرقل كما يرقل الفحل فى قيده و علىّ وراءه يقول يا اعور لا تكن جبانا تقدم و المرقال يقول:
قد أكثر القوم و ما أقلّا اعور يبغى أهله محلّا
قد عالج الحياة حتى ملّا لا بد ان يفل أو يفلّا
اسلّهم بذى الكعوب سلّا
«كلام هاشم بن عتبة المرقال»:
قال نصر بن مزاحم فى كتاب الصفين و أبو جعفر الطبرى فى التاريخ: ان هاشم ابن عتبة دعا في النّاس عند المساء «يعني مساء اليوم التاسع» ألا من كان يريد اللَّه و الدار الاخرة فليقبل، فاقبل إليه ناس فشد في عصابة من أصحابه على أهل الشام مرارا فليس من وجه يحمل عليهم الاصبروا له و قوتل فيه قتالا شديدا فقال لأصحابه لا يهولنكم ما ترون من صبرهم فو اللَّه ما ترون منهم الا حميّة العرب و صبر ما تحت راياتها و عند مراكزها و انهم لعلى الضلال و انكم لعلى الحق يا قوم اصبروا و صابروا و اجتمعوا و امشوا بنا إلى عدوّنا على تؤدة رويدا ثمّ تاسوا و تصابروا و اذكروا اللَّه و لا يسلم رجل اخاه و لا تكثروا الالتفات و اصمد و اصمدهم و جالدوهم محتسبين حتى يحكم اللَّه بيننا و هو خير الحاكمين ثمّ مضى في عصابة معه من القراء فقاتل قتالا شديدا هو و أصحابه حتى رأى بعض ما يسرون به إذ خرج عليهم فتى شاب يقول:
انا ابن أرباب الملوك غسّان و الدائن اليوم بدين عثمان
إني أتاني خبر فأشجان ان عليا قتل ابن عفان
ثمّ شد فلا ينثني يضرب بسيفه ثمّ يلعن و يشتم و يكثر الكلام، فقال له هاشم ابن عتبة ان هذا الكلام بعده الخصام و انّ هذا القتال بعده الحساب فاتق اللَّه فانك
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 300
راجع إلى ربّك فسائلك عن هذا الموقف و ما اردت به.
قال فاني اقاتلكم لأنّ صاحبكم لا يصلّى كما ذكر لي و انّكم لا تصلّون و اقاتلكم أن صاحبكم قتل خليفتنا و أنتم و ازرتموه على قتله.
فقال له هاشم و ما أنت و ابن عفان انما قتله أصحاب محمّد صلّى اللَّه عليه و آله و قراء النّاس حين احدث احداثا و خالف حكم الكتاب و أصحاب محمّد صلّى اللَّه عليه و آله هم أصحاب الدين و اولى بالنظر في امور المسلمين و ما اظن ان أمر هذه الامة و لا أمر هذا الدين عناك طرفة عين قط.
قال الفتى اجل اجل و اللَّه لا اكذب فان الكذب يضرّ و لا ينفع و يشين و لا يزين، فقال له هاشم ان هذا الامر لا علم لك به فخلّه و أهل العلم به، قال اظنّك و اللَّه قد نصحتني و قال له هاشم و أمّا قولك ان صاحبنا لا يصلّى فهو أوّل من صلّى اللَّه مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و أفقهه في دين اللَّه و أولاه برسول اللَّه و أمّا من ترى معه كلهم قارى الكتاب لا ينامون اللّيل تهجدا فلا يغررك عن دينك الاشقياء المغرورون.
قال الفتى: يا عبد اللَّه اني لاظنّك امرأ صالحا اخبرني هل تجد لي من توبة؟
قال: نعم تب إلى اللَّه يتب عليك فانه يقبل التوبة عن عباده و يعفو عن السيئات و يحب التوابين و يحبّ المتطهرين، فذهب الفتى بين النّاس راجعا فقال له رجل من أهل الشام: خدعك العراقي، قال لا و لكن نصحني العراقي.
أقول: كان أهل الدنيا المغرورون بزخارفها الردّية و الاشقياء المسجونون بقيود الاهواء المردية كمعاوية بن أبي سفيان و اشياعه يغوون الناس عن الصراط السّوى بزىّ أهل اللَّه المخلصين له الدين حيث يميلون قلوب النّاس عن عنصر التوحيد و هيكل الحق و كلمته التامّة بانّه و أصحابه لا يصلّون كما تفوّه به الفتى الشابّ بقوله: لأن صاحبكم لا يصلّى كما ذكر لي، و نبّهه هاشم بن عتبة بذلك حيث قال: فلا يغررك و في تاريخ الطبري فلا يغويك عن دينك الاشقياء المغرورون، و لعمري من لم يك شقيّا مغرورا مغويا لا يحرّض النّاس على قتل من قال فيه خاتم الأنبياء صلّى اللَّه عليه و آله: الحق معه حيث دار.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 301
و في كتاب الصّفين لنصر بن مزاحم و كذا في تاريخ الطبري ان عليّا مرّ على جماعة من أهل الشام فيها الوليد بن عقبة و هم يشتمونه فخبر بذلك فوقف فيمن يليهم من أصحابه فقال انهدوا إليهم عليكم السكينة و الوقار و قار الاسلام و سيما الصالحين فو اللَّه لأقرب قوم من الجهل باللَّه قائدهم و مؤدّبهم معاوية و ابن النابغة و أبو الأعور السلمي و ابن أبي معيط شارب الخمر المجلود حدّا في الاسلام و هم أولى من يقومون فيقصبونني و يشتمونني و قبل اليوم ما قاتلوني و شتموني و أنا إذ ذاك أدعوهم إلى الاسلام و هم يدعونني إلى عبادة الاصنام الحمد للَّه قديما عادانى الفاسقون فعبّدهم اللَّه ألم يفتحوا إن هذا الهو الخطب الجليل ان فسّاقا كانوا عندنا غير مرضيين و على الاسلام و أهله متخوفين حتى خدعوا شطر هذه الامة و اشربوا قلوبهم حبّ الفتنة فاستمالوا أهوائهم بالافك و البهتان قد نصبوا لنا الحرب في اطفاء نور اللَّه عزّ و جلّ و اللَّه متمّ نوره و لو كره الكافرون، اللهم فافضض جمعهم و شتت كلمتهم و ابسلهم بخطاياهم فانّه لا يذلّ من و اليت و لا يعزّ من عاديت.
و كذلك نرى يزيد بن معاوية و اتباعه لقنوا النّاس في ابن علىّ أمير المؤمنين أبي عبد اللَّه الحسين عليهما السّلام ما لقنهم معاوية و اتباعه في أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام و اصحابه قال غير واحد من حملة الاثار منهم الطبري فى تاريخه انه لما دخل وقت صلاة الظهر من يوم العاشوراء قال أبو ثمامة الصيداوي رضى اللَّه عنه للحسين عليه السّلام يا أبا عبد اللَّه نفسي لنفسك الفداء هؤلاء اقتربوا منك لا و اللَّه لا تقتل حتى اقتل دونك و احبّ أن القى اللَّه ربّى و قد صليت هذه الصلاة، فرفع الحسين عليه السّلام رأسه إلى السماء و قال ذكرت الصلاة جعلك اللَّه من المصلين الذاكرين نعم هذا أوّل وقتها ثم قال سلوهم ان يكفوا عنّا حتى نصلّى فقال الحصين بن نمير انها لا تقبل فقال له حبيب بن مظاهر زعمت الصلاة من ابن رسول اللَّه لا تقبل و تقبل منك ياختار. و في تاريخ الطبرى: يا حمار، مكان ياختار.
و الحصين هذا كان ممن انقاد إلى ملك يزيد و اطاع و همه المردى و هواه
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 302
الضال المضلّ و يزيد يرى الناس بانه جلس مجلس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و يحذو حذوه.
و في مروج الذهب ان يزيد كان صاحب طرب و جوارح و كلاب و قرود و فهود و منادمة على الشراب و جلس ذات يوم على شرابه و عن يمينه ابن زياد و ذلك بعد قتل الحسين عليه السّلام فاقبل على ساقيه فقال:
اسقنى شربة تروى مشاشى ثمّ صل فاسق مثلها ابن زياد
صاحب السر و الامانة عندي و لتسديد مغنمي و جهادى
ثمّ امر المغنّين فغنوا و غلب على أصحاب يزيد و عماله ما كان يفعله من الفسوق و في أيامه ظهر الغناء بمكة و المدينة و استعملت الملاهى و اظهر الناس شرب الشراب و كان له قرد يكنى بأبي قيس يحضره مجلس منادمته و يطرح له متكأ و كان قردا خبيثا و كان يحمله على اتان وحشية قد ريضت و ذللت لذلك بسرج و لجام و يسابق بها الخيل و على أبي قيس قباء من الحرير الاحمر و الاصفر مشهر و على رأسه قلنسوة من الحرير ذات الوان بشقائق و على الاتان سرج من الحرير الاحمر منقوش ملمع بأنواع من ألوان فقال في ذلك بعض شعراء الشام في ذلك اليوم:
تمسك أبا قيس بفضل عنانها فليس عليها ان سقطت ضمان
ألا من رأى القرد الذى سبقت به جياد أمير المؤمنين اتان
و كان أبوه معاوية في الختل اروغ منه و لعب بالدين بالنكراء و الشيطنة و بلغ إلى الالحاد و الكفر و العناد إلى مبلغ لم يكن بينه و بين فرعون الا درجة و ما اسلم في الحقيقة و لكن استسلم و اسرّ الكفر حتى يجد لاغراضه النفسانية و اهوائه الشيطانية اعوانا كما هو دأب اشباهه و أمثاله من الزعماء المرائين و الامراء المنافقين و سيأتى اخبار من الفريقين في استسلام معاوية و أبيه سنذكرها في محلها إنشاء اللَّه فلنعد إلى القصّة فان الرويغات التي تمسك بها الامراء الرّواغون قديما و حديثا أكثر من أن تحصى و ليعلم ان ما نقلنا من كلامه عليه السّلام من الطبري و نصر: انهدوا إليهم عليكم السكينة و الوقار- إلى آخره- غير مذكور في النهج و بين نسختي نصر و الطبرى
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 303
يوجد اختلاف في شرذمة من العبارات و الكلمات.
ثمّ قصد هاشم بن عتبة المرقال لذى الكلاع و هو من حمير فحمل عليه صاحب لواء ذى الكلاع و كان رجلا من عذرة و هو يقول:
اثبت فاني لست من فزعى مضر نحن اليمانيون ما فينا ضجر
كيف ترى وقع غلام من عذر ينعي ابن عفان و يلحى من غدر
يا اعور العين رمي فيها العور سيان عندى من سعى و من أمر
فاختلفا طعنتين فطعنه هاشم المرقال فقتله و قتل بعده سبعة عشر رجلا و حمل هاشم المرقال و حمل ذو الكلاع و مع المرقال جماعة من أسلم قد آلوا أن لا يرجعوا أو يفتحوا أو يقتلوا فاجتلد الناس فقتل هاشم المرقال و قتل ذو الكلاع جميعا.
و قال نصر بن مزاحم في كتاب الصفين و أبو جعفر الطبري في تاريخه: و قاتل هاشم هو و أصحابه قتالا شديدا حتى اقبلت اليهم عند المغرب كتيبة لتنوخ فشدوا على النّاس فقاتلهم حتى قتل تسعة نفرا و عشرة و حمل عليه الحرث بن المنذر التنوخى فطعنه فسقط و بعث إليه عليّ عليه السّلام ان قدّم لواءك فقال لرسوله انظر إلى بطني فاذا هو قد انشق فاخذ الراية رجل من بكر بن وائل و رفع هاشم رأسه فاذا هو بعبيد اللَّه بن عمر بن الخطاب قتيلا إلى جانبه فجثا حتى دنا منه فعض على ثديه حتى تبينت فيه انيابه ثمّ مات هاشم و هو على صدر عبيد اللَّه بن عمر، و ضرب البكري فوقع فرفع رأسه فابصر عبيد اللَّه بن عمر قريبا منه فجثا إليه حتّى عض على ثديه الاخر حتّى تبينت انيابه و مات أيضا فوجدا جميعا على صدر عبيد اللَّه بن عمر، هاشم و البكرى قد ماتا جميعا.
«تسليم هاشم على عليه السّلام بعد صرعه»:
قال نصر بإسناده عن السّدي عن عبد الخير الهمداني قال: قال هاشم بن عتبة أيها النّاس اني رجل ضخم فلا يهولنّكم مسقطي ان أنا سقطت فانّه لا يفزع مني أقل من نحر جزور حتّى يفرغ الجزار من جزرها ثمّ حمل فصرع فمرّ عليه رجل و هو صريع بين القتلي فقال له اقرء أمير المؤمنين السلام و رحمة اللَّه و قل له:
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 304
انشدك باللَّه الا اصبحت و قد ربطت مقاوذ خيلك بارجل القتلي فانّ الدبرة تصبح عندك لمن غلب على القتلي فأخبر الرّجل عليّا عليه السّلام بذلك فسار عليّ عليه السّلام في بعض الليل حتى جعل القتلي خلف ظهره و كانت الدبرة له عليهم.
«قتل ذى الكلاع و حمل جثته»:
و أمّا ذو الكلاع فقتله خندف البكري، و قال نصر: حدثنا عمرو بن شمر عن جابر قال: حمل ذو الكلاع ذلك اليوم بالفيلق العظيم من حمير على صفوف أهل العراق فناداهم أبو شجاع الحميرى و كان من ذوى البصائر مع عليّ عليه السّلام فقال يا معشر حمير تبت أيديكم اترون معاوية خيرا من عليّ عليه السّلام اضل اللَّه سعيكم ثمّ أنت يا ذا الكلاع فو اللَّه إنا كنّا نرى ان لك نيّة في الدين، فقال ذو الكلاع ايها يا باشجاع و اللَّه لأعلم ما معاوية بأفضل من عليّ عليه السّلام و لكنّي اقاتل على دم عثمان قال فاصيب ذو الكلاع حينئذ قتله خندف بن بكر البكرى في المعركة.
قال نصر: فحدثنا عمرو، قال: حدثنا الحرث بن حصيرة ان ابن ذى الكلاع ارسل إلى الاشعث بن قيس رسولا يسأله ان يسلم إليه جثة أبيه فقال الاشعث اني أخاف أن يتهمنى أمير المؤمنين في أمره فاطلبه من سعيد بن قيس فهو في الميمنة فذهب إلى معاوية فاستأذنه ان يدخل إلى عسكر عليّ عليه السّلام يطلب أباه بين القتلي و قال له انّ عليّا عليه السّلام قد منع أن يدخل احد منا إلى معسكره يخاف ان يفسد عليه جنده فخرج ابن ذى الكلاع فارسل إلى سعيد بن قيس الهمداني يستأذنه على ذلك فقال سعيد انا لا نمنعك من دخول العسكر ان أمير المؤمنين لا يبالي من دخل منكم إلى معسكر فادخل، فدخل من قبل الميمنة فطاف في العسكر فلم يجده ثمّ أتى الميسرة فطاف في العسكر فوجده قد ربطت رجله بطنب من اطناب بعض فساطيط العسكر فوقف على باب الفسطاط فقال: السّلام عليكم يا أهل البيت فقيل له:
و عليك السّلام فقال أ تأذنون لنا في طنب من أطناب فسطاطكم و معه عبد له اسود لم
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 305
يكن معه غيره فقالوا قد آذنا لكم قالوا له معذرة إلى اللَّه و إليكم اما انه لو لا بغيه علينا ما صنعنا به ما ترون فنزل ابنه إليه فوجده قد انتفخ و كان من اعظم الناس خلقا فلم يستطيعا احتماله فقال ابنه هل من فتى معوان فخرج إليه خندف البكري فقال تنحّوا عنه فقال له ابن ذي الكلاع و من يحمله إذا تنحينا؟ قال: يحمله قاتله، فاحتمله خندف حتى رمى به على ظهر بغل ثمّ شدّه بالحبال فانطلقوا به.
قال نصر: و قال معاوية لما قتل ذو الكلاع لانا أشد فرحا بقتل ذي الكلاع مني بفتح مصر لو فتحتها قال لان ذا الكلاع كان يحجر على معاوية في أشياء كان يأمر بها.
«اخذ ابن المرقال اللواء حين قتل ابوه رحمه الله و ما قال فى ذلك»:
قال نصر بن مزاحم: و لما قتل هاشم جزع الناس عليه جزعا شديدا و اصيب معه عصابة من اسلم من القراء فمرّ عليهم علىّ عليه السّلام و هم قتلى حوله أصحابه الذين قتلوا معه فقال عليه السّلام:
جزى اللَّه خيرا عصبة أسلميّة صباح الوجوه صرّعوا حول هاشم
يزيد و عبد اللَّه بشر و معبد و سفيان و ابنا هاشم ذى المكارم
و عروة لا ينفد ثناه و ذكره إذا اخترطت يوما خفاف الصوارم
ثمّ قام عبد اللَّه بن هاشم و اخذ الراية فحمد اللَّه و اثنى عليه ثمّ قال: يا أيها الناس ان هاشما كان عبدا من عباد اللَّه الذين قدر ارزاقهم و كتب آثارهم و احصى أعمالهم و قضى آجالهم فدعاه اللَّه ربه الذي لا يعصى فاجابه و سلم لامر اللَّه و جاهد في طاعة ابن عمّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و أوّل من آمن به وافقههم في دين اللَّه المخالف لأعداء اللَّه المستحلّين ما حرّم اللَّه الذين عملوا في البلاد بالجور و الفساد و استحوذ عليهم الشيطان فزيّن لهم الاثم و العدوان فحق عليكم جهاد من خالف سنّة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و عطّل حدود اللَّه و خالف أولياء اللَّه فجودوا بمهج انفسكم في طاعة اللَّه في هذه الدنيا تصيبوا الاخرة و المنزل الاعلى و الملك الذي لا يبلى، فلو لم يكن ثواب و لا عقاب و لا جنّة و لا نار
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 306
لكان القتال مع علىّ أفضل من القتال مع معاوية ابن آكالة الاكباد فكيف و أنتم ترجون.
أقول جاءت الأبيات الثلاثة في الديوان المنسوب إليه عليه السّلام على اختلاف في بعض الالفاظ و زيد في آخرها:
إذا اختلف الابطال و اشتبك القنا و كان حديث القوم ضرب الجماجم
و الابيات الثلاثة تكون هكذا:
جزى اللَّه خير عصبة اى عصبة حسان وجوه صرّعوا حول هاشم
شقيق و عبد اللَّه منهم و معبد و نبهان و ابنا هاشم ذى المكارم
و عروة لا يناى فقد كان فارسا إذا الحرب هاجت بالقنا و الصوارم
و قال الشارح الميبدى في شرحها: هاشم بن عتبة بن أبي الوقاص المشهور بالمرقال. و شقيق بن ثور العبدي و عبد اللَّه بن بديل الورقاء الخزاعي ثمّ نقل عن ابن اعثم ان عليّا عليه السّلام اعطى يوما في الصفين الراية هاشم بن عتبة بن أبي وقاص و قاتل قتالا شديدا و قتل حمزة بن مالك الهمداني ثمّ قتل و بعده تناول الراية شقيق بن ثور العبدي فقاتل حتى قتل و بعده أخذ الراية عتبة بن هاشم فقاتل حتّى قتل ثمّ أخذها بعده أبو الطفيل عامر بن واثلة الكناني فقاتل و رجع و بعده أخذها عبد اللَّه بن بديل بن الورقاء الخزاعي فقاتل قتالا عظيما حتّى قتل و بعده اقبل عمرو بن حمق الخزاعى إلى المعركة و انشأ الأبيات الأبيات الأربعة انتهى ما ذكره مترجما.
فعلى ما ذكره الميبدى ليست الأبيات للمولى عليه السّلام.
و ليعلم ان الأبيات المجموعة في الديوان يوجد كثيرا منسوبة إلى غيره عليه السّلام مثلا ان الأبيات المذكورة فى أول الديوان:
النّاس من جهة التمثال اكفاء أبوهم آدم و الامّ حوّاء
إلى آخر الأبيات منسوبة إلى على القيروانى.
و ان الأبيات الست:
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 307
ثلاث عصى صفّفت بعد خاتم على رأسها مثل السنان المقوم
إلى آخرها، صرّح محمّد حسن النائينى في كتابه المسمّى بگوهر شب چراغ: ان الأبيات من ابن عباس و اسند إلى المولى أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام.
و ان الابيات السبع:
يا حار همدان من يمت يرني من مؤمن أو منافق قبلا
إلى آخرها قالها الحميرى كما نص به الشيخ المفيد (ره) في المجلس الأوّل من أماليه و هذه الأبيات تتضمن بعض ما جاء فيه الخبر من أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام قاله لحارث الهمداني كما نقله المفيد (ره) بطوله في ذلك الكتاب و بعد نقل الخبر قال: قال جميل بن صالح و انشدني أبو هاشم السيّد الحميرى رحمه اللَّه فيما تضمّنه هذا الخبر:
قول علىّ لحارث عجب كم ثم اعجوبة له حملا
يا حار همدان من يمت يرني من مؤمن أو منافق قبلا
إلى آخرها و البيت الاوّل ليس في الديوان المنسوب إليه عليه السّلام، و لما كان هذه الابيات متضمنة ما تضمنه هذا الخبر اسند الابيات إليه عليه السّلام.
و ما في ذلك الديوان:
لا يستوى من يعمر المساجدا و من يبيت راكعا و ساجدا
يدأب فيها قائما و قاعدا و من يكرّ هكذا معاندا
و من يرى عن الغبار حائدا
قال ابن هشام في السيرة (ص 497 طبع مصر 1375 ه): سألت غير واحد من أهل العلم بالشعر عن هذا الرجز فقالوا بلغنا ان عليّ بن أبي طالب ارتجز به فلا يدرى اهو قائله أم غيره.
و ما في ذلك الديوان المنسوب إليه عليه السّلام:
إذا اشتملت على اليأس القلوب و ضاق لما به الصدر الرحيب
إلى آخر الأبيات الخمس ففي كشكول الشيخ البهائي قدّس سره (ص 279 طبع نجم الدولة)
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 308
و كذا في خزائن النراقي (ره) انّها لابي تمام و في نامه دانشوران في ضمن ترجمة يعقوب بن إسحاق المعروف بابن السكّيت (ص 257 ج 2 طبع قم) انها لابن السكّيت.
و ما فى ذلك الديوان المنسوب إليه عليه السّلام:
لا تخضعن لمخلوق على طمع فان ذلك و هن منك فى الدين
إلى آخر الابيات الستّ ففى مجاني الادب (الباب الاوّل من ج 2 ص 9 طبع بيروت) و ممّا أورده الاصبهانى عن أبى محمّد التيمى قوله:
لا تخضعن لمخلوق على طمع فان ذاك مضر منك بالدين
و ارغب اللَّه مما في خزائنه فانّما هو بين الكاف و النون
أما ترى كلّ من ترجو و تأمله من الخلائق مسكين بن مسكين
و هذه الأبيات الثلاثة الاتية:
عطارد ايم اللَّه طال ترقبي صباحا مساء كي اراك فاغنما
فها أنا فامنحني قوى أبلغ المني و درك العلوم الغامضات تكرّما
و ان تكفني المحذور و الشر كلّه بامر مليك خالق الأرض و السّماء
قال النراقي (ره) في الخزائن (ص 114 طبع طهران 1378 ه) انها منسوبة إلى أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام و كذا قال المولى المظفّر (ره) في آخر التنبيهات: و قيل إنها من أشعاره عليه السّلام و لكن الميبدي شارح الديوان المنسوب إلى المولى عليه السّلام (ص 370 طبع ايران 1285 ه) في ضمن هذه القطعة:
خوفني منجم اخو خبل تراجع المريخ في بيت الحمل
إلى آخرها، قال: و يعلم من هذه القطعة ان نسبة الابيات المذكورة (عطارد ايم ...) إليه عليه السّلام ليست بصحيحة على ان هذه الابيات ليست في الديوان.
و ما في الديوان في اختيارات أيام الاسبوع:
لنعم اليوم يوم السبت حقا لصيد ان اردت بلا امتراء
إلى آخر الأبيات ففى بعض رسائل مؤلف لسان العرب انّها من منشئاته لا من المولى عليه السّلام.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 309
و المناجاة المنظومة:
لك الحمد يا ذا الجود و المجد و العلى تباركت تعطي من تشاء و تمنع
إلى آخرها فممّا نسبت إلى الخاقاني و توجد في ديوانه و هذا البيت منها:
الهى بحق المصطفى و ابن عمّه و حرمة ابرار هم لك خشّع
ظاهر في انها ليست من اشعاره عليه السّلام.
و هذا البيت المعروف:
كلّ علم ليس في القرطاس ضاع كل سرّ جاوز الاثنين شاع
مما اسند إليه عليه السّلام و فيه مع انه ليس في ديوانه عليه السّلام قال المولى محمّد باقر الشريف (ره) في كتابه الشريف المسمى بجامع الشواهد بعد ذكر البيت لم يسم قائله مع ان اهتمامه فيه ذكر القائل و هو (ره) متضلّع رحب الباع في فنّه.
و ما في ديوانه عليه السّلام:
فان تكن الدنيا تعدّ نفيسة فدار ثواب اللَّه اعلى و انبل
إلى آخر الأبيات ففى شرح الشافية لأبي فراس (ص 146 طبع ايران 1296 ه) نقل عن مقتل الخوارزمي انّها ممّا انشأها أبو عبد اللَّه الحسين بن عليّ عليهما السّلام و ليس لأحد مثلها.
و قال المجلسي (ره) في المجلد العاشر من بحار الانوار (ص 203 طبع كمپانى) قال محمّد بن أبي طالب و ذكر أبو علي السلامى فى تاريخه ان هذه الأبيات للحسين عليه السّلام من انشائه و قال ليس لأحد مثلها، انتهى.
و مع ذلك قال بعض أهل الفضل و الادب فى بعض مكتوباته: قال العلامة النيسابورى فى كتاب خلق الانسان ان هذه الابيات ليس للحسين عليه السّلام و لكنه يتمثل بها كثيرا و لذا ظن انّها من منشئاته.
و ينسب إليه عليه السّلام هذا البيت:
و لقد أمرّ على اللئيم يسبّنى فمضيت ثمّة قلت لا يعنيني
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 310
و فيه مع انه ليس في ديوانه عليه السّلام قال في جامع الشواهد في باب الواو مع اللام:
هو لرجل من بنى سلول و كان يتمثل به عليّ بن أبي طالب عليه السّلام كثيرا.
و ما في ديوانه عليه السّلام:
إذ المرء لم يرض ما امكنه و لم يأت من أمره أزينه
إلى آخرها، فقال الميدانى في مجمع الامثال في ضمن مثال دع امرأ و ما اختار (ص 235 طبع طهران): كما قيل إذا المرء لم يرض ما امكنه اه و بعيد من ان يكون الشعر منه عليه السّلام و يقول الميداني كما قيل.
في شرح ديوان المتنبى لعبد الرحمن البرقوقى (ج 4 ص 406 طبع مصر 1357 ه) قال أبو العباس ثعلب لم تختلف الرواة في أن هذه الابيات:
انا الذى سمتنى امّى حيدرة كليث غابات غليظ القصرة
أكيلكم بالسيف كيل السندرة
لعلىّ بن أبى طالب رضوان اللَّه عليه انتهى. و فيه مع أن في البيتين اختلافا كثيرا لان نصر بن مزاحم نقل في كتاب صفين (ص 207 طبع طهران) هكذا:
أنا الذى سمتنى امى حيدرة رئيال آجام كريه المنظرة
عبل الذراعين شديد القسورة اكيلكم بالسيف كيل السندرة
و في ديوانه عليه السّلام نقل هكذا:
أنا الّذى سمتنى امّى حيدرة ضرغام آجام و ليث قسورة
عبل الذراعين شديد القصرة كليث غابات كريه المنظرة
يناقض ما ذهب اليه المازنى و الزمخشرى، و ذلك لان عبد الرحيم بن عبد الكريم صفى بورى في مادة و دق من منتهى الأرب في لغة العرب قال: قال المازنى لم يصحّ اى عليّا عليه السّلام تكلم بشيء من الشعر غير هذين البيتين و صوّبه الزمخشرى و هما:
تلكم قريش تمنّانى لتقتلنى فلا و ربّك ما بزوا و لا ظفروا
فان هلكت فرهن ذمتى لهم بذات و دقين لا يعفو لها أثر
مع أن هذا القول يناقض أيضا قول المسعودى في مروج الذهب حيث قال (ص 45 ج 2 طبع مصر 1346 ه)
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 311
في ذكر مقتل أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام ما هذا لفظه: و كان على عليه السّلام كثيرا ما يتمثل: تلكم قريش تمنانى إلى آخر البيتين، فالمسعودى يرى البيتين لغيره عليه السّلام كان يتمثل بهما.
و ما في ديوانه عليه السّلام:
فان تسألينى كيف أنت فاننى صبور على ريب الزمان صليب
يعزّ علىّ أن ترى بي كئابة فيشمت عاد اويساء حبيب
فهما مما نصّ عليه السّلام بانهما مما قال اخو بنى سليم كما في باب المختار من كتبه عليه السّلام و رسائله من النهج فى الكتاب السادس و العشرين المعنون بقول الرضى رضوان اللَّه عليه: و من كتاب له عليه السّلام إلى عقيل بن أبي طالب في ذكر جيش أنفذه إلى بعض الاعداء، و هو جواب كتاب كتبه اليه اخوه. و قال الفاضل الشارح المعتزلي:
و الشعر ينسب إلى العباس بن مرداس السلمى. و لا يخفى انّه عليه السّلام تمثل باشعار الشعراء في عدة مواضع من خطبه و كتبه.
و ما في ديوانه عليه السّلام:
قال الحبيب و كيف لي بجوابكم و انا رهين جنادل و تراب
إلى آخر الابيات الثلاثة فقال الميبدى فى الشرح: و ذهب بعض إلى أن هذه الابيات كانت من هاتف غيبىّ.
و ما في ديوانه عليه السّلام:
اضربكم و لا أرى معاوية الاخزر العين العظيم الحاوية
هوت به فى النار ام هاوية جاوره فيها كلاب عاوية
فقال المسعودى في مروج الذهب (ص 25 ج 2 طبع مصر 1346 ه): و قيل ان هذا الشعر لبديل بن ورقاء قاله فى اليوم التاسع من حرب صفين.
و في كتاب صفين لنصر اسند البيتين إلى محرز بن ثور و نقل الاوّل على اختلاف حيث قال: قال محرز بن ثور:
اضربهم و لا أرى معاوية الابرح العين العظيم الحاوية
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 312
و كذا في شرح الشارح المعتزلي (ص 279 ج 1 طبع طهران). و في شرح الديوان المنسوب اليه عليه السّلام للميبدى: قال ابن اعثم انّ هذين البيتين لعبد اللَّه بن بديل بن ورقاء قالهما في يوم قتله ثمّ قال: قال معاوية في شانه: للَّه درّه و درّ أبيه أما و اللَّه لو استطاعت نساء خزاعة ان يقاتلنا فضلا عن رجالها لفعلت.
و ما في ديوانه عليه السّلام:
قال المنجم و الطبيب كلاهما لن يحشر الاجساد قلت اليكما
ان صحّ قولكما فلست بخاسر ان صحّ قولى فالخسار عليكما
فقال الغزالى فى احياء العلوم كما فى شرح الميبدى أيضا انّهما منسوبان إلى أبى العلي المعرّى. و في بعض الرسائل العصرية انّهما للمغربى و لكنه تصحيف حرف المعرّى بالمغربى و فى بعض النسخ الحكيم مكان الطبيب.
و ما في ديوانه عليه السّلام تعريضا بعبد الرحمن بن ملجم المرادى:
اريد حياته و يريد قتلى عذيرك من خليك من مراد
فقال الزمخشرى فى الاساس ان البيت منسوب إلى عمرو بن معديكرب و كذا فى شرح الديوان للميبدى.
و ما فى ديوانه عليه السّلام:
حياز يمك للموت فان الموت لاقيك
و لا تجزع من الموت إذا حلّ بواديك
فان الدرع و البيضة يوم الروع يكفيك
كما اضحكك الدهر كذاك الدهر يبكيك
فنصّ الشيخ المفيد رضوان اللَّه عليه فى الارشاد فى اخباره عليه السّلام بشهادته: انّه عليه السّلام قالها متمثّلا.
ثمّ انّه جاء فى النسخ الكثيرة الّتى رأيناها المصراع الاوّل هكذا:
اشدد حياز يمك للموت
و الصواب عدم كلمة اشدد لانه محذوف و لو كان مذكورا فى العبارة لزاد المصرع الأوّل عن الثاني فتوجد فى العبارة حزازة
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 313
كما نصّ به أيضا المرزوقى فى شرح الحماسة (ص 331 ج 1 طبع مصر) حيث قال:
روى عنه عليه السّلام حيازيمك للموت فان الموت لاقيك يريد اشدد حيازيمك. و هذه الزيادة كانت من ناسخ فانتقل الحاشية إلى المتن.
و ما فى ديوانه عليه السّلام:
و حىّ ذوى الاضغان تشف قلوبهم تحيّتك العظمى و قد يدبغ النغل
إلى آخر الأبيات الثلاثة ففى شرح الميبدى: قال الشيخ محيى الدين فى وصايا الفتوحات: اتى اعرابى مشرك من فصحاء العرب النبي صلّى اللَّه عليه و آله و قال له: هل فيما انزل عليك ربّك مثل ما قلته؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله ما قلت؟ فقال الاعرابى هذه الابيات الثلاثة فانزل اللَّه تعالى آيات «وَ لا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَ لَا- إلى قوله- لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ»* فقال الاعرابى هذا و اللَّه هو السحر الحلال فاسلم.
و ما فى ديوانه عليه السّلام:
اسد على اسد يصول بصارم عضب يمان فى يمين يمان
فقال الشارح الميبدى: كلمة فى يمين يمان مشعر بان البيت ليس له عليه السّلام لانّه لم يكن يمنيّا ثمّ ذكر وجوها فى تصحيحه لا تخلو من تكلف فليرجع.
و هذه الابيات الثلاثة:
هوّن الامر تعش فى الراحة قلّ ما هوّنت الا سيهون
ليس امر المرء سهلا كله إنّما الامر سهول و حزون
تطلب الراحة فى دار العناء خاب من يطلب شيئا لا يكون
مما اسندها النراقى (ره) فى الخزائن (ص 145 طبع طهران 1380 ه) اليه عليه السّلام و يوجد أيضا فى ديوانه و اتى به الشارح الميبدى إلّا أن البيت الاخير لا يوجد فى بعض النسخ من ديوانه و اسند إلى غيره عليه السّلام.
«الكلام فى جامع اشعار أمير المؤمنين على عليه السلام»:
و لما انجرّ الكلام إلى هنا فلا بأس أن نذكر جامع اشعاره عليه السّلام لانّه لا يخلو من فائدة فقال الشيخ الجليل أبو العباس أحمد بن على بن أحمد بن العباس النّجاشى
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 314
تغمده اللَّه برحمته فى رجاله: عبد العزيز بن يحيى بن أحمد بن عيسى الجلودى الأزدى البصرى أبو أحمد شيخ البصرة و اخباريّها و جلود قرية فى البحر و قال قوم ان جلود بطن من الازد و لا يعرف النسابون ذلك و له كتب منها كتاب شعر على عليه السّلام:
و فى روضات الجنات فى احوال العلماء و السادات لمؤلفه محمّد باقر الموسوى الخوانسارى فى ذيل ترجمة حسين بن معين الدين الميبدى شارح ديوان أمير المؤمنين على عليه السّلام بالفارسى: و الظاهر أن الديوان المبارك من جمع الفاضل الامام أبى الحسن على بن أحمد بن محمّد الضجكردى الاديب النيسابورى و سمّاه كتاب تاج الاشعار و سلوة الشيعة و قد كان مقاربا لعصر سيدنا الرضى صاحب كتاب نهج البلاغة و له أيضا فى نعت الكتاب المذكور أبيات رائقة كما افيد.
و قال المجلسى فى مقدمات بحاره: و كتاب الديوان انتسابه اليه عليه السّلام مشهور و كثير من الاشعار المذكورة فيه مرويّة فى سائر الكتب و يشكل الحكم بصحة جميعها و يستفاد من معالم ابن شهر آشوب انّه تاليف على بن أحمد الأديب النيسابورى من علمائنا و النجاشى عدّ من كتب عبد العزيز بن يحيى الجلودى كتاب شعر على عليه السّلام انتهى.
و قال: الخوانسارى المذكور فى باب المحمدين من الروضات: أبو الحسن محمّد بن الحسين بن الحسن البيهقى النيسابورى المشتهر بقطب الدين الكيدرى له كتب منها كتاب جمع أشعار مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام سمّاه انوار العقول و لا يبعد كونه بعينه هو الديوان المرتضوى الموجود فى هذا الزمان المنسوب اليه عليه السّلام أقول: و لا يبعد صحة جمع الاشعار اليهم كلّهم كما أن جامع خطبه و كتبه و رسائله و مواعظه و حكمه يكون غير واحد من العلماء و الكل صحيح و المجموع المشتهر الان فى الايدى هو ما جمعها الشريف الرضى رضى اللَّه عنه و سمّاه نهج البلاغة.
ثمّ لا يخفى ان ما قال عبد اللَّه بن مرقال رضوان اللَّه عليه: فلو لم يكن ثواب و لا عقاب و لا جنّة و لا نار لكان القتال مع علىّ أفضل من القتال مع معاوية، كلام خرج عن قلب يقظان و فطرة سليمة و رجل نبيه و لعمرى من لم يكن عميان القلب ان
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 315
تدبّر فى ما صدر من أمير المؤمنين على عليه السّلام يجده عليه السّلام فى كلّ امر اماما و قدوة و خطبه و مواعظه و كتبه و رسائله و حكمه فى شئون المعاش و الاجتماع و تنظيم امور الملك و المملكة و تعليم التدبير و السياسة و تعبية العسكر و آداب المعاشرة، قوام المدينة الفاضلة و الدستور القويم فيها و البدّ اللازم لمن يطلب الدرجة العليا و الحياة الراقية و لو فى هذه الحياة الدنيا، فلو دار الامر بين القتال مع على عليه السّلام و بينه مع معاوية لكان القتال مع على عليه السّلام افضل و لنعد إلى القصة:
قال المسعودى فى مروج الذهب. و استشهد فى ذلك اليوم صفوان و سعد ابنا حذيفة بن اليمان و قد كان حذيفة عليلا بالكوفة فى سنة ست و ثلاثين فبلغه قتل عثمان و بيعة النّاس لعلى عليه السّلام فقال اخرجونى و ادعوا الصلاة جامعة فوضع على المنبر فحمد اللَّه و أثنى عليه و صلّى على النّبي صلّى اللَّه عليه و آله و على آله ثمّ قال: أيّها النّاس ان النّاس قد بايعوا عليّا فعليكم بتقوى اللَّه و انصروا عليا و وازروه فو اللَّه انّه لعلى الحق آخرا و اوّلا و انّه لخير من مضى بعد نبيّكم و من بقى الى يوم القيامة ثمّ أطبق يمينه على يساره ثمّ قال: اللّهم اشهد أنى قد بايعت عليّا و قال: الحمد للَّه الّذى أبقانى إلى هذا اليوم و قال لابنيه صفوان و سعد احملانى و كونا معه فسيكون له حروب كثيرة فيهلك فيها خلق من النّاس فاجتهدا أن تستشهدا معه فانّه و اللَّه على الحقّ و من خالفه على الباطل و مات حذيفة بعد هذا اليوم بسبعة ايام و قيل باربعين يوما. و استشهد فيه عبد اللَّه بن الحرث النخعي اخو الأشتر. و استشهد فيه عبد اللَّه و الرحمن ابنا بديل بن ورقاء الخزاعى فى خلق من خزاعة و كان عبد اللَّه فى ميسرة على عليه السّلام و هو يرتجز و يقول:
لم يبق إلّا الصبر و التوكل و أخذك الترس و سيف مصقل
ثمّ التمشى فى الرعيل الأوّل
فقتل ثمّ قتل عبد الرحمن اخوه بعده.
قال نصر بعد قتل ذى الكلاع: ثمّ تمادى النّاس فى القتال فاضطربوا بالسيوف حتّى تقطّعت و صارت كالمناجل و تطاعنوا بالرماح حتّى تكسّرت ثمّ جثوا على الركبات
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 316
فتحاثوا بالتراب يحثّ بعضهم فى وجوه بعض التراب ثمّ تعانقوا و تكادموا و تراموا بالصخر و الحجارة ثمّ تحاجزوا فجعل الرجل من أهل العراق يمرّ على أهل الشام فيقول من أين آخذ إلى رايات بنى فلان فيقولون ههنا لا هداك اللَّه، و يمرّ الرجل من أهل الشام على أهل العراق فيقول كيف آخذ إلى رايات بنى فلان فيقولون ههنا لا حفظك اللَّه و لا عافاك.
قال المسعودى: و لما قتل عمّار و من ذكرنا فى هذا اليوم حرض على عليه السّلام النّاس و قال لربيعة أنتم درعى و رمحى فانتدب له ما بين عشرة آلاف إلى أكثر من ذلك من ربيعة و غيرهم قد جادوا بانفسهم للَّه عزّ و جلّ و على عليه السّلام أمامهم على البغلة الشهباء و هو يقول:
اىّ يومىّ من الموت افرّ يوم لم يقدر ام يوم قدر
و حمل و حملوا معه حملة رجل واحد فلم يبق لأهل الشام صف إلّا انتقض و اهمدوا كلّ ما أتوا عليه حتّى أتوا إلى قبة معاوية و عليّ عليه السّلام لا يمرّ بفارس إلا قده و هو يقول:
اضربهم و لا أرى معاوية الاخزر العين العظيم الهاوية
تهوى به فى النار ام هاوية
و قيل إن هذا الشعر لبديل بن ورقاء قاله فى ذلك اليوم.
ثمّ نادى على عليه السّلام يا معاوية علام يقتل الناس بين و بينك هلم احاكمك إلى اللَّه فأينا قتل صاحبه استقامت له الامور فقال له عمرو: قد أنصفك الرجل، فقال له معاوية: ما أنصفت و انك لتعلم أنّه لم يبارزه رجل قط إلّا قتله أو أسره فقال له عمرو و ما تجمل بك إلا مبارزته فقال له معاوية: طمعت فيها بعدى و حقدها عليه.
أقول: لا يخفى ان قوله عليه السّلام هذا ثمّ نادى على عليه السّلام يا معاوية علام يقتل النّاس اه غاية الكرم و الشجاعة و الانصاف و المروءة كما اعترف به الخصم العنود و يناسب المقام قول المتنبّي:
كلّ يريد رجاله لحياته يا من يريد حياته لرجاله
و قال عبد الرحمن البرقوقي في شرح ديوان المتنبّى (ص 234 ج 3 طبع مصر 1357 ه)
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 317
و قد بنى المتنبّى هذا البيت على حكاية وقعت لسيف الدولة مع الاخشيد و ذلك انّه جمع جيشا و زحف به على بلاد سيف الدولة فبعث اليه سيف الدولة يقول: لا تقتل النّاس بيني و بينك و لكن ابرز إليّ فأينا قتل صاحبه ملك البلاد فامتنع الاخشيد و وجه اليه يقول: ما رأيت أعجب منك أ أجمع مثل هذا الجيش العظيم لأقي به نفسى ثمّ ابارزك؟ و اللَّه لا فعلت ذلك ابدا.
ثمّ قال المسعودي: و قد قيل في بعض الروايات ان معاوية اقسم على عمرو لما اشار عليه بهذا ان يبرز إلى علىّ فلم يجد عمرو من ذلك بدّا فبرز فلما التقيا عرفه علىّ عليه السّلام و شال السيف ليضربه به فكشف عمرو عن عورته و قال مكره اخوك لا بطل فحوّل على عليه السّلام وجهه و قال قبحت و رجع عمرو إلى مصافه.
و قد ذكر نصر بن مزاحم فى كتاب الصفين: ثمّ ان معاوية لما اسرع أهل العراق في أهل الشام قال هذا يوم تمحيص ان القوم قد اسرع فيهم كما اسرع فيكم اصبروا يومكم هذا و خلاكم ذم و حضّض على عليه السّلام أصحابه فقام اليه الاصبغ بن نباتة التميمى فقال يا أمير المؤمنين انك جعلتنى على شرطة الخميس و قدمتني في الثقة دون النّاس و انك اليوم لا تفقد لي صبرا و لا نصرا أما أهل الشام فقد هدّهم ما اصبنا منهم و نحن ففينا بعض البقية فاطلب بنا امرك و اذن لي في التقدم فقال له علي عليه السّلام تقدّم بسم اللَّه.
و اقبل الاحنف بن قيس السعدى فقال يا أهل العراق و اللَّه لا تصيبون هذا الامر اذل عنقا منه اليوم قد كشف القوم عنكم قناع الحيا و ما يقاتلون على دين و ما يصبرون الاحياء فتقدموا فقالوا انا ان تقدّمنا اليوم فقد تقدمنا أمس فما تقول يا أمير المؤمنين؟
قال: تقدموا في موضع التقدم و تأخروا في موضع التأخر تقدموا من قبل ان يتقدموا اليكم و حمل أهل العراق و تلقاهم أهل الشام فاجتلدوا و حمل عمرو بن العاص معلما و هو يقول:
شدّوا علىّ شكّتى لا تنكشف بعد طليح و الزّبير فاتلف
يوم لهمدان و يوم للصّدف و في تميم نحوه لا تنحرف
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 318
أضربها بالسيف حتى تنصرف إذا مشيت مشية العود الصلف
و مثلها لحمير او شنحرف و الرّبعيون لهم يوم عصف
فاعترضه على عليه السّلام و هو يقول:
قد علمت ذات القرون الميل و الحصر و الانامل الطفول
انّي بنصل السيف خنشليل أحمى و أرمي أوّل الرعيل
بصارم ليس بذى فلول
ثمّ طعنه فصرعه و اتّقاه عمرو برجله فبدت عورته فصرف علىّ عليه السّلام وجهه عنه و ارتث فقال القوم افلت الرجل يا أمير المؤمنين قال و هل تدرون من هو؟ قالوا لا. قال:
فانه عمرو بن العاص تلقاني بعورته فصرفت وجهي عنه و رجع عمرو إلى معاوية فقال له ما صنعت يا عمرو قال لقاني عليّ فصر عني قال احمد اللَّه و عورتك أما و اللَّه ان لو عرفته ما اقتحمت عليه و قال معاوية في ذلك شعر:
ألا للَّه من هفوات عمرو يعاتبني على تركى برازى
فقد لاقى أبا حسن عليّا فاب الوائلى ماب خازى
فلو لم يبد عورته للاقى به ليثا يذلّل كلّ نازى
له كفّ كانّ براحتيها منايا القوم يخطف خطف بازى
فان تكن المنيّة أخطأته فقد غنّي بها أهل الحجاز
فغضب عمرو و قال ما اشدّ تعظيمك عليّا في كسرى هذا هل هو الارجل لقاه ابن عمه فصرعه افترى السماء فاطرة لذلك دما قال و لكنها تعقّبك جبنا.
أقول: كان عمرو بن العاص فى المكر و الخديعة اروغ من الثعلب و به يضرب المثل في الحيلة و الشيطنة و لما رأى ان لا محيص له في يد اسد اللَّه احتال حيلة شنيعة غير لائقة للابطال و الرجال و يليق ان يقال له:
اى روبهك چرا ننشستى بجاى خويش با شير پنجه دادى و ديدى سزاى خويش
قال أبو الفضل نصر بن مزاحم في كتاب الصفين: ان عمرو بن العاص مرّ بالحرث ابن نصر الجشمي و كان عدوا لعمرو و كان عمرو قل ما يجلس مجلسا الا ذكر فيه الحرث
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 319
فقال الحرث في ذلك:
ليس عمرو بتارك ذكره الحرب مدى الدّهر او يلاقى عليا
واضع السيف فوق منكبه الايمن لا يحسب الفوارس شيئا
ليس عمرو يلقاه في حمس النقع و قد صارت السيوف عصيّا
حيث يدعو البراز حامية القوم إذا كان بالبراز مليّا
فوق شهب مثل السحوق من النخل ينادى المبارزين إليّا
ثمّ يا عمرو تستريح من الفخر و تلقى به فتى هاشميا
فالقه إن اردت مكرمة الدّهر او الموت كلّ ذاك عليّا
فلما سمع عمرو شعره قال و اللَّه لو علمت انى اموت الف موتة لبارزت عليّا في اوّل ما القاه فلما بارزه طعنه علىّ عليه السّلام فصرعه و اتّقاه عمرو بعورته فانصرف علىّ عليه السّلام عنه و قال علىّ حين بدت له عورة عمرو فصرف وجهه عنه:
ضرب ثبا الابطال في المشاغب ضرب الغلام البطل الملاعب
اين الضراب في العجاج الثائب حين احمرار الحدق الثواقب
بالسيف في تهتهة الكتائب و الصبر فيه الحمد للعواقب
قال المسعودى: و قد ذكر هشام بن محمّد الكلبى عن الشرقى بن القطامى ان معاوية قال لعمرو بعد انقضاء الحرب هل غششتنى منذ نصحتنى؟ قال: لا، قال: بلى و اللَّه يوم اشرت علىّ بمبارزة عليّ و أنت تعلم ما هو قال: دعاك الى المبارزة فكنت من مبارزته علي احدى الحسنيين إما ان تقتله فتكون قد قتلت قاتل الاقران و تزداد شرفا إلى شرفك و إما ان يقتلك فتكون قد استعجلت مرافقة الشهداء و الصالحين و حسن اولئك رفيقا. فقال معاوية يا عمرو الثانية اشرّ من الاولى.
و بالجملة كان في هذا اليوم من القتال ما لم يكن قبل. و ليعلم انه مضت منه عليه السّلام الخطبة التاسعة و الستين معنونا من الشريف الرضى رضوان اللَّه عليه: و من كلام له عليه السّلام يقوله لاصحابه في بعض أيام صفين: معاشر المسلمين استشعروا الخشية و تجلببوا السكينة و عضّوا النواجذ اه و اجمل الرضى (ره) ذلك اليوم، و قال الشارح
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 320
المعتزلي: هذا الكلام خطب به أمير المؤمنين عليه السّلام فى اليوم الّذي كان عشيته ليلة الهرير في كثير من الروايات. انتهى يعنى به اليوم التاسع. و مضى الكلام منا عن مروج الذهب و غيره خطب به عليه السّلام في اليوم الثامن و هو يوم الاربعاء. و قال نصر في كتاب صفين انّه عليه السّلام خطب به في أوّل أيام اللقاء و الحرب بصفين و ذلك في صفر من سنة سبع و ثلاثين و الاختلاف في الفاظ الخطبة كثير أيضا و اللَّه أعلم.
«اليوم العاشر و ليلتها: ليلة الهرير و يومها»:
و هي الليلة العظيمة التي يضرب بها المثل و كانت ليلة الجمعة و يومها و قال المسعودى فكان جملة من قتل على عليه السّلام بكفّه في يومه و ليلته خمسمائة و ثلاثة و عشرين رجلا أكثرهم في اليوم و ذلك انه كان إذا قتل رجلا كبّر إذا ضرب و لم يكن يضرب إلّا قتل ذكر ذلك عنه من كان يليه فى حربه و لا يفارقه من ولده و غيرهم.
و قال الطبرى: ثمّ اقتتل الناس بعد المغرب قتالا شديدا فما صلّى أكثر النّاس إلا ايماء. و قال نصر حدثنا عمرو بن شمر قال حدّثنى أبو ضرار قال حدّثنى عمار بن ربيعة قال غلس على عليه السّلام بالنّاس صلاة الغداة يوم الثلاثا عاشر شهر ربيع الأوّل سنة سبع و ثلاثين و قيل عاشر شهر صفر ثمّ زحف إلى أهل الشام بعسكر العراق و الناس على راياتهم و زحف اليهم أهل الشام و قد كانت الحرب اكلت الفريقين و لكنها فى أهل الشام اشد نكاية و اعظم وقعا فقد ملّوا الحرب و كرهوا القتال و تضعضعت اركانهم.
قال: فخرج رجل من أهل العراق على فرس كميت ذنوب عليه السلاح لا يرى منه الاعيناه و بيده الرمح فجعل يضرب رءوس أصحاب علىّ بالقناة و يقول: سوّوا صفوفكم حتّى إذا عدل الصفوف و الرايات استقبلهم بوجهه و ولى أهل الشام ظهره ثمّ حمد اللَّه و اثنى عليه ثمّ قال: الحمد للَّه الّذي جعل فيكم ابن عم نبيكم اقدمهم هجرة و اوّلهم اسلاما سيف من سيوف اللَّه صبّه اللَّه على اعدائه فانظروا إذا حمى الوطيس
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 321
و ثار القتام و تكسران المران و جالت الخيل بالابطال فلا أسمع الاغمغمة او همهمة قال ثمّ حمل على أهل الشام و كسر فيهم رمحه ثمّ رجع فاذا هو الاشتر.
أقول: شجاعة الأشتر رضوان اللَّه عليه بلغ مبلغ التواتر و لا يتأتى لاحد انكاره و يسميه المورخون كبش العراق و ذكرنا شمة من شجاعته يوم اخذ الماء و قتله ابطال أهل الشام و فوارس قائد أهل الكفر و النفاق و شجعان رائد قوم البغي و الشقاق و كان هو «ره» شديد الباس فارسا شجاعا و من تتبع و بحث عن وقائع الجمل و الصفين و غيرهما علم ان الأشتر كان بعد أمير المؤمنين عليه السّلام اشجع النّاس فقد قال عليّ عليه السّلام بعد موته:
رحم اللَّه مالكا فلقد كان لي كما كنت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله، و من هذا التشبيه و المقايسة يعلم جلالة شانه «ره» و علو قدره إلى حدّ فوق أن يحوم حوله العبارة و قال الشارح المعتزلي ابن ابى الحديد في شرح النهج: لو أن انسانا يقسم أن اللَّه تعالى ما خلق في العرب و لا في العجم اشجع منه «يعني من الأشتر» إلا استاذه عليه السّلام لما خشيت عليه الإثم.
و للَّه در القائل و قد سئل عن الاشتر: ما أقول في رجل هزمت حياته أهل الشام و هزم موته أهل العراق و بحقّ ما قال فيه أمير المؤمنين عليه السّلام: كان الأشتر لي كما كنت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله.
و هذا هو الأشتر مجاهدا فى اللَّه قبال الفئة الباغية و لينظر إلى تخلّقه باخلاق اللَّه و اتّصافه باوصافه كيف ارتقى في المدرسة الالهية العلوية إلى الدرجات العلى و المراتب القصوى ففي مجموعة ورام «1» حكى ان مالكا الأشتر رضي اللَّه عنه كان مجتازا بسوق الكوفة و عليه قميص خام و عمامة منه فرآه بعض أهل السوق فازدرى بزيّه فرماه ببندقة تهاونا به فمضي و لم يلتفت فقيل له ويلك أ تدرى بمن رميت فقال لا فقيل له هذا مالك صاحب أمير المؤمنين عليه السّلام فارتعد الرجل و مضي اليه ليعتذر منه فرآه و قد دخل المسجد و قائم يصلّي فلمّا انفتل أكبّ الرجل على قدميه ليقبلهما فقال ما هذا الأمر؟ فقال اعتذر اليك مما صنعت فقال لا بأس عليك فو اللَّه ما دخلت
______________________________
(1)- ورام هذا من اولاد مالك الاشتر و هو: ورام بن أبى فراس ورام بن حمدان بن عيسى بن أبى نجم بن ورام بن حمدان بن خولان بن ابراهيم بن مالك الاشتر النخعي.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 322
المسجد إلّا لأستغفرنّ لك. انتهى و سيأتي ترجمته مستوفاة انشاء اللَّه تعالى في محله و لنعد إلى القصّة:
قال نصر بإسناده السابق و خرج رجل من أهل الشام ينادى بين الصفين يا أبا حسن يا على ابرز لى فخرج اليه على عليه السّلام حتّى إذا اختلف اعناق دابتيهما بين الصفين فقال يا على ان لك قدما فى الاسلام و هجرة فهل لك فى الامر اعرضه عليك يكون فيه حقن هذه الدماء و تأخير هذه الحروب حتّى ترى من رأيك؟ فقال له على عليه السّلام و ما ذاك؟ قال ترجع إلى عراقك فنخلى بينك و بين العراق و نرجع إلى شامنا فتخلى بيننا و بين شامنا، فقال له على عليه السّلام لقد عرفت انما عرضت هذا نصيحة و شفقة و لقد أهمّنى هذا الامر و اسهرنى و ضربت أنفه و عينه فلم اجد إلا القتال او الكفر بما انزل على محمّد صلّى اللَّه عليه و آله إنّ اللَّه تبارك و تعالى لم يرض من اوليائه ان يعصى فى الأرض و هم سكوت مذعنون لا يأمرون بالمعروف و لا ينهون عن المنكر فوجدت القتال اهون علىّ من معالجة الاغلال في جهنم، فرجع الشامي و هو يسترجع.
اقول: فانظر أيّها القارى الكريم نظر التامل و التدبّر في كلامه عليه السّلام: إن اللَّه تبارك و تعالى لم يرض من اوليائه اه حتّى تقف على سرّ بعثة الأنبياء و اوليائه فهم بعثوا لينقذوا النّاس من الوسواس و الكفر و الشقاق و النفاق و ليعالجوا نفوسهم من داء الجهل و ينوّروا عقولهم بنور العلم و المعارف و الحكم و يهدوهم إلى الصراط المستقيم و يوصلوهم إلى النهج القويم لطفا من اللَّه على العباد ليفوزوا فوزا عظيما و ليهلك من هلك عن بينة و يحيى من حىّ عن بينة، و يتمّ الحجّة عليهم و لم يخلق اللَّه النّاس عبثا و لم يتركهم سدى و لم يرض من اوليائه ان يعصى في الأرض و هم سكوت و العلماء بعدهم قائمون مقامهم فلم يرض اللَّه منهم أن يعصي في الأرض و هم سكوت، لانهم حصون الاسلام كحصن سور المدينة لها فاذا ظهرت البدع فعليهم أن يظهروا علمهم و يحثوا الناس إلى الطاعة و يزجروهم عن المعصية و إذا ظهرت البدع كانت الظلمات غالبة.
و في الكافي لثقة الاسلام الكليني (ره) باسناده عن عبد الرحيم القصير عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله كلّ بدعة ضلالة و كلّ ضلالة في النار.
و فيه قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله: إذا ظهرت البدع في امّتي فليظهر العالم علمه فمن لم يفعل فعليه لعنة اللَّه.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 323
و فيه باسناده عن داود بن سرحان عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله إذا رأيتم أهل البدع و الريب من بعدى فأظهروا البراءة منهم و أكثروا من سبّهم و القول فيهم و الوقيعة و باهتوهم حتّى لا يطمعوا فى الفساد فى الاسلام و يحذر الناس و لا يتعلمون من بدعهم يكتب اللَّه لكم بذلك الحسنات و يرفع لكم به الدرجات.
و في البحار عن أبي محمّد العسكرى عليه السّلام قال: قال جعفر بن محمّد الصادق عليهما السّلام: علماء شيعتنا مرابطون بالثغر الّذى يلي ابليس و عفاريته يمنعونهم عن الخروج على ضعفاء شيعتنا مرابطون بالثغر الّذى يلي ابليس و عفاريته يمنعونهم عن الخروج على ضعفاء شيعتنا و عن ان يتسلط عليهم ابليس و شيعته النواصب ألا فمن انتصب لذلك من شيعتنا كان افضل ممن جاهد الروم و الترك و الخزر الف الف مرّة لانّه يدفع عن أديان محبينا و ذلك يدفع عن أبدانهم.
و سيأتي الكلام في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و البحث عنهما و شرائطهما انشاء اللَّه تعالى و لنعد إلى القصة:
قال نصر: و زحف النّاس بعضهم إلى بعض فارتموا بالنبل حتّى فنيت ثمّ تطاعنوا بالرماح حتّى تكسرت و اندقت ثمّ مشى القوم بعضهم إلى بعض بالسيف و عمد الحديد فلم يسمع السامع الا وقع الحديد بعضه على بعض لهو أشدّ هو لا في صدور الرجال من الصواعق و من جبال تهامة يدكّ بعضها بعضا و انكسفت الشمس و ثار القتام و ضلّت الالوية و الرايات و الأشتر يسير فيما بين الميمنة و الميسرة فيأمر كلّ قبيلة او كتيبة من القراء بالاقدام على الّتي تليها فاجتلدوا بالسيوف و عمد الحديد من صلاة الغداة إلى نصف الليل لم يصلّوا للَّه صلاة فلم يزل يفعل ذلك الأشتر بالناس حتّى أصبح و المعركة خلف ظهره و افترقوا على سبعين الف قتيل في ذلك اليوم و تلك الليلة و هي ليلة الهرير و الأشتر فى ميمنة النّاس و ابن عبّاس فى الميسرة و علىّ فى القلب و النّاس يقتلون ثمّ استمر القتال من نصف الليل الثاني إلى ارتفاع الضحى و الأشتر يقول لاصحابه و هو يزحف بهم نحو أهل الشام ازحفوا قيدر محى هذا و إذا فعلوا قال ازحفوا قاب هذا القوس فاذا فعلوا سألهم مثل ذلك حتّى ملّ أكثر النّاس من الاقدام فلمّا
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 324
رأى ذلك قال اعيذكم باللَّه أن ترضعوا الغنم سائر اليوم ثمّ دعا بفرسه و ركز رايته و كانت مع حيان بن هودة النخعي و خرج يسير فى الكتائب و يقول: ألا من يشرى نفسه للَّه و يقاتل مع الاشتر حتى يظهر أو يلحق باللَّه فلا يزال الرجل من النّاس يخرج اليه و يقاتل معه.
قال نصر باسناده عن عمّار بن ربيعة قال مرّ بى و اللَّه الأشتر و اقبلت معه حتّى رجع إلى المكان الّذى كان به فقام فى أصحابه فقال شدّوا فدالكم عمّى و خالى شدّة ترضون بها اللَّه و تعزون بها الدين فاذا شددت فشدّوا ثمّ نزل و ضرب وجه دابته ثمّ قال لصاحب رايته اقدم فاقدم بها ثمّ شدّ على القوم و شدّ معه أصحابه يضرب أهل الشام حتّى انتهى بهم إلى معسكرهم ثمّ انّهم قاتلوا عند المعسكر قتالا شديدا فقتل صاحب رايتهم و أخذ على عليه السّلام لما رأى الظفر قد جاء من قبله يمدّه بالرجال و ان عليّا عليه السّلام قال خطيبا فحمد اللَّه و اثنى عليهم ثمّ قال:
أيّها الناس قد بلغ بكم الامر و بعدوّكم ما قد رأيتم و لم يبق منهم إلّا آخر نفس و ان الامور إذا اقبلت اعتبر آخرها بأوّلها و قد صبر لكم القوم على غير دين حق بلغنا منهم ما بلغنا و أنا غار عليهم بالغداة احاكمهم إلى اللَّه عزّ و جل.
«رأى عمرو بن العاص فى رجوع الناس الى كتاب الله لما ظهرت هزيمة أهل الشام»:
فبلغ ذلك معاوية فدعا عمرو بن العاص فقال يا عمرو انما هى الليلة حتّى يغدو على عليه السّلام علينا بالفيصل فما ترى؟ قال أرى ان رجالك لا يقومون لرجاله و لست مثله هو يقاتلك على امر و انت تقاتله على غيره انت تريد البقاء و هو يريد الفناء و أهل العراق يخافون منك ان ظفرت بهم و أهل الشام لا يخافون عليّا ان ظفر بهم و لكن الق اليهم امرا ان قبلوه اختلوا و ان ردّوه اختلفوا ادعهم إلى كتاب اللَّه حكما فيما بينك و بينهم فانك بالغ به حاجتك فى القوم فانى لم ازل اؤخر هذا الامر لحاجتك اليه فعرف ذلك معاوية فقال صدقت.
أقول: كلامه عليه السّلام المذكور آنفا: أيّها الناس قد بلغ بكم الامراء غير مذكور فى نهج البلاغة.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 325
«حملة الجعفى على أهل الشام»:
قال نصر: و في حديث عمر بن سعد قال ثمّ إن عليّا صلّى الغداة ثمّ زحف اليهم فلمّا ابصروه قد خرج استقبلوه بزحوفهم فاقتتلوا قتالا شديدا ثمّ ان خيل أهل الشام حملت على خيل أهل العراق فاقتطعوا من أصحاب علىّ عليه السّلام الف رجل او أكثر فاحاطوا بهم و حالوا بينهم و بين أصحابه فلم يروهم فنادى علىّ عليه السّلام يومئذ ألا رجل يشرى نفسه للَّه و يبيع دنياه باخرته؟ فاتاه رجل من جعف يقال له عبد العزيز بن الحارث على فرس أدهم كأنه غراب مقنعا فى الحديد لا يرى منه الا عيناه فقال يا أمير المؤمنين مرنى بأمرك فو اللَّه ما ترانى بشيء الا صنعته فقال على عليه السّلام:
سمحت بامر لا يطاق حفيظة و صدقا و اخوان الحفاظ قليل
جزاك إليه النّاس خيرا فقد وفت يداك بفضل ما هناك جزيل
أبا الحارث شدّ اللَّه ركنك احمل على أهل الشام حتّى تأتى أصحابك فتقول لهم: أمير المؤمنين يقرأ عليكم السلام و يقول لكم هلّلوا و كبّروا من ناحيتكم و نهلل نحن و نكبّر من ههنا و احملوا من جانبكم و نحمل نحن من جانبنا على أهل الشام فضرب الجعفى فرسه حتّى إذا قام على السنابك حمل على أهل الشام المحيطين باصحاب على عليه السّلام فطاعنهم ساعة و قاتلهم فانفرجوا له حتى أتى أصحابه فلما رأوه استبشروا به و فرحوا و قالوا ما فعل أمير المؤمنين؟ قال صالح يقرئكم السلام و يقول لكم هلّلوا و كبّروا و هلّل علىّ و أصحابه من ذلك الجانب و نهلل نحن من جانبنا و نكبر و نحمل من خلفكم فهلّلوا و كبّروا و هلل علىّ و أصحابه من ذلك الجانب و حملوا على أهل الشام من ثمّ و حمل علىّ من ههنا فى أصحابه فانفرج أهل الشام عنهم فخرجوا و ما اصيب منهم رجل واحد و لقد قتل من فرسان أهل الشام يومئذ زهاء سبع مأئة رجل.
قال: و قال علىّ من أعظم الناس عناء؟ فقالوا أنت يا أمير المؤمنين، قال: كلّا و لكنه الجعفى.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 326
«ضرب على عليه السّلام و قتله الناس فى يوم واحد»:
قال نصر عن عمرو بن شمر عن جابر بن نمير الأنصارى قال و اللَّه لكأنى اسمع عليّا يوم الهرير حين سار أهل الشام و ذلك بعد ما طحنت رحى مذحج فيما بيننا و بين عك و لخم و جذام و الاشعريين بامر عظيم تشيب منه النواصي من حين استقبلت الشمس حتّى قام قائم الظهيرة. ثمّ ان عليّا قال حتّى متى نخلى بين هذين الحيّين قد فنيا و أنتم وقوف تنظرون اليهم اما تخافون مقت اللَّه ثمّ انفتل إلى القبلة و رفع يديه إلى اللَّه ثم نادى:
يا اللَّه يا رحمن يا واحد يا صمد يا اللَّه يا اله محمّد اللّهم اليك ثقلت الاقدام و افضت القلوب و رفعت الايدى و امتدّت الاعناق و شخصت الابصار و طلبت الحوائج إنا نشكو اليك غيبة نبيّنا صلّى اللَّه عليه و كثرة عدوّنا و تشتت اهوائنا ربّنا افتح بيننا و بين قومنا بالحق و انت خير الفاتحين سيروا على بركة اللَّه ثمّ نادى لا اله إلا اللَّه و اللَّه اكبر كلمة التقوى.
ثمّ قال: لا و اللَّه الّذى بعث محمّدا صلّى اللَّه عليه و آله بالحق نبيا ما سمعنا برئيس قوم منذ خلق اللَّه السماوات و الارض اصاب بيده في يوم واحد ما اصاب انه قتل فيما ذكر العادّون زيادة على خمسة مأئة من اعلام العرب يخرج بسيفه منحنيا فيقول معذرة إلى اللَّه عزّ و جل و اليكم من هذا لقد هممت أن أفلقه و لكن حجزنى عنه أنى سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله يقول كثيرا: لا سيف إلا ذو الفقار و لا فتى إلا على و أنا اقاتل به دونه. قال فكنا نأخذه ثمّ يتناوله من ايدينا فيقتحم به في عرض الصف فلا و اللَّه ما ليث بأشد نكاية في عدوّه منه رحمة اللَّه عليه رحمة واسعة.
أقول: اتى بكلامه عليه السّلام المذكور آنفا: يا اللَّه يا رحمن اه في باب الكتب و الرسائل من نهج البلاغة و هو الكلام الخامس عشر منه.
«رفع أهل الشام المصاحف على الرماح و دعائهم الى الحكومة لما ظهرت هزيمتهم و استبان ذلهم»
قال نصر عن عمرو بن شمر عن جابر قال سمعت تميم بن حذيم يقول: لما اصبحنا
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 327
من ليلة الهرير نظرنا فاذا اشباه الرايات امام صف أهل الشام وسط الفيلق من حيال موقف معاوية فلما ان اسفرنا فاذا هى المصاحف قد ربطت على اطراف الرماح و هى عظام مصاحف العسكر و قد شدوا ثلاثة رماح جميعا و قد ربطوا عليها مصحف المسجد الاعظم يمسكه عشرة رهط و قال أبو جعفر و أبو الطفيل استقبلوا عليّا بمأة مصحف و وضعوا في كلّ مجنبة مأتي مصحف و كان جميعها خمس مأئة مصحف قال أبو جعفر ثم قام الطفيل بن ادهم حيال علىّ و قام أبو شريح الجذامى من حيال الميمنة و قام ورقاء ابن المعمر حيال الميسرة ثمّ نادوا: يا معشر العرب اللَّه اللَّه في نسائكم و بناتكم فمن للروم و الاتراك و أهل فارس غدا إذا فنيتم اللَّه اللَّه في دينكم هذا كتاب اللَّه بيننا و بينكم فقال علىّ عليه السّلام اللهم انّك تعلم انّهم ما الكتاب يريدون فاحكم بيننا و بينهم انك انت الحكيم الحق المبين فاختلف أصحاب عليّ في الرأي طائفة قالت القتال و طائفة قالت المحاكمة إلى الكتاب و لا يحلّ لنا الحرب و قد دعينا إلى حكم الكتاب فعند ذلك بطلت الحروب و وضعت أوزارها فقال محمّد بن عليّ فعند ذلك حكم الحكمان.
قال نصر: و في حديث عمرو بن شمر باسناده قال فلمّا أن كان اليوم الاعظم قال أصحاب معاوية و اللَّه ما نحن لنبرح اليوم العرصة حتّى يفتح اللَّه لنا او نموت و قال أصحاب عليّ عليه السّلام و اللَّه ما نحن بتاركى العرصة اليوم إن شاء اللَّه حتّى يفتح لنا او نموت فباكروا القتال غدا يوما من أيام الشعرى طويلا شديد الحرّ فتراموا حتّى فنيت النبل ثمّ تطاعنوا حتّى تقصفت رماحهم ثمّ نزل القوم عن خيولهم فمشي بعضهم إلى بعض بالسيوف حتّى كسرت جفونها و قامت الفرسان في الركب ثمّ اضطربوا بالسيوف و بعمد الحديد فلم يسمع السامع إلّا تغمغم القوم و صليل الحديد في الهام و تكادم الافواه و كسفت الشمس و ثار القتام و ضلّت الالوية في الرايات و مرّت مواقيت أربع صلوات لم يسجد للَّه فيهن إلّا تكبيرا و نادت المشيخه في تلك الغمرات يا معشر العرب اللَّه اللَّه في الحرمات من النساء و البنات.
قال جابر: فبكى أبو جعفر و هو يحدّثنى بهذا الحديث قال و اقبل الأشتر على فرس كميت محذوف قد وضع مغفره على قربوس السرج و هو يقول: اصبروا يا معشر
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 328
المؤمنين فقد حمى الوطيس و رجعت الشمس من الكسوف و اشتدّ القتال و اخذت السباع بعضها بعضا فانتم كما قال الشاعر:
مضت و استأخر الفرعاء عنها و خلّي بينهم إلّا الوزيع
قال يقول واحد في تلك الحال أى رجل هذا لو كانت له نية فيقول له صاحبه و أىّ نية أعظم من هذه ثكلتك امّك و هبلتك ان رجلا فيما قد ترى قد سبح في الدماء و ما اضجرته الحرب و قد غلت هام الكماة من الحرّ و بلغت قلوب الحناجر و هو كما ترى جذعا يقول هذه المقالة اللّهم لا تبقنا بعد هذا.
أقول: قوله: يوما من ايام الشعرى طويلا شديد الحرّ. بيانه: ان الشعري اسم لكوكبين إحداهما اكبر من الاخرى و هى الشعرى اليمانية من كواكب الكلب الاكبر الواقعة عقيب الجبار و لذا يسمى الكلب الاكبر بكلب الجبّار أيضا كما ان الشعرى اليمانية وحدها قد تسمّى بكلب الجبار. و هي من كواكب القدر الاوّل و احد كوكبي ذراع الاسد و فم المرزم و انّما وصف باليماني لان مغيبها يكون إلى جانب اليمن و كواكب الكلب الاكبر ثمانية عشر كوكبا و الشعرى واقعة في فيها و هذا الكواكب هو الذى قال فيه عزّ من قائل في سورة النجم الاية 49: «وَ أَنَّهُ هُوَ رَبُّ» و قال المفسّرون كانوا يعبدونها في الجاهليّة و ان خزاعة كانت تعبدها و أوّل من عبدها أبو كبشة احد أجداد النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله من قبل امهاته و كان المشركون يسمّونه صلّى اللَّه عليه و آله ابن أبي كبشة لمخالفته إياهم في الدين كما خالف أبو كبشة غيره في عبادة الشعرى فانزل اللَّه تعالى وَ أَنَّهُ هُوَ رَبُ أي خالق الشعرى و مخترعها و مالكها فلا تتخذوا المربوب المملوك إلها.
أقول: لا يبعد ان يكون القرآن الكريم ناظرا أيضا إلى عظمة قدرته عزّ و جل بانّه هو ربّ الشعرى، و ذلك لان الشعرى من اكبر الثوابت المرصودة و في رصد معاصرينا أنّها أعظم من الشمس 1500 مرة مع أن الشمس أعظم من الأرض بكثير فاخط جنابا تبهرك عجائبه و يناسب ما ذهبنا اليه اسلوب الاى الاخرى: «وَ أَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَ أَبْكى . وَ أَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَ أَحْيا. وَ أَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَ الْأُنْثى . مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى . وَ أَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى . وَ أَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَ أَقْنى . وَ أَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى»
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 329
و ظاهر أنها مسوقة لبيان لطائف صنعه و عظم قدرته في خلقه.
و الاخرى هى الشعرى الشاميّة.
و هى من صورة كواكب الكلب الاصغر و يسمى الكلب المتقدّم أيضا و هي واقعة على جهة جنوب الجوزاء مشتملة على أربعة عشر كوكبا احدها من القدر الأوّل و هو الشعرى الشامية لان مغيبها من جانب الشام و تسمى غميضا أيضا كما أنّ اليمانية تسمّى عبورا أيضا لان من الاسمار المنقولة من العرب ان الشعريين كانتا اختين لسهيل و تزوج أخوهما سهيل جوزاء فوقع بين سهيل و زوجته جوزاء نزاع فضربها سهيل فكسّر ظهرها ففرّ من الشمال إلى الجنوب ثمّ ان اخته الشعرى اليمانية ذهبت في أثرها فعبرت من المجرة حتّى قربت منه و لذا سميت عبورا و ان اخته الاخرى الشعرى الشاميّة بكت من فراقه حتّى عميت عينها و لذا سميت غميضا.
و المراد من الشعرى هو الأوّل و إنّما كان أيام الشعرى طويلا شديد الحرّ لانّ الشعرى اليمانية واقعة في اواخر برج الجوزاء فاذا بلغت الشمس اليها كان اليوم قريبا من أطول أيام السنة للافاق الشمالية لانّ الجوزاء من البروج الشمالية.
ثمّ انّ الكواكب الثابتة تتحرك بحركتها الخاصّة نحو المغرب فاسرعها حركة كما في ص 565 من الزيج البهادرىّ في ثمانية أيام و ثمانية أشهر واحدى و ستين سنة وسطيّة يقطع درجة واحدة، و أبطأها في سبعة عشر يوما و ثلاثة أشهر و اثنتين و ثمانين سنة يقطع درجة واحدة و لذا تنتقل الصور عن مواضعها من البروج فيأتي الفرق بين البرج و الصورة و لم يحضرني الان ذلك الزيج و لا سائر ازياجى احاسب تقويم الشعرى دقيقا في سنة غزوة الصفين.
ثمّ ان تثنية الشعرى شعريان فاذا ثنيت فالمراد بهما الشعرى اليمانية و الشامية و في ديوان ان المنوچهرى الدامغاني:
چو پاسى از شب ديرنده بگذشت بر آمد شعريان از كوه موصل
فلنعد إلى القصة:
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 330
«خطبة اشعث بن قيس»:
نصر عن عمرو بن شمر عن جابر عن الشعبى عن صعصعة قال: قام الاشعث بن قيس الكندى ليلة الهرير في أصحابه من كندة فقال:
الحمد للَّه أحمده و استعينه و اومن به و اتوكل عليه و استنصره و استغفره و استخيره و استهديه فانّه من يهدى اللَّه فلا مضل له و من يضلل فلا هادى له و أشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له و اشهد أن محمّدا عبده و رسوله صلّى اللَّه عليه و آله ثمّ قال قد رأيتم يا معشر المسلمين ما قد كان في يومكم هذا الماضي و ما قذفني فيه من العرب فو اللَّه لقد بلغت من السنّ ما شاء اللَّه ان ابلغ فما رأيت مثل هذا اليوم قط، ألا فليبلغ الشاهد الغائب إنا نحن توافقنا غدا أنه لفناء العرب وضيعة الحرمان أما و اللَّه ما أقول هذه المقالة جزعا من الحنف و لكنى رجل مسن اخاف على النساء و على الذرارى غدا إذا فنينا اللّهم إنك تعلم أنّى قد نظرت لقومي و لأهل ديني فلم آل و ما توفيقي إلا باللَّه عليه توكلت و اليه انيب و الرأي يخطي و يصيب و إذا قضى اللَّه امرا أمضاه ما احبّ العباد أو كرهوا أقول قولى هذا و أستغفر اللَّه لي و لكم.
قال قال صعصعة فانطلقت عيون معاوية اليه بخطبة الاشعث فقال أصاب و ربّ الكعبة لئن نحن التقينا غدا لنمكن الروم على ذرارينا و نسائنا و لنمكن أهل الفارس على نساء أهل العراق و ذراريهم و انما يبصر هذا ذوو الاحلام و النهى اربطوا المصاحف على رءوس الرماح و قلّدوها الخيل و النّاس على الرأيات قد اشتهوا ما دعوا اليه و رفع مصحف دمشق الأعظم تحمله عشرة رجال على رءوس الرماح و نادوا يا أهل العراق بيننا و بينكم.
و أقبل أبو الاعور السلمى على برذون أبيض و قد وضع المصحف على رأسه ينادى يا أهل العراق كتاب اللَّه بيننا و بينكم.
و أقبل عدى بن حاتم فقال يا أمير المؤمنين إن كان أهل الباطل لا يقومون بأهل الحق فانه لم يصب عصبة منا إلا و قد اصيب مثلها منهم و كل مقروح و لكنّا أمثل بقية منهم و قد جزع القوم و ليس بعد الجزع إلّا ما تحبّ فناجز القوم.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 331
فقام الأشتر النخعي فقال يا أمير المؤمنين إن معاوية لا خلف له من رجاله و لك بحمد اللَّه الخلف و لو كان له مثل رجالك لم يكن له مثل صبرك و لا بصرك فاقرع الحديد بالحديد و استعن باللَّه الحميد.
ثمّ قام عمرو بن الحمق فقال يا أمير المؤمنين إنا و اللَّه ما اخترناك و لا نصرناك عصبية على الباطل و لا أجبنا إلا اللَّه عزّ و جل و لا طلبنا إلا الحق و لو دعانا غيرك إلى ما دعوت اليه لكان فيه اللجاج و طالت فيه النجوى و قد بلغ الحق مقطعه و ليس لنا معك رأى.
فقام الاشعث بن قيس مغضبا فقال يا أمير المؤمنين انا لك اليوم على ما كنا عليه أمس و ليس آخر أمرنا كأوّله و ما من القوم أحد أحنى على أهل العراق و لا أوتر لأهل الشام منّي فأجب القوم إلى كتاب اللَّه فانك أحق به منهم و قد أحب النّاس البقاء و كرهوا القتال فقال على عليه السّلام إن هذا امر ينظر فيه.
«جزع أهل الشام من أهل العراق و كلام عبد اللَّه بن عمرو»:
قال نصر: و ذكروا أن أهل الشام جزعوا فقالوا يا معاوية ما نرى أهل العراق أجابوا إلى ما دعوناهم اليه فاعدها جذعة فانك قد غمرت بدعائك القوم و أطمعتهم فيك فدعا معاوية عبد اللَّه بن عمرو بن العاص و أمره ان يكلم أهل العراق فاقبل حتّى إذا كان بين الصفين نادى يا أهل العراق أنا عبد اللَّه بن عمرو بن العاص إنّها قد كانت بيننا و بينكم امور للدين و الدنيا فان تكن للدين فقد و اللَّه اعذرنا و اعذرتم و إن تكن للدنيا فقد و اللَّه اسرفنا و اسرفتم و قد دعوناكم إلى أمر لو دعوتمونا اليه لأجبناك فان يجمعنا و إياكم الرضا فذلك من اللَّه فاغتنموا هذه الفرجة لعلّه أن يعيش فيها المحترف و ينسى فيها القتيل فان بقاء المهلك بعد الهالك قليل.
«جواب سعيد بن قيس عبد الله بن عمرو بامر أمير المؤمنين عليه السّلام»:
فخرج سعيد بن قيس الهمدانى فأتى عليّا عليه السّلام فاخبره بقول عبد اللَّه بن عمرو فقال على عليه السّلام أجب الرجل. فتقدم سعيد بن قيس فقال يا أهل الشام انه قد كان بيننا و بينكم امور حامينا فيها على الدين و الدنيا سميتموها غدرا و سرفا و قد دعوتمونا
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 332
اليوم إلى ما قاتلناكم عليه بالامس و لم يكن ليرجع أهل العراق إلى عراقهم و لا أهل الشام إلى شامهم بأمر أجمل من أن يحكم بما أنزل اللَّه فالامر في أيدينا دونكم و إلا فنحن نحن و أنتم أنتم.
و قام الناس إلى علىّ عليه السّلام فقالوا: أجب القوم إلى ما دعوك اليه فانا قد فنينا و نادى انسان من أهل الشام في سواد الليل بشعر سمعه النّاس و هو:
رءوس العراق أجيبوا الدعاء فقد بلغت غاية الشدّة
و قد أودت الحرب بالعالمين و أهل الحفائظ و النجدة
فلسنا و لستم من المشركين و لا المجمعين على الردّة
و لكن اناس لقوا مثلهم لنا عدّة و لهم عدّة
فقاتل كلّ على وجهه تقحّمه الجدّ و الجدّة
فان تقبلوها ففيها البقاء و أمن الفريقين و البلدة
و ان تدفعوها ففيها الفناء و كلّ بلاء إلى مدّة
و حتّى متى مخض هذا السقاء و لا بدّ أن يخرج الزبدة
ثلاثة رهط هم أهلها و إن يسكتوا تخمد الوقدة
سعيد بن قيس و كبش العراق و ذاك المسوّد من كندة
فحمد هؤلاء النفر المسمون في الصلح قال فاما المسوّد من كندة و هو الاشعث فانّه لم يرض بالسكوت بل كان من أعظم الناس قولا في اطفاء الحرب و الركون إلى الموادعة. و أمّا كبش العراق و هو الاشتر فلم يكن يرى إلا الحرب و لكنه سكت على مضض و أمّا سعيد بن قيس فتارة هكذا و تارة هكذا.
قال نصر: ذكروا ان النّاس قالوا اكلنا الحرب و قتلت الرجال و قال قوم نقاتل القوم على ما قاتلناهم عليه أمس و لم يقل هذا إلّا قليل من النّاس ثمّ رجعوا عن قولهم مع الجماعة و ثارت الجماعة بالموادعة فقام على أمير المؤمنين عليه السّلام فقال:
انه لم يزل أمرى معكم على ما احب إلى ان أخذت منكم الحرب و قد و اللَّه اخذت منكم و تركت و اخذت من عدوّكم و انّها فيهم أنكى و أنهك ألا إنى كنت أمس
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 333
أمير المؤمنين فاصبحت اليوم مأمورا و كنت ناهيا فاصبحت منهيّا و قد أحببتم البقاء و ليس لى أن أحملكم على ما تكرهون ثمّ قعد.
أقول كلامه عليه السّلام المذكور آنفا.
«كلام رؤساء القبائل»:
قال نصر: ثمّ تكلم رؤساء القبائل فاما من ربيعة و هي الجبهة العظيم فقام كردوس بن هاني البكرى فقال: أيّها النّاس إنا و اللَّه ما تولينا معاوية منذ تبرئنا منه و لا تبرئنا من علىّ منذ توليناه و إن قتلانا لشهداء و ان أحياءنا لأبرار و إن عليّا لعلى بينة من ربّه و ما أحدث إلا الانصاف و كلّ محق منصف فمن سلم له نجا و من خالفه هلك.
ثمّ قام شقيق بن الثور البكرى فقال: أيّها الناس إنا دعونا أهل الشام إلى كتاب اللَّه فردّوه علينا فقاتلناهم عليه و انهم دعونا إلى كتاب اللَّه و إن رددناه عليهم حلّ لهم مناما حلّ لنا منهم و لسنا نخاف أن يحيف اللَّه علينا و لا رسوله و ان عليّا ليس بالراجع الناكص و لا الشاك الواقف و هو اليوم على ما كان عليه أمس و قد أكلتنا هذه الحرب و لا نرى البقاء إلا في الموادعة.
ثمّ قام حريث بن جابر البكرى فقال أيّها النّاس إن عليّا لو كان خلفا من هذا الأمر لكان المفزع عليه فكيف و هو قائده و سائقه و أنه و اللَّه ما قبل من القوم اليوم إلا ما دعاهم اليه أمس و لو ردّه عليهم كنتم له اعنت و لا يلحد في هذا الامر إلا راجع على عقبيه او مستدرج بغرور فما بيننا و بين من طغى علينا إلّا السيف.
ثمّ قام خالد بن المعمر فقال يا أمير المؤمنين إنا و اللَّه ما اخترنا هذا المقام ان يكون أحد هو أولى به منّا غير أنا جعلناه ذخرا و قلنا أحبّ الامور الينا ما كفينا مؤنته فأمّا إذ سبقنا في المقام فانا لا نرى البقاء إلّا فيما دعاك اليه القوم إن رأيت ذلك فان لم تره فرأيك أفضل.
ثمّ ان الحصين الربعي و هو من اصغر القوم سنا قام فقال: أيها النّاس إنّما بنى هذا الدين على التسليم فلا توفروه بالقياس و لا تهدموه بالشفقة فانا و اللَّه لو لا انا لا نقبل
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 334
إلا ما نعرف لاصبح الحقّ في أيدينا قليلا و لو تركنا و ما نهوى لكان الباطل في أيدينا كثيرا و ان لنا داعيا و هو المصدق على ما قال المأمون على ما فعل فان قال لا قلنا لا و ان قال نعم قلنا نعم. فبلغ ذلك معاوية فبعث إلى مصقلة بن هبيرة فقال يا مصقلة ما لقيت من احد ما لقيت من ربيعة قال ما هم منك بأبعد من غيرهم و انا باعث اليهم فيما صنعوا فبعث المصقلة إلى الرّبعيين فقال:
لن يهلك القوم أن تبدى نصيحتهم إلّا شقيق أخو ذهل و كردوس
و ابن المعمر لا تنفكّ خطبته فيها البيان و أمر القوم ملبوس
أمّا حريث فان اللَّه ضلّله إذ قام معترضا و المرء كردوس
طأطأ حصين هنا في فتنة جمحت إن ابن و علة فيها كان محسوس
منّوا عليّا و منّاهم و قال لهم قولا يهيج له البزل القناعيس
كلّ القبائل قد أدّى نصيحته إلّا ربيعة رغم القوم محبوس
و قال النجاشى:
ان الاراقم لا يغشاهم بؤس ما دافع اللَّه من حوباء كردوس
نمّته من ثعلب العليا فوارسها تلك الرءوس و أبناء المرائيس
ما بال كلّ أمير يستراب به دين صحيح و رأى غير ملبوس
و الى عليّا بغدر بذّ منه إذا ما صرّح العذر عن ردّ الضغاييس
نعم النصير لأهل الحقّ قد علمت عليا معد على أبصار إبليس
قل للذين تزفّوا في تعنّته إن البكارة ليست كالقناعيس
لن تدركوا الدهر كردوسا و اسرته بنيّ ثعلبة الحادى و ذو العيس
«كلام على (ع) لما رفع المصاحف»:
قال نصر: و في حديث عمر بن سعد قال لمّا رفع أهل الشام المصاحف على الرماح يدعون إلى حكم القرآن قال علىّ عليه السّلام: عباد اللَّه انا أحقّ من اجاب إلى كتاب اللَّه و لكن معاوية و عمرو بن العاص و ابن أبي معيط و حبيب بن مسلمة و ابن أبي سرح ليسوا بأصحاب دين و لا قرآن انّي أعرف بهم منكم صحبتهم أطفالا و صحبتهم رجالا
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 335
فكانوا شرّ أطفال و شرّ رجال إنّها كلمة حقّ يراد بها باطل انهم و اللَّه ما رفعوها إنّهم يعرفونها و لا يعلمون بها و ما رفعوها لكم إلّا خديعة و مكيدة اعيرونى سواعدكم و جماجمكم ساعة واحدة فقد بلغ الحق مقطعه و لم يبق إلّا أن يقطع دابر الّذين ظلموا.
فجاءه عليه السّلام زهاء عشرين ألفا مقنعين في الحديد شاكي السلاح سيوفهم على عواتقهم و قد سوّدت جباههم من السجود يقدمهم مسعر بن فدكى و زيد بن حصين و عصابة من القراء الّذين صاروا خوارج من بعد فنادوه باسمه لا بامرة المؤمنين يا على أجب القوم إلى كتاب اللَّه إذ دعيت اليه و إلا قتلناك كما قتلنا ابن عفان فو اللَّه لنفعلنها إن لم تجبهم.
فقال عليه السّلام لهم: و يحكم أنا أوّل من دعا إلى كتاب اللَّه و أوّل من أجاب اليه و ليس يحل لي و لا يسعني في ديني ان ادعا إلى كتاب اللَّه فلا اقبله اني انّما اقاتلهم ليدينوا بحكم القرآن فانهم قد عصوا اللَّه فيما أمرهم و نقضوا عهده و نبذوا كتابه و لكنى قد اعلمتكم أنهم قد كادوكم و انهم ليسوا العمل بالقرآن يريدون.
قالوا فابعث إلى الأشتر لياتينك و قد كان الاشتر صبيحة ليلة الهرير قد أشرف على عسكر معاوية ليدخله.
أقول: كلامه عليه السّلام المذكور آنفا: عباد اللَّه أنا أحقّ من أجاب اه و كذا قوله عليه السّلام:
و يحكم انا أوّل من دعا اه ليسافي النهج.
قال نصر: فحدثنى فضيل بن خديج عن رجل من النخع قال رأيت إبراهيم بن الأشتر دخل على مصعب بن الزبير فسأله عن الحال كيف كانت فقال كنت عند علىّ عليه السّلام حين بعث إلى الاشتر أن يأتيه و قد أشرف على عسكر معاوية ليدخله فأرسل علىّ يزيد ابن هانى أن ايتنى فاتاه فبلغه فقال الاشتر ايته فقال له ليس هذه الساعة ينبغي لك ان تزيلني فيها عن موقفي انّي قد رجوت أن يفتح اللَّه لي فلا تعجلني فرجع يزيد ابن هاني إلى عليّ عليه السّلام فأخبره فما هو إلا ان انتهى الينا حتّى ارتفع الرهج و علت الاصوات من قبل الأشتر و ظهرت دلائل الفتح و النصر لأهل العراق و دلائل الخذلان و الادبار على أهل الشام فقال له القوم: و اللَّه ما نراك إلا امرته بقتال القوم قال: رأيتموني
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 336
ساررت رسولي أليس انما كلمته على رؤوسكم علانية و أنتم تسمعون قالوا فابعث اليه فلياتك و إلا فو اللَّه اعتزلناك قال و يحك يا يزيد قل له اقبل إلىّ فان الفتنة قد وقعت فأتاه فأخبره فقال له الأشتر الرفع هذه المصاحف؟ قال نعم قال أما و اللَّه لقد ظننت انها حين رفعت ستوقع اختلافا و فرقة انها مشورة ابن النابغة يعني عمرو بن العاص.
قال ثمّ قال ليزيد ألا ترى إلى الفتح ألا ترى إلى ما يلقون ألا ترى إلى الّذى يصنع اللَّه لنا أ ينبغي ان ندع هذا و ننصرف عنه؟ فقال له يزيد أتحبّ أنك ظفرت ههنا و أن أمير المؤمنين بمكانه الّذى هو به يفرج عنه و يسلم إلى عدوّه؟ قال سبحان اللَّه و اللَّه ما احبّ ذلك. قال فانهم قالوا لترسلن إلى الأشتر فليأتك او لنقتلنك كما قتلنا عثمان او لنسلمنك إلى عدوّك.
«خطاب الاشتر الى اهل الشام و جوابهم عنه»:
قال فأقبل الأشتر حتّى انتهى إليهم فصاح فقال يا أهل الذل و الوهن احين علوتم القوم فظنوا أنكم لهم ظاهرون و رفعوا المصاحف يدعونكم إلى ما فيها و قد و اللَّه تركوا ما أمر اللَّه فيها و سنة من انزلت عليه فلا تجيبوهم أمهلوني فواقا فاني قد احسب بالفتح قالوا لا قال فامهلوني عدو الفرس فاني قد طمعت في النصر قالوا إذا ندخل معك في خطيئتك قال فحدّثوني عنكم و قد قتل أماثلكم و بقي اراذلكم متى كنتم محقين حيث كنتم تقتلون أهل الشام فانتم الان حين أمسكتم عن القتال مبطلون أم الان محقون فقتلاكم إذن الذين لا تنكرون فضلهم و كانوا خيرا فيكم في النار.
قالوا دعنا منك يا أشتر قاتلناهم في اللَّه و ندع قتالهم في اللَّه انا لسنا نطيعك فاجتنبنا قال خدعتم و اللَّه فانخدعتم و دعيتم إلى وضع الحرب فاجبتم يا أصحاب الجباه السود كنا نظن ان صلاتكم زهادة إلى الدنيا و شوق إلى لقاء اللَّه فلا ارى قراركم إلا إلى الدنيا من الموت ألا فقبحتا يا اشباه النيب الجلالة ما أنتم برائين بعدها عزا ابدا فابعدوا كما بعد القوم الظالمين فسبّوه و سبّهم و ضربوا بسياطهم وجه دابته و ضرب بسوطه وجوه دوابّهم فصاح بهم علىّ عليه السّلام فكفوا.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 337
و قال الأشتر يا أمير المؤمنين أحمل الصف على الصف يصرع القوم فقالوا له ان عليّا أمير المؤمنين قد قبل الحكومة و رضي بحكم القرآن و لم يسعه إلّا ذلك.
قال الأشتر ان كان أمير المؤمنين قد قبل و رضي بحكم القرآن فقد رضيت بما رضي به أمير المؤمنين. فأقبل النّاس يقولون قد رضى أمير المؤمنين قد قبل أمير المؤمنين و هو ساكت لا يفيض بكلمة مطرق إلى الأرض.
أقول: قول القوم يا على اجب القوم إلى كتاب اللَّه إذ دعيت اليه و إلا قتلناك كما قتلنا ابن عفان اه اعتراف منهم بانّهم قد قتلوا عثمان بن عفان و لم يكن له عليه السّلام يد في قتل عثمان بل تمسك به ابن آكلة الاكباد و اتباعه من الثعالب الرواغة لتهييج الفتنة و تفريق الكلمة و هدم اساس الدين و تشتيت شمل المسلمين كما مرّ قول أبي اليقظان عمار بن ياسر رضوان اللَّه عليه في ذلك.
نصر باسناده عن إبراهيم بن الأشتر قال: قال الناس قد قبلنا ان نجعل القرآن بيننا و بينهم حكما و بعث معاوية أبا الاعور السلمى على برذون أبيض فسار بين الصفين صف أهل العراق وصف أهل الشام و يقول: كتاب اللَّه بيننا و بينكم.
«كتاب معاوية الى أمير المؤمنين على (ع)»:
فارسل معاوية إلى علىّ عليه السّلام أن هذا الأمر قد طال بيننا و بينك و كل واحد منّا يرى أنّه على الحق فيما يطلب من صاحبه و لن يعطي واحد منا الطاعة للاخر و قد قتل فيما بيننا بشر كثير و أنا أتخوف أن يكون ما بقي أشدّ مما مضي و أنا نسأل عن ذلك الموطن و لا يحاسب به غيرى و غيرك فهل لك في أمر لنا و لك فيه حياة و عذر و براءة و صلاح للامة و حقن للدّماء و الفة للدين و ذهاب للضغائن و الفتن ان يحكم بيننا فانه خير لي و لك و أقطع لهذه الفتن فاتق اللَّه فيما دعيت له و ارض بحكم القرآن إن كنت من أهله و السّلام.
«جواب أمير المؤمنين على (ع) اياه»:
فكتب اليه علىّ بن أبى طالب عليه السّلام: من عبد اللَّه علىّ أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان أمّا بعد فإنّ أفضل ما شغل به المرء نفسه اتباع ما
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 338
حسن به فعله و يستوجب فضله و يسلم من عيبه و ان البغى و الزور يزريان بالمرء في دينه و دنياه و يبديان من خلله عند من يعنيه ما استرعاه اللَّه ما لا يغني عنه تدبيره فاحذر الدنيا فانه لا فرح في شيء وصلت اليه منها و لقد علمت أنك غير مدرك ما قضى فواته و قد رام قوم أمرا بغير الحق فتأولوا على اللَّه تعالى فاكذبهم و متّعهم قليلا ثمّ اضطرّهم إلى عذاب غليظ، فاحذر يوما يغتبط فيه من أحمد عاقبة عمله و يندم من امكن الشيطان من قياده و لم يحادّه فغرّته الدنيا و اطمأن اليها، ثمّ إنّك قد دعوتني إلى حكم القرآن و لقد علمت أنّك لست من أهل القرآن إلى حكمه و لسنا إياك أجبنا و من لم يرض بحكم القرآن فقد ضلّ ضلالا بعيدا.
أقول: كتابه عليه السّلام هذا مذكور في النهج فى باب كتبه و رسائله الكتاب الثماني و الأربعين إلّا أن ما في النهج بعض ما ذكرنا ههنا عن نصر.
«الكلام فى الحكمين أبى موسى الاشعرى و عمرو بن العاص»:
قال نصر: جاءت عصابة من القراء قد سلوا سيوفهم و اضعيها على عواتقهم فقالوا يا أمير المؤمنين ما تنتظر بهؤلاء القوم أن نمشي إليهم بسيوفنا حتى يحكم اللَّه بيننا و بينهم بالحق فقال لهم عليّ عليه السّلام قد جعلنا حكم القرآن بيننا و بينهم و لا يحلّ قتالهم حتى ننظر بما يحكم القرآن.
«كتاب معاوية الى أمير المؤمنين على عليه السلام»
قال: و كتب معاوية إلى عليّ أما بعد عافانا اللَّه و إيّاك فقد آن لك أن تجيب إلى ما فيه صلاحنا و الفة بيننا و قد فعلت الذي فعلت و أنا اعرف حقى و لكن اشتريت بالعفو صلاح الامة و لا أكثر فرحا بشىء جاء و لا ذهب و انما دخلنى في هذا الامر القيام بالحق فيما بين الباغي و المبغي عليه و الامر بالمعروف و النهى عن المنكر فدعوت إلى كتاب اللَّه فيما بيننا و بينك فانه لا يجمعنا و إياك إلّا هو نحيى ما أحيى القرآن و نميت ما أمات القرآن و السلام.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 339
«كتاب أمير المؤمنين على عليه السّلام الى عمرو بن العاص»:
كتب عليّ عليه السّلام إلى عمرو بن العاص: أما بعد فان الدنيا مشغلة عن غيرها و لم يصب صاحبها منها شيئا إلّا فتحت له حرصا يزيده فيها رغبة و لن يستغنى صاحبها بما نال عمّا لم يبلغه و من وراء ذلك فراق ما جمع و السعيد من وعظ بغيره فلا تحبط أبا عبد اللَّه اجرك و لا تجار معاوية في باطله.
«جواب عمرو بن العاص عليا عليه السّلام»:
فأجابه عمرو بن العاص: اما بعد فان ما فيه صلاحنا و الفتنا الانابة إلى الحقّ و قد جعلنا القرآن حكما بيننا فأجبنا إليه و صبر الرجل منا نفسه على ما حكم عليه القرآن و عذره الناس بعد المحاجزة.
«جواب أمير المؤمنين عليه السّلام عمرو بن العاص»:
فكتب إليه أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام: أما بعد فانّ الذي اعجبك من الدنيا ممّا نازعتك إليه نفسك و وثقت به منها لمنقلب عنك و مفارق لك فلا تطمئن إلى الدنيا فانها غرّارة و لو اعتبرت بما مضى لحفظت ما بقى و انتفعت بما وعظت به و السلام.
«جواب عمرو بن العاص عليا عليه السّلام ثانيا»:
فاجابه عمرو: أما بعد فقد أنصف من جعل القرآن اماما و دعا الناس إلى أحكامه فاصبر أبا حسن و انا غير منيليك إلّا ما انا لك القرآن.
أقول: كتاب أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام إلى عمرو بن العاص: امّا بعد فإنّ الدنيا مشغلة عن غيرها آه يأتي في باب الكتب و الرسائل الكتاب التاسع و الاربعين و امّا جوابه عليه السّلام عمرا: اما بعد فانّ الذي اعجبك آه غير مذكور في النهج.
ثمّ جاء الاشعث بن قيس إلى عليّ عليه السّلام فقال ما أرى النّاس إلا و قد رضوا و سرّهم أن يجيبوا القوم إلى ما دعوهم إليه من حكم القرآن فان شئت أتيت معاوية
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 340
فسألته ما يريد و نظرت ما الّذى يسأل؟ قال عليه السّلام ايته إن شئت، فأتاه فسأله فقال:
يا معاوية لأىّ شيء رفعتم هذه المصاحف؟ قال: لنرجع نحن و أنتم إلى ما أمر اللَّه به في كتابه فابعثوا منكم رجلا ترضون به و نبعث منا رجلا ثمّ نأخذ عليهما أن يعملا بما فى كتاب اللَّه لا يعدوانه ثم تتبع ما اتفقا عليه.
«الاتفاق على الصلح و اختلاف أهل العراق فى الحكمين»:
فقال الاشعث: هذا هو الحق فانصرف إلى علىّ عليه السّلام فاخبره بالذى قال و قال النّاس قد رضينا و قبلنا، فبعث علىّ عليه السّلام قراء من أهل العراق و بعث معاوية قراء من أهل الشام فاجتمعوا بين الصفين و معهم المصحف فنظروا فيه و تدارسوه و أجمعوا على أن يحيوا ما احيى القرآن و أن يميتوا ما أمات القرآن.
ثمّ رجع كلّ فريق إلى أصحابه و قال النّاس قد رضينا بحكم القرآن، فقال أهل الشام فانا قد رضينا و اخترنا عمرو بن العاص.
و قال الاشعث و القراء الّذين صاروا خوارج فيما بعد فانا قد رضينا و اخترنا أبا موسى الأشعرى، فقال لهم علىّ عليه السّلام إنى لا أرضى بابى موسى و لا أرى أن اوليّه فقال الأشعث و يزيد بن حصين و مسعر بن فدكى فى عصابة من القراء انا لا نرضى إلّا به فانه قد حذرنا ما وقعنا فيه، قال علىّ عليه السّلام فانه ليس لى برضا و قد فارقنى و خذل الناس عنى ثمّ هرب حتى أمنته بعد اشهر و لكن هذا ابن عباس اوليّه ذلك قالوا و اللَّه ما نبالى أنت كنت أو ابن عباس لا نريد إلّا رجلا هو منك و من معاوية سواء ليس إلى واحد منكما بأدنى من الاخر قال علىّ عليه السّلام فانى اجعل الاشتر، قال الأشعث و هل سعّر الارض علينا غير الاشتر و هل نحن إلا فى حكم الاشتر، قال له علىّ عليه السّلام و ما حكمه؟ قال: حكمه أن يضرب بعضنا بعضا بالسيوف حتّى يكونن ما اردت و ما اراد.
نصر عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر محمّد بن علىّ عليهما السّلام قال: لما أراد الناس عليّا أن يضع حكمين قال لهم علىّ إن معاوية لم يكن ليضع لهذا الامر
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 341
أحدا هو أوثق برأيه و نظره من عمرو بن العاص و انه لا يصلح للقرشى إلا مثله فعليكم بعبد اللّه بن عباس فارموه به فان عمرا لا يعقد عقدة إلّا حلها عبد اللّه و لا يحلّ عقدة الا عقدها و لا يبرم أمرا إلّا نقضه و لا ينقض أمرا إلّا أبرمه، فقال الأشعث لا و اللّه لا نحكم فينا مضريان حتى تقوم الساعة و لكن اجعله رجلا من أهل اليمن إذا جعلوا رجلا من مضر، فقال علىّ عليه السّلام: إنّى أخاف أن يخدع يمنيكم فان عمرا ليس من اللّه فى شيء حتى إذا كان له فى أمر هواه، فقال الاشعث و اللّه لأن يحكما ببعض ما نكره و احدهما من أهل اليمن أحب إلينا من أن يكون ما نحبّ في حكمهما و هما مضريان.
قال: قال علىّ عليه السّلام قد أبيتم الا أبا موسى؟ قالوا: نعم قال: فاصنعوا ما أردتم فبعثوا إلى أبى موسى و قد اعتزل بأرض من أرض الشام يقال لها عرض و اعتزل القتال فأتاه مولى له فقال إن النّاس قد اصطلحوا، قال: الحمد للّه رب العالمين، قال: و قد جعلوك حكما، قال إنّا للّه و إنّا إليه راجعون.
فجاء أبو موسى حتى دخل عسكر علىّ و جاء الاشتر حتى أتى عليّا فقال له يا أمير المؤمنين ألزّني بعمرو بن العاص فو اللّه الذي لا إله إلّا غيره لئن ملأت عيني منه لأقتلنه، و جاء الاحنف بن قيس التميمي فقال يا أمير المؤمنين إنك قد رميت بحجر الأرض و من حارب اللّه و رسوله أنف الاسلام و اني قد عجمت هذا الرّجل يعني أبا موسى و حلبت اشطره فوجدته كليل الشفرة قريب القعر و انه لا يصلح لهؤلاء القوم الا رجل يدنو منهم حتى يكون في اكفهم و يتباعد منهم حتى يكون بمنزلة النجم منهم فان شئت أن تجعلني حكما فاجعلني فان شئت ان تجعلني ثانيا أو ثالثا فانه لا يعقد عقدة إلا حللتها و لن يحلّ عقدة إلا عقدتها و عقدت لك اخرى اشد منها فعرض عليّ عليه السّلام ذلك على الناس فأبوه و قالوا: لا يكون إلّا أبا موسى.
«صورة صحيفة الصلح و اختلاف الناس فى كتابتها»:
قال نصر: فلما رضى أهل الشام بعمرو بن العاص و رضى أهل العراق بأبي موسى
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 342
أخذوا في كتاب الموادعة و رضوا بالحكم حكم القرآن.
قال أبو جعفر الطبري في تاريخه و نصر بن مزاحم في كتاب الصفين: فكتبوا:
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم هذا ما تقاضي عليه علىّ أمير المؤمنين فقال معاوية بئس الرجل أنا ان اقررت انه أمير المؤمنين ثم قاتلته، و قال عمروا كتب اسمه و اسم أبيه انما هو أميركم و أما أميرنا فلا، فلما اعيد إليه الكتاب أمر بمحوه فقال الاحنف لا تمح اسم امرة المؤمنين عنك فاني أتخوف ان محوتها لا ترجع إليك ابدا لا تمحها و ان قتل الناس بعضهم بعضا فابى مليا من النهار أن يمحوها.
ثمّ ان الاشعث بن قيس جاء فقال امح هذا الاسم فقال علىّ عليه السّلام لا إله إلّا اللّه و اللّه أكبر سنة بسنة انا و اللّه لعلي يدي رادّ هذا الامر يوم الحديبيّة حين كتبت الكتاب عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: هذا ما تصالح عليه محمّد رسول اللّه و سهيل بن عمر و فقال سهيل لا اجيبك إلى كتاب تسمّى رسول اللّه و لو علم انك رسول اللّه لم اقاتلك إني إذا ظلمتك ان منعتك أن تطوف ببيت اللّه و أنت رسول اللّه و لكن اكتب محمّد بن عبد اللّه اجيبك، فقال محمّد صلّى اللّه عليه يا عليّ إنّ لرسول اللّه و انى لمحمّد بن عبد اللّه و لن يمحو عن الرسالة كتابي إليهم من محمّد بن عبد اللّه فاكتب محمّد بن عبد اللّه فراجعني المشركون في عهد إلى مدّة فاليوم اكتبها إلى أبنائهم كما كتبها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى آبائهم سنة و مثلا.
فقال عمرو بن العاص: سبحان اللّه و مثل هذا أ تشبهنا بالكفّار و نحن مؤمنون فقال له علىّ يا ابن النابغة و متى لم تكن للكافرين وليّا و للمسلمين عدوّا و هل تشبه إلا امّك التي وضعت بك؟ فقام عمرو فقال و اللّه لا يجمع بيني و بينك مجلس أبدا بعد هذا اليوم، فقال عليّ عليه السّلام و اللّه انّي لأرجو أن يظهر اللّه عليك و على أصحابك «1» ثمّ جاءت عصابة قد وضعوا سيوفهم على عواتقهم فقالوا يا أمير المؤمنين مرنا بما شئت فقال لهم ابن حنيف أيّها الناس اتّهموا رأيكم فو اللّه لقد كنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوم الحديبية و لو نرى قتالا لقاتلنا و ذلك في الصلح الذي صالح عليه النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله
______________________________
(1)- و فى تاريخ الطبرى: لارجو أن يطهر اللّه عز و جل مجلسى منك و من أشباهك.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 343
نصر بإسناده عن علقمة بن قيس النخعي قال: لما كتب علىّ عليه السّلام الصلح يوم صالح معاوية فدعا الاشتر ليكتب فقال قائل اكتب بينك و بين معاوية فقال إني و اللّه لأنا كتبت الكتاب بيدي يوم الحديبية و كتبت بسم اللّه الرّحمن الرحيم فقال سهيل لا أرضى اكتب باسمك اللهم فكتبت هذا ما صالح عليه محمّد رسول اللّه سهيل ابن عمرو، فقال لو شهدت انك لرسول اللّه لم اقاتلك، قال عليّ عليه السّلام فغضبت فقلت بلى و اللّه انّه لرسول اللّه و ان رغم أنفك فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اكتب ما يأمرك إن لك مثلها ستعطيها و أنت مضطهد.
و في الامامة و السياسة لابن قتيبة الدينورى قال في الاختلاف في كتابة صحيفة الصلح: و كتب بسم اللّه الرّحمن الرّحيم هذا ما تقاضي عليه عليّ بن أبي طالب و معاوية بن أبي سفيان. فقال أبو الاعور: أو معاوية و عليّ، فقال الاشعث لا لعمر اللّه و لكن نبدأ بأوّلهما ايمانا و هجرة و أدناهما من الغلبة فقال معاوية قدّموا أو أخّروا.
قال أبو جعفر الطبري في تاريخه: فكتب كتاب القضيّة بين عليّ و معاوية فيما قيل يوم الأربعاء لثلاث عشرة خلت من صفر سنة 37 من الهجرة و قال نصر يوم الاربعاء لثلاث عشرة ليلة بقيت من صفر سنة سبع و ثلاثين، أمّا صورة تلك الصحيفة فقال نصر بن مزاحم المنقري في كتاب الصفين فكتبوا:
هذا ما تقاضي عليه عليّ بن أبي طالب و معاوية بن أبي سفيان و شيعتهما فيما تراضيا به من الحكم بكتاب اللّه و سنّة نبيّه صلّى اللّه عليه قضية علي على أهل العراق و من كان من شيعته من شاهد او غائب انّا رضينا أن ننزل عند حكم القرآن فيما حكم و أن نقف عند أمره فيما أمر و أنّه لا يجمع بيننا الا ذلك و انا جعلنا كتاب اللّه فيما بيننا حكما فيما اختلفنا فيه من فاتحته إلى خاتمته نحيى ما أحيى و نميت ما أمات على ذلك تقاضيا و به تراضيا و انّ عليّا و شيعته رضوا أن يبعثوا عبد اللّه بن قيس ناظرا و محاكما على أنّهم أخذوا عليهما عهد اللّه و ميثاقه و اعظم ما أخذ اللّه على أحد من خلقه ليتخذا الكتاب إماما فيما بعث له لا يعدوانه إلى غيره في الحكم بما وجداه فيه مسطورا و ما لم يجداه مسمّى في الكتاب ردّاه إلى سنة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 344
الجامعة لا يتعمّدان لها خلافا و لا يتّبعان في ذلك لهما هوى و لا يدخلان في شبهة و أخذ عبد اللّه بن قيس و عمرو بن العاص على عليّ عليه السّلام و معاوية عهد اللّه و ميثاقه بالرضا بما حكما به من كتاب اللّه و سنة نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و ليس لهما أن ينقضا ذلك و لا يخالفاه إلى غيره و انهما آمنان في حكومتهما على دمائهما و أموالهما و أهلهما ما لم يعدوا الحق رضى بذلك راض أو أنكره منكر و أن الأئمة أنصار لهما على ما قضيا به من العدل فان توفى أحد الحكمين قبل انقضاء الحكومة فأمير شيعته و أصحابه يختارون مكانه رجلا لا يألون عن أهل المعدلة و الاقساط على ما كان عليه صاحبه من العهد و الميثاق و الحكم بكتاب اللّه و سنة رسوله صلّى اللّه عليه و آله و له مثل شرط صاحبه و ان مات احد الأميرين قبل القضاء فلشيعته أن يولّوا مكانه رجلا يرضون عدله و قد وقعت القضيّة و معها الامن و التفاوض و وضع السلاح و السلام و الموادعة و على الحكمين عهد اللّه و ميثاقه أن لا يألوا اجتهادا و لا يتعمّدا جوابا و لا يدخلا في شبهة و لا يعدوا حكم الكتاب و سنة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فان لم يفعلا برئت الامة من حكمهما و لا عهد لهما و لا ذمّة و قد وجبت القضية على ما قد سمّى فى هذا الكتاب مع مواقع الشروط على الاميرين و الحكمين و الفريقين و اللّه اقرب شهيدا و أدنى حفيظا و الناس آمنون على انفسهم و أهليهم و أموالهم إلى انقضاء مدة الاجل و السلاح موضوع و السبل مخلّاة و الغائب و الشاهد من الفريقين سواء فى الامن و للحكمين ان ينزلا منزلا عدلا بين أهل العراق و أهل الشام و لا يحضرهما فيه إلّا من أحبّا عن ملا منهما و تراض و ان المسلمين قد أجّلوا القاضيين إلى انسلاخ رمضان فان رأى الحكمان تعجيل الحكومة فيما و جهاله عجلاها و ان أرادا تأخيره بعد رمضان إلى انقضاء الموسم فان ذلك اليهما فان هما لم يحكما بكتاب اللّه و سنة نبيّه صلّى اللّه عليه و آله إلى انقضاء الموسم فالمسلمون على أمرهم الاوّل فى الحرب و لا شرط بين واحد من الفريقين و على الامّة عهد اللّه و ميثاقه على التمام و الوفاء بما فى هذا الكتاب و هم يد على من أراد فيه الحادا و ظلما أو حاول له نقضا.
فكتب أهل العراق كتابا لأهل الشام و كتب أهل الشام كتابا بهذا لأهل
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 345
العراق و شهد شهود أهل الشام على أهل العراق و شهد شهود أهل العراق على أهل الشام.
و قال ابن قتيبة الدينورى فى الامامة و السياسة ان الكتاب كان بخط عمرو بن عبادة كاتب معاوية.
نصر عن عمر بن سعد قال حدثنى أبو إسحاق الشيباني قال قرأت كتاب الصلح عند سعيد بن أبى بردة فى صحيفة صفراء عليها خاتمان خاتم من اسفلها و خاتم من اعلاها، فى خاتم علىّ عليه السّلام محمّد رسول اللّه و فى خاتم معاوية محمّد رسول اللّه فقيل لعلىّ عليه السّلام حين أراد ان يكتب الكتاب بينه و بين معاوية و أهل الشام أتقرّ أنّهم مؤمنون مسلمون؟ فقال علىّ عليه السّلام ما اقرّ لمعاوية و لا لأصحابه انهم مؤمنون و لا مسلمون و لكن يكتب معاوية ما شاء و يقرّ بما شاء لنفسه و أصحابه و يسمّى نفسه و أصحابه ما شاء.
«كلام على عليه السّلام حين اقر الناس بالصلح»:
نصر عن عمر بن سعد عن إسحاق بن يزيد عن الشعبى ان عليّا عليه السّلام قال يوم صفّين حين أقرّ الناس بالصلح: إن هؤلاء القوم لم يكونوا ليفيئوا (لينيبوا- خ ل) إلى الحق و لا ليجيبوا إلى كلمة السواء حتى يرموا بالمناسر تتبعها العساكر و حتى يرجموا بالكتائب تقفوها الحلائب و حتى يجرّ ببلادهم الخميس يتلوه الخميس حتى تدعق الخيول فى نواحى ارضهم و باحناء مساربهم و مسارحهم و حتّى تشنّ عليهم الغارات من كل فجّ و حتى تلقاهم قوم صدق صبر لا يزيدهم هلاك من هلك من قتلاهم و موتاهم فى سبيل اللّه إلّا جدّا فى طاعة اللّه و حرصا على لقاء اللّه و لقد كنّا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نقتل (فقتل- خ ل) آبائنا و ابنائنا و اخواننا و اعمامنا ما يزيدنا ذلك إلا ايمانا و تسليما و مضيّا على أمضّ الألم و جدّا على جهاد العدوّ و الاستقلال بمبارزة الاقران و لقد كان الرّجل منّا و الاخر من عدونا يتصاولان تصاول الفحلين يتخالسان أنفسهما ايّهما يسقى صاحبه كأس المنون فمرّة لنا من عدوّنا و مرّة لعدوّنا منّا فلمّا رآنا اللّه صبرا صدقا انزل اللّه بعدوّنا الكبت و انزل علينا النصر
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 346
و لعمرى لو كنّا نأتي مثل الذي أتيتم ما قام الدّين و لا عزّ الاسلام و ايم اللّه لتحلبنّها دما فاحفظوا ما أقول لكم يعني الخوارج.
أقول: بعض كلامه عليه السّلام هذا مذكور في النهج في باب الخطب الخطبة الاثنتين و العشرين و المأة و اتى بفصل من كلامه عليه السّلام حين رجع أصحابه عن القتال بصفين لما اغترّهم معاوية برفع المصاحف فانصرفوا عن الحرب الشيخ المفيد قدس سرّه في الارشاد و هو:
لقد فعلتم فعلة ضعضعت من الاسلام قواه و اسقطت منته و اورثت و هنا و ذلة لمّا كنتم الاعلين و خاف عدوكم الاجتياح و استخر بهم القتل و وجدوا الم الجراح رفعوا المصاحف و دعوكم إلى ما فيها ليفيؤوكم عنهم و يقطعوا الحرب فيما بينكم و بينهم و يتربصوا بكم ريب المنون خديعة و مكيدة فما أنتم ان جامعتموهم على ما احبّوا و اعطيتموهم الذين سألوا الا المغرورين و ايم اللّه ما أظنكم بعد موافقى رشد و لا مصيبى حزم.
«كلام الاشتر لما دعى للصحيفة»:
قال نصر بإسناده عن عمّار بن ربيعة الجرمي: لما كتبت الصحيفة دعى لها الاشتر فقال لاصحبتني يميني و لا نفعتني بعدها الشمال ان كتب لي في هذه الصحيفة اسم على صلح و لا موادعة او لست على بينة من ربّي و يقين من ضلالة عدوّى أو لستم قد رأيتم الظفر ان لم تجمعوا على الخور؟ فقال له رجل من النّاس إنّك و اللّه ما رأيت ظفرا و لا خورا هلمّ فاشهد على نفسك و اقرر بما كتب فى هذه الصحيفة فانه لا رغبة بك عن الناس فقال بلى و اللّه ان بى لرغبة عنك فى الدنيا للدنيا و فى الاخرة للاخرة و لقد سفك اللّه بسيفى هذا دماء رجال ما أنت بخير منهم عندى و لا احرم دما فقال عمار بن ربيعة فنظرت إلى ذلك الرجل و كانما قصع على أنفه الحمم و هو الاشعث ابن قيس، ثمّ قال و لكن قد رضيت بما صنع على أمير المؤمنين عليه السّلام و دخلت فيما دخل فيه و خرجت ممّا خرج منه، فانه لا يدخل الا فى هدى و صواب.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 347
«كلام أمير المؤمنين على عليه السّلام فى الاشتر رضوان اللَّه عليه»:
نصر عن عمر عن فضيل بن خديج قال قيل لعليّ عليه السّلام لما كتبت الصحيفة إن الأشتر لم يرض بما في هذه الصحيفة و لا يرى الاقتال القوم، فقال علىّ عليه السّلام بلى إن الاشتر ليرضى إذا رضيت و قد رضيت و رضيتم و لا يصلح الرجوع بعد الرضا و لا التبديل بعد الاقرار إلّا ان يعصى اللّه و يتعدى ما في كتابه و امّا الذّى ذكرتم من تركه أمرى و ما أنا عليه فليس من اولئك و ليس أتخوّفه على ذلك و ليت مثله اثنان بل ليت فيكم مثله واحد يرى فى عدوّه مثل رأيه إذا لخفّت على مؤنتكم و رجوت أن يستقيم لى بعض اودكم و قد نهيتكم عما أتيتم فعصيتموني و كنت أنا و أنتم كما قال أخو هوازن:
و هل أنا إلّا من غزيّة إن غوت غويت و إن ترشد غزية أرشد
فقالت طائفة ممن معه و نحن ما فعلنا يا أمير المؤمنين إلّا ما فعلت قال نعم فلم كانت إجابتكم إياهم إلى وضع الحرب عنا، و أما القضيّة فقد استوثقنا لكم فيها و قد طمعت ألا تضلّوا إن شاء اللّه ربّ العالمين.
ثمّ قالا و كان الكتاب في صفر و الأجل في شهر رمضان لثمانية أشهر يلتقى الحكمان ثم ان الناس اقبلوا على قتلاهم يدفنونهم.
أقول: اتى بكلامه عليه السّلام هذا، الشيخ المفيد رضوان اللّه عليه في الارشاد مع اختلاف يسير في بعض العبائر.
قال المسعودي: و لمّا وقع التحكيم تباغض القوم جميعا يتبرء الاخ من أخيه و الابن من أبيه و أمر عليّ عليه السّلام بالرحيل لعلمه باختلاف الكلمة و تفاوت الرأى و عدم النظام لامورهم و ما لحقه من الخلاف منهم و كثرة التحكيم في جيش أهل العراق و تضارب القوم بالمقارع و نعال السيوف و تسابوا و لام كلّ فريق منهم الاخر في رأيه و سار علىّ يؤم الكوفة و لحق معاوية بدمشق من أرض الشام و فرق عساكره فلحق كل جند منهم ببلده.
و بالجملة لما اختار أهل العراق أبا موسى الاشعرى و اختار أهل الشام عمرو بن
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 348
العاص تفرق أهل صفين حين حكم الحكمان و اشترطا ان يرفعا ما رفع القرآن و يخفضا ما خفض القرآن و أن يختارا لامّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و انهما يجتمعان بدومة الجندل و هى على عشرة اميال من دمشق فان لم يجتمعا لذلك اجتمعا من العام المقبل باذرح.
«اجتماع الفريقين و الحكمين بدومة الجندل»:
قال نصر ان عليّا عليه السّلام بعث أربعمائة رجل و بعث عليهم شريح بن هاني الحارثي و بعث عبد اللّه بن عبّاس يصلى بهم و يلي امورهم و أبو موسى الاشعرى معهم، و بعث معاوية عمرو بن العاص في أربعمائة رجل- إلى أن قال-: ثمّ إنّهم خلوا بين الحكمين فكان رأى عبد اللّه بن قيس أبي موسى في عبد اللّه بن عمر بن الخطاب و كان يقول و اللّه إن استطعت لأحيينّ سنة عمر.
«ما وصى به شريح بن هانى أبا موسى»:
قال نصر: و في حديث محمّد بن عبيد اللّه عن الجرجاني قال: لما اراد أبو موسى المسير قام شريح بن هاني فأخذ بيد أبي موسى فقال: يا أبا موسى انك قد نصبت لأمر عظيم لا يجبر صدعه و لا يستقال فتقه «1» و مهما تقل شيئا لك او عليك ثبت حقّه و يزول باطله و انّه لا بقاء لأهل العراق ان ملكها معاوية و لا بأس على أهل الشام ان ملكها علىّ و قد كان منك تثبيطة أيام قدمت الكوفة فان تشفعها بمثلها يكن الظن بك يقينا و الرجاء منك يأسا. ثمّ قال شريح في ذلك شعرا:
أبا موسى رميت بشرّ خصم فلا تضع العراق فدتك نفسي
و اعط الحق شامهم و خذه فإن اليوم في مهل كأمس
و إنّ غدا يجيء بما عليه يدور الأمر من سعد و نحس
و لا يخدعك عمرو انّ عمرا عدوّ اللّه مطلع كلّ شمس
______________________________
(1) فى الامامة و السياسة لابن قتيبة: و لا تستقال فلتته. و فى شرح الشارح المعتزلي:
و لا تستقال فتنته.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 349
له خدع يحار العقل فيها مموّهة مزخرفة بلبس
فلا تجعل معاوية بن حرب كشيخ في الحوادث غير نكس
هداه اللّه للاسلام فردا سوى بنت النبيّ و اىّ عرس
قال نصر: في غير كتاب ابن عقبة: سوى عرس النّبيّ و أيّ عرس.
«ما قال أبو موسى فى جوابه»:
فقال أبو موسى: ما ينبغي لقوم اتّهموني أن يرسلوني لأدفع عنهم باطلا أو أجرّ اليهم حقّا.
«ما وصى به الاحنف بن قيس أبا موسى»:
قال نصر: و كان آخر من ودع أبا موسى الاحنف بن قيس أخذ بيده ثمّ قال له: يا أبا موسى اعرف خطب هذا الأمر و اعلم ان له ما بعده و انّك ان ضيّعت العراق فلا عراق فاتق اللّه فانها تجمع لك دنياك و آخرتك و إذا لقيت عمرا غدا فلا تبدءه بالسلام فانّها و إن كانت سنة إلّا انّه ليس من أهلها و لا تعطه بيدك فانّها أمانة و إياك ان يقعدك على صدر الفراش فانّها خدعة و تلقه وحده و احذره ان يكلمك في بيت فيه مخدع تخبا فيه الرجال و الشهود ثمّ اراد ان يبور ما في نفسه لعليّ فقال له: فان لم يستقم لك عمرو على الرضا بعليّ فخيره ان يختار أهل العراق من قريش الشام من شاءوا فانّهم يولّونا الخيار فنختار من نريد و إن أبوا فليخيّر أهل الشام من قريش العراق من شاءوا فان فعلوا كان الأمر فينا.
قال أبو موسى: قد سمعت ما قلت و لم يتحاش لقول الاحنف. فرجع الاحنف فأتى عليّا عليه السّلام فقال يا أمير المؤمنين أخرج و اللّه أبو موسى زبدة سقائه في أوّل مخضه لا ارانا إلّا بعثنا رجلا لا ينكر خلعك. فقال علىّ عليه السّلام يا احنف إن اللّه غالب على أمره.
«بعث الصلتان اشعارا من الكوفة الى دومة الجندل»:
قال نصر: و فشا أمر الاحنف و أبي موسى في النّاس-إلى أن قال-: و بعث الصلتان العبدى و هو بالكوفة بابيات إلى دومة الجندل.
لعمرك لا القى مدى الدهر خالعا عليّا بقول الأشعرى و لا عمرو
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 350
فان يحكما بالحق نقبله منهما و الا اثرناها كراغية البكر
و لسنا نقول الدهر ذاك اليهما و في ذاك لو قلناه قاصمة الظهر
و لكن نقول الأمر بالحق كلّه اليه و في كفّيه عاقبة الأمر
و ما اليوم إلّا مثل أمس و اننا لفي رهق الضحضاح او لجة الأمر
فلما سمع النّاس قول الصلتان شحذهم ذلك على أبي موسى و استبطأه القوم و ظنوا به الظنون و اطبق الرجلان بدومة الجندل لا يقولان شيئا.
«قصة سعد بن أبى وقاص و ابنه عمر»:
قال نصر: و كان سعد بن أبي وقاص قد اعتزل عليّا عليه السّلام و معاوية فنزل على ماء لبني سليم بأرض الباديه يتشوف الأخبار و كان رجلا له بأس و رأى في قريش و لم يكن له في عليّ و لا معاوية هوى فأقبل راكب يوضع من بعيد فاذا هو بابنه عمر ابن سعد فقال يا أبي التقى النّاس بصفين فكان بينهم ما قد بلغك حتّى تفانوا ثمّ حكموا الحكمين عبد اللّه بن قيس و عمرو بن العاص و قد حضر ناس من قريش عندهما و أنت من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و من أهل الشورى و من قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: اتقوا دعواته و لم تدخل في شيء مما تكن هذه الامّة فاحضر دومة الجندل فانك صاحبها غدا، فقال مهلا يا عمر إنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول يكون من بعدى فتنة خير النّاس فيها الخفى التقى، و هذا الأمر لم أشهد أوّله و لن أشهد آخره و لو كنت غامسا يدي في هذا الأمر غمستها مع عليّ. قد رأيت القوم حملوني على حدّ السيف فاخترته على النّار فأقم عند أبيك ليلتك هذه، فراجعه عمر حتّى طمع في الشيخ فلمّا جنّه الليل رفع صوته ليسمع أبوه فقال:
دعوت أباك اليوم و اللّه للّذى دعاني اليه القوم و الأمر مقبل
فقلت لهم للموت أهون جرعة من النّار فاستبقوا اخاكم او اقتلوا
فكفّوا و قالوا ان سعد بن مالك مزخرف جهل و المجهّل أجهل
فلما رأيت الأمر قد جدّ جدّه و كاشفنا يوم أغرّ مخجّل
هربت بديني و الحوادث جمة و في الأرض أمن واسع و معوّل
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 351
فقلت معاذ اللّه من شرّ فتنة لها آخر لا يستقال و أوّل
و لو كنت يوما لا محالة وافدا تبعت عليّا و الهوى حيث يجعل
و لكنني زاولت نفسا شحيحة على دينها تأبي عليّ و تبخل
فاما ابن هند فالتراب بوجهه و ان هواى عن هواه لأميل
فيا عمر ارجع بالنصيحة انّني سأصبر هذا العام و الصبر أجمل
فارتحل عمر و قد استبان له أمر أبيه.
أقول: عمر بن سعد هذا هو الّذي اطاع أهل الشقاق و النفاق و حملة الاوزار المستوجبين النّار و توازر على الحسين بن عليّ عليهما السّلام في كربلاء و قد أخبر بذلك أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام كما ورد في غير واحد من الاخبار.
ففي الارشاد للمفيد و الاحتجاج للطبرسى رضوان اللّه عليهما عن زكريا بن يحيى القطان عن فضل بن زبير عن أبي الحكم قال سمعت مشيختنا و علماءنا يقولون خطب عليّ ابن أبي طالب عليه السّلام فقال في خطبة: سلوني قبل أن تفقدوني فو اللّه لا تسألوني عن فئة تضل مأئة و تهدى مأئة إلا نبّأتكم بناعقها و سايقها إلى يوم القيامة فقام اليه رجل فقال أخبرني كم في رأسي و لحيتي من طاقة شعر فقال أمير المؤمنين عليه السّلام و اللّه لقد حدّثني خليلي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بما سئلت عنه و أن علي كلّ طاقة شعر من رأسك ملكا يلعنك و على كل طاقة شعر من لحيتك شيطانا يستفزّك و أن في بيتك لسخلا يقتل ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و آية ذلك مصداق ما أخبرتك به و لولا أن الّذى سئلت عنه يعسر برهانه لاخبرتك به، و لكن آية ذلك ما نبّأت به من لعنتك و سخلك الملعون.
ثمّ قالا: و كان ابنه في ذلك الوقت صبيّا صغيرا يحبو فلمّا كان من أمر الحسين عليه السّلام ما كان تولّي قتله و كان الأمر كما قال أمير المؤمنين عليه السّلام.
ذلك الرجل السائل هو سعد بن أبي وقاص و ذلك السخل هو ابنه عمر كما صرّح بهما في كثير من الأخبار.
«ارسال معاوية المغيرة بن شعبة الى دومة الجندل»:
قال نصر: و قد كانت الاخبار أبطأت على معاوية فبعث إلى رجال من قريش
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 352
من الذين كرهوا ان يعينوه في حربه ان الحرب قد وضعت اوزارها و التقى هذان الرّجلان بدومة الجندل فاقدموا عليّ فأتاه عبد اللّه بن الزبير و عبد اللّه بن عمر و أبو الجهم بن حذيفة و عبد الرحمن بن الاسود بن يغوث الزهرى و عبد اللّه بن صفوان الجمحى و رجال من قريش و أتاه المغيرة بن شعبة و كان مقيما بالطائف لم يشهد صفين فقال: يا مغيرة ما ترى؟ قال: يا معاوية لو وسعنى أن أنصرك لنصرتك و لكن عليّ أن آتيك بأمر الرجلين فركب حتّى اتى دومة الجندل فدخل على أبي موسى كانه زائر له. فقال يا با موسى ما تقول فيمن اعتزل هذا الأمر و كره الدماء؟ قال اولئك خيار النّاس خفّت ظهورهم من دمائهم و خمصت بطونهم من أموالهم.
ثمّ أتى عمرا فقال: يا با عبد اللّه ما تقول فيمن اعتزل هذا الأمر و كره هذه الدماء؟ قال اولئك شرّ النّاس لم يعرفوا حقّا و لم ينكروا باطلا، فرجع المغيرة إلى معاوية فقال له: قد ذقت الرجلين أما عبد اللّه بن قيس فخالع صاحبه و جاعلها الرجل لم يشهد هذا الأمر و هواه في عبد اللّه بن عمر، و أمّا عمرو فهو صاحبك الّذي تعرف و قد ظن النّاس انه يرومها لنفسه و انّه لا يرى انّك احق بهذا منه.
«ابتداء المكالمة و المشاجرة بين ابى موسى و عمرو بن العاص»:
قال نصر: أقبل أبو موسى إلى عمرو فقال يا عمرو هل لك في أمر هو للامة صلاح و لصلحاء النّاس رضا، نولى هذا الامر عبد اللّه بن عمر بن الخطاب الّذى لم يدخل في شيء من هذه الفتنة و لا هذه الفرقة؟ و عبد اللّه بن عمرو بن العاص و عبد اللّه بن الزبير قريبان يسمعان هذا الكلام، فقال عمرو: فأين أنت عن معاوية؟ فأبي عليه أبو موسى و شهدهم عبد اللّه بن هشام و عبد الرحمن بن يغوث و أبو الجهم بن حذيفة العدوى و المغيرة بن شعبه. فقال عمرو: أ لست تعلم أن عثمان قتل مظلوما؟ قال: بلى. قال:
اشهدوا فما يمنعك يا با موسى من معاوية وليّ عثمان و بيته في قريش ما قد علمت فان خشيت أن يقول النّاس ولّي معاوية و ليست له سابقة فان لك بذلك حجة تقول انّي وجدته وليّ عثمان الخليفة المظلوم الطالب بدمه الحسن السياسة الحسن التدبير
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 353
و هو أخو ام حبيبة امّ المؤمنين زوج النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و قد صحبه و هو أحد الصحابة ثمّ عرض له بالسلطان فقال ان هو ولى الأمر أكرمك كرامة لم يكرمك أحد قط.
فقال أبو موسى: اتق اللّه يا عمرو أمّا ذكرك شرف معاوية فان هذا الأمر ليس على الشرف يولاه أهله و لو كان على الشرف كان أحق النّاس بهذا الأمر أبرهة بن الصباح، إنّما هو لأهل الدين و الفضل، مع انّي لو كنت أعطيه أفضل قريش شرفا اعطيته عليّ بن أبي طالب، و أمّا قولك ان معاوية وليّ عثمان فولّه هذا الأمر فاني لم أكن اولّيه معاوية و ادع المهاجرين الأوّلين، و أمّا تعريضك بالسلطان فو اللّه لو خرج لي من سلطانه ما ولّيته و لا كنت لأرتشي في اللّه و لكنّك إن شئت أحيينا سنة عمر بن الخطاب و في رواية اخرى: انه قال: و اللّه إن استطعت لأحيين اسم عمر ابن الخطاب.
فقال عمرو بن العاص: إن كنت تريد أن تبايع ابن عمر فما يمنعك من ابني و أنت تعرف فضله و صلاحه؟ قال: ان ابنك رجل صدق و لكنّك قد غمسته في هذه الفتنة.
قال أبو موسى لعمرو: ان شئت ولينا هذا الأمر الطيب بن الطيب عبد اللّه بن عمر، فقال عمرو: إن هذا الامر لا يصلح له إلا رجل ضرس يأكل و يطعم و ان عبد اللّه ليس هناك و كان في أبي موسى غفلة. فقال ابن الزبير لابن عمر: اذهب إلى عمرو بن العاص فارشه. فقال عبد اللّه بن عمر: لا و اللّه ما ارشو عليها ابدا ما عشت و لكنّه قال له ويلك يا ابن العاص ان العرب قد اسندت اليك أمرها بعد «ما ظ» تقارعت بالسيوف و تشاجرت بالرماح فلا تردهم في فتنة و اتق اللّه.
«ما أوصى به أمير المؤمنين على (ع) الى عمرو بن العاص»:
نصر قال عمر عن أبي زهير العبسى عن النضر بن صالح قال كنت مع شريح ابن هاني في غزوة سجستان فحدّثني ان عليّا عليه السّلام اوصاه بكلمات إلى عمرو بن العاص قال له قل لعمرو إن أنت لقيته إن عليّا يقول لك:
إن أفضل الخلق عند اللّه من كان العمل بالحق أحبّ اليه و ان نقصه، و إن أبعد
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 354
الخلق من اللّه من كان العمل بالباطل أحبّ اليه و ان زاده، و اللّه يا عمرو إنّك لتعلم أين موضع الحق فلم تتجاهل أبأن اوتيت طمعا يسيرا؟ فكنت للّه و لاوليائه عدوّا فكان و اللّه ما اوتيت قد زال عنك فلا تكن للخائنين خصيما و لا للظالمين ظهيرا أما انّي أعلم ان يومك الّذي أنت فيه نادم هو يوم وفاتك و سوف تتمنّي أنّك لم تظهر لمسلم عداوة و لم تأخذ على حكم رشوة.
قال شريح: فابلغته ذلك فتعمر وجه عمرو و قال و متى كنت أقبل مشورة علىّ او انيب إلى أمره او اعتدّ برأيه فقلت و ما يمنعك يا ابن النابغة ان تقبل من مولاك و سيد المسلمين بعد نبيّهم صلّى اللّه عليه و آله مشورته لقد كان من هو خير منك أبو بكر و عمر يستشير انه و يعملان برأيه، فقال إنّ مثلى لا يكلم إلا مثلك فقلت بأى أبويك ترغب عن كلامى بأبيك الوسيط أم بامّك النّابغة؟ فقام من مكانه و قمت.
«روغان عمرو بن العاص و مكره فى خلع أمير المؤمنين على (ع) و نصب معاوية و اغترار أبى موسى»:
قال نصر: قال عمر بن سعد قال حدثني أبو خباب الكلبي إن عمرا و أبا موسى حيث التقيا بدومة الجندل أخذ عمرو يقدم عبد اللّه بن قيس في الكلام و يقول انك قد صحبت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قبلي و أنت أكبر منّي فتكلّم ثمّ أتكلّم و كان عمرو قد أعدّ أبا موسى يقدّمه في كلّ شيء و انما اغترّه بذلك ليقدّمه فيبد أ بخلع عليّ عليه السّلام فنظرا في أمرهما و ما اجتمعا عليه فاراده عمرو على معاوية فأبى و اراده على ابنه فابى، و اراده أبو موسى على عبد اللّه بن عمر فأبى عليه عمرو، قال فاخبرني ما رأيك يا با موسى؟
قال رأيى أن اخلع هذين الرجلين عليّا و معاوية ثمّ نجعل هذا الامر شورى بين المسلمين يختارونه لانفسهم من شاءوا و من أحبّوا، فقال له عمرو: الرأى ما رأيت، و قال عمرو يا با موسى انه ليس أهل العراق باوثق بك من أهل الشام لغضبك لعثمان و بغضك للفرقة و قد عرفت حال معاوية في قريش و شرفه فى عبد مناف و هو ابن هند و ابن أبى سفيان فما ترى؟ قال أرى خيرا أمّا ثقة أهل الشام بي فكيف يكون ذلك
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 355
و قد سرت اليهم مع علىّ و أمّا غضبى لعثمان فلو شهدته لنصرته و أمّا بغضى للفتن فقبّح اللّه الفتن و أما معاوية فليس باشرف من علىّ و باعده أبو موسى فرجع عمرو مغموما فخرج عمرو و معه ابن عم له غلام شاب و هو يقول:
يا عمرو انك للامور مجرّب فارفق و لا تقذف برأيك أجمع
و استبق منه ما استطعت فانه لا خير فى رأى إذا لم ينفع
و اخلع معاوية بن حرب خدعة يخلع عليّا ساعة و تصنع
و اجعله قبلك ثمّ قل من بعده اذهب فمالك فى ابن هند مطمع
تلك الخديعة ان اردت خداعه و الراقصات إلى منى خذ أودع
فافترصها عمرو و قال يا با موسى ما رأيك؟ قال رايى أن أخلع هذين الرّجلين ثمّ يختار الناس لأنفسهم من أحبّوا فأقبلا إلى النّاس و هم مجتمعون، فتكلم أبو موسى فحمد اللّه و اثنى عليه فقال: إن رأيى و رأى عمرو قد اتفق على امر نرجو ان يصلح اللّه به أمر هذه الامّة قال عمرو صدق، ثمّ قال يابا موسى فتكلم فتقدم أبو موسى ليتكلم فدعاه ابن عباس فقال ويحك و اللّه انى لاظنّه قد خدعك ان كنتما قد اتفقتما على امر فقدّمه قبلك فيتكلم بذلك الامر قبلك ثم تكلم أنت بعده فان عمرا رجل غدّار و لا آمن أن يكون قد أعطاك الرضا فيما بينك و بينه فاذا قمت به فى النّاس خالفك و كان أبو موسى رجلا مغفلا فقال: إنا قد اتفقنا فتقدم أبو موسى فحمد اللّه و اثنى عليه ثمّ قال:
يا أيها الناس انا قد نظرنا فى أمر هذه الامة فلم نر شيئا هو اصلح لأمر هؤلاء و ألمّ لشعثها ان لا امورها «كذا» و قد اجمع رأيى و رأى صاحبى عمرو على خلع علىّ و معاوية و نستقبل هذا الامر فيكون شورى بين المسلمين فيولون امورهم من أحبّوا و انّى قد خلعت عليّا و معاوية فاستقبلوا أمركم و ولوا من رأيتم لها أهلا ثمّ تنحى فقعد.
و قام عمرو بن العاص مقامه فحمد اللّه و أثنى عليه ثمّ قال إن هذا قال قد سمعتم و خلع صاحبه و أنا أخلع صاحبه كما خلعه و اثبت صاحبى معاوية فانه ولىّ عثمان
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 356
و الطالب بدمه و أحق النّاس بمقامه فقال له أبو موسى مالك لا وفقك اللّه قد غدرت و فجرت و إنما مثلك مثل الكلب ان تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث إلى آخر الاية فقال له عمرو انما مثلك مثل الحمار يحمل أسفارا إلى آخر الاية، و حمل شريح بن هانى على عمرو فقنعه بالسوط و حمل على شريح ابن لعمرو فقرّبه بالسوط و قام النّاس فحجزوا بينهم فكان شريح يقول بعد ذلك ما ندمت على شيء ندامتى ان لا ضربته بالسيف بدل السوط اتى الدهر بما أتى به، و التمس أصحاب علىّ أبا موسى فركب ناقته فلحق بمكة فكان ابن عباس يقول: قبح اللّه أبا موسى حذرته و أمرته بالرأى فما عقل و كان أبو موسى يقول قد حذرنى ابن عباس غدرة الفاسق و لكن اطمأننت إليه و ظننت انه لن يؤثر شيئا على نصيحة الامّة، ثم انصرف عمرو و أهل الشام إلى معاوية فسلموا عليه بالخلافة و رجع ابن عبّاس و شريح بن هانى إلى عليّ عليه السّلام، و قال أصحاب علىّ عليه السّلام و انّا اليوم لعلىّ عليه السّلام ما كنّا عليه أمس.
و فى الامامة و السياسة للدينوري بعد نقل طائفة مما قال عمرو لأبى موسى قال عمرو له: فهل لك ان تخلعهما جميعا و تجعل الامر لعبد اللّه بن عمر، فقد صحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و لم يبسط فى هذه الحرب يدا و لا لسانا و قد علمت من هو مع فضله و زهده و ورعه و علمه؟
فقال أبو موسى: جزاك اللّه بنصيحتك خيرا و كان أبو موسى لا يعدل بعبد اللّه بن عمر أحدا لمكانه من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و مكانه من أبيه لفضل عبد اللّه فى نفسه و افترقا على هذا و اجتمع رأيهما على ذلك.
ثمّ إن عمرا غدا على أبى موسى بالغد و جماعة الشهود فقال يا أبا موسى ناشدتك اللّه تعالى من أحقّ بهذا الامر من أوفى أو من غدر؟ قال أبو موسى: من أوفى قال عمرو: يا أبا موسى نشدتك اللّه تعالى ما تقول فى عثمان؟ قال أبو موسى: قتل مظلوما، قال عمرو: فما الحكم فيمن قتل؟ قال أبو موسى: يقتل بكتاب اللّه تعالى قال فمن يقتله؟ قال: أولياء عثمان، قال فان اللّه يقول فى كتابه العزيز «وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً» قال فهل تعلم أن معاوية من أولياء عثمان؟ قال:
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 357
نعم قال عمرو للقوم: اشهدوا قال أبو موسى للقوم: اشهدوا على ما يقول عمرو.
ثمّ قال أبو موسى لعمرو: ثم يا عمرو فقل و صرّح بما اجتمع عليه رأيى و رأيك و ما اتفقنا عليه فقال عمرو: سبحان اللّه أقوم قبلك و قد قدّمك اللّه قبلي في الايمان و الهجرة و أنت وافد أهل اليمن إلى رسول اللّه و وافد رسول اللّه إليهم و بك هداهم اللّه و عرّفهم شرائع دينه و سنّة نبيّه و صاحب مغانم أبي بكر و عمر و لكن قم أنت فقل ثم أقول فأقول فقام أبو موسى فحمد اللّه و أثنى عليه ثمّ قال ايها الناس انّ خير الناس للناس خيرهم لنفسه و اني لا أهلك ديني بصلاح غيرى و ان هذه الفتنة قد أكلت العرب و انى رأيت و عمرا أن نخلع عليا و معاوية و نجعلهما لعبد اللّه بن عمر فانه لم يبسط في هذه الحرب يدا و لا لسانا.
ثمّ قام عمرو فقال أيها الناس هذا أبو موسى شيخ المسلمين و حكم أهل العراق و من لا يبيع الدين بالدنيا و قد خلع عليا و اثبت معاوية فقال أبو موسى مالك؟ عليك لعنة اللّه ما أنت إلا كمثل الكلب تلهث، فقال عمرو لكنك مثل الحمار يحمل اسفارا، و اختلط الناس فقالوا و اللّه لو اجتمعنا على هذا ما حوّلتمانا عما نحن عليه و ما صلحكما بلازمنا و إنا اليوم على ما كنا عليه أمس و لقد كنا ننظر إلى هذا قبل أن يقع و ما أمات قولكما حقا و لا احيى باطلا.
ثمّ تشاتم أبو موسى و عمرو ثمّ انصرف عمرو إلى معاوية و لحق أبو موسى بمكة و انصرف القوم إلى عليّ فقال عديّ: اما و اللّه يا أمير المؤمنين لقد قدّمت القرآن و أخرت الرجال و جعلت الحكم للّه فقال عليّ أما اني قد أخبرتكم أن هذا يكون بالأمس و جهدت أن تبعثوا غير أبي موسى فأبيتم علىّ و لا سبيل إلى حرب القوم حتّى تنقضى المدة.
ثمّ إن قضيّة أبي موسى و عمرو في ذلك نقلت بوجوه اخرى أيضا منها ما في مروج الذهب للمسعودي- إلى أن قال:- فقام أبو موسى فحمد اللّه و أثنى عليه و صلّى على نبيّه صلّى اللّه عليه و سلم ثمّ قال أيها النّاس انا قد نظرنا في أمرنا فرأينا أقرب ما يحضرنا من الامن و الصلاح و لمّ الشعث و حقن الدماء و جمع الالفة خلعنا عليّا
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 358
و معاوية و قد خلعت عليا كما خلعت عمامتى هذه و أهوى إلى عمامته فخلعها و استخلفا رجلا قد صحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم بنفسه و صحب أبوه النبي فبرز في سابقته و هو عبد اللّه بن عمر، و اطراه و رغب الناس فيه و نزل، فقام عمرو فحمد اللّه و اثنى عليه و صلّى على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ثمّ قال: أيها الناس ان أبا موسى عبد اللّه بن قيس خلع عليّا و اخرجه من هذا الامر الذى يطلب و هو أعلم به ألا و إني خلعت عليا معه و اثبت معاوية عليّ و عليكم و أن أبا موسى قد كتب في الصحيفة ان عثمان قد قتل مظلوما شهيدا و ان لوليه أن يطلب بدمه حيث كان و قد صحب معاوية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بنفسه و صحب أبوه النبي صلّى اللّه عليه و آله و اطراه و رغب الناس فيه و قال هو الخليفة علينا و له طاعتنا و بيعتنا على الطلب بدم عثمان، فقال أبو موسى كذب عمرو لم نستخلف معاوية و لكنا خلعنا معاوية و عليّا معا فقال عمرو: بل كذب عبد اللّه بن قيس قد خلع عليا و لم يخلع معاوية.
و منها ما أتى به الميبدي في شرح الديوان المنسوب إلى أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام عند قوله:
لقد عجزت عجز من لا يقتدر سوف اكيس بعدها و أستمر
أرفع من ذيلي ما كان يجر قد يجمع الامر الشتيت المنتشر
فقام أبو موسى و قال و قد خلعت عليا كما خلعت خاتمي هذا من يدي ثمّ قام عمرو و قد خلع خاتمه من يده قبل فقال أيها الناس اني اثبت معاوية عليّ و عليكم كما وضعت خاتمي هذا في يدي ثمّ تشاتم أبو موسى و عمرو و لحقّ أبو موسى بمكة و لم يعد إلى الكوفة و قد كانت خطته و أهله و ولده بها و آلى أن لا ينظر إلى وجه عليّ عليه السّلام ما بقي.
قال نصر: فتشاتم عمرو و أبو موسى من ليلته فاذا ابن عم لابي موسى يقول:
أبا موسى بليت فكنت شيخا قريب القعر مدهوش الجنان
رمى عمرو صفاتك يا ابن قيس بأمر لا تنوء به اليدان
و قد كنا نحمجم عن ظنون فصرّحت الظنون عن العيان
فعض الكفّ من ندم و ما ذا يرد عليك عضّك بالبنان
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 359
و شمت أهل الشام بأهل العراق و قال أبو موسى انما كان غدرا من عمرو.
قال نصر: و كان عليّ عليه السّلام إذا صلّى الغداة و المغرب و فرغ من الصلاة يقول اللهم العن معاوية و عمرا و أبا موسى و حبيب بن مسلمة و الضحاك بن قيس و الوليد ابن عقبة و عبد الرحمن بن خالد بن الوليد فبلغ ذلك معاوية فكان إذا قنت لعن عليّا و ابن عباس و قيس بن سعد و الحسن و الحسين، و في نقل آخر لما اقنت عليّ عليه السّلام على خمسة و لعنهم و هم معاوية و عمرو بن العاص و ابو الاعور السلمى و حبيب بن مسلمة و بسر بن ارطاة، اقنت معاوية على خمسة و هم عليّ و الحسن و الحسين و عبد اللّه بن العبّاس و الاشتر و لعنهم.
أقول: بسر بن ارطاة هو الذي بعثه معاوية إلى اليمن في جيش كثيف و أمره أن يقتل كلّ من كان في طاعة عليّ عليه السّلام فقتل خلقا كثيرا و قتل فيمن قتل ابني عبد اللّه بن العبّاس بن عبد المطلب و كانا غلامين صغيرين، و فعل بسر في الحجاز و اليمن بأمر معاوية ما فعل، و بسر هذا تفوّه به أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام في الخطبة الخامسة و العشرين حيث قال عليه السّلام: انبئت بسرا قد اطلع اليمن، إلى آخرها.
و دعا أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام على بسر هذا فقال عليه السّلام: اللهم ان بسرا باع دينه بالدنيا و انتهك محارمك و كانت طاعة مخلوق فاجر آثر عنده مما عندك فلا تمته حتى تسلبه عقله و لا توجب له رحمتك و لا ساعة من نهار اللهم العن بسرا و عمرا و معاوية و ليحلّ عليهم غضبك و لتنزل بهم نقمتك و ليصبهم بأسك و زجرك الّذي لا تردّه عن القوم المجرمين.
فلم يلبث بسر بعد ذلك إلا يسيرا حتى وسوس و ذهب عقله فكان يهدى بالسيف و يقول اعطوني سيفا أقتل به لا يزال يردد ذلك حتى اتخذ له سيف من خشب و كانوا يدنون منه المرفقة فلا يزال يضربها حتى يغشى عليه فلبث كذلك إلى أن مات، رواه أبو الحسن المدائني كما في الجزء الثاني من شرح الشارح المعتزلي.
و قريب من ذلك رواه أبو جعفر الطبري في تاريخه و غيره من نقلة الأخبار و الاثار عن حسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام من انه بعث عمر بن سعد عمرو بن الحجاج
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 360
على خمسمائة فارس فنزلوا على الشريعة و حالوا بين حسين و أصحابه و بين الماء أن يسقوا منه قطرة و ذلك قبل قتل الحسين بثلاث قال و نازله عبد اللّه بن أبي حصين الأزدي و عداده في بجيلة فقال يا حسين ألا تنظر إلى الماء كأنه كبد السماء و اللّه لا تذوق منه قطرة حتّى تموت عطشا فقال حسين عليه السّلام اللّهم اقتله عطشا و لا تغفر له أبدا، قال قال حميد بن مسلم و اللّه لعدته بعد ذلك في مرضه فو اللّه الّذي لا إله إلّا هو لقد رأيته يشرب حتّى بغر ثمّ يقىء ثمّ يعود فيشرب حتى يبغر فما يروى فما زال ذلك دأبه حتّى لفظ غصّته يعنى نفسه.
و روى أيضا في تاريخه: أن رجلا من بني تميم يقال له عبد اللّه بن حوزة جاء حتى وقف أمام الحسين عليه السّلام فقال يا حسين يا حسين فقال حسين عليه السّلام ما تشاء؟ قال ابشر بالنار قال كلّا إني أقدم على ربّ رحيم و شفيع و مطاع من هذا؟ قال له أصحابه هذا ابن حوزة قال ربّ حزه إلى النار قال فاضطرب به فرسه في جدول فوقع فيه و تعلقت رجله بالركاب و وقع رأسه في الأرض و نفر الفرس فأخذه يمرّ به فيضرب برأسه كلّ حجر و كلّ شجرة حتى مات.
و روى أيضا في تاريخه: و مكث الحسين طويلا من النهار كلما انتهى إليه رجلا من كندة يقال له مالك بن النسير من بنى بدّاء أتاه فضربه على رأسه بالسيف و عليه برنس له فقطع البرنس و اصاب السيف رأسه فادمى رأسه فامتلأ البرنس دما فقال له الحسين عليه السّلام لا أكلت بها و لا شربت و حشرك اللّه مع الظالمين- إلى أن قال- فذكر أصحاب الكندى انه لم يزل فقيرا بشر حتى مات.
و نظائر هذه مما صدر من حجج اللّه و رسله سيّما من خاتم النبيّين و آله الطاهرين من خوارق العادت كثيرة جدا نقلت في كتب الفريقين بعضها بلغ إلى حد التواتر و بعضها إلى حدّ الشهرة.
و ليعلم أن أهل اللّه لو تفوهوا بالدعاء لقوم أو عليهم لأثر ذلك عاجلا لأنهم بلغوا في اتصافهم بالصفات الملكوتية و تخلقهم بالاخلاق الالهيّة و تقربهم إلى المبادي العالية سيّما إلى مبدء المبادى و علة العلل اللّه عزّ و جلّ إلى مرتبة منيعة و درجة رفيعة حيث لا فرق بينهم و بين حبيبهم في صدور كثير من الافعال عنهم كما
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 361
ورد في الحديث القدسي: عبدى أطعنى حتّى أجعلك مثلى، و في الحديث النّبوىّ العبوديّة جوهرة كنهها الربوبيّة، و تأثير القوى النفسانيّة يصير إلى حد معجب لمن كان بمعزل عن العلم بأسرار النفس و نعم ما قال العارف السعدى:
حكايت كنند از بزرگان دين حقيقت شناسان عين اليقين
كه صاحبدلى بر پلنگى نشست همى راند هموار و مارى بدست
يكى گفتش اى مرد راه خداى بدين ره كه رفتى مرا ره نماى
چه كردى كه درّنده رام تو شد نگين سعادت بنام تو شد
بگفت ار پلنگم زبونست و مار و گر پيل و كركس شگفتى مدار
تو هم گردن از حكم داور مپيچ كه گردن نپيچد ز حكم تو هيچ
چو حاكم بفرمان داور بود خدايش نگهبان و ياور بود
محالست چون دوست دارد ترا كه در دست دشمن گذارد ترا
يكى ديدم از عرصه رود بار كه پيش آمدم بر پلنگى سوار
چنان هول از اين حال بر من نشست كه ترسيدنم پاى رفتن ببست
تبسّم كنان دست بر لب گرفت كه سعدى مدار آنچه ديدى شگفت
ره اينست رو از حقيقت متاب بنه گام و كامى كه دارى بياب
ثمّ انّ ظهور الاثار الغريبة اثر تكويني لهذه الجوهرة النفيسة القدسيّة فيعمّ الكل و كلما كانت اقوى كان فعلها أشد سيّما إذا كان حجة اللّه على عباده من نبيّ أو وصيّ فانهم بسبب شدة انسلاخهم عن النواسيت الانسانية تدوم عليهم الاشراقات العلويّة بسبب الاستضاءة بضوء القدس و الالف بسناء المجد فتطيعهم مادّة الكائنات القابلة للصور المفارقة باذن اللّه تعالى فيتأثر الموادّ عن أنفسهم كما يتأثر أبدانهم عنها فلهذا يكون دعاؤهم مسموعا في العالم الاعلى و القضاء السابق و يتمكن في انفسهم نور خلاق به يقدرون على الأشياء التي يعجز عنها غيرهم قال عزّ من قائل في الكتاب الّذى لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه خطابا لعيسى بن مريم عليهما السّلام «و إذ تخلق من الطين كهيئة الطير باذني فتنفخ فيها فتكون طيرا باذني و تبرىء الاكمه و الأبرص باذني و إذ تخرج الموتى باذني».
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 362
و قال الشيخ الرئيس في النمط العاشر من الاشارات: إذا بلغك أن عارفا أطاق بقوته فعلا أو تحريكا أو حركة تخرج عن وسع مثله فلا تتلقه بكلّ ذلك الاستنكار فقد تجد إلى سببه سبيلا في اعتبارك مذاهب الطبيعة.
و قال المحقق الطوسى في شرحه: ثمّ لما كان فرح العارف ببهجة الحق اعظم من فرح غيره بغيرها و كانت الحالة التي يعرض له و تحركه اغترارا بالحق أو حمية الهيّة أشد مما يكون لغيره كان اقتداره على حركة لا يقدر غيره عليها أمرا ممكنا و من ذلك تبيّن معنى الكلام المنسوب إلى عليّ عليه الصلاة و السلام: و اللّه ما قلعت باب خيبر بقوة جسدانية و لكن قلعته بقوّة ربّانية.
و قال القوشجي في شرح التجريد: و عجز عن اعادته سبعون رجلا من الأقوياء.
و ايضا قال الفاضل القوشجي في شرح التجريد لمصنفه نصير الدين الطوسي في المقصد الخامس من كتابه في الامامة عند قوله في عدّ فضائل أمير المؤمنين علىّ عليه السّلام و رفع الصخرة العظيمة عن القليب: روى انه لما توجّه إلى صفين مع أصحابه اصابهم عطش عظيم فأمرهم أن يحفروا بقرب دير فوجدوا صخرة عظيمة عجزوا عن نقلها فنزل علىّ عليه السّلام فأقلعها و رمى بها مسافة بعيدة فظهر قليب فيه ماء فشربوا عنها ثمّ اعادها و لما رأى ذلك صاحب الدير أسلم.
و قال العلامة الحلّى فى شرحه المسمّى بكشف المراد بعد قوله فنزل صاحب الدير و اسلم: فسئل عنه ذلك فقال بنى هذا الدير على قالع هذه الصخرة و مضى من قبلى و لم يدركوه.
و قال الشيخ المقتول فى التلويحات: قد يحركون أجساما يعجز عن تحريكها النوع و نعلم اننا إذا كنا على طرب و هزة نعمل ما نتقاصر عن عشرة حتى زالت عنا فما ظنك بنفس طربت باهتزاز علوى و استضاءت بنور ربّها فحركت ما عجز عنه النوع و قد اتّصلت على الافق المبين بذى قوة عند ذى العرش مكين مطاع ثمّ امين.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 363
ثمّ إن سفراء اللّه و حججه على خلقه لصفاء جوهر نفوسهم القدسيّة و شدة صقالتها و نورانيتها الموصل لها إلى المبادى العالية و شدة الالتصاق بها من غير كسب و تعلم قدروا على الاطلاع على الامور الغائبة من غير كسب و فكر.
قال الشيخ الرّئيس فى النمط العاشر من الاشارات: إذا بلغك أن عارفا حدّث عن غيب فأصاب متقدما ببشرى أو نذير فصدّق و لا يتعسّرن عليك الايمان به فان لذلك فى مذاهب الطبيعة اسبابا معلومة.
و ما يناسب المقام من الحديث عن غيب عن أمير المؤمنين و رئيس الموحدين و قدوة العارفين علىّ بن أبي طالب عليه السّلام ما أتى به نصر بن المزاحم المنقرى فى كتاب صفين قال: حدثنى مصعب بن سلم قال أبو حيان التميمى عن أبى عبيدة عن هرثمة بن سليم قال: غزونا مع علىّ بن أبي طالب غزوة صفّين فلما نزلنا بكربلا صلّى بنا صلاة فلمّا سلّم رفع إليه من تربتها فشمّها ثمّ قال و اهالك أيتها الرتبة ليحشرنّ منك قوم يدخلون الجنّة بغير حساب فلمّا رجع هرثمة من غزوته إلى امرأته و هى جرداء بنت سمير و كانت شيعة لعليّ فقال لها زوجها هرثمة الا اعجبك من صديقك أبى الحسن لما نزلنا بكربلا رفع إليه من تربتها فشمّها و قال و اهالك يا تربة ليحشرن منك قوم يدخلون الجنّة بغير حساب و ما علمه بالغيب فقالت له دعنا منك أيّها الرّجل فانّ أمير المؤمنين عليه السّلام لم يقل الاحقا، فلما بعث عبيد اللّه بن زياد البعث الذى بعثه إلى الحسين بن عليّ و أصحابه قال كنت فيهم في الخيل التي بعث إليهم فلما انتهيت إلى القوم و حسين و أصحابه عرفت المنزل الّذى نزل بنا عليّ عليه السّلام فيه و البقعة الّتي رفع إليه من ترابها و القول الذى قاله فكرهت مسيرى فأقبلت على فرسى حتى وقفت على الحسين فسلمت عليه و حدثته بالذى سمعت من أبيه في هذا المنزل فقال الحسين عليه السّلام معنا أنت أو علينا؟ فقلت يا ابن رسول اللّه لا معك و لا عليك تركت أهلي و ولدى أخاف عليهم من ابن زياد فقال الحسين عليه السّلام فولّ هربا حتى لا ترى لنا مقتلا و الّذى نفس حسين بيده لا يرى مقتلنا اليوم رجل و لا يغيثنا إلا أدخله اللّه النار قال: فأقبلت في الارض هاربا حتى خفى علىّ مقتله.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 364
نصر عن مصعب بن سلام قال حدثنا الاجلح بن عبد اللّه الكندى عن أبي جحيفة قال جاء عروة البارقي إلى سعيد بن وهب فسأله و أنا اسمع فقال حديث حدّثنيه عن عليّ بن أبي طالب قال نعم بعثني مخنف بن سليم إلى علىّ فأتيته بكربلاء فوجدته يشير بيده و يقول ههنا فقال له رجل و ما ذلك يا أمير المؤمنين قال ثقل لان محمّد ينزل ههنا (كذا) فويل لهم منكم و ويل لكم منهم فقال له الرجل ما معنى هذا الكلام يا أمير المؤمنين؟ قال ويل لهم منكم تقتلونهم و ويل لكم منهم يدخلكم اللّه بقتلهم إلى النّار.
ثمّ قال و قد روى هذا الكلام على وجه آخر انه عليه السّلام قال فويل لكم عليهم قال الرّجل أما ويل لنا منهم فقد عرفت و ويل لنا عليهم ما هو؟ قال ترونهم يقتلون و لا تستطيعون نصرهم.
نصر عن سعيد بن حكيم العبسى عن الحسن بن كثير عن أبيه أن عليّا أتى كربلا فوقف بها فقيل يا أمير المؤمنين هذه كربلا قال ذات كرب و بلاء ثمّ أومأ بيده إلى مكان فقال:
ههنا موضع رحالهم و مناخ ركابهم، و أوما بيده إلى موضع آخر فقال ههنا مهراق دمائهم.
و كذا ذكره المفيد في الارشاد و قال: و من اخباره عليه السّلام عن الغيب ما رواه عثمان ابن عيسى العامرى عن جابر بن الحرّ عن جويرية بن مسهر الفهدى قال لما توجّهنا مع أمير المؤمنين عليه السّلام إلى صفين فبلغنا طفوف كربلاء وقف ناحية من المعسكر ثم نظر يمينا و شمالا و استعبر ثمّ قال: هذا و اللّه مباح ركابهم و موضع منيتهم فقيل له يا أمير المؤمنين ما هذا الموضع؟ فقال هذا كربلاء يقتل فيه قوم يدخلون الجنّة بغير حساب ثمّ سار و كان الناس لا يعرفون تأويل ما قال حتى كان من امر الحسين بن علىّ عليهما السّلام و أصحابه بالطف ما كان فعرف حينئذ من سمع كلامه مصداق الخبر فيما أنبأهم به.
و الأحاديث فى اخبارهم عن الغيب مستفيضة بل بلغ كثير منها إلى حدّ التواتر و من ذلك اخبار رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن قتل عمّار رضوان اللّه عليه و نظائره كثيرة جدّا و ان وفقنا اللّه تعالى لنورد البحث عن ذلك مفصّلا فى المقام المناسب له، فلنعد الان إلى ما كنّا فيه.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 365
و فى شرح الشارح المعتزلي: ذكر أبو أحمد العسكرى في كتاب الامالى ان سعد بن أبى وقاص دخل على معاوية عام الجماعة فلم يسلم عليه بامرة المؤمنين فقال له معاوية لو شئت أن تقول في سلامك غير هذا لقلت، فقال سعد نحن المؤمنون و لم نؤمّرك كانك قد بهجت بما أنت فيه يا معاوية و اللّه ما يسرّني ما أنت فيه و انى هرقت محجمة دم، قال لكنّي و ابن عمّك عليّا يا ابا إسحاق قد هرقنا أكثر من محجمة و محجمتين هلم فاجلس معى على السرير فجلس معه فذكر له معاوية اعتزاله الحرب يعاتبه فقال سعد انما كان مثلى و مثل الناس كقوم اصابتهم ظلمة فقال واحد منهم لبعيره اخ فاناخ حتّى أضاء له الطريق فقال معاوية و اللّه يا أبا إسحاق ما فى كتاب اللّه اخ و انما فيه «و ان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما فان بغت إحداهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغى حتى يفىء إلى أمر اللّه» فو اللّه ما قاتلت الباغية و لا المبغى عليها فافحمه. قال: و زاد ابن ديزيل فى هذا الخبر زيادة ذكرها فى كتاب صفين قال فقال سعد أ تأمرني أن اقاتل رجلا قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنت منى بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبى بعدى؟ فقال معاوية من سمع هذا معك؟ قال فلان و فلان و امّ سلمة فقال معاوية لو كنت سمعت هذا لما قاتلته.
«ذكر المقتولين فى صفين»:
قال المسعودى فى مروج الذهب: قتل بصفين سبعون ألفا من أهل الشام و من أهل العراق خمسة و عشرون ألفا و كان المقام بصفين مأئة يوم و عشرة أيام و قتل بها من الصحابة ممن كان مع علىّ خمسة و عشرون رجلا منهم عمّار بن ياسر ابو اليقظان المعروف بابن سميّة.
و قال فى موضع آخر من كتابه: و قد تنوزع فى مقدار من قتل من أهل الشام و العراق بصفين فذكر أحمد بن الدورقى عن يحيى بن معين ان عدة من قتل بها من الفريقين فى مأئة يوم و عشرة أيام، مأئة ألف و عشرة آلاف من الناس من أهل
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 366
الشام تسعون الفا و من أهل العراق عشرون الفا.
ثمّ قال: و نحن نذهب إلى أن عدد من حضر الحرب من أهل الشام بصفين أكثر ممّا قيل في هذا الباب هو خمسون و مأئة ألف مقاتل سوى الخدم و الأتباع و على هذا يجب أن يكون مقدار القوم جميعا من مقاتل منهم و من لم يقاتل من الخدم و غيرهم ثلاثمأة ألف بل أكثر من ذلك لأن أقل من فيهم معه واحد يخدمه و فيهم من معه الخمسة و العشرة من الخدم و الأتباع و أكثر من ذلك. و أهل العراق كانوا في عشرين و مأئة ألف مقاتل دون الاتباع و الخدم.
و اما الهيثم بن عدى الطائى و غيره مثل الشرقي ابن القطامي و أبي مخنف لوط ابن يحيى فذكروا ما قدمنا و هو أن جملة من قتل من الفريقين جميعا سبعون ألفا من أهل الشام خمسة و أربعون ألفا و من أهل العراق خمسة و عشرون ألفا فيهم خمسة و عشرون بدريا و ان العدد كان يقع بالقضيب و الاحصاء للقتلى في كل وقعة و تحصيل هذا يتفاوت لأن في قتلى الفريقين من يعرف و من لا يعرف و فيهم من غرق و فيهم من قتل فى البرّ فأكلته السباع فلم يدركهم الاحصاء و غير ذلك مما يعسر ما وصفنا. انتهى ما اردنا ذكره من مروج الذهب.
و قال نصر: في كتاب صفين: و اصيب من أهل شام خمسة و أربعون ألفا، و اصيب بها من أهل العراق خمسة و عشرون ألفا.
أقول: لا خلاف في أن تلك الوقعة في صفين كانت وقعة عظمى و قد أكلت الحرب الفريقين و لا يخفى أن ضبط عدد المقتولين و احصائهم في مثل تلك الواقعة صعب جدّا فيتطرق فيه اختلاف لا محالة كما ترى تنازع النّاس في مقدار ما قتل من الفريقين فمن مقلل و مكثر. ففي كتاب صفين لنصر بن مزاحم المنقرى عن عمر قال حدّثني عبد اللّه بن عاصم الفايشي قال لما رجع علىّ عليه السّلام من صفين إلى الكوفة مرّ بالثورين يعنى ثور همدان سمع البكاء فقال ما هذه الاصوات؟ قيل هذا البكاء على من قتل بصفين قال أما انى شهيد لمن قتل منهم صابرا محتسبا بالشهادة، ثمّ مرّ بالفايشين فسمع الاصوات فقال مثل ذلك، ثم مرّ بالشباميين فسمع رنّة شديدة و صوتا مرتفعا عاليا
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 367
فخرج اليه حارب بن الشرحبيل الشامى فقال علىّ عليه السّلام أ يغلبكم نساؤكم ألا تنهونهن عن هذا الصياح و الرنين؟ قال: يا أمير المؤمنين لو كانت دارا أو دارين او ثلاثا قدرنا على ذلك و لكن من هذا الحىّ ثمانون و مأئة قتيل فليس من دار إلّا و فيها بكاء أمّا نحن معاشر الرجال فانا لا نبكى و لكن نفرح لهم بالشهادة فقال علىّ عليه السّلام رحم اللّه قتلاكم و موتاكم.
«بحث كلامى» الحق أن محاربي عليّ عليه السّلام و منهم أصحاب صفين و الجمل بغاة كفرة:
و إليه ذهب جلّ أصحابنا الاماميّة رضوان اللّه عليهم و خالفهم في ذلك المعتزلة و سائر فرق العامّة.
لنا قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله المروى من فرق المسلمين عنه صلّى اللّه عليه و آله: حربك حربي يا عليّ و لا شك أن محارب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كافر.
قال المفيد رضوان اللّه عليه في كتابه الموسوم بالافصاح: و يدلّ أيضا على ذلك ما تواترت به الأخبار من قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله حربك يا عليّ حربي و سلمك سلمي و قد ثبت انّه لم يرد بذلك الخبر عن كون حرب أمير المؤمنين عليه السّلام حربه على الحقيقة و انما اراد التشبيه في الحكم دون ما عداه و الا لكان الكلام لغوا ظاهر الفساد و إذا كان حكم حربه عليه السّلام كحكم حرب الرسول صلّى اللّه عليه و آله وجب اكفار محاربيه كما يجب بالاجماع اكفار محاربى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.
و روى ابن مسعود: عليّ عليه السّلام خير البشر من أبى فقد كفر، و عن أبى الزبير المكى كما فى منتهى المقال فى علم الرجال لمحمّد بن إسماعيل المدعو بأبى علىّ و غيره قال: رأيت جابرا يتوكأ على عصاه و هو يدور على سكك المدينة و مجالسهم و يقول علىّ خير البشر من ابى فقد كفر معاشر الانصار أدّبوا أولادكم على حبّ علىّ فمن أبى فلينظر فى شأن امّه.
و فى مناقب ابن المغازلى عن أبى ذر الغفارى رضوان اللّه عليه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 368
من ناصب عليّا على الخلافة بعدى فهو كافر و قد حارب اللّه و رسوله و من شكّ فى علىّ فهو كافر.
و فى خصائص وحى المبين فى مناقب أمير المؤمنين لمصنفه يحيى بن الحسن ابن البطريق نقلا من كتب العامّة باسناده عن قيس بن الربيع عن الاعمش عن عباية الربعى قال: بينا عبد اللّه بن عبّاس رضى اللّه عنه جالس على شفير زمزم يقول قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذ أقبل رجل معتمّ بعمامة فجعل ابن عباس رضى اللّه عنه لا يقول قال رسول اللّه إلّا و قال الرجل قال رسول اللّه فقال له ابن عبّاس سألتك باللّه من أنت قال فكشف العمامة عن وجهه و قال يا أيها الناس من عرفنى فقد عرفنى و من لم يعرفني فانا جندب بن جنادة البدرى أبو ذر الغفارى سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بهاتين و الا فصمتا و رأيته بهاتين و إلا فعميتا يقول: علىّ قائد البررة و قاتل الكفرة، الحديث.
و أيضا ان مودّته عليه السّلام مودة اللّه تعالى و رسوله و نطق بذلك قوله عزّ من قائل «ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا» ففى الخصائص نقلا من مسند ابن حنبل باسناده عن الاعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس رضى اللّه عنه قال لما نزل «ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا» قالوا يا رسول اللّه من قرابتك الذين وجب علينا مودّتهم؟ قال علىّ و فاطمة و ابناهما، و كذا فى غير واحد من الأخبار بهذا المعنى بالاسانيد الكثيرة، و لا شك أن حب اللّه و رسوله من ضروريات الدين، و كذا بغضه عليه السّلام و عداوته عداوة اللّه تعالى و رسوله فبغضه و حربه كفر كبغض اللّه و رسوله و حربهما سواء كان باجتهاد أم لا فان تحريم ذلك ضرورى و منصوص فلا يجوز الاجتهاد فيه.
و بذلك دريت و هن ما ذهب إليه شمس الدين محمود بن أبى القاسم أحمد الاصفهانى و الفاضل القوشجى فى شرحهما على تجريد المحقق الطوسي: من أنّ الحق محارب على عليه السّلام يكون مخطئا ظاهرا فيكون من الفئة الباغية ان كانت محاربته عن شبهة، و الأخبار الواردة المتواترة فيما ذهبنا إليه حتّى من العامة كثيرة غاية الكثرة و لولا خوف
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 369
الاطالة لذكرناها و في هذا القدر كفاية لمن لا يكون عميان القلب.
قال شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن بن عليّ الطوسي قدس سره في كتاب الباغي من الخلاف: الباغي من خرج على إمام عادل و قاتله و منع تسليم الحقّ إليه و هو اسم ذم و في أصحابنا من يقول انه كافر و وافقنا على انه اسم ذم جماعة من علماء المعتزلة بأسرهم و يسمّونهم فسّاقا و كذلك جماعة من أصحاب أبي حنيفة و الشافعي و قال أبو حنيفة: هم فسّاق على وجه التدين و قال أصحاب الشافعي: ليس باسم ذم عند الشافعي بل هو اسم من اجتهد فأخطأ بمنزلة من خالف من الفقهاء في بعض مسائل الاجتهاد.
ثمّ قال الشيخ رضوان اللّه عليه: دليلنا اجماع الفرقة و اخبارهم، و ايضا قوله صلّى اللّه عليه و آله اللهمّ و ال من والاه و عاد من عاداه و انصر من نصره و اخذل من خذله صريح بذلك لأن المعاداة من اللّه لا تكون الا للكفّار دون المؤمنين، و أيضا قوله صلّى اللّه عليه و آله حربك يا علىّ حربي و سلمك سلمي و حرب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كفر فيجب أن يكون حرب عليّ عليه السّلام مثل ذلك.
ثمّ قال: من سبّ الامام العادل وجب قتله و قال الشافعي يجب تعزيره و به قال جميع الفقهاء، دليلنا اجماع الفرقة و اخبارهم و أيضا قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله من سبّ عليّا فقد سبّنى و من سبّنى فقد سبّ اللّه و من سبّ اللّه و سبّ نبيّه فقد كفر و يجب قتله، انتهى.
و قد مضت عدة الاخبار فى ذلك من نصر بن مزاحم و غيره ان معاوية إذا قنت لعن عليّا و الحسن و الحسين و ابن عبّاس و مالكا و قيس بن سعد، و هذه المسألة مع انها من المسائل الكلامية تتعلّق باصول الدّين اتى بها الشيخ فى الخلاف و العلّامة فى كتاب الجهاد من المختلف لتفرّع كثير من المسائل الفقهيّة من ذلك الباب عليها على أن فيها تبكيتا للخصم و تحقيقا للحق.
فان قلت: يمكن أن يكون أصحاب الجمل و صفين جاهلين بمنزلة عليّ عليه السّلام و من و لم تبلغ إليهم تلك الأخبار و الّا لما حاربوه فلم يكونوا كافرين بل هما طائفتا
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 370
المؤمنين اقتتلوا و قال اللّه عزّ من قائل «وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ» .
قلت: من جانب التعصب و اللجاج و اللداد لا يشك ان هذا الايراد بمراحل من الانصاف كيف لا و الاخبار المتواترة في الباب و الاثار المنقولة من الأصحاب في عليّ عليه السّلام لا ينكرها الا ألدّ الخصام و العنود الطغام و لو سلّمنا ان بعضهم المستضعفين كانوا غافلين غير عالمين بذلك فلا ريب أن معاوية و شيطانه عمرو بن العاص و أشياعهما فممن لا شبهة فى عرفانهم بحقّ علىّ عليه السّلام فلا ريب فى كفرهم و من تأمل و نظر بعين العلم و الانصاف لا يرتاب انّ معاوية كان فى الختل و الروغان اروغ من الثعلب و لعب بالدين بالنكراء و الشيطنة و بلغ إلى الالحاد و الكفر و العناد إلى مبلغ لم يكن بينه و بين فرعون الا درجة و فى الحقيقة ما اسلم و لكن استسلم و أسرّ الكفر حتّى يجد اعوانا لأغراضه النفسانية.
و لنذكر فيه ما أورده أبو الفضل نصر بن مزاحم المنقرى الكوفي فى كتاب الصفين و ذلك الكتاب معروف بين الفرق و نصر فى نفسه ثقة ثبت صحيح النقل و كان من معاصرى الامام محمّد الباقر بن علىّ بن الحسين عليهما السّلام و أثنى عليه الفريقان و قال فيه الشارح المعتزلي فهو ثقة ثبت صحيح النقل غير منسوب إلى هوى و لا ادغال و هو من رجال اصحاب الحديث.
قال نصر: اخبرنى عبد العزيز بن سياه عن حبيب بن أبى ثابت قال لما كان قتال صفين قال رجل لعمار يا أبا اليقظان ألم يقل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قاتلوا الناس حتى يسلموا فاذا اسلموا عصموا منى دمائهم و أموالهم؟ قال: بلى و لكن و اللّه ما اسلموا و لكن استسلموا و أسرّوا الكفر حتّى وجدوا عليه اعوانا. و روى عن قطر بن خليفة عن منذر الثورى عن عمار بن ياسر مثله.
و روى عن الحكم بن ظهير عن إسماعيل عن الحسن و الحكم عن عاصم بن أبى النجود عن زر بن حبيش عن عبد اللّه بن مسعود قالا قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا رأيتم معاوية ابن أبى سفيان يخطب على منبرى فاضربوا عنقه قال الحسن فما فعلوا و لا افلحوا.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 371
و روى عن عمرو بن ثابت عن إسماعيل عن الحسن قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا رأيتم معاوية يخطب على منبرى فاقتلوه، قال فحدثنى بعضهم قال: قال أبو سعيد الخدرى فلم نفعل و لم نفلح.
و روى عن يحيى بن يعلى عن الأعمش عن خثيمة قال: قال عبد اللّه بن عمرو ان معاوية في تابوت في الدرك الاسفل من النار و لولا كلمة فرعون أنا ربكم الاعلى ما كان أحد اسفل من معاوية.
و روى عن يحيى بن سلمة بن كهيل عن أبيه عن سالم بن أبى الجعد عن أبى حرب بن أبى الاسود عن رجل من أهل الشام عن أبيه قال: إنى سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: شرّ خلق اللّه خمسة: إبليس، و ابن آدم الّذى قتل أخاه، و فرعون ذو الاوتاد و رجل من بنى إسرائيل ردّهم عن دينهم، و رجل من هذه الامة يبايع على كفره عند باب لدّ قال الرجل انّى لما رأيت معاوية بايع عند باب لدّ ذكرت قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فلحقت بعلىّ عليه السّلام فكنت معه.
و روى عن جعفر الاحمر عن ليث عن مجاهد عن عبد اللّه بن عمر قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يموت معاوية على غير الاسلام.
و روى عن جعفر الاحمر عن ليث عن محارب بن زياد عن جابر بن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: يموت معاوية على غير ملّتى.
و روى عن عبد الغفار بن القاسم عن عدى بن ثابت عن البراء بن عاذب قال:
اقبل أبو سفيان و معه معاوية فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اللهم العن التابع و المتبوع اللّهم عليك بالاقيعس فقال ابن البراء لابيه من الاقيعس؟ قال معاوية.
بيان الاقيعس مصغر أقعس و هو نعت من القعس بالتحريك بمعنى خروج الصدر و دخول الظهر و هو ضدّ الحدب و كان معاوية اقعس و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قاله اقيعس تخفيفا و تحقيرا له.
و قال نصر: حدثنى يحيى بن يعلى بن عبد الجبار بن عبّاس عن عمّار الدهنى
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 372
عن أبي المثنى عن عبد اللّه بن عمر قال ما بين تابوت معاوية و تابوت فرعون الا درجة و ما انخفضت تلك الدرجة الا انه قال انا ربكم الأعلى.
نصر أبو عبد الرحمن المسعودى حدثنى يونس بن الأرقم بن عوف عن شيخ من بكر بن وائل قال: كنّا مع عليّ عليه السّلام بصفين فرفع عمرو بن العاص شقة خميصة سوداء فى رأس رمح فقال علىّ عليه السّلام هل تدرون ما امر هذا اللواء ان عدو اللّه عمرو ابن العاص اخرج له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله هذه الشقة فقال من يأخذها بما فيها؟ عمرو و ما فيها يا رسول اللّه؟ قال: فيها ان لا تقاتل به مسلما و لا تقربه من كافر فاخذها فقد و اللّه قرّبه من المشركين و قاتل به اليوم المسلمين و الّذى فلق الحبّة و برأ النسمة ما أسلموا و لكن استسلموا و اسرّوا الكفر فلمّا وجدوا أعوانا رجعوا إلى عداوتهم منّا إلّا أنّهم لم يدعوا الصلاة.
نصر عن أبي عبد الرحمن قال حدثنى العلاء بن يزيد القرشي عن جعفر بن محمّد قال دخل زيد بن ارقم على معاوية فاذا عمرو بن العاص جالس معه على السرير فلما رأى ذلك زيد جاء حتّى رمى بنفسه بينهما فقال له عمرو بن العاص اما وجدت لك مجلسا الا ان تقطع بينى و بين أمير المؤمنين؟ فقال زيد ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله غزا غزوة و أنتما معه فرآكما مجتمعين فنظر اليكما نظرا شديدا ثمّ رآكما اليوم الثاني و اليوم الثالث كلّ ذلك يديم النظر اليكما فقال فى اليوم الثالث إذا رأيتم معاوية و عمرو بن العاص مجتمعين ففرقوا بينهما فانهما لن يجتمعا على خير.
نصر عن محمّد بن فضيل عن يزيد بن أبى زياد عن سليمان بن عمرو بن الاحرص الازدى قال اخبرني أبو هلال انه سمع أبا برزة الاسلمى انهم كانوا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فسمعوا غناء فتشرّ فواله فقام رجل فاستمع له و ذاك قبل أن يحرم الخمر فأتاهم ثم رجع فقال هذا معاوية و عمرو بن العاص يجيب احدهما الاخر و هو يقول:
يزال حوارىّ تلوح عظامه زوى الحرب عنه ان يحسّ فيقبرا
فرفع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يديه فقال اللهم اركسهم فى الفتنة ركسا اللهمّ دعّهم إلى النار دعّا.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 373
بيان قوله يزال حوارى أصله لا يزال حوارى حذف عنه لا كما حذف فى قوله تعالى «تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ...» اى لا تفتؤ و الحوارىّ القريب و الحميم و يقال لأنصار الأنبياء الحواريون قال اللّه تعالى «فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى...» و زوى الحرب عنه اى ستره موجبات الحرب و منعه عن ان يحس و يقبر فكان عظامه بمرأى من الناس تلوح.
نصر عن محمّد بن فضيل عن أبى حمزة الثمالى عن سالم بن أبى الجعد عن عبد اللّه ابن عمر قال ان تابوت معاوية فى النار فوق تابوت فرعون و ذلك بان فرعون قال انا ربكم الأعلى.
نصر شريك عن ليث عن طاوس عن عبد اللّه بن عمر قال أتيت النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فسمعته يقول يطلع عليكم من هذا الفج رجل يموت حين يموت و هو على غير سنتى فشق علىّ ذلك و تركت أبى يلبس ثيابه و يجيء فطلع معاوية.
نصر عن بليد بن سليمان حدثنى الاعمش عن علىّ بن الاقمر قال وفدنا على معاوية و قضينا حوائجنا ثمّ قلنا لو مررنا برجل قد شهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و عاينه فأتينا عبد اللّه بن عمر فقلنا يا صاحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حدّثنا ما شهدت و رأيت قال ان هذا ارسل إلىّ يعني معاوية فقال لئن بلغني انك تحدث لأضربن عنقك فجثوت على ركبتي بين يديه ثمّ قلت وددت أن احدّ سيف في جسدك على عنقي فقال و اللّه ما كنت لاقاتلك و لا اقتلك و ايم اللّه ما يمنعني ان احدثكم ما سمعت من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال فيه رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ارسل إليه يدعوه و كان يكتب بين يديه فجاء الرسول فقال هو يأكل فاعاد عليه الرسول الثانية فقال هو يأكل فاعاد عليه الرسول الثالثة فقال هو يأكل فقال: لا اشبع اللّه بطنه فهل ترونه يشبع؟ قال و خرج من فج فنظر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى أبى سفيان و هو راكب و معاوية و أخوه احدهما قائد و الاخر سائق فلما نظر إليهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال اللهم العن القائد و السائق و الراكب قلنا أنت سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله؟ قال نعم و الا فصمّتا اذ ناى كما عميتا عيناى.
نصر عن عبد العزيز بن الخطاب عن صالح بن أبى الاسود عن اسماعيل
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 374
عن الحسن قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا رأيتم معاوية على منبرى يخطب فاقتلوه.
ثمّ قال الشيخ المفيد قدس سره فى كتابه الموسوم بالافصاح فى إمامة علىّ ابن أبي طالب عليه السّلام: و ممّا يدلّ على كفر محاربى أمير المؤمنين عليه السّلام علمنا باظهارهم التدين بحربه و الاستحلال لدمه و دماء المؤمنين من ولده و عترته و أصحابه و قد ثبت أن استحلال دماء المؤمنين اعظم عند اللّه من استحلال جرعة خمر لتعاظم المستحق عليه من العقاب بالاتفاق و إذا كانت الامة مجمعة على اكفار مستحل الخمر و ان شهد الشهادتين و أقام الصلاة و آتى الزكاة فوجب القطع على كفر مستحلّى دماء المؤمنين لانه أكبر من ذلك و اعظم في العصيان بما ذكرناه و إذا ثبت ذلك صح الحكم با كفار محاربي أمير المؤمنين عليه السّلام على ما وصفناه.
«دليل آخر»:
ثمّ قال رضوان اللّه عليه: و يدلّ أيضا على ذلك ما اجتمع عليه نقلة الاثار من قول الرّسول صلّى اللّه عليه و آله من آذى عليّا فقد آذاني و من آذاني فقد آذى اللّه تعالى و لا خلاف بين أهل الاسلام ان المؤذى للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بالحرب و السب و القصد له بالاذى و التعمد لذلك كافر خارج عن ملّة الاسلام فاذا ثبت ذلك وجب الحكم با كفار محاربي أمير المؤمنين عليه السّلام بما أوجبه النّبي صلّى اللّه عليه و آله من ذلك بما بيّناه.
«دليل آخر»:
و قال رحمه اللّه: و يدلّ أيضا على ذلك ما انتشرت به الأخبار و تلقاه العلماء بالقبول عن رواة الاثار من قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لأمير المؤمنين عليه السّلام اللهم وال من والاه و عاد من عاداه، و قد ثبت أن من عادى اللّه تعالى و عصاه على وجه المعاداة فهو كافر خارج عن الايمان فاذا ثبت أن اللّه تعالى لا يعادى اولياءه و انما يعادى اعداءه و صحّ أنه معاد لمحاربي أمير المؤمنين عليه السّلام لعداوتهم له بما ذكرناه من حصول العلم بتديّنهم بحربه بما ثبت به عداوة محاربي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و يزول معه الارتياب وجب
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 375
اكفارهم على ما قدمناه انتهى ما أردنا نقله منه رحمه اللّه.
«اشكال و حل»:
فان قلت: إذا كان محاربوا عليّ عليه السّلام كفرة فلم لم يجر عليهم أحكام الكفر لمّا غلب عليهم من نهب أموالهم و سبى نسائهم و غير ذلك؟
قلت: كما ان للايمان مراتب و درجات كذلك للكفر، و النهب و السبى و أمثالهما من الاحكام يختص بمحاربى المشركين دون غيرهم من الكفار كما نرى من غزوات رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله المشركين.
قال الشيخ الطوسى (ره) في كتاب الباغي من الخلاف: إذا وقع اسير من أهل البغي في المقاتلة كان للامام حبسه و لم يكن قتله و به قال الشافعي و قال أبو حنيفة: له قتله.
ثمّ قال: دليلنا اجماع الفرقة و أيضا روى عبد اللّه بن مسعود قال: قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يا ابن امّ عبد ما حكم من بغى من امتي؟ قال قلت: اللّه و رسوله أعلم فقال صلّى اللّه عليه و آله لا يتبع و لا يحاز (و لا يجهز- خ ل) على جريحهم و لا يقتل اسيرهم و لا يقسم فيئهم و هذا نص و روى ان رجلا اسيرا جيء به إلى عليّ عليه الصلاة و السلام يوم صفين فقال لا اقتلك صبرا إنى أخاف اللّه ربّ العالمين.
و قال العلامة قدس سرّه في كتاب الجهاد من المختلف: المشهور بين علمائنا تحريم سبى نساء البغاة و قال اختلف علماؤنا في قسمة ما حواه العسكر من أموال البغاة فذهب السيد المرتضى في المسائل الناصرية إلى أنها لا تقسم و لا تغنم قال و مرجع النّاس في ذلك كلّه إلى ما قضى به أمير المؤمنين عليه السّلام في محاربي أهل البصرة فانه منع من غنيمة أموالهم و قسمتها كما تقسم أموال الحرب و لا أعلم خلافا من الفقهاء في ذلك و لما رجع أمير المؤمنين عليه السّلام في ذلك قال أيكم تأخذ عائشة في سهمه و لا امتناع في مخالفة حكم قتال أهل البغى لقتال أهل الحرب كما خالفه في أنه لا يتبع موليهم و ان كان اتباع المولى من باقي المحاربين جائر و انما اختلف
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 376
الفقهاء في الانتفاع بدوابّ أهل البغى و سلاحهم في دار الحرب- إلى أن قال:- و روى أنّ عليّا عليه السّلام لما هزم النّاس يوم الجمل قالوا له يا أمير المؤمنين ألا تأخذ أموالهم؟ قال: لا لانهم تحرموا بحرمة الاسلام فلا يحل أموالهم في دار الهجرة.
و بالجملة للبغاة الخارجين على الامام العادل أحكام تخص بهم و ان كانوا كافرين و للمشركين المحاربين أحكام تخص بهم و عنون الشيخ المفيد قدس سرّه في ذلك فصلا في كتابه الموسوم بالافصاح، و كذا الشيخ الطوسي في تلخيص الشافي و لا بأس بنقل كلام المفيد لانه رحمه اللّه أوجز و افاد قال:
فان قالوا: فاذا كان محاربوا أمير المؤمنين عليه السّلام كفارا عندكم بحربه مرتكبى العناد في خلافه فما باله عليه السّلام لم يسر فيهم بسيرة الكفار فيجهز على جرحهم و يتبع مدبرهم و يغنم جميع أموالهم و يسبى نسائهم و ذراريهم و ما انكرتم ان يكون عدوله عن ذلك يمنع من صحة القول عليهم بالاكفار؟
قيل لهم: ان الذى وصفتموه في حكم الكفار انما هو شيء يختص بمحاربي المشركين لم يوجد في حكم الاجماع و السنة فيمن سواهم في سائر الكفار فلا يجب ان يتعدى منهم إلى غيرهم بالقياس الا ترون ان أحكام الكافرين تختلف فمنهم من يجب قتله على كلّ حال، و منهم من يجب قتله بعد الامهال، و منهم من تؤخذ منه الجزية و يحقن دمه بها و لا يستباح، و منهم من لا يحلّ دمه و لا يؤخذ منه الجزية على حال، و منهم من يحل نكاحه، و منهم من يحرم بالاجماع فكيف يجب اتفاق الاحكام من الكافرين على ما اوجبتموه فيمن سميناه إذا كانوا كفارا و هى على ما بيناه في دين الاسلام من الاختلاف. ثمّ قال رحمه اللّه:
ثمّ يقال لهم: خبرونا هل تجدون في السنّة أو الكتاب او الاجماع في طائفة من الفساق بقتل المقلين منهم و ترك المدبرين و حظر الاجهاز على جرحى المقاتلين و غنيمة ما حوى عسكرهم دون ما سواه من امتعتهم و أموالهم أجمعين، فان ادعوا معرفة ذلك و وجوده طولبوا بتعيينه فيمن عدا البغاة من محاربي أمير المؤمنين عليه السّلام فانهم يعجزون عن ذلك و لا يستطيعون إلى اثباته سبيلا، و ان قالوا ان ذلك و ان كان غير
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 377
موجود في طائفة من الفاسقين فحكم أمير المؤمنين عليه السّلام به في البغاة دليل على أنه في السنة أو الكتاب و ان لم يعرف وجه التعيين قيل لهم ما انكرتم أن يكون حكم أمير المؤمنين عليه السّلام في البغاة ممن سميتموه دليلا بعد دليل انّه حكم اللّه في طائفة من الكافرين موجود في السنة و الكتاب و ان لم يعرف الجمهور الوجه في ذلك على التعيين فلا يجب ان يخرج القوم من الكفر لتخصيصهم من الحكم بخلاف ما حكم اللّه تعالى فيمن سواهم من الفاسقين و هذا ما لا فصل فيه. انتهى.
«اعتراض ورد»:
اتى بهذا الاعتراض و ردّه الشيخ المفيد في الافصاح أيضا فقال:
فان قالوا كيف يصح لكم اكفار أهل البصرة و الشام و قد سئل أمير المؤمنين عليه السّلام عنهم فقال: اخواننا بغوا علينا، لم ينف عنهم الايمان و لا حكم عليهم بالشرك و الاكفار؟.
قيل لهم هذا خبر شاذ لم يأت به التواتر من الاخبار و لا اجمع على صحته رواة الاثار و قد قابله ما هو أشهر منه عن أمير المؤمنين عليه السّلام و أكثر نقلة و أوضح طريقا من الاسناد و هو أن رجلا سأل أمير المؤمنين عليه السّلام بالبصرة و النّاس مصطفّون للحرب فقال له: على م نقاتل هؤلاء القوم يا أمير المؤمنين و نستحل دمائهم و هم يشهدون شهادتنا و يصلون إلى قبلتنا؟
فتلى عليه السّلام هذه الاية رافعا بها صوته «وَ إِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَ طَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ».
فقال الرّجل حين سمع ذلك: كفار و ربّ الكعبة و كسر جفن سيفه و لم يزل يقاتل حتّى قتل، و تظاهر الخبر عنه عليه السّلام انه قال يوم البصرة: و اللّه ما قوتل أهل هذه الاية حتى اليوم «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ لا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ» و جاء مثل ذلك عن عمّار و حذيفة رحمه اللّه عليهما- إلى أن قال:-
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 378
على أنا لو سلمنا لهم الحديث في وصفهم بالاخوّة له عليه السّلام لما منع من كفرهم كما لم يمنع من بغيهم و لم يضادّ ضلالهم باتفاق مخالفينا و لا فسقهم عن الدّين و استحقاقهم اللعنة و الاستخفاف و الاهانة و سلب اسم الايمان عنهم و الاسلام و القطع عليهم بالخلود في الجحيم قال اللّه تعالى «وَ إِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً» فأضافه إليهم بالاخوة و هو نبى اللّه و هم كفار باللّه عزّ و جلّ و قال اللّه تعالى «وَ إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً» و قال «وَ إِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً» و لم يناف ذلك كفرهم و لا يضاد ضلالهم و شركهم فأحرى أن لا يضاد تسمية أمير المؤمنين عليه السّلام محاربيه بالاخوة مع كفرهم بحربه و ضلالهم عن الدين بخلافه و هذا بين لا اشكال فيه، انتهى.
«اعتراض آخر ورده»:
ان قلت: قد مضى قوله عليه السّلام في الخطبة الثالثة و الثلاثين عند خروجه لقتال أهل البصرة: مالى و لقريش و اللّه لقد قاتلتهم كافرين و لا قاتلنّهم مفتونين و اني لصاحبهم بالأمس كما أنا صاحبهم اليوم.
حيث إن قوله عليه السّلام لاقاتلنّهم مفتونين يدلّ على عدم كفرهم فى تلك الحال كما استفاد منه الشارح المعتزلي و قال: لان الباغي على الامام مفتون فاسق ثمّ قال و هذا الكلام يؤكّد قول أصحابنا أن أصحاب صفين و الجمل ليسوا بكفّار خلافا للاماميّة فانهم يزعمون انهم كفار.
قلت: ردّ هذا الاعتراض في بهجة الحدائق بان المفتون من أصابته الفتنة و هى تطلق على الامتحان و الضلال و الكفر و الاثم و الفضيحة و العذاب و غير ذلك و المراد بالمفتون ما يقابل الكافر الاصلى الذى لم يدخل فى الاسلام اصلا و لم يظهره اذ لا شك في أن من حاربه عليه السّلام كافر لقوله صلّى اللّه عليه و آله حربك حربي و غير ذلك من الاخبار و الادلة.
ان قلت: لو انهم كانوا كافرين فكيف خالطهم الأئمة عليهم السّلام و المؤمنون و لم يجتنبوا من ذبائحهم و اسارهم و يعاملون معهم معاملة المسلم فى سائر الامور على
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 379
انه لزم الحكم بعدم قبول توبتهم و بقسمة أموالهم و باعتداد زوجاتهم عدة الوفاة و غير ذلك من الاحكام؟
قلت بعد ما دريت ان فرق الكفّار مختلفة فاحكم بذلك ان أحكام الكفر أيضا مختلفة فحكم أهل الكتاب خلاف حكم من لا كتاب له من عبدة الاصنام و ان كان الفريقان كافرين مثلا ان أهل الكتاب يؤخذ منهم الجزية و يقرّون على أديانهم و لا يفعل ذلك بعبدة الأصنام و كذا حكم الحربي خلاف حكم الذمّى و كذا حكم المرتد خلاف حكم الجميع مع اتفاقهم في الكفر و لذا افتى الشيخ في الخلاف ان الباغي إذا قتل غسل و صلّى عليه.
و ذهب غير واحد من علمائنا بان البغاة محكوم بكفرهم باطنا إلا انه يعامل معهم في هذا الزمان المسمّى بزمان الهدنة معاملة المسلم الحقيقي حتّى يظهر الدولة الحقة عجّل اللّه تعالى ظهورها فيجرى عليهم حينئذ حكم الكفار الحربيين.
و يشهد بما ذكر عدة روايات منها كما في الوسائل باسناده عن أبي بكر الحضرمي قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول لسيرة علىّ فى أهل البصرة كانت خيرا لشيعته ممّا طلعت عليه الشمس إنّه علم ان للقوم دولة فلو سباهم لسبيت شيعته قلت فاخبرنى عن القائم يسير بسيرته؟ قال: لا إن عليّا عليه السّلام سار فيهم بالمن لما علم من دولتهم و إن القائم يسير فيهم بخلاف تلك السيرة لانّه لا دولة لهم.
و المروى عن الدعائم عن عليّ عليه السّلام انّه سئل عن الذين قاتلهم من أهل القبلة أ كافرون هم؟ قال عليه السّلام كفروا بالاحكام و كفروا بالنعم ليس كفر المشركين الّذين دفعوا النبوّة و لم يقرّوا بالاسلام و لو كانوا كذلك ما حلت لنا مناكحهم و لا ذبائحهم و لا مواريثهم و غيرهما من الأخبار الواردة في الباب مما يطول ذكرها.
«ترجمة الحكمين و بعض آخر»:
قد حضر في صفين رجال مجاهدون فى اللّه حق جهاده منهم أبو اليقظان عمّار بن ياسر رضوان اللّه عليه قتله الفئة الباغية، و قد مضى نبذة من الكلام في ترجمته «1» بما يليق و يسع المقام.
______________________________
(1)- ص 273- 299.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 380
و منهم عضد اسد اللّه مالك الأشتر رضى اللّه عنه و قد مضى بعض الاقوال في جلالة شأنه و نبالة قدره حسب ما يقتضى المقام و سيأتى ترجمته تفصيلا في باب المختار من كتبه و رسائله عليه السّلام ان شاء اللّه تعالى، و منهم هاشم بن عتبة بن أبي وقاص المرقال و ابنه رضوان اللّه عليهما و قد علم جلالة شأنهما و ثبات أمرهما و عزمهما في نصرة الدين و الحماية عن الحق المبين بما ذكرنا من الاثار و الأخبار في شهادتهما رضى اللّه عنهما «1» و كذا غيرهم من حماة الحق و اعوان الدين الذين قالوا ربنا اللّه ثمّ استقاموا و لزموا الصراط المستقيم و النهج القويم على حقيقة البصيرة، و لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل اللّه أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون، فرحين بما آتيهم اللّه من فضله و يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألّا خوف عليهم و لا هم يحزنون، يستبشرون بنعمة من اللّه و فضل و ان اللّه لا يضيع أجر المؤمنين.
و أبو وقاص جدّ هاشم المرقال اسمه مالك بن اهيب بن عبد مناف بن زهرة ابن كلاب، و عمّ هاشم سعد بن أبي وقاص احد العشرة و أبوه عتبة بن أبي وقاص هو الذى كسر رباعيّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوم احد و كلم شفتيه و شج وجهه فجعل يمسح الدم عن وجهه و يقول كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيّهم بالدّم و هو يدعوهم إلى ربهم فانزل اللّه عزّ و جلّ «لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ» و قال حسان بن ثابت فى ذلك اليوم:
إذا اللّه حيّا معشرا بفعالهم و نصرهم الرّحمن رب المشارق
فهدّك ربى يا عتيب بن مالك و لقاك قبل الموت احدى الصواعق
بسطت يمينا للنّبىّ محمّد فدميت فاه قطعت بالبوارق
فهلّا ذكرت اللّه و المنزل الذي تصير إليه عند احدى الصفائق
فمن عاذرى من عبد عذرة بعد ما هوى فى دجوجى شديد المضائق
و اورث عارا فى الحياة لأهله و فى النار يوم البعث ام البوائق
و انما قال عبد عذرة لأنّ عتبة بن أبي وقاص و اخوته و اقاربه فى نسبهم كلام ذكر
______________________________
(1)- ص 299- 305.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 381
قوم من أهل النسب انهم من عذرة و انهم ادعياء في قريش و لهم خبر معروف و قصة مذكورة في كتب النسب، و تنازع عبد اللّه بن مسعود و سعد بن أبي وقاص في أيّام عثمان في أمر فاختصما فقال سعد لعبد اللّه: اسكت يا عبد هذيل فقال له عبد اللّه: اسكت يا عبد عذرة، هذا ما نقلنا من الفاضل الشارح المعتزلي.
و في الاستيعاب أن هاشم المرقال كان من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نزل الكوفة و كان من الفضلاء الخيار و كان من الأبطال و فقئت عينه يوم اليرموك و كان خيرا فاضلا شهد مع عليّ عليه السّلام الجمل و شهد صفين و أبلا بلاء حسنا و بيده كانت راية عليّ عليه السّلام على الرجالة يوم صفين و يومئذ قتل.
و كفى في فضل هاشم رضوان اللّه عليه ما قال فيه يعسوب الدين أمير المؤمنين عليه السّلام في الخطبة السادسة و الستين: و قد اردت تولية مصر هاشم بن عتبة و لو وليّته إياها لما خلّى لهم العرصة و لا انهزهم الفرصة.
و ممن شهد بصفين من حوارىّ أمير المؤمنين عليه السّلام و استشهد بها و قتله الفئة الباغية اويس القرنى رضوان اللّه عليه.
و المروى عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله انه كان يقول تفوح روائح الجنّة من قبل قرن و ا شوقاه اليك يا اويس القرنى ألا و من لقيه فليقرأه منّى السّلام فقيل يا رسول اللّه و من اويس القرنى؟ قال: ان غاب عنكم لم تفتقدوه، و ان ظهر لكم لم تكترثوا به يدخل الجنة فى شفاعته مثل ربيعة و مضر يؤمن بى و لا يراني و يقتل بين يدي خليفتى أمير المؤمنين علىّ بن أبي طالب فى صفين، و الروايات من الخاصة و العامة فى مدحه أكثر من أن يذكر.
و من استشهد بصفين من أصحاب أمير المؤمنين عليه السّلام: عبد اللّه بن بديل بن ورقاء و خزيمة بن ثابت و جندب بن زهير و ابن التيهان و غير ذلك رضوان اللّه عليهم أجمعين و قال المسعودى فى مروج الذهب: و قتل بصفين من الصحابة ممّن كان مع علىّ عليه السّلام خمسة و عشرون رجلا.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 382
و ممّن شهد مع عليّ صفين شبث بن ربعي كما مرّ قبل و هذا الرّجل كان مضطرب الحال مشوش البال غير ثابت على طريق منافقا متلونا سفّاكا متجرّيا تابع كلّ ناعق و مثير كلّ فتنة عاش طويلا حتّى بلغ إلى أرذل العمر و حضر كربلاء مع عمر بن سعد فقاتل الحسين بن عليّ عليهما السّلام نستعيذ باللّه من سوء الخاتمة، و مسجد شبث احد المساجد الأربعة التي جدّدت فرحا لقتل الحسين عليه السّلام و تخلف هو و عمرو ابن حريث و الاشعث و جرير بن عبد اللّه عن أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام في مسيره إلى النهروان و اخبر عليه السّلام بانهم يريدون تثبيط النّاس عنه و بيعتهم للضب و قال عليه السّلام:
أما و اللّه يا شبث و يا ابن حريث لتقاتلان ابني الحسين عليه السّلام كما في البحار للمجلسي رحمه اللّه تعالى.
قال أبو زهير العبسى فانا سمعت شبث في أمارة مصعب يقول لا يعطى اللّه أهل هذا المصر خيرا أبدا و لا يسدّدهم لرشد ألا تعجبون أنا قاتلنا مع عليّ بن أبي طالب عليه السّلام و مع ابنه من بعده آل أبي سفيان حمس سنين ثمّ عدونا على ابنه و هو خير أهل الأرض نقاتله مع آل معاوية و ابن سميّة الزانية ضلال يا لك من ضلال.
و قال ابن حجر في التقريب: شبث بفتح أوّله و الموحّدة ثمّ مثلثة ابن ربعي التميمي اليربوعي أبو عبد القدوس الكوفي مخضرم كان مؤذن سجاح ثمّ اسلم ثمّ كان ممن اعان على عثمان ثمّ صحب عليا ثمّ صار من الخوارج عليه ثمّ تاب فحضر قتل الحسين عليه السّلام ثمّ كان ممن طلب بدم الحسين عليه السّلام مع المختار ثمّ ولى شرطة الكوفة ثمّ حضر قتل المختار و مات بالكوفة فى حدود الثمانين انتهى.
بيان مخضرم بضم الميم و فتح الراء من ادرك الجاهلية و الاسلام و سجاح بفتح أوّلها كسحاب اسم امرأة ادعت النبوّة و تنبّى المسيلمة الكذاب أيضا في زمانها.
قال أبو جعفر الطبري في ذكر احداث السنة الحادية عشرة من الهجرة من تاريخه: و كانت سجاح بنت الحارث بن سويد بن عقفان هي و بنو أبيها عقفان في بنى تغلب فتنبّت بعد موت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالجزيرة في بنى تغلب فاستجاب لها الهذيل- إلى أن قال-: ان مسيلمة الكذاب لمّا نزلت به سجاح أغلق الحصن دونها فقالت لها
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 383
سجاح انزل قال: فنحّى عنك أصحابك ففعلت فقال مسيلمة: اضربوا لها قبّة و جمّروها لعلّها تذكر الباه ففعلوا فلما دخلت القبة نزل مسيلمة فقال ليقف ههنا عشرة و ههنا عشرة ثمّ دارسها فقال ما أوحى إليك؟ و قالت هل تكون النّساء يبتدئن و لكن أنت ما أوحى إليك؟ قال: ألم تر إلى ربك كيف فعل بالحبلى اخرج منها نسمة تسعى من بين صفاق وحشى.
قالت: و ما ذا أيضا؟ قال أوحى إلىّ أن اللّه خلق النساء أفراجا و جعل الرجال لهن أزواجا فنولج فيهن قعسا ايلاجا ثم نخرجها إذا نشاء إخراجا فينتجن لنا سخالا انتاجا، قالت: أشهد انك نبى، قال: هل لك أن أتزوجك فاكل بقومي و قومك العرب؟
قالت: نعم. قال:
ألا قومى إلى النّيك فقد هيّى لك المضجع
و إن شئت ففي البيت و إن شئت ففي المخدع
و إن شئت سلقناك و إن شئت على أربع
و إن شئت بثلثيه و إن شئت به أجمع
قالت: بل به أجمع، قال: بذلك أوحى إلىّ، فاقامت عنده ثلاثا ثمّ انصرفت إلى قومها فقالوا ما عندك؟ قالت كان على الحق فاتبعته فتزوجته، قالوا فهل أصدقك شيئا؟ قالت لا، قالوا ارجعى إليه فقبيح بمثلك أن ترجع بغير صداق (أن تزوج بغير صداق- ظ) فرجعت فلما رآها مسيلمة أغلق الحصن و قال مالك؟ قالت أصدقنى صداقا، قال من مؤذنك؟ قالت شبث بن ربعى الريّاحى، قال علىّ به فجاء فقال ناد فى أصحابك أن مسيلمة بن حبيب رسول اللّه قد وضع عنكم صلاتين ممّا أتاكم محمّد صلاة العشاء الاخرة و صلاة الفجر، فانصرفت و معها أصحابها فيهم الزبرقان و عطارة بن حاجب و عمرو بن الأهتم و غيلان بن خرشة و شبث بن ربعى فقال عطارد بن حاجب:
أمست نبيّتنا انثى نطيف بها و أصبحت انبياء النّاس ذكرانا
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 384
ثمّ إن ولد شبث عبد القدوس المعروف بأبى الهندى الشاعر كان زنديقا سكّيرا و كذا سبطاه صالح بن عبد القدوس و غالب بن عبد القدوس فالصالح كان زنديقا طالحا قتله المهدى على الزندقة و صلبه على جسر بغداد، و غالب كان غالب أمره فى شرب الخمر و ادمانه و عاقبة أمره انه سقط عن السطح فى حال سكره فوجد ميّتا و حكى انّه كان مكتوبا على قبره.
اجعلوا ان مت يوما كفنى ورق الكرم و قبرى معصره
اننى ارجو من اللّه غدا بعد شرب الراح حسن المغفرة
كان الفتيان يجيئون إلى قبره فيشربون و يصبّون القدح على قبره.
و نظير البيتين المذكورين ما قاله أبو محجن فى أيام جاهليته كما فى الجزء الثالث من تاريخ أبى جعفر الطبرى من وقايع السنة الرابعة عشرة:
إذا مت فادفنّي إلى أصل كرمة تروّى عظامى بعد موتى عروقها
و لا تدفنّني بالفلاة فانّني اخاف إذا ما متّ أن لا أذوقها
و تروى بخمر الحصّ لحدى فانني أسير لها من بعد ما قد أسوقها
ثمّ انّ أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام كان يرسله إلى امور خطيرة لجرأته كما نقلنا من قبل ان عليّا عليه السّلام بعثه مع بشر بن عمرو و سعيد بن قيس إلى معاوية ليدعوه إلى الطاعة و الجماعة و اتباع أمر اللّه فلما وردوا على معاوية و ذهب سعيد بن قيس ليتكلم بدره شبث بن ربعى و قال لمعاوية انه لا يخفى علينا ما تطلب انك لا تجد شيئا تستغوى به الناس و تستميل به أهواءهم إلا أن قتل لهم قتل إمامكم مظلوما فهلمّوا نطلب بدمه فاستجاب لك سفلة طغام رذال و قد علمنا أنك أبطأت عنه بالنصر و اجبت له القتل لهذه المنزلة التي تطلب.
و أما ترجمة أبي موسى الأشعرى فنحن نذكر نقلا عن الشارح المعتزلي من كتاب الاستيعاب لابن عبد البر المحدّث و غيره ثمّ نتبع ذلك بما نقلناه من غيره.
قال ابن عبد البر: هو عبد اللّه بن قيس بن سليم بن حصار بن حرب بن عامر بن
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 385
عمر بن بكر بن عامر بن عذر بن وابل بن ناجية بن الجاهر بن الأشعر، و اختلف في انه هل هو من مهاجرة الحبشة ام لا و الصحيح انّه ليس منهم و لكنه اسلم ثم رجع إلى بلاد قومه فلم يزل بها حتّى قدم هو و ناس من الأشعريين على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فوافق قدومهم قدوم أهل السفينتين جعفر بن أبي طالب و أصحابه من أرض حبشة فوافوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بخيبر فظن قوم أن أبا موسى قدم من الحبشة مع جعفر و قيل انّه لم يهاجر إلى الحبشة و انما أقبل في سفينة مع قوم من الأشعريين فرمت الريح سفينتهم إلى ارض الحبشة و خرجوا منها مع جعفر و اصحابه فكان قدومهم معا فظن قوم انه كان من مهاجرة الحبشة.
قال: و ولّاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من محاليف اليمن زبيد و ولّاه عمر البصرة لما عزل المغيرة عنها فلم يزل عليها إلى صدر من خلافة عثمان فعزله عثمان عنها و ولّاها عبد اللّه بن عمار بن كريز فنزل ابا موسى الكوفة حينئذ و سكنها فلما كره سعيد بن العاص و دفعوه عنها و لوا ابا موسى و كتبوا إلى عثمان يسألونه ان يوليه فأقره على الكوفة فلما قتل عثمان عزله علىّ عليه السّلام عنها فلم يزل واجدا لذلك على عليّ عليه السّلام حتّى جاء منه ما قال حذيفة فيه.
قال الشّارح المعتزلي: و الكلام الذي قال فيه و قد ذكر عنده بالدين اما أنتم فتقولون ذلك و اما انا فاشهد انه عدوّ للّه و لرسوله و حرب لهما في الحياة الدنيا و يوم يقوم الأشهاد يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم و لهم اللّعنة و لهم سوء الدار و كان حذيفة عارفا بالمنافقين اسرّ إليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله امرهم و أعلمهم أسماءهم.
و روى ان عمارا سئل عن ابي موسى فقال لقد سمعت فيه من حذيفة قولا عظيما سمعته يقول: صاحب البرنس الاسود ثمّ كلح كلوحا علمت منه انّه كان ليلة العقبة بين ذلك الرّهط.
و روى عن سويد بن غفلة قال: كنت مع ابى موسى على شاطى الفرات في خلافة عثمان فروى لي خبرا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال سمعته يقول: إن بني إسرائيل اختلفوا فلم يزل الاختلاف بينهم حتّى بعثوا حكمين ضالّين ضلّا و أضلّا من اتّبعهما
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 386
و لا ينفكّ أمر امّتي حتّى يبعثوا حكمين يضلّان و يضلّان من تبعهما، فقلت له:
احذر يا أبا موسى أن تكون أحدهما قال: فخلع قميصه و قال: أبرء إلى اللّه من ذلك كما أبرء من قميصي هذا.
و كان عليّ عليه السّلام يقنت عليه و على غيره فيقول اللهم العن معاوية اوّلا و عمرا ثانيا و أبا الاعور السلمى ثالثا و ابا موسى الأشعري رابعا.
و قال نصر في كتاب صفين: قال عليّ عليه السّلام ان عبد اللّه بن قيس رجل قد حلبت أشطره فوجدته قريب القعر كليل المدية. و نقل أيضا أبياتا عن بعض بعضها.
لو كان للقوم رأى يعظمون به بعد الخطار رموكم بابن عبّاس
للّه درّ أبيه أيما رجل ما مثله لفصال الخطب في النّاس
لكن رموكم بشيخ من ذوى يمن لم يدر ما ضرب أخماس لأسداس
ان يخل عمرو به يقذفه في لجج يهوى به النجم تيسا بين أتياس
و في السياسة و الامامة للدينورى: ذكروا أن معاوية كتب إلى أبي موسى بعد الحكومة و هو بمكّة. أمّا بعد فاكره من أهل العراق ما كرهوا منك و أقبل إلى الشام فانى خير لك من علىّ و السلام.
فكتب إليه أبو موسى: أما بعد فانه لم يكن منى في عليّ إلّا ما كان من عمرو فيك غير أنى أردت بما صنعت وجه اللّه و أراد عمرو بما صنع ما عندك و قد كان بيني و بينه شروط عن تراض فلما رجع عمرو رجعت، و أمّا قولك: إن الحكمين إذا حكما على أمر فليس للمحكوم عليه أن يكون بالخيار إنّما ذاك في الشّاة و البعير، و أمّا في امر هذه الامّة فليست تساق إلى ما تكره و لن تذهب بين عجز عاجز و لا كيد كائد و لا خديعة فاجر، و أمّا دعاؤك إياى إلى الشام فليس لي بدل و لا إيثار عن قبر ابن إبراهيم ابي الأنبياء.
ثمّ ان الفاضل الشارح المعتزلي بعد ذكره ما تعتقده المعتزلة في ابى موسى نقلا من كتاب الكفاية لابن متويه انه قال أمّا ابا موسى فانه عظم جرمه بما فعله و ادّى ذلك إلى الضرر الذى لم يخف حاله و كان عليّ عليه السّلام يقنت عليه و على غيره- كما
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 387
دريت- و روى عنه عليه السّلام انه كان يقول في ابي موسى: صبغ بالعلم صبغا و سلخ منه سلخا و كذا بعد ما ذكر رواية الحكمين الضالّين المضلّين في بني إسرائيل و في هذه الامة من أبي موسى عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و كذا بعد ما ذكر انه لم يثبت في توبته ما ثبت في توبة غيره، قال: و ذكرته لك لتعلم أنه عند المعتزلة من أرباب الكبائر و حكمه حكم أمثاله ممّن واقع كبيرة و مات عليها. انتهى.
أقول: و ذكرنا طائفة من البراهين و الأدلّة في كفر الخارجين على الامام العادل عليه السّلام فليرجع.
قال ابن عبد البرّ و اختلف في تاريخ موته فقيل سنة اثنتين و أربعين، و قيل سنة اثنتين و خمسين، و قيل سنة أربع و أربعين، و اختلف في قبره فقيل مات بمكة و دفن بها و قيل مات بالكوفة و دفن بها.
و أمّا عمرو بن العاص فلا يخفى على أحد انه كان فاجرا غادرا ختّالا و في الروغان و الخديعة و المكر يضرب به المثل و قد مضى شرذمة منها من قبل و سيأتي في باب المختار من الكتب و الرسائل كتاب أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام إليه و هو الكتاب التاسع و الثلاثون قوله عليه السّلام: من عبد اللّه علىّ أمير المؤمنين إلى الأبتر بن الأبتر عمرو بن العاص بن وائل شانئ محمّد و آل محمّد في الجاهلية و الاسلام- إلى آخر ما قال- و نحن نذكر في شرح ذلك الكتاب بعون الملك الوهّاب ما قيل في عمرو بن العاص، فلنعد إلى بيان جمل الخطبة.
....
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 16، ص: 2
[في شأن الحكمين و ذم أهل الشام]:
قوله عليه السّلام: (جفاة طغام عبيد اقزام) صدّر كلامه بمذام أهل الشام تنفيرا عنهم أى هم قوم غلاظ الطبع قساة القلب افظاظ، و طغام اى هم اوغاد الناس و اراذلهم و الطغام كالطّعام خلاف الهمام، و عبيد انما لم يذكر متعلّق العبيد ليفيد التعميم و يذهب السامع إلى كلّ مذهب ممكن اى هم عبيد الدينار و عبيد الدنيا و عبيد النفس و الهوى.
و قيل: او لأن بعضهم لم يكونوا أحرارا و كانوا عبيدا حقيقة و حيث ان اللفظ مهمل يصدق بالبعض.
اقزام اى هم اراذل النّاس و أدانيهم.
قوله عليه السّلام: (جمعوا من كلّ أوب و تلقطوا من كلّ شوب) هاتان الجملتان كأنّما تدلّان على معنى واحد و مطلب فارد اى هم جمعوا من كلّ ناحية و تلقطوا من فرق مختلطة يعني انّهم ليسوا بقوم أصيل بل تلقط بعضهم من ههنا و بعضهم من ههنا و في الجملة الأخيرة إشارة لطيفة أيضا إلى أنّهم أوباش النّاس و أسقاطهم.
قوله عليه السّلام: (ممّن ينبغي أن يفقّه و يؤدّب و يعلّم و يدرّب) يعني انّهم قوم جهّال بمعزل عن الكتاب و الدين فينبغى ان يفقهوا، و غير متأدبين باداب الحقّ و غير معتادين بالعادات الجميلة من محاسن الأفعال و مكارم الأخلاق فينبغى ان يؤدّبوا أي
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 16، ص: 3
يعلّموا الأدب و يدرّبوا أى يعوّدوا بتلك العادات الحسنة.
و قري ء يذرّب بالذال المعجمة أيضا يقال ذرّب المرأة طفلها تذريبا إذا حملته حتّى يقضى حاجته و هذه القراءة تناسب الجملة التالية الاتية اى انّهم صبيان صغار و اطفال لا يقدرون على شي ء و ينبغي أن يربوا في حجر مربّ و يعيشوا في حضانة حاضن و المراد ان القوم الّذين لم يتفقهوا في الدّين و لا يعلمون شيئا ينبغي أن يعلّموا و يدرّبوا بل صبيان ينبغي أن يذربوا فأنّى لهم ان تقوموا مقام الصديقين و يجلسوا مجلس النبيين و يعرّفوا انفسهم بأنّهم خليفة اللّه و رسوله و يأخذوا ازمة امور النّاس و يلوا امورهم أ فمن يهدى إلى الحقّ أحقّ أن يتّبع أمن لا يهدّى إلّا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون؟.
و قد قال عمار في خطبة خطب بها أهل الكوفة يستنفر النّاس إلى أمير المؤمنين علىّ عليه السّلام: أيّها النّاس عليكم بإمام لا يؤدب و فقيه لا يعلم و صاحب بأس لا ينكل و ذي سابقة في الإسلام ليست لأحد، إلخ. و قد برهن في محلّه أن من أوصاف الإمام انّه يجب أن يكون أفضل من جميع الرعايا في جميع الصفات الكمالية فهو لا يؤدب و لا يعلم و سيأتي تحقيقه في شرح الخطبة التالية إنشاء اللّه.
كنايه قوله عليه السّلام: (و يولى عليه و يؤخذ على يديه) قرئ يولى بالتشديد و التخفيف و على الأوّل يقال: ولّاه الأمر تولية إذا جعله واليا عليه، و على الثاني يقال اولى فلانا على اليتيم إذا أوصاه عليه و اولاه الأمر ايلاء إذا جعله واليا عليه. و هذا كناية عن كونهم سفهاء لا يستحقون أن يلوا أمرا و يفوض اليهم فان العقل و النقل معاضدان على قبح تولية الأمور بأيدى السفهاء و ولايتهم عليها قال عزّ من قائل: «وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً» فكيف الأحكام الإلهيّة و الأمور الشرعيّة و ما فيها مصالح العامّة و حقوق الرعيّة بل ينبغي أن يمنعوا من التصرّف و يحجر عليهم كما يحجر على الصّبي و السفيه لعدم رشدهم يقال: أخذ على يد فلان إذا منعه عما يريد أن يفعله فمن بلغ في الغباوة و السفاهة إلى هذا الحدّ فكيف يرضى العقل و يمضي أن يقتدى به و هل هذا إلا ظلم عظيم، ألا و ان الرعيّة الفاجرة تهلك بالإمام الفاجر.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 16، ص: 4
قوله عليه السّلام: (ليسوا من المهاجرين و الأنصار و لا من الّذين تبوّأوا الدار) أى سكنوها و هي إشارة إلى قوله تعالى في سورة الحشر «وَ الَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَ الْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ» الاية و لذا جاء في بعض نسخ الخطبة: و لا من الّذين تبوّأوا الدار و الايمان و أجمع المفسرون بأن الدار هي المدينة و هي دار الهجرة تبوّأها الأنصار قبل المهاجرين و كانوا من أهل المدينة اسلموا بها قبل هجرة الرسول بسنتين و بنوا بها المساجد و أثنى عليهم بقوله عزّ من قائل «وَ الَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَ الْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَ لا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» فالذين تبوّأوا الدار هم طائفة من الأنصار فكرّر ذكرهم تأكيدا.
و قال الفاضل الشارح المعتزلي بقوله: و أيضا فان لفظة الأنصار واقعة على كلّ من كان من الأوس و الخزرج الّذين أسلموا على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و الّذين تبوّأوا الدار و الايمان في الاية قوم مخصوصون منهم و هم أهل الاخلاص و الايمان التام فصار ذكر الخاص بعد العام كذكره تعالى جبرئيل و ميكال ثمّ قال: و الملائكة بعد ذلك ظهيرا و هما من الملائكة.
و أقول: أمّا المهاجرون فهم الّذين هاجروا بلادهم أى تركوها و صاروا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أمّا الّذين اسلموا من أهل المدينة الرسول قبل هجرته او بعد هجرته فيسمّون أنصارا و قد اشبعنا الكلام فيه قبل و الذين تبوّأوا الدار و الايمان قوم مخصوص منهم و هم الّذين أسلموا قبل هجرته صلّى اللّه عليه و آله و لذا قيدنا كلامنا بقولنا هم طائفة من الأنصار فصار ذكر الخاص بعد العام بهذا المعنى.
ثمّ على نسخة و الايمان يكون الايمان متبوءا على الاستعارة و في الكافي عن الصادق عليه السّلام: الايمان بعضه من بعض و هو دار و كذلك الاسلام دار و الكفر دار، و لما انّهم ثبتوا على الايمان و اطمأنت قلوبهم به سمّاه متبوءا و منزلا لهم. و قدّر غير واحد من المفسرين في الاية لازموا و نظائره اى تبوّأوا الدار و لازموا الايمان مثل قوله:
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 16، ص: 5
و رأيت زوجك في الوغى متقلدا سيفا و رمحا «1»
اى معتقلا رمحا لأن الرمح لا يتقلد به بل يعتقل به يقال: فلان تقلّد سيفه و اعتقل رمحه و كقول الشاعر:
علّفتها تبنا و ماء باردا حتّى شنت همّالة عيناها
اى علفتها تبنا و سقيتها ماء باردا و إنّما كان قوله هذا ذمّا لهم لأن عدم اتصافهم بها نقصان لهم بالقياس إلى المتصفين بها، و من تتبع آثار السلف يجد أن السابقة في الاسلام و الهجرة تعدّ من الفضائل و المفاخر و المدائح و من كان اسبق اسلاما و اقدم هجرة من الاخر يفضل عليه.
______________________________
(1) نقل البيت في أقرب الموارد في مادة ج م ع و المصرع الأول فيه هكذا:
يا ليت زوجك قد غدا. منه.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 16، ص: 31
الترجمة:
از جمله خطبه بلاغت نظام آن قدوه انام عليه السّلام در شأن حكمين ابو موسى اشعرى و عمرو عاص و در مذمت اهل شام است. (شاميان از پيروان معاوية بن ابى سفيان بودند و بقتال با أمير مؤمنان على عليه السّلام برخاستند و در صفين مدّتى مديد كارزارى شديد كردند و از دو سپاه بسيار كشته شدند و بيست و پنج تن از صحابه پيغمبر صلّى اللّه عليه و آله كه عمار ياسر از آن جمله بود و در ركاب ظفر انتساب أمير المؤمنين در إعلاى كلمه حق و نصرت دين جهاد مى كردند بدرجه رفيعه شهادت رسيدند، و رسول اكرم باتفاق شيعه و سنّى بعمّار فرمودند: إنّما تقتلك الفئة الباغية يعنى اى عمار تو را گروه ستمكار مى كشند كه در جنگ صفين لشكر معاويه وى را بكشتند. سرانجام لشكر معاويه شكست خوردند و چون آثار ذلّ و انكسار در خود مشاهده كردند بحيلت و خدعت عمرو عاص عيّار قرآنها بر سر نيزه ها برافراشتند و فرياد زدند: كتاب اللّه بيننا و بينكم، اهل عراق كه لشكر على عليه السّلام بودند جز تنى چند آن پيشنهاد را پذيرفتند و هر چه امير المؤمنين ايشان را نصيحت كرد كه اين خدعت است و فريب نخوريد فايده نكرد عاقبت در حباله حيلت عمرو در افتادند، و اتفاق كردند كه هر يك از فريقين حكمى انتخاب كنند و بحكم آن دو تسليم شوند، أهل شام عمرو عاص را برگزيدند و أهل عراق ابو موسى را أمير المؤمنين از اين رأى روى درهم كشيد و موافق رأى بلندش نيامد و گفت: فادفعوا في صدر عمرو بن العاص بعبد اللّه بن عبّاس، ولى سربازان گول از رأى أمير سر باز زدند تا ديدند آنچه كه ديدند) اهل شام ستمكارانى ناكس و بندگانى پست اند، گرد آمده از هر سوى و برچيده از هر آميخته اند، گروهى كه بايد آنان را دين و ادب و دانش آموخت و بكارهاى ستوده واداشت و بر آنان ولىّ گمارد و دستشان را گرفت تا خودسرى و خودكامى كارى نكنند (يعنى كودكان و سفيهانند كجا آنان را رسد كه زمام امور امّت در دست گيرند و در كار دين و ملّت پاى پيش نهند) نه از مهاجرند و نه از انصار و نه از آن انصارى كه پيش از هجرت پيغمبر صلّى اللّه عليه و آله در مدينه بودند و اسلام آوردند.