منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 17، ص: 174
و من كتاب له عليه السّلام الى الاشعث بن قيس و هو عامل آذربيجان، و هو الكتاب الخامس من باب المختار من كتبه و رسائله عليه السّلام:
و إنّ عملك ليس لك بطعمة، و لكنّه في عنقك أمانة، و أنت مسترعى لمن فوقك، ليس لك أن تفتأت في رعيّة، و لا تخاطر إلّا بوثيقة، و في يديك مال من مال اللَّه عزّ و جلّ و أنت من خزّاني حتّى تسلّمه إليّ، و لعلّي أن لا أكون شرّ ولاتك لك، و السّلام (55969- 55917).
اللغة:
(الطعمة) بضم الطاء المهملة المشالة: المأكلة و وجه الكسب و الجمع طعم كصرد على و زان الغرفة و الغرف. (مسترعى) على هيئة المفعول أي من استرعاه آخر فوقه بمعنى أن طلب منه حفظ أمر من الامور و جعله راعيا لذلك الأمر فذلك الاخر مسترع، و منه ما في زيارة الأئمة عليهم السّلام: و استرعاكم أمر خلقه، أي جعلكم رعاة و ولاة و حفظة على خلقه و جعلهم رعيّة لكم تحكمون بهم بما أجزتم و أمرتم، قاله الطريحيّ في مجمع البحرين.
(تفتات) مضارع افتأت بالفاء و الهمزة من باب الافتعال و أصله فأت و في القاموس: افتأت برأيه استبدّ، و يصحّ أن يقرأ تفتات كتحتاج من الافتيات، و أصله الفوت، و الافتيات الاستبداد أي السبق إلى الشي ء من دون ايتمار من يؤتمر إليه و يقال بالفارسيّة: خود سرى كار كردن، و فلان افتات برأيه أي استبدّ به كافتأت بالهمزة، و فلان لا يفتات عليه أي لا يعمل شي ء دون أمره.
(رعيّة) الرّعية: المرعيّة فعلية بمعنى مفعولة و الجمع رعايا كشظيّة و شظايا (تخاطر) المخاطرة: الإقدام في الامور العظام و الاشراف فيها على الهلاك يقال: خاطر بنفسه مخاطرة، إذا عرّضها للخطر.
(وثيقة) الوثيقة ما يوثق به في الدّين فهي فعلية بمعنى المفعول أي موثوق به لأجل الدّين، و التاء فيها لنقل اللّفظ من الوصفيّة إلى الإسميّة كالحقيقة، و يقال فلان أخذ في أمره بالوثيقة أي احتاط فيه.
(خزّاني) الخزّان جمع الخازن كطلّاب و طالب و هو الّذي يتولّي حفظ المال المخزون و المدّخر. (و لا تك) الولاة جمع الوالي كالقضاة و القاضي و الوالي الوليّ كما يقال القادر و القدير و هو المتولّي للشي ء و الفاعل له، قال جوّاس الكلبي (الحماسة 633):
كنّا ولاة طعانها و ضرابها حتى تجلّت عنكم غمّاها
الاعراب:
لك متعلّق بالطعمة و كذلك في عنقك بالأمانة قدّما توسّعا للظروف، و الباء في طعمة زائدة في خبر ليس للتأكيد. جملة أن تفتأت في رعيّة مأوّلة بالمصدر المرفوع حتّى يكون اسم ليس. و جملة و لا تخاطر إلّا بوثيقة معطوفة عليها. و الظّاهر أنّ كلمة حتّى بمعنى إلى أن كما أنّها بهذا المعنى في البيت المقدّم آنفا. و جملة أن لا أكون- إلى قوله- و السّلام، مأوّلة بالمصدر المرفوع خبر لعلّ. و السّلام مبتداء و خبره محذوف، و التقدير و السّلام على من اتّبع الهدى، أو و السّلام لأهله بقرينة كتبه الاتية.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 17، ص: 175
المعنى:
هذا الكتاب جزء من كتاب كتبه إلى الأشعث بن قيس بعد انقضاء الجمل و الكتاب بتمامه مذكور مسندا في كتاب صفّين لنصر بن مزاحم المنقريّ الكوفيّ (ص 13 من الطبع الناصري 1301 ه) كما سنتلوه عليك.
قال نصر في أوّل كتاب صفين: قال عمر بن سعد بن أبي الصيد الأسدي، عن الحارث بن حصيرة، عن عبد الرّحمن بن عبيد بن أبي الكنود و غيره قالوا: لمّا قدم عليّ عليه السّلام من البصرة إلى الكوفة يوم الاثنين لثنتي عشرة ليلة مضت من رجب سنة ثلاث و ستّين «1» و قد أعزّ اللَّه نصره و أظهره على عدوّه و معه أشراف الناس من أهل البصرة و غيرهم استقبله أهل الكوفة و فيهم قرّاؤهم و أشرافهم، فدعوا له بالبركة و قالوا: يا أمير المؤمنين أين تنزل؟ أ ننزل القصر؟ فقال: لا، و لكنّي أنزل الرّحبة، فنزلها و أفبل حتّى دخل المسجد الأعظم فصلّى فيه ركعتين ثمّ صعد المنبر.
أول خطبة خطبها امير المؤمنين فى الكوفة لما قدم من البصرة اليها و قد أظهره اللَّه على أعدائه الناكثين:
فحمد اللَّه و أثنى عليه و صلّى على رسوله و قال: أمّا بعد يا أهل الكوفة فإنّ لكم في الاسلام فضلا ما لم تبدّلوا و تغيّروا، دعوتكم إلى الحقّ فأجبتم، و بدأتم بالمنكر فغيّرتم، ألا إنّ فضلكم فيما بينكم و بين اللَّه في الأحكام و القسم، فأنتم أسوة من أجابكم، و دخل فيما دخلتم فيه، ألا إنّ أخوف ما أخاف عليكم اتّباع الهوى و طول الأمل، فأمّا اتّباع الهوى فيصدّ عن الحقّ، و أمّا طول الأمل فينسي الاخرة، ألا إنّ الدّنيا قد ترحّلت مدبرة، و الاخرة قد ترحّلت مقبلة، و لكلّ واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الاخرة، اليوم عمل و لا حساب، و غدا حساب و لا عمل، الحمد للّه الّذي نصر وليّه و خذل عدوّه، و أعزّ الصادق المحقّ، و أذلّ الناكث المبطل.
______________________________
(1)- كذا في الاصل لكن الظاهر «سنة ست و ثلاثين» المصحح.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 17، ص: 176
عليكم بتقوى اللّه و طاعة من أطاع اللّه من أهل بيت نبيّكم الّذين هم أولى بطاعتكم فيما أطاعوا اللّه فيه من المنتحلين المدّعين المقابلين إلينا، يتفضّلون بفضلنا و يجاحدونا أمرنا، و ينازعونا حقّنا، و يدافعونا عنه، فقد ذاقوا و بال ما اجترحوا فسوف يلقون غيّا، ألا إنّه قد قعد عن نصرتي منكم رجال فأنا عليهم عاتب زار فاهجروهم، و أسمعوهم ما يكرهون حتّى يعتبوا ليعرف بذلك حزب اللّه عند الفرقة.
أقول: قد أتى الرّضيّ ببعض هذه الخطبة في النهج و هي الخطبة الثانية و الأربعين من باب الخطب أوّلها: أيّها الناس إنّ أخوف ما أخاف عليكم اتّباع الهوى و طول الأمل- إلخ، و بين النسختين اختلاف في الجملة.
فقام إليه مالك بن حبيب اليربوعي و كان صاحب شرطته، فقال: و اللَّه إنّي لأرى الهجر و سماع المكروه لهم قليلا، و اللَّه لئن أمرتنا لنقتلنّهم، فقال عليّ:
سبحان اللَّه يا مال، جزت المدى، و عدوت الحدّ، و أغرقت في النزع، فقال: يا أمير المؤمنين:
لبعض الغشم أبلغ في امور تنوبك من مهادنة الأعادي
فقال عليّ عليه السّلام: ليس هكذا قضى اللَّه، يا مال قتل النفس بالنفس فما بال الغشم، و قال: «و من قتل مظلوما فقد جعلنا لوليّه سلطانا فلا يسرف في القتل إنّه كان منصورا» و الإسراف في القتل أن تقتل غير قاتلك فقد نهى اللَّه عنه و ذلك هو الغشم.
فقام إليه أبو بردة بن عوف الأزديّ و كان ممّن تخلّف عنه فقال: يا أمير المؤمنين أرأيت القتلى حول عائشة و الزبير و طلحة بم قتلوا؟.
قال عليّ عليه السّلام: قتلوا شيعتي و عمّا لي و قتلوا أخا ربيعة العبدي رحمة اللَّه عليه في عصابة من المسلمين قالوا: لا ننكث كما نكثتم، و لا نغدر كما غدرتم فوثبوا عليهم فقتلوهم فسألتهم أن يدفعوا إليّ قتلة إخواني أقتلهم بهم ثمّ كتاب اللَّه حكم بيني و بينهم فأبوا عليّ فقاتلوني و في أعناقهم بيعتي و دماء قريب من ألف رجل من شيعتي فقتلتهم بهم أفي شكّ أنت من ذلك؟
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 17، ص: 177
قال: قد كنت في شكّ فأمّا الان فقد عرفت و استبان لي خطؤ القوم و أنك أنت المهديّ المصيب، و كان أشياخ الحيّ يذكرون أنه كان عثمانيّا، و قد شهد مع عليّ على ذلك صفين لكنّه بعد ما رجع كان يكاتب معاوية، فلمّا ظهر معاوية أقطعه قطيعة بالفلّوجة و كان عليه كريما.
ثمّ إنّ عليّا عليه السّلام تهيّأ لينزل و قام رجال ليتكلّموا، فلمّا رأوه نزل جلسوا و سكتوا.
نصر: أبو عبد اللَّه سيف بن عمر، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة أنّ عليّا لمّا دخل الكوفة قيل له: أيّ القصرين ننزلك؟ قال: قصر الخبال لا تنزلونيه فنزل على جعدة بن هبيرة المخزومي.
أقول: الخبال على وزن السحاب: الفساد و النقصان و أراد منه قصر دار الامارة و كانه عليه السّلام سمّاه به لما وقع فيه قبله من امراء الجور و عمّال أهل النفاق و الشقاق من الهلكة و الفساد و النقصان. و جعدة بن هبيرة كان ابن اخته عليه السّلام أمّه أمّ هاني بنت أبي طالب كانت تحت هبيرة بن أبي وهب المخزومي و قد قدّمنا الكلام فيه في شرح الخطبة 231 (ص 34 ج 15) فراجع.
نصر: عن الفيض بن محمّد، عن عون بن عبد اللَّه بن عتبة قال: لمّا قدم عليّ عليه السّلام الكوفة نزل على باب المسجد فدخل و صلّى ثمّ تحوّل فجلس إليه الناس فسأل عن رجل من أصحابه كان ينزل الكوفة؟ فقال قائل: استأثر اللَّه به. فقال عليه السّلام:
إنّ اللَّه لا يستأثر بأحد من خلقه إنما أراد اللَّه بالموت إعراز نفسه و إذلال خلقه و قرأ «و كنتم أمواتا فأحياكم ثمّ يميتكم ثمّ يحييكم». قال: فلما لحق النقل قالوا: أيّ القصرين تنزل؟ فقال عليه السّلام: قصر الخبال لا تنزلونيه.
نصر: عن سيف قال: حدّثني اسماعيل بن أبي عميرة، عن عبد الرّحمن بن عبيد ابن أبي الكنود أنّ سليمان بن صرد الخزاعيّ دخل على عليّ بن أبي طالب عليه السّلام بعد رجعته من البصرة فعاتبه و عذله و قال له: ارتبت و تربّصت و راوغت، و قد كنت من أوثق الناس في نفسى، و أسرعهم فيما أظنّ إلى نصرتي، فما قعد بك عن أهل بيت نبيّك و ما زهّدك في نصرهم؟.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 17، ص: 178
فقال: يا أمير المؤمنين لا تردّن الامور على أعقابها، و لا تؤنّبني بما مضى منها، و استبق مودّتي يخلص لك نصيحتي و قد بقيت امور تعرف فيها وليّك من عدوّك، فسكت عنه، و جلس سليمان قليلا ثمّ نهض فخرج إلى الحسن بن عليّ عليه السّلام و هو قاعد في المسجد فقال: ألا اعجبك من أمير المؤمنين و ما لقيت منه من التبكيت و التوبيخ؟ فقال الحسن عليه السّلام: إنّما يعاتب من ترجى مودّته و نصيحته، فقال: إنه بقيت امور سيستوسق فيها القنا، و ينتضى فيها السيوف و يحتاج فيها إلى أشباهي، فلا تستبشعوا غيبتي، و لا تتّهموا نصيحتي. فقال له الحسن عليه السّلام: رحمك اللَّه ما أنت عندنا بالظنين.
نصر: عن عمر يعني ابن سعد عن نمير بن وعلة، عن الشعبي، أنّ سعيد بن قيس دخل على عليّ بن أبي طالب عليه السّلام فسلّم عليه فقال له عليّ عليه السّلام: و عليك، و إن كنت من المتربّصين، فقال: حاش للّه يا أمير المؤمنين لست من اولئك قال: فعل اللَّه ذلك.
نصر: عن عمر بن سعد عن يحيى بن سعيد، عن محمّد بن مخنف قال: دخلت مع أبي على عليّ عليه السّلام حين قدم من البصرة و هو عام بلغت الحلم، فاذا بين يديه رجال يؤنّبهم و يقول لهم: ما بطأ بكم عنّي و أنتم أشراف قومكم؟ و اللَّه لئن كان من ضعف النيّة و تقصير البصيرة إنكم لبور، و اللَّه لئن كان من شكّ في فضلي و مظاهرة عليّ إنكم لعدوّ.
قالوا: حاش للّه يا أمير المؤمنين نحن سلمك و حرب عدوّك. ثمّ اعتذر القوم فمنهم من ذكر عذره، و منهم اعتلّ بمرض، و منهم من ذكر غيبته فنظرت إليهم فعرفتهم فإذا عبد اللَّه بن المعتم العبسي، و إذا حنظلة بن الرّبيع التميمي، و كلاهما كانت له صحبة، و إذا أبو بردة بن عوف الأزدي، و إذا غريب بن شرحبيل الهمداني قال: و نظر عليّ عليه السّلام إلى أبي فقال: لكن مخنف بن سليم و قومه لم يتخلّفوا و لم يكن مثلهم مثل القوم الّذين قال اللَّه تعالى «وَ إِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً وَ لَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً» (النساء- 74)
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 17، ص: 179
ثمّ إنّ عليّا عليه السّلام مكث بالكوفة.
أقول: كلّ ما ذكرنا و نقلنا من كلماته عليه السّلام عن كتاب صفين بعد الخطبة المذكورة آنفا ما ذكرت في النهج مع أنها من محاسن كلامه عليه السّلام سيّما قوله عليه السّلام لسليمان بن صرد الخزاعي: ارتبت و تربّصت- الى قوله- و ما زهّدك في نصرهم و لعلّ الرّضيّ رضوان اللَّه عليه لم يظفر بها. و اللَّه العالم.
خطبته عليه السّلام فى الجمعة بالكوفة و الاشارة الى مسألة فقهية فى المقام:
نصر: عن أبي عبد اللَّه سيف بن عمر، عن الوليد بن عبد اللَّه، عن أبي طيّبة، عن أبيه قال: أتمّ عليّ عليه السّلام الصّلاة يوم دخل الكوفة فلمّا كانت الجمعة و حضرت الصّلاة صلّى بهم و خطب خطبة.
نصر: قال أبو عبد اللَّه عن سليمان بن المغيرة، عن عليّ بن الحسين خطبة عليّ ابن أبي طالب في الجمعة بالكوفة و المدينة أن: الحمد للّه أحمده و أستعينه و أستهديه و أعوذ باللّه من الضلالة، من يهدي اللَّه فلا مضلّ له، و من يضلل فلا هادي له، و أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، و أنّ محمّدا صلّى اللَّه عليه و آله عبده و رسوله انتجبه لأمره و اختصّه بالنبوّة، أكرم خلقه عليه، و أحبّهم إليه، فبلّغ رسالة ربّه، و نصح لأمّته و أدّى الّذي عليه.
و اوصيكم بتقوى اللَّه فإنّ تقوى اللَّه خير ما تواصى به عباد اللَّه و أقربه لرضوان اللَّه و خيره في عواقب الامور عند اللَّه، و بتقوى اللَّه امرتم، و للإحسان و الطاعة خلقتم، فاحذروا من اللَّه ما حذّركم من نفسه، فإنّه حذّر بأسا شديدا، و اخشوا اللَّه خشية ليست بتعذير، و اعملوا في غير رياء و لا سمعة، فإنه من عمل لغير اللَّه و كلّه اللَّه إلى ما عمل له، و من عمل للّه مخلصا تولّى اللَّه أجره، و أشفقوا من عذاب اللَّه فانه لم يخلقكم عبثا، و لم يترك شيئا من أمركم سدى، قد سمّى آثاركم
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 17، ص: 180
و علم أعمالكم، و كتب آجالكم، فلا تغترّوا بالدّنيا فإنها غرّارة بأهلها، مغرور من اغترّ بها، و إلى فناء ما هي، إنّ الاخرة هي دار الحيوان لو كانوا يعلمون أسأل اللَّه منازل الشهداء، و مرافقة الأنبياء، و معيشة السعداء، فانّما نحن له و به.
أقول: ذكر بعض هذه الخطبة و هو قوله عليه السّلام: و اخشوه خشية ليست بتعذير و اعملوا في غير رياء و لا سمعة فإنّه من عمل لغير اللَّه و كلّه اللَّه إلى ما عمل له نسأل اللَّه منازل الشهداء و معايشة السعداء و مرافقة الأنبياء، في النهج في ضمن الخطبة 23 أوّلها: أمّا بعد فانّ الأمر ينزل من السماء إلى الأرض- إلخ، إلّا أنّ في النهج ذكر مكان و كله إلى ما عمل له: يكله اللَّه إلى من عمل له.
و كذا ذكر بعضها و هو قوله عليه السّلام: فانّه لم يخلقكم عبثا، و لم يترك شيئا من أمر كم سدى، قد سمّى آثاركم، و علم أعمالكم، و كتب آجالكم، في ضمن الخطبة 84 أوّلها: قد علم السرائر و خبر الضمائر- إلخ.
و لكنّ الخطبة المذكورة بتمامها على تلك الهيئة ليست بمذكورة في النهج و شر ذمة من صدرها مذكورة في خطبة يوم الجمعة المرويّة في الكافي عن أبي جعفر عليه السّلام.
ثمّ اعلم أنّه يجب في صلاة الجمعة الخطبتان قبل الصلاة، لأنّ الخطبة شرط في صحّة الجمعة، و روى محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام أنّه قال: ليس تكون جمعة إلّا بخطبة.
و صورة الخطبتين جاءت في الجوامع على أنحاء، ففي الكافي روى عن أبي جعفر عليه السّلام على صورة ثمّ عن أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام على صورة اخرى، و في الفقيه روى عنه عليه السّلام أيضا على صورة اخرى غير ما في الكافي، و ذكر كلّ واحد منها في الوسائل للعاملي و كذا في الوافي من ص 170 الى 174 من المجلّد الخامس فلا حاجة إلى نقلها ههنا.
ثمّ إنها تغاير الخطبة المنقولة من نصر في صفين و لم يعلم من نصر أنّها الخطبة الاولي أو الثانية، و لكن ما يناسب أحكام الجمعة و ساير الروايات أن تكون
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 17، ص: 181
هي للاولى و الثانية كليهما، و ذلك لأنّ جمع الروايات يدلّ على أنهما شاملتين على حمد اللَّه تعالى و الثناء عليه و الصلاة على النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و قراءة شي ء من القرآن سواء كانت سورة خفيفة أو آية تامّة الفائدة، و وعظ الناس، و الخطبة المذكورة حائزة لها. و إن كان الأوفق بالاحتياط في الاولى أن يحمد اللَّه و يثنى عليه و يوصى بتقوى اللَّه و يقرأ سورة من القرآن قصيرة، و في الثانية بعد الحمد و الثناء أن يصلّى على محمّد و أئمّة المسلمين و يستغفر للمؤمنين، و البحث عنها على التفصيل موكول إلى الفقه أعرضنا عنه خوفا من الإطناب و الخروج عن موضوع الكتاب.
صورة كتابه بتمامه الى الاشعث بن قيس نقلا مسندا عن نصر فى صفين:
قال نصر: ثمّ إنّ عليا عليه السّلام أقام بالكوفة و استعمل العمّال و بعث إلى الأشعث بن قيس الكندي.
نصر: محمّد بن عبيد اللَّه عن الجرجاني قال: لمّا بويع عليّ عليه السّلام و كتب إلى العمال كتب إلى الأشعث بن قيس مع زياد بن مرحب الهمداني و الأشعث على آذربيجان عامل لعثمان و قد كان عمرو بن عثمان تزوّج ابنة الأشعث بن قيس قبل ذلك فكتب إليه عليّ عليه السّلام:
بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم من عبد اللَّه عليّ أمير المؤمنين إلى الأشعث بن قيس أمّا بعد فلو لا هنات كنّ فيك كنت المقدّم في هذا الأمر قبل الناس، و لعلّ أمرك يحمل بعضه بعضا إن اتّقيت اللَّه، ثمّ إنّه كان من بيعة الناس إيّاي ما قد بلغك، و كان طلحة و الزبير ممّن بايعاني ثمّ نقضا بيعتي على غير حدث، و أخرجا أمّ المؤمنين و سارا إلى البصرة فسرت إليهما فالتقينا فدعوتهم إلى أن يرجعوا فيما خرجوا منه فأبوا، فأبلغت في الدّعاء و أحسنت في البقيّة، و إنّ عملك ليس لك بطعمة، و لكنّه أمانة و في يديك مال من مال اللَّه و أنت من خزّان اللَّه عليه حتّى تسلّمه إليّ و لعلّي أن لا أكون شرّ و لا تك لك إن استقمت، و لا قوّة إلّا باللّه.
أقول: و قد روى الكتاب الشارح البحراني عن الشعبي و بينهما و بين ما في النهج اختلاف في بعض الكلمات و الجمل في الجملة.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 17، ص: 182
فما نقل عن الشعبي: أمّا بعد فلو لا هنات كنّ منك كنت المقدّم في هذا الأمر قبل الناس، و لعلّ آخر أمرك يحمد أوّله و بعضه بعضا إن اتّقيت اللَّه، إنه قد كان من بيعة النّاس إيّاي ما قد بلغك، و كان طلحة و الزبير أوّل من بايعني ثمّ نقضا بيعتي عن غير حدث، و أخرجا عايشة فساروا بها إلى البصرة فصرت اليهم في المهاجرين و الأنصار، فالتقينا فدعوتهم إلى أن يرجعوا إلى ما خرجوا منه فأبوا فأبلغت في الدّعاء و أحسنت في البقيّة، و اعلم أنّ عملك- إلى آخر الفصل على ما في النهج، و كتب عبد اللَّه بن أبي رافع في شعبان سنة ستّ و ثلاثين.
قال نصر: فلمّا قرأ الأشعث الكتاب قام زياد بن مرحب فحمد اللَّه و أثنى عليه ثمّ قال: أيّها النّاس إنه من لم يكفه القليل لم يكفه الكثير، إنّ أمر عثمان لا ينفع فيه العيان و لا يشفي منه الخبر، غير أنّ من سمع به ليس كمن عاينه، إنّ الناس بايعوا عليّا عليه السّلام راضين به، و إنّ طلحة و الزبير نقضا بيعته على غير حدث ثمّ أذّنا بحرب، فأخرجا أمّ المؤمنين فسار إليهما فلم يقاتلهم و في نفسه منهم حاجة فأورثه اللَّه الأرض و جعل له عاقبة المتقين.
قال: ثمّ قام الأشعث بن قيس فحمد اللَّه و أثنى عليه ثمّ قال: أيّها النّاس إنّ أمير المؤمنين عثمان و لّاني آذربيجان فهلك و هي في يدي، و قد بايع النّاس عليّا و طاعتنا له كطاعة من كان قبله، و قد كان من أمره و أمر طلحة و الزبير ما قد بلغكم، و عليّ المأمون على ما غاب عنّا و عنكم من ذلك الأمر.
فلمّا أتى منزله دعا أصحابه فقال: إنّ كتاب عليّ قد أوحشني و هو آخذ بمال آذربيجان و أنا لا حق بمعاوية، فقال القوم: الموت خير لك من ذلك أتدع مصرك و جماعة قومك و تكون ذنبا لأهل الشام؟ فاستحيى فسار حتّى قدم على عليّ عليه السّلام و روي أنّ قوله هذا و توبيخ الناس إيّاه على ذلك بلغ أهل الكوفة فكتب أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام إليه كتابا يوبّخه و يأمره بالقدوم عليه، و بعث به حجر بن عديّ الكندي، فلامه حجر على ذلك و ناشده اللَّه و قال له: أتدع قومك و أهل مصرك و أمير المؤمنين عليه السّلام و تلحق بأهل الشام؟ و لم يزل به حتّى أقدمه إلى الكوفة
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 17، ص: 183
فعرض عليّ عليه السّلام ثقلته فوجد فيها مائة ألف درهم و روي أربعمائة ألف فأخذها و كان ذلك بالنخيلة، فاستشفع الأشعث بالحسن و الحسين عليهما السّلام و بعبد اللَّه بن جعفر فأطلق له منها ثلاثين ألفا، فقال: لا تكفيني، فقال: لست بزائدك درهما واحدا و أيم اللَّه لو تركتها لكان خيرا ممّا لك و ما أظنّها تحلّ لك و لو تيقّنت ذلك لما بلغتها عندي فقال الأشعث: خذ من خدعك ما أعطاك. فقال السكوني و قد خاب أن يلحق بمعاوية:
إني اعيذك بالّذي هو مالك بمعاذة الاباء و الأجداد
ممّا يظنّ بك الرّجال و إنما ساموك خطّة معشر أو غاد
إن آذربيجان الّتي مزّقتها ليست لجدّك فاشنها ببلاد
كانت بلاد خليفة ولّاكها و قضاء ربك رائح أو غاد
فدع البلاد فليس فيها مطمع ضربت عليك الأرض بالأسداد
فادفع بما لك دون نفسك إننا فادوك بالأموال و الأولاد
أنت الّذي تثنى الخناصر دونه و بكبش كندة يستهلّ الوادي
و معصّب بالتاج مفرق رأسه ملك لعمرك راسخ الأوتاد
و أطع زيادا إنّه لك ناصح لا شكّ في قول النصيح زياد
و انظر عليّا إنّه لك جنّة يرشد و يهديك للسعادة هاد
قال نصر: و ممّا قيل على لسان الأشعث:
أتانا الرّسول رسول عليّ فسرّ بمقدمه المسلمونا
رسول الوصيّ وصيّ النبيّ له الفضل و السبق في المؤمنينا
بما نصح اللَّه و المصطفى رسول الإله النبيّ الأمينا
يجاهد في اللَّه لا ينثني جميع الطغاة مع الجاحدينا
وزير النبيّ و ذو صهره و سيف المنيّة في الظالمينا
و كم بطل ماجد قد أذا ق منيّة حتف من الكافرينا
و كم فارس كان سال النزال فاب إلى النّار في الائبينا
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 17، ص: 184
فذاك عليّ إمام الهدى و غيث البريّة و المفخمينا
و كان إذا ما دعي للنزال كليث عرين بن ليث العرينا
أجاب السؤال بنصح و نصر و خالص ودّ على العالمينا
فما زال ذلك من شأنه ففاز و ربّي مع الفائزينا
قال: و ممّا قيل على لسان الأشعث أيضا:
أتانا الرّسول رسول الوصيّ عليّ المهذّب من هاشم
رسول الوصيّ وصيّ النبيّ و خير البريّة من قائم
وزير النبيّ و دو صهره و خير البريّة في العالم
له الفضل و السبق بالصالحات لهدي النبيّ به يأتم
محمّدا أعني رسول الاله و غيث البريّة و الخاتم
أجبنا عليّا بفضل له و طاعة نصح له دائم
فقيه حليم له صولة كليث عرين بها سائم
حليم عفيف و ذو نجدة بعيد من الغدر و المأثم
تذكرة: قد تقدّم منّا الكلام في الّذين وصفوا عليّا عليه السّلام و عرّفوه بأنّه وصيّ رسول اللَّه من كبار الصحابة و غيرهم في صدر الإسلام فراجع إلى ص 19 من المجلّد الأوّل من تكملة المنهاج. و قد مضى في باب الخطب قوله عليه السّلام للأشعث:
ما يدريك ما عليّ ممّا لي عليك لعنة اللَّه- إلخ (الكلام 19 من باب الخطب).
و كان الأشعث في خلافة أمير المؤمنين عليه السّلام من المنافقين المعاندين و هو كما قال الشارح المعتزليّ: كان في أصحاب أمير المؤمنين عليه السّلام كما كان عبد اللَّه بن أبي سلول في أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و قال: كلّ فساد كان في خلافة أمير المؤمنين و كلّ اضطراب حدث فأصله الأشعث و كان الأشعث خائفا من أمير المؤمنين عليه السّلام و جازما بأنه عليه السّلام لا يبقيه في عمله، و ذلك لهنات كنّ منه كما عرّضها عليه السّلام عليه فهو في الحقيقة كان خائفا من أعماله السيّئة و كان قد استوحش من كلامه عليه السّلام له: فلو لا هنات كنّ منك، حيث علم أنّ الأمير كان عارفا بها حتّى دعا من الدّهشة أصحابه فقال: أنا لا حق بمعاوية.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 17، ص: 185
ثمّ الظّاهر المستفاد من كلامه عليه السّلام له: فلو لا هنات كنّ فيك «أو- منك» كنت المقدّم في هذا الأمر أنّ أمير المؤمنين عزله عن آذربيجان بذلك الكتاب، و ممّا يظاهره قول المؤرّخ الخبير المسعودي في كتابه مروج الذهب حيث قال (ص 15 ج 2 طبع مصر 1346 ه): و سار [عليّ عليه السّلام بعد انقضاء الجمل ] إلى الكوفة فكان دخوله إليها لاثنتي عشرة ليلة مضت من رجب، و بعث إلى الأشعث بن قيس يعزله عن آذربيجان و ارمينيّة و كان عاملا لعثمان، فكان في نفس الأشعث على ما ذكرنا من العزل و ما خاطبه به حين قدم عليه فيما اقتطع هنالك الأموال، انتهى:
و ممّا يؤيّده أيضا ما روينا عن نصر و غيره من إرادته اللّحوق بمعاوية و ما جرى بينه و بين عليّ عليه السّلام فتأمّل.
في الكافي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ الأشعث بن قيس شرك في دم أمير المؤمنين عليه السّلام، و ابنته جعدة سمّت الحسن عليه السّلام، و محمّد ابنه شرك في دم الحسين عليه السّلام.
و روى أبو الفرج أنّ الأشعث دخل على عليّ عليه السّلام فكلّمه فأغلظ عليّ عليه السّلام له فعرض له الأشعث أنه سيفتك به، فقال عليّ عليه السّلام: أبا لموت تخوّفني أو تهدّدني فو اللَّه ما ابالي وقعت على الموت أو وقع الموت عليّ.
قوله عليه السّلام (و إنّ عملك ليس لك بطعمة و لكنّه في عنقك أمانة) ظاهر كلامه عليه السّلام تنبى ء أنّ الأشعث اتّخذ مال اللّه مأكلته و لم يكن أمينا عليه فنبّهه على أنه ليس له بطعمة أي ما جعلتك عاملا أن تدّخر أموال المسلمين لنفسك و تأكل ما جنى يداك منها، بل هي أمانة بيده بل ألزمها في عنقه تشديدا عليه و تنبيها له على أنها تعلّقت بذمّته و تكون أو زارا عليه، و ذلك لأنّه كان عاملا من قبل غيره و مسترعى لمن فوقه، و كان مال المسلمين أمانة بيده فما سوّغ له الشرع التصرّف في بيت مال المسلمين.
قوله عليه السّلام (و أنت مسترعى- إلى قوله: بوثيقة) يعني أنت رعيّة من هو
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 17، ص: 186
فوقك و أميرك جعلك راعيا للنّاس و عاملا لهم و أمينا و حافظا على أموالهم و أملاكهم و غيرها ممّا جعل ولايتها بيدك فلا يجوز لك أن تسبق إلى امور الرّعيّة من غير أن تستأذن من استرعاك و تستأمر من ائتمنك، و كذا لا يسوغ لك أن تقدم في الامور الخطيرة ممّا يتعلّق بالمال و غيره من غير احتياط تامّ و وثيقة، أي من غير أن يكون للمسلمين وثوق و اعتماد في صحّة ذلك العمل و عدم الإضرار بالرّعيّة، و بالجملة لا ينبغي لك أن تقدم فيما لا يثق المسلمون ببا و لا يعتمدون عليها ممّا هي خلاف العقل و الشرع و العرف.
قوله عليه السّلام (و في يديك- إلى قوله: تسلّمه) لعلّ تثنية اليد إشارة إلى تسلّطه التامّ على الأموال حيث كان عاملا و واليا، و إنما قال: مال من أموال اللّه تشديدا عليه بالحفظ و الحراسة و ترعيبا له بالمخالفة حتّى لا يخون اللّه تعالى في ماله بأنّ الزكاة و الخمس من مال اللّه الّذي أفاه على عباده قال تعالى «وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ» الاية، ثمّ قال له: و أنت من خزّاني أي لا يجوز لك التصرّف فيما في الخزينة إلّا بإذني و يجب عليك حفظه و رعايته إلى أن تسلّمها إليّ.
قوله عليه السّلام (و لعلّي أن لا أكون- إلخ) لمّا كان كلامه المصدّر أوّلا تشديدا و مؤاخذة عليه و موجبا للوحشة و الاضطراب فانه كان يدلّ على أنّه عليه السّلام لم يره أمينا على ما ولّى عليه أتى بلفظة لعلّ المفيد للتّرجّي حتّى يسكن جاشه و يطمعه إلى عدم المؤاخذة و التشديد لئلّا يفرّ إلى العدوّ و يجعله خائفا راجيا فلا يخفى لطفه على أنّ الرجاء بعد الخوف ألذّ في النفوس و أوقع في القلوب.
و مع ذلك كلّه أعلمه بأنّه لو تجاوز عن الحقّ و خالف الدّين يكون هو عليه السّلام شرّ ولاته له، أي يجازيه بما فعل و يؤاخذ عليه بذنبه. و كلامه هذا تعريض لسائر الولاة و العمّال أيضا إنّهم لو عدلوا عن الحقّ و جعلوا أموال الناس طعمة لهم كان هو عليه السّلام شرّ ولاة لهم أي يكافأهم على ما كان منهم، و يجازيهم به
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 17، ص: 187
الترجمة:
اين كتابيست كه أمير المؤمنين عليه السّلام بأشعث بن قيس نگاشت.
(أشعث از جانب عثمان عامل آذربايجان بود و أموال بسيار در دست او بود چون أمير المؤمنين عليه السّلام بمسند خلافت نشست و بعد از فتح بصره بكوفه آمد اين نامه را بوي نوشت و او را تنبيه فرمود بحفظ آن، چون نامه باو رسيد سخت مستوحش و مضطرب شد و ياران خود را طلبيد، و با آنان در اين موضوع سخن بميان آورد كه نامه على عليه السّلام مرا بوحشت انداخت و او از من تمامى أموالي كه از آذربايجان بدست آورده ام خواهد ستاند، از اين روى بمعاويه پناه مى برم كه علي عليه السّلام نتواند اين أموال را از من أخذ كند، آنان گفتند بهتر آنست كه در نزد مرتضى روي و از انديشه خود سر باز زني، و در روايتي آمده كه حجر بن عديّ الكندي كه فرستاده حضرت بسوى أشعث بود وى را باندرز و نرمى بكوفه آورد على عليه السّلام أموال او را تفتيش كرد، چهار صد هزار درهم يافته همه آنرا اخذ كرد أشعث حسنين عليهما السّلام و عبد اللَّه بن جعفر را شفيع خود گرفت كه امام پولها را بأو رد كند، امام سى هزار درهم را بأو رد كرده و هر چه الحاح و ابرام در ردّ بقيه نمود امام فرمود كه بيش از اين يك درم رد نخواهم كرد كه بر خلاف است. و أشعث مردي منافق بود و أكثر مصائب و شدائدى كه به امام على عليه السّلام روي آورد أشعث اصل آن فتنه ها و امّ الفساد بود).
أي أشعث عملت طعمه تو نيست (يعني تو را عامل آن ديار نگردانيدم كه هر چه از مال مسلمين بدست تو آيد بخوري و براي خود اندوخته كنى) و لكن آن در گردن تو أمانت است كه بايد طريق ديانت را در آن رعايت كنى. كسى كه أمير و بزرگ تو است تو را حافظ و والى امور مردم كرده، لذا نشايدت كه در كار رعيّت بى اذن أميرت خود سري پا پيش نهى و در كارهاى بزرگ اقدام كنى مگر اين كه مورد اعتماد و وثوق مسلمانان باشد، و در دستهاى تو مالي از مالهاى خداوند ارجمند و بزرگوار است و تو يكى از خزينه داران منى كه بايد در حفاظت آن بكوشى تا آنرا تسليم من كنى و شايد كه من بدترين واليان تو نباشم. والسّلام.