أ لا ترى -غير مخبّر لك- لكن بنعمة اللَّه أحدّث، أنّ قوما من المهاجرين استشهدوا في سبيل اللَّه -و لكلّ فضل- حتّى إذا استشهد شهيد [نا] قيل: سيّد الشّهداء و خصّه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله بسبعين تكبيرة عند صلاته عليه؟ أ و لا ترى أنّ قوما قطعت أيديهم في سبيل اللَّه -و لكلّ فضل- حتّى إذا فعل بواحد منّا كما فعل بواحدهم، قيل: الطّيّار في الجنّة و ذو الجناحين؟ و لولا ما نهى اللَّه عنه من تزكية المرء نفسه لذكر ذاكر فضائل جمّة تعرفها قلوب المؤمنين، و لا تمجّها آذان السّامعين، فدع عنك من مالت به الرّميّة فإنّا صنائع ربّنا و النّاس بعد صنائع لنا.
اللغة:
(غير مخبّر) خبّره الشيء و بالشيء من باب التفعيل أعلمه إيّاه و أنبأه كأخبره و أخبر به، (استشهد) أى قتل في سبيل اللَّه، و كذا اشهد، على صيغتى المجهول.
(تمجّها) يقال مجّ الماء من فيها إذا ألقاه، (الرّمية) المراد منها ههنا الصيد الّذي يرمي و هو كالمثل يضرب لمن يميل به عن الحقّ أغراضه الباطلة و أصله أنّ الرجل يقصد قصدا فيتعرّض له الصيد فيتبعه فيميل به عن قصده الأصلى.
(صنائع) جمع صنيعة، قال الزمخشرى في أساس البلاغة: فلان صنيعتك و مصطنعك، و اصطنعتك لنفسى، قال الحطيئة:
فإن يصطنعني اللَّه لا أصطنعكم و لا اوتكم مالى على العثرات
و قال في القاموس: هو صنيعى و صنيعتى أى اصطنعته و ربّيته و خرّجته.
و الصنيعة أيضا هي ما يسدى من معروف أو يد إلى إنسان، قال ابن مولى ليزيد بن حاتم:
و إذا صنعت صنيعة أتممتها بيدين ليس نداهما بمكدّر
و البيت من الحماسة، قال المرزوقي في الشرح: يقول: و إذا اتّخذت عند إنسان يدا و أزللت إليه نعمة فانّك لا تخدجها و لا تترك تربيتها لكنّك تكمّلها و تقوم بعمارتها مصونة من المنّ و التكدير صافية من الشوائب و التعذير.
الاعراب:
(أنّ قوما) مفعول ترى (الرميّة) فعيلة بمعنى مفعولة و أنثت لأنّها جعلت اسما لا نعتا و المراد بها الدّنيا أى دع من مال إلى الدّنيا و مالت به أى أمالته إليها.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 19، ص: 113
المعنى:
ثم أخذ أمير المؤمنين عليه السّلام بتذكير معاوية و تنبيهه على أفضليّته و أفضليّة من هو من بيته و نسبه من بني هاشم حيث قال: (ألا ترى غير مخبر لك- لكن بنعمة اللّه احدّث- أنّ قوما إلخ). يعني بقوله غير مخبر لك أنك لست بأهل أن يخاطبك مثلي كما يستفاد من سياق الكلام، و يحتمل بعيدا أن يفسّر بأنّ معاوية لما كان واقفا على ذلك قال الأمير عليه السّلام: غير مخبر لك، و قوله عليه السّلام: لكن بنعمة اللّه احدّث يشير إلى قوله تعالى في سورة الضّحى: «وَ أَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ».
ثمّ قال عليه السّلام: (قيل: سيّد الشّهداء) يعني بسيّد الشّهداء عمّه حمزة بن عبد المطلب رضوان اللّه عليه استشهد في احد و القائل هو رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله حيث قال: إنه سيّد الشّهداء و خصّه بسبعين تكبيرة عند صلاته عليه و مضى الكلام في شهادة حمزة و صلاة الرّسول صلى اللّه عليه و آله و حزنه عليه في المختار التاسع من باب الكتب (ج 17) فراجع.
ثمّ قال عليه السّلام: (إنّ قوما قطعت أيديهم في سبيل اللّه) يعني به أخاه جعفر بن أبي طالب رضوان اللّه عليه استشهد في غزوة موتة، و قد تقدّم الكلام في شهادته و فضله في شرح المختار التاسع المقدّم ذكره أيضا فلا فائدة في الإعادة.
ثمّ أخذ عليه السّلام بنقل فضائله و لكن أعرض عنه لما نهى اللّه عنه من تزكية المرء نفسه فقال: (و لو لا ما نهى اللّه. إلخ)- و أراد من قوله: (لذكر ذاكر) نفسه الشريفة، ثمّ وصف الفضائل بأنها بلغت في الشهرة و الوضوح مبلغا تعرفها قلوب المؤمنين و لا تمجّها آذان السّامعين فلا ينكرها إلا عميان القلب و فاقد السمع و سياق الكلام يفيد أنّها لوضوحها لا يمكن لأحد إنكارها و إن كان غير مؤمن يثقل عليه سماعها حيث قال عليه السّلام: (و لا تمجّها آذان السّامعين) بعد قوله: تعرفها قلوب المؤمنين.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 19، ص: 114
ثمّ قال عليه السّلام: (فدع عنك من مالت به الرمية) و في نهاية الأرب: الدنية مكان الرمية و هي الأمر الخسيس، قيل: انه مثل و أصله أنّ رجلا قصد مكانا و قد عرض عليه في أثناء طريقه صيد فجعل يتبعه ليصطاده فشغله عمّا قصده. انتهى كلامه بترجمة منّا، و لكنا لم نظفر به، و الحقّ ما قاله آخر من أنّه كالمثل.
و أمّا معناه: فقال الكيدريّ- كما نقل عنه في البحار: (ص 536 ج 8) أراد عليه السّلام أنّه- يعني معاوية- مطعون في نسبه و حسبه و أنّه أزاله عن مقام التّفاخر و التنافر مطاعن شهرت فيه. انتهى. ثمّ قال المجلسي- ره-: و كأنّه حمل على الرماية على السهام المرميّة. انتهى.
و ذكر المولى صالح القزويني- ره- في شرحه على النهج بالفارسيّة في معناه ثلاثة أوجه: أوّلها أنّه عليه السّلام أراد بمن نفسه الشريفة أي دعنى يا معاوية و شأني أسكت عنك، و لم يك قصدي أن افاخرك بمفاخري و لكن تعرّض لي صيد في أثناء الطريق فرميته بسهم.
و ثالثها أنّه عليه السّلام أراد بمن معاوية أي دع ما يشغلك عن الحقّ و اترك ما لا يعنيك و دونك و شأنك و لا تكن كالّذي مالت به الرّمية، و احتمله العالم الشارح البحريني قدّس سرّه أيضا حيث قال: و يحتمل أن تكون الإشارة إليه بعينه على طريقة قولهم: إيّاك أعني و اسمعي يا جارة.
قلت: ما ذهب إليه الكيدري- ره- بعيد عن سياق العبارة و كذا الوجهان المذكوران سيّما الأوّل منهما، و معنى العبارة المستفاد من سياقها أن أمير المؤمنين عليه السّلام يأمره عن عدم الالتفات إلى أقوال أبناء الدّنيا كعمرو بن العاص و أضرابه أى دع قوما أمالتهم الدّنيا الدّنية عن سوّى الصراط، و بعد نفسك عنهم.
ثمّ قال عليه السّلام: (فإنا صنائع ربّنا و الخلق بعد صنائع لنا) إنما أتى بالفاء لأنّ كلامه هذا في مساق العلّة لقوله عليه السّلام: فدع عنك من مالت به الرّمية، أي يجب عليك ترك هؤلاء القوم الّذين ضلّوا عن الطريق الحق، و عليك باتباع سبيلنا لأنّا صنائع ربّنا فمن أعرض عنّا فقد حاد عن الصراط المستقيم.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 19، ص: 115
ثمّ إنّ كلامه هذا فوق كلام البشر، و فوق ما يحوم حوله العبارة عليه مسحة من العلم الإلهي و لعمري أنّه يجري مجرى التنزيلات السّماويّة، لما اشتمل عليه من أمر الخلافة الحقّة، و شأن الحجج الإلهيّة، و أراه كأنّه موج برز من محيط عظيم، أو نور سطع من عالم الأمر الحكيم، لا يتفوّه به إلّا من اصطنعه الله تعالى لنفسه، و لا يقدر على الإتيان به إلّا قائل إنّا لامراء الكلام و فينا تنشّبت عروقه و علينا تهدّلت غصونه، و لا يليق هذا الإدّعاء إلّا لنبيّ أو وصي نبيّ، و لا يصدر نحو هذه الكلمة العليا إلّا من قلب هو عيبة أسرار اللّه جلّ شأنه، و بالجملة:
آن كس كه ز كوى آشنائيست داند كه متاع ما كجائيست
و قد علمت في تفسير اللّغات أنّ فلانا صنيعي و صنيعتى أى اصطنعته و ربّيته و خرجته و فلان صنيعتك و مصطنعك، قال عزّ من قائل: «إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عینها» (طه 42) أى اصطفيتك و أخلصتك و استخلصتك لنفسى كما قال عزّ من قائل: «وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً» (مريم 52) و قال تعالى: «قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَ بِكَلامِي» (الاعراف 145)، قال جار اللّه الزّمخشرى في الكشاف: هذا تمثيل لما خوّله من منزلة التقريب و التكريم و التكليم، مثّل حاله بحال من يراه بعض الملوك لجوامع خصال فيه و خصائص أهلا لئلّا يكون أحد أقرب منزلة منه إليه و لا يأتمن على مكنون سرّه سواه. انتهى.
و قال النيسابورى في التفسير: اصطنعت فلانا لنفسى إذا اصطفيته و خرجته و معناه أحسنت إليه حتّى أنّه يضاف إليه، و نقل نحوه عن القفّال أيضا، ففيه غاية التشريف و التكريم.
و إذا تأمّلت حقّ التأمل بما أهدينا إليك في الصنيعة تجدها تجري مجري الاصطفاء و الاجتباء و الإخلاص و الاستخلاص فتدبّر في قوله تعالى: «وَ اذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَ الْأَبْصارِ. إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ وَ إِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ» (ص: 48).
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 19، ص: 116
و قوله تعالى: «وَ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ. ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا» (فاطر: 32).
و قوله تعالى: «اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ» (الحج: 76).
و قوله تعالى: «وَ تِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ» - إلى قوله: «وَ إِسْماعِيلَ وَ الْيَسَعَ وَ يُونُسَ وَ لُوطاً وَ كلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ. وَ مِنْ آبائِهِمْ وَ ذُرِّيَّاتِهِمْ وَ إِخْوانِهِمْ وَ اجْتَبَيْناهُمْ وَ هَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» .
و في قوله تعالى: «أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَ مِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَ إِسْرائِيلَ وَ مِمَّنْ هَدَيْنا وَ اجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَ بُكِيًّا» (مريم: 59).
و في قوله تعالى: «كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَ الْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ» (يوسف: 25)، و قوله تعالى: «وَ قالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي» (يوسف: 55).
ثمّ لا يخفى عليك لطف كلامه عليه السّلام: فانا صنائع ربّنا و الناس بعد صنائع لنا من حيث إتيانه الضمير على هيئة الجمع دون المفرد يعنى أنّ جميع حجج اللّه اصطنعهم اللّه تعالى لنفسه و اصطفيهم بين سائر عباده فهو عليه السّلام ينادى بأعلى صوته بأنّ خليفة اللّه لا بدّ من أن يكون منصوبا من عنده تبارك و تعالى، كما أفاد بكلامه هذا أعنى: فإنّا صنائع ربّنا أنهم معصومون أيضا و ذلك لأنّ اللّه لا يصطنع لنفسه من لا يكون معصوما و قد مرّ بحثنا عن ذلك مشبعا في الإمام و صفاته في شرح المختار 237 من باب الخطب (ص 33- إلى- 176 من ج 16).
و قد مضى كلام ثامن الأئمة عليهم السّلام في ذلك أيضا من أنّ العبد إذا اختاره اللّه عزّ و جلّ لامور عباده شرح صدره لذلك و أودع قلبه ينابيع الحكمة و ألهمه العلم إلهاما فلم يعى بعده بجواب و يحيّر فيه عن الصّواب و هو معصوم مؤيد موفق مسدّد قد أمن الخطايا و الزلل و العثار و خصّه اللّه بذلك ليكون حجّة على عباده و شاهده على خلقه و ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء و اللّه ذو الفضل العظيم.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 19، ص: 117
و أفاد عليه السّلام بكلامه: و الناس صنائع لنا، أنّهم عليهم السّلام وسائط فيض اللّه تعالى بين اللّه المتعال و بين عباده، و بقوله: إنّا صنائع ربّنا أنه لا واسطة بينهم و بين اللّه تعالى.
ثمّ إنّ في سياق العبارة إيماء إلى أنّ من بلغ هذه المرتبة و المنزلة إكراما من الله تعالى حتّى اصطفيه اللّه و اتّخذه صنيعته و جعل النّاس صنائع له فكيف يجعل غيره عدله فضلا عن أن يجعل أفضل منه و إن كان للغير قرب صورى و ظاهرى من رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و أنى هذه المنزلة الاعتبارية و من هو ممّن اجتبيه اللّه تعالى و اصطنعه لنفسه.
الترجمة:
نمى خواهم كه بتو خبر دهم و با تو سخن بگويم ولى نعمت خداى تعالى را بازگو مى كنم كه مى گويم: مگر نمى بينى كه چون از مهاجرين كسى شهيد مى شد- و البتّه براى هر يك فضلى است- يكى سيّد الشهداء بود كه پيغمبر صلى اللّه عليه و آله بر جنازه اش هفتاد تكبير بگفت؟ و ديگرى كه دستهايش بريده شد او را طيّار گفتند كه با دو بال در بهشت پرواز مى كرد، و اگر خداى تعالى از خودستائى باز نمى داشت هر آينه فضائل كسى را مى شنيدى كه دلهاى با إيمان بدانها آشنايند و شنونده اى انكار آنها نتواند كرد. دست بردار از كسانى كه گول دنيا خورده اند و از راه راست بدر رفتند ما برگزيدگان خداى خوديم و مردم برگزيدگان ما.