منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 355
و تدبّروا أحوال الماضين من المؤمنين قبلكم كيف كانوا في حال التّمحيص و البلاء، أ لم يكونوا أثقل الخلائق أعباء، و أجهد العباد بلاء و أضيق أهل الدّنيا حالا، اتّخذتهم الفراعنة عبيدا فساموهم سوء العذاب و جرّعوهم جرع المرار، فلم تبرح الحال بهم في ذلّ الهلكة، و قهر الغلبة، لا يجدون حيلة في امتناع، و لا سبيلا إلى دفاع. حتّى إذا رأى اللّه جدّ الصّبر منهم على الأذى في محبّته، و الاحتمال للمكروه من خوفه، جعل لهم من مضائق البلاء فرجا، فأبدلهم العزّ مكان الذّلّ، و الأمن مكان الخوف، فصاروا ملوكا حكّاما، و أئمّة أعلاما، و بلغت الكرامة من اللّه لهم ما لم تذهب الامال إليه بهم. فانظروا كيف كانوا حيث كانت الأملاء مجتمعة، و الأهواء مؤتلفة «متّفقة خ»، و القلوب معتدلة، و الأيدي مترادفة، و السّيوف متناصرة، و البصائر نافذة، و العزائم واحدة. أ لم يكونوا أربابا في أقطار الأرضين، و ملوكا على رقاب العالمين فانظروا إلى ما صاروا إليه في آخر أمورهم حين وقعت الفرقة، و تشتّتت الالفة، و اختلفت الكلمة و الأفئدة، و تشعّبوا مختلفين، و تفرّقوا متحاربين، قد خلع اللّه عنهم لباس كرامته، و سلبهم غضارة نعمته، و بقي قصص أخبارهم فيكم، عبرا للمعتبرين منكم (45275- 44721).
اللغة:
و (سام) فلانا أمرا أى كلّفه إياه و أكثر ما يستعمل في الشرّ و العذاب قال سبحانه «يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ». (و المرار) بالضمّ شجر مرّ إذا اكلت منه الابل قلصت مشافرها و (الاملاء) جمع الملاء و هو الجماعة و (قصص أخبارهم) في بعض النسخ بكسر القاف جمع قصّة، و في بعضها بالفتح كصدر من قصصت الخبر قصا حدّثت به على وجهه، و الأوّل أولى.
الاعراب:
و جملة: اتّخذتهم الفراعنة، استيناف بياني لا محلّ لها من الاعراب.
المعنى:
و لما ذكر على وجه العموم أنّ كلّ أمّة من الامم السابقة ترافدت أيديهم و تناصروا و تعاونوا كان ذلك سببا لعزّتهم و ابعاد الأعداء عنهم، و كلّ امّة افترقوا و تقاطعوا استلزم ذلك ذلّهم و كسر شوكتهم و ضعف قوّتهم، عقّبه بتذكير حال خصوص المؤمنين الماضين، و أنّ اجتماع كلمتهم جعلهم ملوكا في أقطار الأرضين و اختلافها أوجب خلع لباس العزّ عنهم و كونهم مقهورين بعد ما كانوا قاهرين و هو قوله: (و تدبّروا أحوال الماضين من المؤمنين قبلكم كيف كانوا في حال التمحيص و البلاء) أى حال الاختبار و الابتلاء (ألم يكونوا أثقل الخلايق أعباء) أى أثقالا
______________________________
(1)- و هى ازاحة الاعداء و مدّ العافية و انقياد النعمة و وصل الكرامة، منه.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 374
(و أجهد العباد بلاء و أضيق أهل الدّنيا حالا) و بيّن شدة ابتلائهم و ضيق حالهم بقوله: (اتّخذتهم الفراعنة عبيدا) و المراد بهم إما فراعنة مصر كما سنشير اليه و تقديم ذكرهم في شرح الفصل الثاني من الخطبة المأة و الاحدى و الثمانين و يدلّ عليه صريحا:
ما فى البحار من تفسير القمّي عن أبي الجارود عن أبى جعفر عليه السّلام في قوله تعالى «وَ قالَ مُوسى - إلى قوله-: رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» فانّ قوم موسى عليه السّلام استعبدهم آل فرعون و قالوا: لو كان لهؤلاء على اللّه كرامة كما يقولون ما سلطنا عليهم، الحديث أو مطلق العتاة كما قال الشارح المعتزلي (فساموهم) أى كلّفوهم و أذاقوهم (سوء العذاب استعاره و جرّعوهم جرع المرار) أى سقوهم المرار جرعة بعد جرعة، و يستعار شرب المرار لكلّ من يلقى شديد المشقة.
و المراد بسومهم سوء العذاب إمّا خصوص ذبح الأبناء و ترك البنات، فيكون جرع المرار إشارة إلى ساير شدايدهم، أو الأعمّ منه و من ساير أعمالهم الشاقة، فيكون عطف و جرّعوهم جرع المرار، من قبيل عطف المسبّب على السبب، يعنى أنهم عذّبوهم بسوء العذاب من الذّبح و غيره، فاشربوهم بسبب ذلك التعذيب جرع المرار إلى كلّ من المعنيين ذهب المفسّرون في تفسير قوله تعالى «وَ إِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَ يَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَ فِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ».
قال امين الاسلام الطبرسي: فرعون اسم لملك العمالقة كما يقال لملك روم قيصر، و لملك الفرس كسرى، و لملك الترك خاقان، و لملك اليمن تبّع، فهو على هذا بمعنى الصفة، و قيل: إنّ اسم فرعون مصعب بن الرّيان، و قال محمد بن إسحاق: هو الوليد بن مصعب.
قال الطبرسي: فصّل سبحانه في هذه الاية النعمة الّتي أجملها فيما قبل فقال:
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 375
و اذكروا إذ نجّيناكم اى خلصناكم، من قوم فرعون و أهل دينه، يسومونكم يلزمونكم سوء العذاب، و قيل: يذيقونكم و يكلّفونكم و يعذّبونكم، و الكلّ متقارب و اختلفوا في العذاب الذى نجّاهم اللّه منه فقال بعضهم: ما ذكر في الاية من قوله يذبّحون أبناءكم و يستحيون نساءكم و هذا تفسيره. «1» و قيل: أراد به ما كانوا يكلّفونهم من الأعمال الشاقّة، فمنها أنّهم جعلوهم أصنافا فصنف يخدموهم، و صنف يحرثون لهم، و من لا يصلح منهم للعمل ضربوا عليهم الجزية و كانوا يذبّحون أبناءهم و يستحيون نساءهم مع ذلك، و يدلّ عليه قوله تعالى في سورة إبراهيم «يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ» فعطفه على ذلك يدلّ على أنه غيره، و معناه يقتلون أبناءكم و يستحيون نساءكم يستبقونهنّ و يدعونهنّ احياء ليستعبدن و ينكحن علي وجه الاسترقاق، و هذا أشدّ من الذّبح، و في ذلكم أى في سومكم العذاب و ذبح الأبناء ابتلاء عظيم من ربّكم، لما خلى بينكم و بينه حتى فعل بكم هذه الأفاعيل.
و السبّب في قتل الأبناء أنّ فرعون رأى في منامه كان نارا أقبلت من بيت المقدّس حتى اشتملت على بيوت مصر فاحترقتها و احترقت القبط و تركت بنى إسرائيل، فهاله ذلك و دعا السّحرة و الكهنة، و القافة فسألهم عن رؤياه، فقالوا إنه يولد في بني إسرائيل غلام يكون على يده هلاكك و زوال ملكك و تبديل دينك، فأمر فرعون بقتل كلّ غلام يولد في بني إسرائيل و جمع القوابل فقال لهنّ لا يسقط في أيديكنّ غلام من بني إسرائيل إلّا قتل و لا جارية إلّا تركت و وكّل بهنّ، فكنّ يفعلن ذلك و أسرع الموت في مشيخة بني إسرائيل، فدخل رءوس القبط على فرعون فقالوا له: إنّ الموت قد وقع في بني إسرائيل فيذبح صغارهم و يموت كبارهم و يوشك أن يقع العمل علينا، فأمر فرعون أن يذبحوا سنة و يتركوا سنة فولد
______________________________
(1)- و فى تفسير الامام عليه السلام و كان من عذابهم الشديد انه كان فرعون يكلفهم عمل البناء و الطين و يخاف ان يهربوا من العمل فامرهم بتقييدهم و كانوا ينقلون ذلك على السلاليم الى السطوح فربما سقط الواحد منهم فمات او زمن فلا يحقلون بهم، الحديث.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 376
هارون في السنة الّتى لا يذبحون فيها فترك، و ولد موسى في السّنة الّتي يذبحون فيها.
و في البحار عن الثعلبي في كتاب عرايس المجالس لما مات الريان بن الوليد فرعون مصر الأول صاحب يوسف عليه السّلام و هو الذى ولىّ يوسف خزائن أرضه و أسلم على يديه، فلما مات ملك بعده قابوس بن مصعب صاحب يوسف الثاني، فدعاه يوسف عليه السّلام إلى الاسلام فأبي، و كان جبّارا و قبض اللّه تعالى يوسف عليه السّلام في ملكه ثمّ هلك و قام بالملك بعده أخوه أبو العباس بن الوليد بن مصعب بن الريان بن اراشة بن مروان بن عمرو بن فاران بن عملاق بن لاوز بن سام بن نوح عليه السّلام، و كان أعتى من قابوس و أكبر و أفجر، و امتدّت أيام ملكه و أقام بنو إسرائيل بعد وفاة يوسف و قد نشروا و كثروا و هم تحت أيدى العمالقة و هم على بقايا من دينهم مما كان يوسف و يعقوب و إسحاق و إبراهيم عليهم السّلام شرعوا فيهم من الاسلام متمسّكين به، حتى كان فرعون موسى الذى بعثه اللّه إليه و لم يكن منهم فرعون أعتى على اللّه و لا أعظم قولا و لا أقسى قلبا و لا أطول عمرا في ملكه و لا أسوء ملكة لبني إسرائيل منه و كان يعذّبهم و يستعبدهم فجعلهم خدما و خولا و صنفهم في أعماله فصنف يبنون و صنف يحرسون، و صنف يتولون الأعمال القذرة و من لم يكن من أهل العمل فعليه الجزية كما قال تعالى «يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ».
(فلم تبرح الحال بهم في ذلّ الهلكة و قهر الغلبة) أى لم يزالوا أذلّاء هالكين مقهورين مغلوبين في أيدى الفراعنة و أتباعهم (لا يجدون حيلة في امتناع) منهم (و لا سبيلا إلى دفاع) عنهم.
(حتّى إذا) طالت بهم المدّة و بلغت الغاية المشقّة و الشدّة و (رأى اللّه سبحانه جدّ الصّبر منهم) أى رأى منهم أنهم مجدّون في الصّبر (على الاذى في محبّته و الاحتمال) أى التحمل (للمكروه من خوفه) و خشيته.
(جعل لهم من مضائق البلاء فرجا) و من سوء العذاب مخرجا (فأبدلهم العزّ مكان الذلّ و الأمن مكان الخوف) كما قال عزّ من قائل:
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 377
«وَ أَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَ مَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها وَ تَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا وَ دَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَ قَوْمُهُ وَ ما كانُوا يَعْرِشُونَ» و قال أيضا «وَ لَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ. مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ. وَ لَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ» أى نجّينا الذين آمنوا بموسى عليه السّلام من العذاب المهين، يعنى قتل الأبناء و استخدام النساء و تكليف المشاق و الاستعباد بعد سنين متطاولة و مدد متمادية.
روى الصّدوق في كتاب كمال الدّين و اتمام النعمة عن سعيد بن جبير عن سيّد العابدين عليّ بن الحسين عن أبيه سيّد الشهداء الحسين بن عليّ عن أبيه سيد الوصيّين أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لما حضرت يوسف الوفاة جمع شيعته و أهل بيته فحمد اللّه و أثنا عليه ثمّ حدّثهم بشدّة تنالهم تقتل فيها الرجال و تشقّ بطون الحبالى و تذبح الأطفال حتّى يظهر اللّه في القائم من ولد لاوى بن يعقوب و هو رجل أسمر طوال و نعته لهم بنعته فتمسّكوا بذلك، و وقعت الغيبة و الشدّة على بنى اسرائيل و هم ينتظرون قيام القائم أربعمائة سنة حتّى إذا بشّروا بولادته و رأوا علامات ظهوره و اشتدّت البلوى و حمل عليهم بالحجارة «بالخشب و الحجارة خ ل».
و طلب الفقيه الذى كانوا يستريحون إلى أحاديثه فاستتر، و راسلهم «و طلبوا خ ل» فقالوا كنا مع الشدّة نستريح إلى حديثك، فخرج بهم إلى الصحارى و جلس يحدّثهم حديث القائم و نعته و قرب الأمر، و كانت ليلة قمراء.
فبيناهم كذلك حتّى طلع عليهم موسى عليه السّلام و كان في ذلك الوقت حدث السّن قد خرج من دار فرعون يظهر النزهة، فعدل عن موكبه و أقبل إليهم و تحته بغلة و عليه طيلسان خزّ.
فلمّا رآه الفقيه عرفه بالنعت فقام اليه و انكبّ على قدمه فقبّلها ثمّ قال: الحمد للّه الذى لم يمتني حتّى أرانيك، فلما رأى الشيعة ذلك علموا أنّه صاحبهم فأكبّوا على الأرض شكرا للّه عزّ و جلّ فلم يزدهم على أن قال: أرجو أن يعجّل اللّه فرجكم.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 378
ثمّ غاب بعد ذلك و خرج إلى مدينة مدين فأقام عند شعيب عليه السّلام ما أقام فكانت الغيبة الثانية أشدّ عليهم من الاولى، و كانت نيفا و خمسين سنة، و اشتدّت البلوى عليهم.
و استتر الفقيه فبعثوا إليه أنه لا صبر لنا على استتارك عنّا، فخرج إلى بعض الصحارى و استدعاهم و طيّب نفوسهم و أعلمهم أنّ اللّه عز و جلّ أوحى إليه أنّه مفرّج عنهم بعد أربعين سنة، فقالوا بأجمعهم: الحمد للّه، فأوحى اللّه عزّ و جلّ إليه قل لهم قد جعلتها ثلاثين سنة لقولهم الحمد للّه، فقالوا: كلّ نعمة من اللّه، فأوحى اللّه إليه قل لهم: قد جعلتها عشرين سنة، فقالوا: لا يأتي بالخير إلّا اللّه، فأوحى اللّه تعالى إليه قل لهم: قد جعلتها عشرا، فقالوا: لا يصرف السوء إلّا اللّه، فأوحى اللّه إليه قل لهم:
لا تبرحوا فقد أذنت لكم في فرجكم.
فبيناهم كذلك إذ طلع موسى عليه السّلام راكبا حمارا فأراد الفقيه أن يعرف الشيعة ما يستبصرون به فيه، و جاء موسى عليه السّلام حتّى وقف عليهم فسلّم عليهم فقال له الفقيه:
ما اسمك؟ قال: موسى، قال: ابن من؟ قال: ابن عمران، قال: ابن من؟ قال: ابن فاهت بن لاوى بن يعقوب، قال: بما ذا جئت؟ قال: جئت بالرّسالة من عند اللّه عزّ و جلّ، فقام إليه فقبّل يده ثمّ جلس بينهم فطيّب نفوسهم و أمرهم أمره ثمّ فرّقهم، فكان بين ذلك الوقت و بين فرجهم بغرق فرعون أربعون سنة.
(فصاروا) أى المؤمنون بعد غرق فرعون و جنوده (ملوكا حكاما و أئمة أعلاما) كما يدلّ عليه قوله سبحانه في سورة القصص «وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ» .
قال الطبرسى: المعنى أنّ فرعون كان يريد إهلاك بنى اسرائيل و إفنائهم و نحن نريد أن نمنّ عليهم و نجعلهم أئمة أى قادة و رؤساء في الخير يقتدى بهم عن ابن عباس، و قيل: نجعلهم ولاة و ملوكا عن قتادة، و هذا القول مثل الأوّل، لأنّ الذين جعلهم اللّه ملوكا فهم أئمة و لا يضاف إلى اللّه سبحانه ملك من يملك الناس ظلما و عدوانا، و قد قال سبحانه «فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً» و الملك
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 379
من اللّه هو الذى يجب أن يطاع فالأئمة على هذا ملوك مقدّمون في الدّين و الدّنيا يطأ الناس أعقابهم.
و فى سورة المائدة «وَ إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَ جَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَ آتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ» اى اذكروا نعمة اللّه و أياديه لديكم إذ جعل فيكم أنبياء يخبرون بالغيب و تنصرون بهم على الأعداء و لم يبعث فى أمّة ما بعث فى بنى اسرائيل من الأنبياء، و قيل: هم الأنبياء الذين كانوا بعد موسى عليه السّلام مقيمين فيهم إلى زمن عيسى عليه السّلام مبيّنون لهم أمر دينهم، و جعلكم ملوكا أى جعل منكم أو فيكم، و قد تكاثر فيهم الملوك تكاثر الأنبياء بعد فرعون، و قيل:
لما كانوا مملوكين فى أيدى القبط فأنقذهم و جعلهم مالكين لأنفسهم و امورهم سماهم ملوكا، و آتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين، من فلق البحر و تظليل الغمام و المنّ و السّلوى و غيرها مما أكرمهم اللّه تعالى به.
(و) قد (بلغت الكرامة من اللّه لهم ما) أى إلى مقدار (لم تذهب الامال إليه بهم) أى إلى ذلك المقدار، يعني بلغت كرامة اللّه لهم إلى غاية الغايات و فوق ما يأمله الاملون و يرجوه الراجون، حيث آتاهم ما لم يؤت أحدا من العالمين.
و لذلك منّ اللّه عليهم في موضعين من سورة البقرة بقوله «يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَ أَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ» و ذلك إنّ اللّه سبحانه فلق لهم البحر و أنجاهم من فرعون و أهلك عدوّهم و أورثهم ديارهم و أموالهم و أنزل عليهم التوراة فيها تبيان كلّ شيء يحتاجون إليه و أعطاهم ما أعطاهم في التيه، و ذلك أنهم قالوا أخرجتنا من العمران و البنيان إلى مفازة لا ظلّ فيها و لا كنّ فأنزل اللّه عليهم غماما أبيض رقيقا ليس بغمام المطر أرقّ و أطيب و أبرد منه فأظلّهم و كان يسير معهم إذا ساروا، و يدوم عليهم من فوقهم إذا نزلوا، فذلك قوله تعالى «وَ ظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ» يعني في التيه تقيكم من حرّ الشمس.
و من جملة كرامته تعالى لهم أنّه جعل لهم عمودا من نور يضيء لهم بالليل إذا لم يكن ضوء القمر، فقالوا: هذا الظلّ و النور قد حصل فأين الطعام فأنزل اللّه تعالى عليهم المنّ.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 380
و اختلفوا فيه ففي تفسير الامام هو الترنجبين و به قال الضحاك، و قال مجاهد:
هو شيء كالصمغ كان يقع على الأشجار و طعمه كالشهد، و قال وهب: هو الخبز الرقاق، و قال السّدى: هو عسل كان يقع على الشجر من الليل فيأكلون منه، و قال عكرمة:
هو شيء أنزله عليهم مثل الربّ الغليظ.
و قال الزجاج: جملة المنّ ما يمنّ اللّه به ممّا لا تعب فيه و لا نصب فقالوا: يا موسى قتلنا هذا المنّ حلاوته فادع لنا ربّك يطعمنا اللحم فأنزل اللّه عليهم السّلوى.
و اختلفوا فيه أيضا ففي تفسير الامام هو السماني أطيب طير لحما يسترسل لهم فيصطا دونه، و قال ابن عباس و الاكثر: هو طاير يشبه السّماني، و قال أبو العالية و مقاتل: هو طير حمر و كانت السّماء تمطر عليهم ذلك، و قيل: كانت طيرا مثل فراخ الحمام طيّبا و سمينا قد تمعط ريشها و زغبها فكانت الريح تأتي بها إليهم فيصبحون و هو في معسكرهم.
و من جملة كراماته لهم أنهم عطشوا في التيه فقالوا يا موسى من أنزلنا الشراب، فاستسقى لهم موسى، فأوحى اللّه سبحانه أن اضرب بعصاك الحجر، قال ابن عبّاس:
كان حجرا خفيفا مربعا مثل رأس الرّجل أمر أن يحمله فكان يضع في مخلاته، فاذا احتاجوا إلى الماء ألقاه و ضربه بعصاه فسقاهم، و كان يسقى كلّ يوم ستمائة ألف.
و منها أنهم قالوا لموسى: من أين لنا اللباس فجدّد اللّه لهم ثيابهم التي كانت عليهم حتّى لا تزيد على كرور الأيام و مرور الأعوام إلّا جدة و طراوة لا تخلق و لا تبلى، و قد مضى تفصيل التيه فى شرح الخطبة المأة و الخامسة و السّتين، هذا.
و لما أمر بالتدبر فى أحوال المؤمنين الماضين و تبدّل ذلّهم بالعزّ و خوفهم بالأمن و انتقالهم من عبوديّة الفراعنة إلى الملك و السلطنة، و بلوغهم من كرامة اللّه إلى ما لم تذهب إليه الامال، عقّبه بالأمر بالنظر في حالهم و التّنبيه على أنّ المستلزم لتلك الخيرات كلّها إنما كان هو الالفة و الاجتماع، و أنهم ما دامت كلمتهم متّفقة و قلوبهم مؤتلفة كان العزّ و السلطنة فيهم مستقرّة، و لمّا اختلفت الاراء
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 381
و تشتّتت الأهواء عاد جميعهم إلى الشتات و عزّهم إلى البتات، فأبدلوا الذّل مكان العزّ، و الخوف مكان الأمن و صار مال أمرهم عبرا للمعتبرين و تذكرة للمتدبّرين و هو قوله:
(فانظروا كيف كانوا) فى مبدء أمرهم بعد الخلاص من استرقاق الفراعنة (حيث كانت الأملاء) أى الجماعات و الأشراف (مجتمعة و الأهواء مؤتلفة و القلوب معتدلة) محفوظة من الميل إلى طرف الافراط أو التفريط (و الأيدى مترادفة) أى مترافدة متعاونة مجاز (و السّيوف متناصرة) نسبة التناصر إلى السّيوف من باب التوسّع و الاسناد إلى السبب (و البصائر نافذة) أى ماضية غير متردّدة فإنّ من نفذت بصيرته في أمر لا يبقى له تردّد فيه لعلمه به و تحققه إيّاه (و العزائم واحدة) أى الارادات الجازمة اللازمة على طلب الحقّ متفقة.
استفهام تقريرى (ألم يكونوا أربابا في أقطار الأرضين و ملوكا على رقاب العالمين) الاستفهام للتقرير بما بعد النفى و المقصود التنبيه على أنهم صاروا ملوكا و أربابا بسبب اتّصافهم بشئون الالفة، و ملازمتهم لمراسم المحبّة فأمر المخاطبين بالنظر في حالهم ليقتفوا آثارهم في الايتلاف و الاجتماع، فينالوا به الفوز العظيم ، ثمّ أمرهم بالنظر الى مال أمرهم فقال: (فانظروا إلى ما صاروا إليه فى آخر امورهم) و احذروا أن تكونوا مثلهم فى النفاق و الافتراق فتقعوا فى مهواة الذّلة و مفازة الهلكة، فانهم (حين وقعت الفرقة و تشتّتت) أى تفرّقت (الالفة و اختلفت الكلمة و الأفئدة و تشعّبوا) أى صاروا شعوبا و قبائل حال كونهم (مختلفين و تفرّقوا متحاربين) و فى بعض النسخ متحزّبين أى اختلفوا أحزابا (قد خلع اللّه عنهم) بسبب التفرّق و الاختلاف (لباس كرامته) و عزّته (و سبلهم غضارة نعمته) أى طيّبها و لذّتها (و بقى قصص أخبارهم فيكم عبرا للمعتبرين منكم) و محصّل ما ذكره عليه السّلام أنّهم خلعوا من لباس الكرامة و سلبوا من غضارة النعمة، و نزعوا من الملك و السلطنة بسبب افتراق الكلمة و اختلاف الاراء و تفرّقهم
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 382
بالحرب و البغى و الفساد و سفك الدّماء فضربت «1» عليهم الذّلة و المسكنة و باءوا بغضب من اللّه ذلك بأنّهم كانوا يكفرون بايات اللّه و يقتلون النبيّين بغير الحقّ ذلك بما عصوا و كانوا يعتدون.
و الى ذلك اشير فى قوله سبحانه فى سورة المائدة: مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ قال الباقر عليه السّلام المسرفون هم الذين يستحلّون المحارم و يسفكون الدّماء.
و فى الجاثية وَ لَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَ الْحُكْمَ وَ النُّبُوَّةَ وَ رَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَ فَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ. وَ آتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ .
و فى سورة الاسراء «وَ قَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَ لَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً. فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَ كانَ وَعْداً مَفْعُولًا. ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَ أَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَ بَنِينَ وَ جَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً. إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَ إِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَ لِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ لِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً».
قال البيضاوى: و قضينا إلى بني اسرائيل أوحينا إليهم وحيا مقتضيا في التوراة، لتفسدنّ في الأرض إفسادتين اولاهما مخالفة أحكام التوراة و قتل شعيا و قتل ارميا، و ثانيتهما قتل زكريّا و يحيى و قصد قتل عيسى عليه السّلام، فإذا جاء وعد عقاب أوليهما بعثنا عليكم عبادا لنا بخت النصر عامل لهراسف على بابل و جنوده، و قيل جالوت، و قيل سخاريب من أهل نينوى، أولى بأس شديد ذوى قوّة و بطش في الحرب شديد، فجاسوا تردّدوا لطلبكم، خلال الدّيار وسطها للقتل و الغارة، قتلوا كبارهم و سبوا صغارهم و حرّقوا التوراة و خربوا المساجد، ثمّ رددنا لكم الكرّة أى الدّولة و الغلبة عليهم على الذين بعثوا عليكم، و ذلك بأن ألقى اللّه في قلب بهمن بن اسفنديار
______________________________
(1)- اقتباس من الاية فى سورة البقرة م
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 383
لما ورث الملك من جدّه كشتاسف بن لهراسف شفقة عليهم، فردّ اسراءهم إلى الشام و ملك دانيال عليهم فاستولوا على من كان فيها من اتباع بخت نصر، أو بأن سلّط داود على جالوت فقتله و جعلناكم اكثر نفيرا، مما كنتم و النفير من ينفر مع الرّجل من قومه، و قيل: جمع نفروهم المجتمعون للذهاب، فاذا جاء وعد الاخرة، وعد العقوبة الاخرة ليسوءوا وجوهكم أى بعثناهم ليسوءوا وجوهكم ليجعلوها بادية آثار المساءة فيها، و ليتبّروا ليهلكوا ما علوا ما غلبوه و استولوا عليه أو مدّة علوّهم، تتبيرا و ذلك بأن سلّط اللّه عليهم الفرس مرّة اخرى فغزاهم ملك بابل من ملوك الطوايف اسمه جورز و قيل جردوس.
قيل دخل صاحب الجيش مذبح قرا بينهم فوجد فيه دما يغلى، فسألهم عنه فقالوا دم قربان لم يقبل منّا فقال: ما صدقتموني فقتل عليه الوفا منهم فلم يهدأ الدّم، ثمّ قال: إن لم تصدّقوني ما تركت منكم أحدا، فقالوا: إنّه دم يحيى عليه السّلام، فقال: لمثل هذا ينتقم منكم ربّكم، ثمّ قال: يا يحيى قد علم ربّي و ربّك ما أصاب قومك من أجلك فاهدء باذن اللّه قبل أن لا ابقى أحدا منهم، فهدأ.
و فى البحار من قصص الأنبياء بالاسناد إلى الصّدوق باسناده إلى وهب بن منبه قال: كان بخت نصر منذ ملك يتوقّع فساد بني اسرائيل يعلم أنّه لا يطيقهم إلّا بمعصيتهم، فلم يزل يأتيه العيون بأخبارهم حتّى تغيّرت حالهم و فشت فيهم المعاصي و قتلوا أنبياءهم و ذلك قوله تعالى «وَ قَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ» إلى قوله «فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما» يعني بخت نصر و جنوده أقبلوا فنزلوا بساحتهم.
فلما رأوا ذلك فزعوا إلى ربّهم و تابوا و صابروا على الخير و أخذوا على أيدى سفهائهم و أنكروا المنكر و أظهروا المعروف فردّ اللّه لهم الكرّة على بخت نصر و انصرفوا بعد ما فتحوا المدينة، و كان سبب انصرافهم أنّ سهما وقع في جبين فرس بخت نصر فجمح به حتّى أخرجه من باب المدينة.
ثمّ إنّ بني اسرائيل تغيّروا فيما برحوا حتّى كرّ عليهم و ذلك قوله تعالى «إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَ إِنْ...» فأخبرهم ارميا أنّ بخت نصر يتهيّأ بالمسير
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 384
إليكم و قد غضب اللّه عليكم و أنّ اللّه تعالى جلّت عظمته يستتيبكم لصلاح آبائكم و يقول هل وجدتم أحدا عصاني فسعد بمعصيتي أم هل علمتم أحدا أطاعني فشقى بطاعتي و أمّا أحباركم و رهبانكم فاتّخذوا عبادى خولا يحكمون فيهم بغير كتابى حتّى انسوهم ذكرى، و أما ملوككم و امراؤكم فبطروا نعمتى فغرّتهم الحياة الدّنيا، و أمّا قرّاؤكم و فقهاؤكم فهم منقادون للملوك يبايعونهم على البدع و يطيعونهم فى معصيتى، و أما الأولاد فيخوضون مع الخائضين، و في كلّ ذلك البسهم العافية فلا بدلنّهم بالعزّ ذلّا و بالأمن خوفا إن دعوني لم اجبهم، و إن بكوا لم أرحمهم.
فلما بلّغهم ذلك نبيّهم كذّبوه و قالوا: و قد أعظمت الفرية على اللّه تزعم أنّ اللّه معطل مساجده من عبادته، فقيّدوه، و سجنوه.
فأمر بخت نصر و حاصرهم سبعة أشهر حتى اكلوا خلاهم و شربوا أبوالهم، ثمّ بطش بهم بطش الجبّارين بالقتل و الصّلب و الاحراق و جدع الانوف و نزع الألسن و الأنياب و وقف النساء.
فقيل له: إنّ لهم صاحبا كان يحذرهم بما أصابهم، فاتّهموه و سجنوه، فأمر بخت نصر فاخرج من السجن فقال له: أ كنت تحذر هؤلاء؟ قال: نعم قال: و أنّى علمت ذلك؟ قال: أرسلني اللّه به إليهم، قال: فكذّبوك و ضربوك؟ قال: نعم، قال: لبئس القوم قوم ضربوا نبيّهم و كذّبوا رسالة ربّهم فهل لك أن تلحق بي فاكرمك و إن أحببت أن تقيم في بلادك امنتك؟ قال ارميا: إنّي لم أزل في أمان اللّه منذ كنت لم أخرج منه و لو أنّ بني اسرائيل لم يخرجوا من أمانه لم يخافوك.
فأقام ارميا عليه السّلام مكانه بارض ايليا و هى حينئذ خراب و قد هدم بعضها فلما سمع به من بقي من بني اسرائيل اجتمعوا فقالوا عرفنا أنّك نبيّنا فانصح لنا، فأمرهم أن يقيموا معه، فقالوا: ننطلق إلى ملك مصر نستجير، فقال ارميا عليه السّلام: إن ذمّة اللّه أو في الذمم، فانطلقوا و تركوا ارميا، فقال لهم الملك: أنتم في ذمّتي.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 385
فسمع ذلك بخت نصر فأرسل إلى ملك مصر ابعث بهم إلىّ مصفدين و إلّا آذنتك بالحرب، فلما سمع ارميا عليه السّلام بذلك أدركته الرّحمة لهم فتبادر إليهم لينقذهم، فورد عليهم و قال: إنّ اللّه تعالى جلّ ذكره أوحى إلىّ أنّي مظهر بخت نصر على هذا الملك و آية ذلك انه تعالى أرانى موضع سرير بخت نصر الذى يجلس عليه بعد ما يظفر بمصر، ثمّ عمد فدفن أربعة أحجار في ناحية من الأرض.
فصار إليهم بخت نصر فظفر بهم و أسرهم، فلما أراد أن يقسم الفىء و يقتل الأسارى و يعتق منهم كان منهم ارميا فقال له بخت نصر: أراك مع أعدائى بعد ما عرضتك له من الكرامة، فقال ارميا عليه السّلام: إنّى جئتهم مخوفا اخبرهم خبرك، و قد وضعت لهم علامة تحت سريرك هذا و أنت بأرض بابل، ارفع سريرك فانّ تحت كلّ قائمة من قوائمه حجرا دفنته بيدى و هم ينظرون، فلما رفع بخت نصر سريره وجد مصداق ما قال، فقال لارميا: إنّى لأقتلنهم إذ كذّبوك و لم يصدّقوك، فقتلهم و لحق بأرض بابل.
الترجمة:
و تدبّر نمائيد در حال گذشتگان از مؤمنين كه پيش از شما بودند كه چگونه بودند در حال ابتلا و امتحان، آيا نبودند ايشان سنگين ترين خلق از حيثيّت بارهاى گران، و كوشش كننده ترين خلق از حيثيّت بلا، و تنگ ترين اهل دنيا از حيثيّت حال، اخذ كرد ايشان را فرعونيان بندگان و غلامان، پس عذاب كردند ايشان را به بدترين عذاب، و آشاميدند ايشان را جرعه هاى تلخ، پس بود هميشه حال ايشان در ذلّت هلاكت، و در قهر غلبه در حالتى كه نمى يافتند حيله و علاجى در امتناع از ظلم ايشان، و نه راهى بسوى دفع كردن بلاى ايشان.
تا آنكه چون ديد خداوند متعال كوشش در صبر از ايشان بر اذيّت در محبّت او، و متحمّل شدن مكروه را از خوف او، گردانيد براى ايشان از تنگيهاى بلا و محنت گشايش، پس بدل كرد بر ايشان عزّت را بجاى ذلّت، و أمنيت را بجاى خوف، پس گشتند پادشاهان و حاكمان و امامانى كه علمهاى هدايتند، و رسيد كرامت از جانب خدا براى ايشان بمقامى كه نمى برد آرزوها ايشان را بان مقام.
پس نظر نمائيد بديده اعتبار كه چگونه بودند ايشان وقتى كه بود جماعتها متّفق، و خواهشات موافق، و قلبها معتدل، و دستها يارى يكديگر كننده، و شمشيرها رو بنصرت يكديگر نهنده، و بصيرتها نافذ، و عزيمتها متّحد، آيا نبودند ايشان مالكها در اطراف زمينها، و پادشاهان بر گردن عالميان.
پس نظر كنيد بسوى آنچه كه برگشتند بان در آخر كارهاى خودشان وقتى كه واقع شد پراكندگى، و پراكنده شد پيوستگى، و مختلف شد گفتار و قلوب، و منتشر شدند در حالتى كه مختلف بودند، و متفرّق گشتند در حالتى كه محارب يكديگر بودند، بر كند خداى تعالى از ايشان لباس كرامت خود را، و سلب نمود از ايشان لذّت نعمت خود را، و باقى ماند قصّه هاى خبرهاى ايشان در شما عبرتها از براى عبرت كنندگان از شما.