منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 20، ص: 45
المختار الثاني و الثلاثون من كتاب له عليه السلام الى معاوية:
و أرديت جيلا من النّاس كثيرا: خدعتهم بغيّك، و ألقيتهم في موج بحرك، تغشاهم الظّلمات، و تتلاطم بهم الشّبهات، فجازوا عن وجهتهم، و نكصوا على أعقابهم، و تولّوا على أدبارهم و عوّلوا على أحسابهم إلّا من فاء من أهل البصائر فإنّهم فارقوك بعد معرفتك، و هربوا إلى اللّه من موازرتك، إذ حملتهم على الصّعب، و عدلت بهم عن القصد، فاتّق اللّه يا معاوية في نفسك و جاذب الشيطان قيادك، فإنّ الدّنيا منقطعة عنك، و الاخرة قريبة منك، و السّلام. (62990- 62912)
و أول هذا الكتاب:
من عبد اللّه عليّ أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان، أمّا بعد: فانّ الدّنيا دار تجارة، و ربحها أو خسرها الاخرة، فالسّعيد من كانت بضاعته فيها الأعمال الصّالحة، و من رأى الدّنيا بعينها، و قدّرها بقدرها، و إنّي لأعظك مع علمي بسابق العلم فيك ممّا لا مردّ له دون نفاذه، و لكنّ اللّه تعالى أخذ على العلماء أن يؤدّوا الأمانة، و أن ينصحوا الغويّ و الرّشيد، فاتّق اللّه، و لا تكن ممّن لا يرجو اللّه وقارا، و من حقّت عليه كلمة العذاب، فإنّ اللّه بالمرصاد، و إنّ دنياك مستدبر عنك، و ستعود حسرة عليك، فاقلع عمّا أنت عليه من الغيّ و الضلال، على كبر سنّك، و فناء عمرك، فانّ حالك اليوم كحال الثوب المهيل الّذي لا يصلح من جانب إلّا فسد من آخر، و قد أرديت جيلا، إلخ.
اللغة:
(أرديت): اوقعت في الهلاك و الضلالة، (جيلا): الجيل من الناس: الصنف منهم فالتّرك جيل و الروم جيل و الهند جيل، (نكصوا): أى انقلبوا (قياد): حبل يقاد به البعير و نحوه، (المهيل) المتداعى في التمزّق و منه رمل مهيل أى ينهال و يسيل (عوّل) على كذا، اعتمد عليه (فاء): رجع (المؤازرة): المعاونة.
الاعراب:
كثيرا: صفة للجيل و يدلّ على متابعة شعوب كثيرة لمعاوية في حرب عليّ عليه السّلام كاقباط الشام و يهود من القاطنين فيها و غيرهم و غرضهم اشعال الحرب بين المسلمين و تضعيف الدين ليحصّلوا حرّيتهم في أديانهم، تغشاهم الظلمات: فعليّة حالية، قيادك: مفعول ثان لقوله «جاذب» و لا يتعدى باب المفاعلة إلى مفعولين على الاصول و يمكن ان يكون منصوبا على التميز فتدبّر.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 20، ص: 46
المعنى:
تعرّض عليه السّلام في كتابه هذا لوعظ معاوية اتماما للحجّة عليه و وفاء بما في ذمّته من إرشاد الناس و توضيح الحقّ لهم ليهلك من هلك عن بيّنة و يحيى من حيّ عن بينّة.
و نبّه معاوية على أنّ ما ارتكبه من الخلاف أمر يرجع إلى إضلال كثير من الناس و لا تدارك له إلّا برجوعه إلى الحقّ و إعلامه ضلالته ليرجع عنها من وقع فيه بغيّه و تلبيسه مع إشارته إلى أنّه لا يتّعظ بمواعظه حيث يقول في صدر الكتاب «و إنّي لأعظك مع علمي بسابق العلم فيك ممّا لا مردّ له دون نفاذه- إلخ» و مقصوده إعلام حاله على سائر المسلمين لئلّا يقعوا في حبل ضلالته و خدعوا بالقاء شبهاته.
و قد نقل الشارح المعتزلي «ص 133 ج 16 ط مصر»: بعد نقل صدر كتابه عن أبي الحسن عليّ بن محمّد المدائنى مكاتبات عدّة بعد هذا الكتاب بين عليّ عليه السّلام و معاوية تحتوى على جمل شديدة اللّحن يبين فيها علىّ عليه السّلام ما عليه معاوية من الغيّ و الضلالة و الخدعة و الجهالة، فيردّ عليه معاوية بما يفترى على عليّ عليه السّلام من الأباطيل و الأضاليل مقرونا بالوعيد و التهديد، ثمّ يقول في «ص 136»:
قلت: و أعجب و أطرب ما جاء به الدّهر ... يفضى أمر عليّ عليه السّلام إلى أن يصير معاوية ندّا له و نظيرا مماثلا، يتعارضان الكتاب و الجواب- إلى أن قال: ثمّ أقول ثانيا لأمير المؤمنين عليه السّلام: ليت شعرى لما ذا فتح باب الكتاب و الجواب بينه و بين معاوية؟ و إذا كانت الضّرورة قد قادت إلى ذلك، فهلّا اقتصر في الكتاب إليه على الموعظة من غير تعرّض للمفاخرة و المنافرة، و إذا كانت لا بدّ منهما فهلّا اكتفى بهما من غير تعرّض لأمر آخر يوجب المقابلة و المعارضة بمثله، و بأشدّ منه «و لا تسبّوا الّذين يدعون من دون اللّه فيسبّوا اللّه عدوا بغير علم» و هلّا دفع هذا الرّجل العظيم الجليل نفسه عن سباب هذا السّفيه الأحمق» ثمّ جرّ الكلام إلى ابتداء علي عليه السّلام بلعن معاوية في القنوت مع عمرو بن العاص و أبي موسى و غيرهم، فقابله معاوية بلعنه مع أولاده و مع جمع من أخصّاء أصحابه.
أقول: ظاهر كلامه تأسّف مع اعتراض شديد أو اعتراض مقرون بتأسّف
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 20، ص: 47
عميق، و يشدّد اعتراضه عليه استدلاله بالاية الشريفة، و فحوى كلامه أنّ عمله عليه السّلام مخالف لمفاد الاية، و هذا جرئة عليه عليه السّلام، و غرضه تنديده بمقام عصمته و امامته و الجواب أنّ لعن أعداء اللّه و الدّعاء عليهم منصوص في القرآن في غير واحد من الايات.
الّذين كقوله عزّ من قائل: «تبّت يدا أبي لهب و تبّ» و قوله عزّ من قائل: «لعن الذین كفروا من بني إسرائيل على لسان داود و عيسى بن مريم ذلك بما عصوا و كانوا يعتدون: 79- المائدة».
مضافا إلى أنّ ما يندرج في كتب عليّ عليه السّلام بيان للحقيقة من أحوال معاوية و المقصود كشف الحقيقة لعموم النّاس حتّى لا يضلّوا بتضليلاته و لا ينخدعوا بخدعه و تسويلاته.
و مفاد الاية الّتي استدلّ بها النّهى عن سبّ الالهة و لعلّ وجهه أنّ الالهة غير مستحقين للسبّ لأنهم أجسام غير شاعرة يعبدون بغير إرادتهم و مستحقّ الملامة و السبّ عبادهم الّذين يصنعونهم و يعبدونهم، مع أنّ الاية نزلت حين ضعف المسلمين و حين الهدنة لأنها مكيّة من سورة الأنعام.
قال في مجمع البيان: «لا تسبّوا الّذين يدعون من دون اللّه» أي لا تخرجوا من دعوة الكفار و محاجّتهم إلى أن تسبّوا ما يعبدونه من دون اللّه فانّ ذلك ليس من الحجاج في شيء «فيسبّوا اللّه عدوا بغير علم» و أنتم اليوم غير قادرين على معاقبتهم بما يستحقون لأنّ الدّار دارهم و لم يؤذن لكم في القتال.
الترجمة:
دسته هاى بسيارى از مردم را بنابودى كشاندى، بگمراهى خود آنان را فريفتى و در امواج تاريك وجود خود افكندى، و پرده هاى تاريك وجود تو آنها را فرو گرفت، و شبهه ها كه ساختى و پرداختى آنانرا درهم پيچيد، تا از پيشاهنگى خود در گذشتند و بروى پاشنه پاى خود سرنگون گشتند، و روى بر پشت دادند و از حق برگشتند، بخاندان و تبار خويش تكيه كردند و از دين خدا برگشتند، جز آنانكه از مردمان بينا و هشيار روى از تو برتافتند و پس از اين كه تو را شناختند از تو جدا شدند و بسوى خدا گريزان باز گشتند و از يارى با تو سر باز زدند، چون كه آنان را بكوهستانى سخت مى بردى و از راه هموار و درست بدر مى كردى، أى معاويه براى خاطر خود از خداوند بپرهيز و مهار خود را كه بدست شيطان دادى و آنرا مى كشد خود بدست گير و بسوى حق بكش زيرا كه دنيا بناخواه از تو بريده مى شود و آخرت بتو نزديكست و بناخواه مى رسد، و السلام.
افزودن دیدگاه جدید